الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
الادعاء على شخص حقاً لله، أو لآدمي، وتوقيفُه حتى تتبين صحة الدعوى، أو بطلانها . ومن شواهده حديث بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : " أَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - نَاسًا مِنْ قَوْمِي فِي تُهْمَةٍ فَحَبَسَهُمْ ." أحمد :20019.
الادعاء على شخص حقاً لله، أو لآدمي، حتى تتبين صحة الدعوى، أو بطلانها.
التَّعْرِيفُ:
1 - التُّهْمَةُ بِسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا الشَّكُّ وَالرِّيبَةُ وَأَصْل التَّاءِ فِيهَا الْوَاوُ وَلأَِنَّهَا مِنَ الْوَهْمِ.
يُقَال اُتُّهِمَ الرَّجُل أَيْ: أَتَى بِمَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ. وَأَتْهَمْتُهُ ظَنَنْتُ بِهِ سُوءًا، وَاتَّهَمْتُهُ بِالتَّثْقِيل مِثْلُهُ (1)
وَلاَ يَخْرُجُ اصْطِلاَحُ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
تَقْسِيمُ التُّهْمَةِ:
2 - قَسَّمَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التُّهَمَ مِنْ حَيْثُ الْقُوَّةُ وَالضَّعْفُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ فَقَال: التُّهَمُ ثَلاَثَةُ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا تُهْمَةٌ قَوِيَّةٌ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ لِنَفْسِهِ، وَشَهَادَةِ الشَّاهِدِ لِنَفْسِهِ، فَهَذِهِ تُهْمَةٌ مُوجِبَةٌ لِرَدِّ الْحُكْمِ وَالشَّهَادَةِ، لأَِنَّ قُوَّةَ الدَّاعِي الطَّبْعِيِّ قَادِحَةٌ فِي الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْوَازِعِ الشَّرْعِيِّ قَدْحًا ظَاهِرًا لاَ يَبْقَى مَعَهُ إِلاَّ ظَنٌّ ضَعِيفٌ لاَ يَصْلُحُ لِلاِعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَلاَ لاِسْتِنَادِ الْحُكْمِ إلَيْهِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: تُهْمَةٌ ضَعِيفَةٌ كَشَهَادَةِ الأَْخِ لأَِخِيهِ، وَالصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ، وَالرَّفِيقِ لِرَفِيقِهِ، فَلاَ أَثَرَ لِهَذِهِ التُّهْمَةِ، وَقَدْ خَالَفَ مَالِكٌ ﵀ فِي الصَّدِيقِ الْمُلاَطِفِ، وَلاَ تَصْلُحُ تُهْمَةُ الصَّدَاقَةِ لِلْقَدْحِ فِي الْوَازِعِ الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ وَقَعَ الاِتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لاَ تُرَدُّ بِكُل تُهْمَةٍ.
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: تُهْمَةٌ مُخْتَلَفٌ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا وَلَهَا رُتَبٌ:
أَحَدُهَا: تُهْمَةٌ قَوِيَّةٌ وَهِيَ تُهْمَةُ شَهَادَةِ الْوَالِدِ لأَِوْلاَدِهِ وَأَحْفَادِهِ، أَوْ لآِبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ، فَالأَْصَحُّ أَنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلرَّدِّ لِقُوَّةِ التُّهْمَةِ، وَعَنْ أَحْمَدَ ﵀ تَعَالَى رِوَايَاتٌ: ثَالِثُهَا: رَدُّ شَهَادَةِ الأَْبِ وَقَبُول شَهَادَةِ الاِبْنِ؛ لِقُوَّةِ تُهْمَةِ الأَْبِ لِفَرْطِ شَفَقَتِهِ وَحُنُوِّهِ عَلَى الْوَلَدِ.
الرُّتْبَةُ الثَّانِيَةُ: تُهْمَةُ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ وَهِيَ مُوجِبَةٌ لِلرَّدِّ لِقُوَّةِ التُّهْمَةِ وَخَالَفَ فِيهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ.
الرُّتْبَةُ الثَّالِثَةُ: تُهْمَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إِذَا شَهِدَ لِلآْخَرِ وَفِيهَا أَقْوَالٌ: ثَالِثُهَا رَدُّ شَهَادَةِ الزَّوْجَةِ دُونَ الزَّوْجِ لأَِنَّ تُهْمَتَهَا أَقْوَى مِنْ تُهْمَةِ الزَّوْجِ؛ لأَِنَّ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنَ الْحَقِّ مُتَعَلِّقٌ لِكِسْوَتِهَا وَنَفَقَتِهَا وَسَائِرِ حُقُوقِهَا.
الرُّتْبَةُ الرَّابِعَةُ: تُهْمَةُ الْقَاضِي إِذَا حَكَمَبِعِلْمِهِ، وَالأَْصَحُّ أَنَّهَا لاَ تُوجِبُ الرَّدَّ إِذَا كَانَ الْحَاكِمُ ظَاهِرَ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ.
الرُّتْبَةُ الْخَامِسَةُ: تُهْمَةُ الْحَاكِمِ فِي إِقْرَارِهِ بِالْحُكْمِ، وَهِيَ مُوجِبَةٌ لِلرَّدِّ عِنْدَ مَالِكٍ ﵀ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀، لأَِنَّ مَنْ مَلَكَ الإِْنْشَاءَ مَلَكَ الإِْقْرَارَ، وَالْحَاكِمُ مَالِكٌ لإِِنْشَاءِ الْحُكْمِ فَمَلَكَ الإِْقْرَارَ بِهِ. وَقَوْل مَالِكٍ ﵀ مُتَّجَهٌ إِذَا مَنَعْنَا الْحُكْمَ بِالْعِلْمِ.
الرُّتْبَةُ السَّادِسَةُ: تُهْمَةُ حُكْمِ الْحَاكِمِ مَانِعَةٌ مِنْ نُفُوذِ حُكْمِهِ لأَِوْلاَدِهِ وَأَحْفَادِهِ وَعَلَى أَعْدَائِهِ وَأَضْدَادِهِ. قَال: وَإِنَّمَا رُدَّتِ الشَّهَادَةُ بِالتُّهَمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُضْعِفَةٌ لِلظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنَ الشَّهَادَةِ، وَمُوجِبَةٌ لاِنْحِطَاطِهِ عَنِ الظَّنِّ الَّذِي لاَ يُعَارِضُهُ تُهْمَةٌ، وَبِأَنَّ دَاعِيَ الطَّبْعِ أَقْوَى مِنْ دَاعِي الشَّرْعِ، وَيَدُل عَلَى ذَلِكَ رَدُّ شَهَادَةِ أَعْدَل النَّاسِ لِنَفْسِهِ، وَرَدُّ حُكْمِ أَقْسَطِ النَّاسِ لِنَفْسِهِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
اللَّوْثُ:
3 - يُطْلَقُ اللَّوْثُ عَلَى الْبَيِّنَةِ الضَّعِيفَةِ غَيْرِ الْكَامِلَةِ، وَعَلَى الْجِرَاحَاتِ وَالْمُطَالَبَاتِ بِالأَْحْقَادِ لِشِبْهِ الدَّلاَلَةِ، وَلاَ تَكُونُ بَيِّنَةً تَامَّةً (3)
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ قَرِينَةٌ تُثِيرُ الظَّنَّ، وَتُوقِعُ فِي الْقَلْبِ صِدْقَ الْمُدَّعِي (4) . الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - تَحْرُمُ التُّهْمَةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَمَارَةٌ صَحِيحَةٌ، أَوْ سَبَبٌ ظَاهِرٌ كَاتِّهَامِ مَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَسُوءِ الظَّنِّ بِهِمْ. أَمَّا مَنِ اُشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ بِتَعَاطِي الرِّيَبِ وَالْمُجَاهَرَةِ بِالْخَبَائِثِ، فَلاَ يَحْرُمُ اتِّهَامُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ (5) } .
وَفِي الآْيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ جَمِيعَ الظَّنِّ (6) .
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْحُدُودَ لاَ تُقَامُ بِالتُّهْمَةِ وَالظَّنِّ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ التُّهْمَةَ لَهَا بَعْضُ الآْثَارِ فِي الْمُتَّهَمِ.
التُّهْمَةُ فِي الشَّهَادَةِ:
5 - أَصْل رَدِّ الشَّهَادَةِ، وَمَبْنَاهُ التُّهْمَةُ: وَالشَّهَادَةُ خَبَرٌ يَحْتَمِل الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَحُجَّتُهُ بِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ، فَإِذَا شَابَتِ الْحُجَّةَ شَائِبَةُ التُّهْمَةِ ضَعُفَتْ، وَلَمْ تَصْلُحْ لِلتَّرْجِيحِ (7) .
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ مُتَّهَمٍ (8) . أَسْبَابُ تُهْمَةِ الشَّاهِدِ
6 - مِنْ أَسْبَابِ تُهْمَةِ الشَّاهِدِ:
مَا يَرْجِعُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الشَّاهِدِ كَالْفِسْقِ إِذَا ثَبَتَ؛ لأَِنَّ مَنْ لاَ يَنْزَجِرُ عَنْ غَيْرِ الْكَذِبِ مِنْ مَحْظُورَاتِ دِينِهِ فَلاَ يُؤْمَنُ أَلاَّ يَنْزَجِرَ عَنِ الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ، فَلاَ تَحْصُل بِشَهَادَتِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ (9) . وَلِلتَّفْصِيل يُرْجَعُ إلَى (فِسْقٌ) .
وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى فِي الْمَشْهُودِ لَهُ: كَالإِْيثَارِ لِلْقَرَابَةِ.
وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى خَلَلٍ فِي التَّمْيِيزِ وَإِدْرَاكِ الأُْمُورِ عَلَى حَقِيقَتِهَا: كَالْغَفْلَةِ وَالْعَمَى، وَالصِّبَا وَنَحْوِ ذَلِكَ (10) .
هَذَا وَلَمْ نَقِفْ عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ بِتُهْمَةِ الْكَذِبِ.
7 - وَلَمْ يَخْتَلِفْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ كُل مَنْ لَهُ مَصْلَحَةٌ فِي مَوْضُوعِ الشَّهَادَةِ بِتُهْمَةِ جَرِّ النَّفْعِ لِنَفْسِهِ أَوْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا، كَالشَّرِيكِ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ، وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ عَلَى عَمَلٍ قَامَ بِهِ هُوَ كَمَا تُرَدُّ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ يَتَحَمَّلُونَهُ، وَشَهَادَةُ الْغُرَمَاءِ بِفِسْقِ شُهُودِ دَيْنٍ آخَرَ وَذَلِكَ بِتُهْمَةِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ النَّفْسِ (11) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَةٌ) . رَدُّ الشَّهَادَةِ بِتُهْمَةِ الإِْيثَارِ وَالْمَحَبَّةِ:
8 - مِمَّا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَأْثِيرِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فِي إِسْقَاطِ الشَّهَادَةِ: تُهْمَةُ الْمَحَبَّةِ وَالإِْيثَارِ، فَتُرَدُّ شَهَادَةُ الأَْصْل لِفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَل، وَشَهَادَةِ الْفَرْعِ لِلأَْصْل عَلَى خِلاَفٍ فِي ذَلِكَ وَإِنْ عَلاَ الأَْصْل لِتُهْمَةِ إِيثَارِ الْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ مُتَّصِلَةٌ؛ وَلِهَذَا مَنَعُوا أَدَاءَ زَكَاةِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ، فَتَكُونُ شَهَادَةً لِلنَّفْسِ وَتَتَمَكَّنُ فِيهِ التُّهْمَةُ (12) . وَلِحَدِيثِ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ ظَنِينٍ فِي وَلاَءٍ وَلاَ قَرَابَةٍ (13) .
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِ تُهْمَةِ الإِْيثَارِ عَلَى شَهَادَةِ الأَْخِ لأَِخِيهِ، بِتَفْصِيلٍ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: شَهَادَةٌ. (14)
وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْثِيرِ تُهْمَةِ الْمَحَبَّةِ وَالإِْيثَارِ فِي شَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلآْخَرِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى رَدِّ شَهَادَةِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ لِلآْخَرِ وَقَالُوا: لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرِثُ الآْخَرَ مِنْ غَيْرِ حَجْبٍ وَتَتَبَسَّطُ الزَّوْجَةُ فِي مَال الزَّوْجِ، وَتَزِيدُ نَفَقَتُهَا بِغِنَاهُ فَلَمْ تُقْبَل شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلآْخَرِ بِتُهْمَةِ جَرِّ النَّفْعِ (15) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: تُقْبَل شَهَادَةُ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ لِلآْخَرِ؛ لأَِنَّ الأَْمْلاَكَ بَيْنَهُمَا مُتَمَيِّزَةٌ وَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا، وَلاَ اعْتِبَارَ بِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ لِثُبُوتِهِ ضِمْنًا فَلاَ تُهْمَةَ (16) .
رَدُّ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ:
9 - تُرَدُّ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لِتُهْمَةِ قَصْدِ الإِْضْرَارِ وَالتَّشَفِّي إِذَا كَانَتِ الْعَدَاوَةُ دُنْيَوِيَّةً عِنْدَ الأَْكْثَرِ؛ لأَِنَّ الْعَدُوَّ قَدْ يَجُرُّ لِنَفْسِهِ نَفْعًا بِشَهَادَتِهِ، وَهُوَ التَّشَفِّي مِنَ الْعَدُوِّ فَيَصِيرُ مُتَّهَمًا كَشَهَادَةِ الْقَرِيبِ لِقَرِيبِهِ. أَمَّا الْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ فَلاَ تَمْنَعُ قَبُول الشَّهَادَةِ اتِّفَاقًا (17) .
رَدُّ الشَّهَادَةِ بِالْغَفْلَةِ وَالْغَلَطِ:
10 - وَمِمَّا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ: الْغَفْلَةُ وَكَثْرَةُ الْغَلَطِ. فَتُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُغَفَّل وَكُل مَنْ يُعْرَفُ بِكَثْرَةِ الْغَلَطِ وَعَدَمِ الضَّبْطِ، كَمَا تُرَدُّ رِوَايَتُهُ؛ لِقِيَامِ احْتِمَال الْغَلَطِ، وَعَدَمِ الضَّبْطِ فَيَكُونُ مُتَّهَمًا فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا (18) .
حُكْمُ الْقَاضِي لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ:
11 - لاَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ فِيمَا لاَ يُقْبَل فِيهِ شَهَادَتُهُ فَلاَ يَقْضِي لِنَفْسِهِ، وَلاَ يَقْضِي لأَِحَدٍ مِنْ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَإِنْ نَزَلُوا أَوْ عَلَوْا، وَلاَ لِشَرِيكِهِ فِيمَا لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ، وَلِوَكِيلِهِ فِيمَا هُوَ مُوَكَّلٌ فِيهِ، فَإِنْ فَعَل لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. وَذَلِكَ لِمَوْضِعِ التُّهْمَةِ، وَلِلتَّفْصِيل وَاخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (قَضَاءٌ) .
حِرْمَانُ الْوَارِثِ مِنَ الْمِيرَاثِ بِالتُّهْمَةِ:
12 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي حِرْمَانِ الْقَاتِل عَمْدًا عُدْوَانًا مِنَ الْمِيرَاثِ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَوْرِيثِ الْقَاتِل خَطَأً أَوِ الْقَاتِل بِحَقٍّ. فَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى حِرْمَانِهِمَا، وَذَلِكَ لِتُهْمَةِ اسْتِعْجَال الإِْرْثِ قَبْل أَوَانِهِ.
وَالتَّفْصِيل: فِي مُصْطَلَحِ: (إرْثٌ) .
عَدَمُ وُقُوعِ طَلاَقِ الْمُطَلِّقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ:
13 - لاَ يَقَعُ طَلاَقُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ عِنْدَ فَرِيقٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ لِتُهْمَةِ قَصْدِ إِضْرَارِ الزَّوْجَةِ بِحِرْمَانِهَا الْمِيرَاثَ.
وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيل مُصْطَلَحَ: (طَلاَقٌ) . التَّعْزِيرُ بِالتُّهْمَةِ:
14 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْحُدُودَ لاَ تُقَامُ بِالتُّهْمَةِ.
أَمَّا التَّعْزِيرُ بِالتُّهْمَةِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَوِ الْوَالِي تَعْزِيرَ الْمُتَّهَمِ، إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا وَلَمْ يَكْتَمِل نِصَابُ الْحُجَّةِ. أَوِ اسْتَفَاضَ عَنْهُ أَنَّهُ يَعِيثُ فِي الأَْرْضِ فَسَادًا. وَقَالُوا: إِنَّ الْمُتَّهَمَ بِذَلِكَ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَلاَ يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ بَل يُعَزَّرُ مُتَّهِمُهُ. وَإِنْ كَانَ مَجْهُول الْحَال فَيُحْبَسُ حَتَّى يَنْكَشِفَ أَمْرُهُ. إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ فَيُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ بِالْحَبْسِ. وَقَالُوا: وَهُوَ الَّذِي يَسَعُ النَّاسَ، وَعَلَيْهِ الْعَمَل.
قَال ابْنُ قَيِّمٍ الْجَوْزِيَّةَ: إِذَا كَانَ الْمُتَّهَمُ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ كَالسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْقَتْل وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا جَازَ حَبْسُ الْمَجْهُول فَحَبْسُ هَذَا أَوْلَى. قَال شَيْخُنَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ الأَْئِمَّةِ أَيْ: أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَقُول: إِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الدَّعَاوَى يَحْلِفُ وَيُرْسَل بِلاَ حَبْسٍ وَلاَ غَيْرِهِ فَلَيْسَ هَذَا عَلَى إِطْلاَقِهِ مَذْهَبًا لأَِحَدٍ مِنَ الأَْئِمَّةِ الأَْرْبَعَةِ، وَلاَ غَيْرِهِمْ مِنَ الأَْئِمَّةِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا عَلَى إِطْلاَقِهِ وَعُمُومِهِ هُوَ الشَّرْعُ، فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا مُخَالِفًا لِنُصُوصِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَلإِِجْمَاعِ الأُْمَّةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَكْفِي لِقِيَامِ التُّهْمَةِ إِنْ كَانَ مَجْهُول الْحَال، شَهَادَةُ مَسْتُورَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَاحِدٍ.أَمَّا إِذَا كَانَ مَشْهُورًا بِالْفَسَادِ فَيَكْفِي فِيهِ عِلْمُ الْقَاضِي (19) .
التَّحْلِيفُ لِلتُّهْمَةِ:
15 - يَحْلِفُ الْمُودَعُ، وَالْوَكِيل، وَالْمُضَارِبُ، وَكُل مَنْ يُصَدَّقُ قَوْلُهُ عَلَى تَلَفِ مَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ، إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى خِيَانَتِهِ، كَخَفَاءِ سَبَبِ التَّلَفِ وَنَحْوِهِ.
وَلِلتَّفْصِيل يُرْجَعُ إِلَى الأَْبْوَابِ الْمَذْكُورَةِ.
__________
(1) المصباح المنير مادة: " تهم " ولسان العرب والوسيط في اللغة، مادة: " وهم ".
(2) القواعد للعز بن عبد السلام ص29 - 30.
(3) المصباح ومتن اللغة مادة: " لوث "، والروضة للنووي 10 / 10.
(4) روضة الطالبين 10 / 10، وأسنى المطالب 4 / 98.
(5) سورة الحجرات / 11.
(6) أحكام القرآن للهراسي 4 / 415.
(7) فتح القدير 6 / 473 ط إحياء التراث - بيروت.
(8) حديث: " لا تجوز شهادة متهم " أخرجه ابن عدي في الكامل (4 / 1448 ط دار الفكر) وهو ضعيف في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل، انظر تهذيب التهذيب (6 / 13 ط دار صادر) .
(9) المغني 9 / 165، وروضة الطالبين 11 / 222، وفتح القدير 6 / 473.
(10) فتح القدير 6 / 473 - ط إحياء التراث - بيروت.
(11) فتح القدير 6 / 480، وروضة الطالبين 10 / 34، 11 / 234.
(12) المغني 9 / 185، وبداية المجتهد 2 / 500، وروضة الطالبين 11 / 236، وفتح القديؤ 6 / 477، والهداية 3 / 122.
(13) حديث: " لا تجوز شهادة ظنين في ولاء ولا قرابة " أخرجه الترمذي (4 / 545 ط. مصطفى البابي) وقال: (هذا حديث غريب لا تعرفه إلا من حديث يزيد بن زياد الدمشقي ويزيد يضعف في الحديث) وضعفه ابن حجر في التلخيص الحبير (4 / 198 ط شركة الطباعة الفنية) .
(14) المغني 9 / 185، وبداية المجتهد 2 / 500، وروضة الطالبين 11 / 236، وفتح القدير 6 / 477، والهداية 3 / 122.
(15) المغني 9 / 193، وفتح القدير 6 / 479، وبداية المجتهد 2 / 500.
(16) القليوبي 4 / 332، وروضة الطالبين 11 / 237.
(17) المغني 9 / 185، وبداية المجتهد 2 / 501، وابن عابدين 4 / 376.
(18) المصادر السابقة.
(19) ابن عابدين 3 / 188 - 195، والطرق الحكمية لابن القيم ص103 - مطبعة الآداب والمؤيد 1317هـ، مواهب الجليل 5 / 275.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 90/ 14
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".