القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
أن يكون المبيع متعدداً، فيُجعل الخيارُ في البعض . كأن أن يشتري أحد الشيئين على أن يتم تعيين المعقود عليه منهما فيما بعد . ومن شواهده قول الزيلعي : "وإن مات المشتري في مدة الخيار، يبطل خيار الشرط، ويبقى خيار التعيين للوارث، فلا يكون له إلا رد أحدهما ".
أن يكون المبيع متعدداً، فيُجعل الخيارُ في البعض.
التَّعْرِيفُ:
1 - سَبَقَ فِي مُصْطَلَحِ (خِيَارٍ) تَعْرِيفُ الْخِيَارِ، وَأَمَّا التَّعْيِينُ: فَهُوَ مَصْدَرٌ قِيَاسِيٌّ لِلْفِعْل الْمَزِيدِ (عَيَّنَ) يُقَال: عَيَّنْتُ الشَّيْءَ، وَعَيَّنْتُ عَلَيْهِ، وَاسْتِعْمَالُهُمَا وَاحِدٌ، فَمِنَ الأَْوَّل - وَهُوَ الأَْلْيَقُ بِهَذَا الْمَوْضُوعِ - مَا جَاءَ فِي الْمَعَاجِمِ مِنْ أَنَّ تَعْيِينَ الشَّيْءِ مَعْنَاهُ تَخْصِيصُهُ مِنَ الْجُمْلَةِ، كَمَا قَال الْجَوْهَرِيُّ. وَمِنَ الثَّانِي: عَيَّنْتُ عَلَى السَّارِقِ: خَصَصْتُهُ مِنْ بَيْنِ الْمُتَّهَمِينَ، مَأْخُوذٌ مِنْ (عَيْنِ) الشَّيْءِ، أَيْ نَفْسِهِ وَذَاتِهِ. (1)
أَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَقَدْ عَرَّفَ الْحَنَفِيَّةُ الْبَيْعَ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ التَّعْيِينِ بِأَنَّهُ: شِرَاءُ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوِ الثَّلاَثَةِ عَلَى أَنْ يُعَيِّنَ أَيًّا شَاءَ. أَمَّا تَعْرِيفُ الْخِيَارِ فَيُمْكِنُ اسْتِخْلاَصُ التَّعْرِيفِ التَّالِي لَهُ وَهُوَ: أَنَّهُ (حَقُّ الْعَاقِدِ فِي تَعْيِينِ أَحَدِ الأَْشْيَاءِ الَّتِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى أَحَدِهَا شَائِعًا، خِلاَل مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ) . وَصُورَتُهُ: أَنْ يَقُول الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: بِعْتُكَ أَحَدَ هَذِهِ الأَْثْوَابِ الثَّلاَثَةِ وَلَكَ الْخِيَارُ فِي أَيِّهَا شِئْتَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ، سَوَاءٌ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ مِنَ الْبَائِعِ أَوِ الْمُشْتَرِي. (2)
تَسْمِيَتُهُ:
2 - يُسَمَّى (خِيَارُ التَّعْيِينِ) بِاسْمٍ آخَرَ هُوَ (خِيَارُ التَّمْيِيزِ) وَقَدْ أَطْلَقَهُ عَلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ فِي مُنَاسَبَةِ مُقَارَنَتِهِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ قَائِلاً عَنْهُ: وَخِيَارُ التَّمْيِيزِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ. وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِالتَّعْبِيرِ الْمُسْهَبِ دُونَ تَسْمِيَتِهِ. وَيُسَمِّي الْمَالِكِيَّةُ الْعَقْدَ الْمُشْتَمِل عَلَيْهِ: بَيْعَ الاِخْتِيَارِ. (3)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
خِيَارُ الشَّرْطِ:
3 - هُنَاكَ صُورَةٌ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا مِنْ صُوَرِ خِيَارِ التَّعْيِينِ، مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ فِي شَيْءٍ، وَهِيَ مَا إِذَا بَاعَهُ ثَلاَثَةَ أَثْوَابٍ عَلَى أَنَّ لَهُ خِيَارَ الشَّرْطِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا لاَ فِي الْجَمِيعِ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِبَارَةٌ عَنْ خِيَارِ شَرْطٍ فِي أَحَدِ أَفْرَادِ الْمَبِيعِ، يَتَّضِحُ ذَلِكَ مِنْ كَوْنِ الْمَقْصُودِ بِالْبَيْعِ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ وَاحِدًا، وَهُنَا الْبَيْعُ مُنْصَبٌّ عَلَى الثَّلاَثَةِ، وَلَكِنْ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْمُتَعَدِّدِ خِيَارٌ لَمْ يُعَيَّنْ مَحَلُّهُ، وَهِيَ مِنَ الصُّوَرِ الْفَاسِدَةِ. (4)
وَهَذِهِ صُورَةٌ أُخْرَى مِنَ الاِخْتِيَارِ لاَ الْخِيَارِ، مَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ فَعَلَيْهِ اخْتِيَارُ أَرْبَعَةٍ فَقَطْ.
وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْل الاِخْتِيَارِ فَإِنَّ " الْخِيَارَ " لاَ يَنْتَقِل إِلَى الْوَارِثِ. (5) وَهُوَ كَمَا يَبْدُو لَيْسَ خِيَارًا بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإِْمْضَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ قِيَامُ الْمُكَلَّفِ بِالاِخْتِيَارِ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَهُوَ يُشْبِهُ خِيَارَ التَّعْيِينِ لَكِنَّهُ ثَبَتَ حُكْمًا لاَ بِالشَّرْطِ، كَمَا أَنَّ الْوَاقِعَةَ الْمُوَلِّدَةَ لِلْخِيَارِ غَيْرُ عَقْدِيَّةٍ.
خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي الثَّمَنِ:
4 - أَكْثَرُ مَا يُذْكَرُ لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ مَا يَكُونُ فِي الْمَبِيعِ، وَلَكِنْ هُنَاكَ خِيَارٌ يَتَّصِل بِتَعْيِينِ الثَّمَنِ، لاَ يُكْتَفَى بِذِكْرِ الْخِيَارِ فِيهِ، وَهُوَ مَا إِذَا بَاعَ شَيْئًا إِلَى أَجَلَيْنِ، أَوْ بَاعَهُ إِلَى أَجَلٍ أَوْ حَالًّا، بِثَمَنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَتَرَكَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ. فَهُنَا ذَكَرَ ثَمَنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَتَرَكَ لَهُ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا مَعَ مَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ حُلُولٍ أَوْ تَأْجِيلٍ.
وَهَذِهِ الصُّورَةُ مِنَ التَّعَاقُدِ مَشْهُورَةٌ فِي الْمَذَاهِبِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ إِذَا لَمْ يَفْتَرِقَا عَلَى التَّعْيِينِ فِي الْمَجْلِسِ. وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 - ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل بِمَشْرُوعِيَّةِ هَذَا الْخِيَارِ كُلٌّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ سَبَقَ شَيْءٌ مِنِ اهْتِمَامِهِمْ بِهِ، وَقَدْ عَقَدُوا لَهُ فَصْلاً مِنْ بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى ثُبُوتِ الْعَقْدِ عَلَى أَحَدِ أَشْيَاءَ لاَ بِعَيْنِهِ، وَتَعْرِيفُهُ وَصُورَتُهُ أَنَّهُ: " بَيْعٌ جَعَل فِيهِ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي التَّعْيِينَ لِمَا اشْتَرَاهُ، كَأَبِيعُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ عَلَى الْبَتِّ بِدِينَارٍ وَجَعَلْتُ لَكَ يَوْمًا (أَوْ يَوْمَيْنِ) تَخْتَارُ فِيهِ وَاحِدًا مِنْهُمَا " وَلَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لاَ صِلَةَ لَهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الأَْخْذِ وَالرَّدِّ.
وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ لاَزِمٌ وَسَمَّوْهُ (بَيْعَ الاِخْتِيَارِ) تَمْيِيزًا لَهُ عَنِ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ الَّذِي يُسَمَّى أَحْيَانًا (بَيْعَ الْخِيَارِ) وَجَعَلُوا بَيْنَهُمَا تَقَابُلاً، لأَِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ خِيَارٌ فِي الْعَقْدِ " أَحَدُهَا لاَزِمٌ لَهُ، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ فِي التَّعْيِينِ وَلاَ يَرُدُّ إِلاَّ أَحَدَهُمَا ". (6)
وَأَشَارَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ (الاِخْتِيَارَ) قَدْ يُجَامِعُ الْخِيَارَ وَقَدْ يَنْفَرِدُ عَنْهُ فَيَكُونُ هُنَاكَ بَيْعُ خِيَارٍ فَقَطْ (وَهُوَ خِيَارُ الشَّرْطِ الْمَعْرُوفِ) ، وَبَيْعُ اخْتِيَارٍ فَقَطْ (وَهُوَ الْمُسَمَّى خِيَارُ التَّعْيِينِ) وَبَيْعُ خِيَارٍ وَاخْتِيَارٍ وَهُوَ " بَيْعٌ جَعَل فِيهِ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الاِخْتِيَارَ فِي التَّعْيِينِ، وَبَعْدَهُ هُوَ فِيمَا يُعَيِّنُهُ بِالْخِيَارِ فِي الأَْخْذِ وَالرَّدِّ ". وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ انْتَبَهُوا إِلَى اسْتِبْعَادِ اخْتِيَارِ التَّعْيِينِ مِنْ صَعِيدِ (الْخِيَارِ) لاِشْتِرَاطِهِمْ تَوْقِيتَهُ، فِي حِينِ فَصَّل الْحَنَفِيَّةُ بِأَنْ جَعَلُوا اشْتِرَاطَ التَّوْقِيتِ قَاصِرًا عَلَى حَال تَجَرُّدِ خِيَارِ التَّعْيِينِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ. يُضَافُ لِذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي كُتُبِهِمُ الأُْولَى - غَالِبًا - مُلاَبِسًا لِخِيَارِ الشَّرْطِ مُقْتَرِنًا بِهِ، لِذَا لَمْ تَحْفِل عِبَارَاتُهُمْ بِالاِحْتِرَازِ مِنْهُ. (7)
وَذَكَرَ ابْنُ مُفْلِحٍ أَنَّهُ قَال بِهِ أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْمُفْرَدَاتِ - وَقَوْلُهُ مُخَالِفٌ لِجُمْهُورِهِمْ - وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَمَثَّلُوا لَهُ بِنَحْوِ بَيْعِ شَاةٍ مُبْهَمَةٍ فِي شِيَاهٍ إِنْ تَسَاوَتِ الْقِيمَةُ. (8)
هَؤُلاَءِ مُثْبِتُوهُ، وَأَمَّا نُفَاتُهُ فَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ - إِلاَّ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَصِحُّ (فِي مِثْل الصُّورَةِ السَّابِقَةِ لَدَى أَبِي حَنِيفَةَ) . قَال النَّوَوِيُّ: وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ - وَالشَّافِعِيَّةُ حِينَ مَنَعُوهُ جَعَلُوهُ مِنْ مَسَائِل جَهَالَةِ عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَنَصُّوا عَلَى بُطْلاَنِهِ، سَوَاءٌ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ مُتَعَدِّدٍ، أَوْ وَقَعَ عَلَى الْكُل إِلاَّ وَاحِدًا، وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ كَذَلِكَ، مَعَ تَنْصِيصِهِمْ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ وَلَوْ تَسَاوَتْ قِيمَةُ الأَْشْيَاءِ الْمُخْتَارِ مِنْهَا (9) وَفِي ذَلِكَ نِزَاعٌ (صِلَتُهُ بِكِفَايَةِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ وَلاَ صِلَةَ لَهُ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ) . وَاسْتَدَل الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا لِمَنْعِهِ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ وَالثُّنْيَا، وَقَدْ نَهَى ﷺ عَنِ الثُّنْيَا إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ. (10) وَلأَِنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ وَيُفْضِي إِلَى التَّنَازُعِ.
دَلِيل مَشْرُوعِيَّةِ خِيَارِ التَّعْيِينِ:
6 - احْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ لِمَشْرُوعِيَّتِهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لأَِنَّهُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ فِيهِ الشَّرْعُ، وَهُوَ خِيَارُ الشَّرْطِ فَجَازَ إِلْحَاقًا بِهِ، لأَِنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إِلَى دَفْعِ الْغَبْنِ، وَالْحَاجَةُ إِلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْبَيْعِ مُتَحَقِّقَةٌ، فَكَانَ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَبِالرَّغْمِ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ ثَبَتَ اسْتِحْسَانًا عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ، وَالْمَقْصُودُ مَبْدَأُ الْقِيَاسِ عُمُومًا، أَمَّا دَلِيلُهُ فَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ، لأَِنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ نَفْسَهُ ثَبَتَ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ اللُّزُومُ. وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ جَهَالَةٍ لاَ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ لاِسْتِقْلاَل الْمُشْتَرِي بِالتَّعْيِينِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مُنَازِعٌ فِيمَا يَخْتَارُ (11) .
شَرَائِطُ قِيَامِ خِيَارِ التَّعْيِينِ:
أ - ذِكْرُ شَرْطِ التَّعْيِينِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ:
7 - لاَ بُدَّ مِنْ ذِكْرِ شَرْطِ التَّعْيِينِ فِي الإِْيجَابِ وَالْقَبُول بِنَحْوِ عِبَارَةِ: عَلَى أَنَّكَ بِالْخِيَارِ فِي أَيِّهِمَا شِئْتَ، أَوْ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ أَيَّهَا شِئْتَ، لِيَكُونَ نَصًّا فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ وَإِلاَّ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا لِلْجَهَالَةِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ (الْخِيَارِ) بَل يَكْفِي مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنْ تَحْتَفِظَ بِأَحَدِهَا وَتُعِيدَ الْبَاقِيَ. (12)
ب - أَنْ يَكُونَ مَحَل الْخِيَارِ مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ:
8 - الْقِيَمِيُّ هُنَا مَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ، أَوْ مَا لاَ يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ فِي الأَْسْوَاقِ، أَوْ يُوجَدُ لَكِنْ مَعَ التَّفَاوُتِ الْمُعْتَدِّ بِهِ فِي الْقِيمَةِ، أَمَّا الْمِثْلِيَّاتُ الْمُخْتَلِفَةُ الْجِنْسِ فَقَدْ أُلْحِقَتْ بِالْقِيَمِيِّ، وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ الْمُتَّفِقُ الْجِنْسِ فَلاَ يَصِحُّ. لأَِنَّ الْحَاجَةَ (الَّتِي شُرِعَ لأَِجْلِهَا) هِيَ فِي التَّفَاوُتِ. بِخِلاَفِ الْمِثْلِيَّاتِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَهُ فِيهَا لاَ فَائِدَةَ فِيهِ، وَمِنْ قَبِيل الْعَبَثِ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُتَفَاوِتَةً فِيمَا بَيْنَهَا.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مُتَّفِقًا أَوْ مُخْتَلِفًا، فِي حِينِ اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ مِنَ الْقَائِلِينَ بِهِ تَسَاوِيَ تِلْكَ الأَْشْيَاءِ فِي الْقِيمَةِ. (13)
ج - أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ الْخِيَارِ مَعْلُومَةً:
9 - هَذَا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ لِعَدَمِ الْجَدْوَى. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ يَجُوزُ زِيَادَتُهَا عَنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَأَطْلَقَ الصَّاحِبَانِ الْمُدَّةَ عَلَى أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً، وَرَجَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ فَرَّقَ الْبَابَرْتِيُّ وَالزَّيْلَعِيُّ بَيْنَ الأَْخْذِ بِرَأْيِ مَنِ اسْتَلْزَمَ لِخِيَارِ التَّعْيِينِ خِيَارَ الشَّرْطِ، فَلاَ بَأْسَ عَلَى هَذَا مِنْ عَدَمِ تَوْقِيتِهِ لإِِغْنَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ عَنْهُ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْل بِجَوَازِ أَنْ يَعْرَى عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ فَلاَ بُدَّ مِنَ التَّوْقِيتِ. (14) د - عَدَمُ زِيَادَةِ الأَْفْرَادِ الْمُخْتَارِ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلاَثَةٍ:
10 - فَلاَ يَجُوزُ - عَلَى هَذِهِ الشَّرِيطَةِ - أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِيَارُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ، لاِنْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِذَلِكَ، لاِشْتِمَال الثَّلاَثَةِ عَلَى الْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ وَالرَّدِيءِ. (وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ فِي وَاحِدٍ مِنِ اثْنَيْنِ بِطَرِيقِ الأَْوْلَى) قَالُوا: وَالزَّائِدُ يَقَعُ مُكَرَّرًا غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ، وَقَدْ شُرِعَ لِلْحَاجَةِ. (15)
هـ - الْعَدَدُ الْمُخْتَارُ مِنَ الْعَاقِدِ:
11 - هَل يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَزِيدَ الْعَدَدُ الْمُخْتَارُ مِنَ الْعَاقِدِ عَلَى وَاحِدٍ أَيْ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اخْتِيَارُهُ أَمْ لَهُ اخْتِيَارُ اثْنَيْنِ (مَثَلاً) ؟ لَمْ نَرَ لِلْحَنَفِيَّةِ فِيهِ نَصًّا، لَكِنَّ الصُّوَرَ الَّتِي ذَكَرُوهَا قَائِمَةٌ عَلَى اخْتِيَارٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ إِلاَّ بِوَاحِدٍ عَلَى مَا قَال الْحَطَّابُ (16) .
و اقْتِرَانُهُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ:
12 - هَذَا الْخِيَارُ وَثِيقُ الصِّلَةِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ، بَل هُوَ مُتَفَرِّعٌ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَشْرُوعِيَّتُهُ وَمُعْظَمُ أَحْكَامِهِ، كَالْمُدَّةِ وَالسُّقُوطِ، وَلِذَا يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي أَثْنَاءِ بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ. وَبِالرَّغْمِ مِنْ هَذَا هُوَ خِيَارٌ مُسْتَقِلٌّ، وَسَبَبُ ارْتِبَاطِهِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ إِمَّا غَلَبَةُ اشْتِرَاطِهِ مَعَهُ لِيَكُونَ الْعَقْدُ فِي أَصْلِهِ غَيْرَ لاَزِمٍ بِحَيْثُ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْجَمِيعِ، وَإِمَّا عَلَى الْقَوْل بِاشْتِرَاطِ اقْتِرَانِهِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ. وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِمُحَمَّدٍ. وَهُنَاكَ رَأْيٌ آخَرُ لِلْحَنَفِيَّةِ بَعْدَ تَرْجِيحِ اشْتِرَاطِهِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (17) .
مَنْ يُشْتَرَطُ لَهُ الْخِيَارُ (صَاحِبُ الْخِيَارِ) :
13 - يُمْكِنُ اشْتِرَاطُ هَذَا الْخِيَارِ لأَِيٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي إِذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ أَيًّا شَاءَ مِنَ الأَْشْيَاءِ الْمُمَيَّزِ بَيْنَهَا بِالثَّمَنِ الْمُبَيَّنِ لَهُ. فَصَاحِبُ الْخِيَارِ هُنَا هُوَ الْمُشْتَرِي وَإِلَيْهِ التَّعْيِينُ، وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ إِذَا ذَكَرَا فِي الْعَقْدِ أَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الَّذِي يَخْتَارُ أَحَدَ الأَْشْيَاءِ الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ التَّعْيِينِ، فَالْبَائِعُ هُنَا صَاحِبُ الْخِيَارِ وَهُوَ الَّذِي يَقُومُ بِالتَّعْيِينِ.
وَلاَ عِبْرَةَ بِصُدُورِ الاِشْتِرَاطِ مِنَ الْبَائِعِ أَوِ الْمُشْتَرِي مَثَلاً بَل النَّظَرُ لِصِيغَتِهِ، فَلَوْ قَال الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَيَّهمَا شِئْتَ بِالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ لَهُ فَالْخِيَارُ هُنَا لِلْبَائِعِ، وَهُوَ الْمُسْتَفِيدُ بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ مُشْتَرِطَ الْخِيَارِ هُوَ الْمُشْتَرِي، فَلاَ أَثَرَ لِذَلِكَ، فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ صَدَرَ الاِشْتِرَاطُ بِاتِّفَاقِ الطَّرَفَيْنِ، بَل هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُعْتَبَرٌ مِنْهُمَا، لِضَرُورَةِ اتِّفَاقِ الإِْرَادَتَيْنِ عَلَيْهِ، فَالْعِبْرَةُ إِذَنْ بِالْمُشْتَرَطِ لَهُ الْخِيَارُ لاَ فِي ذَاكِرِ الشَّرْطِ.
وَلاَ يَسُوغُ أَنْ يُشْتَرَطَ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي آنٍ وَاحِدٍ، لأَِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ الَّتِي تُحْدِثُ التَّنَازُعَ، وَقَدِ اغْتُفِرَتْ خِفَّةُ الْجَهَالَةِ بِسَبَبِ اسْتِبْدَادِ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الاِخْتِيَارُ لَهُمَا فَتَخْتَلِفُ رَغْبَتُهُمَا وَيَحْدُثُ التَّنَازُعُ. (18)
أَثَرُ خِيَارِ التَّعْيِينِ عَلَى الْعَقْدِ:
أَثَرُهُ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ:
14 - ذَكَرَ مُلاَّ خُسْرُو مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ خِيَارَ التَّعْيِينِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ حُكْمِ الْعَقْدِ، وَهُوَ انْتِقَال الْمِلْكِ نَظِيرَ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَلَكِنَّ الشُّرُنْبُلاَلِيَّ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ذَلِكَ فِي الْحَاشِيَةِ عَلَيْهِ، وَعَلَّل تِلْكَ الْمُخَالَفَةَ بِقَوْلِهِ: أَحَدُ مَا فِيهِ التَّعْيِينُ غَيْرُ مَمْنُوعِ الْحُكْمِ، غَايَتُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْل بِأَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي الْعَقْدِ خِيَارُ الشَّرْطِ، كَمَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَصَحَّحَهُ فَخْرُ الإِْسْلاَمِ (19) . وَهَذَا وَاضِحٌ لأَِنَّ خِيَارَ التَّعْيِينِ لاَ أَثَرَ لَهُ عَلَى لُزُومِ الْعَقْدِ مَا دَامَ عَارِيًا عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ، لأَِنَّهُ حَقُّ اخْتِيَارٍ، وَلَيْسَ تَعْلِيقًا لِحُكْمِ الْعَقْدِ.
فَخِيَارُ التَّعْيِينِ يَجْعَل ثُبُوتَ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ مُتَعَلِّقًا بِأَحَدِ الأَْشْيَاءِ الَّتِي هِيَ مَحَل الْخِيَارِ دُونَ تَخْصِيصٍ بِأَحَدِهَا وَلاَ مُجَاوَزَةَ إِلَى غَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ لَوْ قَبَضَ الأَْشْيَاءَ الْمُخْتَارَ مِنْهَا كَانَ أَحَدُهَا مَبِيعًا مَضْمُونًا وَالْبَاقِي أَمَانَةً فِي يَدِهِ. (20)
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ فِي شَأْنِ الإِْلْزَامِ بِالاِخْتِيَارِ وَالضَّمَانِ مَا يَلِي: إِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الاِخْتِيَارِ وَلَمْ يَخْتَرْ (وَكَانَ لَهُ اخْتِيَارُ التَّعْيِينِ مُجَرَّدًا عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ) يَلْزَمُهُ النِّصْفُ مِنْ كُلٍّ مِنَ الثَّوْبَيْنِ (مَثَلاً) ، لأَِنَّ ثَوْبًا قَدْ لَزِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ مَا هُوَ مِنْهُمَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا شَرِيكًا.
وَمِثْل ذَلِكَ مَا إِذَا ادَّعَى ضَيَاعَهُمَا أَوْ ضَيَاعَ أَحَدِهِمَا يَلْزَمُهُ النِّصْفُ مِنْ كُلٍّ مِنَ الثَّوْبَيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّوْبَانِ آنَئِذٍ بِيَدِ الْبَائِعِ أَوِ الْمُشْتَرِي، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لاَ، وَسَوَاءٌ أَقَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى الضَّيَاعِ أَمْ لاَ، لأَِنَّ الْبَيْعَ عَلَى اللُّزُومِ وَقَدْ قَبَضَ الشَّيْئَيْنِ عَلَى وَجْهِ الإِْلْزَامِ، أَيْ إِلْزَامِ أَنَّ لَهُ وَاحِدًا مِنَ الاِثْنَيْنِ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ. وَلُزُومُ النِّصْفِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الثَّوْبَيْنِ إِنَّمَا هُوَ بِكُل الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ الْبَيْعُ بِهِ.
فَالْمَالِكِيَّةُ فِي حَال مُرُورِ مُدَّةِ التَّعْيِينِ وَالاِمْتِنَاعِ عَنْهُ لاَ يَرَوْنَ إِجْبَارَهُ عَلَى التَّعْيِينِ، بَل يُطَبِّقُونَ مُقْتَضَى شَرْطِ التَّعْيِينِ، وَإِرَادَتَهُ تَمَلُّكَ نِصْفِ مَحَل الْعَقْدِ أَوْ ثُلُثِهِ (21) .
تَبِعَةُ الْهَلاَكِ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ:
15 - إِذَا هَلَكَ أَحَدُ الأَْشْيَاءِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهَا أَوْ تَعَيَّبَ لَزِمَ الْبَيْعُ فِيهِ بِثَمَنِهِ، وَتَعَيَّنَ الآْخَرُ لِلأَْمَانَةِ (حَتَّى إِذَا هَلَكَ الآْخَرُ بَعْدَ هَلاَكِ الأَْوَّل أَوْ تَعَيَّبَ لاَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَتِهِ شَيْءٌ) وَهَذَا لأَِنَّ الْعَيْبَ مُمْتَنِعُ الرَّدِّ لاِعْتِبَارِ التَّعَيُّبِ اخْتِيَارًا ضَرُورَةً، (22) وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهَا قَبْل الْقَبْضِ لاَ يَبْطُل الْبَيْعُ، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِثَمَنِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ. وَإِنْ هَلَكَ الْكُل قَبْل الْقَبْضِ بَطَل الْبَيْعُ.
وَلَوْ هَلَكَ الشَّيْئَانِ مَعًا بَعْدَ الْقَبْضِ لَزِمَ الْمُشْتَرِي نِصْفُ ثَمَنِ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشُيُوعِ الْبَيْعِ وَالأَْمَانَةِ، فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِكَوْنِهِ الْمَبِيعَ مِنَ الآْخَرِ. (23)
وَتَقَدَّمَ كَلاَمُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ. تَوْقِيتُ خِيَارِ التَّعْيِينِ:
16 - يُشْتَرَطُ فِي الأَْرْجَحِ تَوْقِيتُ هَذَا الْخِيَارِ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ إِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ خِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى الْقَوْل بِصِحَّةِ وُرُودِهِ بِدُونِهِ، أَمَّا إِنْ تَضَمَّنَ خِيَارَ الشَّرْطِ فَمُدَّةُ الْخِيَارِ صَالِحَةٌ لَهُمَا، وَفَائِدَةُ التَّوْقِيتِ أَنْ يُجْبَرَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى التَّعْيِينِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الآْخَرِ إِذَا مَاطَل مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فِي التَّعْيِينِ. قَال ابْنُ قَاضِي سَمَاوَةَ: (وَخِيَارُ التَّعْيِينِ لَمْ يَجُزْ إِلاَّ مُؤَقَّتًا بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ خِيَارُ الشَّرْطِ) . (24)
وَقَدْ سَبَقَ فِي الشَّرَائِطِ بَيَانُ مَا يَتَّصِل بِمَعْلُومِيَّةِ الْمُدَّةِ، صِلَةُ هَذَا الْخِيَارِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ.
سُقُوطُ خِيَارِ التَّعْيِينِ:
17 - تَوَارَدَتْ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ خِيَارَ التَّعْيِينِ يَسْقُطُ بِمَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ (25) .
وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي مُصْطَلَحِ: (خِيَارُ الشَّرْطِ)
انْتِقَال خِيَارِ التَّعْيِينِ:
18 - خِيَارُ التَّعْيِينِ يَنْتَقِل بِالْمَوْتِ إِلَى وَارِثِ صَاحِبِ الْخِيَارِ فَيَقُومُ مَقَامَهُ فِي تَعْيِينِ مَا يَخْتَارُهُ مِنْ مَحَل الْخِيَارِ، وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ لِمُوَرِّثِهِ مَالاً ثَابِتًا ضِمْنَ الأَْشْيَاءِ الَّتِي هِيَ مَحَل الْخِيَارِ فَوَجَبَ عَلَى الْوَارِثِ أَنْ يُعَيِّنَ مَا يَخْتَارُهُ وَيَرُدَّ مَا لَيْسَ لَهُ إِلَى مَالِكِهِ.
وَيَكُونُ أَدَاءُ الثَّمَنِ مِنَ التَّرِكَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَدَّى حَال الْحَيَاةِ، ذَلِكَ أَنَّهُ انْتَقَل إِلَيْهِ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ وَلَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا بَل مُخْتَلِطًا بِمِلْكِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْبَائِعُ مَثَلاً، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ لِتَعْيِينِ مِلْكِهِ وَإِفْرَازِهِ عَنْ مِلْكِ غَيْرِهِ. (26)
__________
(1) الصحاح، ولسان العرب، والمصباح المنير مادة: " عين ".
(2) التعريفات للجرجاني ص46، الدرر لملا خسرو 2 / 151، الحطاب وبهامشه المواق 4 / 424، الدسوقي 3 / 105، وهو تعريف ابن عرفة في كتابه المشهور في الحدود (أي التعاريف) .
(3) فتح القدير 5 / 132 نقلاً عن الطحاوي، الدسوقي 3 / 105.
(4) الفتاوى الهندية 3 / 52، شرح المجلة للأتاسي 2 / 260.
(5) المجموع 9 / 222.
(6) حاشية الدسوقي على الدردير 3 / 106.
(7) المبسوط 13 / 55، البدائع 5 / 157، فتح القدير 5 / 131، شرح الدردير على خليل 3 / 107، الدسوقي 3 / 105، الحطاب 4 / 423، وذكر صاحب بداية المجتهد أنه إن كان الثوبان من صنفين - وهما مما لا يجوز أن يسلم أحدهما من الآخر -، فإنه لا خلاف بين مالك والشافعي في أنه لا يجوز. وإن كانا من صنف واحد فيجوز عند مالك ولا يجوز عند أبي حنيفة والشافعي (2 / 128) .
(8) الدسوقي 3 / 105، وكشاف القناع 3 / 167 - 168، ومطالب أولي النهى 3 / 31، والفروع لابن مفلح 4 / 26.
(9) المجموع شرح المهذب 9 / 312، شرح الروض 2 / 14، سواء تساوت القيم أم لا وسواء قال: ولك الخيار في التعيين أم لا. وعلل الرملي في حاشيته المنع بأنه للغرر، ولأن العقد لم يجد موردًا يتأثر به في الحال.
(10) حديث: " نهى عن الثنيا إلا أن تعلم ". أخرجه مسلم (3 / 1175 -. ط الحلبي) من حديث جابر، دون قوله: " إلا أن تعلم "،.، وأخرجه الترمذي (3 / 576 -. ط الحلبي) بلفظ: " أن رسول الله ﷺ نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة والثنيا إلا أن تعلم " وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(11) العناية شرح الهداية 5 / 130، وفتح القدير 5 / 131، والمغني4 / 99، والمجموع 9 / 313.
(12) شرح المجلة للأتاسي 2 / 261 نقلاً عن البحر الرائق.
(13) فتح القدير 5 / 130، وشرح المجلة للأتاسي 2 / 260، والفروع 4 / 26 والمبسوط 3 / 56، والفتاوى الهندية 3 / 55 - 56 نقلاً عن المحيط، الحطاب 4 / 426، " فإن اختلفا يضمن حينئذ ضمان المبيع بيعًا فاسدًا ".
(14) تبيين الحقائق للزيلعي 4 / 21، العناية شرح الهداية 5 / 131.
(15) فتح القدير 5 / 130 والعناية أيضًا.
(16) الحطاب 4 / 424، و4 / 425 " أما اختيار ثلاثة فبعيد ".
(17) الهداية وفتح القدير والعناية 5 / 130 - 132، البدائع 5 / 157، و261، المبسوط 13 / 55، الحطاب 4 / 423، الخرشي 4 / 37، الدسوقي 3 / 105، المقدمات 2 / 563.
(18) فتح القدير 5 / 130، شرح المجلة للأتاسي 2 / 260 - 261، جامع الفصولين 1 / 345، " يجوز في جانب البائع كما يجوز في جانب المشتري ".
(19) الدرر لملا خسرو وحاشية الشرنبلالي 2 / 151.
(20) البدائع 5 / 261، فتح القدير 5 / 132 وفيهما تفصيلات وفروع في مسألة الضمان عند الهلاك.
(21) الدسوقي على شرح الكبير 3 / 106 - 107، الخرشي 4 / 35، المقدمات 2 / 565.
(22) البدائع 5 / 260، العناية شرح الهداية 5 / 132 وناقش الإيراد بأنه ليس أقل من سوم الشراء وفيه تجب القيمة بأن ذاك مقبوض على جهة البيع وليس هذا كذلك.
(23) فتح القدير 5 / 132 - 133، وفيه تفصيلات كثيرة، البدائع 5 / 261 - 263.
(24) تبيين الحقائق للزيلعي 4 / 21، فتح القدير 5 / 131، جامع الفصولين 1 / 245.
(25) الفتاوى الهندية 3 / 56، نقلاً عن الفتاوى الظهيرية، شرح المجلة للأتاسي 2 / 261.
(26) جامع الفصولين 1 / 245، الفتاوى الهندية 3 / 55، البدائع 5 / 262.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 49/ 20
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".