البحث

عبارات مقترحة:

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

أثر إقامة الحدود في أمن الأمة

العربية

المؤلف عبد الله بن علي الطريف
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. ثمرات تطبيق الحدود الشرعية .
  2. أهمية استقرار المجتمعات .
  3. الحدود زواجر وكفارات .
  4. هل في الحدود قسوة؟ .

اقتباس

إن تطبيقَ حد الحرابة يفرض هيبة المجتمع المسلم المتمثل بسلطانها وسلطته الشرعية، وأيّ تهاونٍ أو تفريطٍ في تطبيقه يجر إلى عواقبَ لا تقف عند حد..، وإن نظرةً فاحصةً إلى حال المجتمعات التي تطبق هذه الشريعة, وحال المجتمعات التي تخلت عن تطبيقها, كفيلة بإقناع المنصفين... وإن قراءةً سريعةً في إحصائيات الجرائم في هذه البلاد وتلك؛ ليكشف بجلاء مدى الأمن الذي تتمتع به البلاد التي تطبق أمر الله, ومدى الرعب والخوف الذي يسكن في قلوب المجتمع الذي لا يطبق هذه الحدود الشرعية.

الخطبة الأولى:

أيها الإخوة: ما تقولون في مطرٍ يرسله الله على العباد والبلاد فيُسْقي أرضَهم.. ويُنْبتُ زرعَهم، ويُدِرُّ به ضرعَهم.. ويلطِّفُ به هواءَهم.. ويكثرُ به ماءهم، وتنشرح باخضرار الأرض صدورَهم.. وتقضى لهم حوائجهم فهم في رغد وسعد ونعمة ما بها نقمة.. ويدوم بهم ذلك المطر أربعون صباحا...

أطلق أخي المبارك لنفسك في تصور تلك النعمة العنان... وسرِّح طرفك في ذاك النعيم وتلك الجنان.. وستردُ عليك نفسُك القولَ بأنها النعمةُ الكبرى والخيرُ العميم الذي يوجب على العبادِ إجمالَ الشكرِ لله المنعم عليها....

أحبتي: أتدرون ما خيرٌ من ذلك كلِه..؟ حدٌّ واحدٌ يعملُ به في الأرضِ خير من ذلك كله..! برهان ذلك قول الصادق المصدوق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا" (رواه أحمد والنسائي وابن ماجة ابن حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه حسنه الألباني).

أيها الإخوة: هذا الحديث الجليل ذكره الإمام ابن حبان تحت عنوان "ذِكْرُ الْأَمْرِ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْبِلَادِ إِذْ إِقَامَةُ الْحَدِّ فِي بَلَدٍ يَكُونُ أَعَمَّ نَفْعًا مِنْ أَضْعَافِ الْقَطْرِ إِذَا عَمَّ" أي: من كثرة المطر إذا عم البلاد.

أيها الإخوة: إن استقرارَ المجتمعات هو الهدف الذي تسعى جميعُ النظمِ بالعالم لتحقيقه، وتتذرع لبلوغه بشتى الأساليبِ والمناهج، وتجرِّبُ كلَ ما يعنُّ لها أنه ينطوي على ما يساعدها على الاستقرار..

أما نحن في هذا البلد المبارك فلسنا بحاجة لتجريب نظام ولا لاستيراد قوانين من شرق ولا غرب.. فقد أنزل الله لنا نوراً نمشي به في الناس ولسنا (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) [الأنعام:122] قال الله تعالى: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود:1] قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "هذا (كِتَابٌ) عظيم، ونزل كريم، (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) أي: أتقنت وأحسنت، صادقةٌ أخبارها، عادلةٌ أوامرها ونواهيها، فصيحةٌ ألفاظها بهيةٌ معانيها.

(ثُمَّ فُصِّلَتْ) أي: ميزت وبينت بيانًا في أعلى أنواع البيان، (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ) يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها، لا يأمر ولا ينهى إلا بما تقتضيه حكمته، (خَبِيرٍ) مطلع على الظواهر والبواطن.. فإذا كان إِحْكَامُ ذاك الكتاب وتفصيله من عند الله الحكيم الخبير، فلا تسأل بعد هذا، عن عظمته وجلالته واشتماله على كمال الحكمة، وسعة الرحمة.. فلله الحمد رب العالمين".

ومع هذه الأوصاف العظيمة لهذا التشريع فقد حفظه الله قال سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9] وقال: (... وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ* لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 41،42].

أيها الإخوة: إن الإسلام ينظر إلى التجاوزات التي تقع من بعض أفراد المجتمع خصوصاً منها ما يتضمن تحدياً وتعمداً للخروج على النظام العام، ونشر الفساد الفكري والتطرف المذهبي، وتبني الأفكار الضالة وسلوك مسالك الإرهاب، ونزع يد الطاعة من الوالي الشرعي.. وإذا اتخذ هؤلاء من البداية وسائل تمكنهم من هذا التحدي.. نظر الإسلام إلى من ارتكب هذه التجاوزات بأنه محادّ ومشاقّ لله ورسوله، واعتبره منتهكاً لحمى الله الذي لا تجوز مواقعته..

 وكلما زاد ما ينطوي عليه الخروج من التحدي كلما زاد حرص الإسلام على بتره؛ لأنه استخفاف بالسلطة الشرعية القائمة؛ لذلك شرع الإسلام حد الحرابة قال الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة:33].

أيها الإخوة: لقد بلغ التغليظ في حد الحرابة مداه، وهو أنموذج للروح العام الذي يجب أن يُتلقى به الخارجون على النظام في جرأة لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمة، ولا في معاهدٍ ما أعطي من عهدٍ وأمان..

إن تطبيقَ حد الحرابة يفرض هيبة المجتمع المسلم المتمثل بسلطانها وسلطته الشرعية، وأيّ تهاونٍ أو تفريطٍ في تطبيقه يجر إلى عواقبَ لا تقف عند حد.. وتطبيق هذا الحد الشرعي يتسم بحزم الحازم وتغليظ المغلظ إلى أقصى الآماد.. وهو في ذات الوقت من أعظم الحسنات وأجل الطاعات، وإصلاح في الأرض، كما أن ضده إفساد في الأرض.

نعم أيها الإخوة: "إقامة حدٍ في الأرض خيرٌ من مطر أربعين صباحاً"، وإن نظرةً فاحصةً إلى حال المجتمعات التي تطبق هذه الشريعة, وحال المجتمعات التي تخلت عن تطبيقها, كفيلة بإقناع المنصفين... وإن قراءةً سريعةً في إحصائيات الجرائم في هذه البلاد وتلك؛ ليكشف بجلاء مدى الأمن الذي تتمتع به البلاد التي تطبق أمر الله, ومدى الرعب والخوف الذي يسكن في قلوب المجتمع الذي لا يطبق هذه الحدود الشرعية.

أيها الإخوة: وفي هذا الخضم المائج بفتنه وإرهابه نقول فلتهنأ بلاد الحرمين الشريفين بأمنها وأمانها، متمسكة بدينها، معتزة بدستورها كتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحل حلاله وتحرم حرامه، وتقيم حدوده، زادها الله صلاحًا وإصلاحًا... وبتحكيم شرعه بجميع أمور الحياة إيماناً وتسليماً...

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ* أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:49،50]... بارك الله لي ولكم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله أحاط بكل شيء خبراً، وجعل لكل شيء قدراً، وأسبغ على الخلائق من حفظه ستراً.

نحمده سبحانه ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله إلى الناس بشيراً ونذيراً. صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه.. أخلد الله لهم ذكراً وأعظم لهم أجراً، والتابعين ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنه يقصر الإدراك عند بعض المنتسبين إلى الإسلام حيث يظنون أن العقوبات والزواجر في الإسلام إن صلحت فيما مضى فهي غير صالحة في هذه العصور.

إنهم لم يدركوا أن الأمن الذي يتحقق بتطبيق شرع الله لا يعتمد على العقوبة وحدها، ولكنه يعتمد قبل ذلك وبعده على غرس الإيمان في القلوب، وزرع الخشية من علام الغيوب، فتترك النفوس الإجرام رغبة ورهبة، يغذي ذلك ويقويه قنواتُ الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، ونداءاتُ الوعظ الرقيق، والتذكيرُ الرفيق، وتعليمُ الجاهل، وتنبيهُ الغافل، وحفظُ السفهاء في أنفسهم وأموالهم.

ومن هنا -أيها الإخوة- فإن الدين لا يقف متربصًا من أجل أن تزل قدم ليجهز على صاحبها، ولكنه يمنح الفرص تلو الفرص من الستر المحدود؛ ليرشد الضال ويصلح العاصي. إنه يؤثر ستر طالبي الستر، ويدرأ الحدود بالشبهات، ويفتح منافذ الأمل لمستقبل يتوبون فيه إلى ربهم، ويستغفرونه والله غفور رحيم.

إن الغلظة في العقوبة -أيها الرحماء- تتكافأ مع غلظِ الجريمة. وإن الرفق بمن ثبتت جريمته ليس من الرحمة في شيء، وكيف يكون إقرار الظلم والاعتداء على الآمنين والتقاعس عن الجزاء الرادع رأفة ورحمة. فالرحمة الحقيقية هي التي لا تحمل في ثناياها ظلماً ولا هضماً.

لقد تعالت صيحات من هنا وهناك تنادي بإلغاء عقوبة الإعدام لمن يستحقها من أهل البغي والإرهاب، ممن اعتقلوا في عدد من الحوادث الإرهابية في بلادنا متناسين أفعالهم الشنيعة وأخطائهم الفادحة من قتل لمعصومي الدماء، وترويع للآمنين وإتلاف أموالهم والأموال العامة، وتكفير رجال الأمن واستهدافهم بالقتل..

 ولما تم حكم الله فيهم تعالت باستنكارها لتنفيذ حكم الله فيهم أو ببعضهم، قالوا ذلك تدخلاً بما لا يعنيهم وافتئاتاً على سلطان الدولة وما تطبقه من أحكام شرعية استوفت أركان تنفيذها.. وهي من شعبنا محل التأييد والشكر..

إن الريبة لتثور حول ضمائر هؤلاء المدافعين عن المجرمين. ويكاد المتعجب أن يقول: لا يعطف على الإرهابي إلا إرهابي مثله، ولا يرأف بالقاتل إلا قاتل مثله.

ماذا كسب الذين أهملوا حكم الله في الحدود والقصاص وأعملوا حكم الطاغوت؟ لم يجنوا إلا انتشار الجريمة، وسيادة الفوضى، وذعر الألوف في مساكنهم ومسالكهم. وفي الحديث: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ" وذكر منها "وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ" (رواه ابن ماجة وهو حديث حسن).

إنك حيث ترى في واقع الذين ظلموا أنفسهم، وابتعدوا عن شرع الله، ما تنشره بعضَ وسائل الإعلام من أنواع الجرائم وبشاعتها، واستهانتها بالأنفس، واسترخاصها للدماء، وانتهاكها للأعراض، وابتزازها للأموال، لقد وصل الحال بهم حين أمنوا العقوبة الرادعة أن كونوا قوى إرهابية تضارع الدول والحكومات، بل وقد تتفوق عليها في قوتها وأنواع أسلحتها وتقنيتها..

 إنها عصابات تقطع الطرق وتخيف السبل البرية والبحرية والجوية، وتنشر الرعب والفساد، وتغير على مقدرات الدولة ومصادر اقتصادها، وتستهين بالقوانين والأعراف.. من قاومهم قتلوه، ومن سكت عنهم استخفوا به وأهانوه، شرهم يستشري، وأمرهم يستفحل، والناس منهم في هرج ومرج؛ واضطراب وفساد، والدول التي تقوم بها هذه التنظيمات يضعف سلطانها، وما أنباء التنظيمات الإرهابية وعصاباتهم وسلطانهم على عباد الله بالغشم والقهر في بعض البلاد المحيطة بنا عنكم ببعيد.