الكريم
كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...
تفسير الكلام، وبيان معناه، سواء وافق ظاهره، أو خالفه . وهو بذلك مرادف لمعنى التفسير
التَّأوِيلُ: الإِيضاحُ والبَيانُ والتَّفْسِيرُ، يُقال: أَوَّلَ الكَلامَ إذا أَوْضَحَهُ وبَيَّنَ معناهُ. ويأْتي بِمعنى الصَّرْفِ والتَّغْيِيرِ، يُقال: أَوَلْتُهُ فَتَأَوَّلَ، أيْ: صَرَفْتُهُ فَانْصَرَفَ. وأَصْلُ الكَلِمَةِ: الإِرْجاعُ، كَقَوْلِكَ: أَوَّلَ الشَّيْءَ إلى أَهْلِهِ، أيْ: أَرْجَعَهُ ورَدَّهُ إلَيْهِم، والأَوْلُ: الرُّجُوعُ. والمَآلُ: مُنْتَهَى الشَّيْءِ ومَرْجِعُهُ ومَصِيرُهُ وعاقِبَتُهُ. وقِيل: أَصْلُهُ التَّأْوِيلِ مِن الأَوَّلِ وهو مُبْتَدَأُ الشَّيْءِ، ومنه سُمِّيَ التَّفْسِيرُ تَأْوِيلاً؛ لأنّ فيه إِرْجاع الكَلامِ إلى ما يَحْتَمِلُهُ مِن المَعانِي، أو إِرْجاعهُ إلى بِدايَتِهِ. ومِن مَعانِيه أيضاً: التَّقْدِيرُ.
يَرِد مُصْطلَح (تأَوْيل) في عِلمِ أصول الفقه في باب: الحَقِيقَة والمَجاز، وباب: التَّرْجِيح عند التَّعارُضِ، وغَيْر ذلك من الأبواب. ويُطلَق في عُلومِ القُرْآنِ، باب: التَّفْسِير ومَناهِجه، ويُراد به: إِيضاحُ ما خَفِيَ مِن الكَلامِ بِرَدِّهِ إلى غَيْرِهِ، واسْتِخْراجُ ما فيه مِن لَطائِفَ، مع عَدَمِ القَطْعِ بِرُجْحانِهِ. ويُطْلَق أيضًا في باب: التَّفْسِير، ويُراد به: ما تَعودُ إليه حَقِيقةُ الكَلامِ وتَصِيرُ إلَيْهِ. ويُطلَق في عِلمِ العَقيدة، باب: الإيمان، عند الكَلامِ عن مَوانِعِ التَّكْفِيرِ والتَّبْدِيعِ، ويُراد به: الوُقُوعُ في المُخالَفَةِ مِن غَيْرِ قَصْدٍ، وإنَّما بِسَبَبِ القُصُورِ في فَهْمِ الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ.
أول
صَرفُ اللّفْظِ عن المَعْنَى الظَّاهِرِ إلى مَعْنًى آخَرَ يُخالِفُهُ.
التَّأْوِيلُ: حَمْلُ الكَلامِ على غَيْرِ مَعْناهُ المُتَبادَرِ مِنْهُ؛ بل يُحْمَلُ على مَعْنًى آخَرَ أَقَلَّ احْتِمالاً مِن الظّاهِرِ، وهوقسمانٍ: الأول: أن يكونَ لِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وذلك التَّأويلُ السَّائغُ، الثَّاني: لِغيرِ دَلِيلٍ، وهو التَّأويلُ الباطلُ، وكُلُّ مُتَأَوِّلٍ يَحْتاجُ إلى بَيانِ أَمْرَيْنِ: 1- احْتِمالُ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى الذي حَمَلَهُ عَلَيْهِ. 2- إِثْباتُ الدَّلِيلِ الذي صَرَفَ به اللَّفْظَ عن المَعْنَى الأَوَّلِ. ويأتي التَّأويلُ بمعنى التَّفسيرِ وبمعنى الحقيقةِ الَّتي يؤولُ إليها الشَّيء.
التَّأوِيلُ: الإِيضاحُ والبَيانُ والتَّفْسِيرُ، يُقال: أَوَّلَ الكَلامَ إذا أَوْضَحَهُ وبَيَّنَ معناهُ. ويأْتي بِمعنى الصَّرْفِ والتَّغْيِيرِ، يُقال: أَوَلْتُهُ فَتَأَوَّلَ، أيْ: صَرَفْتُهُ فَانْصَرَفَ. وأَصْلُ الكَلِمَةِ: الإِرْجاعُ، وقِيل: مِن الأَوَّلِ، وهو: مُبْتَدَأُ الشَّيْءِ.
تفسير الكلام، وبيان معناه، سواء وافق ظاهره، أو خالفه. وهو مرادف لمعنى التفسير.
* العين : (8/396)
* تهذيب اللغة : (15/314)
* الصحاح : (4/1627)
* التعريفات للجرجاني : (ص 72)
* روضة الناظر وجنة المناظر : (1/508)
* الإتقان في علوم القرآن : (4/192)
* المستصفى : (1/378)
* جمع الجوامع في أصول الفقه : (2/53)
* إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول : (ص 154)
* مجموع فتاوى ابن تيمية : (13/287)
* فتح الباري شرح صحيح البخاري : (3/12)
* مقاييس اللغة : (1/162)
* تاج العروس : (28/32) -
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّأْوِيل: مَصْدَرُ أَوَّل، وَأَصْل الْفِعْل: آل الشَّيْءُ يَئُول أَوْلاً: إِذَا رَجَعَ، تَقُول: آل الأَْمْرُ إِلَى كَذَا، أَيْ رَجَعَ إِلَيْهِ. وَمَعْنَاهُ: تَفْسِيرُ مَا يَئُول إِلَيْهِ الشَّيْءُ، وَمَصِيرُهُ. (1) وَفِي اصْطِلاَحِ الأُْصُولِيِّينَ، التَّأْوِيل: صَرْفُ اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ إِلَى مَعْنًى مَرْجُوحٍ، لاِعْتِضَادِهِ بِدَلِيلٍ يَصِيرُ بِهِ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنَ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّفْسِيرُ:
2 - التَّفْسِيرُ لُغَةً: الْبَيَانُ، وَكَشْفُ الْمُرَادِ مِنَ اللَّفْظِ الْمُشْكِل. وَفِي الشَّرْعِ: تَوْضِيحُ مَعْنَى الآْيَةِ، وَشَأْنِهَا، وَقِصَّتِهَا، وَالسَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ بِلَفْظٍ يَدُل عَلَيْهِ دَلاَلَةً ظَاهِرَةً، وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ التَّأْوِيل: بَيَانُ أَحَدِ مُحْتَمَلاَتِ اللَّفْظِ، وَالتَّفْسِيرَ: بَيَانُ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ. (3)
وَقَال ابْنُ الأَْعْرَابِيِّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَطَائِفَةٌ: التَّفْسِيرُ وَالتَّأْوِيل بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَال الرَّاغِبُ: التَّفْسِيرُ أَعَمُّ مِنَ التَّأْوِيل، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الأَْلْفَاظِ وَمُفْرَدَاتِهَا، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَال التَّأْوِيل فِي الْمَعَانِي وَالْجُمَل. وَكَثِيرًا مَا يُسْتَعْمَل فِي الْكُتُبِ الإِْلَهِيَّةِ، وَالتَّفْسِيرُ يُسْتَعْمَل فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا. وَقَال غَيْرُهُ: التَّفْسِيرُ: بَيَانُ لَفْظٍ لاَ يَحْتَمِل إِلاَّ وَجْهًا وَاحِدًا. وَالتَّأْوِيل: تَوْجِيهُ لَفْظٍ مُتَوَجِّهٍ إِلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهَا بِمَا ظَهَرَ مِنَ الأَْدِلَّةِ. وَقَال أَبُو طَالِبٍ الثَّعْلَبِيُّ: التَّفْسِيرُ: بَيَانُ وَضْعِ اللَّفْظِ إِمَّا حَقِيقَةً، أَوْ مَجَازًا، كَتَفْسِيرِ (الصِّرَاطِ) بِالطَّرِيقِ، وَ (الصَّيِّبِ) بِالْمَطَرِ. وَالتَّأْوِيل: تَفْسِيرُ بَاطِنِ اللَّفْظِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الأَْوْل وَهُوَ الرُّجُوعُ لِعَاقِبَةِ الأَْمْرِ. فَالتَّأْوِيل: إِخْبَارٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُرَادِ، وَالتَّفْسِيرُ إِخْبَارٌ عَنْ دَلِيل الْمُرَادِ؛ لأَِنَّ اللَّفْظَ يَكْشِفُ عَنِ الْمُرَادِ، وَالْكَاشِفُ دَلِيلٌ (4) .
ب - الْبَيَانُ:
3 - الْبَيَانُ لُغَةً: الإِْظْهَارُ وَالإِْيضَاحُ وَالاِنْكِشَافُ، وَمَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الشَّيْءُ مِنَ الدَّلاَلَةِ وَغَيْرِهَا. (5) وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ: فَهُوَ إِظْهَارُ الْمَعْنَى وَإِيضَاحُهُ لِلْمُخَاطَبِ. (6) وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّأْوِيل وَالْبَيَانِ: أَنَّ التَّأْوِيل مَا يُذْكَرُ فِي كَلاَمٍ لاَ يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنًى مُحَصَّلٌ فِي أَوَّل وَهْلَةٍ لِيُفْهَمَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ. وَالْبَيَانُ مَا يُذْكَرُ فِيمَا يُفْهِمُ ذَلِكَ بِنَوْعِ خَفَاءٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَعْضِ (7) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ بِاخْتِلاَفِ مَا يَدْخُلُهُ التَّأْوِيل، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
4 - أَوَّلاً: بِالنِّسْبَةِ لِلنُّصُوصِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَقَائِدِ، وَأُصُول الدِّيَانَاتِ، وَصِفَاتِ الْبَارِي ﷿، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْقِسْمِ عَلَى ثَلاَثَةِ مَذَاهِبَ:
الأَْوَّل: أَنَّهُ لاَ مَدْخَل لِلتَّأْوِيل فِيهَا، بَل تَجْرِي عَلَى ظَاهِرِهَا، وَلاَ يُؤَوَّل شَيْءٌ مِنْهَا. وَهَذَا قَوْل الْمُشَبِّهَةِ.
الثَّانِي: أَنَّ لَهَا تَأْوِيلاً، وَلَكِنَّا نُمْسِكُ عَنْهُ، مَعَ تَنْزِيهِ اعْتِقَادِنَا عَنِ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} (8) ، قَال ابْنُ بُرْهَانٍ: وَهَذَا قَوْل السَّلَفِ.
وَقَال الشَّوْكَانِيُّ: وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ وَالْمَنْهَجُ الْمَصْحُوبُ بِالسَّلاَمَةِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مَهَاوِي التَّأْوِيل، وَكَفَى بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ قُدْوَةً لِمَنْ أَرَادَ الاِقْتِدَاءَ، وَأُسْوَةً لِمَنْ أَحَبَّ التَّأَسِّيَ، عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُرُودِ الدَّلِيل الْقَاضِي بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ وَهُوَ قَائِمٌ مَوْجُودٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ. قَال ابْنُ بُرْهَانٍ: وَالأَْوَّل مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ بَاطِلٌ، وَالآْخَرَانِ مَنْقُولاَنِ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَنُقِل هَذَا الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ. وَقَال ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الأَْلْفَاظِ الْمُشْكِلَةِ: إِنَّهَا حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَوَّل شَيْئًا مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ قَرِيبًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ لِسَانُ الْعَرَبِ وَيَفْهَمُونَهُ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ لَمْ نُنْكِرْ عَلَيْهِ وَلَمْ نُبَدِّعْهُ، وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ بَعِيدًا تَوَقَّفْنَا عَلَيْهِ وَاسْتَبْعَدْنَاهُ وَرَجَعْنَا إِلَى الْقَاعِدَةِ فِي الإِْيمَانِ بِمَعْنَاهُ مَعَ التَّنْزِيهِ. (9) وَفِي إِعْلاَمِ الْمُوَقِّعِينَ، قَال الْجُوَيْنِيُّ: ذَهَبَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ إِلَى الاِنْكِفَافِ عَنِ التَّأْوِيل، وَإِجْرَاءِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَوَارِدِهَا، وَتَفْوِيضِ مَعَانِيهَا إِلَى الرَّبِّ تَعَالَى، وَالَّذِي نَرْتَضِيهِ رَأْيًا وَنَدِينُ اللَّهَ بِهِ عَقْدُ اتِّبَاعِ سَلَفِ الأُْمَّةِ، فَحُقَّ عَلَى ذِي الدِّينِ أَنْ يَعْتَقِدَ تَنْزِيهَ الْبَارِي عَنْ صِفَاتِ الْمُحْدَثِينَ، وَلاَ يَخُوضَ فِي تَأْوِيل الْمُشْكِلاَتِ، وَيَكِل مَعْنَاهَا إِلَى الرَّبِّ تَعَالَى. (10)
5 - ثَانِيًا: النُّصُوصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفُرُوعِ، وَهَذِهِ لاَ خِلاَفَ فِي دُخُول التَّأْوِيل فِيهَا. وَالتَّأْوِيل فِي النُّصُوصِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الاِسْتِنْبَاطِ، وَهُوَ قَدْ يَكُونُ تَأْوِيلاً صَحِيحًا، وَقَدْ يَكُونُ تَأْوِيلاً فَاسِدًا. فَيَكُونُ صَحِيحًا إِذَا كَانَ مُسْتَوْفِيًا لِشُرُوطِهِ، مِنَ الْمُوَافَقَةِ لِوَضْعِ اللُّغَةِ، أَوْ عُرْفِ الاِسْتِعْمَال، وَمِنْ قِيَامِ الدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي حُمِل عَلَيْهِ، وَمِنْ كَوْنِ الْمُتَأَوِّل أَهْلاً لِذَلِكَ. وَيَتَّفِقُ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَبُول الْعَمَل بِالتَّأْوِيل الصَّحِيحِ مَعَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي طُرُقِهِ وَمَوَاضِعِهِ، وَمَا يُعْتَبَرُ قَرِيبًا، وَمَا يُعْتَبَرُ بَعِيدًا. يَقُول الآْمِدِيُّ: التَّأْوِيل مَقْبُولٌ مَعْمُولٌ بِهِ إِذَا تَحَقَّقَ بِشُرُوطِهِ، وَلَمْ يَزَل عُلَمَاءُ الأَْمْصَارِ فِي كُل عَصْرٍ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ إِلَى زَمَنِنَا عَامِلِينَ بِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ (11) . وَفِي الْبُرْهَانِ: تَأْوِيل الظَّاهِرِ عَلَى الْجُمْلَةِ مُسَوِّغٌ إِذَا اُسْتُجْمِعَتِ الشَّرَائِطُ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَصْل التَّأْوِيل ذُو مَذْهَبٍ، وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ فِي التَّفَاصِيل. (12)
وَعَلَى أَيِّ حَالٍ فَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ فِي كُل مَسْأَلَةٍ، وَعَلَيْهِ اتِّبَاعُ مَا أَوْجَبَهُ ظَنُّهُ كَمَا يَقُول الآْمِدِيُّ (13) .
وَيَقُول الْغَزَالِيُّ: مَهْمَا كَانَ الاِحْتِمَال قَرِيبًا، وَكَانَ الدَّلِيل أَيْضًا قَرِيبًا، وَجَبَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ التَّرْجِيحُ، وَالْمَصِيرُ إِلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ، فَلَيْسَ كُل تَأْوِيلٍ مَقْبُولاً بِوَسِيلَةِ كُل دَلِيلٍ، بَل ذَلِكَ يَخْتَلِفُ وَلاَ يَدْخُل تَحْتَ ضَبْطٍ. (14)
وَيَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: لِكُل مَسْأَلَةٍ ذَوْقٌ يَجِبُ أَنْ تُفْرَدَ بِنَظَرٍ خَاصٍّ. (15) هَذَا، وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي كُتُبِ الأُْصُول أَمْثِلَةٌ لِلْمَسَائِل الْفَرْعِيَّةِ الَّتِي اُسْتُنْبِطَتْ أَحْكَامُهَا عَنْ طَرِيقِ تَأْوِيل النُّصُوصِ، مَعَ بَيَانِ وُجْهَةِ نَظَرِ الَّذِينَ نَحَوْا هَذَا الْمَنْحَى وَالَّذِينَ عَارَضُوهُمْ.
أَثَرُ التَّأْوِيل:
6 - لِلتَّأْوِيل أَثَرٌ ظَاهِرٌ فِي الْمَسَائِل الْفَرْعِيَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنَ النُّصُوصِ، إِذْ هُوَ سَبَبُ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي أَحْكَامِ هَذِهِ الْمَسَائِل. وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، أَنَّ الْعَمَل بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ لاَ يُنْكَرُ عَلَى صَاحِبِهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْخِلاَفُ شَاذًّا، لَكِنَّ الأَْفْضَل مُرَاعَاةُ الْخِلاَفِ، وَذَلِكَ بِتَرْكِ مَا هُوَ جَائِزٌ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ غَيْرُهُ يَرَاهُ حَرَامًا، وَبِفِعْل مَا هُوَ مُبَاحٌ إِذَا كَانَ غَيْرُهُ يَرَاهُ وَاجِبًا. وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (اخْتِلاَفٌ) . وَنَذْكُرُ هُنَا بَعْضَ الآْثَارِ الْعَمَلِيَّةِ لِلتَّأْوِيل مِنْ خِلاَل بَعْضِ الْمَسَائِل:
7 - أَوَّلاً: أَمْثِلَةٌ لِلتَّأْوِيل الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ:
أ - مِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ كُل مَنْ ثَبَتَتْ إِمَامَتُهُ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ، وَحَرُمَ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ لِلنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ طَائِفَةٍ عَلَىالإِْمَامِ بِتَأْوِيلٍ يُبِيحُ لَهُمْ ذَلِكَ فِي نَظَرِهِمْ يُعْتَبَرُ بَغْيًا لِفَسَادِ تَأْوِيلِهِمْ. وَيَجِبُ دَعْوَتُهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ وَالدُّخُول فِي الْجَمَاعَةِ وَكَشْفِ شُبَهِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا وَجَبَ قِتَالُهُمْ كَمَا فَعَل عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَعَ الْخَوَارِجِ. وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (بُغَاةٌ) .
ب - وُجُوبُ الزَّكَاةِ أَمْرٌ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ، وَالتَّأْوِيل فِي مَنْعِ أَدَائِهَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ.، وَيَجِبُ حَمْل الْمَانِعِينَ عَلَى أَدَائِهَا بِالْقُوَّةِ، وَقَدْ فَعَل ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَعَ مَانِعِي الزَّكَاةِ الَّذِينَ تَأَوَّلُوا قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَل عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (16) فَقَالُوا: إِنَّ ذَلِكَ لاَ يَتَأَتَّى لِغَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى قِيَامِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ مَقَامَهُ (17) . وَالتَّفْصِيل يُنْظَرُ فِي (الزَّكَاةُ) .
ج - حُرْمَةُ شُرْبِ الْخَمْرِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ، وَالتَّأْوِيل لاِسْتِحْلاَل شُرْبِهَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ، وَيَجِبُ تَوْقِيعُ الْحَدِّ عَلَى شَارِبِهَا الْمُتَأَوِّل. وَقَدْ حَدَثَ أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ شَرِبَ الْخَمْرَ (18) ، فَقَال لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَال: إِنَّ اللَّهَ ﷿ يَقُول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (19) وَإِنِّي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَهْل بَدْرٍ وَأُحُدٍ، فَطَلَبَ عُمَرُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنْ يُجِيبُوهُ، فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: " إِنَّمَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عُذْرًا لِلْمَاضِينَ لِمَنْ شَرِبَهَا قَبْل أَنْ تَحْرُمَ، وَأَنْزَل: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (20) حُجَّةٌ عَلَى النَّاسِ. وَقَال لَهُ عُمَرُ: إِنَّكَ أَخْطَأْتَ التَّأْوِيل يَا قُدَامَةُ، إِذَا اتَّقَيْتَ اجْتَنَبْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ (21) .
8 - ثَانِيًا: تَأْوِيلٌ مُتَّفَقٌ عَلَى قَبُولِهِ:
وَذَلِكَ مِثْل التَّأَوُّل فِي الْيَمِينِ إِذَا كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: مَنْ حَلَفَ فَتَأَوَّل فِي يَمِينِهِ فَلَهُ تَأْوِيلُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا لَمْ يَنْفَعْهُ تَأْوِيلُهُ. وَلاَ يَخْلُو حَال الْحَالِفِ الْمُتَأَوِّل مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَظْلُومًا، مِثْل مَنْ يَسْتَحْلِفُهُ ظَالِمٌ عَلَى شَيْءٍ لَوْ صَدَّقَهُ لَظَلَمَهُ، أَوْ ظَلَمَ غَيْرَهُ، أَوْ نَال مُسْلِمًا مِنْهُ ضَرَرٌ، فَهَذَا لَهُ تَأْوِيلُهُ.
ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ ظَالِمًا كَاَلَّذِي يَسْتَحْلِفُهُ الْحَاكِمُ عَلَى حَقٍّ عِنْدَهُ، فَهَذَا تَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إِلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ الَّذِي عَنَاهُ الْمُسْتَحْلِفُ وَلاَ يَنْفَعُ الْحَالِفَ تَأْوِيلُهُ، وَلاَ نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ " قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ (22) وَلأَِنَّهُ لَوْ سَاغَ التَّأْوِيل لَبَطَل الْمَعْنَى الْمُبْتَغَى بِالْيَمِينِ.
ثَالِثُهَا: أَلاَّ يَكُونَ ظَالِمًا وَلاَ مَظْلُومًا، فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ أَنَّ لَهُ تَأْوِيلَهُ. هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ. وَالْمَذَاهِبُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَظْلُومَ إِذَا تَأَوَّل فِي يَمِينِهِ فَلَهُ تَأْوِيلُهُ. (23) (ر: أَيْمَانٌ) .
9 - ثَالِثًا: هُنَاكَ مِنَ التَّأْوِيلاَتِ مَا اعْتَبَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ قَرِيبًا، فَأَصْبَحَ دَلِيلاً فِي اسْتِنْبَاطِ الْحُكْمِ، فِي حِينِ اعْتَبَرَهُ الْبَعْضُ الآْخَرُ بَعِيدًا، فَلاَ يَصْلُحُ دَلِيلاً.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ، وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالأَْكْل أَوِ الْجِمَاعِ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَبِالْجِمَاعِ فَقَطْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَعَلَى ذَلِكَ فَمَنْ رَأَى هِلاَل رَمَضَانَ وَحْدَهُ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، فَإِنْ ظَنَّ إِبَاحَةَ الْفِطْرِ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ فَأَفْطَرَ بِمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَفِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لاِنْتِهَاكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ، أَمَّا ظَنُّ الإِْبَاحَةِ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (24) ، وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ (25) - وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ، إِذْ رَدُّ الشَّهَادَةِ يُعْتَبَرُ تَأْوِيلاً قَرِيبًا فِي ظَنِّ الإِْبَاحَةِ. (26) وَمِثْل هَذِهِ الاِخْتِلاَفَاتِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، بَل بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ كَثِيرَةٌ فِي الْمَسَائِل الْفَرْعِيَّةِ. فَالْحَنَفِيَّةُ مَثَلاً لاَ يُوجِبُونَ الزَّكَاةَ فِي مَال الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَيُنْتَقَضُ عِنْدَهُمُ الْوُضُوءُ بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلاَةِ، خِلاَفًا لِبَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَالْمَعْرُوفُ كَمَا سَبَقَ أَنَّهُ لاَ يُنْكَرُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ. وَتَفْصِيل مَا أُجْمِل هُنَا مَوْطِنُهُ الْمُلْحَقُ الأُْصُولِيُّ.
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير ومختار الصحاح مادة: " أول " وإرشاد الفحول ص 176.
(2) المستصفى 1 / 387، وروضة الناظر / 92، والأحكام للآمدي 2 / 135، التعريفات للجرجاني.
(3) دستور العلماء 1 / 330.
(4) كشاف اصطلاحات الفنون 5 / 1116، ولسان العرب، والمفردات للراغب مادة: " فسر " و " أول ".
(5) لسان العرب، والمصباح المنير، ومختار الصحاح مادة: " بين " وإرشاد الفحول ص 167، 168.
(6) إرشاد الفحول نقلا عن شمس الأئمة السرخسي ص 168، والتعريفات للجرجاني
(7) دستور العلماء 1 / 257 نقلا عن التعريفات للجرجاني ص 41.
(8) سورة آل عمران / 7.
(9) إرشاد الفحول / 176، 177.
(10) أعلام الموقعين 4 / 246.
(11) إرشاد الفحول ص 177، والأحكام للآمدي 2 / 136.
(12) البرهان للجويني 1 / 515.
(13) الأحكام للآمدي 2 / 141.
(14) المستصفى 1 / 389.
(15) روضة الناظر ص 93.
(16) سورة التوبة / 103.
(17) التبصرة لابن فرحون بهامش فتح العلي المالك 2 / 280، والاختيار 1 / 104، وأسنى المطالب 4 / 111، وشرح منتهى الإرادات 1 / 417.
(18) أثر " قدامة بن مظعون. . . " أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (9 / 242 - ط المجلس العلمي بالهند) .
(19) سورة المائدة / 93.
(20) سورة المائدة / 90.
(21) المغني 8 / 304، وهامش الفروق 1 / 182، ومغني المحتاج 4 / 193.
(22) حديث: " يمينك على ما يصدقك به صاحبك " أخرجه مسلم (3 / 1274 - ط الحلبي) .
(23) البدائع 3 / 20، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير 2 / 377، ومغني المحتاج 4 / 475، والمغني 8 / 727.
(24) سورة البقرة / 185.
(25) حديث: " صوموا لرؤيته. . . " أخرجه البخاري (الفتح4 / 119 - ط السلفية) ومسلم (2 / 759 - ط الحلبي) .
(26) البدائع 2 / 80، والاختيار 1 / 129، والشرح الصغير1 / 250، والدسوقي 1 / 532، والمجموع 6 / 235، وكشاف القناع 2 / 326.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 43/ 10