الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
المرأة الحُبْلَى التي تحمل في بطنها الولد . ويطلق على الحائل . ومن أمثلته المرأة الحامل عدتها وضع حملها، لقوله تَعَالَى : ﱫﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﱪ الطلاق :4.
المرأة الحُبْلَى التي تحمل في بطنها الولد.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْحَامِل فِي اللُّغَةِ الْحُبْلَى وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ حَمَل الشَّيْءَ حَمْلاً، وَالْحَمْل أَيْضًا مَا يُحْمَل فِي الْبَطْنِ مِنَ الْوَلَدِ وَجَمْعُهُ أَحْمَالٌ وَحِمَالٌ، يُقَال: حَمِلَتِ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَ وَحَمَلَتْ بِهِ عَلِقَتْ فَهِيَ حَامِلٌ بِغَيْرِ هَاءٍ؛ لأَِنَّهَا صِفَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالإِْنَاثِ، وَرُبَّمَا قِيل: حَامِلَةٌ. وَتُسْتَعْمَل فِي كُل أُنْثَى مِنَ الإِْنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ. يُقَال: حَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، وَكُل بَهِيمَةٍ تَلِدُ حَبَلاً إِذَا حَمِلَتْ بِالْوَلَدِ، فَهِيَ حُبْلَى. وَقَال بَعْضُهُمُ: الْحَبَل مُخْتَصٌّ بِالآْدَمِيَّاتِ، وَأَمَّا الْحَمْل فَيَشْمَل الآْدَمِيَّاتِ وَالْبَهَائِمَ وَالشَّجَرَ، وَيُقَال فِيهَا: (حَمْلٌ) بِالْمِيمِ. (1)
أَمَّا حَمْل الْمَتَاعِ فَيُقَال فِيهِ: حَامِلٌ لِلذَّكَرِ، وَحَامِلَةٌ بِالْهَاءِ لِلأُْنْثَى؛ لأَِنَّهَا صِفَةٌ مُشْتَرَكَةٌ، وَالْحِمْل: مَا يُحْمَل عَلَى الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ. (2)
وَتُنْظَرُ أَحْكَامُ حَمْل الْمَتَاعِ فِي مُصْطَلَحِ: (حَمْلٌ) (وَإِجَارَةٌ) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْحَائِل:
2 - الْحَائِل هِيَ الأُْنْثَى الَّتِي لَمْ تَحْمِل فَهِيَ مُقَابِل الْحَامِل. (3)
أَحْكَامُ الْحَامِل:
أَوَّلاً: بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ:
دَمُ الْحَامِل:
3 - الْغَالِبُ عَدَمُ نُزُول الدَّمِ مِنَ الْحَامِل؛ لأَِنَّ فَمَ الرَّحِمِ يَنْسَدُّ بِالْحَبَل عَادَةً، وَلاَ يَنْفَتِحُ إِلاَّ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ حَيْثُ يَنْدَفِعُ النِّفَاسُ. فَإِذَا رَأَتِ الْحَامِل دَمًا حَال الْحَمْل وَقَبْل الْمَخَاضِ يَكُونُ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْقَوْل الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ اعْتَبَرُوا الدَّمَ النَّازِل مِنَ الْحَامِل قَبْل وِلاَدَتِهَا بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ نِفَاسًا.
وَالاِسْتِحَاضَةُ لاَ تُسْقِطُ الصَّلاَةَ، وَلاَ تُحَرِّمُ الصَّوْمَ اتِّفَاقًا، وَلاَ الْجِمَاعَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، بِخِلاَفِ النِّفَاسِ الَّذِي يُسْقِطُ الصَّلاَةَ وَيُحَرِّمُ الصَّوْمَ وَالْوَطْءَ. (4)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ إِلَى أَنَّ الدَّمَ النَّازِل مِنَ الْحَامِل يُعْتَبَرُ حَيْضًا يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَالصَّلاَةَ وَالْوَطْءَ، لَكِنَّهُ لاَ يُحْسَبُ مِنْ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ. (5)
أَمَّا الدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِل بَيْنَ الْوِلاَدَتَيْنِ فِي أَقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَفِيهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ رَأْيَانِ: الأَْوَّل: أَنَّهُ دَمُ نِفَاسٍ يَمْنَعُ الصَّوْمَ، وَالصَّلاَةَ، وَالْوَطْءَ؛ لأَِنَّهُ دَمٌ خَارِجٌ عَقِيبَ الْوِلاَدَةِ. وَهَذَا رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. الثَّانِي: أَنَّهُ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ لاَ يَمْنَعُ مِنَ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْجِمَاعِ؛ لأَِنَّ النِّفَاسَ يَتَعَلَّقُ بِوَضْعِ مَا فِي الْبَطْنِ وَهِيَ لاَ تَزَال حُبْلَى، وَهَذَا رَأْيُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ يَكُونُ بِوِلاَدَةِ الثَّانِي؛ لأَِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ وَلَمْ يَحْصُل بِوِلاَدَةِ الأَْوَّل. (6) وَتَفْصِيل هَذِهِ الْمَسَائِل فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِحَاضَةٌ ف 22 - 25) وَتَوْأَمٌ (ج 14 103) وَانْظُرْ أَيْضًا مُصْطَلَحَ: (حَيْضٌ، نِفَاسٌ) .
إِفْطَارُ الْحَامِل فِي رَمَضَانَ:
4 - يَجُوزُ لِلْحَامِل أَنْ تُفْطِرَ إِنْ خَافَتْ ضَرَرًا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ عَلَى نَفْسِهَا وَوَلَدِهَا، وَيَجِبُ ذَلِكَ إِذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا هَلاَكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ بِلاَ فِدْيَةٍ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَاتَّفَقُوا كَذَلِكَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ إِذَا أَفْطَرَتِ الْحَامِل خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا؛ لأَِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ. (7)
وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهَا الْفِدْيَةُ كَذَلِكَ إِذَا أَفْطَرَتْ خَوْفًا عَلَى وَلَدِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّ الْحَمْل مُتَّصِلٌ بِالْحَامِل، فَالْخَوْفُ عَلَيْهِ كَالْخَوْفِ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهَا، وَلأَِنَّ الْفِدْيَةَ ثَبَتَتْ عَلَى الشَّيْخِ الْفَانِي بِخِلاَفِ الْقِيَاسِ؛ لأَِنَّهُ لاَ مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ، وَالْفِطْرُ بِسَبَبِ الْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ. (8)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَهُمْ: إِذَا أَفْطَرَتِ الْحَامِل خَوْفًا عَلَى وَلَدِهَا فَعَلَيْهَا مَعَ الْقَضَاءِ الْفِدْيَةُ (طَعَامُ مِسْكِينٍ عَنْ كُل يَوْمٍ) ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (9) أَنَّهُ نُسِخَ حُكْمُهُ إِلاَّ فِي حَقِّ الْحَامِل وَالْمُرْضِعِ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلاَدِهِمَا. (10) نِكَاحُ الْحَامِل:
5 - الْحَامِل مِنْ غَيْرِ الزِّنَى، أَيْ مَنْ كَانَ حَمْلُهَا ثَابِتَ النَّسَبِ لاَ يَصِحُّ نِكَاحُهَا لِغَيْرِ مَنْ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ قَبْل وَضْعِ الْحَمْل بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّ الْحَمْل إِذَا كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنَ الْغَيْرِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَمْ فَاسِدٍ أَمْ وَطْءِ شُبْهَةٍ لَزِمَ حِفْظُ حُرْمَةِ مَائِهِ بِالْمَنْعِ مِنَ النِّكَاحِ، وَلأَِنَّ عِدَّةَ الْحَامِل لاَ تَنْتَهِي إِلاَّ بِوَضْعِ الْحَمْل، وَلاَ يَجُوزُ نِكَاحُ مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} (11) أَيْ مَا كُتِبَ عَلَيْهَا مِنَ التَّرَبُّصِ. (12)
وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحَامِل الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ بَيْنُونَةً صُغْرَى لِمَنْ لَهُ الْحَمْل أَيِ الزَّوْجِ السَّابِقِ؛ لأَِنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الزَّوْجِ فَلاَ يُمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِ.
أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا (الْبَائِنُ بَيْنُونَةً كُبْرَى) فَلاَ يَجُوزُ نِكَاحُهَا إِلاَّ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْل اتِّفَاقًا. (13)
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ نِكَاحِ الْحَامِل مِنْ زِنًى: فَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ يَجُوزُ نِكَاحُهَا قَبْل وَضْعِ الْحَمْل، لاَ مِنَ الزَّانِي نَفْسِهِ وَلاَ مِنْ غَيْرِهِ؛ وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ : لاَ تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ (14) .
وَلِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَجُلاً تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمَّا أَصَابَهَا وَجَدَهَا حُبْلَى فَرَفَعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا (15) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُ الْحَامِل مِنَ الزِّنَى؛ لأَِنَّ الْمَنْعَ مِنْ نِكَاحِ الْحَامِل حَمْلاً ثَابِتَ النَّسَبِ لِحُرْمَةِ مَاءِ الْوَطْءِ، وَلاَ حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَى بِدَلِيل أَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ (16) . وَلاَ تُشْتَرَطُ التَّوْبَةُ لِصِحَّةِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ رَجُلاً وَامْرَأَةً فِي الزِّنَى وَحَرَصَ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا. (17) وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ التَّوْبَةَ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْحَامِل مِنَ الزِّنَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ} . . . إِلَى قَوْلِهِ: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (18) وَهِيَ قَبْل التَّوْبَةِ فِي حُكْمِ الزِّنَى، فَإِذَا تَابَتْ زَال ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ (19) .
وَمَعَ الْقَوْل بِجَوَازِ نِكَاحِ الْحَامِل مِنَ الزِّنَى فَلاَ فَرْقَ فِي حِل نِكَاحِهَا لِلزَّانِي وَغَيْرِهِ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَامِل إِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ مَنْ زَنَى بِهَا لاَ يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَضَعَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلاَ يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ (20) " وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (عِدَّةٌ، نِكَاحٌ، زِنًى) .
وَإِذَا تَزَوَّجَهَا مَنْ لَهُ الْحَمْل جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُونَ نِكَاحَهَا (21) . طَلاَقُ الْحَامِل:
6 - يَصِحُّ طَلاَقُ الْحَامِل رَجْعِيًّا وَبَائِنًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَيُعْتَبَرُ طَلاَقُهَا طَلاَقَ السُّنَّةِ إِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً عَنْ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، أَوْ ثَلاَثًا يَفْصِل بَيْنَ كُل تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَانْظُرْ (طَلاَقٌ) .
فَإِذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا صَحَّ رُجُوعُ الزَّوْجِ إِلَيْهَا أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ. وَيَصِحُّ لَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ إِذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا بِطَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا طَلَّقَهَا ثَلاَثًا حَيْثُ لاَ يَجُوزُ نِكَاحُهَا مُطْلَقًا إِلاَّ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْل، وَلاَ تَحِل لِمُطَلِّقِهَا ثَلاَثًا إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. (22)
وَإِذَا عَلَّقَ الطَّلاَقَ بِحَمْلٍ كَأَنْ قَال: إِنْ كُنْتِ حَامِلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ وَقَعَ الطَّلاَقُ فِي الْحَال عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِلاَّ فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَعَ مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ؛ لِثُبُوتِ الْحَمْل؛ إِذْ أَقَل مُدَّتِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. (23)
أَمَّا إِذَا وَلَدَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي بَحْثِ: (طَلاَقٌ) .
عِدَّةُ الْحَامِل:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ عِدَّةَ الْحَامِل وَضْعُ الْحَمْل؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولاَتُ الأَْحْمَال أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (24) . وَلأَِنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْعِدَّةِ تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِوَضْعِ الْحَمْل. (25) وَفِي بَعْضِ صُوَرِ الْعِدَّةِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (عِدَّةٌ) .
نَفَقَةُ الْحَامِل:
8 - تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْحَامِل الْمُطَلَّقَةِ طَلاَقًا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، (26) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (27) .
9 - وَفِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلْحَامِل النَّاشِزِ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ:
قَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْحَامِل النَّاشِزِ؛ لأَِنَّ النَّفَقَةَ حَيْثُ لَمْ تَحْمِل خَاصَّةٌ لَهَا فَتَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ، وَمَعَ حَمْلِهَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لَهَا وَلِلْحَمْل. وَعَدَمُ سُقُوطِ النَّفَقَةِ بِنُشُوزِ الْحَامِل إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْل نَفْسِهِ، وَالْحَامِل طَرِيقُ وُصُول النَّفَقَةِ إِلَيْهِ لأَِنَّهُ يَتَغَذَّى بِغِذَاءِ أُمِّهِ. (28)
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ نَفَقَةَ الْحَامِل تَسْقُطُ بِنُشُوزِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا لاَ لِلْحَمْل؛ لأَِنَّهَا لَوْ كَانَتْ لَهُ لَتَقَدَّرَتْ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ، وَلأَِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ لَمَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَإِذَا كَانَ أَصْل النَّفَقَةِ لَهَا لاَ لِلْحَمْل فَتَسْقُطُ بِنُشُوزِهَا. (29)
وَعَلَى هَذَا الْخِلاَفِ بَنَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ حُكْمَ الْحَامِل مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، فَإِذَا قِيل: إِنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْل فَعَلَى الزَّوْجِ أَوِ الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ النَّفَقَةُ؛ لأَِنَّهُ وَلَدُهُ فَلَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ، كَمَا بَعْدَ الْوَضْعِ، وَإِنْ قِيل لِلْحَامِل: لاَ تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ وَلاَ عَلَى الزَّوْجِ مُدَّةَ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ. (30)
10 - أَمَّا الْحَامِل الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِمَوْتِ الزَّوْجِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ) لِحَدِيثِ: لَيْسَ لِلْحَامِل الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَةٌ (31) ، وَلأَِنَّ الْمَيِّتَ إِنْ كَانَ لَهُ مِيرَاثٌ انْتَقَل إِلَى الْوَرَثَةِ، فَنَفَقَةُ الْحَمْل نَصِيبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِيرَاثٌ لَمْ يَلْزَمْ وَارِثَ الْمَيِّتِ الإِْنْفَاقُ عَلَى حَمْل امْرَأَتِهِ كَمَا بَعْدَ الْوِلاَدَةِ.
وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: لَهَا النَّفَقَةُ فِي جَمِيعِ الْمَال. (32)
11 - أَمَّا الْحَامِل مِنَ الزِّنَى فَعِنْدَ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ نِكَاحِهَا إِنْ تَزَوَّجَهَا الزَّانِي يَحِل وَطْؤُهَا وَلَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ لاَ يَجُوزُ وَطْؤُهَا اتِّفَاقًا، وَلاَ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ؛ لأَِنَّ النَّفَقَةَ وَإِنْ وَجَبَتْ مَعَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ لَكِنْ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنَ الدُّخُول مِنْ جِهَتِهَا، وَهُنَا يُوجَدُ مَانِعٌ. (33)
خُرُوجُ جَمِيعِ الْحَمْل:
12 - الْوَضْعُ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ انْفِصَال جَمِيعِ الْحَمْل، حَتَّى إِذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ، فَتَصِحُّ مُرَاجَعَتُهَا وَلاَ تَحِل لِلأَْزْوَاجِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ) . وَقَال ابْنُ وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهَا تَحِل بِوَضْعِ ثُلُثَيِ الْحَمْل بِنَاءً عَلَى تَبَعِيَّةِ الأَْقَل لِلأَْكْثَرِ. (34)
وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ يَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلاَ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ. . . وَلاَ تَحِل لِلأَْزْوَاجِ أَيْضًا؛ لأَِنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْكُل فِي حَقِّ انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ احْتِيَاطًا، وَلاَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُل فِي حَقِّ حِلِّهَا لِلأَْزْوَاجِ احْتِيَاطًا. (35)
13 - وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَمْل إِذَا كَانَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا إِلاَّ بِوَضْعِ الآْخَرِ؛ لأَِنَّ الْحَمْل اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ، وَالْعِدَّةُ شُرِعَتْ لِمَعْرِفَةِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْحَمْل، فَإِذَا عُلِمَ وُجُودُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ فَقَدْ تَيَقَّنَ وُجُودُ الْمُوجِبِ لِلْعِدَّةِ، وَانْتَفَتِ الْبَرَاءَةُ الْمُوجِبَةُ لاِنْقِضَائِهَا. (36) وَهَذَا إِذَا كَانَ بَيْنَ وَضْعِ الْحَمْل الأَْوَّل وَالأَْخِيرِ أَقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَمَّا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ (37) يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (عِدَّةٌ) . 14 - وَالْمُرَادُ بِالْحَمْل الَّذِي تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ وَلَوْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ مُضْغَةً تُصُوِّرَتْ، وَلَوْ صُورَةً خَفِيَّةً تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الثِّقَاتِ مِنَ الْقَوَابِل، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) . وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مُضْغَةً لَمْ تُتَصَوَّرْ لَكِنْ شَهِدَ الثِّقَاتُ مِنَ الْقَوَابِل أَنَّهَا مَبْدَأُ خِلْقَةِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَتْ لَتُصُوِّرَتْ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِحُصُول بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِهِ. (38)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لاَ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ؛ لأَِنَّ الْحَمْل اسْمٌ لِنُطْفَةٍ مُتَغَيِّرَةٍ، فَإِذَا كَانَ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً لَمْ تَتَغَيَّرْ وَلَمْ تُتَصَوَّرْ فَلاَ يُعْرَفُ كَوْنُهَا مُتَغَيِّرَةً إِلاَّ بِاسْتِبَانَةِ بَعْضِ الْخَلْقِ.
أَمَّا إِذَا أَلْقَتْ نُطْفَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ دَمًا أَوْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لاَ صُورَةَ فِيهَا فَلاَ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِهِ عِنْدَهُمْ. (39)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَ دَمًا اجْتَمَعَ بِحَيْثُ إِذَا صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْحَارُّ لَمْ يَذُبْ يُعْتَبَرُ حَمْلاً تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ. (40)
وَتَفْصِيل هَذِهِ الْمَسَائِل فِي مُصْطَلَحِ: (عِدَّةٌ) . تَصَرُّفَاتُ الْحَامِل:
15 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّ الْحَامِل لَهَا أَهْلِيَّةٌ تَامَّةٌ وَلاَ تُحَدُّ تَصَرُّفَاتُهَا بِسَبَبِ الْحَمْل، وَلاَ تُعْتَبَرُ مَرِيضَةً مَرَضَ الْمَوْتِ إِلاَّ إِذَا جَاءَهَا الطَّلْقُ؛ (41) لأَِنَّهُ أَلَمٌ شَدِيدٌ يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ، فَأَشْبَهَتْ صَاحِبَ سَائِرِ الأَْمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ. وَأَمَّا قَبْل ذَلِكَ فَلاَ أَلَمَ بِهَا، وَاحْتِمَال وُجُودِهِ خِلاَفُ الْعَادَةِ، فَلاَ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِاحْتِمَالِهِ الْبَعِيدِ، كَمَا لاَ يُعْتَبَرُ احْتِمَال الإِْسْقَاطِ فِي كُل سَاعَةٍ. (42)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِلَى أَنَّ الْحَامِل بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تُعْتَبَرُ مَرِيضَةً مَرَضَ الْمَوْتِ؛ لأَِنَّهَا تَتَوَقَّعُ الْوِلاَدَةَ كُل سَاعَةٍ.
وَيَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ لِلْحَجْرِ عَلَى الْحَامِل أَنْ تَكُونَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ بِيَوْمٍ كَامِلٍ عَلَى الأَْقَل، فَلَوْ تَبَرَّعَتْ بَعْدَ السِّتَّةِ وَقَبْل تَمَامِ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِي السَّابِعِ بِأَنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ كَانَ تَبَرُّعُهَا مَاضِيًا. (43) وَحَيْثُ اعْتُبِرَتِ الْحَامِل مَرِيضَةً مَرَضَ الْمَوْتِ، يَنْفُذُ تَبَرُّعُهَا بِمَا لاَ يَزِيدُ عَنِ الثُّلُثِ، كَالْوَصِيَّةِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ مَرَضِ الْمَوْتِ. (44)
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي بَحْثِ: (مَرَضُ الْمَوْتِ) .
اسْتِيفَاءُ الْحُدُودِ مِنَ الْحَامِل:
16 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى حَامِلٍ حَتَّى تَضَعَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَمْل مِنْ زِنًى أَمْ غَيْرِهِ، فَلاَ تُقْتَل إِذَا ارْتَدَّتْ، وَلاَ تُرْجَمُ إِذَا زَنَتْ، وَلاَ تُقْطَعُ إِذَا سَرَقَتْ، وَلاَ تُجْلَدُ إِذَا قَذَفَتْ أَوْ شَرِبَتْ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ ﵁ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي غَامِدٍ قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ، طَهِّرْنِي، قَال وَمَا ذَاكِ؟ قَالَتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ زِنًى. قَال: أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَال لَهَا: ارْجِعِي حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ، قَال: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الأَْنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، قَال: فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَال: إِذًا لاَ نَرْجُمُهَا، وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ تُرْضِعُهُ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَْنْصَارِ فَقَال: إِلَيَّ إِرْضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَال: فَرَجَمَهَا (45) .
وَلأَِنَّ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا فِي حَال حَمْلِهَا إِتْلاَفًا لِمَعْصُومٍ، وَلاَ سَبِيل إِلَيْهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْحَدُّ رَجْمًا أَمْ غَيْرَهُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ تَلَفُ الْوَلَدِ مِنْ سِرَايَةِ الضَّرْبِ وَالْقَطْعِ، وَرُبَّمَا سَرَى إِلَى نَفْسِ الْمَضْرُوبِ وَالْمَقْطُوعِ، فَيَفُوتُ الْوَلَدُ بِفَوَاتِهِ. (46)
فَإِذَا وَضَعَتِ الْوَلَدَ، فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا لاَ يُؤَخَّرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ يَتَكَفَّل بِرَضَاعِهِ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لاَ تُحَدُّ حَتَّى تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ، وَهُوَ اللَّبَنُ أَوَّل النِّتَاجِ لاِحْتِيَاجِ الْوَلَدِ إِلَيْهِ غَالِبًا. أَمَّا إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ يَتَكَفَّل بِرَضَاعِهِ تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. (47)
وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا، فَإِذَا وَضَعَتِ الْوَلَدَ وَانْقَطَعَ النِّفَاسُ وَكَانَتْ قَوِيَّةً يُؤْمَنُ تَلَفُهَا أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَتْ فِي نِفَاسِهَا أَوْ ضَعِيفَةً يُخَافُ عَلَيْهَا التَّلَفُ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهَا الْحَدُّ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَقْوَى، فَيُسْتَوْفَى الْحَدُّ عَلَى وَجْهِ الْكَمَال مِنْ غَيْرِ خَوْفِ فَوَاتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ) ؛ لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّ الْمَرْأَةَ انْطَلَقَتْ فَوَلَدَتْ غُلاَمًا، فَجَاءَتْ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ فَقَال لَهَا: انْطَلِقِي فَتَطَهَّرِي مِنَ الدَّمِ (48) . وَالتَّعْزِيرُ بِالْجَلْدِ وَنَحْوِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَدِّ جَلْدًا مِنْ حَيْثُ التَّأْخِيرُ وَعَدَمُهُ. (49)
وَيُعْتَبَرُ قَوْلُهَا إِنِ ادَّعَتِ الْحَمْل عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِقَبُول النَّبِيِّ ﷺ قَوْل الْغَامِدِيَّةِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يُقْبَل قَوْلُهَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا، بَل بِظُهُورِ أَمَارَاتِ الْحَمْل. وَمِثْل الْحُدُودِ حُكْمُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَالأَْطْرَافِ. (50) (ر: حَدٌّ، قِصَاصٌ) .
الاِعْتِدَاءُ عَلَى الْحَامِل:
17 - الاِعْتِدَاءُ عَلَى الْحَامِل بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ جَرِيمَةٌ كَالاِعْتِدَاءِ عَلَى أَيِّ إِنْسَانٍ يُنْظَرُ حُكْمُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (جِنَايَةٌ) فَإِذَا تَسَبَّبَ الاِعْتِدَاءُ فِي سُقُوطِ الْجَنِينِ مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ اتِّفَاقًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَضَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةِ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ. فَقَضَى رَسُول اللَّهِ ﷺ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْل عَلَى عَصَبَتِهَا (51) . وَتَجِبُ الْغُرَّةُ أَيْضًا إِذَا أَسْقَطَتْهُ الْحَامِل بِدَوَاءٍ أَوْ فِعْلٍ كَضَرْبِ بَطْنِهَا مَثَلاً. وَالْغُرَّةُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ قِيمَتُهَا نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ أُمِّ الْجَنِينِ، تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، خِلاَفًا لِلْحَنَابِلَةِ وَمَنْ مَعَهُمْ إِذَا كَانَ الاِعْتِدَاءُ عَمْدًا حَيْثُ يَقُولُونَ بِوُجُوبِهَا فِي مَال الْجَانِي. (ر غُرَّةٌ) .
18 - وَإِذَا أَلْقَتْ بِهِ حَيًّا حَيَاةً مُحَقَّقَةً بِأَنِ اسْتَهَل صَارِخًا مَثَلاً ثُمَّ مَاتَ بِسَبَبِ الاِعْتِدَاءِ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ وَكَفَّارَةٌ اتِّفَاقًا، إِذَا كَانَ الاِعْتِدَاءُ خَطَأً، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ عَمْدًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ) .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ إِذَا كَانَ عَمْدًا. (52) وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (إِجْهَاضٌ، جَنِينٌ، غُرَّةٌ) .
مَوْتُ الْحَامِل وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ:
19 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - وَهُوَ قَوْل سُحْنُونٍ وَابْنِ يُونُسَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ - بِأَنَّ الْحَامِل إِذَا مَاتَتْ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ شُقَّ بَطْنُهَا وَيُخْرَجُ وَلَدُهَا؛ لأَِنَّهُ اسْتِبْقَاءُ حَيٍّ بِإِتْلاَفِ جُزْءٍ مِنَ الْمَيِّتِ، فَأَشْبَهَ مَا إِذَا اضْطُرَّ إِلَى أَكْل جُزْءٍ مِنَ الْمَيِّتِ، وَإِحْيَاءُ نَفْسٍ أَوْلَى مِنْ صِيَانَةِ مَيِّتٍ، وَلأَِنَّهُ يَجُوزُ شَقُّ بَطْنِ الْمَيِّتِ لإِِخْرَاجِ مَال الْغَيْرِ مِنْهُ، فَلإِِبْقَاءِ الْحَيِّ أَوْلَى. (53)
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يُبْقَرُ بَطْنُ حَامِلٍ عَنْ جَنِينٍ، وَلَوْ رُجِيَ خُرُوجُهُ حَيًّا؛ لأَِنَّ هَذَا الْوَلَدَ لاَ يَعِيشُ عَادَةً وَلاَ يَتَحَقَّقُ أَنْ يَحْيَا، فَلاَ يَجُوزُ هَتْكُ حُرْمَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ لأَِمْرٍ مَوْهُومٍ، (54) وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ (55) .
وَفَصَّل النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَال: إِنْ رُجِيَ حَيَاةُ الْجَنِينِ وَجَبَ شَقُّ بَطْنِهَا وَإِخْرَاجُهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ، فَإِنْ لَمْ تُرْجَ حَيَاتُهُ فَثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا لاَ تُشَقُّ لَكِنَّهَا لاَ تُدْفَنُ حَتَّى يَمُوتَ الْجَنِينُ. (56) وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ قُدِرَ عَلَى إِخْرَاجِهِ بِحِيلَةٍ غَيْرِ شَقِّ الْبَطْنِ، كَأَنْ يَسْطُوَ عَلَيْهِ الْقَوَابِل فَيُخْرِجْنَهُ فُعِل. أَمَّا إِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا وَهِيَ حَيَّةٌ جَازَ قَطْعُ الْجَنِينِ لإِِنْقَاذِ حَيَاةِ الأُْمِّ بِلاَ خِلاَفٍ. (57) (ر. إِجْهَاضٌ) .
غُسْل وَتَكْفِينُ الْحَامِل:
20 - إِنْ مَاتَتِ امْرَأَةٌ كَافِرَةٌ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ مُسْلِمٍ فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِجَوَازِ أَنْ يُغَسِّلَهَا وَيُكَفِّنَهَا الْمُسْلِمُ، وَالْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي جَوَازِ الْغُسْل شَامِلٌ لِسَائِرِ الْكُفَّارِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ تَغْسِيل وَتَكْفِينُ الْكَافِرِ وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا؛ لأَِنَّ الْغُسْل تَعْظِيمٌ لِلْمَيِّتِ وَتَطْهِيرٌ لَهُ، وَالْكَافِرُ لاَ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَلَمْ يُعْثَرْ فِي كَلاَمِهِمْ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْحَامِل إِذَا مَاتَتْ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ مِنْ مُسْلِمٍ.
وَيُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمُ الْجَوَازِ مُطْلَقًا؛ حَيْثُ قَالُوا: بِعَدَمِ حُرْمَةِ جَنِينِ الْحَامِل حَتَّى يُولَدَ صَارِخًا. هَذَا، وَلاَ يَجُوزُ الصَّلاَةُ عَلَيْهَا وَلاَ الدُّعَاءُ لَهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. (58) دَفْنُ الْحَامِل:
21 - إِذَا مَاتَتِ الْحَامِل وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ يُؤَجَّل دَفْنُهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ وَلَدُهَا بِشَقِّ الْبَطْنِ أَوْ بِحِيلَةٍ إِنْ رُجِيَ خُرُوجُهُ حَيًّا أَوْ يُتَيَقَّنُ مَوْتُهُ، عَلَى التَّفْصِيل السَّابِقِ. (59)
وَصَرَّحَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِتَأْخِيرِ دَفْنِهَا وَلَوْ تَغَيَّرَتْ لِئَلاَّ يُدْفَنَ الْحَمْل حَيًّا. (60)
وَالأَْصْل أَنَّ الْمَيِّتَ يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا، وَفِي مَقَابِرِ الْكُفَّارِ إِذَا كَانَ كَافِرًا، وَلِهَذَا صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - بِأَنَّ الْحَامِل الْكَافِرَةَ تُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ وَلَوْ كَانَ فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ مِنْ مُسْلِمٍ بِشُبْهَةٍ، أَوْ نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ، أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَسْلَمَ زَوْجُهَا؛ وَذَلِكَ لِعَدَمِ حُرْمَةِ جَنِينِهَا حَتَّى يُولَدَ صَارِخًا.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْل وَاثِلَةَ بْنِ الأَْسْقَعِ: تُدْفَنُ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ؛ لأَِنَّهَا كَافِرَةٌ لاَ تُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَتَأَذَّوْا بِعَذَابِهَا، وَلاَ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ؛ لأَِنَّ وَلَدَهَا مُسْلِمٌ فَيَتَأَذَّى بِعَذَابِهِمْ. (61) وَنُقِل عَنِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلٌ بِدَفْنِهَا فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْوَلَدِ. (62)
وَيُجْعَل ظَهْرُهَا إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَانِبِهَا الأَْيْسَرِ لِيَكُونَ وَجْهُ الْجَنِينِ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَانِبِهِ الأَْيْمَنِ، قَالُوا: لأَِنَّ وَجْهَ الْجَنِينِ إِلَى ظَهْرِهَا. (63)
ثَانِيًا: حَمْل الْحَيَوَانِ:
الْحَامِل مِنَ الْحَيَوَانِ لَهَا بَعْضُ الأَْحْكَامِ ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي مَبَاحِثِ التَّذْكِيَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالأُْضْحِيَّةِ وَالْبَيْعِ. وَفِيمَا يَلِي مُجْمَلُهَا.
أ - فِي التَّذْكِيَةِ:
22 - إِذَا ذُبِحَ الْحَيَوَانُ وَوُجِدَ فِي بَطْنِهِ جَنِينٌ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ كَامِل الْخِلْقَةِ فَلاَ يَحِل، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مَيِّتًا وَيُعْلَمُ أَنَّ مَوْتَهُ كَانَ قَبْل تَذْكِيَةِ أُمِّهِ بِلاَ خِلاَفٍ.
وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً لاَ يَحِل إِلاَّ بِالتَّذْكِيَةِ اتِّفَاقًا؛ لأَِنَّهُ نَفْسٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَلاَ بُدَّ مِنْ ذَكَاتِهَا.
أَمَّا إِنْ خَرَجَ بَعْدَ تَذْكِيَةِ الْحَامِل مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلَمَ مَوْتُهُ قَبْل التَّذْكِيَةِ، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ تَذْكِيَةِ أُمِّهِ فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ) عَلَى أَنَّهُ يَحِل أَكْلُهُ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ (64) . وَلأَِنَّ الْجَنِينَ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَال خِلْقَةٍ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا، وَيُبَاعُ بِبَيْعِهَا، فَتَكُونُ ذَكَاتُهُ بِذَكَاتِهَا كَأَعْضَائِهَا. (65) وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: لاَ يَحِل حَتَّى يَخْرُجَ حَيًّا فَيُذَكَّى؛ لأَِنَّهُ حَيَوَانٌ يَنْفَرِدُ بِحَيَاتِهِ، فَلاَ يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ غَيْرِهِ كَمَا بَعْدَ الْوَضْعِ. (66)
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (أَطْعِمَةٌ، وَتَذْكِيَةٌ) .
ب - فِي الزَّكَاةِ وَالأُْضْحِيَّةِ:
23 - لَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ الْحَامِل فِي زَكَاةِ الْحَيَوَانِ؛ لِقَوْل عُمَرَ ﵁: " لاَ تُؤْخَذُ الرُّبَّى وَلاَ الْمَاخِضُ وَلاَ الأَْكُولَةُ " (67) وَالْمَاخِضُ هِيَ الْحَامِل. وَإِنْ تَطَوَّعَ رَبُّ الْمَال بِإِخْرَاجِهَا جَازَ أَخْذُهَا، وَلَهُ ثَوَابُ الْفَضْل، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. (68) وَلَمْ يَذْكُرْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَمْل عَيْبًا فِي الأُْضْحِيَّةِ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ، حَيْثُ صَرَّحُوا بِعَدَمِ إِجْزَائِهَا فِي الأُْضْحِيَّةِ؛ لأَِنَّ الْحَمْل يُفْسِدُ الْجَوْفَ وَيُصَيِّرُ اللَّحْمَ رَدِيئًا. (69) (ر: زَكَاةٌ، أُضْحِيَّةٌ) .
ج - فِي الْبَيْعِ:
24 - يَجُوزُ بَيْعُ الْحَامِل مَعَ جَنِينِهَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَلاَ يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْل فِي الْبَيْعِ أَوْ ذِكْرُ ثَمَنٍ مُسْتَقِلٍّ لِلْجَنِينِ فِي الْعَقْدِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّ مِنْ شُرُوطِ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا حِينَ الْعَقْدِ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَضَامِينِ وَالْمَلاَقِيحِ، أَيْ مَا فِي أَصْلاَبِ الْفُحُول وَمَا فِي أَرْحَامِ الأَْنْعَامِ وَالْخَيْل مِنَ الأَْجِنَّةِ. وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ بَيْعُ حَبَل الْحَبَلَةِ أَيْ نِتَاجِ النِّتَاجِ، (70) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلاَقِيحِ وَحَبَل الْحَبَلَةِ (71) .
__________
(1) المصباح المنير، ولسان العرب، مادتي: (حول، وحبل) .
(2) متن اللغة، والمصباح المنير، ولسان العرب مادة: (حمل) وفتح القدير 6 / 266، وابن عابدين 2 / 116.
(3) المصباح المنير، ولسان العرب، مادتي: (حول وحبل) وابن عابدين 2 / 609، وحاشية الجمل على شرح المنهج 5 / 481.
(4) فتح القدير 1 / 165، 167، والبدائع 1 / 176، 4 / 65، والدسوقي 1 / 169، 170، والمجموع 2 / 384، 386، والمغني 1 / 339، 350، 361 - 362.
(5) الدسوقي 1 / 170، والمجموع 2 / 384 - 386.
(6) المراجع السابقة.
(7) الاختيار 1 / 135، وجواهر الإكليل 1 / 135، وتحفة المحتاج 3 / 429، 430، والمغني لابن قدامة 3 / 139.
(8) ابن عابدين 2 / 116، 117، وفتح القدير 2 / 276، والدسوقي 1 / 536.
(9) سورة البقرة / 184.
(10) تحفة المحتاج 3 / 442، وأسنى المطالب 1 / 428، 429، والمغني 3 / 139، 140.
(11) سورة البقرة / 235.
(12) البدائع 2 / 269، وابن عابدين 2 / 291، 262، وجواهر الإكليل 1 / 276، وحاشية الدسوقي 2 / 218، والجمل 4 / 455، 471، 472، والمغني 6 / 601.
(13) المراجع السابقة.
(14) حديث: " لا توطأ حامل حتى تضع " أخرجه أبو داود (2 / 614 - ط عزت عبيد الدعاس) . والبيهقي (7 / 449 - ط دار المعرفة) والحاكم (2 / 195 - ط دار الكتاب العربي) من حديث أبي سعيد الخدري. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وأقره الذهبي.
(15) ابن عابدين 2 / 291، وجواهر الإكليل 1 / 276، وكشاف القناع 5 / 82، 83، وحديث: " أن رجلا تزوج امرأة فلما أصابها. . . " أخرجه سعيد بن منصور (1 / 176 - 177 - ط علمي بريس) مرسلا عن سعيد بن المسيب. والبيهقي (7 / 157 - ط دار المعرفة) مرسلا وموصولا عن رجل من الأنصار. وفيه ابن جريج وقد عنعن.
(16) حديث: " الولد للفراش، وللعاهر الحجر " أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 32 - ط السلفية) ومسلم (2 / 1080 - ط عيسى الحلبي) من حديث عائشة.
(17) البدائع 2 / 269، وابن عابدين 2 / 291، 292، والجمل 4 / 455، 456، 471، 472.
(18) سورة النور / 3.
(19) المغني 6 / 601 - 603، وكشاف القناع 5 / 82، 83. وحديث: " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " أخرجه ابن ماجه (2 / 1419 - 1420 - ط عيسى الحلبي) من حديث عبد الله بن مسعود. وأخرجه البيهقي (10 / 154 - ط دار المعرفة) . من حديث أبي عتبة الخولاني.
(20) حديث: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر. . . " أخرجه أبو داود (2 / 615 - ط عزت عبيد الدعاس) والترمذي (3 / 437 - ط مصطفى الحلبي) من حديث رافع بن ثابت. وقال: حديث حسن.
(21) المراجع السابقة
(22) ابن عابدين 2 / 419، والاختيار 3 / 122، وحاشية القليوبي 3 / 348، وحاشية الجمل على شرح المنهج 4 / 359، و 360، والمدونة الكبرى 2 / 420، والمغني 7 / 105 - 107، وكشاف القناع 5 / 242.
(23) المراجع السابقة، والقليوبي 3 / 354.
(24) سورة الطلاق / 4.
(25) ابن عابدين 2 / 603، 604، وجواهر الإكليل 1 / 364، وحاشية الدسوقي 2 / 474، وحاشية الجمل 4 / 445، 446، والمغني 7 / 474، 475.
(26) ابن عابدين 2 / 669، وجواهر الإكليل 1 / 604، والقليوبي 4 / 81، والمغني 7 / 606 - 608.
(27) سورة الطلاق / 6.
(28) جواهر الإكليل 1 / 404، والزرقاني 4 / 251، وحاشية الجمل 4 / 504، والمغني 7 / 608، 609.
(29) حاشية القليوبي 4 / 80، 81، وحاشية الجمل 4 / 504، 505، والمغني 7 / 608، و 609.
(30) المراجع السابقة وشرح المنهج بحاشية الجمل 4 / 504.
(31) حديث: " ليس للحامل المتوفى عنها زوجها نفقة " أخرجه الدارقطني في سننه (4 / 21 - ط دار المحاسن بمصر) من حديث جابر بن عبد الله، وأعله شمس الحق العظيم آبادي، بتدليس راو فيه.
(32) ابن عابدين 2 / 670، وحاشية الدسوقي 2 / 515، وحاشية القليوبي 4 / 80، 81، والمغني لابن قدامة 7 / 608.
(33) فتح القدير 2 / 381.
(34) الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه 2 / 604، وحاشية الدسوقي 2 / 474، وحاشية القليوبي 4 / 42 - 44، وحاشية الجمل 4 / 446، والمغني لابن قدامة 7 / 280، 474.
(35) ابن عابدين 2 / 604.
(36) ابن عابدين 2 / 64، وحاشية الدسوقي 2 / 474، وحاشية الجمل 4 / 446، والمغني لابن قدامة 7 / 474، 475.
(37) نفس المراجع.
(38) ابن عابدين 2 / 604، وحاشية القليوبي 4 / 43، 44، والمغني 7 / 476، 477.
(39) نفس المراجع.
(40) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي 2 / 474.
(41) الطلق: وجع الولادة، أي الوجع الذي لا يسكن حتى تلد أو تموت. وقيل: وإن سكن، لأن الوجع يسكن تارة، ويهيج أخرى. (المصباح المنير، وابن عابدين 2 / 524) .
(42) ابن عابدين 2 / 524، وتبيين الحقائق للزيلعي 2 / 249، وحاشية القليوبي 3 / 164، ونهاية المحتاج 6 / 63، وكشاف القناع 4 / 325، والمغني لابن قدامة 6 / 86.
(43) جواهر الإكليل 2 / 101، 102، والمغني لابن قدامة 6 / 86، وحاشية الدسوقي 3 / 306.
(44) ابن عابدين 2 / 521 - 524،، والمراجع السابقة.
(45) حديث: " المرأة من بني غامد. . . " أخرجه مسلم (3 / 1321 - 1323 - ط عيسى الحلبي) من حديث بريدة.
(46) ابن عابدين 3 / 13، 148، ومواهب الجليل مع التاج والإكليل 6 / 253، وجواهر الإكليل 2 / 263، وحاشية القليوبي 4 / 124، 183، وروضة الطالبين 9 / 226، والمغني لابن قدامة 8 / 171، 172.
(47) المراجع السابقة.
(48) حديث: " أن المرأة انطلقت. . . " سبق تخريجه بهذا المعنى ف / 16.
(49) ابن عابدين 3 / 148، وكشاف القناع 6 / 82، والقليوبي 4 / 183، والمغني 8 / 172.
(50) المراجع السابقة، وابن عابدين 3 / 13، وجواهر الإكليل 2 / 263، ومواهب الجليل مع التاج والإكليل 6 / 253، والقليوبي 4 / 124.
(51) حديث: " قضى رسول الله ﷺ في جنين امرأة. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1309 - ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(52) ابن عابدين 5 / 377، 379، وحاشية القليوبي 4 / 159، وجواهر الإكليل 2 / 267، 272، وأسنى المطالب 4 / 89، وبداية المجتهد 2 / 407، والمغني لابن قدامة 7 / 299، 300، 811 - 815.
(53) رد المحتار على الدر المختار 1 / 602، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 429، والمهذب للشيرازي 1 / 145.
(54) حاشية الدسوقي 1 / 429، وجواهر الإكليل 1 / 117، والمغني لابن قدامة 2 / 551.
(55) حديث: " كسر عظم الميت ككسر عظم الحي. . . " أخرجه أحمد (6 / 105 - ط المكتب الإسلامي) وأبو داود (3 / 543 - ط عزت عبيد الدعاس) وابن ماجه (1 / 1616 - ط عيسى الحلبي) من حديث عائشة ﵂. قال ابن حجر: حسنه ابن القطان. وذكر القشيري (أي ابن دقيق العيد) أنه على شرط مسلم. أهـ. تلخيص الحبير 3 / 54 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(56) المجموع للنووي 5 / 302، ونهاية المحتاج 3 / 39. ملحوظة: العمدة في هذه المسألة قول ثقات الأطباء، فإن غلب على الظن أن الجنين يحيا يجوز إخراجه بشق البطن، بل يجب.
(57) المراجع السابقة (اللجنة) .
(58) البدائع 1 / 303، وجواهر الإكليل 1 / 116، 117، وحاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 1 / 426، 427، 430، والمجموع للنووي 5 / 144، 153، وكشاف القناع 2 / 126.
(59) ابن عابدين 1 / 602، والفواكه الدواني 1 / 351، ونهاية المحتاج 3 / 39، والمغني لابن قدامة 2 / 551.
(60) نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي عليها 3 / 39.
(61) البدائع 1 / 303، وحاشية الجمل 2 / 199، والمغني 2 / 563.
(62) البدائع 1 / 303.
(63) المراجع السابقة.
(64) حديث: " ذكاة الجنين ذكاة أمه " أخرجه أبو داود (3 / 253 - ط عزت عبيد الدعاس) والحاكم (4 / 114 - ط دار الكتاب العربي) من حديث جابر بن عبد الله. وقال: (حديث صحيح على شرط مسلم) .
(65) ابن عابدين 5 / 193، وجواهر الإكليل 1 / 216، ومواهب الجليل 3 / 227، وحاشية الجمل 5 / 270، والقليوبي 4 / 262، وكشاف القناع 6 / 209، والمغني 8 / 579.
(66) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 193.
(67) الربى التي وضعت وهي تربي ولدها. والماخض الحامل التي قد حان ولادها.
(68) المجموع 5 / 426 - 428، والمغني 2 / 601.
(69) المجموع 5 / 526 - 528.
(70) فتح القدير 6 / 50، والبدائع 5 / 238، وحاشية الدسوقي 3 / 57، وحاشية الجمل 3 / 70، والقليوبي 2 / 157، والمغني لابن قدامة 4 / 276.
(71) حديث: " نهى عن بيع المضامين. . . " أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11 / 230 - ط الوطن العربي) . والبزار (2 / 87 - ط مؤسسة الرسالة) من حديث ابن عباس. وأخرجه مالك في الموطأ (2 / 654 - ط عيسى الحلبي) مرسلا عن سعيد بن المسيب. وقال ابن حجر: أخرجه عبد الرزاق عن ابن عمر بإسناد قوي. أهـ. تلخيص الحبير (3 / 12 - ط شركة الطباعة الفنية) .
الموسوعة الفقهية الكويتية: 270/ 16