الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | عبدالله بن إبراهيم القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الأعياد الممنوعة - الأديان والفرق |
وَإِحْدَاثُ مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَالِدِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ- لَمْ يُكْمِلِ الدِّينَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُبَلِّغْ مَا يَنْبَغِي لِلْأُمَّةِ أَنْ تَعْمَلَ بِهِ، حَتَّى جَاءَ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَأَحْدَثُوا فِي شَرْعِ اللهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ، زَاعِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُقَرِّبُ إِلَى اللهِ، وَهَذَا -بِلَا رَيْبٍ- فِيهِ خَطَرٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَكْمَلَ لِعِبَادِهِ الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ ..
الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ بِالنِّعَمِ مُنْعِمًا، وَبِالْمَعْرُوفِ مَعْرُوفًا، وَبِالْإِحْسَانِ مُحْسِنًا، وَبِالْكَرَمِ مَوْصُوفًا، كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ، يَكْشِفُ كَرْبًا، وَيَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيُغِيثُ مَلْهُوفًا، وَيَجْبُرُ كَسِيرًا، وَيُجِيرُ خَائِفًا، وَيُرْسِلُ بِالْآيَاتِ تَخْوِيفًا، أَحْمَدُهُ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَسْأَلُهُ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ مِنْ كُلِّ بِدْعَةٍ وَضَلَالَةٍ، عَمَلًا أَوْ تَأْيِيدًا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَلَقَهُ اللهُ صَادِقًا أَمِينًا شَرِيفًا كَرِيمًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَتَزَوَّدُوا؛ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى.
مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ رَسُولَهُ وَخَلِيلَهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَرَسُولًا إِلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ، أَرْسَلَهُ بِكُلِّ عِلْمٍ نَافِعٍ، عَلَّمَ بِهِ بَعْدَ الْجَهَالَةِ، وَهَدَى بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ شَيْءٌ إِلَّا بَيَّنَهُ، وَلَا قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ إِلَّا أَوْضَحَهَا، فَالْعِلْمُ الصَّحِيحُ مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَالنَّافِعُ مِنَ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، شَرِيعَتُهُ الْكَامِلَةُ هَيْمَنَتْ عَلَى جَمِيعِ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ وَنَسَخَتْهَا، وَسُنَّتُهُ أَوْضَحَتْ أُمُورَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَبَيَّنَتْهَا، فَهِيَ الْغَايَةُ فِي الْعَدْلِ وَالْحُسْنِ: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [الْمَائِدَةِ:50].
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ هَدْيِهِ وَسُنَّتِهِ، وَحَذَّرَنَا مِنْ كُلِّ مَا يُخَالِفُ هَدْيَهُ وَطَرِيقَتَهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ".
عِبَادَ اللهِ: إِنَّهُ قَدْ طَرَأَ عَلَى صَفَاءِ هَذَا الدِّينِ وَوُضُوحِ أَحْكَامِهِ فِي عُصُورِ انْحِطَاطِ الْمُسْلِمِينَ كَثِيرٌ مِنَ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ الَّتِي زَادَتِ انْحِطَاطَهُمُ انْحِطَاطًا، وَشَغَلَتْهُمْ عَنِ الْعَوْدَةِ إِلَى الْعَقِيدَةِ الصَّافِيَةِ وَالتَّمَسُّكِ بِهَا، وَالرُّجُوعِ إِلَى الْحَقِّ، وَذَلِكَ بِتَتَبُّعِ الْمَظَاهِرِ الْفَارِغَةِ وَالتَّقَالِيدِ الْعَمْيَاءِ الَّتِي سَنَّهَا مَنْ ضَلَّ وَأَضَلَّ، فَحَادَتْ بِهِمْ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَسَلَكَتْ بِهِمْ مَسَالِكَ الضَّلَالِ، وَلَبَّسَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي عَقِيدَتِهِمْ، وَأَخْمَدَتْ فِيهِمْ جَذْوَةَ الْإِيمَانِ وَجَمَالَ الِاتِّبَاعِ، وَامْتَصَّتْ طَاقَاتِهِمُ الْمُتَعَدِّدَةَ الْمُتَّقِدَةَ قُوَّةً وَحَمَاسًا بِمَظَاهِرَ فَارِغَةٍ وَأَعْمَالٍ خَاوِيَةٍ، فَانْتَشَرَتْ بَيْنَهُمْ أَعْمَالُ الِاحْتِفَالَاتِ الْمُبْتَدَعَةِ، فَعَادَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الضَّلَالَاتِ إِلَى مَظَاهِرِ الْوَثَنِيَّةِ وَتَقْدِيسِ الْأَشْخَاصِ.
وَمِنْ ذَلِكَ إِقَامَةُ الِاحْتِفَالَاتِ بِالْمَوْلِدِ مَوْلِدِ رَسُولِنَا الْكَرِيمِ صلى الله عليه وسلم، بِزَعْمِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُحَقِّقُ الْمُرَادَ مِنْ حُبِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمُوَالَاتِهِ، وَقَدْ غَفَلُوا أَوْ تَغَافَلُوا أَنَّ مَحَبَّةَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا تَكُونُ بِاتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ.
أَمَّا هَذِهِ الِاحْتِفَالَاتُ الشَّائِعَةُ فِي الْمَوَالِدِ فَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ، بَلْ هِيَ مِنَ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ فِي الدِّينِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفْعَلْهَا وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ، وَلَا غَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَلَا التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ فِي الْقُرُونِ الْمُفَضَّلَةِ، وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِالسُّنَّةِ، وَأَكْمَلُهُمْ حُبًّا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمُتَابَعَةً لِشَرْعِهِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ.
وَأَوَّلُ مَنِ ابْتَدَعَهَا -فِيمَا يَظْهَرُ- هُمُ الْفَاطِمِيُّونَ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ الْهِجْرِيِّ، وَهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْعَقِيدَةِ الْفَاسِدَةِ، وَإِظْهَارِ التَّشَيُّعِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَالْغُلُوِّ فِيهِمْ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" أَيْ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ تَحْذِيرٌ شَدِيدٌ مِنْ إِحْدَاثِ الْبِدَعِ وَالْعَمَلِ بِهَا، وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الْحَشْرِ:7] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النُّورِ:63]. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [الْمَائِدَةِ:3].
وَإِحْدَاثُ مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَالِدِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ- لَمْ يُكْمِلِ الدِّينَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُبَلِّغْ مَا يَنْبَغِي لِلْأُمَّةِ أَنْ تَعْمَلَ بِهِ، حَتَّى جَاءَ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَأَحْدَثُوا فِي شَرْعِ اللهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ، زَاعِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُقَرِّبُ إِلَى اللهِ، وَهَذَا -بِلَا رَيْبٍ- فِيهِ خَطَرٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَكْمَلَ لِعِبَادِهِ الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ، وَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَلَّغَ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ، وَلَمْ يَتْرُكْ طَرِيقًا يُوصِلُ إِلَى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ إِلَّا بَيَّنَهُ لِلْأُمَّةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم هُوَ أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَخَاتَمُهُمْ وَأَكْمَلُهُمْ بَلَاغًا وَنُصْحًا؛ فَلَوْ أَنَّ الِاحْتِفَالَ بِالْمَوَالِدِ مِنَ الدِّينِ الَّذِي يَرْضَاهُ اللهُ -سُبْحَانَهُ- لَبَيَّنَهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لِلْأُمَّةِ، أَوْ فَعَلَهُ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ فَعَلَهُ أَصْحَابُهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فَلَمَّا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ، بَلْ هُوَ مِنَ الْمُحْدَثَاتِ فِي الدِّينِ الَّتِي حَذَّرَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا أُمَّتَهُ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَقَدْ جَاءَ فِي مَعْنَاهُمَا أَحَادِيثُ أُخَرُ، مِثْلَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَةِ الْحَاجَةِ: "أَمَّا بَعْدُ... فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) [آلِ عِمْرَانَ:144].
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي شَرَحَ صُدُورَ ذَوِي الْإِيمَانِ لِلْهُدَى، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، جَابِرِ الْكَسِيرِ، وَمُسَهِّلِ الْعَسِيرِ، وَمُجِيبِ النِّدَاءِ، أَحَاطَ عِلْمًا بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ، مَا اخْتَفَى مِنْهَا وَمَا بَدَا، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا. أَحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ- مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ مُعْتَمِدًا، وَأَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمٍ لَا أُحْصِي لَهَا عَدَدًا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خُصَّ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَاللِّوَاءِ الْمَعْقُودِ وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ) [الْحَجِّ:67] اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ الْمُوحَى إِلَيْهِ: (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) [الْجِنِّ:21-22] وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ قَلِيلَ الْعَمَلِ مَعَ السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مَعَ الْبِدْعَةِ، وَمَنْ لَهُ أَدْنَى بَصِيرَةٍ وَرَغْبَةٍ فِي الْحَقِّ وَإِنْصَافٍ فِي طَلَبِهِ يَظْهَرُ لَهُ أَنَّ الِاحْتِفَالَ بِالْمَوَالِدِ لَيْسَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، بَلْ هُوَ مِنَ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ -سُبْحَانَهُ- وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم بِتَرْكِهَا وَالْحَذَرِ مِنْهَا، وَلَا يَلِيقُ بِالْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ أَنْ يَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ مِنَ النَّاسِ فِي غَالِبِ الْأَقْطَارِ؛ فَإِنَّ الْحَقَّ لَا يُعْرَفُ بِكَثْرَةِ الْفَاعِلِينَ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [الْأَنْعَامِ:116]
ثُمَّ إِنَّ غَالِبَ هَذِهِ الِاحْتِفَالَاتِ بِالْمَوَالِدِ -مَعَ كَوْنِهَا بِدْعَةً- لَا تَخْلُو مِنَ اشْتِمَالِهَا عَلَى مُنْكَرَاتٍ أُخْرَى، وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ، وَذَلِكَ بِالْغُلُوِّ فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، كَإِنْشَادِ الْقَصَائِدِ؛ كَقَصِيدَةِ الْبُوصَيْرِيِّ وَنَحْوِهَا الْمُسَمَّاةِ بِالْبُرْدَةِ، فَإِنَّ فِي أَلْفَاظِهَا مِنَ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ الْمُخْرِجِ مِنَ الْمِلَّةِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ بِدُعَائِهَ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَطَلَبِ الْمَدَدِ مِنْهُ، وَاعْتِقَادِ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْكُفْرِيَّةِ الَّتِي يَتَعَاطَاهَا الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ حِينَ احْتِفَالِهِمْ بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يُسَمُّونَهُمْ بِالْأَوْلِيَاءِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ" وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَمِنَ الْغَرَائِبِ أَنَّ الْبَعْضَ مِنَ النَّاسِ يَنْشَطُ وَيَجْتَهِدُ فِي حُضُورِ هَذِهِ الِاحْتِفَالَاتِ الْمُبْتَدَعَةِ وَيُدَافِعُ عَنْهَا، وَيَتَخَلَّفُ عَمَّا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ مِنْ حُضُورِ الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَلَا يَرْفَعُ لِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَا يَرَى أَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا عَظِيمًا، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَحْضُرُ الْمَوْلِدَ، وَلِهَذَا يَقُومُونَ لَهُ مُحَيِّينَ وَمُرَحِّبِينَ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ وَأْقَبَحِ الْجَهْلِ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ فِي قَبْرِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَرُوحَهُ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ عِنْدَ رَبِّهِ فِي دَارِ الْكَرَامَةِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَحْذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِمَّا أَحْدَثَهُ الْجُهَّالُ وَأَشْبَاهُهُمْ مِنَ الْبِدَعِ وَالْخُرَافَاتِ الَّتِي مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ. وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.
عِبَادَ اللهِ: أَمَّا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ، وَمِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الْأَحْزَابِ:56] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَمُتَأَكَّدَةٌ فِي آخِرِ كُلِّ صَلَاةٍ، بَلْ وَاجِبَةٌ عِنْدَ جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا مَا بَعْدَ الْأَذَانِ، وَعِنْدَ ذِكْرِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ.
اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.. إِلَخْ.