البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الجرفالي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - الحكمة وتعليل أفعال الله |
فكم من شاب وقع في الزنا واللواط بسبب الأغاني! وكم من فتاة أهدت عرضها وضيعت شرفها وكرامتها بسبب الأغاني! وكم من قلوب عاشت ومازالت تعيش في عشق وغرام بسبب الأغاني! والذي رفع السماء وبسط الأرض إنّ المغنين والمغنيات لعلى خطر عظيم إن لم يتوبوا إلى ربّهم، ويقلعوا عن فسقهم وجرمهم، وإن كنت في شك مما أقول فاقرأ عن الفن وأهله، إذا بك تقف على الغرام وقصص الحب، ناهيك عن الاختلاط الذي يحدث بين المغنين والمغنيات والمشاهدين لهم والمشاهدات، وما يصاحب ذلك من قبلات وغيرها، كل ذلك باسم الفن، وقلّ من ينجو.
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الذي يُعصى فيُنعم، ويُؤْذى فيَحلم، ويمهل ولا يهمل، أحمده ربّي عدد ما خلق وذرأ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل وعلا، وأشهد أنّ نبينا محمّداً عبده ورسوله، أفضل رسول وأكرم مرسول وأعظم من دعا إلى الهدى صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه.
أمّا بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فاتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى واعلموا أن الأجساد على النّار لا تقوى.
أيّها المؤمنون: لا يزال الحديث متصلاً عن أشراط الساعة الصغرى، وحديثنا اليوم عن ظهور المعازف وانتشار الغناء كعلامة من علامات الساعة.
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليكوننّ من أمّتي أقوام يستحلّون الحِرّ والحرير والخمر والمعازف، ولينزلنّ أقوامٌ إلى جنْب عَلَم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة" (أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 2123، رقم 5268)، أي: أن هؤلاء القوم ينزلون إلى جنب جبل، فيهلكهم الله -عز وجل- ويلقي الجبل عليهم؛ لاستحلالهم ما ذكر من الزنى والخمر والحرير والغناء، ومن لم يهلك منهم بهذا الجبل يمسخه الله على هيئة القردة والخنازير مسخاً حقيقياً. والله على كل شيء قدير.
وفي صحيح الجامع عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ"، قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "إذا ظهرت المعازف والقينات"، وكتب عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - إلى مؤدب ولده: "ليكن أول ما يقتدون من أدبك بغض الملاهي التي بِدْؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن -جل وعلا-، فإنه بلغني عن الثقات من حملة العِلْم أن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب". وقال الضحاك "الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب" (عون المعبود شرح سنن أبي داود 13 / 271، وتلبيس إبليس 1 / 209).
ولما انتشر الغناء في بني أمية قال يزيد بن الوليد: "يا بني أمية إياكم والغناء، فإنه يزيد الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر" (شعب الإيمان 7/ 112، رقم 4755).
ولقد شدَّد العلماء -رحمهم الله- في الغناء حتى قال بعضهم: "تأثير الغناء على النفس أعظم من شرب الخمر"، ولذلك سُمِّي غناءً؛ لأنّه يغني النفس بالهوى والعشق والغرام.
وعندها يبتعد صاحبها عن الله -عز وجل- وتمده الشياطين عند استماعه للغناء بكافّة الإمدادات كما قال -عز وجل-: (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ) [سورة الأعراف: آية 202]، وقال -عز وجل-: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) [سورة الإسراء: آية 64].
أيّها المؤمنون: لقد انتشر الغناء في هذا الزمان انتشاراً عظيماً كبيراً، وكثرت آلات اللهو وعمّت المعازف أرجاء العالم بأسره، وأصبح الغناء فناً يدَرَّس ويُعلّم للرجال والنساء والشباب والفتيات في معاهد متخصّصة وتحت كوادر شابت رؤوسها في ممارسة هذا الفن على حد قولهم، وإن كان الحق أن يقال: شابت رؤوسهم في ممارسة هذا العفن بكل ما تعنيه هذه الكلمة من قذارة ونتن، فهو عفن ونتن أثّر في دين المغنّي حيث قدّم الأغنية والسهرة والأمسية على طاعة الله ناهيك عن عشق المغنّين والمغنيات وما يترتب على ذلك من بعد القلب عن الله فاطر الأرض والسموات.
أيّها المؤمنون: ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين" (أخرجه البخاري في صحيحه 5/2254، رقم 5721).
وإن المغنين من المجاهرين بمعصية الله -عز وجل- وهم بعملهم هذا يسعون حثيثاً في انتشار الفاحشة بين المؤمنين، ويهيجون الغرائز ويؤججون نار الشهوة، وينادون إلى الرذيلة والأخلاق الدنيئة، ولقد قال ربنا -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [سورة النور: آية 19].
فكم من شاب وقع في الزنا واللواط بسبب الأغاني! وكم من فتاة أهدت عرضها وضيعت شرفها وكرامتها بسبب الأغاني! وكم من قلوب عاشت ومازالت تعيش في عشق وغرام بسبب الأغاني!
والذي رفع السماء وبسط الأرض إنّ المغنين والمغنيات لعلى خطر عظيم إن لم يتوبوا إلى ربّهم، ويقلعوا عن فسقهم وجرمهم، وإن كنت في شك مما أقول فاقرأ عن الفن وأهله، إذا بك تقف على الغرام وقصص الحب، ناهيك عن الاختلاط الذي يحدث بين المغنين والمغنيات والمشاهدين لهم والمشاهدات، وما يصاحب ذلك من قبلات وغيرها، كل ذلك باسم الفن، وقلّ من ينجو.
وخذ رعاك المولى هذه الحادثة، وهي غيض من فيض، وقطرة من بحر الغناء المليء بكل رذيلة وسخافة وفضيحة: امرأة عربية مسلمة والدها حافظ لكتاب الله ومقرئ ومعلم لكتاب الله في بلده، علّمها والدها القرآن حتى حفظته عن ظهر قلب وهي لم تزل يانعة صغيرة، وكانت ندية الصوت عذبة الأداء، فسمع بها فنّان أو إن شئت فقل شيطان ذات يوم، وذلك بعد وفاة والدها فعرض عليها أن تنفع المسلمين بالأغاني الإسلامية على حد قولهم، فلم يزل بها حتى بدأت تغني بما يسمى بالابتهالات، وهكذا تحت المغريات والشهوة والعطايا والمال بدأت تتنازل شيئاً فشيئاً حتى أصبحت المتربعة على عرش الغناء في بلدها في أغاني الحبّ والعشق والغرام.
ثم انتقلت إلى أمريكا لتغني على أعظم المسارح العالمية وتسجل في أفخم الاستديوهات الدراميّة، ولا تسأل عن عُريّها وتفسخها بل أصبحت تُقَبَّلْ وتُحْتَضَنْ أمام الملأ والجمهور من قبل المغنين والممثلين، كل ذلك باسم الفن والعمل، وإذا سئلت عن ذلك قالت: إنها شريفة وطبيعة العمل تقتضي ذلك.
فانظر رعاك ربي إلى هذه المطربة الفنانة المغنية التي كانت يوماً من الأيام حافظة لكتاب الله وإذا بها اليوم تصبح تغني بمزمار الشيطان، باعت دينها وعرضها وشرفها لأجل الغناء، وهكذا يفعل الشيطان بالمغنيين والمغنيات، فيبدأ الواحد منهم يتنازل شيئاً فشيئاً حتى يصبح تحت وطأة الشهوة، وفي سكرات الأغنية، ولربما صاحب ذلك خمور ومخدرات، وسهر مع البغايا والمومسات، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
نداء للمغنيين والمغنيات، والفنانين والفنانات، والممثلين والممثلات: ارحموا شبابنا وفتياتنا ورجالنا ونساءنا، ارحموا فقد وصل غزوكم إلى دورنا وسياراتنا وجوالاتنا ومساجدنا، ارحموا فإنكم سبب في انتشار الفاحشة في مجتمعنا، ارحموا فإنكم سبب في حلول العقوبة بأمتنا من خسف، ومسخ وقذف، هذا نداء ودعاء لهم بالهداية والرجوع إلى الحق وترك الغناء.
فاذكروا يوم الرحيل واللقاء والوقوف بين يدي الله -جل وعلا- وقد حمل الواحد منكم أوزاره وأوزاراً مع أوزاره، فكل إنسان يغني بالأغنية فالمغني الأول يحمل وزره، وكل فاحشة تقع بسبب الأغنية فصاحبها محاسب عليها، وكذلك المغني الذي تسبب في ارتكاب الفاحشة بأغنيته التي هيجت الغرائز.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أضحك وأبكى، وأمات وأحيى، وأغنى وأقنى، سبحانه هو رب الشعرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ نبينا محمّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد: يقول الله -عز وجل-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [لقمان: 6- 7].
أيها المؤمنون: أقسم الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود على أن المقصود بلهو الحديث في هذه الآية هو الغناء، ووافقه على هذا التفسير ابن عباس، وجابر، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومكحول، والحسن البصري وخلق كثير، حيث توعّد الله العزيز الجبار الذين أقبلوا على المزامير والغناء بالموسيقى وآلات الطرب بالعذاب المهين.
ولقد وصف لنا القرآن حالهم في كونهم إذا سمعوا القرآن أو ذُكِّرُوا أعرضوا وأدبروا كأنّ بهم صَمَماً وما بهم من صممٍ إنّما هو التأذي بسماع القرآن؛ وذلك لأنه لا يجتمع القرآن والغناء، وهذا حال كل من ابتلي بالغناء وسماعه.
أيّها المؤمنون: لقد انتشرت المعازف والغناء، سواء في أشرطة الكاسيت، أو الفيديو، أو القنوات الفضائية بل لقد خصصت قنوات للغناء فقط، ناهيك عن الحفلات التي تستضيف المغنيين والمغنيات، ومنها حفلات الزواج وما يكون فيها من الغناء عند الرجال وعند النساء، بل لقد وصل الأمر إلى ذروته حيث يغني رجل للنساء ويتراقصن على صوته، وربما بين يديه، ولا تزف العروس إلا على مقطع من أغنية لشيطان.
بل لقد زاد الأمر فأدخلت الأغاني بشتى أنواعها ومختلف أصواتها من نساء ورجال في الجوالات، حتى أصبح المسلم رجلاً كان أو أنثى صغيراً أو كبيراً لا يكاد يقوم ولا يقعد ولا يمشي ولا يركب إلا على مقطع من أغنية أو موسيقى هادئة على حد قولهم، أليس ذلك كله من ظهور المعازف والقينات التي أخبر عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فماذا إذاً ننتظر؟ هل ننتظر خسفاً يخسف بطالحنا وصالحنا؟! أم ننتظر مسخاً إلى قردة وخنازير؟!.
فتوبوا إلى الله جميعاً، ولا تكونوا أيها المسلمون سبباً في هلاك أنفسكم وغيركم.