البحث

عبارات مقترحة:

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

روحانية رمضان

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. خصائص شهر رمضان وفضائله .
  2. جزاء الصائمين عند رب العالمين .
  3. عظم مكانة الصوم عند الله تعالى .
  4. سرعة مرور أيام رمضان .
  5. الحث على اغتنام رمضان في الصالحات. .

اقتباس

رمضان شهر عبادة وتنسك وقراءة قرآن، هذا طابعه وهذه ميزته، شهر من بين سائر الشهور حتى لو لم نر بأعيننا يتغير فيه الكون كله، ويهيئ الله الخالق في نفوس عباده دوافع الشوق إلى التعبد والرغبة في الفرار إليه –سبحانه- والتوبة من الذنوب والسكون إلى رحمته. يهيئ هذا في النفوس تهيئة لا نظير لها في غيره من الشهور، ففي شهر رمضان تصفَّد الشياطين، وتُفتح أبواب الجنان، وتُغلق أبواب النيران، وينادى فيه إلى فعل الخير وترك الشر كل يوم من أيامه ينادى بهذا النداء.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الإخوة المسلمون: رمضان شهر عبادة وتنسك وقراءة قرآن، هذا طابعه وهذه ميزته، شهر من بين سائر الشهور حتى لو لم نر بأعيننا يتغير فيه الكون كله، ويهيئ الله الخالق في نفوس عباده دوافع الشوق إلى التعبد والرغبة في الفرار إليه –سبحانه- والتوبة من الذنوب والسكون إلى رحمته.

يهيئ هذا في النفوس تهيئةً لا نظيرَ لها في غيره من الشهور؛ ففي شهر رمضان تصفَّد الشياطين، وتُفتح أبواب الجنان، وتُغلق أبواب النيران، وينادى فيه إلى فعل الخير وترك الشر كل يوم من أيامه ينادى بهذا النداء.

أخرج ابن ماجه في صحيحه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِأَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ. وللهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ".

هذا تصفيد للشياطين ومرَدة الجن، وفتح أبواب الجنة، وإغلاق أبواب جهنم، والنداء الحنون لباغي الخير بأن يأتي ويقبل، والنداء المعاتب لباغي الشر بأن يكفّ ويقصر؛ إنما هو إعانة للعباد للإقبال على الطاعة، وتزكية لقلوبهم وتعزيز للتقوى، زد على ذلك مضاعفة الأجر.

ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أيضًا عنه -صلى الله عليه وسلم- فيما قال الله تعالى: "كل عمل ابن آدم يضاعف؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله -عز وجل- إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به؛ يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"

نقف عند هذا الحديث قليلاً لنتأمل في بعض معانيه.

الله -تعالى- هو وحده الذي يجزي عباده على كل طاعة، ولكن بالرغم من ذلك أكد هذا في الصوم على سبيل الحصر والتخصيص أي أن الصوم ليس كسائر العبادات "إلا الصوم"؛ لأن العبد يكون أثناءه في عبادة الله طوال النهار بإمساكه عن شهوته ولاستحالة دخول الرياء على الصوم.

فبعد أن ذكر أعمال العبد كلها كل عمل ابن آدم يضاعف ذكر كل أعمال العبد وأنها تضاعف قال "إلا الصوم"؛ إشارة إلى أن الصوم له مقامه الفريد، ثم أضافه إلى نفسه العلية فقال "فإنه لي" تأكيدًا على صفاء النية في الصوم، وعلى خلو الصوم من شوائب الرياء.

قال "وأنا أجزي به" -جل وعلا سبحانه- إن الكريم إذا قال "أنا أجزي به" أي: أنا الذي أتولى العطاء بنفسي، ولا شك أن في ذلك إشارة بينة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه، فمضاعفة الأجور في شهر رمضان لا مثيل لها.

وزد على ذلك أيضًا مقام الصيام عند الله؛ ففي صحيح الترغيب عن أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم القيامة يحاسب الله -عز وجل- عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله" أي بإعطاء حسناته لمن ظلم وأذى من الناس، حسنات الذكر، حسنات الصلاة، حسنات الحج، حسنات المواساة، وهكذا تنتقل حسنات أعماله إلى من أذاهم، المقاصة.

قال: "حتى لا يبقى إلا الصوم" لا يبقى من أعماله الصالحة إلا الصوم فقط "فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم، ويدخله بالصوم الجنة".

هكذا مكانة الصوم عند الله؛ جميع العبادات تُوفَّى منها مظالم العباد إلا الصوم يتحمل الله باقي المظالم بنفسه رعايةً منه للصوم، ويبقيه الله -تعالى- ذخرًا للعبد يوم القيامة ليدخله به الجنة.

ففي كل هذه النصوص تحفيز للعباد كي يستثمروا هذه الفرصة الكبيرة والمنحة الربانية العظيمة بإحسان الصوم بالتخلي عن المعاصي ابتغاء الأجر والمغفرة.

كل هذا والملائكة في هذا الشهر المبارك تحف الذاكرين، وتستغفر للتائبين، وتكتب أجور المحسنين، والكلم الطيب يصعد، والعمل الصالح يرفعه، والحسنات تبيض صحائف الصائمين، وتمحو عنها ما كدر طوال العام في أيام وليالي بهيجة تفتح فيها أبواب الجنان كلها، ويكرم الله بها عباده كرمًا عجيبًا حتى يغفر لهم ما تقدم من ذنوبه. نسأل الله من فضله وكرمه.

قال -تعالى- (أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) فعلاً معدودات اليوم هو السابع من رمضان مرت تلك الأيام السبعة بسرعة عجيبة نعدها عدًّا، وسوف تمر باقي أيام الشهر هكذا بسرعة وسوف نعدها بإذن الله حتى آخر يوم وليلة كما قال -تعالى- (أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) [البقرة: 184].

فلنشمِّر خلالها عن يد الجهد والخير والعبادة كما كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يستشعر عظمتها فيشمر في هذه الأيام والليالي ما لا يشمر في غيرها، ففي وصف ابن عباس للنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "وكان أجود ما يكون في شهر رمضان أجود من الريح المرسلة".

ولنحتسب ولنعبد الله بقلوبنا وعيوننا وآذاننا وألسنتنا وأجسادنا، ولنتدبر ونتفكر في كتابه الكريم إذا مسكناه بين أيدينا وتلونا آياته، ولنصلح من أخلاقنا ولنراجع علاقتنا بديننا فإن الأجواء أجواء إيمان وعمل وجود وكرم، فإن لم نُرِ الله من أنفسنا في شهر رمضان ما يرضاه عنا فمتى إذاً؟

إن لرمضان نفحاته التي لو علم المؤمن بمغانمها لسجد لله شكرًا وما رفع رأسه من شدة عرفانه.

هذه النفحات المنعشة هي التي يبلغ فيها القلب في مقامات تقوى الله وتعظيمه وشكره ما لا يبلغه في أجواء أخرى؛ إذ إن القلب كلما ازداد قربًا من الله بالعبادة كلما ثقل وشع نوره كما في الحديث "فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه".

وإذا صقل القلب فلا تسل عن مشاعره تجاه ربه، ولا تسل عن لذته بالعبادة، وبهذه المشاعر الرقيقة يصعد في مقامات المحبة والخشية والرجاء والتعظيم والتوقير لله سبحانه؛ ولذلك قال -تعالى- في نهاية آيات الصوم: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185].

فتكبير الله في نهاية شهر الصوم إشارة إلى تعظيمه وتوقيره؛ فالكون كونه، والشهور شهوره، والخلق خلقه، والأمر أمره والقلوب بين أصبعين من أصابعه.

وهو الذي هدانا للإسلام، وأبقانا لفيض وبركة الصيام في رمضان، وفي هذا من الفضل والخير ما لا تبلغ مداه العقول، وليس هذا فحسب بل إن الله -تعالى- أنعم علينا بأن اصطفانا وبلغنا شهره المبارك دون كثير من الناس. أسأل الله أن يختم لنا فيه بخير..

فإن العديد من الناس لم يبلغوه فأنا وأنت أخي والله من المحظوظين .. كم كنت تعرف ممن صام في سلف من بين أهل وجيران وإخوان أفناهم الموت واستبقاك بعدهما حيًّا فما أقرب القاصي من الداني!

ولذلك حكى يحيى بن كثير عن السلف أنه كان من دعائهم: "اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً".

معاشر المسلمين: ألا يدعونا هذا الخير كله إلى محبة الله -تعالى-؛ فهو الذي خلقنا من عدم، وسخَّر لنا سائر الهبات والنعم، ووفقنا لما ينفعنا في الدنيا والآخرة، لله الحمد أولاً وآخرًا، ونسأل -جل وعلا- أن يغفر تقصيرنا ويعفو عنا ما اقترفناه من خطايا وزلات وأن يرحم ضعفنا وقلة حيلتنا.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دينانا التي فيها معاشنا.