المجيب
كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...
العربية
المؤلف | أبوبكر الحنبلي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - فقه النوازل |
أيها الموحدون: "لا إله إلا الله" موضوع خطبتنا اليوم بإذن الله -جل وعلا-: "تنبيه الأنام لكفر من جحد الحكم بالإسلام"؛ فأعيروني القلوب والأسماع؛ لنخرج من حيز الكلام إلى... إخوة الإيمان: إن أعداء الإسلام في كل لحظة وفي كل عصر ومصر يتربصون بدين الله -تبارك وتعالى-، فلقد قال قائلهم في بريطانيا: لا بد أن نقضي على الإسلام؛ ولكننا لا نتمكن من القضاء عليه إلا بالقضاء على...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في كتابه الكريم: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء:65].
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أنزل عليه قوله -جل وعلا-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36].
فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى أبي بكر رفيقه في الغار، وعلى عمر قامع الكفار، وعلى عثمان شهيد الدار ، وعلى علي القائم بالأسحار، وعلى آله وأصحابه خصوصا المهاجرين والأنصار، وسلم تسليما كثيرا كثيرا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الموحدون: "لا إله إلا الله" موضوع خطبتنا اليوم بإذن الله -جل وعلا-: "تنبيه الأنام لكفر من جحد الحكم بالإسلام"؛ فأعيروني القلوب والأسماع؛ لنخرج من حيز الكلام إلى مجال العمل والتنفيذ.
قال الله -تعالى-: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران:19]، وقال الله -تعالى-: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85]، وقال الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة:3]، وقال الله -تعالى-: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة:44]، وقال الله -تعالى-: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [المائدة:47]، وقال الله -تعالى-: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، وقال الله -تعالى-: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50].
إخوة الإيمان، أحبة الإسلام: اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن كل من جحد الحكم بالقرآن وصحيح السنة بفهم سلف الأمة فهو كافر وعن ملة الإسلام خارج لا شك في ذلك، ومن ساوى الحكم بغير الإسلام بحكم الإسلام وجعل كلاهما سواء فهو كافر، ومن قال إن الحكم بشريعة الله -تعالى- لا تصلح في زمن الفاكس والتلكس والهواتف المحمولة والقنوات الفضائية التي جعلت العالم قرية صغيرة، من اعتقد ذلك فهو كافر، ومن اعتقد أن هدي أحد غير هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- أكمل من هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر، ومن فضّل الحكم بغير القرآن وصحيح السنة على القرآن وصحيح السنة بفهم سلف الأمة فهو كافر والعياذ بالله.
واعلم -رحمك الله- أن هناك كفرا دون كفر، وظلما دون ظلم، وفسقا دون فسق، فمن حكم بغير شريعة الله -تعالى- فسئل: ما الذي يجب عليك وعلى غيرك من الملوك والرؤساء؟ فأجاب قائلا: إن الواجب الذي افترضه الله علينا أن نحكم القرآن وصحيح السنة بفهم سلف الأمة، ولكنا تحاكمنا لغير ذلك استبقاء لمنصب، أو لرشوة قدمت، أو ما شاكل ذلك؛ فقد وقع في كفر دون كفر، وقد تلبس في ظلم دون ظلم، وقد اقترف فسقا دون فسق؛ وذلك لاعترافه أن الواجب والفرض والحتم واللازم هو الحكم بما أنزل الله، ولكنه عدل؛ لاستبقاء منصب، أو لرغبة في رشوة، أو ما شاكل ذلك؛ مما يجعل صاحبه في خطر عظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
إخوة الإيمان: إن أعداء الإسلام في كل لحظة وفي كل عصر ومصر يتربصون بدين الله -تبارك وتعالى-، فلقد قال قائلهم في بريطانيا: لا بد أن نقضي على الإسلام؛ ولكننا لا نتمكن من القضاء عليه إلا بالقضاء على ثلاثة أمور: الأمر الأول: المصحف، الأمر الثاني: إلغاء الاجتماع السنوي، الأمر الثالث: إلغاء الاجتماع الأسبوعي.
فقام أحد الحاضرين وأخرج مصحفا ومزقه، فقال له: ليس الأمر كذلك أيها المغفل؛ فلقد مزقت نسخة من النسخ وبقيت ملايين النسخ؛ ولكننا نريد أن ننزع المصحف من صدورهم؛ فلا يتحاكمون إليه، ولا يتعبدون بتلاوته، ولا يستفتون به، ولا يكون مصدرا لعزتهم. اهـ.
وأما الاجتماع السنوي فهو الذي على جبل عرفات حيث يجتمع الملك والمملوك، والأمير والمأمور، والرئيس والمرؤوس، والوزير والخفير، والعربي والعجمي، والرجل والمرأة؛ كلهم يقولون: "لبيك اللهم لبيك! لبيك لا شريك لك لبيك! إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، كلهم يقولون: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير"، يعلنون فقرهم للغني، وذلهم للعزيز، وضعفهم للقوي، لا يريدون إلا رضاه، والله -جل وعلا- من فوق سبع سماوات يباهي ملائكته بعبيده الذين أتوه شعثا غبرا لا يريدون إلا رضاه.
إخوة الإيمان: وأما الاجتماع الأسبوعي فهو الذي أنتم فيه الآن: صلاة الجمعة، حيث قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة:9].
فأعداء الإسلام ترونهم على الإعلام المرئي، وتسمعونهم في الإعلام المسموع، وتقرؤون لهم في الإعلام المقروء؛ وهم يتربصون بدين الله -تعالى- وكأن كل واحد فيهم بصق فيِ فيَ الآخر، الكل يرتعد وفرائصه ترتعد مخافة أن الإسلام قادم، فالإسلام قادم لا محالة بنا وبغيرنا؛ لأن الله الذي فوق سبع سماوات قال في كتابه الكريم: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33].
الإسلام قادم لا محالة في ذلك؛ لأن من لا ينطق عن الهوى محمدا -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليبلغنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يتركُ اللهُ بيتَ مدَرٍ ولا وبَرٍ إلَّا أدخلَهُ اللهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عزيزٍ، أو بذلِّ ذليلٍ، عزًّا يعزُّ اللهُ به الإسلامَ، وذلًّا يذِلُّ اللهُ به الكفرَ".
إخوة الإيمان: إنهم ينادون -والعياذ بالله- بالعلمانية، والعلمانية هي فصل الدين عن الدولة، فيقولون: لا دين في السياسية ولا سياسة في الدين؛ وهذا الإسلام دين ودولة ومصحف وسيف وعقيدة ومنهاج وشريعة وشرعة وقضاء ورحمة، أما سمعت قول الله -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً) [البقرة:208].
خذوا الإسلام بشموليته، خذوا الإسلام بكليته، فإن الإسلام لا ينحصر بين جدران المسجد الأربعة في صلوات تركع فيها لله، وتسجد فيها لمن على العرش استوى، ليس هناك شك ولا ريب أن الشهادتين والصلاة والصوم والزكاة والحج هي أركان الإسلام، لا بد منها، وهي القواعد الأساسية والأركان، الركيزة التي لا بد منها؛ ولكن الإسلام لم ينحصر فيها.
فهذا الإسلام -كما ذكّرت نفسي وإياكم- دين ودولة ومصحف وسيف وعقيدة ومنهاج وشريعة وشرعة وقضاء ورحمة، فهم يريدون أن يحصروه في المسجد، ولكننا سنحكم الدنيا بهذا الإسلام، سنحكم الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والتعليمية والصحية بدين الله -تبارك وتعالى-، لنعبّد أنفسنا لله، ونعبد الناس لرب الناس، فما خُلق الجانّ والإنسان إلا لعبادة رب العالمين، حيث قال الله -تعالى- مبينا مقصد خلقنا: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:56-58].
إذاً؛ سعادة البشرية أن تحكم الدنيا بالدين، فالدين لا ينفك عنك في بيتك ولا مزرعتك ولا مصنعك ولا متجرك ولا جامعتك ولا مدرستك ولا مؤسستك، لا ينفك الدين عنك في ليل ولا نهار ولا سراء ولا ضراء، ولا في جو ولا بر ولا بحر، وذلك لنحقق قول ربنا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:21].
إخوة الإسلام: العلمانية هي منهج باطل، وطريق ساقط، ويأخذ بيد أهله إلى الكفر والعياذ بالله! وإن صلى وصام وزكى وحج واعتمر، ما دام يعتقد ويردد أنه لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، وأن الدين للعبادات وليس له الحق أن ينطلق في شتى مناحي الحياة، فهو كافر بعد إقامة الحجة عليه من معتبر، من عالم يقول قال الله -تعالى-، قال رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال الصحابي الجليل بفهم سلف هذه الأمة.
أيها الأحبة في الله: ينادون بالليبرالية؛ الليبرالية هي وجه آخر من وجوه العلمانية، إن الليبرالية هي الحرية في القول، تريد أن تسب الدين فلك ذلك، تريد أن تسب القرآن فلك ذلك، تريد أن تسب سيد الأنام محمدا -عليه الصلاة والسلام- فلك ذلك؛ الحرية في القول، الحرية في الفعل، تريد أن ترسم رسوماً كاريكاتيرية تستهزئ فيها من النبي -صلى الله عليه وسلم- وبالصحابة الكرام وبالعلماء فلك ذلك.
الحرية في المعتقد: تريد أن تعبد حجرا، شجرا، جنيا، عادات وتقاليد، تعبد دينارا، درهما، يورو، دولارا، جنيها؛ تعبد ما شئت، تريد أن تكون مجوسيا، بوذيا والعياذ بالله، وتحكم بما شئت.
إن الليبرالية هي الحرية في القول والفعل والمعتقد والحكم، فالإنسان عند الليبراليين هو إله نفسه وعابد هواه، وليس له شريعة تحكمه، لا يعرف قول ربنا: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي...) لمن؟ (... لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162-163]، لا يعرف ذلك.
إذاً؛ الليبرالية حرية في القول، حرية في الفعل، حرية في المعتقد، حرية في الحكم؛ والإنسان عند الليبراليين هو إله نفسه وعابد هواه وليس هناك شريعة تحكمه، فكل شيء عندهم متغير حتى الدين.
وأما الديمقراطية التي صدعوا رؤوسنا بها في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء حتى غلب على ظن كثير من الناس أن الديمقراطية شيء حسن وهي كل القبح، كل القبح لماذا؟ لأن الديمقراطية معناها حكم الشعب نفسه بنفسه، والله -تعالى- قال: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ)، (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ).
الله، كما أنه خلق، له الأمر؛ إذا أمر ائتمرنا، إذا نهى انتهينا، شريطة أن يكون ائتمارنا وانتهاؤنا إخلاصا لله -تعالى-، واتباعا لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبالمسارعة والقوة والحب والذل التامين لله -جل وعلا- وحده، إخلاصا لله، اتباعا لرسول الله، مسارعة في العمل، قوة عند التلبس بالعمل الصالح، حب لله تام، ذل لله تام، وأنت تردد قولا يرضاه الله، أو تفعل فعلا يرضاه الله، تريد من ذلك جنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله الجنة، نسأل الله الجنة، نسأل الله الجنة، وما قرب إليها من قول أو عمل، نعوذ بالله من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
أيها الأحبة: الديمقراطية هي حكم الشعب نفسه بنفسه أولا، ثانيا: تنفيذ رأي الأغلبية، ثالثا: احترام رأي الفرد، فالديمقراطية (يسوون) استفتاء: نستبقي الخمر حفاظا على السياحة أم نمنعها؟ الاستفتاء في ذاته كفر، لماذا؟ لأن الله -تعالى- فصل من فوق سبع سماوات فقال: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)، فماذا نفعل؟ (فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:90]؛ لا ينبغي أن تجلس في المكان الذي يشرب فيه الخمر إلا إذا كنت آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، تغير المنكر على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة لتأخذ بيدهم من الظلمات إلى النور.
نعم! استفتاء: نستبقي البنوك الربوية أم نزيلها؟ الاستفتاء في حد ذاته فيه حرب على الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) [البقرة:278-279].
استفتاء على بقاء الشباب مع الشابات في الجامعات في قاعة واحدة دون فصل بينهما ما يسمى بــ (الشيكشين)، استفتاء في ذاته معوج؛ لماذا؟ لأنهم يبغونها عوجا،كل القنوات تتكلم: إنهم يريدون أن يلبسوا المرأة النقاب! وما العيب في الطهر، والحياء، والحفاظ على المرأة التي هي بنتي وبنتك، التي هي زوجتي وزوجتك، أختي واختك، أمي وأمك، عمتي وعمتك، خالتي وخالتك، رحمي ورحمك؟ ما المانع أن نحافظ عليها؟ أن نصونها؟ فهي الجوهرة المكنونة، والدرة المصونة التي قال الله في ما يتعلق بشأنها: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ...) ومَن؟ (وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ...)، ماذا؟ يلبسن "الميني جيب"؟ لا، يلبسن "الميكري جيب"؟ لا، "الاسترتش"؟ لا، "الجينز"؟ "البادي"؟ لا، "التونك"؟ لا، (...يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ...) "ليه"؟ (... ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الأحزاب:59]، (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ)، لماذا؟ (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53].
ذلك أطهر لقلوبكم؛ نعم، هو الذي خلقنا فهو أعلم بقلوبنا وحالنا، "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"؛ فإعفاء اللحية من الأعمال، ولباس النقاب للمرأة من الأعمال، وتقصير الثوب فوق الكعبين من الأعمال، والسواك من الأعمال، وجهاد الطلب من الأعمال، وجهاد الدفع من الأعمال، وبر الوالدين من الأعمال، والإحسان إلى الجار من الأعمال، وصلة الأرحام من الأعمال، وإفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام من الأعمال، وترك الشرك والسحر والربا والزنا وأكل مال اليتم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات من الأعمال، كل هذا من الأعمال، نعم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
إخوة الإيمان: الإيمان عندنا قول ونية وعمل واعتقاد، يزداد بالطاعة وينقص بالمعصية، قال رب العالمين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال:2].
إن الديمقراطية تقوم على أمرين: الأمر الأول: سيادة الشعب، افهم ذلك أيها الشاب، سيادة الشعب، الأمر الثاني: ضمان الحريات المكفولة، بمعنى: توجد سلطات ثلاث: سلطة تشريعية، وسلطة قضائية، وسلطة تنفيذية؛ فهم يريدون أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، فلا قرآن ولا صحيح سنة ولا طريق سلف الأمة، إنما يحكم الشعب نفسه بنفسه هذه السلطة التشريعية، أما السلطة القضائية: تقضي بما شرعه الشعب نفسه بنفسه، وأما السلطة التنفيذية: تنفذ ما قضت به السلطة القضائية فيما شرع من قبل الشعب نفسه بنفسه.
نعم؛ إذاً سيادة الشعب، ثم ماذا؟ ضمان الحريات، أنت تريد قمار؟ لا بأس، أنت تريد الربا؟ لا بأس، الذكر يتزوج الذكر؟ لا بأس، الرجل والمرأة يتجمعان في الفاحشة؟ لا بأس، عدم الحكم بالشريعة؟ لا بأس. حرية وضمان الحرية.
رجل كان مسلم ويرتد! حرية، ويضمن له الحرية، رجل يسب الدين، القرآن، الرسول! لا بأس! هذا ضمان الحريات المكفولة، افعل ما شئت، وقل ما شئت، سيادة الشعب أولا، ثانيا: ضمان وكفالة الحريات مع فصل السلطات الثلاث: تشريعية وقضائية وتنفيذية.
إخوة الإيمان: ينادون بالدولة المدنية، والدولة المدنية ترتكز على ثلاثة مرتكزات: المرتكز الأول: العلمانية وهي تساوي اللا دينية، المرتكز الثاني: القومية، وهي تساوي الوطنية، القومية نستعلي بشعبنا فوق الشعوب الأخرى بعيدا عن القرآن وصحيح السنة بفهم سلف الأمة، ونؤاخي ونحب ونبغض ونوالي ونبغض في جنسيتنا، (مافي) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخوة)، لا، (مافي) "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" لا، (مافي): "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره" لا، (مافي)
يا أخِي فِي الْهِنْدِ أو في الْمَغْرِبِ | أنا منكَ، أنت مِنِّي، أنت بي |
لا تسَلْ عن عنصري عن نَسَبِي | إنَّهُ الإسلامُ أُمِّي وأبي |
إخوةٌ نحن به مؤتلفون | مسلمون مسلمون مسلمون |
حيث كان الحق والعدل نكون | نرتضي الموت ونأبى أن نهون |
في سبيل الله ما أحلى المنون | مسلمون مسلمون مسلمون |
لا، تؤاخي المصري لأنك مصري، والليبي يؤاخي الليبي، والسوداني يؤاخي السوداني، والسعودي يؤاخي السعودي، والجزائري الجزائري، والإندونيسي الإندونيسي، والماليزي يؤاخي الماليزي، والباكستاني الباكستاني، والتركي التركي؛ والإسلام يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخوة)، "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-، ليس هنا قومية.
المرتكز الثالث: الديمقراطية وهي حكم الشعب نفسه بنفسه، إذاً؛ الدولة المدنية تقوم على مرتكزات ثلاثة: العلمانية وهي تساوي اللا دينية، القومية: وهي تساوي الوطنية، الديمقراطية: وهي تساوي حكم الشعب نفسه بنفسه.
والعلمانية منهج باطل، والقومية منهج باطل، والديمقراطية منهج باطل، والدولة المدنية منهج باطل، ولا سعادة للأمة إلا بعودتها للكتاب وصحيح السنة بفهم سلف الأمة في المعتقد والقول والعمل والمنهج والسلوك والواقع الحي، عبودية لمن على العرش استوى، فهنيئا لمن نادى بتطبيق شرع الله في كل محفل وفي كل لقاء وعلى أي شاشة بقوة وبأدب جم وبحكمة بالغة، يناشد المسؤولين أفرادا وأسرا ومجتمعات وملوكا ومملوكين أمراء ومأمورين، رؤساء ومرؤوسين، يقول لهم: صلاحنا وفلاحنا ونجاحنا أفرادا وأسراً ومجتمعات في العودة إلى القرآن الكريم وصحيح السنة بفهم صدِّيق الأمة الأكبر، وفاروقها، وذي النورين، وأبي الحسنين.
"ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه؛ فاتقوا النار ولو بشق تمرة"، أو كما قال -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين.
(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [غافر:44].
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، يا رب! يا رب!
بك أستجير ومن يجير سواكا | فارحم ضعيفا يحتمي بحماكا |
يا رب قد أخطأتُ فاغْفِرْ زَلَّتِي | أنت الْمُجِيبُ لِكُلِّ مَن ناداكا |
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قلوب الملوك بين إصبعين من أصابعه، فإذا أطاعه العباد حول قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإذا عصوه حول قلوب ملوكهم عليهم بالنقمة، ورحم الله الإمام القيم ابن القيم حيث قال: "أعمَالكم عُمالكم"، مثلما تكونوا يولى عليكم!.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرشدنا إلى سعادة الداريين فقال: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ؛ وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة".
صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى من سار على هديه إلى اليوم الدين.
أما بعد: إخوة الإيمان: هذا يقول شح الغاز، وهذا يقول الرواتب قليلة، وهذا يقول الغلاء مستمر، وهذا يشتكي قلة الأمن واختطاف السيارات والأفراد، وصفتَ الداء؛ فما هو الدواء؟ قال -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)! بأي شيء؟ (بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) لماذا؟ ليذيقهم كل الذي عملوا؟ كلا: ( لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا)، وليس كل! (لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا)، ما المقصد؟ (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41]، أي: لعلهم يقلعون عن الذنب ويندمون على فعله ويعزمون على عدم العودة إليه، ويردون المظالم إلى أهلها، على أن يكون ذلك قبل الوقت الخاص وهو الغرغرة، وقبل الوقت العام وهو طلوع الشمس من مغربها؛ شريطة أن يكون خالصاً لربنا الكريم.
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41]، قال حبر الأمة وترجمان القرآن المكثر من الرواية العلامة الفقيه الإمام الصحابي الجليل ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العباس -رضي الله عنه-: "ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة".
فأنت حينما تجتمع مثلا مع أعضاء مجلس شعب، أو مجلس شورى، أو تجتمع مع الوزراء، أو مع الساسة، فتتكلم -على سبيل المثال وليس الحصر- في انهيار الاقتصاد فتقول لهم: أنا أعرف كيف تحل هذه المشكلة، فتقول: إن حل مشكلة الاقتصاد في شيئين: في الإيمان والتقوى، فمن المتوقع أن يقال لك: أيها الدرويش، اخرج من بيننا! نحن في عالم الفضائيات التي صار العالم فيه قرية صغيرة، تقول إن علاج مشكلة الاقتصاد هو الإيمان والتقوى!.
نعم؛ إن ربنا الذي خلقنا هو الذي قال: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ)، ماذا يصير؟ (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ) [الأعراف:96]، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ..) [الطلاق:2-3] أي: فهو كافيه، كافيه سياسيا، اقتصاديا، عسكريا، اجتماعيا، تعليميا، صحيا، كفاية تامة، ولكن؛ أين يقيننا بكلام ربنا -جل وعلا-؟ أين يقيننا بكلام رسولنا؟ "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتعود بطانا".
ما معنى التوكل: الأخذ بالأسباب، والاعتماد على مَن على العرش استوى وحده، هذا هو التوكل، أما أن تجلس ولا تفعل شيئا، فهذا تواكل، والرسول الكريم صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "اعقلها وتوكل".
أيها الأحبة: إن الاقتصاد منهار، وعلاج هذه المشكلة وغيرها من المشكلات في قول الله -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ).
إن علاج المشكلات في قول الله -تعالى- من خلال التعبئة الإيمانية في المساجد والجامعات والمدارس ودور الحضانة والمؤسسات والدوائر الحكومية؛ تعبئة إيمانية، تعبئة قرآنية، تعبئة نبوية، ترد بها الأمة إلى الله.
أيها الناس: توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم تسعدوا، وأكثروا الصدقات ترزقوا، وأمروا بالمعروف تحصنوا، وانهوا عن المنكر تنصروا، وإن أكيسكم أكثركم للموت ذكراً، وأحزمكم أشدكم استعداداً له، ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزود لسكنى القبور، والتأهب ليوم النشور.
معشر المسلمين: شمروا؛ فإن الأمر جد، وتأهبوا؛ فإن الرحيل قريب، وتزودوا؛ فإن السفر بعيد، وخففوا أثقالكم؛ فإن وراءكم عقبة كؤودا لا يقطعها إلا الـمُخففون.
أنت حين تكون عائدا من السفر وفي يدك حقيبة لا تقف، وأما الذي معه الهموم المحملة الثقيلة يقف على السير ينتظر مع المنتظرين، مع فارق التشبيه.
خففوا أثقالكم فإن وراءكم عقبة كؤودا لا يقطعها إلا المخففون.
أيها الناس: إن بين يدي الساعة أمورا شدادا وأهوالا عظاما وزمانا صعبا يتملك فيه الظلَمَة، ويتصدّر فيه الفَسَقَة، فيضطهد فيه الآمرون بالمعروف، ويضام الناهون عن المنكر، فأعِدّوا لذلك الإيمان بالله، والجؤوا إلى صالح العمل، وأكرهوا عليه النفوس، واصبروا على الضراء تفضوا إلى النعيم الدائم.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا...