الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
جمع زَلَم، وهي سِهام، أو قِداح كان أهل الجاهلية يستقسمون -يطلبون ما قُسِم لهم - بها، فيكتبون على أحدها : أمَرني ربي . وعلى الثاني : نَهاني ربي . وعلى الثالث : غفل . فإن خرج أمرني، فعلوا ما عزموا عليه، وإن خرج نهاني، امتنعوا من فعله، وإن خرج غفل أعادوا الطلب ثانية . ومن أمثلته تعاطيها حرام؛ لقوله تعالى : ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯﭼالمائدة /٣ .
الأَزْلامُ - بفتح الهمزِ -: جمعُ زَلَـمٍ - بفتحتين -، وهو: القِدْحُ لا رِيشَ علَيْه. وأَصْلُ التَّزْليمِ: التَّسْوِيَةُ، يُقالُ: زلَّمتُ السَّهْمَ تَزْلِيماً: إذا سَوَّيْتُهُ ومَلَّسْتُهُ، ومِنْهُ سُمِّيَتْ الأَزْلامُ؛ لأنّها زُلِّمَتْ وسُوِّيتْ ووُضِعَتْ في الكَعْبَة، والـمُزَلَّمُ مِن الرِّجالِ: القَصيرُ الخَفيفُ، شُبِّهَ بِالسَّهْمِ الصَّغِير.
يَرِد مُصْطلح (أَزْلام) في الفقه في مَواطِنَ، منها: كتاب الطَّهارةِ، باب: النجاساتِ، وفي كتاب البيع، باب: شروط البيعِ، وفي كتاب القسمة، باب: القُرْعَة. ويَرِد في عِلم العقيدة، عند بيانِ أنواعِ الشِرْكِ وصُوَرِهِ.
زلـم
السِّهامُ التي كانت العَرَبُ تَسْتَقْسِمُ بِها في الجاهِلِيَّةِ؛ طَلَباً لِمَعْرِفَةِ الخَيْرِ والشَّرِّ.
الأَزْلامِ: هي السِّهامُ والقِداحُ التي كانت العَرَبُ في الجاهِلِيَّةِ تَضَعُها في وِعاءٍ وظَرْفٍ، وتَضْرِبُ بِها، أي: تُحَرِّكُها في ذلك الوِعاءِ؛ طَلَباً لِمَعْرِفَةِ الخَيْرِ والشَّرِّ، فكان الرَّجُلُ في الجاهِلِيَّةِ إذا أَرادَ سَفَراً، أو غَزْواً، أو تِجارَةً، أو نِكاحاً، أو أمْراً آخَرَ ضَرَبَ بِالقِداحِ، وكانُوا قد كَتَبوا على بَعْضِها " أَمَرَنِي رَبِّي "، وعلى بَعْضِها " نَهانِي رَبِّي "، وتَرَكوا بَعْضَها خالِياً عن الكِتابَةِ، فإن خَرَجَ الأمْرُ أَقْدَمَ على الفِعْل، وإن خَرَجَ النَّهْيُ أَمْسَكَ، وإنْ خَرَجَ الغُفْلُ الخالي عن الكِتابَةِ أعادَ العَمَلَ، وهذا الفِعلُ مِمّا نهى الشَّرعُ عنه؛ لِمخالَفَتِه التَّوكُّل على الله تعالى.
الأَزْلامُ - بفتح الهمزِ -: جمعُ زَلَـمٍ - بفتحتين -، وهو: القِدْحُ لا رِيشَ عَلَيْهِ، وأَصْلُه مِن التَّزْليمِ، وهو: التَّسْوِيَةُ.
سِهام، أو قِداح كان الجاهليون يطلبون ما قُسِم لهم بها. فيكتبون على أحدها: أمَرني ربي. وعلى الثاني: نَهاني ربي. وعلى الثالث: غفل. فإما فعلوا، أو امتنعوا، وإن خرج "غفل" أعادوا الاستقسام.
* العين : (7/370)
* معجم مقاييس اللغة : (3/18)
* المحكم والمحيط الأعظم : (9/53)
* لسان العرب : (12/270)
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص 317)
* البناية شرح الهداية : (11/432)
* المدونة : (1/545)
* منح الجليل شرح مختصر خليل : (3/12)
* الحاوي الكبير : (18/35)
* الـمغني لابن قدامة : (10/151)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (3/138)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 56) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الأَْزْلاَمُ فِي اللُّغَةِ: جَمْعُ زَلَمٍ - بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا مَعَ فَتْحِ اللاَّمِ - الْقَدَحُ الَّذِي لاَ رِيشَ عَلَيْهِ. وَالزَّلَمُ وَالسَّهْمُ وَالْقَدَحُ مُتَرَادِفَةُ الْمَعَانِي، تَدُل كُلُّهَا عَلَى قِطْعَةٍ مِنْ غُصْنٍ مُسَوَّاةٍ مُشَذَّبَةٍ.
قَال الأَْزْهَرِيُّ: الأَْزْلاَمُ كَانَتْ لِقُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا: أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَافْعَل وَلاَ تَفْعَل، قَدْ زُلِّمَتْ وَسُوِّيَتْ، وَوُضِعَتْ فِي الْكَعْبَةِ، يَقُومُ بِهَا سَدَنَةُ الْبَيْتِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُل سَفَرًا أَوْ نِكَاحًا أَتَى السَّادِنَ فَقَال: أَخْرِجْ لِي زَلَمًا، فَيُخْرِجُهُ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَإِذَا خَرَجَ قَدَحُ (الأَْمْرِ) مَضَى عَلَى مَا عَزَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَرَجَ قَدَحُ (النَّهْيِ) قَعَدَ عَمَّا أَرَادَهُ، وَرُبَّمَا كَانَ مَعَ الرَّجُل زَلَمَانِ وَضَعَهُمَا فِي قِرَابِهِ، فَإِذَا أَرَادَ الاِسْتِقْسَامَ أَخْرَجَ أَحَدَهُمَا.
وَقَال الْمُؤَرِّخُ السَّدُوسِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْل اللُّغَةِ: الأَْزْلاَمُ هِيَ قِدَاحُ الْمَيْسِرِ. وَقَال الأَْزْهَرِيُّ: وَهُوَ وَهْمٌ، وَاسْتَدَل عَلَيْهِ بِحَدِيثِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ (1) .
وَالْفُقَهَاءُ يَذْكُرُونَ الأَْزْلاَمَ عَلَى أَنَّهَا السِّهَامُ الَّتِي كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا فِي أُمُورِ حَيَاتِهِمْ (2) . وَهَذَا الرَّأْيُ يُوَافِقُ مَا قَالَهُ الأَْزْهَرِيُّ.
وَرَوَى ابْنُ بَطَّالٍ عَنِ الْهَرَوِيِّ هَذَا الْمَعْنَى، وَرُوِيَ عَنِ الْعَزِيزِيِّ: أَنَّهَا السِّهَامُ الَّتِي كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا عَلَى الْمَيْسِرِ (3) .
وَاَلَّذِي تَحَصَّل مِنْ كَلاَمِ أَهْل النَّقْل - كَمَا جَاءَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَالْقُرْطُبِيِّ وَالطَّبَرِيِّ - أَنَّ الأَْزْلاَمَ: مِنْهَا مَا هُوَ مُخَصَّصٌ لِلاِسْتِقْسَامِ بِهَا فِي أُمُورِ الْحَيَاةِ، مِنْ نِكَاحٍ وَسَفَرٍ وَغَزْوٍ وَتِجَارَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخَصَّصٌ لِلْمَيْسِرِ (4) . وَلَكِنْ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ يَنْصَرِفُ إِلَى مَا هُوَ مُخَصَّصٌ لِلاِسْتِقْسَامِ. وَلِتَفْصِيل أَحْكَامِ مَا هُوَ مُخَصَّصٌ لِلْمَيْسِرِ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِهِ.
وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَل (الزَّلَمُ) فِي الاِسْتِقْسَامِ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَل (السَّهْمُ) فِي سَهْمِ الْقَوْسِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَل (الْقَدَحُ) فِي قِدَاحِ الْمَيْسِرِ.
2 - وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا كَانَتْ تُتَّخَذُ مِنْهُ الأَْزْلاَمُ، فَقِيل: هِيَ السِّهَامُ الَّتِي يُرْمَى بِهَا، وَقِيل: هِيَ مِنْ حَصًى بِيضٍ، وَقِيل: مِنَ الْقَرَاطِيسِ. وَالْحُكْمُ لاَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ مَا سَيَأْتِي (5) .
تَعْظِيمُ الْعَرَبِ لِلأَْزْلاَمِ:
3 - كَانَ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَدِّسُونَ الأَْزْلاَمَ، وَلَهَا فِي حَيَاتِهِمْ شَأْنٌ كَبِيرٌ، يَرْجِعُونَ إِلَيْهَا فِي كُل شَيْءٍ، فَقَدْ ضَرَبَ بِهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ - جَدُّ الرَّسُول ﷺ - عَلَى بَنِيهِ، إِذْ كَانَ نَذَرَ نَحْرَ أَحَدِهِمْ إِذَا كَمَلُوا عَشَرَةً (6) . وَكَذَلِكَ ضَرَبَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ بِقِدَاحِهِ الَّتِي يَسْتَقْسِمُ بِهَا حِينَ اتَّبَعَ النَّبِيَّ ﷺ وَأَبَا بَكْرٍ وَقْتَ الْهِجْرَةِ (7) . وَكَانَ لِلْعَامِل الدِّينِيِّ أَثَرٌ كَبِيرٌ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ كَانَتِ الأَْزْلاَمُ تُوضَعُ عِنْدَ (هُبَلٍ) - أَعْظَمِ صَنَمٍ لِقُرَيْشٍ فِي مَكَّةَ - وَيَقُومُ الْكُهَّانُ أَوِ السَّدَنَةُ بِإِجَالَتِهَا (أَيْ تَحْرِيكِهَا) لِمَنْ يُرِيدُ الاِسْتِقْسَامَ، إِعْظَامًا لِلأَْمْرِ الَّذِي يَبْغُونَهُ.
وَقَدْ بَلَغَ مِنْ تَقْدِيسِهِمْ لِلأَْزْلاَمِ، أَنَّهُمْ جَعَلُوا فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ صُورَةً لإِِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَهُمَا يَسْتَقْسِمَانِ بِالأَْزْلاَمِ. وَلِذَلِكَ لَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُل الْبَيْتَ وَفِيهِ الآْلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، وَأَخْرَجَ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل، وَفِي أَيْدِيهِمَا الأَْزْلاَمُ، وَقَال النَّبِيُّ ﷺ: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ (8) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
أ - حُكْمُ صُنْعِهَا وَاقْتِنَائِهَا وَالتَّعَامُل فِيهَا:
4 - الأَْزْلاَمُ مِنْ أَعْمَال الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} . (9)
وَكُل مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَحْرُمُ صُنْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ وَالتَّعَامُل فِيهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُول: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ وَالأَْصْنَامَ. يَقُول ابْنُ الْقَيِّمِ: يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ بَيْعِ كُل آلَةٍ مُتَّخَذَةٍ لِلشِّرْكِ، عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ، وَمِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَتْ، صَنَمًا أَوْ وَثَنًا أَوْ صَلِيبًا، فَهَذِهِ كُلُّهَا يَجِبُ إِزَالَتُهَا وَإِعْدَامُهَا، وَبَيْعُهَا ذَرِيعَةٌ إِلَى اقْتِنَائِهَا، وَاِتِّخَاذِهَا، وَلِذَلِكَ يَحْرُمُ الْبَيْعُ (10) .
وَلأَِنَّ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ، كَمَا يَقُول الْفُقَهَاءُ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَالأَْزْلاَمُ - بِصِفَتِهَا وَهَيْئَتِهَا، مِنْ كَوْنِهَا الْقِدَاحَ الَّتِي كُتِبَ عَلَيْهَا الأَْمْرُ أَوِ النَّهْيُ لِتَكُونَ هِيَ الْمُوَجِّهَةُ - مَنْهِيٌّ عَنْهَا، فَيَنْطَبِقُ عَلَيْهَا مَا يَنْطَبِقُ عَلَى الصَّنَمِ وَالصَّلِيبِ، مِنْ حُرْمَةِ بَيْعِهَا وَاقْتِنَائِهَا وَالتَّعَامُل فِيهَا.
وَيَقُول بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: مَا لاَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لاَ يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ، وَلاَ تَحِل الأُْجْرَةُ لِصُنْعِ مِثْل هَذِهِ الأَْشْيَاءِ، فَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: مَنِ اسْتَأْجَرَ رَجُلاً لِيَنْحِتَ لَهُ أَصْنَامًا، لاَ شَيْءَ لَهُ.
وَالْمَادَّةُ الَّتِي تُصْنَعُ مِنْهَا الأَْزْلاَمُ - سَوَاءٌ أَكَانَتْ حِجَارَةً أَمْ خَشَبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ - لاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا لِمَنْ يَتَّخِذُهَا لِمِثْل ذَلِكَ. فَلاَ يَصِحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بَيْعُ الْعِنَبِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا، وَلاَ بَيْعُ بُنْدُقٍ (11) لِقِمَارٍ، وَلاَ دَارٌ لِتُعْمَل كَنِيسَةً، وَلاَ بَيْعُ الْخَشَبَةِ لِمَنْ يَتَّخِذُهَا صَلِيبًا، وَلاَ بَيْعُ النُّحَاسِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ نَاقُوسًا. وَكَذَلِكَ كُل شَيْءٍ عُلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَصَدَ بِهِ أَمْرًا لاَ يَجُوزُ (12) .
وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ الأَْشْرِبَةِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} . (13) قَال السَّرَخْسِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ: بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ كُل ذَلِكَ رِجْسٌ، وَالرِّجْسُ: مَا هُوَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ، وَأَنَّهُ مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ (14) .
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إِذَا أُبْطِلَتِ الْهَيْئَةُ الْمُحَرِّمَةُ لِلأَْزْلاَمِ رَجَعَ حُكْمُهَا الأَْصْلِيُّ، وَهُوَ إِبَاحَةُ الاِنْتِفَاعِ بِهَا فِيمَا هُوَ حَلاَلٌ.
ب - أَهِيَ طَاهِرَةٌ أَمْ نَجِسَةٌ؟
5 - لَوْ نَظَرْنَا إِلَى الْمَادَّةِ الَّتِي تُصْنَعُ مِنْهَا الأَْزْلاَمُ، وَاَلَّتِي لاَ يَدْخُلُهَا مَا يُنَجِّسُهَا، لَوَجَدْنَا أَنَّهَا خَشَبٌ أَوْ حِجَارَةٌ أَوْ حَصًى، وَكُل ذَلِكَ طَاهِرٌ، وَصُنْعُهُ عَلَى هَيْئَةٍ خَاصَّةٍ لاَ يَجْعَلُهُ نَجِسًا.
وَلِذَلِكَ يَقُول النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ - بَعْدَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} -: إِنَّ الْخَمْرَ نَجِسَةٌ لِلآْيَةِ، وَلاَ يَضُرُّ قَرْنُ الْمَيْسِرِ وَالأَْنْصَابِ وَالأَْزْلاَمِ بِهَا، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الأَْشْيَاءَ طَاهِرَةٌ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الثَّلاَثَةَ خَرَجَتْ بِالإِْجْمَاعِ، فَبَقِيَتِ الْخَمْرُ عَلَى مُقْتَضَى الْكَلاَمِ، وَلاَ يَظْهَرُ مِنَ الآْيَةِ دَلاَلَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ لأَِنَّ الرِّجْسَ عِنْدَ أَهْل اللُّغَةِ الْقَذَرُ، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ النَّجَاسَةُ، وَكَذَلِكَ الأَْمْرُ بِالاِجْتِنَابِ لاَ يَلْزَمُ مِنْهُ النَّجَاسَةُ (15) .
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
6 - كَانَ الْعَرَبُ يَتَّخِذُونَ الأَْزْلاَمَ لِلاِسْتِقْسَامِ بِهَا فِي شُؤُونِ حَيَاتِهِمْ. وَبَيَانُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ، وَتَفْصِيل الْكَلاَمِ فِيهِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِقْسَام) . كَمَا أَنَّ مِنَ الأَْزْلاَمِ مَا هُوَ مُخَصَّصٌ لِلْقِمَارِ، وَتُسَمَّى قِدَاحَ الْمَيْسِرِ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (مَيْسِر - قِمَارٌ) .
__________
(1) تاج العروس، ولسان العرب، والمصباح المنير مادة (زلم)
(2) طلبة الطلبة ص 158 ط المثنى ببغداد، والدسوقي 2 / 129 ط دار الفكر، والمبسوط 24 / 2 ط دار المعرفة بيروت.
(3) النظم المستعذب بأسفل المهذب 2 / 287 ط دار المعرفة بيروت.
(4) فتح الباري 8 / 277 ط البحوث العلمية بالسعودية، والطبري 9 / 510 وما بعدها ط دار المعارف بمصر، والقرطبي 6 / 58 وما بعدها ط دار الكتب المصرية.
(5) فتح الباري 8 / 277، والطبري 9 / 510، والقرطبي 6 / 58، والمبسوط 24 / 2، والدسوقي 2 / 129، وأحكام القرآن لابن العربي 2 / 543 ط عيسى الحلبي، والفروق للقرافي 4 / 240 ط دار المعرفة بيروت.
(6) خبر ضرب عبد المطلب للقداح، أورده ابن هشام في السيرة 1 / 152 ط مصطفى الحلبي.
(7) خبر ضرب سراقة للقداح أورده ابن هشام في السير 1 / 489 ط مصطفى الحلبي.
(8) القرطبي 6 / 59، والمغني 7 / 6، وحديث: " إخراج صورة إبراهيم وإسماعيل من البيت. . . " رواه البخاري (فتح الباري 8 / 16 ط السلفية) .
(9) سورة المائدة / 90
(10) زاد المعاد 4 / 245 ط مصطفى الحلبي.
(11) البندق هنا: كرة في حجم البندقة التي تؤكل، يرمى بها في القتال والصيد (المعجم الوسيط) .
(12) المهذب 1 / 19، 268، 381، ومنتهى الإرادات 2 / 155 ط دار الفكر، والمغني 4 / 383، 5 / 301 ط الرياض، ومغني المحتاج 2 / 12 ط مصطفى الحلبي، والفتاوى الهندية 4 / 450 ط المكتبة الإسلامية، والحطاب 4 / 254، 258 ط النجاح ليبيا، والخرشي 5 / 11 ط دار صادر.
(13) سورة المائدة / 90
(14) المبسوط 24 / 2 ط دار المعرفة بيروت.
(15) المجموع شرح المهذب 2 / 563، 564 ط المطبعة السلفية.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 138/ 3
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".