الأول
(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الأعياد الممنوعة - أهل السنة والجماعة |
حَقِيقَةُ مَحَبَّتِهِ -صلى الله عليه وسلم- تَكُونَ مَحَبَّةً قَلبِيَّةً، ومِن جِهَةٍ أُخرَى، طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، واجتِنَابُ ما نَهَى عنْهُ وَزَجَرَ، وَأَلاَّ يُعبدَ اللهَ إلاَّ بِمَا شَرَعَ.. فَمَنْ قَدَّمَ هَديَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- على رَغَبَاتِ نَفْسِهِ فَهُوَ مُحِبٌّ لِرَسُولِ اللهِ، مَنْ تَحَاكَمَ إلى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ فَهُوَ مُحِبٌّ لَهُ، مَنْ حَقَّقَ الطَّاعةَ وَلَزِمَ الجَمَاعَةَ وَسَلَكَ سَبِيلَ المُؤمِنينَ فَهُوَ مُحِبٌّ لِلهِ وَلِرَسُولِهِ ولِلمُؤمنينَ، مَنْ تَأَسَّ بِأخلاقِهِ وَآدَابِهِ وَمُعَامَلاتِهِ وعِبَادَاتِهِ فَهُوَ مُحِبٌّ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ بعثَ لَنا نَبِيَّاً كَريمَاً، بَشِيراً وَنَذِيرَاً، وَدَاعِيَاً إلى اللهِ بِإذنِهِ وَسِراجَاً مُنِيراً، نَشهدُ ألا اله إلا الله وحده لا شريك له (وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا).
وَنَشهَدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسُولُه أنصحُ الخلقِ، وأتَقاهم للهِ، صلَّى اللهُ وَبَارَكَ عَليهِ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ وأتبَاعِهِ بإحسانٍ وسلَّمَ تسليماً مَزِيداً.
أمَّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ، فَهِيَ خيرُ الوَصَايا وَأنفَعُها وأجمَعُها.
أيُّها المُؤمنونَ: إنَّهُ لا عِيشَةً رَضِيَّةً، إلَّا بِتَحقِيقِ المَحَبَّةِ للهِ ولِرَسُولِهِ. وَمَحَبَّتُنا لِرَسُولِ اللهِ هِبَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالى؛ لأنَّها طَرِيقُ مَحَبَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31].
وفي صحيح البخاري أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ منها: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا».
أيُّها المُحبِّونَ للهِ ولِرَسُولِهِ! كَثِيرٌ مِنْ الرِّوَايَاتِ تَقُولُ: إنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- وُلِدَ في مِثلِ هَذا الشَّهرِ، قِيلَ فِي اليَومِ الثَّانِي، وَقِيلَ في الثَّامِنِ، وَقِيلَ في الثَّانِي عَشَرَ. وَقِيلَ فِي غَيرِهِ! وَحَقِيقَةُ الأمْرِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ تَأرِيخٌ مُعَيَّنٌ؛ لأنَّ الصَّحَابَةَ الكِرَامَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحسانٍ لَمْ يَعبَئوا أَو يَحْتَفِلُوا بِتَأرِيخِ مَولِدِه، بَل اهتَمُّوا بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، وَحَافَظُوا عَلى شَرِيعَتِهِ!
نَعَمْ لَقَد كان مَولِدُهُ نُورَاً، وَمَبْعَثُهُ فَتحَاً وَسُرُوراً، ليسَ لأنَّهُ مِيلادٌ بَشَرِيٌّ بَل لأنَّهُ مِيلادٌ دَعَويٌّ! لأنَّهُ مِيلادُ أُمَّةٍ كَانَتْ وَثَنِّيَةً تَعْبُدُ أصْنَاماً وَأَحْجَاراً! فَجَاءَ اللهُ تَعَالى بِرَسُولٍ نَقَّها مِن الشَّرْكِ فَأَعَزَّهَا بَعْدَ مَذَلَّةٍ.
وُلِدَ الهُدَى فَالكَائِنَاتُ ضِيَاءُ | وَفَمُ الزَّمَانِ تَبَسُّمٌ وَثَنَاءُ |
يَا خيرَ مَنْ جَاءَ الوُجُودَ تَحِيَّةً | مِنْ مُرْسَلِينَ إلى الهُدَى بِكَ جَاءُوا |
وَصَدَقَ اللهُ: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164].
فالكونُ أَشرَقَ والفَضَاءُ تَعَطَّرَا | والأُفقُ ظَلَّلَهُ السُّرورُ فَهل تَرَى؟ |
إنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- المَحمُودُ عندَ اللهِ ومَلائِكَتِهِ والأَنْبِيَاءِ أَجْمَعِينَ، وَصَفَ -صلى الله عليه وسلم- نَفسَهُ فَقَالَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرٌ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضَ وَلاَ فَخْرٌ، بِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ، وَآدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلاَ فَخْرٌ» (رواهُ ابنُ حبَّانَ وغيرُهُ).
نَبِيٌّ تَقِيٌّ، طَاهِرٌ نَقِيٌّ، زَكَّى البَارِي لِسَانَه فلا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، مَا زَاغَ بَصَرَه وَمَا طَغَى! جَاءَتهُ شَهَادَةٌ كُبْرَى مِنَ العَلِيِّ الأعلى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4].
بَعثَهُ اللهُ لَنَا رَحمَةً وَأَمَانَاً فَقَالَ: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، وَقَالَ: «إنَّما أَنَا رَحْمَةٌ مُهدَاةٌ».
أيُّها المُؤمِنُونَ: كُلُّ نِعمَةٍ بِنا فَإنَّمَا هِيَ بِفَضلِ اللهِ عَلَينَا ثُمَّ بِفَضلِ بِعثَةِ رَسُولِنَا -صلى الله عليه وسلم- لَنَا.
أَيُّها المُحِبُّونَ: مَحَبَّةُ رَسُولِنا عَاقِبَتُها خَيرٌ عَظِيمٌ، وَنَعِيمٌ مُقِيمٌ، فَعَنْ أَنَس بنِ مالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا». قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- : «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»، قَالَ أَنَسٌ: «فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ»!
قَالَ الشَّيخُ السَّعديُّ -رحمهُ اللهُ-: "محبَّةُ اللَّهِ ورسولِهِ، يَتعَيَّنُ تَقدِيمُهما على مَحبَّةِ كُلِّ شَيءٍ، من الآباءِ والأمَّهَاتِ وَأَبْنَاءِ وَإِخْوَانِ النَّسَبِ والعِشيرَةِ وَأَزْوَاجِكُمْ وَقَرَابَاتِكم عُمُوماً وَأَمْوَالٍ ومَسَاكِنَ حَسَنَةٍ، فإنْ كانت هذه الأشياءُ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ؟ فأنتم فَسَقَةٌ ظَلَمَةٌ".
عبادَ اللهِ: حَقِيقَةُ مَحَبَّتِهِ -صلى الله عليه وسلم- تَكُونَ مَحَبَّةً قَلبِيَّةً، ومِن جِهَةٍ أُخرَى، طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، واجتِنَابُ ما نَهَى عنْهُ وَزَجَرَ، وَأَلاَّ يُعبدَ اللهَ إلاَّ بِمَا شَرَعَ. وإذا كانَتِ المَحَبَّةُ قَلبِيَّةً! فَلا بُدَّ مِن ظُهورِ ذلِكَ على الجَوَارِحِ قَولاً وَعَمَلاً ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، كَمَا كانَ صَحَابَتُهُ الكِرَامُ رَضيَ اللهِ عنهم يُبَايِعُونَهُ -صلى الله عليه وسلم- على إتِّبَاعِهِ في مَنْشَطِهِم وَمَكْرَهِهِم، بَاذِلِينَ أَموَالَهم وأَنفُسَهم فِي سَبِيلِ مَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ. فَمَنْ قَدَّمَ هَديَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- على رَغَبَاتِ نَفْسِهِ فَهُوَ مُحِبٌّ لِرَسُولِ اللهِ، مَنْ تَحَاكَمَ إلى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ فَهُوَ مُحِبٌّ لَهُ، مَنْ حَقَّقَ الطَّاعةَ وَلَزِمَ الجَمَاعَةَ وَسَلَكَ سَبِيلَ المُؤمِنينَ فَهُوَ مُحِبٌّ لِلهِ وَلِرَسُولِهِ ولِلمُؤمنينَ، مَنْ تَأَسَّ بِأخلاقِهِ وَآدَابِهِ وَمُعَامَلاتِهِ وعِبَادَاتِهِ فَهُوَ مُحِبٌّ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف: 157].
إنِّي أَرَى حُبَّ النَّبِيِّ عِبَادَةً يَنْجُوا | بِهَا يَومَ الْحِسَابِ المُسلِمُ |
لَكِنْ إذَا سَلَكَ المُحِبُّ سَبِيلَهُ | مُتَأَسِّيَاً وَلِهَديِهِ يَتَرَسَّمُ |
يا مُسلِمُونَ لِسُنَّةِ الهَادِي ارْجِعُوا | واستَرشِدُوا بِدُرُوسِها وَتَعَلَّمُوا |
فاللهم ارزقنا حبَّ نبِيِّنا -صلى الله عليه وسلم- واتِّبَاعَهُ ظَاهِراً وَبَاطِنَاً. أقول ما سمعتمِ، وأَستَغفِرُ اللهَ لي ولَكم وللمسلِمينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فاستَغفِروهُ وتُوبُوا إليهِ إنَّه هوَ الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ مَنَّ علينا بِالمَكرُمَاتِ، نَشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ رَبُّ الأَرضِ والسَّمَواتِ وَنَشهدُ أنَّ مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورَسُولُه الرَّحمَةُ المُهداةُ، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأِصحَابِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهجِهِم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يَومِ المَمَاتِ.
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقوا اللهَ يا مؤمنونَ لعَلَّكُم تَهتَدُونَ.
مَعاشِرَ المُؤمنينَ: لقد سَطَّرَ الصَّحابَةُ حُبَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فَفَدَوهُ بِأَموالِهِم وأَولادِهِمِ وأَنفُسِهِم فِدَاءً لا لَبسَ فيهِ ولا خَفاءَ، فعَنْ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها، قَالَتْ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَإِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي، وَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي، وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي الْبَيْتِ، فَأَذْكُرُكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيَكَ، فَأَنْظُرُ إِلَيْكَ، وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي ومَوْتَكَ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَإِنِّي إِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَنْ لَا أَرَاكَ. فَلَمْ يُرِدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى نَزَّلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا) [النساء: 69- 70].
حَقَّاً لَقد كَانَ حُبَّاً صَادِقَاً بَعَثَ فِي قُلوبِهِم إِيمَانَاً وَنُورَاً، أَوصَلَهم إلى أَعلَى دَرَجَاتِ الإيمَانِ بِمَا عَمِلُوهُ مِن الإحسَانِ، ومعَ الأسَفِ الشَّدِيدِ بَعضُ مَنْ يَنتَسِبُ للإسلاَمِ غَالَوا في حُبِّهم حتى خَرَجُوا بِهِ عن حُدودِ الشَّرِيعَةِ وَوَقَعُوا في بَرَاثِنِ الشَّركِ والإخلالِ بالعقيدَةِ.
لِذا حَرِصَ رَسُولُنا -صلى الله عليه وسلم- على حِمَايَةِ جَنَابِ التَّوحيدِ وَخَافَ على أُمَّتِهِ من الضَّلالِ والغُلُوِّ فَقَالَ: «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ» وقد جاءَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقالَ لَهُ: مَا شَاءَ اللهُ، وَشِئْتَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : «أَجَعَلْتَنِي وَاللَهُ عَدْلًا بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ» (رواهُ أحمدُ).
حقَّاً إنَّهُ مِنَ الظُّلمِ العَظِيمِ أنْ تَقُودَ مَحَبَّةُ إلى مُصَادَمَةِ ومُخَالَفَةِ الكتابِ والسُّنَّةِ!
أتعلمونَ يا مؤمنونَ: أنَّ بعضَ من ينتَسِبُ للإسلامِ يدَّعِي أنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَعلَمُ الغَيبَ! وَيَكشِفُ الضُّرَ! وَيَجلِبُ النَّفْعَ! وَذَلِكَ واللهِ شِرْكٌ عَظيمٌ وَتَكْذِيبٌ لِرَبِّ العالَمِينَ القائِلِ في كِتَابِهِ المُبينِ: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النمل: 65].
إنَّ مِن أَعظَمِ الفِرَى وأَشَّدِ المُنكَرَاتِ، مَا بُلِيت بِهِ كَثِيرٌ مِن بِلادِنا الإسلامِيَّةِ، مِن إقَامَةِ لَيالِي المَوالِدِ، وإنشادِ القَصَائِدِ، والخُطَبِ والمَدَائِحِ، التي وَصِلَت إلى الغُلُوِّ والشَّركِ باللهِ ربِّ العالَمينَ، بَعْدَ مَا ضَعُفَ نُورُ النُّبُوَّةِ فِي حَياةِ الأُمَّةِ وَقَلَّ تَمَسُّكُهَا بِكِتَابِ رَبِّها وَسُنَّةِ نَبِيِّها، فَوُجِدَتْ حَفَلاتُ المَوَلِدِ بَعْدَ ثَلاثِمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ وَفَاتِهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ سَيْطَرَةِ الدَّولَةِ العُبَيْدِيِّةِ الرَّافِضِيَّةِ!
وَبَعْدَ كذلِكَ مَا أُهْمِلَ العُلَمَاءُ وَهُمِّشَ دَوْرُهُمْ، فَإنَّهُ كُلَّمَا اشْتَدَّ الجَهْلُ وَالغَفْلَةُ وُجِدَ الغُلُوُّ وَالانْحِرَافُ ولا شَكَّ! عِبَادَ اللهِ: لَمْ تَكُنْ حَفَلاتُ المَوالِدِ فِي زَمَنِنَا هَذَا سِرَّاً بَلْ صَارَتْ تُبَثُّ عبْرَ القنَواتِ والشَّبَكاتِ ممَّا يَجعلُ البِدعَةَ تَنتَشرُ في بِلادِ المُسلِمينَ! عياذَاً باللهِ تعالى، حَتَّى بَعْضَ الدُّوَلِ الإسْلامِيَّةِ الخَلِيجِيَّةِ صَارَت تُفَاخِرُ وَتَجْعَلُ أعيادَ مِيلادَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- !
أيُّها المُؤمِنُونَ: تَحقِيقُ المَحَبَّةِ الصَّادِقَةِ تكُونُ بِاتِّبَاع سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- والأخذِ بِوصِيَّتِهِ حينَ قَالَ: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». قال ابنُ تَيمِيَّةَ -رحمه الله- ما مفَادُهُ: "ما يُحدِثُهُ بَعضُ النَّاسِ، من اتِّخَاذِ مَولِدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عِيدَاً، فَهَذا لَمْ يَفعَلُهُ السَّلَفُ مَعَ قِيامِ الْمُقتَضَى لَهُ وَعَدَمِ الْمَانِعِ، ولو كانَ خَيراً كَان السَّلَفُ أَحَقَّ بِهِ مِنَّا، فَإِنَّهم كَانُوا أَشَدَّ مَحَبَّةً لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَتَعظِيمَاً لَهُ مِنَّا، وهُم على الْخَيرِ أَحرَصْ! وَأكْثَرُ هَؤُلاءِ تَجِدُهُم حَرِيصينَ على البِدَعِ فَاتِرِينَ في أَمِرِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- مِمَّا أُمِرُوا بِالنَّشَاطِ فِيهِ، وَهُم بِمنزِلَةِ مَنْ يُحَلِّي الْمُصحَفَ وَلا يَقرَأُ فِيهِ أو يَقرَأُ فِيهِ وَلا يَتَّبِعَهُ"ا. هـ
ألا فَلنَعلم: أنَّ حقيقَةَ المَحبَّةِ تكُونُ في حُسنِ الإتِّباعِ قالَ اللهُ تَعالَى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. وَصَدَقَ المَولَى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 62].
فاللهُمَّ يا رَبَّنا ارزُقنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّكَ واتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، اللهم احشُرنَا في زُمرتِهِ وارزقنَا شَفَاعتَهُ وأوردْنَا حَوضَهُ واسقِنَا مِنْ يَدِهِ شَرْبَةً لا نَظمَأُ بَعْدَها أَبَدَاً، اللهم وارضَ عن صَحَابَتِهِ الكِرَامِ، والتَّابِعينَ لهم بِإحسَانٍ وإيمَانٍ، وعنَّا معهم يا رحيمُ يا رَحمَانُ.
اللهم إنَّا نشهدُ أنَّ مُحَمَّدَاً بلَّغَ الرِّسالةَ وأدَّى الأمَانَةَ ونصحَ الأمةَ وجاهدَ في الله حقَ جهادِه حتى أتاه اليقينُ (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).