الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
وصول صوت المتكلم مع إدراكه إلى سمع السامع . ومن أمثلته لا تقبل شهادة إلا بسماع الشهود، وإدراكهم لها، ولو كانوا حاضرين كشهود نيام في المجلس .
التَّعْرِيفُ:
1 - السَّمَاعُ: مَصْدَرُ سَمِعَ، وَسَمِعَ لَهُ يَسْمَعُ سَمْعًا وَسِمْعًا وَسَمَاعًا، وَمِنْ مَعَانِيهِ:
أ - الإِْدْرَاكُ: يُقَال: سَمِعَ الصَّوْتَ سَمَاعًا: إِذَا أَدْرَكَهُ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ، فَهُوَ سَامِعٌ، وَمِنْهُ السَّمَاعُ، بِمَعْنَى اسْتِمَاعِ الْغِنَاءِ وَالآْلاَتِ الْمُطْرِبَةِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْغِنَاءِ ذَاتِهِ (1) .
ب - وَمِنْهَا الإِْجَابَةُ: كَمَا فِي أَدْعِيَةِ الصَّلاَةِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ أَيْ: أَجَابَ مَنْ حَمِدَهُ وَتَقَبَّلَهُ مِنْهُ.
ج - وَمِنْهَا الْفَهْمُ: يُقَال: " سَمِعْتُ كَلاَمَهُ: إِذَا فَهِمْتَ مَعْنَى لَفْظِهِ ".
د - الْقَبُول: مِثْل: سَمِعَ عُذْرَهُ: إِذَا قَبِل، وَسَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ: قَبِلَهَا، وَسَمِعَ الدَّعْوَى: لَمْ يَرُدَّهَا (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الاِسْتِمَاعُ:
2 - السَّمَاعُ يَكُونُ بِقَصْدٍ وَبِغَيْرِ قَصْدٍ فِي حِينَ لاَ يَكُونُ الاِسْتِمَاعُ إِلاَّ بِقَصْدٍ، وَيَكُونُ السَّمَاعُ اسْمًا لِلْمَسْمُوعِ فَيُقَال لِلْغِنَاءِ: سَمَاعٌ (3) .
ب - الإِْنْصَاتُ:
3 - الإِْنْصَاتُ هُوَ السُّكُوتُ وَتَرْكُ اللَّغْوِ مِنْ أَجْل السَّمَاعِ وَالاِسْتِمَاعِ (ر: اسْتِمَاع) ، وَقَدْ أَوْرَدَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَلِمَتَيْنِ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ - جَل ذِكْرُهُ -: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (4) وَالْمَعْنَى حَسْبَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَهْل اللُّغَةِ وَالتَّفْسِيرِ: " إِذَا قَرَأَ الإِْمَامُ فَاسْتَمِعُوا إِلَى قِرَاءَتِهِ وَلاَ تَتَكَلَّمُوا (5) " كَمَا وَرَدَتَا مَعًا فِي أَحَادِيثَ نَبَوِيَّةٍ كَثِيرَةٍ، وَوَرَدَتَا كَذَلِكَ فِي قَوْل عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - فِيمَا رَوَاهُ مَالِكٌ - إِذَا قَامَ الإِْمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا. (6)
ج - الإِْصْغَاءُ:
4 - هُوَ أَنْ يَجْمَعَ إِلَى حُسْنِ السَّمَاعِ الاِسْتِمَاعَ مُبَالَغَةً فِي الإِْنْصَاتِ، لِمَا تَتَضَمَّنُهُ هَذِهِ الصِّيغَةُ مِنْ دَلاَلَةٍ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَمِعَ قَدْ أَمَال سَمْعَهُ أَوْ أُذُنَهُ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ أَوْ مَصْدَرِ الصَّوْتِ حَتَّى يَنْقَطِعَ عَنْ كُل شَيْءٍ يَشْغَلُهُ عَنْهُ (7) .
د - الْغِنَاءُ:
5 - الْغِنَاءُ بِالْمَدِّ - لُغَةً: صَوْتٌ مُرْتَفِعٌ مُتَوَالٍ، وَقَال ابْنُ سِيدَهْ: الْغِنَاءُ - مِنَ الصَّوْتِ مَا طُرِبَ بِهِ.
وَاصْطِلاَحًا: عَرَّفَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِهِ: كَشَّافُ الْقِنَاعِ: أَنَّهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالشِّعْرِ وَمَا يُقَارِبُهُ مِنَ الرَّجَزِ عَلَى نَحْوٍ مَخْصُوصٍ (8) .
فَالْغِنَاءُ نَوْعٌ مِنَ السَّمَاعِ. وَالتَّغْبِيرُ: ضَرْبٌ مِنَ الْغِنَاءِ يُذَكِّرُ بِالْغَابِرَةِ وَهِيَ الآْخِرَةُ. وَالْمُغَبِّرَةُ قَوْمٌ يُغَبِّرُونَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِدُعَاءٍ وَتَضَرُّعٍ، وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ هَذَا الاِسْمُ لِتَزْهِيدِهِمُ النَّاسَ فِي الْفَانِيَةِ وَهِيَ الدُّنْيَا وَتَرْغِيبِهِمْ فِي الْبَاقِيَةِ وَهِيَ الآْخِرَةُ، وَهُوَ مِنْ (غَبَرَ) الَّذِي يُسْتَعْمَل لِلْبَاقِي كَمَا يُسْتَعْمَل لِلْمَاضِي، وَقَدْ كَرِهَهُ الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ لأَِنَّهُ يُلْهِي عَنِ الْقُرْآنِ وَاعْتَبَرَهُ مِنْ عَمَل الزَّنَادِقَةِ، وَقَال فِيهِ الشَّيْخُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّهُ مِنْ أَمْثَل أَنْوَاعِ السَّمَاعِ وَمَعَ ذَلِكَ كَرِهَهُ الأَْئِمَّةُ، فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ (9) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
1 - حُكْمُ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ فِي حَقِّ مَنْ يَسْمَعُ الأَْذَانَ:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ سَمِعَ الأَْذَانَ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مَا عَدَا الْجُمُعَةَ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى وُجُوبِ حُضُورِهَا، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بَل هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَذَهَبَ غَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَحُضُورُهَا فَرْضُ عَيْنٍ بِشُرُوطِهِ، وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي (صَلاَة الْجَمَاعَةِ، وَصَلاَة الْجُمُعَةِ (1))
مَا يَقُولُهُ سَامِعُ الأَْذَانِ:
7 - يُسَنُّ لِمَنْ سَمِعَ الأَْذَانَ أَنْ يَقُول مِثْلَمَا يَقُول الْمُؤَذِّنُ لِلأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ - ﵊ - إِذَا سَمِعْتُمِ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْل مَا يَقُول الْمُؤَذِّنُ (10) .
وَفِي رِوَايَةٍ: إِلاَّ فِي حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ فَقُولُوا: لاَ حَوْل وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ (11) .
فَإِذَا تَمَّ الأَْذَانُ يُسَنُّ لِلسَّامِعِ أَنْ يَطْلُبَ الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: مَنْ قَال حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ - حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ (12) . وَانْظُرْ (أَذَان) . إِسْمَاعُ الْمُصَلِّي قِرَاءَةَ نَفْسِهِ:
8 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ أَقَل مَا يُجْزِئُ فِي حَالَةِ الإِْسْرَارِ قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ يُسْمِعُهَا نَفْسَهُ لَوْ كَانَ سَمِيعًا، مِثْلَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي التَّكْبِيرِ لأَِنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ بِقِرَاءَةٍ. وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي حَالَةِ الإِْسْرَارِ أَنْ يُسْمِعَ الْمُصَلِّي قِرَاءَتَهُ نَفْسَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكْتَفِيَ فِيهَا - عِنْدَهُمْ - بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ بِالْقُرْآنِ دُونَ أَنْ يُلْزَمَ بِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ، قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: " تَحْرِيكُ لِسَانِ الْمُسِرِّ فَقَطْ يُجْزِئُهُ، وَلَوْ أَسْمَعَ أُذُنَيْهِ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ. وَلاَ يُجْزِئُ مَا دُونَ ذَلِكَ كَالْقِرَاءَةِ بِالْقَلْبِ؛ لأَِنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ شَرْطٌ أَدْنَى فِي صِحَّةِ الْقِرَاءَةِ. قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: كَانَ مَالِكٌ لاَ يَرَى مَا قَرَأَ بِهِ الرَّجُل فِي الصَّلاَةِ فِي نَفْسِهِ مَا لَمْ يُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهُ قِرَاءَةً، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ نُقِل عَنْ شُيُوخِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَقْرَأَ فَقَرَأَ بِقَلْبِهِ لَمْ يَحْنَثْ. وَأَنَّ الْجُنُبَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ بِقَلْبِهِ مَا لَمْ يُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهُ (13) ". أَمَّا حَالَةُ الْجَهْرِ - فَإِنَّ أَدْنَى مَا يُطْلَبُ مِنَ الْمُصَلِّي فِيهَا أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ وَلاَ حَدَّ لأَِعْلاَهُ خَاصَّةً إِذَا كَانَ إِمَامًا إِذْ عَلَيْهِ أَنْ يُبَالِغَ فِي رَفْعِ صَوْتِهِ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ الْمَأْمُومِينَ لأَِنَّهُمْ مُطَالَبُونَ بِالاِسْتِمَاعِ وَالإِْنْصَاتِ لَهُ دُونَ الْقِرَاءَةِ (14) .
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (صَلاَة الْجَمَاعَةِ) .
أَمَّا الْمَرْأَةُ فَدُونَ الرَّجُل فِي الْجَهْرِ إِذْ عَلَيْهَا أَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا خَاصَّةً مِثْلَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي حَقِّهَا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّلْبِيَةِ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ أَعْلَى جَهْرِهَا وَأَدْنَاهُ وَاحِدًا فَيَسْتَوِي فِي حَقِّهَا الْحَالَتَانِ (15) .
سَمَاعُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لِمَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ:
9 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَالأَْوْزَاعِيُّ، إِلَى وُجُوبِ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ لِمَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ.
انْظُرْ: مُصْطَلَحَيْ (اسْتِمَاع، وَصَلاَةُ الْجُمُعَةِ) .
السُّجُودُ لِسَمَاعِ آيِ السَّجْدَةِ:
10 - يَتَرَتَّبُ سُجُودُ التِّلاَوَةِ عَلَى اسْتِمَاعِ آيَةٍ مِنْ آيَاتِهِ عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ الأَْئِمَّةِ فِي حُكْمِهِ.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (سُجُود التِّلاَوَةِ) .
سَمَاعُ الدَّعْوَى:
11 - سَمَاعُ الدَّعْوَى - فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ - لاَ يَكُونُ إِلاَّ مِنَ الْقَاضِي أَوْ مِمَّنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (16) . وَهُمْ يُرِيدُونَ بِهَذَا السَّمَاعِ أَمْرَيْنِ مُتَتَالِيَيْنِ:
الأَْوَّل: الإِْنْصَاتُ وَالإِْصْغَاءُ إِلَيْهَا لاِسْتِيعَابِهَا وَإِدْرَاكِ خَفَايَاهَا عِنْدَ رَفْعِهَا إِلَيْهِ مِنَ الْمُدَّعِي أَوْ وَكِيلِهِ حَيْثُ نَصُّوا عَلَى أَنَّ السَّمَاعَ هُنَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَامِلاً شَامِلاً مُحَصِّلاً لِلْفَهْمِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا مُوسَى الأَْشْعَرِيَّ فِي رِسَالَةِ الْقَضَاءِ الْمَشْهُورَةِ، حِينَ قَال: " فَافْهَمْ إِذَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ إِذْ لاَ يَتَمَكَّنُ أَيُّ حَاكِمٍ مَهْمَا كَانَتْ دَرَجَتُهُ مِنَ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ إِلاَّ بِنَوْعَيْنِ مِنَ الْفَهْمِ.
النَّوْعُ الأَْوَّل: فَهْمُ الدَّعْوَى الَّتِي عُرِضَتْ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ الْقَيِّمِ بِفَهْمِ الْوَاقِعِ وَالْفِقْهِ فِيهِ (17) .
الثَّانِي: فَهْمُ الْوَاجِبِ فِي الْوَاقِعِ وَهُوَ فَهْمُ حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ فِي ذَلِكَ الْوَاقِعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ.
وَقَدْ حَرَصَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَوْفِيرِ كُل مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُسَاعِدَ عَلَى سَلاَمَةِ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ مَرْحَلَةِ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَفَهْمِهَا فَنَبَّهُوا:
أَوَّلاً: إِلَى أَنَّ سَلاَمَةَ السَّمْعِ وَالنُّطْقِ مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَتَوَافَرَ فِي الْقَاضِي لاِسْتِمْرَارِ وِلاَيَتِهِ، وَهَذَا قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَثَانِيًا: إِلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ - إِذَا لَمْ يُدْرِكْ كَلاَمَ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ - أَنْ يُطَالِبَهُ بِالإِْعَادَةِ حَتَّى يَفْهَمَ عَنْهُ مَا يَقُول فَهْمًا كَافِيًا (18) .
وَأَخِيرًا أَكَّدُوا عَلَى تَجَنُّبِ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَشْغَل السَّامِعَ عَنِ الْمُتَابَعَةِ وَالاِنْتِبَاهِ وَحُضُورِ الْقَلْبِ وَاسْتِصْفَاءِ الْفِكْرِ كَالْغَضَبِ وَالْجُوعِ الْمُفْرِطِ وَالْعَطَشِ الشَّدِيدِ وَالأَْلَمِ الْمُزْعِجِ وَمُدَافَعَةِ أَحَدِ الأَْخْبَثَيْنِ، وَشِدَّةِ النُّعَاسِ، وَالْحُزْنِ وَالْفَرَحِ وَمَا إِلَيْهَا. وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُهُ ﵊: لاَ يَقْضِي الْقَاضِي أَوْ لاَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ (19) وَقَوْل عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ فِي رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ: " إِيَّاكَ وَالْغَضَبَ وَالْقَلَقَ وَالضَّجَرَ وَالتَّأَذِّي بِالنَّاسِ وَالتَّنَكُّرَ لَهُمْ عِنْدَ الْخُصُومَةِ.
الأَْمْرُ الثَّانِي: قَبُول الدَّعْوَى مِنَ الْمُدَّعِي يُقَال: سَمِعَ الْقَاضِي دَعْوَى فُلاَنٍ: إِذَا قَبِلَهَا، وَيُقَال: لَمْ يَسْمَعْهَا: إِذَا رَدَّهَا، كَمَا يُقَال: هَذِهِ دَعْوَى مَسْمُوعَةٌ؛ أَيْ: مُسْتَجْمِعَةٌ لِشُرُوطِ الْقَبُول، وَتِلْكَ دَعْوَى غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ؛ أَيْ: أَنَّهَا لَمْ تَسْتَكْمِل مَا يُطْلَبُ لِسَمَاعِهَا.
وَقَدْ عَرَّفَ الْفُقَهَاءُ الدَّعْوَى بِتَعْرِيفَاتٍ مُتَقَارِبَةٍ يَدْعَمُ بَعْضُهَا الْبَعْضَ وَيَشْرَحُهُ.
وَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ ذِكْرُهُ هُنَا أَنَّ الدَّعْوَى - مَهْمَا كَانَ نَوْعُهَا (20) - لاَ يُتَّجَهُ سَمَاعُهَا وَلاَ يَتَحَتَّمُ إِلاَّ فِي حَالَتَيْنِ:
الأُْولَى: أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً مُسْتَجْمِعَةً لِشُرُوطِهَا.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ مَدْعُومَةً بِبَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ تَشْهَدُ بِصِدْقِ دَعْوَى الْمُدَّعِي.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (دَعْوَى) .
فَسَمَاعُ الدَّعْوَى فِي الْحَالَةِ الأُْولَى يُوجِبُ لِلْمُدَّعِي طَلَبَ الْجَوَابِ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ حَمْلِهِ عَلَى الْيَمِينِ إِنْ أَنْكَرَ، وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يُوجِبُ سَمَاعُهَا الْحُكْمَ لِلْمُدَّعِي بِمُقْتَضَى الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَهَا (21) . سَمَاعُ الشَّهَادَةِ:
12 - الشَّهَادَةُ لاَ تَجُوزُ إِلاَّ بِمَا عَلِمَهُ الشَّاهِدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُل أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} (22) . وَقَوْلِهِ - جَل ذِكْرُهُ -: {إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (23) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ حِكَايَةً عَنْ قَوْل إِخْوَةِ يُوسُفَ: {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} (24) وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِذَا عَلِمْتَ مِثْل الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلاَّ فَدَعْ (25) .
وَالْعِلْمُ الَّذِي تَقَعُ بِهِ الشَّهَادَةُ يَحْصُل بِطَرِيقَتَيْنِ:
أ - الرُّؤْيَةُ:
وَتَكُونُ فِي الأَْفْعَال كَالْغَصْبِ وَالإِْتْلاَفِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ وَالإِْكْرَاهِ وَنَحْوِهَا، كَمَا تَكُونُ فِي الصِّفَاتِ الْمَرْئِيَّةِ مِثْل الْعُيُوبِ فِي الْمَبِيعِ وَالْمُؤَجَّرِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (26) .
ب - السَّمَاعُ: وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: سَمَاعُ الصَّوْتِ مِنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي الأَْقْوَال سَوَاءٌ أَكَانَ السَّامِعُ مُبْصِرًا أَمْ غَيْرَ مُبْصِرٍ مِثْل مَا يَقَعُ بِهِ إِبْرَامُ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ وَالسَّلَمِ وَالرَّهْنِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى سَمَاعِ كَلاَمِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، إِذَا عَرَفَهَا السَّامِعُ وَتَيَقَّنَ أَنَّهَا مَصْدَرُ مَا سَمِعَ (27) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (شَهَادَة) .
الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ (التَّسَامُعُ) :
13 - وَهِيَ: الشَّهَادَةُ الَّتِي يَكُونُ طَرِيقُهَا حَاسَّةَ السَّمْعِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (شَهَادَة) .
سَمَاعُ الْغِنَاءِ وَالْمُوسِيقَى:
14 - اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ سَمَاعِ الْغِنَاءِ وَالْمُوسِيقَى عَلَى مَذَاهِبَ تُنْظَرُ فِي (اسْتِمَاع، غِنَاء، مَعَازِف) .
حُكْمُ سَمَاعِ صَوْتِ الْمَرْأَةِ:
15 - سَامِعُ صَوْتِ الْمَرْأَةِ إِنْ كَانَ يَتَلَذَّذُ بِهِ أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فِتْنَةً حَرُمَ عَلَيْهِ اسْتِمَاعُهُ وَإِلاَّ فَلاَ.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي (اسْتِمَاع) .
حُكْمُ سَمَاعِ الْقُرْآنِ:
16 - اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ عِنْدَ تِلاَوَتِهِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (28) وَلاِسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ آدَابٌ وَأَحْكَامٌ مُبَيَّنَةٌ تَفْصِيلاً فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِمَاع، تِلاَوَة، قُرْآن) .
حُكْمُ سَمَاعِ الْحَدِيثِ:
17 - إِنَّ سَمَاعَ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ وَطَلَبَ السُّنَنِ وَالآْثَارِ وَإِتْقَانَ ذَلِكَ وَضَبْطَهُ وَحِفْظَهُ وَوَعْيَهُ هُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ لأَِنَّ الشَّرِيعَةَ الَّتِي تَعَبَّدَنَا اللَّهُ بِهَا مُتَلَقَّاةٌ مِنْ نَبِيِّنَا ﷺ بِصِفَتِهِ مُبَلِّغًا مَا نَزَّلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ وَحْيٍ مَتْلُوٍّ مُعْجِزِ النِّظَامِ وَهُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، وَوَحْيٍ مَرْوِيٍّ لَيْسَ بِمُعْجِزٍ وَلاَ مَتْلُوٍّ وَلَكِنَّهُ مَقْرُوءٌ مَسْمُوعٌ وَهُوَ مَا وَرَدَ عَنْهُ فِي الأَْحَادِيثِ وَالأَْخْبَارِ.
وَمُهِمَّةُ جَمْعِهِ وَتَحْصِيلِهِ قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَى كَوَاهِل الأُْمَّةِ وَخَاصَّةً أَعْلاَمَهَا وَذَوِي الْقُدْرَةِ مِنْ أَبْنَائِهَا، وَلاَ يَتِمُّ لَهُمْ ذَلِكَ إِلاَّ بِالسَّمَاعِ وَالتَّقْيِيدِ وَالْحِفْظِ وَالتَّدْوِينِ (29) .
وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَرُبَّ حَامِل فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِل فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ (30) .
وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ (31) . وَحَثَّ ﵊ عَلَى اعْتِمَادِ هَذَا الطَّرِيقِ أَخْذًا وَعَطَاءً فَقَال فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -: تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ وَيُسْمَعُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْكُمْ (32) .
وَلاَ يَخْفَى أَنَّ فِي الْحَدِيثَيْنِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ يُرَادُ لِلْعِلْمِ الاِسْتِمَاعُ وَالإِْنْصَاتُ وَالْحِفْظُ وَالْعَمَل وَالنَّشْرُ (33) .
وَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى اعْتِبَارِ التَّمْيِيزِ فِي سَمَاعِ الْحَدِيثِ، فَإِنْ فَهِمَ الْخِطَابَ وَرَدَّ الْجَوَابَ كَانَ مُمَيِّزًا صَحِيحَ السَّمَاعِ وَإِلاَّ فَلاَ، وَهُوَ رَأْيُ أَغْلَبِ أَهْل الْعِلْمِ، مِنْهُمْ مُوسَى بْنُ هَارُونَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
وَنَقَل الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ أَهْل الصَّنْعَةِ حَدَّدُوا أَوَّل زَمَنٍ يَصِحُّ فِيهِ السَّمَاعُ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ الْعَمَل (34) . اعْتِمَادًا عَلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَال: عَقَلْتُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي مِنْ دَلْوٍ مِنْ بِئْرٍ كَانَتْ فِي دَارِنَا وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ. وَلَعَلَّهُمْ رَأَوْا هَذَا التَّحْدِيدَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَدْنَى مَا يَحْصُل فِيهِ ضَبْطُ مَا يَسْمَعُ وَإِلاَّ فَمَرَدُّ ذَلِكَ لِلْعَادَةِ وَحْدَهَا؛ إِذِ الأَْمْرُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ اسْتِعْدَادِ الأَْشْخَاصِ لِلأَْخْذِ وَالتَّلَقِّي كَمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ طُرُقِ التَّحَمُّل، وَهِيَ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ ضَبَطَهَا أَهْل الرِّوَايَةِ فِي ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ، أَوَّلُهَا: سَمَاعُ الْحَدِيثِ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ وَهُوَ أَرْفَعُ الأَْقْسَامِ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْل الْعِلْمِ، وَأَدْنَاهَا الْوِجَادَةُ.
أَمَّا السِّنُّ الَّذِي يُسْتَحَبُّ فِيهِ أَنْ يَبْتَدِئَ الطَّالِبُ لِسَمَاعِ الْحَدِيثِ فَقِيل ثَلاَثُونَ سَنَةً وَقِيل عِشْرُونَ، وَعَلَيْهِ قَبْل الشُّرُوعِ فِي سَمَاعِ الْحَدِيثِ أَنْ يَتَخَلَّقَ بِأَخْلاَقِ أَهْلِهِ وَأَنْ يَلْتَزِمَ بِزِيِّهِمْ وَيَتَأَدَّبَ بِأَدَبِهِمْ وَأَنْ يَلْزَمَ الْوَقَارَ وَالسَّكِينَةَ وَالْمُوَاظَبَةَ فِي طَلَبِهِ وَإِخْلاَصَ النِّيَّةِ فِيهِ وَالتَّوَاضُعَ لِمَنْ يَأْخُذُ عَنْهُ وَالصَّبْرَ عَلَى مَا يَلْقَاهُ فِي سَبِيلِهِ وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا يُسَاعِدُ عَلَى الاِسْتِفَادَةِ وَالإِْفَادَةِ وَيُيَسِّرُ التَّحَمُّل وَالتَّحْمِيل (35) . سَمَاعُ اللَّغْوِ:
18 - اللَّغْوُ مِنَ الْكَلاَمِ: - مَا لاَ يُعْتَدُّ بِهِ إِمَّا لأَِنَّهُ يُورَدُ ارْتِجَالاً عَنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ وَدُونَ تَثَبُّتٍ وَتَفْكِيرٍ فَيَجْرِي مَجْرَى اللَّغَا الَّذِي يُطْلَقُ عَلَى صَوْتِ الْعَصَافِيرِ وَنَحْوِهَا مِنَ الطُّيُورِ (36) .
وَإِمَّا لأَِنَّهُ يُورَدُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنِ الصَّوَابِ كَمَنْ قَال لِصَاحِبِهِ: أَنْصِتْ، وَالإِْمَامُ يَخْطُبُ (37) . أَوْ كَمَنْ دَعَا لأَِهْل الدُّنْيَا فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ (38) . وَقَدْ يُطْلَقُ اللَّغْوُ عَلَى كُل كَلاَمٍ قَبِيحٍ بَاطِلٍ، كَالْخَوْضِ فِي الْمَعَاصِي، وَالسَّبِّ، وَالشَّتْمِ، وَالرَّفَثِ، وَمَا إِلَيْهَا (39) . قَال اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (40) . أَيْ: كَنُّوا عَنِ الْقَبِيحِ وَتَعَفَّفُوا عَنِ التَّصْرِيحِ بِهِ، وَقِيل: مَعْنَاهُ: إِذَا صَادَفُوا أَهْل اللَّغْوِ لَمْ يَخُوضُوا مَعَهُمْ فِي بَاطِلِهِمْ أَوْ فِي سَقَطِ كَلاَمِهِمْ.
وَمَا دَامَ اللَّغْوُ بِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي لاَ يَجْلِبُ نَفْعًا وَلاَ يَدْفَعُ إِثْمًا، وَلاَ يَتَّصِل بِقَصْدٍ صَحِيحٍ، فَإِنَّ سَمَاعَهُ كَالْخَوْضِ فِيهِ لاَ يَخْرُجُ حُكْمُهُ عَنِ الْحَظْرِ وَالْكَرَاهَةِ، تَبَعًا لِشِدَّةِ اتِّصَالِهِ بِالْمَفَاسِدِ، وَانْفِكَاكِهِ عَنْهَا (41) .
وَالْمُؤْمِنُونَ مُطَالَبُونَ بِالإِْعْرَاضِ عَنْهُ، وَالإِْحْجَامِ عَنْ سَمَاعِهِ، وَالْخَوْضِ فِيهِ إِطْلاَقًا لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَخْلاَقِهِمْ وَلاَ يَتَنَاسَبُ - فِي أَقَل صُوَرِهِ - مَعَ جِدِّهِمْ وَكَمَال نُفُوسِهِمْ.
قَال اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ وَاَلَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (42) .
وَقَال جَل ذِكْرُهُ فِي صِفَتِهِمْ: {وَاَلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (43) . وَقَال: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} (44) .
__________
(1) النهاية ولسان العرب وتاج العروس والمصباح.
(2) النهاية في غريب الحديث والأثر 2 / 401، ولسان العرب، والمصباح المنير، وتاج العروس.
(3) الفروق للعسكري ص 70.
(4) سورة الأعراف / 204.
(5) لسان العرب.
(6) أثر (إذا قام الإمام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا وأنصتوا) . أخرجه مالك من حديث عثمان بن عفان موقوفا عليه (الموطأ 1 / 104 ط عيسى الحلبي) .
(7) النهاية في غريب الحديث والأثر.
(8) الإمتاع بأحكام السماع. مخطوط بالمكتبة الوطنية بتونس ورقم 17 وجه، وانظر أيضا: فرح الأسماع برخص السماع ص 49 الدار العربية للكتاب بتونس تحقيق وتقديم: محمد الشريف الرحموني ط1 سنة 1985م. والنهاية في غريب الحديث والأثر، ولسان العرب.
(9) مجموع فتاوى ابن تيمية 11 / 298، 629، 36 / 200، والمقدمة لابن خلدون ص 426 وما بعدها، المكتبة التجارية الكبرى بمصر، وإحياء علوم الدين 2 / 268، 269 دار المعرفة بيروت 1982م، وكتاب السماع ص 37 وما بعدها تحقيق المراغي، لجنة إحياء التراث القاهرة 1390 هـ - 1970م، وقواعد الأحكام في مصالح الأنام 2 / 215 - 222، دار الشروق للطباعة القاهرة سنة 1388 هـ 1968م. وفرح الأسماع برخص السماع ص 49، والمعيار 11 / 29 وما بعدها، ص 106 وما بعدها. دار الغرب الإسلامي سنة 1401 هـ 1981م.
(10) حديث: " إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 90 ط، السلفية) ومسلم (1 / 88 ط. عيسى الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري ﵁ مرفوعا.
(11) حديث: " إلا في حي على الصلاة حي على الفلاح فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله ". يدل عليه ما أخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب مرفوعا بلفظ: " إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر. فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله. قال: أشهد أن لا وأخرج البخاري نحوه من حديث معاوية وقال: هكذا سمعت نبيكم ﷺ يقول: (فتح الباري 2 / 91 ونيل الأوطار 2 / 35 نشر دار الجيل
(12) حديث: " من قال حين يسمع النداء. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 94 ط السلفية) من حديث جابر بن عبد الله.
(13) زروق على رسالة ابن أبي زيد القيرواني مع شرح ابن ناجي عليها 1 / 156، 179، 183، دار الفكر سنة 1402 هـ، والتاج والإكليل لمختصر خليل 1 / 518، بهامش مواهب الجليل للحطاب. دار الفكر ط2 سنة 1398 هـ - 1980م، والمدونة الكبرى 1 / 65، والمغني مع الشرح الكبير 1 / 559، دار الفكر، دمشق.
(14) الحطاب: مواهب الجليل لشرح مختصر خليل 1 / 525، والمواق: التاج والإكليل 1 / 525 بهامش المصدر السابق ـ زروق مع ابن ناجي على رسالة ابن أبي زيد 1 / 183، وأبو الحسن على الرسالة بحاشية العدوي 1 / 255، دار المعرفة، بيروت، والمغني مع الشرح الكبير 1 / 643، أحكام القرآن للجصاص 3 / 260.
(15) المعيار 1 / 151 - 153، دار الغرب الإسلامي - بيروت، مجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 138 - 149، الرسالة السادسة، والحطاب: مواهب الجليل 1 / 525 - زروق على الرسالة مع ابن ناجي عليها 1 / 179 - شرح الرسالة بحاشية العدوي 1 / 255، 256 المغني مع الشرح الكبير 1 / 559، 560، ومواهب الجليل 1 / 518.
(16) كصاحب الشرطة أو صاحب الحسبة أو صاحب الرد أو صاحب المدينة، كما نص على ذلك غير واحد من الفقهاء (النباهي: المرقبة العليا ص5) .
(17) إعلام الموقعين عن رب العالمين 1 / 85 - دار الجيل، بيروت.
(18) إعلام الموقعين 1 / 87 - 88، والمغني مع الشرح الكبير 11 / 282، 396 - 399 وتبصرة الحكام 1 / 25، 37 بهامش فتح العلي المالك. وجواهر الإكليل شرح مختصر خليل 2 / 221، ومواهب الجليل مع التاج والإكليل 6 / 99، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 60 وللماوردي 66.
(19) حديث: (لا يقضي القاضي أو لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان) . أخرجه الشافعي بهذا اللفظ كما في الفتح (13 / 137 ط. السلفية) وأخرجه البخاري من حديث أبي بكرة مرفوعا بلفظ (لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان) (فتح الباري 13 / 136 ط. السلفية) .
(20) إعلام الموقعين 1 / 86، 2 / 175، المغني مع الشرح الكبير 11 / 395، جواهر الإكليل 2 / 225، مواهب الجليل مع التاج والإكليل 6 / 122، المغني مع الشرح الكبير 11 / 5، التبصرة 2 / 132، المصباح المنير 1 / 392، 393.
(21) مجموع فتاوى ابن تيمية 35 / 390.
(22) سورة الإسراء / 36.
(23) سورة الزخرف / 86.
(24) سورة يوسف / 81.
(25) حديث: " إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع ". أورده السخاوي في المقاصد الحسنة (ص 291) وعزاه إلى الحاكم والبيهقي. وأخرجه الحاكم من حديث ابن عباس ﵄ بلفظ: (ذُكر عند رسول الله ﷺ الرجل يشهد بشهادة فقال لي يا ابن عباس: " لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء هذا الشمس " وأومأ رسول الله ﷺ بيده إلى الشمس، والحديث صححه الحاكم وأعله ال (المستدرك 4 / 98 نشر دار الكتاب العربي) .
(26) المغني مع الشرح الكبير 2 / 2120، مواهب الجليل 6 / 145، جواهر الإكليل 2 / 233.
(27) البيان والتحصيل لابن رشد 9 / 444، 445، 10 / 57 - 89 دار الغرب الإسلامي، المغني مع الشرح الكبير 12 / 21، جواهر الإكليل 2 / 233، مواهب الجليل 6 / 154.
(28) سورة الأعراف / 204.
(29) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص 6، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1 / 96، 97، دار الآفاق الجديدة بيروت ط2 سنة 1402 هـ 1983م.
(30) حديث: " نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه ". أخرجه الترمذي (5 / 33 ط، دار الكتب العلمية) وأبو داود (4 / 68، 69 - ط، عزت عبيد الدعاس) وحسنه الترمذي.
(31) حديث: " نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمع فرب مبلغ أوعى من سامع ". أخرجه الترمذي (5 / 33 ط. دار الكتب العلمية) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(32) حديث: " تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم ". أخرجه أبو داود (4 / 68 - ط، عزت عبيد الدعاس) وإسناده حسن (جامع الأصول في أحاديث الرسول 8 / 19، 20 ط. مطبعة الملاح) .
(33) جامع بيان العلم 1 / 118، دار الكتب العلمية، بيروت، والإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص 221.
(34) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص 62، 65 - 66، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري 1 / 171، المكتبة السلفية، وتدريب الراوي في شرح تقريب المناوي 2 / 5 - 6 دار التراث ط2 سنة 1392 هـ 1972م.
(35) الإلماع 45 - 63 وما بعدها، جامع الأصول 9 / 15، 38 وما بعدها، وفتح الباري 1 / 172 البرهان 1 / 644، والإلماع ص 64، فتح الباري 1 / 173، وتدريب الراوي 2 / 140 - 158.
(36) المفردات في غريب القرآن ص 451، روح المعاني 27 / 139، 30 / 22، 23.
(37) حديث: " إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 414 ط. السلفية) ومسلم (2 / 583) من حديث أبي هريرة مرفوعا
(38) قال ابن العربي: لقد رأيت الزهاد بمدينة السلام والكوفة إذا بلغ الإمام إلى الدعاء لأهل الدنيا قاموا فصلوا ورأيتهم يتكلمون مع جلسائهم فيما يحتاجون إليه من أمرهم أو في علم ولا يصغون إليهم حينئذ لأنه عندهم لغو فلا يلزم استماعهم لاسيما وبعض الخطباء يكذبون حينئذ
(39) أحكام القرآن 3 / 312، 428 - المطبعة البهية بمصر سنة 1347 هـ، روح المعاني 27 / 139، 30 / 22، 23.
(40) سورة الفرقان / 72.
(41) أحكام القرآن للجصاص 3 / 428، والمفردات في غريب القرآن ص 451، روح المعاني 19 / 51، وأحكام القرآن لابن العربي 2 / 126.
(42) سورة المؤمنون / 1 - 3.
(43) سورة الفرقان / 72.
(44) سورة القصص / 55.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 239/ 25