الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | ناصر بن يحيى الحنيني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
يا من كنت تعاقر المعاصي، وترتكب الموبقات، وكنت تتذرع بإغواء الشياطين، وتعتذر بقلة السالك والمعين، أتاك شهر الصبر والصفح شهر العتق من النار، الشياطين مكبَّلة والنفوس مقبلة، والناس كلها من حولك تعينك على الخير، لماذا تتردد، لماذا لا تعلنها صريحة، إني تائب إلى الله، أما آن لك أن تغير نفسك، إذا لم تنتصر على هواك وشهوتك في هذا الشهر وتغير واقعك فمتى يكون ذلك؟!
الخطبة الأولى:
الحمد لله ولي الصالحين، وناصر المستضعفين، وقاهر الجبابرة والظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا في ربوبيته ولا ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين، وقائد الغر المحجلين، وسيد الأنبياء والمرسلين، وعلى أصحابه حماة الدين، الذين بذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل نصرة الكتاب المبين وسُنة سيد المرسلين وعلى من تبعهم بإحسان وجهاد إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: إن عجائب شهر الصوم لا تنقضي، ونفحاته الربانية لا تنتهي، فكل الشهر هبات ونعم، فاللهم وفّقنا لمعرفتها والدلالة عليها والتوفيق لها، والموفَّق من وفَّقه الله.
إن رمضان مدرسة عظيمة لتربية النفوس، وتهذيب القلوب، جاء رمضان لهذه الأمة ليرفع مقدارها بين الأمم، ليجعلها أمة تتعالى على حطام الدنيا، وتتسامى على الخسيس الفاني، أمة مجاهدة، أمة قائدة، أمة ربانية، ولن تكون إلا بشهر الصوم وشهر الصبر، نعم هذا هو سر عزّها، وسر قوتها أنها انتصرت على كل شهوات النفس الحسية والمعنوية.
ففي هذا الشهر يعيش المسلم، وقد منع نفسه عن كل شهوة مباحة وغير مباحة، يعيش فترة يقول لنفسه بكل شجاعة وقوة وصبر، لا يا نفس لن تأكلي لن تشربي لن تنال شهوتك حتى يأذن لي ربي، فعيش في السماء ويتعالى عن أهل الأرض ويحقق ما يصبو إليه (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183]، أعظم صفة يتحلى بها أهل الأرض التي هي صفة من صفات أهل الجنة، ومن خلال هذه النعمة التي تتربى عليها الأمة لنا مع شهر الصوم وشهر الصبر وقفات:
الوقفة الأولى: إن شهر الصوم هو شهر الصبر كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153]، قال أهل العلم: الصبر في الآية: الصوم، وهو خير معين للعبد في هذه الحياة؛ ليتجاوز كل الحواجز النفسية والحسية التي تعوقه عن الله والدار التي تعوقه عن معالي الأمور ليصبح عبداً لله لا عبداً لشهوته وهواه.
إن الإخلاد إلى الأرض والانغماس في الملذات هو من أعظم المعوقات عن الوصول إلى أعلى الدرجات وأعلى المقامات في العبادة والبذل والإنفاق والجهاد في سبيل الله وأداء ما أوجب الله، وتطهير القلوب، وتهذيب السلوك؛ كل هذا طريقه والسر إلى الوصول إليه لن يكون إلا من بوابة الصبر، ولا شيء غير الصبر، ومن أعطي الصبر فقد أُعطي الخير كله، فهو سر عجيب وأساس رفعة الإنسان وتميزه عن سائر الحيوان، فلا عجب أن يكون أجره كما قال جل وعلا: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10].
الوقفة الثانية: إن شهر الصوم كما تقدم هو شهر الصبر، والذي ينقصه هذا السر العجيب أعني الصبر الذي هو دعامة حضارية، وأساس لرقي الفرد والمجتمع، فعليه باستغلال هذا الشهر ليتخرج منه وقد نال هذا الوسام وهذا الشرف؛ أعني الصبر، وسد النقص وستر العيب، فالذي يمتثل أوامر الله في أداء الواجبات والتكاليف في هذا الشهر سوف يطعم معنى الصبر، ويسمو بنفسه عن اتباع الهوى والشهوات، ويكون أقدر على مواجهة الفتن والمغريات بعد رمضان وفي رمضان فهو شهر جهاد النفس وتربيتها (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].
الوقفة الثالثة: شهر الصبر فرصة لتحرير الإنسان من العبودية لغير الله، إن أعظم نعمة على الإنسان أن يكون حرّاً من كل العبوديات، وعبداً للواحد الديان، فأعلى المقامات وأشرف الدرجات وأسمى الأمنيات أن تكون عبداً مخبتاً طائعاً لربك ومولاك وحده لا شريك له، وأعظم الذل والخيبة والخسران أن تكون عبداً لهواك وشهوتك (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) [الجاثية: 23].
فيا من كنت تعاقر المعاصي، وترتكب الموبقات، وكنت تتذرع بإغواء الشياطين، وتعتذر بقلة السالك والمعين، أتاك شهر الصبر والصفح شهر العتق من النار، الشياطين مكبَّلة والنفوس مقبلة، والناس كلها من حولك تعينك على الخير، لماذا تتردد، لماذا لا تعلنها صريحة، إني تائب إلى الله، أما آن لك أن تغير نفسك، إذا لم تنتصر على هواك وشهوتك في هذا الشهر وتغير واقعك فمتى يكون ذلك؟!
يا عبد الله هذه فرصتك لتكون حرّاً طليقاً، وتعتق نفسك من أسر الشهوات المحرمة، والعادات المستقذرة، وتحيا حياة الطهارة والنقاء، يا من تعاقر المسكرات، وتتعاطى المخدرات، وتشرب الحشيش والدخان، يا من تمارس الزنا واللواط، يا من أضاع وقته في اللهو الحرام، جاءك شهر التقوى شهر العتق من النار، فلا تحرم نفسك الفرصة فهي أقرب ما تكون للخير والطاعة.
أيها الحبيب: إن من علامة صدقك وعلامة قربك من ربك هو حديثك الدائم طوال السنة عن التوبة والرجوع إلى الله، من الذي يحول بينك وبينها، فارجع واعلم أن رحمة الله قريب من المحسنين.
الوقفة الرابعة: رمضان مدرسة الأخلاق وتهذيب السلوك، شهر الطهارة والنقاء والصفاء والمحبة والوئام، شعارك يا من أكرمك الله بهذا الشهر "إني صائم"، ما أعظمه من شعار! كيف لا وهو شعار ألبسكه الله، فلا تفرط ولا تُطلق للسانك العنان، وطهّر قلبك من الغل والحقد وسيء الخصال.
جاءك شهر المحبة والألفة شهر البر والصلة، فلا تؤذ جيرانك، ولا أقاربك وأحبابك، فرصة لك -أيها المسلم- كيف تضبط جوارحك وأعصابك فإن كنت غضوباً لجوجاً فشهر الصوم كفيل بأن يعلمك الحلم والأناة، ولكن اصدق العزم واخلص النية، وأبشر فإن الله معك واستعن بما أعانك الله به (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153].
الوقفة الخامسة: رمضان يربّي الإنسان على احتقار الدنيا والنظر للباقي وتقديمه على الفاني، فرمضان شهر النفقة والإحسان، فرمضان يربي الإنسان على الجود والكرم، ورسولنا كان أجود ما يكون في رمضان، ورمضان شهر التفطير والإحسان والإطعام، فيا من اشتغلت بجمع المال ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً جاءك شهر الإنفاق فانتصر على نفسك وابذل من مالك، ولا تبخل وعوِّد نفسك على الإنفاق، واعلم أنه هو الذي يبقى.
وأعظم ما يتحلى به المسلم هو كرم النفس والسخاء والبذل والعطاء؛ فالمال تحبه النفوس وتأبى مفارقته، ولا يقوى على هذا إلا من تخرج من مدرسة الصبر واليقين، إنها مدرسة رمضان مدرسة الجود والكرم.
إن رمضان فرصة للترفع عن الكسب الحرام مهما كان هذا الكسب فهي فرصة لك مع الإنفاق أن تنقّي مالك من شوائب الحرام، فيا من تتعامل بالربا جاء شهر السلم والتصالح والقرب من ربك، فلا تضيع الفرصة في هذا الشهر الكريم، وأعلن التوبة والرجوع إلى الله، يا من أخذت أموال الناس بغير حق، يا من لم تعط الأجير حقه تحلل في هذه الدنيا قبل أن يأتي هادم اللذات ومفارق الجماعات، وإياك والجشع والطمع والهلع، فهي ليست من صفات الكُمَّل من الرجال.
الوقفة السادسة: رمضان شهر تربية الأبناء والبنات، إنها فرصة لأداء الأمانة الواجبة علينا، وتربيتهم على مكارم الأخلاق، وعلى الخوف من ربهم العظيم المنان، فرصة لتعويدهم على الطاعات وحرمان أنفسهم من الشهوات حتى يكونوا أقدر على مواجهة الفتن والشهوات.
إن أعظم فرصة لكي تربي نفسك وأهلك وأبنائك على كريم الخصال هو شهر رمضان، فيا من فرطت وانشغلت وتشاغلت جاءك شهر رمضان الذي قلت فيه الأعمال ونشطت فيه القلوب والأبدان على طاعة الواحد الديان، فلا تفرط ولا تهمل، فهي مسئوليتك التي سوف تسأل عنها يوم الجزاء والحساب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [الطلاق: 6].
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
لم ترد.