العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
مساعدة الغير، وتقديم العون له . ومن أمثلته يستحب التعاون على فعل الخير، ويحرم التعاون على فعل الشر . ومن شواهده قوله تعالى : ﭽﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷﭼالمائدة :٢ .
المُسَاعَدَةُ، وَالمُعِينُ وَالعَوْنُ: المُسَاعِدُ، يُقَالُ: مَا عِنْدَهُ عَوْنٌ وَلاَ مُعِينٌ أَيْ مُسَاعِدٌ، وَرَجُلٌ مِعْوَانٌ كَثِيرُ المُسَاعَدَةِ لِلنَّاسِ، وَأَصْلُ الإِعَانَةِ: مُشَارَكَةُ غَيْرِه فِي طَلَبِ حَاجَتِهِ، وَالتَّعْوينُ: أَن تَدْخُلَ على غَيْرِك فِي نَصيبِهِ، وَالاسْتِعانَةُ: طَلَبُ العَوْنِ، وَاسْتَعَانَ بِهِ فَأَعَانَهُ وَعَاوَنَهُ، وَالتَّعاوَنُ: تَبَادُلُ العَوْنِ، وَتَعَاوَنَ القَوْمُ أَعَانَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَمِنْ مَعانِي الإِعانَةِ أَيْضًا: المُؤَازَرَةُ والمُنَاصَرَةُ.
يَذْكُرُ الفُقهاءُ مُصْطَلَحَ (الإِعَانَةِ) فِي كِتابِ الزَّكاةِ فِي بَابِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَكِتابِ الجِهادِ فِي بَابِ شُروطِ الجِهادِ، وَكِتابِ القَضَاءِ فِي بَابِ الشَّهادَةِ، وَكِتابِ السِّياسَةِ فِي بَابِ حُقوقِ الإِمامِ.
عون
مساعدة الغير، وتقديم العون له.
* لسان العرب : 298/13 - مختار الصحاح : ص222 - لسان العرب : 298/13 - التوقيف على مهمات التعاريف : ص48 - كشاف القناع : 435/2 - مطالب أولي النهى : 301/3 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الإِْعَانَةُ لُغَةً: مِنَ الْعَوْنِ، وَهُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُسَاعَدَةِ عَلَى الأَْمْرِ.
يُقَال: أَعَنْتُهُ إِعَانَةً، وَاسْتَعَنْتُهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِ فَأَعَانَنِي. كَمَا يُقَال: رَجُلٌ مِعْوَانٌ، وَهُوَ الْحَسَنُ الْمَعُونَةِ، وَكَثِيرُ الْمَعُونَةِ لِلنَّاسِ (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الإِْغَاثَةُ:
2 - الإِْغَاثَةُ: هِيَ الإِْعَانَةُ وَالنُّصْرَةُ فِي حَال شِدَّةٍ أَوْ ضِيقٍ (2) .
أَمَّا الإِْعَانَةُ فَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ فِي شِدَّةٍ أَوْ ضِيقٍ.
3 - الاِسْتِعَانَةُ: هِيَ طَلَبُ الْعَوْنِ. يُقَال: اسْتَعَنْتُ بِفُلاَنٍ فَأَعَانَنِي وَعَاوَنَنِي (3) ، وَفِي الْحَدِيثِ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ (4) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلإِْعَانَةِ بِحَسَبِ أَحْوَالِهَا، فَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً، وَقَدْ تَكُونُ مَنْدُوبَةً، وَقَدْ تَكُونُ مُبَاحَةً أَوْ مَكْرُوهَةً أَوْ مُحَرَّمَةً.
الإِْعَانَةُ الْوَاجِبَةُ:
أ - إِعَانَةُ الْمُضْطَرِّ:
5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ إِعَانَةِ الْمُضْطَرِّ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِإِعْطَائِهِ مَا يَحْفَظُ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ، وَكَذَلِكَ بِإِنْقَاذِهِ مِنْ كُل مَا يُعَرِّضُهُ لِلْهَلاَكِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ، فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَجَبَتِ الإِْعَانَةُ عَلَيْهِ وُجُوبًا عَيْنِيًّا، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا كِفَائِيًّا عَلَى الْقَادِرِينَ، فَإِنْ قَامَ بِهِ أَحَدُهُمْ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِلاَّ أَثِمُوا جَمِيعًا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ أَنْ تُقَطَّعَ، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ ﵁، فَقَال لَهُمْ: فَهَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ (5) .؟ ،
وَمِثْل ذَلِكَ إِعَانَةُ الأَْعْمَى إِذَا تَعَرَّضَ لِهَلاَكٍ، وَإِعَانَةُ الصَّغِيرِ لإِِنْقَاذِهِ مِنْ عَقْرَبٍ وَنَحْوِهِ (6) .
ب - الإِْعَانَةُ لإِِنْقَاذِ الْمَال:
6 - تَجِبُ الإِْعَانَةُ لِتَخْلِيصِ مَال الْغَيْرِ مِنَ الضَّيَاعِ قَلِيلاً كَانَ الْمَال أَوْ كَثِيرًا، حَتَّى أَنَّهُ تُقْطَعُ الصَّلاَةُ لِذَلِكَ (7) . وَفِي بِنَاءِ الْمُصَلِّي عَلَى صَلاَتِهِ أَوِ اسْتِئْنَافِهَا خِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُبْطِلاَتِ الصَّلاَةِ.
ج - الإِْعَانَةُ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ:
7 - يَجِبُ إِعَانَةُ الْمُسْلِمِينَ بِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ أَوِ الْخَاصِّ عَنْهُمْ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (8) . وَلِقَوْل رَسُول اللَّهِ ﷺ: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمْهُ وَلاَ يُسْلِمْهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ (9) . وَكُلَّمَا كَانَ هُنَاكَ رَابِطَةُ قَرَابَةٍ أَوْ حِرْفَةٍ كَانَ التَّعَاوُنُ بَيْنَهُمْ أَوْجَبَ (10) . (ر: عَاقِلَةٌ) .
د - إِعَانَةُ الْبَهَائِمِ:
8 - صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِوُجُوبِ إِعَانَةِ الْبَهَائِمِ بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا فِيمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ عَلَفٍ وَإِقَامَةٍ وَرِعَايَةٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُل مِنْ خَشَاشِ الأَْرْضِ (11) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ وَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَل فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُل الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَال الرَّجُل: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ الْعَطَشِ مِثْل الَّذِي بَلَغَ بِي، فَنَزَل الْبِئْرَ فَمَلأََ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ ، فَقَال: فِي كُل ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ (12) .
الإِْعَانَةُ الْمَنْدُوبَةُ:
9 - وَتَكُونُ الإِْعَانَةُ مَنْدُوبَةً إِذَا كَانَتْ فِي خَيْرٍ لَمْ يَجِبْ.
الإِْعَانَةُ الْمَكْرُوهَةُ:
10 - الإِْعَانَةُ عَلَى فِعْل الْمَكْرُوهِ تَأْخُذُ حُكْمَهُ فَتَكُونُ مَكْرُوهَةً، مِثْل الإِْعَانَةِ عَلَى الإِْسْرَافِ فِي الْمَاءِ، أَوِ الاِسْتِنْجَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمٍ، أَوْ عَلَى الإِْسْرَافِ فِي الْمُبَاحِ بِأَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فَوْقَ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا. مِثْل إِعْطَاءِ السَّفِيهِ الْمَال الْكَثِيرَ، وَإِعْطَاءِ الصَّبِيِّ غَيْرِ الرَّاشِدِ مَا لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ (13) .
الإِْعَانَةُ عَلَى الْحَرَامِ:
11 - تَأْخُذُ الإِْعَانَةُ عَلَى الْحَرَامِ حُكْمَهُ، مِثْل الإِْعَانَةِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَإِعَانَةِ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: أَتَانِي جِبْرِيل فَقَال: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ ﷿ لَعَنَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَسَاقِيَهَا وَمُسْتَقِيَهَا (14) .
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - فِي إِعَانَةِ الظَّالِمِ - عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ أَوْ يُعِينُ عَلَى ظُلْمٍ لَمْ يَزَل فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ (15) .
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ ﵄ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: مَثَل الَّذِي يُعِينُ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ كَمَثَل بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَهُوَ يَنْزِعُ مِنْهَا بِذَنَبِهِ (16) . وَلِحَدِيثِ مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ ﷿، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ (17) . وَحَدِيثُ انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَال: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ (18) .
إِعَانَةُ الْكَافِرِ:
أ - الإِْعَانَةُ بِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ:
12 - يَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَاتِ التَّطَوُّعِ لِلْكَافِرِ غَيْرِ الْحَرْبِيِّ (19) . انْظُرْ مُصْطَلَحَ (صَدَقَةٌ) .
ب - الإِْعَانَةُ بِالنَّفَقَةِ:
13 - صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ - مَعَ اخْتِلاَفِ الَّذِي - لِلزَّوْجَةِ وَقَرَابَةِ الْوِلاَدِ أَعْلَى وَأَسْفَل، لإِِطْلاَقِ النُّصُوصِ، وَلأَِنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ جَزَاءُ الاِحْتِبَاسِ، وَذَلِكَ لاَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الدِّينِ.
وَأَمَّا قَرَابَةُ الْوِلاَدِ فَلِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ، إِذِ الْجُزْئِيَّةُ فِي مَعْنَى النَّفْسِ، وَنَفَقَةُ النَّفْسِ تَجِبُ مَعَ الْكُفْرِ فَكَذَا الْجُزْءُ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ) (20) .
ج - الإِْعَانَةُ فِي حَالَةِ الاِضْطِرَارِ:
14 - يَجِبُ إِعَانَةُ الْمُضْطَرِّ بِبَذْل الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ مَعْصُومًا، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهَدًا، فَإِنِ امْتَنَعَ مَنْ لَهُ فَضْل طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ مِنْ دَفْعِهِ لِلْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ - وَلَوْ كَافِرًا - جَازَ لَهُ قِتَالُهُ بِالسِّلاَحِ أَوْ بِغَيْرِ السِّلاَحِ (21) . عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ فِي الْمَذَاهِبِ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (اضْطِرَارٌ) .
آثَارُ الإِْعَانَةِ:
يَتَرَتَّبُ عَلَى الإِْعَانَةِ آثَارٌ مِنْهَا:
أ - الأَْجْرُ عَلَى الإِْعَانَةِ:
15 - الأَْجْرُ عَلَى الإِْعَانَةِ إِمَّا أُخْرَوِيٌّ، وَهُوَ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ مِنْهَا، وَإِمَّا دُنْيَوِيٌّ. فَإِنَّ الإِْعَانَةَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ، وَالأَْصْل أَنَّهُ لاَ يُسْتَحَقُّ عَلَيْهَا أَجْرٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِرًّا لِلْوَالِدَيْنِ مِثْل إِعَانَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، أَمْ لِلنَّاسِ مِثْل إِعَانَةِ الْمُحْتَاجِ بِالْقَرْضِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكَفَالَةِ (22) .
وَقَدْ يَأْخُذُ الْمُعِينُ أَجْرًا عَلَى بَعْضِ الأَْعْمَال الَّتِي يُؤَدِّي فِيهَا فِعْلاً مُعَيَّنًا مِثْل الْوَكَالَةِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى تِلْكَ الأَْبْوَابِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَفِي مُصْطَلَحَاتِهَا (23) .
ب - الْعِقَابُ عَلَى الإِْعَانَةِ:
16 - لَمْ يَذْكُرِ الْعُلَمَاءُ عُقُوبَاتٍ مُعَيَّنَةً لِلإِْعَانَةِ عَلَى الْمُحَرَّمِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا بِالتَّعْزِيرِ عَلَى الذُّنُوبِ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا الْحُدُودُ (24) ، لأَِنَّ دَرْءَ الْمُفْسِدِينَ مُسْتَحَبٌّ فِي الْعُقُول (25) ، فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ دَرْءُ الْفَسَادِ بِرَدْعِ الْمُفْسِدِينَ وَمَنْ يُعِينُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِتَعْزِيرِهِمْ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ تِلْكَ الإِْعَانَةِ الْمُحَرَّمَةِ.
أَمَّا عَنِ الإِْثْمِ الأُْخْرَوِيِّ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الإِْعَانَةِ فِي الْحَرَامِ، فَقَدْ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ﵁: أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ. قَال: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟ قَال: أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي، لاَ يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلاَ يَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ، وَسَيَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي، يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: إِنَّهُ لاَ يَدْخُل الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ. يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: النَّاسُ غَادِيَانِ، فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا (26) .
17 - نَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُعِينَ عَلَى الْجَرِيمَةِ يَأْخُذُ حُكْمَ الأَْصِيل فِي بَعْضِ الأَْحْوَال، كَالرَّبِيئَةِ، وَمُقَدِّمِ السِّلاَحِ، وَالْمُمْسِكِ لِلْقَتْل، وَالرِّدْءِ وَنَحْوِهِمْ. وَيُرْجَعُ إِلَى ذَلِكَ فِي مَبَاحِثِ الْجِنَايَاتِ وَالْمِيرَاثِ وَغَيْرِهَا.
ج - الضَّمَانُ:
18 - مَنْ تَرَكَ الإِْعَانَةَ الْوَاجِبَةَ قَدْ يَلْحَقُهُ الضَّمَانُ. قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا تَرَكَ إِنْسَانٌ إِعَانَةَ مُضْطَرٍّ فَمَنَعَ عَنْهُ الطَّعَامَ حَتَّى مَاتَ، فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ قَصَدَهُ فَعَمْدٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، بِجَوَازِ قِتَال الْمَانِعِينَ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ - غَيْرِ الْمَحُوزِ - عَنِ الْمُضْطَرِّينَ لَهُ وَالْمُشْرِفِينَ عَلَى الْهَلاَكِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ أَنْ تُقَطَّعَ فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ ﵁. فَقَال لَهُمْ عُمَرُ: فَهَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ (27) . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ إِذَا مُنِعَ مِنَ الْمَاءِ، لَهُ أَنْ يُقَاتِل بِالسِّلاَحِ عَلَيْهِ. عَلَى أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يُصَرِّحُوا بِضَمَانِ الْمُتَسَبِّبِ فِي هَلاَكِ الْعَطْشَانِ وَالْجَائِعِ، وَإِنْ كَانَتْ قَوَاعِدُهُمْ تَدُل عَلَى ذَلِكَ (ر: صِيَالٌ) .
وَمَنْ رَأَى خَطَرًا مُحْدِقًا بِإِنْسَانٍ، أَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى إِنْقَاذِهِ فَلَمْ يَفْعَل، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ الَّذِينَ رَبَطُوا الضَّمَانَ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوِ التَّسَبُّبِ.
كَمَا يَضْمَنُ، حَامِل الْحَطَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا تَرَكَ تَنْبِيهَ الأَْعْمَى وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ حَتَّى تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ ضَرَرٌ لَهُ أَوْ لِثِيَابِهِ (1) .
هَذَا وَقَدْ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي بَعْضِ عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ مِثْل الْكَفَالَةِ بِأَمْرِ الْمَكْفُول، فَيَضْمَنُ عِنْدَ عَجْزِ الْمَكْفُول الْمَدِينِ.
وَفِي الْوَكَالَةِ عِنْدَ التَّفْرِيطِ أَوِ التَّعَدِّي (2) ، وَهِيَ مِنَ الإِْعَانَاتِ. ر: (كَفَالَةٌ، وَكَالَةٌ) .
__________
(1) لسان العرب والمصباح في مادة: (عون) .
(2) المصباح المنير واللسان في مادة: (غوث) .
(3) الجوهري ولسان العرب في مادة: (عون) .
(4) حديث " اللهم إنا نستعينك ونستغفرك " أورده الزيلعي في نصب الراية وعزاه إلى مراسيل أبي داود (نصب الراية 2 / 135، 136 ط دار المأمون) .
(5) الأثر عن عمر ﵁ " فهلا وضعتم فيهم السلاح " أورده أبو يوسف في الخراج، ولم يذكر له إسنادا، وأورده السرخسي في المبسوط أيضا. . (الرتاج بتحقيق الكبيسي 1 / 651 ط مطبعة الإرشاد، والمبسوط 23 / 166، وانظر المغني 8 / 602 ط الرياض، وحاشية الدسوقي 4 / 242، والجمل 5 / 7 ط إحياء التراث العربي) .
(6) حاشية الدسوقي 1 / 289 ط دار الفكر، والحطاب 2 / 36 ط ليبيا، وابن عابدين 1 / 440، 478.
(7) حاشية الدسوقي 1 / 289 ط دار الفكر، والحطاب 2 / 36 ط ليبيا، وابن عابدين 1 / 438، 440، والمغني 2 / 49 ط الرياض، والمجموع 4 / 81.
(8) سورة المائدة / 2.
(9) حديث " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. . . " أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمر ﵄ مرفوعا (فتح الباري 5 / 97 ط السلفية) ، وانظر جواهر الإكليل 1 / 251 وقليوبي وعميرة 4 / 214، وإعانة الطالبين 2 / 189.
(10) ابن عابدين 5 / 414، والدسوقي 4 / 282، وإعانة الطالبين 2 / 189.
(11) حديث: " عذبت امرأة في هرة سجنتها " أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له من حديث عبد الله بن عمر ﵄ مرفوعا. (فتح الباري 5 / 41 ط السلفية، وصحيح مسلم 4 / 1760 ط عيسى الحلبي) .
(12) حديث: " بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش. . . ". أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا (فتح الباري 10 / 438 ط السلفية) . وانظر المغني 7 / 634، 635 ط الرياض، والاختيار 4 / 14، وحاشية الدسوقي 2 / 22 ط دار الفكر، ونهاية المحتاج 7 / 229 ط المكتب الإسلام
(13) ابن عابدين 1 / 89 ط بولاق.
(14) حديث: " أتاني جبريل. . . " أخرجه أحمد والحاكم من حديث ابن عباس ﵄ مرفوعا، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، كما قال أحمد شاكر محقق المسند: إسناده صحيح (مسند أحمد بن حنبل 4 / 322 ط دار المعارف بمصر، والمستدرك 4 / 45) .
(15) حديث: " من أعان على خصومة بظلم. . . ". أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن عمر ﵄ مرفوعا، وفي إسناديهما مطر بن طهمان الوراق، قال عنه المنذري: قد ضعفه غير واحد، كما أن في إسناد أبي داود المثنى بن يزيد الثقفي وهو مجهول. (عون المعبود 3 / 334 ط الهند، وسنن ابن ماجه 2 / 778 ط عيسى الحلبي) .
(16) حديث: " مثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثل بعير. . . " أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود ﵁ مرفوعا، وعزاه المنذري إلى أبي داود، قال المناوي: فيه انقطاع، فإن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه. (موارد الظمآن ص 290 - 291 ط دار الكتب العلمية، والترغيب والترهيب 4 / 246 ط السعادة، وفيض القدير 5 / 511 ط المكتبة التجارية) .
(17) حديث: " من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة. . . " أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا، وقال الحافظ البوصيري في الزوائد: في إسناده يزيد بن أبي زياد، بالغوا في تضعيفه، حتى قيل كأنه حديث موضوع. (سنن ابن ماجه 2 / 874 ط عيسى الحلبي، وفيض القدير 6 / 72 ط المكتبة التجارية) .
(18) حديث: " انصر أخاك ظالما أو مظلوما. . " أخرجه البخاري من حديث أنس ﵁ مرفوعا (فتح الباري 5 / 98 ط السلفية) .
(19) ابن عابدين 2 / 67، ومغني المحتاج 3 / 121.
(20) الاختيار 4 / 11، وبلغة السالك 2 / 328، ومغني المحتاج 3 / 426، 446، 447، والمغني 7 / 601 وما بعدها.
(21) ابن عابدين 5 / 283، والدسوقي 2 / 116، 117، وجواهر الإكليل 1 / 218، ومغني المحتاج 4 / 308، 309، ومطالب أولي النهى 6 / 319.
(22) الاختيار 1 / 118، 2 / 156، 166، 3 / 48 ط المعرفة، والمغني 4 / 534، 5 / 591 ط الرياض، وجواهر الإكليل 2 / 75، 125، 211 ط شقرون، ونهاية المحتاج 4 / 439، 5 / 401، 6 / 149 ط مصطفى الحلبي.
(23) الاختيار 2 / 50، 156، والمغني 5 / 79، 397، وجواهر الإكليل 2 / 125، 145، ونهاية المحتاج 5 / 14، 258.
(24) الأحكام السلطانية للماوردي ص 236 ط مصطفى الحلبي.
(25) إعلام الموقعين 2 / 102 ط محيي الدين.
(26) حديث جابر بن عبد الله ﵄ أن النبي ﷺ قال لكعب بن عجرة: " أعاذك الله من إمارة السفهاء. . . ". أخرجه أحمد والبزار. قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح (مسند أحمد بن حنبل 3 / 321 ط الميمنية، وكشف الأستار عن زوائد البزار 2 / 241 ط مؤسسة الرسالة، ومجمع الزوائد 5 / 247 نشر مكتبة القدسي) .
(27) سبق تخريجه في ف (5) .
الموسوعة الفقهية الكويتية: 195/ 5