المهيمن
كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...
ما تراضى عليه المتعاقدان عوضاً عن السلعة . سواء زاد على قيمتها في السوق، أو نقص عنها . ومنه إذا اتفق العاقدان على ثمن سلعة ما بثمانين، وقد تكون قيمتها في السوق أكثر من ذلك، أو أقل .
ما تراضى عليه المتعاقدان عوضاً عن السلعة. سواء زاد على قيمتها في السوق، أو نقص عنها.
التَّعْرِيفُ:
1 - الثَّمَنُ لُغَةً: مَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الشَّيْءُ. وَفِي الصِّحَاحِ: الثَّمَنُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: ثَمَنُ كُل شَيْءٍ قِيمَتُهُ.
قَال الزَّبِيدِيُّ: قَال شَيْخُنَا: اشْتُهِرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرَاضِي وَلَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ عَنْ الْوَاقِعِ، وَالْقِيمَةُ مَا يُقَاوِمُ الشَّيْءَ، أَيْ: يُوَافِقُ مِقْدَارَهُ فِي الْوَاقِعِ وَيُعَادِلُهُ.
وَقَال الرَّاغِبُ: الثَّمَنُ اسْمٌ لِمَا يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ، عَيْنًا كَانَ أَوْ سِلْعَةً، وَكُل مَا يُحَصَّل عِوَضًا عَنْ شَيْءٍ فَهُوَ ثَمَنُهُ.
وَالثَّمَنُ هُوَ: مَبِيعٌ بِثَمَنٍ. (1)
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَالثَّمَنُ، مَا يَكُونُ بَدَلاً لِلْمَبِيعِ وَيَتَعَيَّنُ فِي الذِّمَّةِ، وَتُطْلَقُ الأَْثْمَانُ أَيْضًا عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. (2) الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْقِيمَةُ:
2 - الْقِيمَةُ مَا قُوِّمَ بِهِ الشَّيْءُ بِمَنْزِلَةِ الْمِعْيَارِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلاَ نُقْصَانٍ. (3)
وَالثَّمَنُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ سَوَاءٌ زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ.
فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّمَنِ أَنَّ الْقِيمَةَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْل، وَالثَّمَنُ الْمُتَرَاضَى عَلَيْهِ قَدْ يُسَاوِي الْقِيمَةَ أَوْ يَزِيدُ عَنْهَا أَوْ يَنْقُصُ (4) وَيُنْظَرُ تَفْصِيل أَحْكَامِ ثَمَنِ الْمِثْل فِي (الْقِيمَةُ) .
ب - السِّعْرُ:
3 - السِّعْرُ هُوَ الثَّمَنُ الْمُقَدَّرُ لِلسِّلْعَةِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَنِ أَنَّ الثَّمَنَ هُوَ مَا يَتَرَاضَى عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ أَمَّا السِّعْرُ فَهُوَ مَا يَطْلُبُهُ الْبَائِعُ.
الثَّمَنُ مِنْ أَرْكَانِ عَقْدِ الْبَيْعِ:
4 - اتَّفَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (5) عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ (وَهُوَ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ) مِنْ أَرْكَانِ عَقْدِ الْبَيْعِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (6) إِلَى أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ هُوَ الصِّيغَةُ فَقَطْ (الإِْيجَابُ وَالْقَبُول) أَمَّا الثَّمَنُ فَهُوَ أَحَدُ جُزْأَيْ مَحَل عَقْدِ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ (الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ) وَلَيْسَ الْمَحَل رُكْنًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا تَفَاسَخَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ، كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَرُدَّ الْبَائِعُ الَّذِي قَبَضَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ، عَرَضًا كَانَ أَوْ نَقْدًا، ثَمَنًا كَانَ أَوْ قِيمَةً؛
لأَِنَّ الْمَبِيعَ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ. فَكَانَ لَهُ وِلاَيَةُ أَنْ لاَ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ إِلَى أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنَ الْبَائِعِ.
وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ فِي حَالَةِ التَّفَاسُخِ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِحَبْسِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ؛ لأَِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَال حَيَاتِهِ، فَكَذَا يُقَدَّمُ عَلَى تَجْهِيزِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. (7)
شُرُوطُ الثَّمَنِ:
5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَأَنْ يَكُونَ مَالاً، وَمَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي، وَمَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَمَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي: الشَّرْطُ الأَْوَّل - تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ:
6 - تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ حِينَ الْبَيْعِ لاَزِمَةٌ، فَلَوْ بَاعَ بِدُونِ تَسْمِيَةِ ثَمَنٍ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ بَاطِلٌ، إِذْ لاَ مُبَادَلَةَ حِينَئِذٍ، وَمَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ فَاسِدٌ، كَمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ. (8)
فَإِذَا بِيعَ الْمَال وَلَمْ يُذْكَرِ الثَّمَنُ حَقِيقَةً، كَأَنْ يَقُول الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: بِعْتُكَ هَذَا الْمَال مَجَّانًا أَوْ بِلاَ بَدَلٍ فَيَقُول الْمُشْتَرِي: قَبِلْتُ، فَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ.
وَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ الثَّمَنُ حُكْمًا، كَأَنْ يَقُول إِنْسَانٌ لآِخَرَ: بِعْتُكَ هَذَا الْمَال بِالأَْلْفِ الَّتِي لَكَ فِي ذِمَّتِي، فَيَقْبَل الْمُشْتَرِي، مَعَ كَوْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَعْلَمَانِ أَنْ لاَ دَيْنَ، فَالْبَيْعُ فِي مِثْل هَذِهِ الصُّورَةِ بَاطِلٌ أَيْضًا، وَيَكُونُ الشَّيْءُ هِبَةً فِي الصُّورَتَيْنِ.
وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مَسْكُوتًا عَنْهُ حِينَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ، فَإِذَا سَكَتَ الْبَائِعُ عَنِ الثَّمَنِ كَانَ مَقْصِدُهُ أَخْذَ قِيمَةِ الْمَبِيعِ، فَكَأَنَّهُ يَقُول: بِعْتُ مَا لِي بِقِيمَتِهِ، وَذِكْرُ الْقِيمَةِ مُجْمَلَةً يَجْعَل الثَّمَنَ مَجْهُولاً فَيَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا. (9)
وَبَيْعُ التَّعَاطِي صَحِيحٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لأَِنَّ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ مَعْلُومَانِ فِيهِ، وَالتَّرَاضِي قَائِمٌ بَيْنَهُمَا وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ صِفَةٌ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لاَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ إِلاَّ بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ. قَال ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَلَى الصَّدَاقِ: الصَّدَاقُ نِحْلَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَرَضَهَا لِلزَّوْجَاتِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، لاَ عَنْ عِوَضٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَفْتَقِرْ عَقْدُ النِّكَاحِ إِلَى تَسْمِيَةٍ، وَلَوْ كَانَ الصَّدَاقُ ثَمَنًا لِلْبُضْعِ حَقِيقَةً لَمَا صَحَّ النِّكَاحُ دُونَ تَسْمِيَةٍ، كَالْبَيْعِ الَّذِي لاَ يَنْعَقِدُ إِلاَّ بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ قَال النَّوَوِيُّ: يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَذْكُرَ الثَّمَنَ فِي حَال الْعَقْدِ، فَيَقُول: بِعْتُكَ كَذَا بِكَذَا، فَإِنْ قَال: بِعْتُكَ هَذَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا، فَقَال الْمُخَاطَبُ: اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْتُ لَمْ يَكُنْ هَذَا بَيْعًا بِلاَ خِلاَفٍ، وَلاَ يَحْصُل بِهِ الْمِلْكُ لِلْقَابِل عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَقِيل: فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي: يَكُونُ هِبَةً.
وَقَال السُّيُوطِيُّ: إِذَا قَال: بِعْتُكَ بِلاَ ثَمَنٍ، أَوْ لاَ ثَمَنَ لِي عَلَيْكَ، فَقَال: اشْتَرَيْتُ وَقَبَضَهُ فَلَيْسَ بَيْعًا، وَفِي انْعِقَادِهِ هِبَةً قَوْلاَ تَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَإِذَا قَال الْبَائِعُ: بِعْتُكَ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَنًا، فَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ هِبَةً، أَوْ اللَّفْظَ فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ.
وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَقَدْ جَاءَ فِي الإِْنْصَافِ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ حَال الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِمِنَ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الأَْصْحَابُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ، وَلَهُ ثَمَنُ الْمِثْل كَالنِّكَاحِ. (10)
الشَّرْطُ الثَّانِي - كَوْنُ الثَّمَنِ مَالاً:
7 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ لاِنْعِقَادِ الْبَيْعِ: أَنْ يَكُونَ مَالاً مُتَقَوِّمًا.
لأَِنَّ الْبَيْعَ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَال بِالْمَال بِالتَّرَاضِي. (11)
وَالْمَال هُوَ مَا يَمِيل إِلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، وَالْمَالِيَّةُ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِتَمَوُّل النَّاسِ كَافَّةً أَوْ بَعْضِهِمْ.
وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِهَا وَبِإِبَاحَةِ الاِنْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا. فَمَا يَكُونُ مُبَاحَ الاِنْتِفَاعِ بِدُونِ تَمَوُّل النَّاسِ لاَ يَكُونُ مَالاً، كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ. وَمَا يَكُونُ مَالاً بَيْنَ النَّاسِ، وَلاَ يَكُونُ مُبَاحَ الاِنْتِفَاعِ لاَ يَكُونُ مُتَقَوِّمًا، كَالْخَمْرِ. وَإِذَا عُدِمَ الأَْمْرَانِ لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَالدَّمِ.
فَالْمَال أَعَمُّ مِنَ الْمُتَقَوِّمِ؛ لأَِنَّ الْمَال مَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ كَالْخَمْرِ، وَالْمُتَقَوِّمُ مَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ مَعَ الإِْبَاحَةِ. فَالْخَمْرُ مَالٌ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، فَلِذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِجَعْلِهَا ثَمَنًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلاً بِجَعْلِهَا مَبِيعًا؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَل وَسِيلَةٌ إِلَى الْمَقْصُودِ، إِذْ الاِنْتِفَاعُ بِالأَْعْيَانِ لاَ بِالأَْثْمَانِ، وَلِهَذَا اشْتُرِطَ وُجُودُ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ فَبِهَذَا الاِعْتِبَارِ صَارَ الثَّمَنُ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ بِمَنْزِلَةِ آلاَتِ الصُّنَّاعِ.
وَمِنْ هَذَا قَال فِي الْبَحْرِ: الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ مَبْنَاهُ عَلَى الْبَدَلَيْنِ، لَكِنَّ الأَْصْل فِيهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ، وَلِذَا تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ، وَيَنْفَسِخُ بِهَلاَكِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ. (12)
وَالتَّقَوُّمُ فِي الثَّمَنِ شَرْطُ صِحَّةٍ، وَفِي الْمَبِيعِ شَرْطُ انْعِقَادٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ الثَّمَنِ:
أَنْ يَكُونَ مَالاً طَاهِرًا، فَلاَ يَصِحُّ مَا نَجَاسَتُهُ أَصْلِيَّةٌ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ ﷺ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، (13) وَقَال: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَْصْنَامِ (14) . وَقِيسَ عَلَيْهَا مَا فِي مَعْنَاهَا. وَلاَ يَصِحُّ مَا هُوَ مُتَنَجِّسٌ لاَ يَقْبَل التَّطْهِيرَ كَسَمْنٍ وَلَبَنٍ تَنَجَّسَ. وَأَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا شَرْعِيًّا وَلَوْ فِي الْمَال كَالْبَهِيمَةِ الصَّغِيرَةِ. فَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ مَا لاَ نَفْعَ فِيهِ، لأَِنَّهُ لاَ يُعَدُّ مَالاً، كَالْحَشَرَاتِ الَّتِي لاَ نَفْعَ فِيهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَالاً.
وَالْمَال شَرْعًا: (مَا يُبَاحُ نَفْعُهُ مُطْلَقًا، وَيُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ بِلاَ حَاجَةٍ) فَخَرَجَ: مَا لاَ نَفْعَ فِيهِ أَصْلاً كَبَعْضِ الْحَشَرَاتِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْخَمْرِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِلْحَاجَةِ كَالْكَلْبِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ تُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَالْمَيْتَةِ فِي حَال الْمَخْمَصَةِ، وَخَمْرٍ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا. (15)
أَنْوَاعُ الأَْمْوَال مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةِ:
8 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأَْمْوَال أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:
أ - ثَمَنٌ بِكُل حَالٍ، وَهُوَ النَّقْدَانِ، صَحِبَهُ الْبَاءُ أَوْ لاَ، قُوبِل بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ مَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْعَرَبِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ، (16) وَالنُّقُودُ لاَ تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إِلاَّ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، فَكَانَتْ ثَمَنًا بِكُل حَالٍ.
ب - مَبِيعٌ بِكُل حَالٍ، كَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا مِنَ الأَْعْيَانِ غَيْرِ الْمِثْلِيَّةِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ؛ لأَِنَّ الْعُرُوضَ لاَ تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إِلاَّ عَيْنًا فَكَانَتْ مَبِيعَةً.
ج - ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إِلَى أَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ فَثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ فَأَشْبَهَتِ النَّقْدَ، وَمَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ، نَظَرًا إِلَى الاِنْتِفَاعِ بِأَعْيَانِهَا فَأَشْبَهَتِ الْعُرُوضَ. وَذَلِكَ كَالْمِثْلِيَّاتِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ مِنَ الْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ كَالْبَيْضِ. فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ كَانَ مَبِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَصَحِبَهُ الْبَاءُ، وَقُوبِل بِالْمَبِيعِ فَهُوَ ثَمَنٌ. وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ حَرْفُ الْبَاءِ وَلَمْ يُقَابِلْهُ ثَمَنٌ فَهُوَ مَبِيعٌ؛
لأَِنَّ الْمَكِيل وَالْمَوْزُونَ غَيْرَ النَّقْدَيْنِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ عَيْنًا تَارَةً، وَدَيْنًا أُخْرَى، فَكَانَ ثَمَنًا فِي حَالٍ، مَبِيعًا فِي حَالٍ.
د - ثَمَنٌ بِالاِصْطِلاَحِ، وَهُوَ سِلْعَةٌ فِي الأَْصْل كَالْفُلُوسِ.فَإِنْ كَانَ رَائِجًا كَانَ ثَمَنًا، وَإِنْ كَانَ كَاسِدًا فَهُوَ سِلْعَةٌ مُثَمَّنٌ. وَالْحَاصِل - كَمَا قَال الْحَصْكَفِيُّ وَابْنُ عَابِدِينَ - إِنَّ الْمِثْلِيَّاتِ تَكُونُ ثَمَنًا إِذَا دَخَلَتْهَا الْبَاءُ وَلَمْ تُقَابَل بِثَمَنٍ، أَيْ: بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ، سَوَاءٌ تَعَيَّنَتْ أَوْ لاَ. وَكَذَا إِذَا لَمْ تَدْخُلْهَا الْبَاءُ، وَلَمْ تُقَابَل بِثَمَنٍ وَتَعَيَّنَتْ. وَتَكُونُ مَبِيعًا إِذَا قُوبِلَتْ بِثَمَنٍ مُطْلَقًا، أَيْ: سَوَاءٌ دَخَلَتْهَا الْبَاءُ أَوْ لاَ، تَعَيَّنَتْ أَوْ لاَ. وَكَذَا إِذَا لَمْ تُقَابَل بِثَمَنٍ وَلَمْ يَصْحَبْهَا الْبَاءُ وَلَمْ تُعَيَّنْ، كَبِعْتُكَ كُرَّ حِنْطَةٍ بِهَذَا الْعَبْدِ.
وَقَال الْكَاسَانِيُّ: الْفُلُوسُ الرَّائِجَةُ إِنْ قُوبِلَتْ بِخِلاَفِ جِنْسِهَا فَهِيَ أَثْمَانٌ، وَكَذَا إِنْ قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا مُتَسَاوِيَةً فِي الْعَدَدِ. وَإِنْ قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلَةً فِي الْعَدَدِ فَهِيَ مَبِيعَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ أَثْمَانٌ عَلَى كُل حَالٍ. (17)
وَقَرِيبٌ مِنْهُ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الثَّمَنَ النَّقْدُ إِنْ قُوبِل بِغَيْرِهِ لِلْعُرْفِ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضَانِ نَقْدَيْنِ أَوْ عَرَضَيْنِ فَالثَّمَنُ مَا الْتَصَقَتْ بِهِ بَاءُ الثَّمَنِيَّةِ وَالْمُثَمَّنُ مَا يُقَابِلُهُ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ كُلًّا مِنَ الْعِوَضَيْنِ ثَمَنٌ لِلآْخَرِ وَمُثَمَّنٌ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ كَوْنِ النُّقُودِ مَبِيعَةً؛ لأَِنَّ كُلًّا مِنَ الْعِوَضَيْنِ مَبِيعٌ بِالآْخَرِ، لَكِنْ جَرَى الْعُرْفُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَالْعِوَضُ الثَّانِي شَيْئًا مِنَ الْمُثَمَّنَاتِ، عَرَضًا أَوْ نَحْوَهُ، أَنَّ الثَّمَنَ هُوَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَمَا عَدَاهُمَا مُثَمَّنَاتٌ. (18)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الثَّمَنَ يَتَمَيَّزُ عَنِ الْمُثَمَّنِ بِبَاءِ الْبَدَلِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ نَقْدٌ.
فَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبَاءُ فَهُوَ ثَمَنٌ، فَدِينَارٌ بِثَوْبٍ: الثَّمَنُ الثَّوْبُ، لِدُخُول الْبَاءِ عَلَيْهِ. (19)
تَعَيُّنُ الثَّمَنِ بِالتَّعْيِينِ:
9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعَيُّنِ الأَْثْمَانِ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: إِنَّ النُّقُودَ لاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَإِذَا اشْتَرَى بِهَذَا الدِّرْهَمِ فَلَهُ دَفْعُ دِرْهَمٍ غَيْرِهِ.
وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ - إِلاَّ زُفَرَ - وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ إِلاَّ إِنْ كَانَ الْعَاقِدُ مِنْ ذَوِي الشُّبُهَاتِ.
وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي تَعَيُّنِ الأَْثْمَانِ.
فَالأَْثْمَانُ النَّقْدِيَّةُ الرَّائِجَةُ لاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ.
أَمَّا فِي غَيْرِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالأَْمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْغَصْبِ فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ؛ لأَِنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَسَائِل لِغَيْرِهَا بَل تَكُونُ مَقْصُودَةً بِالذَّاتِ، فَإِذَا هَلَكَ رَأْسُ مَال أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ قَبْل الشِّرَاءِ وَقَبْل الْخَلْطِ تَنْفَسِخُ الشَّرِكَةُ.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الأَْثْمَانُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ غَيْرِ النُّقُودِ، فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ؛ لأَِنَّهَا إِذَا عُيِّنَتْ تَكُونُ مَبِيعَةً مِنْ وَجْهٍ وَمَقْصُودَةً بِالذَّاتِ.
أَمَّا الْفُلُوسُ وَالدَّرَاهِمُ الَّتِي غَالِبُهَا الْغِشُّ:
فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً فَلاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، لِكَوْنِهَا أَثْمَانًا بِالاِصْطِلاَحِ، فَمَا دَامَ ذَلِكَ الاِصْطِلاَحُ مَوْجُودًا لاَ تَبْطُل الثَّمَنِيَّةُ، لِقِيَامِ الْمُقْتَضِي. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ رَائِجَةٍ فَتَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ؛ لِزَوَال الْمُقْتَضِي لِلثَّمَنِيَّةِ وَهُوَ الاِصْطِلاَحُ، وَهَذَا لأَِنَّهَا فِي الأَْصْل سِلْعَةٌ، وَإِنَّمَا صَارَتْ أَثْمَانًا بِالاِصْطِلاَحِ، فَإِذَا تَرَكُوا الْمُعَامَلَةَ بِهَا رَجَعَتْ إِلَى أَصْلِهَا.
كَمَا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اسْتَثْنَوُا الصَّرْفَ وَالْكِرَاءَ فَفِيهِمَا تَتَعَيَّنُ النُّقُودُ بِالتَّعْيِينِ، وَوَجْهُ الْقَوْل بِأَنَّ الأَْثْمَانَ النَّقْدِيَّةَ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، أَنَّ الْمَبِيعَ فِي الأَْصْل اسْمٌ لِمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَالثَّمَنَ فِي الأَْصْل مَا لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. فَالْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ مِنَ الأَْسْمَاءِ الْمُتَبَايِنَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ.
فَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ عَلَى هَذَا الأَْصْل أَثْمَانٌ لاَ تَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فِي حَقِّ الاِسْتِحْقَاقِ وَإِنْ عُيِّنَتْ، حَتَّى لَوْ قَال: بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَوْ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ كَانَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُمْسِكَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ وَيَرُدَّ مِثْلَهُ.
وَلَكِنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي حَقِّ ضَمَانِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، حَتَّى يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مِثْل الْمُشَارِ إِلَيْهِ جِنْسًا وَنَوْعًا وَقَدْرًا وَصِفَةً، وَلَوْ هَلَكَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ لاَ يَبْطُل الْعَقْدُ. (20)
10 - وَالثَّمَنُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا فِي الذِّمَّةِ، هَكَذَا نُقِل عَنِ الْفَرَّاءِ، وَهُوَ إِمَامٌ فِي اللُّغَةِ، وَلأَِنَّ أَحَدَهُمَا يُسَمَّى ثَمَنًا، وَالآْخَرَ مَبِيعًا فِي عُرْفِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ، وَاخْتِلاَفُ الأَْسَامِي دَلِيل اخْتِلاَفِ الْمَعَانِي فِي الأَْصْل، إِلاَّ أَنَّهُ يُسْتَعْمَل أَحَدُهُمَا مَكَانَ صَاحِبِهِ تَوَسُّعًا؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقَابِل صَاحِبَهُ، فَيُطْلَقُ اسْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ، كَمَا يُسَمَّى جَزَاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةً، وَجَزَاءُ الاِعْتِدَاءِ اعْتِدَاءً.
وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ اسْمًا لِمَا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلاً لِلتَّعْيِينِ بِالإِْشَارَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ التَّعْيِينُ حَقِيقَةً فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ، فَجُعِل كِنَايَةً عَنْ بَيَانِ الْجِنْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ وَنَوْعِهِ وَصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ، تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْعَاقِل بِقَدْرِ الإِْمْكَانِ. وَلأَِنَّ التَّعْيِينَ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لأَِنَّ كُل عِوَضٍ يُطْلَبُ مِنَ الْمُعَيَّنِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ مِثْلِهِ، فَلَمْ يَكُنِ التَّعْيِينُ فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ مُفِيدًا فَيَلْغُو فِي حَقِّهِ، وَيُعْتَبَرُ فِي بَيَانِ حَقِّ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ، وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ؛ لأَِنَّ التَّعْيِينَ فِي حَقِّهِ مُفِيدٌ.
وَلأَِنَّهُ يَجُوزُ إِطْلاَقُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الْعَقْدِ، فَلاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِيهِ، كَالْمِكْيَال وَالصَّنْجَةِ.
وَيَسْتَثْنِي الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ الصَّرْفَ فَتَتَعَيَّنُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ بِالتَّعْيِينِ فِيهِ لاِشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ أَيْضًا الْكِرَاءَ. (21)
الْقَوْل الثَّانِي: الأَْثْمَانُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ:
11 - فَيَتَعَيَّنُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ، حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي الدَّرَاهِمَ الْمُشَارَ إِلَيْهَا، كَمَا فِي سَائِرِ الأَْعْيَانِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا، وَلَوْ هَلَكَ قَبْل الْقَبْضِ يَبْطُل الْعَقْدُ، كَمَا لَوْ هَلَكَ سَائِرُ الأَْعْيَانِ، وَلاَ يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ. (22) وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْل:
أَنَّ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ يُسْتَعْمَلاَنِ اسْتِعْمَالاً وَاحِدًا - فَهُمَا مِنَ الأَْسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنِ الآْخَرِ فِي الأَْحْكَامِ بِحَرْفِ الْبَاءِ - قَال تَعَالَى: {وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً} (23) سَمَّى تَعَالَى الْمُشْتَرَى وَهُوَ الْمَبِيعُ ثَمَنًا، فَدَل عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ مَبِيعٌ، وَالْمَبِيعَ ثَمَنٌ.
وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يُذَكَّرَ الشِّرَاءُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، يُقَال: شَرَيْتُ الشَّيْءَ بِمَعْنَى بِعْتُهُ، قَال تَعَالَى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ} (24) أَيْ: وَبَاعُوهُ؛
وَلأَِنَّ ثَمَنَ الشَّيْءِ قِيمَتُهُ، وَقِيمَةَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَلِهَذَا سُمِّيَ قِيمَةً لِقِيَامِهِ مَقَامَ غَيْرِهِ. وَالثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ صَاحِبِهِ، فَكَانَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا وَمَبِيعًا. دَل عَلَى أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ فِي اللُّغَةِ.
وَالْمَبِيعُ يَحْتَمِل التَّعَيُّنَ بِالتَّعْيِينِ فَكَذَا الثَّمَنُ، إِذْ هُوَ مَبِيعٌ.
وَلأَِنَّ الثَّمَنَ عِوَضٌ فِي عَقْدٍ، فَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَسَائِرِ الأَْعْوَاضِ. (25) مَا يَحْصُل بِهِ التَّعْيِينُ:
12 - يَحْصُل التَّعْيِينُ بِالإِْشَارَةِ، سَوَاءٌ أَضَمَّ إِلَيْهَا الاِسْمَ أَمْ لاَ، كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، أَوْ بِهَذِهِ فَقَطْ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الدَّرَاهِمِ.
أَوْ بِعْتُكَ هَذَا بِهَذَا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْعِوَضَيْنِ.
وَيَحْصُل التَّعْيِينُ أَيْضًا بِالاِسْمِ كَبِعْتُكَ دَارِي بِمَوْضِعِ كَذَا، أَوْ بِمَا فِي يَدِي أَوْ كِيسِي مِنَ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ. (26)
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي:
13 - يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي. وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي يَكُونُ وَقْتَ الْعَقْدِ مِلْكًا تَامًّا، لاَ حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ. (27) لِقَوْلِهِ ﷺ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: لاَ تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ (28) ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ. وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مِثْل الْمَبِيعِ فِي هَذَا الْحُكْمِ. (29) الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ:
14 - يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّ مَا لاَ يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَبِيهٌ بِالْمَعْدُومِ، وَالْمَعْدُومُ لاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا. فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ ثَمَنًا، وَكَذَا الْجَمَل الشَّارِدُ الَّذِي لاَ يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. (30) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (31) قَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْغَرَرُ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا. وَقِيل: مَا انْطَوَتْ عَنَّا عَاقِبَتُهُ. . . وَالْمَبِيعُ وَمِثْلُهُ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ إِذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ دَاخِلٌ فِي الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. (32)
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: مَعْرِفَةُ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ فِي الثَّمَنِ:
15 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: الثَّمَنُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُشَارًا إِلَيْهِ أَوْ غَيْرَ مُشَارٍ إِلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ مُشَارًا إِلَيْهِ فَلاَ حَاجَةَ إِلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ وَصِفَتِهِ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ.
(وَالْقَدْرُ: كَخَمْسَةِ أَوْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْرَارُ حِنْطَةٍ. (1) وَالصِّفَةُ: كَعَشْرَةِ دَنَانِيرَ كُوَيْتِيَّةٍ أَوْ أُرْدُنِيَّةٍ، وَكَذَا حِنْطَةٌ بُحَيْرِيَّةٌ أَوْ صَعِيدِيَّةٌ) .
فَإِذَا قَال: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ مِنَ الْحِنْطَةِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي فِي يَدِكَ وَهِيَ مَرْئِيَّةٌ لَهُ فَقَبِل جَازَ وَلَزِمَ؛ لأَِنَّ الإِْشَارَةَ أَبْلَغُ طُرُقِ التَّعْرِيفِ، وَجَهَالَةُ وَصْفِهِ وَقَدْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَهُمَا عَقْدُ الْبَيْعِ فَلاَ يَمْنَعُ الْجَوَازَ؛ لأَِنَّ الْعِوَضَيْنِ حَاضِرَانِ.
وَهَذَا بِخِلاَفِ الرِّبَوِيِّ إِذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ، حَيْثُ لاَ يَجُوزُ جُزَافًا؛ لاِحْتِمَال الرِّبَا لأَِنَّ عَدَمَ تَحَقُّقِ التَّمَاثُل يُعْتَبَرُ بِمَثَابَةِ الْعِلْمِ بِالتَّفَاضُل، وَبِخِلاَفِ رَأْسِ مَال السَّلَمِ، حَيْثُ لاَ يَجُوزُ إِذَا كَانَ مِنَ الْمُقَدَّرَاتِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ الْقَدْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. (33)
وَوَافَقَ الْحَنَابِلَةُ الْحَنَفِيَّةَ فِي ذَلِكَ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: (وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الأَْثْمَانِ وَالْمُثَمَّنَاتِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا جُزَافًا) . فَذَهَبُوا إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ إِذَا عُقِدَ عَلَى ثَمَنٍ بِوَزْنِ صَنْجَةٍ وَمِلْءِ كَيْلٍ مَجْهُولَيْنِ عُرْفًا، وَعَرَفَهُمَا الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْمُشَاهَدَةِ، كَبِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ فِضَّةً، أَوْ بِمِلْءِ هَذَا الْوِعَاءِ أَوْ الْكِيسِ دَرَاهِمَ.
وَذَهَبُوا أَيْضًا إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِصُبْرَةٍ مُشَاهَدَةٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمَا كَيْلَهَا وَلاَ وَزْنَهَا وَلاَ عَدَّهَا. (34)
وَنَحْوُ هَذَا الْقَوْل مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، قَال الشِّيرَازِيُّ: إِنْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ جُزَافًا جَازَ لأَِنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لأَِنَّهُ يُجْهَل قَدْرُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ. (35)
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ النَّقْدِ أَيِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جُزَافًا إِذَا كَانَ مَسْكُوكًا، وَكَانَ التَّعَامُل بِهِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْعَدَدِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْوَزْنِ، لِقَصْدِ أَفْرَادِهِ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ النَّقْدُ مَسْكُوكًا (36) سَوَاءٌ تَعَامَلُوا بِهِ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا جَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا، لِعَدَمِ قَصْدِ آحَادِهِ. (37) 16 - أَمَّا إِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُشَارٍ إِلَيْهِ فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ؛ لأَِنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إِلَى النِّزَاعِ الْمَانِعِ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، فَيَخْلُو الْعَقْدُ عَنِ الْفَائِدَةِ، وَكُل جَهَالَةٍ تُفْضِي إِلَيْهِ يَكُونُ مُفْسِدًا.
وَالصِّفَةُ إِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً تَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ فِي وَصْفِهَا، فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ دَفْعَ الأَْدْوَنِ، وَالْبَائِعُ يَطْلُبُ الأَْرْفَعَ. فَلاَ يَحْصُل مَقْصُودُ شَرْعِيَّةِ الْعَقْدِ، وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِلاَ مُنَازَعَةٍ.
فَالْعِلْمُ بِالثَّمَنِ عِلْمًا مَانِعًا مِنَ الْمُنَازَعَةِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ عِنْدَهُمْ. (38)
17 - وَبِنَاءً عَلَى هَذَا صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ.
أ - لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِقِيمَتِهِ. فَإِذَا بَاعَهُ بِقِيمَتِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لأَِنَّهُ جَعَل ثَمَنَهُ قِيمَتَهُ، وَالْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، فَكَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولاً.
ب - وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِمَا حَل بِهِ، أَوْ بِمَا تُرِيدُ، أَوْ تُحِبُّ، أَوْ بِرَأْسِ مَالِهِ، أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ، أَوْ بِمِثْل مَا اشْتَرَى فُلاَنٌ. فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْقَدْرِ فِي الْمَجْلِسِ فَرَضِيَهُ انْقَلَبَ جَائِزًا.
- وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إِلاَّ دِينَارًا، أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلاَّ دِرْهَمًا.
- وَكَذَا لاَ يَجُوزُ بِمِثْل مَا يَبِيعُ النَّاسُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا لاَ يَتَفَاوَتُ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ. (39)
- وَكَذَا إِذَا بَاعَ بِحُكْمِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بِحُكْمِ فُلاَنٍ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَدْرِي بِمَاذَا يَحْكُمُ فُلاَنٌ فَكَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولاً.
18 - ج - وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا بِأَنَّهُ وَإِنْ بَاعَهُ بِمَا يَنْقَطِعُ السِّعْرُ بِهِ، أَوْ بِمِثْل مَا بَاعَ بِهِ فُلاَنٌ، وَهُمَا لاَ يَعْلَمَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّهُ مَجْهُولٌ.
د - وَإِنْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّهُ مَجْهُولٌ، لأَِنَّ مِقْدَارَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الأَْلْفِ مَجْهُولٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَال بِمِائَةٍ بَعْضُهَا ذَهَبٌ؛ وَلأَِنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ، فَيَدْخُل فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. (40) هـ - وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ، وَالْمُرَادُ الثَّمَنُ لاَ يَعْلَمُ بِهِ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَنْظُرَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ.
وَهَذَا قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَالرَّقْمُ: عَلاَمَةٌ يُعْلَمُ بِهَا مِقْدَارُ مَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِهِ مِنَ الثَّمَنِ.
وَالْبَيْعُ بِالرَّقْمِ فَاسِدٌ؛ لأَِنَّ فِيهِ زِيَادَةَ جَهَالَةٍ تَمَكَّنَتْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَهِيَ جَهَالَةُ الثَّمَنِ؛ لأَِنَّهَا بِرَقْمٍ لاَ يَعْلَمُهُ الْمُشْتَرِي، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْقِمَارِ، لِلْخَطَرِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ كَذَا وَكَذَا.
وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ الْعَقْدُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْل الْعِلْمِ بَطَل.
وَكَانَ الإِْمَامُ شَمْسُ الأَْئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَقُول: وَإِنْ عَلِمَ بِالرَّقْمِ فِي الْمَجْلِسِ لاَ يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْعَقْدُ جَائِزًا، وَلَكِنْ إِنْ كَانَ الْبَائِعُ دَائِمًا عَلَى ذَلِكَ الرِّضَا وَرَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدَ ابْتِدَاءٍ بِالتَّرَاضِي. (41)
وَوَرَدَ فِي الْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ: (قَال أَحْمَدُ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ بِالرَّقْمِ. وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَقُول: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِرَقْمِهِ، وَهُوَ الثَّمَنُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا لَهُمَا حَال الْعَقْدِ. وَهَذَا قَوْل عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَكَرِهَهُ طَاوُسٌ
وَلَنَا أَنَّهُ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ذَكَرَ مِقْدَارَهُ، أَوْ مَا لَوْ قَال: بِعْتُكَ هَذَا بِمَا اشْتَرَيْتُهُ بِهِ وَقَدْ عَلِمَا قَدْرَهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُمَا أَوْ لأَِحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ) . (42)
إِذَنْ فَالْحُكْمُ بِجَوَازِهِ هُنَا بِنَاءٌ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الَّذِي يُفِيدُ أَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا حَسَبَ التَّفْسِيرِ الْمُتَقَدِّمِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَلاَ خِلاَفَ عِنْدَئِذٍ.
و بَيْعُ صُبْرَةِ طَعَامٍ، كُل قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ:
19 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْقَوْل الأَْوَّل: لاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ. وَهُوَ قَوْل عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ؛ بِحُجَّةِ: أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَبْلَغَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ حَال الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُ بَعْدَ الْكَيْل. (43)
الْقَوْل الثَّانِي: يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ، إِلاَّ أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا. وَهُوَ قَوْل الإِْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ، بِحُجَّةِ: أَنَّ صَرْفَ اللَّفْظِ إِلَى الْكُل مُتَعَذِّرٌ؛ لِجَهَالَةِ الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ جَهَالَةً تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لأَِنَّ الْبَائِعَ يَطْلُبُ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ أَوَّلاً، وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَيَقَعُ النِّزَاعُ. وَإِذَا تَعَذَّرَ الصَّرْفُ إِلَى الْكُل صُرِفَ إِلَى الأَْقَل، وَهُوَ مَعْلُومٌ، إِلاَّ أَنْ تَزُول الْجَهَالَةُ فِي الْمَجْلِسِ بِتَسْمِيَةِ جَمِيعِ الْقُفْزَانِ أَوْ بِالْكَيْل فِي الْمَجْلِسِ فَيَجُوزُ، لأَِنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ بِمَنْزِلَةِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. (44)
الْقَوْل الثَّالِثُ: يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْكُل، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَ قُفْزَانِهَا حَال الْعَقْدِ.
وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَجُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ. (45)
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا يَلِي:
1 - أَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ لإِِشَارَتِهِ إِلَى مَا يُعْرَفُ مَبْلَغُهُ بِجِهَةٍ لاَ تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ كَيْل الصُّبْرَةِ، فَجَازَ كَمَا لَوْ بَاعَ مَا رَأْسُ مَالِهِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ، لِكُل ثَلاَثَةَ عَشَرَ دِرْهَمٌ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْلَمُ فِي الْحَال، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِالْحِسَابِ، كَذَا هَاهُنَا. 2 - أَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ قَدْرَ مَا يُقَابِل كُل جُزْءٍ مِنَ الْمَبِيعِ فَصَحَّ كَالأَْصْل الْمَذْكُورِ، وَالْغَرَرَ مُنْتَفٍ فِي الْحَال؛ لأَِنَّ مَا يُقَابِل كُل صَاعٍ مَعْلُومُ الْقَدْرِ حِينَئِذٍ. فَغَرَرُ الْجَهَالَةِ يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ بِالتَّفْصِيل. كَمَا يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ بِالْجُمْلَةِ، فَإِذَا جَازَ بِالْعِلْمِ بِالْجُمْلَةِ جَازَ بِالْعِلْمِ بِالتَّفْصِيل أَيْ: لاَ يَضُرُّ الْجَهْل بِحَمَلَةِ الثَّمَنَ لأَِنَّهُ مَعْلُومٌ بِالتَّفْصِيل، وَالْغَرَرُ مُرْتَفِعٌ بِهِ، كَمَا إِذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ جُزَافًا.
3 - لأَِنَّ إِزَالَةَ الْجَهَالَةِ بِيَدِهِمَا، فَتَرْتَفِعُ بِكَيْل كُلٍّ مِنْهُمَا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ. (46)
وَانْظُرْ أَيْضًا (بَيْعُ الْجُزَافِ) .
ز - لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ إِلاَّ بِثَمَنٍ مَعْلُومِ الصِّفَةِ:
20 - لِذَلِكَ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ:
مَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ دُونَ الْقَدْرِ، كَأَنْ قَال: اشْتَرَيْتُ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَقُل بُخَارِيَّةً أَوْ سَمَرْقَنْدِيَّةً، وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، أَيْ يَنْصَرِفُ إِلَى الْمُتَعَامَل بِهِ فِي بَلَدِهِ.
وَبِهِ قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْل:
أَنَّ الْمَعْلُومَ بِالْعُرْفِ كَالْمَعْلُومِ بِالنَّصِّ، لاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيهِ تَصْحِيحُ تَصَرُّفِهِ. (47) وَيَبْنِي الْحَنَفِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً فِي الْمَالِيَّةِ كَالذَّهَبِ الْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ، فَإِنَّ الْمِصْرِيَّ أَفْضَل فِي الْمَالِيَّةِ مِنَ الْمَغْرِبِيِّ، وَكَانَتْ مُتَسَاوِيَةً فِي الرَّوَاجِ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، لأَِنَّ مِثْل هَذِهِ الْجَهَالَةِ مُفْضِيَةٌ إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ دَفْعَ الأَْنْقَصِ مَالِيَّةً، وَالْبَائِعُ يُرِيدُ أَخْذَ الأَْعْلَى، فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ إِلاَّ أَنْ تُرْفَعَ الْجَهَالَةُ بِبَيَانِ أَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ وَيَرْضَى الآْخَرُ؛ لاِرْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ قَبْل تَقَرُّرِهِ.
- وَإِذَا كَانَتِ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ صَحَّ الْبَيْعُ وَانْصَرَفَ إِلَى الأَْرْوَجِ.
- وَإِذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الرَّوَاجِ مُسْتَوِيَةً فِي الْمَالِيَّةِ صَحَّ الْبَيْعُ وَانْصَرَفَ إِلَى الأَْرْوَجِ أَيْضًا تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ.
- أَمَّا إِذَا اسْتَوَتْ فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ، وَإِنَّمَا الاِخْتِلاَفُ فِي الاِسْمِ كَالْمِصْرِيِّ وَالدِّمَشْقِيِّ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي أَنْ يُؤَدِّيَ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ لأَِنَّهُ لاَ مُنَازَعَةَ فِيهَا. (48) فَالْحَاصِل:
أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لأَِنَّ النُّقُودَ إِمَّا أَنْ تَسْتَوِيَ فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ مَعًا، أَوْ تَخْتَلِفَ فِيهِمَا، أَوْ يَسْتَوِيَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ.
وَالْفَسَادُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ: وَهِيَ: الاِسْتِوَاءُ فِي الرَّوَاجِ وَالاِخْتِلاَفُ فِي الْمَالِيَّةِ، وَالصِّحَّةُ فِي الثَّلاَثِ الْبَاقِيَةِ.
وَهَذِهِ الصُّورَةُ الْفَاسِدَةُ ذَكَرَهَا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. (49)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ تَعَدَّدَتِ السِّكَكُ فِي الْبَلَدِ وَلَمْ يُبَيِّنْ، فَإِنْ اتَّحَدَتْ رَوَاجًا قَضَاهُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قَضَاهُ مِنَ الْغَالِبِ إِنْ كَانَ، وَإِلاَّ فَسَدَ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْبَيَانِ.
وَعِبَارَةُ الشِّرْبِينِيِّ الشَّافِعِيِّ: إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ وَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَتِ الْقِيمَةُ اشْتُرِطَ التَّعْيِينُ لَفْظًا لاِخْتِلاَفِ الْغَرَضِ بِاخْتِلاَفِهِمَا.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ بَاعَ بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَلاَ مَوْصُوفٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنَ الدَّنَانِيرِ كُلُّهَا رَائِجَةٌ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. (50) الْحُلُول وَالتَّأْجِيل فِي الثَّمَنِ:
21 - يَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ، أَوْ مُؤَجَّلٍ إِذَا كَانَ الأَْجَل مَعْلُومًا، بِدَلِيل:
1 - إِطْلاَقِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَل اللَّهُ الْبَيْعَ} (51) فَشَمَل مَا بِيعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمَا بِيعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ.
2 - عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتِ: اشْتَرَى رَسُول اللَّهِ ﷺ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ (52) .
قَال فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ:
إِنَّ الْحُلُول مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُوجَبُهُ، وَالأَْجَل لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِالشَّرْطِ.
فَإِذَا بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ ثُمَّ أَجَّلَهُ صَحَّ؛ لأَِنَّهُ حَقُّهُ. (53)
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ بِيعَ عَلَى شَرْطِ النَّقْدِ أَيْ تَعْجِيل الثَّمَنِ ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى تَأْجِيلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْمُرَابَحَةِ بَيَانُ الأَْجَل، فَيُفْهَمُ مِنْهُ لُزُومُ الأَْجَل الَّذِي تَرَاضَيَا عَلَيْهِ. قَالُوا: لأَِنَّ اللاَّحِقَ لِلْعَقْدِ كَالْوَاقِعِ فِيهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الأَْجَل إِنْ كَانَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ - خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ - لَحِقَتْ بِأَصْل الْعَقْدِ، أَمَّا بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الأَْجَل لاَ تَلْحَقُ وَلَكِنْ يُنْدَبُ الْوَفَاءُ بِهَا، وَكَذَلِكَ تَأْجِيل الدَّيْنِ الْحَال. (54)
وَدَلِيل وُجُوبِ كَوْنِ الأَْجَل مَعْلُومًا:
1 - أَنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَتَكُونُ مَانِعَةً مِنَ التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ الْوَاجِبَيْنِ بِالْعَقْدِ، فَرُبَّمَا يُطَالِبُ الْبَائِعُ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ وَالْمُشْتَرِي يُؤَخِّرُ إِلَى بَعِيدِهَا.
2 - وَلأَِنَّهُ ﵊ فِي مَوْضِعِ شَرْطِ الأَْجَل وَهُوَ السَّلَمُ أَوْجَبَ فِيهِ التَّعْيِينَ، حَيْثُ قَال: مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (55) فَيُقَاسُ عَلَيْهِ تَأْجِيل الثَّمَنِ.
3 - وَعَلَى كُل ذَلِكَ انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ. (56) 22 - وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ مَعْلُومِيَّةَ الأَْجَل فِي الْبَيْعِ الْمُؤَجَّل ثَمَنُهُ. فَإِنْ كَانَ مَجْهُولاً فَهُوَ فَاسِدٌ.
وَمِنْ جَهَالَةِ الأَْجَل:
أ - مَا إِذَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِ الثَّمَنَ فِي بَلَدٍ آخَرَ.
وَلَوْ قَال: إِلَى شَهْرٍ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ الثَّمَنَ فِي بَلَدٍ آخَرَ جَازَ بِأَلْفٍ إِلَى شَهْرٍ. وَيَبْطُل شَرْطُ الإِْيفَاءِ فِي بَلَدٍ آخَرَ؛ لأَِنَّ تَعْيِينَ مَكَانِ الإِْيفَاءِ فِيمَا لاَ حَمْل لَهُ وَلاَ مُؤْنَةَ لاَ يَصِحُّ. فَلَوْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ صَحَّ.
وَمِنْهُ: عَلَى قَوْل مُحَمَّدٍ: مَا إِذَا بَاعَهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ الْمَبِيعَ قَبْل أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ، فَإِنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ؛ لأَِنَّ مُحَمَّدًا ﵀ عَلَّلَهُ بِتَضَمُّنِهِ أَجَلاً مَجْهُولاً، حَتَّى لَوْ سَمَّى الْوَقْتَ الَّذِي يُسَلِّمُ إِلَيْهِ فِيهِ الْمَبِيعَ جَازَ الْبَيْعُ.
وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَإِنَّمَا عَلَّلَهُ بِالشَّرْطِ الَّذِي لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ. (57)
ب - وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ جَهَالَةَ الأَْجَل هِيَ مِنَ الْغَرَرِ فِي الثَّمَنِ، وَمَثَّلُوا لَهُ: بِأَنْ يَبِيعَ مِنْهُ السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ إِلَى قُدُومِ زَيْدٍ أَوْ إِلَى مَوْتِهِ. قَال ابْنُ رُشْدٍ: فَإِذَا بَاعَ الرَّجُل السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ أَوْ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ فُسِخَ عَلَى كُل حَالٍ فِي الْقِيَامِ وَالْفَوَاتِ، شَاءَ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَبَيَا. ج - وَقَال الشَّافِعِيَّةُ:
إِنْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَجُزْ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، كَالْبَيْعِ إِلَى الْعَطَاءِ، لأَِنَّهُ عِوَضٌ فِي بَيْعٍ، فَلَمْ يَجُزْ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ.
د - وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ تَأْجِيل الثَّمَنِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، وَيَبْطُل الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ، وَلِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِفَوَاتِ غَرَضِهِ بِفَسَادِ الشَّرْطِ. (58)
الاِخْتِلاَفُ فِي الأَْجَل:
23 - إِذَا اخْتَلَفَا فِي الأَْجَل فَالْقَوْل لِمَنْ يَنْفِيهِ وَهُوَ الْبَائِعُ، لأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُهُ وَهُوَ الْحُلُول.
وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ، فَالْقَوْل لِمُدَّعِي الأَْقَل لإِِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ.
وَالْبَيِّنَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لأَِنَّهُ يُثْبِتُ خِلاَفَ الظَّاهِرِ، وَالْبَيِّنَاتُ لِلإِْثْبَاتِ. (59)
وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرِهِ، وَاخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْل لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا.
لأَِنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى الأَْجَل فَالأَْصْل بَقَاؤُهُ، فَكَانَ الْقَوْل لِلْمُشْتَرِي فِي عَدَمِ مُضِيِّهِ؛ وَلأَِنَّهُ مُنْكِرٌ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَأَمَّا تَقْدِيمُ بَيِّنَتِهِ عَلَى بَيِّنَةِ الْبَائِعِ فَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنِ الْجَوْهَرَةِ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّعْوَى. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: " وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ شَأْنَ الْبَيِّنَةِ إِثْبَاتُ خِلاَفِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ هُنَا دَعْوَى الْبَائِعِ عَلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَدَمِ الْمُضِيِّ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنِ الثَّانِي بِأَنَّهُ إِثْبَاتٌ فِي الْمَعْنَى؛ لأَِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الأَْجَل بَاقٍ.
وَحِينَئِذٍ فَوَجْهُ تَقْدِيمِ بَيِّنَتِهِ كَوْنُهَا أَكْثَرَ إِثْبَاتًا، وَيَدُل لَهُ مَا سَيَأْتِي فِي السَّلَمِ مِنْ أَنَّهُمَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّ الأَْجَل فَالْقَوْل لِلْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ بِيَمِينِهِ.
وَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى، وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِإِثْبَاتِهَا زِيَادَةَ الأَْجَل. قَال: فَالْقَوْل قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ ". (60)
وَانْظُرْ لاِسْتِكْمَال مَبَاحِثِ الأَْجَل مُصْطَلَحَ (أَجَلٌ) .
اعْتِبَارُ مَكَانِ الْعَقْدِ وَزَمَنِهِ عِنْدَ دَفْعِ الثَّمَنِ الْمُؤَجَّل:
24 - يُعْتَبَرُ الْبَلَدُ الَّذِي جَرَى فِيهِ الْبَيْعُ، لاَ بَلَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ.
فَإِنْ بَاعَ عَيْنًا مِنْ رَجُلٍ بِأَصْفَهَانَ بِكَذَا مِنَ الدَّنَانِيرِ، فَلَمْ يَنْقُدِ الثَّمَنَ حَتَّى وَجَدَ الْمُشْتَرِيَ بِبُخَارَى، يَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِعِيَارِ أَصْفَهَانَ. فَيُعْتَبَرُ مَكَانُ الْعَقْدِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ:
وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مَالِيَّةُ الدِّينَارِ مُخْتَلِفَةً فِي الْبَلَدَيْنِ، وَتَوَافَقَ الْعَاقِدَانِ عَلَى أَخْذِ قِيمَةِ الدِّينَارِ لِفَقْدِهِ أَوْ كَسَادِهِ فِي الْبَلْدَةِ الأُْخْرَى، فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَهُ بِأَخْذِ قِيمَتِهِ الَّتِي فِي بُخَارَى إِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ الَّتِي فِي أَصْفَهَانَ.
وَهَذَا قَوْل الْحَنَفِيَّةِ.
وَاعْتِبَارُ مَكَانِ الْعَقْدِ قَال بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ.
وَكَمَا يُعْتَبَرُ مَكَانُ الْعَقْدِ يُعْتَبَرُ زَمَنُهُ أَيْضًا، فَلاَ يُعْتَبَرُ زَمَنُ الإِْيفَاءِ؛ لأَِنَّ الْقِيمَةَ فِيهِ مَجْهُولَةٌ وَقْتَ الْعَقْدِ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ: لَوْ بَاعَهُ إِلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ، وَشَرَطَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِي أَيَّ نَقْدٍ يَرُوجُ يَوْمَئِذٍ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا. (61)
زِيَادَةُ الثَّمَنِ وَالْحَطُّ مِنْهُ:
25 - بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ قَدْ يَرَى الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَغْبُونٌ فِي الصَّفْقَةِ، أَوْ يَرَى تَعْدِيلَهَا لِمَصْلَحَةِ الآْخَرِ لِسَبَبٍ مَا، فَيَجُوزُ الزِّيَادَةُ أَوْ الْحَطُّ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ اتِّفَاقًا. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ، هَل يَلْتَحِقَانِ بِأَصْل الْعَقْدِ؟ عَلَى ثَلاَثَةِ اتِّجَاهَاتٍ:
26 - الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل: مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ عَدَا زُفَرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَالْحَطَّ مِنْهُ أَوْ الزِّيَادَةَ فِي الْمَبِيعِ تَلْحَقُ بِالْعَقْدِ وَتَأْخُذُ حُكْمَ الثَّمَنِ.
فَإِذَا اشْتَرَى عَيْنًا بِمِائَةٍ ثُمَّ زَادَ عَشْرَةً مَثَلاً، أَوْ بَاعَ عَيْنًا بِمِائَةٍ، ثُمَّ زَادَ عَلَى الْمَبِيعِ شَيْئًا، أَوْ حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ جَازَ وَالْتَحَقَتِ الزِّيَادَةُ أَوْ الْحَطُّ بِأَصْل الْعَقْدِ. (62)
وَيَتَعَلَّقُ الاِسْتِحْقَاقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، مِنَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَالزِّيَادَةِ، فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ إِلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الزِّيَادَةَ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَ الزِّيَادَةَ، وَلاَ مُطَالَبَةَ الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَبْل إِعْطَائِهَا. وَلَوْ سَلَّمَهَا ثُمَّ اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ رَجَعَ بِهَا مَعَ أَصْل الثَّمَنِ.
وَفِي صُورَةِ الْحَطِّ: لِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إِذَا سَلَّمَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْحَطِّ.
فَالزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ يَلْتَحِقَانِ بِأَصْل الْعَقْدِ. (63)
27 - وَاحْتَجُّوا بِمَا يَلِي:
1 - أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ بِالْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ غَيَّرَا الْعَقْدَ بِتَرَاضِيهِمَا مِنْ وَصْفٍ مَشْرُوعٍ إِلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ الْمَشْرُوعَ إِمَّا خَاسِرٌ، أَوْ رَابِحٌ، أَوْ عَدْلٌ، وَالزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ تَجْعَل الْخَاسِرَ عَدْلاً، وَالْعَدْل رَابِحًا، وَالْحَطُّ يَجْعَل الرَّابِحَ عَدْلاً، وَالْعَدْل خَاسِرًا، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ.
2 - لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وِلاَيَةُ التَّصَرُّفِ بِرَفْعِ أَصْل الْعَقْدِ بِالإِْقَالَةِ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمَا وِلاَيَةُ التَّغْيِيرِ مِنْ وَصْفٍ إِلَى وَصْفٍ؛ لأَِنَّ التَّصَرُّفَ فِي صِفَةِ الشَّيْءِ أَهْوَنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي أَصْلِهِ، وَصَارَ كَمَا إِذَا كَانَ لأَِحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، أَوْ لَهُمَا خِيَارُ الشَّرْطِ، فَأَسْقَطَاهُ أَوْ شَرَطَاهُ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَصَحَّ إِلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ. وَإِذَا صَحَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْل الْعَقْدِ، لأَِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ كَالْوَصْفِ لَهُ، وَوَصْفُ الشَّيْءِ يَقُومُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ لاَ بِنَفْسِهِ، فَالزِّيَادَةُ تَقُومُ بِالثَّمَنِ لاَ بِنَفْسِهَا.
3 - ثَبَتَتْ صِحَّةُ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ شَرْعًا فِي الْمَهْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} (64) فَبَيَّنَ أَنَّهُمَا إِذَا تَرَاضَيَا بَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَهْرِ عَلَى حَطِّ بَعْضِهِ أَوْ زِيَادَتِهِ جَازَ. فَهَذَا نَظِيرُهُ.
4 - رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال لِلْوَازِنِ: زِنْ وَأَرْجِحْ (65) وَهَذَا زِيَادَةٌ فِي الثَّمَنِ، وَقَدْ نُدِبَ ﵊ إِلَيْهَا بِالْقَوْل وَالْفِعْل، وَأَقَل أَحْوَال الْمَنْدُوبِ إِلَيْهِ الْجَوَازُ. (66)
28 - وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ لِجَوَازِ الزِّيَادَةِ مَا يَأْتِي:
1 - الْقَبُول مِنَ الآْخَرِ، حَتَّى لَوْ زَادَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقْبَل الآْخَرُ لَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ؛ لأَِنَّ الزِّيَادَةَ تَمْلِيكٌ.
2 - اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ، حَتَّى لَوِ افْتَرَقَا قَبْل الْقَبُول بَطَلَتِ الزِّيَادَةُ؛ لأَِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ إِيجَابُ الْبَيْعِ فِيهِمَا، فَلاَ بُدَّ مِنَ الْقَبُول فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي أَصْل الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ.
29 - وَأَمَّا الْحَطُّ فَلاَ يُشْتَرَطُ لَهُ الْقَبُول؛ لأَِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الثَّمَنِ بِالإِْسْقَاطِ وَالإِْبْرَاءِ عَنْ بَعْضِهِ، فَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ، إِلاَّ أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ كَالإِْبْرَاءِ عَنِ الثَّمَنِ كُلِّهِ.
وَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَائِمًا، قَابِلاً لِلتَّصَرُّفِ ابْتِدَاءً، حَتَّى لاَ تَصِحُّ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ هَلاَكِهِ، وَيَصِحُّ الْحَطُّ بَعْدَ هَلاَكِ الْمَبِيعِ؛ لأَِنَّهُ إِسْقَاطٌ مَحْضٌ، وَالزِّيَادَةُ إِثْبَاتٌ. (67)
29 م - الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ أَوِ الْحَطَّ مِنْهُ إِنْ كَانَ فِي زَمَنِ أَحَدِ الْخِيَارَيْنِ (خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ) فَإِنَّهُ يَلْتَحِقُ بِالْعَقْدِ وَتَأْخُذُ الزِّيَادَةُ أَوْ الْحَطُّ حُكْمَ الثَّمَنِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مِنَ الثَّمَنِ فَوَجَبَ إِلْحَاقُهُ بِرَأْسِ الْمَال، وَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ أَوِ الْحَطُّ مِنَ الثَّمَنِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ فَإِنَّهَا لاَ تَلْحَقُ بِالْعَقْدِ. (68)
30 - الاِتِّجَاهُ الثَّالِثُ: قَوْل زُفَرَ إِنَّ الزِّيَادَةَ وَالْحَطَّ لاَ يَصِحَّانِ عَلَى اعْتِبَارِ الاِلْتِحَاقِ بِأَصْل الْعَقْدِ، بَل الزِّيَادَةُ بِرٌّ مُبْتَدَأٌ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَالْحَطُّ إِبْرَاءٌ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ مَتَى رَدَّهُ يَرْتَدُّ.
وَاسْتَدَل زُفَرُ بِأَنَّ الْمَبِيعَ دَخَل فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْقَدْرِ الأَْوَّل لِلثَّمَنِ، فَلَوِ الْتَحَقَ الزَّائِدُ بِالْعَقْدِ صَارَ مِلْكَهُ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَزِدْهُ بَدَلاً عَنْ مِلْكِهِ، وَهُوَ الْمَبِيعُ، وَكَذَا الثَّمَنُ دَخَل فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، فَلَوْ جَازَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ كَانَ الْمَزِيدُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ أَيِ الثَّمَنِ. (69)
31 - وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الاِتِّجَاهِ الْقَائِل بِالْتِحَاقِ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ مَا يَلِي:
1 - فِي التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ، تَجُوزُ عَلَى الْكُل فِي الزِّيَادَةِ وَعَلَى الْبَاقِي فِي الْحَطِّ، فَإِنَّ الْبَائِعَ إِذَا حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ عَنِ الْمُشْتَرِي، وَالْمُشْتَرِي قَال لآِخَرَ: وَلَّيْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ وَقَعَ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ الثَّمَنِ بَعْدَ الْحَطِّ، فَكَانَ الْحَطُّ بَعْدَ الْعَقْدِ مُلْتَحِقًا بِأَصْل الْعَقْدِ، كَأَنَّ الثَّمَنَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ هُوَ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ، وَكَذَلِكَ فِي الزِّيَادَةِ.
2 - فِي الشُّفْعَةِ، يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْمَشْفُوعَ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ الْحَطِّ، وَلاَ تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ؛ لأَِنَّ فِيهِ إِبْطَال حَقِّهِ الثَّابِتِ بِالْبَيْعِ الأَْوَّل وَهُمَا لاَ يَمْلِكَانِهِ. أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَنْتَقِضُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي حَتَّى الْفَسْخُ.
3 - فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالزِّيَادَةِ، وَلَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالزِّيَادَةِ.
4 - فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ، فَلَهُ حَبْسُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الزِّيَادَةَ.
5 - فِي هَلاَكِ الزِّيَادَةِ، فَلَوْ هَلَكَتِ الزِّيَادَةُ قَبْل الْقَبْضِ تَسْقُطُ حِصَّتُهَا مِنَ الثَّمَنِ، بِخِلاَفِ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنَ الْمَبِيعِ حَيْثُ لاَ يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ بِهَلاَكِهَا قَبْل الْقَبْضِ. (70) وَيُنْظَرُ تَفْصِيل الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ فِي الْمَوْسُوعَةِ ج 9 ص 30 مُصْطَلَحُ (بَيْعٌ) ف 56
تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ:
32 - يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ قَبْل قَبْضِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُطْلَقًا إِذَا كَانَ التَّصَرُّفُ بِتَمْلِيكِهِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ وَلأَِنَّ الثَّمَنَ فِي الذِّمَّةِ وَلاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَلاَ يُحْتَمَل فِيهِ غَرَرُ الاِنْفِسَاخِ بِالْهَلاَكِ؛ وَلأَِنَّ الثَّمَنَ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ، وَالْقَبْضُ لاَ يَرِدُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا بِقَبْضِ غَيْرِهِ مِثْلَهُ عَيْنًا، فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الثَّمَنُ قِسْمَانِ: تَارَةً يَكُونُ حَاضِرًا كَمَا لَوِ اشْتَرَى فَرَسًا بِهَذَا الإِْرْدَبِّ مِنَ الْحِنْطَةِ أَوْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، فَهَذَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ بِهِبَةٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُشْتَرِي وَغَيْرِهِ.
وَتَارَةً يَكُونُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَوِ اشْتَرَى الْفَرَسَ بِإِرْدَبِّ حِنْطَةٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ فَهَذَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِتَمْلِيكِهِ مِنَ الْمُشْتَرِي فَقَطْ؛ لأَِنَّهُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ وَلاَ يَصِحُّ إِلاَّ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ الْقَوْل الْمُقَابِل الْمُعْتَمَدُ لِلشَّافِعِيَّةِ.
وَاسْتَثْنَى ابْنُ نُجَيْمٍ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ - وَمِنْهُ الثَّمَنُ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ - لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ ثَلاَثَ صُوَرٍ:
الأُْولَى: إِذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ، فَيَكُونُ وَكِيلاً قَابِضًا.
الثَّانِيَةُ: الْحَوَالَةُ.
الثَّالِثَةُ: الْوَصِيَّةُ. (71) وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ قَبْل قَبْضِهِ.
أَمَّا الثَّمَنُ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ: فَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ. (72)
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْل قَبْضِهِ إِلاَّ إِذَا كَانَ طَعَامًا فَلاَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ. (73)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ التَّعَاقُدُ عَلَيْهِ بِكَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ، أَوْ ذَرْعٍ، أَوْ عَدٍّ فَلاَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ بِالْكَيْل، أَوِ الْوَزْنِ، أَوِ الزَّرْعِ أَوِ الْعَدِّ، وَإِنْ كَانَ التَّعَاقُدُ عَلَيْهِ جُزَافًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَكِيلاً، وَلاَ مَوْزُونًا، وَلاَ مَعْدُودًا، وَلاَ مَزْرُوعًا، جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ.
وَأَمَّا الَّذِي فِي الذِّمَّةِ فَلاَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ. (74)
تَسْلِيمُ الثَّمَنِ:
33 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ أَوْ ثَمَنًا بِثَمَنٍ أَيْ نَقْدًا بِنَقْدٍ سُلِّمَا مَعًا، لاِسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعْيِينِ فِي الأَْوَّل، وَعَدَمِ التَّعْيِينِ فِي الثَّانِي؛ وَلأَِنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ مَطْلُوبَةٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ عَادَةً، وَتَحْقِيقُ الْمُسَاوَاةِ هَاهُنَا فِي التَّسْلِيمِ مَعًا. (75)
وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَال الْمَالِكِيَّةُ: فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ثَمَنٌ وَمُثَمَّنٌ، فَالثَّمَنُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَعَدَا ذَلِكَ مُثَمَّنَاتٌ، فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ، أَوْ عَلَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَتَشَاحَّا فِي الإِْقْبَاضِ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى أَحَدِهِمَا وُجُوبُ التَّسْلِيمِ قَبْل الآْخَرِ. وَكَذَا إِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُثَمَّنَاتِ كَعَرَضٍ بِعَرَضٍ وَتَشَاحَّا فِي الإِْقْبَاضِ. إِلاَّ أَنَّ الْعَقْدَ يُفْسَخُ بِالتَّرَاضِي فِي الْقَبْضِ فِي الصُّورَةِ الأُْولَى (الصَّرْفُ) وَلاَ يُفْسَخُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ؛ لأَِنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الصَّرْفِ دُونَ الْمُقَايَضَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الثَّمَنَ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا نَقْدًا أَوْ عَرْضًا، يُجْبَرُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي كِلاَهُمَا عَلَى التَّسْلِيمِ فِي الأَْظْهَرِ؛ لاِسْتِوَاءِ الْجَانِبَيْنِ، لأَِنَّ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ كَالْمَبِيعِ فِي تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالدَّيْنِ، وَالتَّسْلِيمُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا، فَيُلْزِمُ الْحَاكِمُ كُلًّا مِنْهُمَا إِحْضَارَ مَا عَلَيْهِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى عَدْلٍ، ثُمَّ يُسَلِّمُ كُلًّا مَا وَجَبَ لَهُ، وَالْخِيَرَةُ فِي الْبِدَايَةِ إِلَيْهِ.
وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ عَدَمُ إِجْبَارِهِمَا. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ عَيْنًا بَل فِي الذِّمَّةِ (الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ) فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، الْمُقَدَّمُ مِنْهَا إِجْبَارُ الْبَائِعِ.
وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَال الْحَنَابِلَةُ: فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا، وَالْمَبِيعُ مِثْلُهُ جُعِل بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِمَا؛ لأَِنَّهُ حَقُّ الْبَائِعِ قَدْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الثَّمَنِ، كَمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِعَيْنِ الْمَبِيعِ فَاسْتَوَيَا.
وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُل عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوَّلاً. (76)
34 - وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً حَاضِرَةً بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ أَوَّلاً عَلَى اتِّجَاهَاتٍ:
الأَْوَّل: يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ أَوَّلاً.
وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُورِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَحَدُ أَقْوَال الشَّافِعِيَّةِ (2)) . فَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إِلَى الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَ الْمَبِيعَ، وَمِثْلُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا مُعَيَّنًا لأَِنَّهُ لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ.
35 - وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ ﷺ: الدَّيْنُ مَقْضِيٌّ (77) فَقَدْ وَصَفَ ﵊ الدَّيْنَ بِكَوْنِهِ مَقْضِيًّا عَامًّا أَوْ مُطْلَقًا، فَلَوْ تَأَخَّرَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لَمْ يَكُنْ هَذَا الدَّيْنُ مَقْضِيًّا، وَهَذَا خِلاَفُ النَّصِّ.
وَاسْتَدَلُّوا بِالْمَعْقُول بِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي تَعَيُّنِ حَقِّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَحَقُّ الْمُشْتَرِي قَدْ تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ، فَيُسَلِّمُ هُوَ الثَّمَنَ أَوَّلاً، لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ فِيهِ، كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْمَبِيعِ، إِذْ الثَّمَنُ لاَ يَتَعَيَّنُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إِلاَّ بِالْقَبْضِ.
وَصُورَةُ هَذَا: أَنْ يُقَال لِلْبَائِعِ أَحْضِرِ الْمَبِيعَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَإِذَا حَضَرَ قِيل لِلْمُشْتَرِي: سَلِّمِ الثَّمَنَ أَوَّلاً.
36 - وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الْقَوْل ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ: لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ قَبْل نَقْدِ الثَّمَنِ فَسَدَ الْبَيْعُ، لأَِنَّهُ لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ. وَقَال مُحَمَّدٌ: لاَ يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الأَْجَل، حَتَّى لَوْ سَمَّى الْوَقْتَ الَّذِي يُسَلِّمُ فِيهِ الْمَبِيعَ جَازَ. وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ حَتَّى يُحْضِرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ؛ (78) لأَِنَّ تَقْدِيمَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا لاَ تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بِالتَّقْدِيمِ، بَل يَتَقَدَّمُ حَقُّ الْبَائِعِ وَيَتَأَخَّرُ حَقُّ الْمُشْتَرِي، حَيْثُ يَكُونُ الثَّمَنُ بِالْقَبْضِ عَيْنًا مُشَارًا إِلَيْهَا وَالْمَبِيعُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَلأَِنَّ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَدْ هَلَكَ وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي، فَلاَ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إِلاَّ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ أَمْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِحَيْثُ تَلْحَقُهُ الْمُؤْنَةُ بِالإِْحْضَارِ، وَالْمُشْتَرِي إِذَا لَقِيَ الْبَائِعَ فِي غَيْرِ مِصْرِهِمَا، وَطَلَبَ مِنْهُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ كَفِيلاً أَوْ يَبْعَثُ وَكِيلاً يَنْقُدُ الثَّمَنَ لَهُ ثُمَّ يَتَسَلَّمُ الْمَبِيعَ.
لِذَلِكَ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ كُلَّهُ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلاً؛ لأَِنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لاَ يَتَجَزَّأُ، فَكَانَ كُل الْمَبِيعِ مَحْبُوسًا بِكُل جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الثَّمَنِ.
فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلاً، فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ؛ لأَِنَّهُ بِالتَّأْجِيل أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْحَبْسِ.
وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلاً، فَلَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ إِلَى اسْتِيفَاءِ الْحَال. (79)
وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَاقِيَ، لأَِنَّ الإِْبْرَاءَ كَالاِسْتِيفَاءِ. وَلاَ يَسْقُطُ حَقُّ حَبْسِ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ، وَلَوْ أَخَذَ بِالثَّمَنِ كَفِيلاً أَوْ رَهَنَ الْمُشْتَرِي بِهِ رَهْنًا؛ لأَِنَّ هَذَا وَثِيقَةٌ بِالثَّمَنِ فَلاَ يَسْقُطُ حَقُّهُ عَنْ حَبْسِ الْمَبِيعِ لاِسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ. (80)
37 - الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: يَلْزَمُ الْبَائِعَ تَسَلُّمُ الْمَبِيعِ أَوَّلاً.
وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَأَحَدُ أَقْوَال الشَّافِعِيَّةِ، لأَِنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ وَحَقَّ الْبَائِعِ فِي الذِّمَّةِ، فَيُقَدَّمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ، وَهَذَا كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الدُّيُونِ.
وَلأَِنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ لِلثَّمَنِ مُسْتَقِرٌّ، لأَِمْنِهِ مِنْ هَلاَكِهِ وَنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِالْحَوَالَةِ وَالاِعْتِيَاضِ، وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، فَعَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُهُ لِيَسْتَقِرَّ. (81)
38 - الاِتِّجَاهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مَعًا.
وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَال الشَّافِعِيَّةِ.
فَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي إِذَا تَرَافَعَا إِلَى حَاكِمٍ يُجْبَرَانِ؛ لأَِنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا، فَيُلْزِمُ الْحَاكِمُ كُلًّا مِنْهُمَا بِإِحْضَارِ مَا عَلَيْهِ إِلَيْهِ، أَوْ إِلَى عَدْلٍ، فَإِنْ فَعَل سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ وَالْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي، يَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ. (82)
39 - الاِتِّجَاهُ الرَّابِعُ: إِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، وَتَرَافَعَا إِلَى حَاكِمٍ، فَلاَ إِجْبَارَ أَوَّلاً، وَعَلَى هَذَا يَمْنَعُهُمَا الْحَاكِمُ مِنَ التَّخَاصُمِ، فَمَنْ سَلَّمَ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَال الشَّافِعِيَّةِ.
وَذَلِكَ: لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ إِيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَلاَ سَبِيل إِلَى تَكْلِيفِ الإِْيفَاءِ. (83)
وَتَرِدُ هَذِهِ الأَْقْوَال الأَْرْبَعَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَا إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ.
40 - وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ الْحَبْسَ بِخَوْفِ الْفَوْتِ، فَقَالُوا: لِلْبَائِعِ حَبْسُ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ الْحَال كُلَّهُ إِنْ خَافَ فَوْتَهُ بِلاَ خِلاَفٍ، وَكَذَا لِلْمُشْتَرِي حَبْسُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ إِنْ خَافَ فَوْتَ الْمَبِيعِ بِلاَ خِلاَفٍ، لِمَا فِي التَّسْلِيمِ حِينَئِذٍ مِنَ الضَّرَرِ الظَّاهِرِ.
وَإِنَّمَا الأَْقْوَال السَّابِقَةُ فِيمَا إِذَا لَمْ يَخَفِ الْبَائِعُ فَوْتَ الثَّمَنِ، وَكَذَا الْمُشْتَرِي إِذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْمَبِيعِ، وَتَنَازَعَا فِي مُجَرَّدِ الاِبْتِدَاءِ بِالتَّسْلِيمِ؛ لأَِنَّ الإِْجْبَارَ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ بِالْهَرَبِ، أَوْ تَمْلِيكِ الْمَال لِغَيْرِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ.
أَمَّا الثَّمَنُ الْمُؤَجَّل فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ بِهِ، لِرِضَاهُ بِتَأْخِيرِهِ.
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا مَا إِذَا كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلاً، أَوْ وَلِيًّا، أَوْ نَاظِرَ وَقْفٍ، أَوْ الْحَاكِمَ فِي بَيْعِ مَال الْمُفْلِسِ، فَإِنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ بَل لاَ يَجُوزُ لَهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ. فَلاَ يَأْتِي إِلاَّ إِجْبَارُهُمَا أَوْ إِجْبَارُ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ تَبَايَعَ وَلِيَّانِ أَوْ وَكِيلاَنِ لَمْ يَأْتِ سِوَى إِجْبَارِهِمَا.
الْحَوَالَةُ بِالثَّمَنِ هَل تُبْطِل حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ:
41 - قَال أَبُو يُوسُفَ: تُبْطِلُهُ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْحَوَالَةُ مِنَ الْمُشْتَرِي، بِأَنْ أَحَال الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى إِنْسَانٍ وَقَبِل الْمُحَال عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ، أَمْ كَانَتْ مِنَ الْبَائِعِ، بِأَنْ أَحَال الْبَائِعُ غَرِيمًا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي.
وَقَال مُحَمَّدٌ: إِنْ كَانَتِ الْحَوَالَةُ مِنَ الْمُشْتَرِي لاَ تُبْطِل حَقَّ الْحَبْسِ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنَ الْمُحَال عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْبَائِعِ: فَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً لاَ تُبْطِلُهُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِمَا عَلَيْهِ تُبْطِلُهُ.
فَأَبُو يُوسُفَ أَرَادَ بَقَاءَ الْحَبْسِ عَلَى بَقَاءِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَذِمَّتُهُ بَرِئَتْ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيل بِالْحَوَالَةِ، فَيَبْطُل حَقُّ الْحَبْسِ.وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ بَقَاءَ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ لِبَقَاءِ حَقِّ الْحَبْسِ، وَحَقُّ الْمُطَالَبَةِ لَمْ يَبْطُل بِحَوَالَةِ الْمُشْتَرِي، أَلاَ تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُحَال عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْطُل حَقُّ الْحَبْسِ، وَبَطَلَتْ حَوَالَةُ الْبَائِعِ إِذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِمَا عَلَى الْمُحَال عَلَيْهِ فَبَطَل حَقُّ الْحَبْسِ.
قَال الْكَاسَانِيُّ: وَالصَّحِيحُ قَوْل مُحَمَّدٍ، لأَِنَّ حَقَّ الْحَبْسِ فِي الشَّرْعِ يَدُورُ مَعَ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ، لاَ مَعَ قِيَامِ الثَّمَنِ فِي ذَاتِهِ بِدَلِيل: أَنَّ الثَّمَنَ إِذَا كَانَ مُؤَجَّلاً لاَ يَثْبُتُ حَقُّ الْحَبْسِ وَالثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي قَائِمٌ، وَإِنَّمَا سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ، فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ يَتْبَعُ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ لاَ قِيَامَ الثَّمَنِ فِي ذَاتِهِ، وَحَقُّ الْمُطَالَبَةِ فِي حَوَالَةِ الْمُشْتَرِي، وَحَوَالَةُ الْبَائِعِ إِذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فَكَانَ حَقُّ الْحَبْسِ ثَابِتًا، وَفِي حَوَالَةِ الْبَائِعِ إِذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً يَنْقَطِعُ فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْحَبْسِ. (84)
مَصْرُوفَاتُ التَّسْلِيمِ:
42 - أُجْرَةُ كَيَّال الْمَبِيعِ وَوَزَّانِهِ وَذُرَّاعِهِ وَعَادِّهِ.
إِنْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْكَيْل أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الذَّرْعِ أَوْ الْعَدِّ تَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ. قَال الدَّرْدِيرُ: مَا لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ أَوْ عُرْفٌ بِخِلاَفِهِ. لأَِنَّ عَلَيْهِ إِيفَاءَ الْمَبِيعِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلاَّ بِكَيْلِهِ وَوَزْنِهِ وَعَدِّهِ وَلأَِنَّهُ بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ يُمَيِّزُ مِلْكَهُ عَنْ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلأَِنَّهُ كَبَائِعِ الثَّمَرَةِ الَّذِي عَلَيْهِ سَقْيُهَا.
وَأُجْرَةُ كَيَّال الثَّمَنِ وَوَزَّانِهِ وَذُرَّاعِهِ وَعَادِّهِ تَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (85) ؛
لأَِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَتَمْيِيزِ صِفَتِهِ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ، وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَال الصَّاوِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ:
لَوْ تَوَلَّى الْمُشْتَرِي الْكَيْل أَوِ الْوَزْنَ أَوِ الْعَدَّ بِنَفْسِهِ، هَل لَهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ أُجْرَةَ ذَلِكَ أَمْ لاَ؟
وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الدُّسُوقِيُّ أَنَّ لَهُ الأُْجْرَةَ إِذَا كَانَ شَأْنُهُ ذَلِكَ أَوْ سَأَلَهُ الآْخَرُ.
وَأُجْرَةُ إِحْضَارِ الْمَبِيعِ الْغَائِبِ إِلَى مَجْلِسِ الْعَقْدِ عَلَى الْبَائِعِ، وَأُجْرَةُ إِحْضَارِ الثَّمَنِ الْغَائِبِ عَلَى الْمُشْتَرِي، صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ (86) .
43 - أَمَّا أُجْرَةُ النَّقْل الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ الْمَنْقُول فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: أَنَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي. وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الإِْمَامُ أَحْمَدُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ.
قَالُوا: وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ.
الثَّانِي: عَلَى حَسَبِ عُرْفِ الْبَلْدَةِ وَعَادَتِهَا.
وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَا نَصَّتْ عَلَيْهِ الْمَادَّةُ 291 مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ.
أَمَّا الأَْشْيَاءُ الْمَبِيعَةُ جُزَافًا فَمُؤَنُهَا وَمَصَارِيفُهَا عَلَى الْمُشْتَرِي. . مَثَلاً: لَوْ بِيعَتْ ثَمَرَةُ كَرْمٍ جُزَافًا كَانَتْ أُجْرَةُ قَطْعِ تِلْكَ الثَّمَرَةِ وَجَزِّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي.
وَكَذَا لَوْ بِيعَ أَنْبَارُ حِنْطَةٍ مُجَازَفَةً فَأُجْرَةُ إِخْرَاجِ الْحِنْطَةِ مِنَ الأَْنْبَارِ وَنَقْلِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي.
وَهُوَ مُفَادُ الْمَادَّةِ 290 مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ (87) .
وَقِيَاسُهُ أَنْ تَكُونَ مُؤَنُ الثَّمَنِ وَمَصَارِيفُهُ إِنْ كَانَ جُزَافًا عَلَى الْبَائِعِ.
44 - وَاخْتَلَفُوا فِي أُجْرَةِ نَاقِدِ الثَّمَنِ (88) عَلَى الأَْقْوَال الآْتِيَةِ:
1 - أَنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ وَبِهِ قَال الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَوَجْهُهُ:
أَنَّ النَّقْدَ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَهُوَ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ لاِحْتِيَاجِهِ إِلَى تَمَيُّزِ حَقِّهِ وَهُوَ الْجِيَادُ عَنْ غَيْرِ حَقِّهِ، أَوْ لِيَعْرِفَ الْمَعِيبَ لِيَرُدَّهُ.
2 - أَنَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ لأَِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمِ الْجَيِّدِ، وَالْجَوْدَةُ تُعْرَفُ بِالنَّقْدِ، كَمَا يُعْرَفُ الْمِقْدَارُ بِالْوَزْنِ فَكَانَ هُوَ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ.
3 - أَنَّ أُجْرَةَ النَّقْدِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَهُ عَلَى الْمَدِينِ لأَِنَّ عَلَى الْمَدِينِ إِيفَاءَ حَقِّهِ، فَتَكُونُ أُجْرَةُ التَّمْيِيزِ عَلَيْهِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ دَخَل فِي ضَمَانِ رَبِّ الدَّيْنِ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ خِلاَفُ حَقِّهِ، فَيَكُونُ تَمْيِيزُ حَقِّهِ عَلَيْهِ (89) .
هَذَا وَهُنَاكَ أَحْكَامٌ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ تُنْظَرُ فِي مَوَاضِعِهَا مِنْهَا مَا يَلِي:
اخْتِلاَفُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ (ر: دَعْوَى) . وَبَيْعُ جِنْسِ الأَْثْمَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ (ر: صَرْفٌ) .
وَكُل مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ: (ر: خِيَارُ الْعَيْبِ) .
وَالْبَيْعُ بِمِثْل الثَّمَنِ الأَْوَّل (ر: تَوْلِيَةٌ) .
وَالْبَيْعُ بِمِثْل الثَّمَنِ الأَْوَّل مَعَ زِيَادَةٍ (ر: مُرَابَحَةٌ) .
وَالْبَيْعُ بِأَنْقَصَ مِنَ الثَّمَنِ: (ر: وَضِيعَةٌ) .
وَإِشْرَاكُ الْغَيْرِ فِيمَا اشْتَرَاهُ بِأَنْ يَبِيعَهُ نِصْفَهُ مَثَلاً (ر: شَرِكَةٌ (1)) .
الثَّمَنِيَّةُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا (ر: رِبًا) .
__________
(1) لسان العرب وتاج العروس والمصباح والمفردات للراغب الأصفهاني مادة: " ثمن "
(2) البحر الرائق لابن نجيم 5 / 277، والمغني لابن قدامة - ط دار الكتاب العربي ببيروت 4 / 2، وكشاف القناع للبهوتي - تحقيق الشيخ هلال مصيلحي. بيروت 3 / 146، ومغني المحتاج للشربيني 2 / 2، وشرح الزرقاني على سيدي خليل - دار الفكر بيروت 5 / 3
(3) المغرب مادة: " ثمن "، المجلة، المادة / 153، ورد المحتار على الدر المختار لابن عابدين - ط 2 مصرة سنة 1966 - 4 / 575
(4) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 340
(5) مغني المحتاج للشربيني 2 / 3، والمنهج وشرحه والجمل عليه - 3 / 5، والشرح الكبير للدردير 3 / 2، والزرقاني على سيدي خليل 5 / 3، وكشاف القناع 3 / 146 وما بعدها، ومطالب أولي النهى للرحيباني 3 / 4 وما بعدها.
(6) البحر الرائق 5 / 278، ورد المحتار 4 / 504، 505
(7) تبيين الحقائق للزيلعي 4 / 65، والعناية وفتح القدير على الهداية 5 / 234 - طبعة مصطفى محمد بمصر سنة 1356 هـ
(8) مجلة الأحكام العدلية المادة 237 وشرحها لمنير القاضي 1 / 276، ومنحة الخالق على البحر الرائق 5 / 296
(9) درر الحكام شرح مجلة الأحكام - علي حيدر 1 / 185 - طبعة مصورة ببيروت
(10) المقدمات الممهدات 2 / 30، والمجموع 9 / 158، 159 تحقيق المطيعي والأشباه للسيوطي ص / 184، والإنصاف 4 / 309، الاختيارات الفقهية ص / 122
(11) البحر الرائق 5 / 277
(12) رد المحتار 4 / 501، والبحر الرائق 5 / 278.
(13) حديث: " نهى عن ثمن الكلب. . . " أخرجه أبو داود (3 / 754 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث جابر بن عبد الله، وأصله في صحيح مسلم (3 / 1199 ط الحلبي)
(14) حديث: " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 424 ط السلفية) من حديث جابر بن عبد الله
(15) الشرح الكبير للدردير 3 / 10، وشرح الزرقاني 5 / 16، والمنهاج ومغني المحتاج عليه 2 / 11، وكشاف القناع 3 / 152، ومطالب أولي النهى 3 / 12
(16) قال الفراء في قوله ﷿: (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) . (سورة البقرة / 41) . اشتريت ثوبا بكساء، أيهما شئت تجعله ثمنا لصاحبه، لأنه ليس من الأثمان، وما كان ليس من الأثمان مثل الرقيق والدور وجميع العروض فهو على هذا فإذا جئت إلى الدراهم والدنانير
(17) تبيين الحقائق 4 / 145، والبحر الرائق 6 / 221، ورد المحتار 4 / 531، 5 / 272، وفتح القدير 5 / 83، 368، وبدائع الصنائع 7 / 3225
(18) البهجة شرح التحفة 2 / 86، والحطاب 4 / 479، والمجموع شرح المهذب 9 / 262، ومغني المحتاج 2 / 70
(19) مطالب أولي النهى 3 / 185
(20) رد المحتار 5 / 153، وتبيين الحقائق 4 / 141، والمجلة مادة 243، 244، ودرر الأحكام لعلي حيدر 1 / 191، والبحر الرائق 5 / 299، 6 / 218، والعناية 5 / 83، والمنتقى شرح الموطأ 4 / 268، والدسوقي 3 / 155، والمغني مع الشرح الكبير 4 / 169، 175
(21) بدائع الصنائع 7 / 3223 - 3225، والمنتقى شرح الموطأ 4 / 268، والمغني لابن قدامة 4 / 169 وبهامشه الشرح الكبير 4 / 175
(22) بدائع الصنائع 7 / 3224، وفتح القدير 5 / 368، والمهذب 1 / 226، والمجموع 9 / 332 ط المنيرية، والمغني لابن قدامة 4 / 169 وبهامشه الشرح الكبير ص 175، وكشاف القناع 3 / 270، ومطالب أولي النهى 3 / 187
(23) سورة البقرة / 41
(24) سورة يوسف / 20
(25) بدائع الصنائع 7 / 3224، والمغني لابن قدامة 4 / 169، وبهامشة الشرح الكبير ص 175، (لأنه أحد العوضين، فيتعين بالتعيين كالآخر) . المهذب 1 / 266
(26) مطالب أولي النهى 3 / 188، وكشاف القناع 3 / 271
(27) رد المحتار 4 / 505، والبحر الرائق 5 / 279 - 280، وكشاف القناع 3 / 157، ومطالب أولي النهى 3 / 18، والزرقاني والبناني عليه 5 / 16، ومغني المحتاج 2 / 15، والقليوبي 2 / 160
(28) حديث: " لا تبع ما ليس عندك " أخرجه الترمذي وحسنه من حديث حكيم بن حزام (تحفة الأحوذي 4 / 430 - نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة)
(29) كشاف القناع 3 / 157، ومطالب أولي النهى 3 / 18
(30) البحر الرائق 5 / 279 و 280، ورد المحتار 4 / 505، والشرح الكبير للدردير 3 / 10 - 11، والزرقاني 5 / 16، ومغني المحتاج 2 / 12، والقليوبي 2 / 158، وكشاف القناع 3 / 162، ومطالب أولي النهى 3 / 25
(31) حديث: " نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر " أخرجه مسلم (3 / 1153 - ط الحلبي)
(32) مغني المحتاج 2 / 12، وأسنى المطالب 2 / 11
(33) تبيين الحقائق 4 / 5، والبحر الرائق 5 / 294، والدر المختار ورد المحتار عليه 4 / 530، وانظر: المادة 238، 239 من مجلة الأحكام العدلية وفتح القدير 5 / 82، 83
(34) المهذب 1 / 265، 266، ومغني المحتاج 2 / 18
(35) المهذب 1 / 265، 266، ومغني المحتاج 2 / 18
(36) المسكوك: المصوغ بالكيفية الخاصة، والمختوم بختم السلطان / جواهر الإكليل 2 / 8
(37) جواهر الإكليل 2 / 8، والدسوقي 3 / 22
(38) الهداية والعناية عليها 5 / 83، والدر المختار 4 / 529، 5 / 505، وكنز الدقائق - تبيين الحقائق 4 / 4، وانظر توجيه كلام بدائع الصنائع الوارد في 6 / 3053 (إن معرفة وصف المبيع والثمن ليست شرطا لصحة البيع، والجهل بها ليس بمانع من الصحة، لكن شرط اللزوم، فيصح بيع ما لم يره) . المنهاج ومغني المحتاج عليه 2 / 16، والقليوبي 2 / 157 المقدمات الممهدات لابن رشد (الجد) ص 550، بداية المجتهد لابن رشد (الحفيد) 2 / 147، والشرح الكبير للدردير 3 / 15، وجواهر الإكليل 2 / 6، والقوانين لابن جزي ص 272، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 33، وكشاف القناع 3 / 173، ومطالب أولي النهى 3 / 38
(39) فتح القدير 5 / 83، وبدائع الصنائع 6 / 3041، والبحر الرائق 5 / 296
(40) بدائع الصنائع 6 / 3041، والبحر الرائق 5 / 296، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 33، وكشاف القناع 3 / 174، ومطالب أولي النهى 3 / 40، ومغني المحتاج 2 / 16، والمهذب 1 / 266، والشرح الكبير للدردير 3 / 15
(41) بدائع الصنائع 6 / 3042، والبحر الرائق 5 / 296، وابن عابدين 4 / 514، 541، ومنحة الخالق على البحر الرائق 5 / 296، والمهذب 1 / 266، ومغني المحتاج 2 / 17، وأسنى المطالب 2 / 17، والمغني لابن قدامة 4 / 266، وبهامشه الشرح الكبير ص 33، ومطالب أولي النهى 3 / 40، وكشاف القناع 3 / 174.
(42) المغني لابن قدامة 4 / 294
(43) المقدمات الممهدات ص 541، مغني المحتاج جـ 2 / 17، وأسنى المطالب 2 / 17
(44) الهداية والعناية عليها 5 / 88، وتبيين الحقائق 4 / 5، والبحر الرائق 5 / 307، والاختيار 1 / 178، وبدائع الصنائع 6 / 3043، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 34، والزرقاني 5 / 23، وبداية المجتهد 2 / 158
(45) مصادر الحنفية السابقة، والزرقاني 5 / 23، والشرح الكبير للدردير 3 / 15، وبداية المجتهد 2 / 158، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 34، ومطالب أولي النهى 3 / 42، وكشاف القناع 3 / 174، والمهذب 1 / 266، ومغني المحتاج 2 / 17، وأسنى المطالب 2 / 17
(46) المصادر السابقة
(47) الهداية والعناية 5 / 84، وتبيين الحقائق 4 / 5، وانظر الاختيار 1 / 178، وبدائع الصنائع 2 / 3042، والزرقاني 5 / 24، والمنهاج ومغني المحتاج عليه 3 / 17، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 33، ومطالب أولي النهى 3 / 40، وكشاف القناع 3 / 174
(48) الهداية والعناية 5 / 85، وتبيين الحقائق 4 / 5، وتعيين الذهب المصري والمغربي في هذا المثال هو في زمن البابرتي صاحب العناية المتوفى سنة 786 هـ، وفتح القدير 5 / 85، ورد المحتار 4 / 536، 538، وفي بدائع الصنائع 6 / 3043 (وإن كان في البلد نقود غالبة فالبيع فاسد، لأن الثمن مجهول، إذ لبعض ليس بأولى من بعض)
(49) العناية شرح الهداية 5 / 85، والزرقاني 5 / 24، وانظر المقدمات الممهدات ص 550، والمنهاج ومغني المحتاج عليه 2 / 17، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 33، وكشاف القناع 3 / 174، ومطالب أولي النهى 3 / 40
(50) البهجة شرح التحفة 2 / 11، ومغني المحتاج 72، وكشاف القناع 3 / 174
(51) سورة البقرة / 275
(52) حديث: " اشترى رسول الله ﷺ من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعا من حديد " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 433 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1226 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(53) الهداية وفتح القدير 5 / 83 - 84، وتبيين الحقائق 4 / 5، وبدائع الصنائع 7 / 3227، والبحر الرائق 5 / 301، ورد المحتار 4 / 531، والاختيار 1 / 181
(54) جواهر الإكليل 2 / 57، ومغني المحتاج 2 / 120، والمغني لابن قدامة ط الرياض 4 / 349، وكشاف القناع ط عالم الكتب 3 / 234
(55) حديث: " من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 429 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1227 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عباس، واللفظ لمسلم
(56) الهداية وفتح القدير والعناية 5 / 84، وانظر علة الإفضاء إلى المنازعة في: تبيين الحقائق 4 / 5، والبحر الرائق 5 / 301، ورد المحتار 4 / 531
(57) البحر الرائق 5 / 281، 301، 302، ورد المحتار 4 / 505 - 531، وفتح القدير 5 / 84
(58) المقدمات الممهدات ص 542 - 550، وانظر بداية المجتهد 2 / 147، والمهذب 1 / 266، وكشاف القناع 3 / 194، وفتح القدير 5 / 84
(59) البحر الرائق 5 / 301، والدر المختار مع رد المحتار 4 / 532
(60) البحر الرائق 5 / 301، وانظر الدر المختار مع رد المحتار 4 / 532
(61) البحر الرائق 5 / 303، ورد المحتار 4 / 536، ومغني المحتاج للشربيني 3 / 17، والمدونة 4 / 222
(62) الهدية مع الفتح 5 / 270، وتبيين الحقائق 4 / 83، والبحر الرائق 6 / 129، ورد المحتار 5 / 154، والاختيار 1 / 181، وبدائع الصنائع 7 / 3281، والدسوقي 3 / 35، و 1165، وهامش الفروق 3 / 290
(63) فتح القدير مع الهداية 5 / 270
(64) سورة النساء / 24
(65) حديث: " زن وأرجح " أخرجه النسائي (7 / 284 - ط المكتبة التجارية) والحاكم (4 / 192 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث سويد بن قيس، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي)
(66) العناية على الهداية 5 / 271، وبدائع الصنائع 7 / 3283، والوازن هو الذي يزن الثمن ليدفعه للبائع
(67) العناية على الهداية 5 / 271، وبدائع الصنائع 7 / 3283، والوازن هو الذي يزن الثمن ليدفعه للبائع
(68) المجموع 9 / 370، والمهذب 1 / 296، والجمل 3 / 85، وشرح منتهى الإرادات 2 / 151، 183، 446، وكشاف القناع 3 / 234
(69) الهدية وفتح القدير عليها 5 / 270 - 271
(70) العناية 5 / 271، وتبيين الحقائق 834، 84، والبحر الرائق 6 / 130، ورد المحتار 5 / 155
(71) تبيين الحقائق 4 / 82 - 83، ومغني المحتاج 2 / 69، والهداية والعناية وفتح القدير 5 / 269، والبحر الرائق 6 / 129، والدر المختار ورد المحتار عليه 5 / 152، والاختيار ص 181، وبدائع الصنائع 7 / 3226
(72) مغني المحتاج 2 / 69، والمجموع 9 / 263
(73) الحطاب 4 / 482، والدسوقي 3 / 329، والفروق 3 / 279 - 280
(74) شرح منتهى الإرادات 2 / 189
(75) الاختيار 2 / 8، وابن عابدين 4 / 44، والزيلعي 4 / 14، والبناية على الهداية 6 / 255، والبدائع 7 / 3234
(76) جواهر الإكليل 2 / 10، والحطاب 4 / 305، ومغني المحتاج 2 / 74، والقليوبي 2 / 218، والشرح الكبير مع المغني 4 / 113
(77) حديث: " الدين مقضي " أخرجه الترمذي (3 / 556 - ط الحلبي) من حديث أبي أمامة وحسنه
(78) تبيين الحقائق 4 / 14، والاختيار 1 / 180، وبدائع الصنائع 7 / 3233، 3260، والبحر الرائق 5 / 331، ومغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420
(79) بدائع الصنائع 7 / 3233 - 3234، 3261 - 3262، وفتح القدير 5 / 108، والشلبي على تبيين الحقائق 4 / 14
(80) فتح القدير 5 / 108 - 109، والشلبي على تبيين الحقائق 4 / 14.
(81) مغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420، والروض وأسنى المطالب عليه 2 / 89، وبدائع الصنائع 7 / 3260، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 13، 113
(82) مغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420، وبدائع الصنائع 7 / 2260، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 113.
(83) مغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420
(84) بدائع الصنائع 7 / 3264، وفتح القدير 5 / 109، ورد المحتار 4 / 561
(85) مغني المحتاج 2 / 75، وتحفة المحتاج 4 / 423، والجمل 3 / 177.
(86) فتح القدير 5 / 108، وهو مفاد المادة 288 و 289 من مجلة الأحكام العدلية، وشرح المجلة لمنير القاضي 1 / 253، ومغني المحتاج 2 / 73، والمغني لابن قدامة 4 / 220، والشرح الصغير للدردير والصاوي عليه 3 / 197، والشرح الكبير بحاشية الدسوقي 3 / 130 ط التجارية.
(87) فتح القدير 5 / 108، والصاوي على الشرح الصغير للدردير 3 / 197، ومغني المحتاج 2 / 73.
(88) مغني المحتاج 2 / 73، والمغني لابن قدامة 4 / 220، وشرح المجلة لمنير القاضي 1 / 254، وأنبار الطعام واحدها (نبر) ومعنى الأنبار: جماعة الطعام من البر والتمر والشعير. انظر: " مختار الصحاح مادة: (نبر) .
(89) وأجرة نقد الثمن: هي التي تعطى للناقد (الصيرفي أو نحوه) ليميز النقود الزيوف من غيرها. والنقد: تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها، وكذا تمييز غيرها / تاج العروس مادة: (نقد) وانظر: عبارات البحر الرائق 5 / 331.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 25/ 15
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".