المؤمن
كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...
اسم من أسماء الله تعالى . فهو – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
السَّلامُ: السَّلامَةُ والبَراءَةُ، يقالُ: سَلِمَ، يَسْلَمُ، سَلاماً وسَلامَةً، أيْ: بَرِئَ مِن النَّقْصِ والعَيْبِ. ويأْتي بِـمعنى الخُضوعِ والاِنْقِيادِ والأَمْنِ والتَّحِيَّةِ.
يَرِد مُصْطلَح (سَلام) في الفقه في عِدَّة مواطِن، منها: كتاب الصَّلاةِ، باب: خُطْبَة الجُمُعَةِ، وباب: مَكْروهات الصَّلاةِ، وكتاب الجَنائِزِ، باب: زِيارَة الـمَقابِرِ، وكتاب الجِهادِ، باب: أَحْكام أَهْلِ الذِّمَّةِ، وكتاب القَضاءِ، باب: أَدَب القاضِي. ويُطْلَقُ في عِلم العَقِيدَةِ في باب: الأسْماء الحُسْنَى، ويُرادُ بِهِ: اسْمُ اللهِ:" السَّلام "، ومعناه: الذي سَلِمَ مِن العُيوبِ والنَّقَائِصِ، واتَّصَفَ بِالكَمالِ والجَلالِ والجَمالِ. ويُطْلَقُ في السِّياسَةِ الـمُعاصِرَةِ بِمعنى: السِّلْم، وهو: حالَةُ الـهُدوءِ والسَّكِينَةِ وكُلُّ ما يُنافِي الحَرْبَ والعُنْفَ.
سلم
التَّحيةُ الَّتي يقولُها المُسلمُ عندَ لقاءِ أخيهِ المسلمِ وعندَ وداعِهِ.
السَّلامُ: السَّلامَةُ والبَراءَةُ مِن النَّقْصِ والعَيْبِ، ويأْتي بِـمعنى الـخُضوعِ والانقيادِ والأَمْنِ والتَّحِيَّةِ.
من أسماء الله تعالى. فسُبْحَانَهُ سلم من كل عيب، وبرئ من كل آفة، ونقص يلحق المخلوقين. وسلم الخلق من ظلمه.
* المحكم والمحيط الأعظم : (8/512)
* العين : (7/265)
* مختار الصحاح : (ص 326)
* شفاء العليل : (ص 179)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 80)
* تحرير ألفاظ التنبيه : (ص 70)
* أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء : (ص 30)
* القاموس الفقهي : (ص 181)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 247)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (25/155)
* مشارق الأنوار : (2/217)
* المفردات في غريب القرآن : (ص 239)
* لسان العرب : (12/289) -
التَّعْرِيفُ:
1 - السَّلاَمُ - بِفَتْحِ السِّينِ - اسْمُ مَصْدَرِ سَلَّمَ؛ أَيْ: أَلْقَى السَّلاَمَ، وَمِنْ مَعَانِي السَّلاَمِ السَّلاَمَةُ وَالأَْمْنُ وَالتَّحِيَّةُ، وَلِذَلِكَ قِيل لِلْجَنَّةِ: دَارُ السَّلاَمِ لأَِنَّهَا دَارُ السَّلاَمَةِ مِنَ الآْفَاتِ كَالْهَرَمِ وَالأَْسْقَامِ وَالْمَوْتِ. قَال تَعَالَى: {لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (1) .
وَالسَّلاَمُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى (2) .
2 - وَالسَّلاَمُ يُطْلَقُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أُمُورٍ، مِنْهَا: التَّحِيَّةُ الَّتِي يُحَيِّي بِهَا الْمُسْلِمُونَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَا فِي كِتَابِهِ حَيْثُ قَال: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (3) وقَوْله تَعَالَى {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيْبَةً} (4) ذَلِكَ أَنَّ لِلْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ تَحِيَّاتٍ خَاصَّةً بِهِمْ، فَلَمَّا جَاءَ الإِْسْلاَمُ دَعَا الْمُؤْمِنِينَ إِلَى التَّحِيَّةِ الْخَاصَّةِ، وَهِيَ قَوْل: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ) ، وَقَصَرَهُمْ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُمْ بِإِفْشَائِهِ.
وَالسَّلاَمُ أَيْضًا تَحِيَّةُ أَهْل الْجَنَّةِ. قَال سُبْحَانَهُ: {وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُل بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَّرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (5) .
وَقَدِ اخْتِيرَ هَذَا اللَّفْظُ دُونَ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ بِالسَّلاَمَةِ مِنَ الآْفَاتِ فِي الدِّينِ وَالنَّفْسِ؛ وَلأَِنَّ فِي تَحِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِهَذَا اللَّفْظِ عَهْدًا بَيْنَهُمْ عَلَى صِيَانَةِ دِمَائِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ (6) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّحِيَّةُ:
3 - التَّحِيَّةُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ حَيَّاهُ يُحَيِّيهِ تَحِيَّةً، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: الدُّعَاءُ بِالْحَيَاةِ، وَمِنْهُ (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ) (7) . أَيْ: الْبَقَاءُ، وَقِيل: الْمُلْكُ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى اسْتُعْمِل فِي مَا يُحَيَّا بِهِ مِنْ سَلاَمٍ وَنَحْوِهِ (8) . فَهِيَ أَعَمُّ مِنَ السَّلاَمِ فَتَشْمَل السَّلاَمَ وَالتَّقْبِيل وَالْمُصَافَحَةَ وَالْمُعَانَقَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
ب - التَّقْبِيل:
4 - التَّقْبِيل فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ قَبَّل، وَالاِسْمُ مِنْهُ الْقُبْلَةُ، وَالْجَمْعُ الْقُبَل (9) . وَالتَّقْبِيل صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ التَّحِيَّةِ.
ج - الْمُصَافَحَةُ:
5 - الْمُصَافَحَةُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ: الإِْفْضَاءُ بِالْيَدِ إِلَى الْيَدِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ الْمُصَافَحَةَ إِلْصَاقُ صَفْحَةِ الْكَفِّ بِالْكَفِّ، وَإِقْبَال الْوَجْهِ بِالْوَجْهِ. فَأَخْذُ الأَْصَابِعِ لَيْسَ بِمُصَافَحَةٍ، خِلاَفًا لِلرَّوَافِضِ. وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ بِكِلْتَا يَدَيْهِ بِغَيْرِ حَائِلٍ، مِنْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَعِنْدَ اللِّقَاءِ وَبَعْدَ السَّلاَمِ، وَأَنْ يَأْخُذَ الإِْبْهَامَ، فَإِنَّ فِيهِ عِرْقًا يُنْبِتُ الْمَحَبَّةَ، وَقَدْ تَحْرُمُ كَمُصَافَحَةِ الأَْمْرَدِ. وَقَدْ تُكْرَهُ كَمُصَافَحَةِ ذِي عَاهَةٍ، مِنْ بَرَصٍ وَجُذَامٍ، وَتُسَنُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ خُصُوصًا لِنَحْوِ قُدُومِ سَفَرٍ (10) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (مُصَافَحَة) .
د - الْمُعَانَقَةُ:
6 - الْمُعَانَقَةُ فِي اللُّغَةِ: الضَّمُّ وَالاِلْتِزَامُ وَاعْتَنَقْتُ الأَْمْرَ: أَخَذْتُهُ بِجَدٍّ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي أَنَّ الْمُعَانَقَةَ هِيَ جَعْل الرَّجُل عُنُقَهُ عَلَى عُنُقِ صَاحِبِهِ.
وَقَدْ كَرِهَهَا مَالِكٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لأَِنَّهَا مِنْ فِعْل الأَْعَاجِمِ.
قَال الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ الْمُعَانَقَةَ، لأَِنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ رَسُول اللَّهِ - ﷺ - أَنَّهُ فَعَلَهَا إِلاَّ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا رَجَعَ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَلَمْ يَصْحَبْهَا الْعَمَل مِنَ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ، كَالْحَنَابِلَةِ فَقَالُوا بِجَوَازِهَا، فَفِي الآْدَابِ الشَّرْعِيَّةِ لاِبْنِ مُفْلِحٍ إِبَاحَةُ الْمُعَانَقَةِ. وَمِثْلُهَا تَقْبِيل الْيَدِ وَالرَّأْسِ تَدَيُّنًا وَإِكْرَامًا وَاحْتِرَامًا مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَانَقَهُ (11) . قَال إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرَّجُل يَلْقَى الرَّجُل، يُعَانِقُهُ؟ قَال: نَعَمْ فَعَلَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ.
وَمُعَانَقَةُ الأَْجْنَبِيَّةِ وَالأَْمْرَدِ حَرَامٌ، كَمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَمُعَانَقَةُ الرَّجُل زَوْجَتَهُ مَكْرُوهَةٌ فِي الصَّوْمِ، وَكَذَا مُعَانَقَةُ ذَوِي الْعَاهَاتِ مِنْ بَرَصٍ وَجُذَامٍ؛ أَيْ: مَكْرُوهَةٌ. وَأَمَّا الْمُعَانَقَةُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، كَمُعَانَقَةِ الرَّجُل لِلرَّجُل فَهِيَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ خَاصَّةً عِنْدَ الْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ (12) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ مَحَلُّهُ مُصْطَلَحِ (مُعَانَقَة) .
صِيغَةُ السَّلاَمِ وَصِيغَةُ الرَّدِّ:
7 - صِيغَةُ السَّلاَمِ وَصِفَتُهُ الْكَامِلَةُ أَنْ يَقُول الْمُسْلِمُ: " السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ " بِالتَّعْرِيفِ وَبِالْجَمْعِ. سَوَاءٌ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً؛ لأَِنَّ الْوَاحِدَ مَعَهُ الْحَفَظَةُ كَالْجَمْعِ مِنَ الآْدَمِيِّينَ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ هِيَ الْمَرْوِيَّةُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَعَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَقُول: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ، بِالتَّنْكِيرِ، إِلاَّ أَنَّ التَّعْرِيفَ أَفْضَل؛ لأَِنَّهُ تَحِيَّةُ أَهْل الدُّنْيَا. فَأَمَّا " سَلاَمٌ " بِالتَّنْكِيرِ فَتَحِيَّةُ أَهْل الْجَنَّةِ. كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (13) .
8 - وَالأَْكْمَل أَنْ يَقُول: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، بِتَأْخِيرِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، فَلَوْ قَال: عَلَيْكُمُ السَّلاَمُ، أَوْ: عَلَيْكَ السَّلاَمُ، كَانَ مُخَالِفًا لِلأَْكْمَل؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ قَال: لَقِيتُ رَسُول اللَّهِ - ﷺ - فَقُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلاَمُ يَا رَسُول اللَّهِ، فَقَال: لاَ تَقُل عَلَيْكَ السَّلاَمُ، فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلاَمُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ وَلَكِنْ قُل: السَّلاَمُ عَلَيْكَ (14) قَال الْقُرْطُبِيُّ: لَمَّا جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ بِتَقْدِيمِ اسْمِ الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ فِي الشَّرِّ كَقَوْلِهِمْ (عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَغَضَبُ اللَّهِ) نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، لاَ أَنَّ ذَاكَ هُوَ اللَّفْظُ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّ الْمَوْتَى؛ لأَِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى الْمَوْتَى، كَمَا سَلَّمَ عَلَى الأَْحْيَاءِ فَقَال : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ.
وَهَذَا لَيْسَ عَلَى سَبِيل التَّحْرِيمِ، بَل هُوَ خِلاَفُ الأَْكْمَل أَوْ مَكْرُوهٌ كَمَا قَال الْغَزَالِيُّ. وَعَلَى كُل حَالٍ فَيَجِبُ رَدُّ السَّلاَمِ (15) .
ثُمَّ إِنَّ أَكْثَرَ مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى الْبَرَكَةِ فَتَقُول: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَجُلاً سَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَال: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَال عُرْوَةُ: مَا تَرَكَ لَنَا فَضْلاً، إِنَّ السَّلاَمَ قَدِ انْتَهَى إِلَى: وَبَرَكَاتُهُ. وَذَلِكَ كَمَا فِي رُوحُ الْمَعَانِي؛ لاِنْتِظَامِ تِلْكَ التَّحِيَّةِ لِجَمِيعِ فُنُونِ الْمَطَالِبِ الَّتِي هِيَ السَّلاَمَةُ عَنِ الْمَضَارِّ، وَنَيْل الْمَنَافِعِ وَدَوَامُهَا وَنَمَاؤُهَا.
وَقِيل: يَزِيدُ الْمُحَيَّى إِذَا جَمَعَ الْمُحَيِّي الثَّلاَثَةَ لَهُ وَهِيَ السَّلاَمُ وَالرَّحْمَةُ وَالْبَرَكَةُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵃ جَمِيعًا قَال: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ زَادَ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَال: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى فَقُلْتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ، فَقَال: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ وَطَيِّبُ صَلَوَاتِهِ. وَلاَ يَتَعَيَّنُ مَا ذُكِرَ لِلزِّيَادَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ زِيَادَةُ: وَمَغْفِرَتُهُ (16) .
صِيغَةُ رَدِّ السَّلاَمِ:
9 - صِيغَةُ الرَّدِّ أَنْ يَقُول الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ (وَعَلَيْكُمُ السَّلاَمُ) بِتَقْدِيمِ الْخَبَرِ وَبِالْوَاوِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَقُول: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ. بِتَنْكِيرِ السَّلاَمِ وَتَقْدِيمِهِ، وَبِدُونِ وَاوٍ، لَكِنِ الأَْفْضَل بِالْوَاوِ لِصَيْرُورَةِ الْكَلاَمِ بِهَا جُمْلَتَيْنِ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: عَلَيَّ السَّلاَمُ وَعَلَيْكُمْ، فَيَصِيرُ الرَّادُّ مُسَلِّمًا عَلَى نَفْسِهِ مَرَّتَيْنِ: الأُْولَى مِنَ الْمُبْتَدِئِ وَالثَّانِيَةُ مِنْ نَفْسِ الرَّادِّ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا تَرَكَ الْوَاوَ، فَإِنَّ الْكَلاَمَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ جُمْلَةً وَاحِدَةً تَخُصُّ الْمُسَلِّمَ وَحْدَهُ.
وَالأَْصْل فِي صِيغَةِ الرَّدِّ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى الْبَرَكَةِ فَتَقُول: وَعَلَيْكُمُ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَإِذَا قَال الْمُسَلِّمُ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ تَكُونُ وَاجِبَةً، فَلَوِ اقْتَصَرَ الْمُسَلِّمُ عَلَى لَفْظِ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُسْتَحَبَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (17) .
السَّلاَمُ أَوْ رَدُّهُ بِالإِْشَارَةِ:
10 - يُكْرَهُ السَّلاَمُ أَوْ رَدُّهُ بِالإِْشَارَةِ بِالرَّدِّ بِالْيَدِ أَوْ بِالرَّأْسِ بِغَيْرِ نُطْقٍ بِالسَّلاَمِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَقُرْبِ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَل أَهْل الْكِتَابِ: الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِقَوْلِهِ - ﷺ - فِيمَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلاَ بِالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الإِْشَارَةُ بِالأَْصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الإِْشَارَةُ بِالأَْكُفِّ (18) . فَإِنْ كَانَتِ الإِْشَارَةُ مَقْرُونَةً بِالنُّطْقِ، بِحَيْثُ وَقَعَ التَّسْلِيمُ أَوِ الرَّدُّ بِاللِّسَانِ مَعَ الإِْشَارَةِ، أَوْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ بَعِيدًا عَنِ الْمُسَلِّمِ، بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُ صَوْتَهُ فَيُشِيرُ إِلَيْهِ بِالسَّلاَمِ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ، فَلاَ كَرَاهَةَ (19) . وَتَكْفِي الإِْشَارَةُ فِي السَّلاَمِ عَلَى أَصَمَّ أَوْ أَخْرَسَ، أَوِ الرَّدِّ عَلَى سَلاَمِهِ، خِلاَفًا لِمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الأَْذْكَارِ عَنِ الْمُتَوَلِّي حَيْثُ قَال: إِذَا سَلَّمَ عَلَى أَصَمَّ لاَ يَسْمَعُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَلَفَّظَ بِلَفْظِ السَّلاَمِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَيُشِيرُ بِالْيَدِ حَتَّى يَحْصُل الإِْفْهَامُ وَيَسْتَحِقَّ الْجَوَابَ، فَلَوْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا لاَ يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ قَال: وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَصَمُّ وَأَرَادَ الرَّدَّ فَيَتَلَفَّظُ بِاللِّسَانِ وَيُشِيرُ بِالْجَوَابِ لِيَحْصُل بِهِ الإِْفْهَامُ وَيَسْقُطَ عَنْهُ فَرْضُ الْجَوَابِ. قَال: وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى أَخْرَسَ فَأَشَارَ الأَْخْرَسُ بِالْيَدِ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ؛ لأَِنَّ إِشَارَتَهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْعِبَارَةِ. وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَخْرَسُ بِالإِْشَارَةِ يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ مَعَ الْعِبَارَةِ (20) .
السَّلاَمُ بِوَسَاطَةِ الرَّسُول أَوِ الْكِتَابِ:
11 - السَّلاَمُ بِوَاسِطَةِ الرَّسُول أَوِ الْكِتَابِ كَالسَّلاَمِ مُشَافَهَةً، فَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِهِ الأَْذْكَارِ عَنْ أَبِي سَعْدٍ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ فِيمَا إِذَا نَادَى إِنْسَانٌ إِنْسَانًا مِنْ خَلْفِ سِتْرٍ أَوْ حَائِطٍ فَقَال: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا فُلاَنُ، أَوْ كَتَبَ كِتَابًا فِيهِ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا فُلاَنُ، أَوِ: السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ، أَوْ: أَرْسَل رَسُولاً وَقَال: سَلِّمْ عَلَى فُلاَنٍ، فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ أَوِ الرَّسُول وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ السَّلاَمَ. صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، قَال النَّوَوِيُّ: قَال أَصْحَابُنَا: وَهَذَا الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَكَذَا لَوْ بَلَغَهُ سَلاَمٌ فِي وَرَقَةٍ مِنْ غَائِبٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ السَّلاَمَ بِاللَّفْظِ عَلَى الْفَوْرِ إِذَا قَرَأَهُ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - ﵂ - قَالَتْ: قَال لِي رَسُول اللَّهِ - ﷺ: هَذَا جِبْرِيل يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ، قَالَتْ: قُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ (21) . وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمُبَلِّغِ أَيْضًا بِأَنْ يَقُول: وَعَلَيْكَ وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ (22) .
السَّلاَمُ وَرَدُّهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ:
12 - السَّلاَمُ وَرَدُّهُ بِالْعَجَمِيَّةِ كَالسَّلاَمِ وَرَدِّهِ بِالْعَرَبِيَّةِ، لأَِنَّ الْغَرَضَ مِنَ السَّلاَمِ التَّأْمِينُ وَالدُّعَاءُ بِالسَّلاَمَةِ وَالتَّحِيَّةُ، فَيَحْصُل ذَلِكَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، كَمَا يَحْصُل بِهَا. وَهَذَا فِي السَّلاَمِ خَارِجَ الصَّلاَةِ، إِذِ السَّلاَمُ فِي الصَّلاَةِ لاَ يُجْزِئُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى قَوْلٍ. وَلاَ يَكْفِيهِ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِالنِّيَّةِ. فَإِنْ أَتَى بِالسَّلاَمِ بِالْعَجَمِيَّةِ فَإِنَّ الصَّلاَةَ تَبْطُل عَلَى قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ أَشْيَاخِهِمُ الصِّحَّةَ قِيَاسًا عَلَى الدُّعَاءِ بِالْعَجَمِيَّةِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ. هَذَا وَجَمِيعُ أَذْكَارِ الصَّلاَةِ تَصِحُّ بِالْعَجَمِيَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا خِلاَفًا لِلصَّاحِبَيْنِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ يُذْكَرُ فِي (صَلاَة (1)) .
حُكْمُ الْبَدْءِ بِالسَّلاَمِ وَحُكْمُ الرَّدِّ:
13 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ السَّلاَمَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَهُوَ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إِنْ كَانَ الْمُسَلِّمُونَ جَمَاعَةً بِحَيْثُ يَكْفِي سَلاَمُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَوْ سَلَّمُوا كُلُّهُمْ كَانَ أَفْضَل.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلٌ مُقَابِلٌ لِلْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - إِلَى أَنَّ الاِبْتِدَاءَ بِالسَّلاَمِ وَاجِبٌ. لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ، قِيل: مَا هُنَّ يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ (23) .
14 - وَأَمَّا رَدُّ السَّلاَمِ فَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الرَّدُّ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً كَانَ رَدُّ السَّلاَمِ فَرْضَ كِفَايَةٍ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ رَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِنْ تَرَكُوهُ كُلُّهُمْ أَثِمُوا كُلُّهُمْ، وَإِنْ رَدُّوا كُلُّهُمْ فَهُوَ النِّهَايَةُ فِي الْكَمَال وَالْفَضِيلَةِ، فَلَوْ رَدَّ غَيْرُهُمْ لَمْ يَسْقُطِ الرَّدُّ عَنْهُمْ، بَل يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرُدُّوا، فَإِنِ اقْتَصَرُوا عَلَى رَدِّ ذَلِكَ الأَْجْنَبِيِّ أَثِمُوا.
هَذَا وَالأَْمْرُ بِالسَّلاَمِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِفِعْل الصَّحَابَةِ، فَمِنَ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} (24) وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (25) .
وَمِنَ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ﵄ أَنَّ رَجُلاً سَأَل النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الإِْسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَال: تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ (26) .
وَمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - قَال: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَال: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ - نَفَرٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ جُلُوسٍ - فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَال: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ (27) .
وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عِمَارَةَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ﵄ قَال: أَمَرَنَا رَسُول اللَّهِ - ﷺ - بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَصْرِ الضَّعِيفِ، وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ (28) . وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَال: يُجْزِئُ عَنِ الْجَمَاعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ، وَيُجْزِئُ عَنِ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ (29) .
وَمِنْ فِعْل الصَّحَابَةِ مَا رُوِيَ عَنِ الطُّفَيْل بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَيَغْدُو مَعَهُ إِلَى السُّوقِ قَال: فَإِذَا غَدَوْنَا إِلَى السُّوقِ لَمْ يَمُرَّ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى سِقَاطٍ، وَلاَ صَاحِبِ بَيْعَةٍ، وَلاَ مِسْكِينٍ، وَلاَ أَحَدٍ، إِلاَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ، قَال الطُّفَيْل: فَجِئْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَوْمًا فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَى السُّوقِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا تَصْنَعُ بِالسُّوقِ وَأَنْتَ لاَ تَقِفُ عَلَى الْبَيْعِ، وَلاَ تَسْأَل عَنِ السِّلَعِ، وَلاَ تَسُومُ بِهَا، وَلاَ تَجْلِسُ فِي مَجَالِسِ السُّوقِ؟ وَأَقُول: اجْلِسْ بِنَا هَاهُنَا نَتَحَدَّثُ، فَقَال: يَا أَبْطَنُ - وَكَانَ الطُّفَيْل ذَا بَطْنٍ - إِنَّمَا نَغْدُو مِنْ أَجَل السَّلاَمِ، نُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِينَاهُ (30) .
وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حُكْمِ السَّلاَمِ وَالرَّدِّ خَاصٌّ بِالْمُسَلِّمِ الَّذِي لَمْ يَنْشَغِل بِالأَْذَانِ أَوِ الصَّلاَةِ أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ بِتَلْبِيَةِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ بِالأَْكْل أَوْ بِالشُّرْبِ، أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ وَغَيْرِهَا، إِذِ السَّلاَمُ عَلَى الْمُنْشَغِل بِمَا ذُكِرَ لَيْسَ كَالسَّلاَمِ عَلَى غَيْرِهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مَا يَلِي:
أ - السَّلاَمُ عَلَى مَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ:
15 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ حُكْمَ رَدِّ السَّلاَمِ مِنَ الْمُؤَذِّنِ الْكَرَاهَةُ؛ لأَِنَّ الْفَصْل بَيْنَ جُمَل الأَْذَانِ عِنْدَهُمْ مَكْرُوهَةٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْفَصْل بِإِشَارَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ، فَلَهُ الرَّدُّ بِالإِْشَارَةِ، وَيُكْرَهُ السَّلاَمُ أَيْضًا عِنْدَهُمْ عَلَى الْمُلَبِّي بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِنَفْسِ الْعِلَّةِ.
وَيُكْرَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ السَّلاَمُ عَلَى الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ لاِنْشِغَالِهِمْ بِالأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُسَنُّ السَّلاَمُ عَلَى مَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ، بَل يَجُوزُ بِالْكَلاَمِ وَلاَ يُبْطِل الأَْذَانَ أَوِ الإِْقَامَةَ (31) .
ب - السَّلاَمُ عَلَى الْمُصَلِّي وَرَدُّهُ السَّلاَمَ:
16 - السَّلاَمُ عَلَى الْمُصَلِّي سُنَّةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ جَائِزٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، فَقَدْ سُئِل أَحْمَدُ عَنِ الرَّجُل يَدْخُل عَلَى الْقَوْمِ وَهُمْ يُصَلُّونَ أَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ؟ قَال: نَعَمْ (32) . وَأَمَّا رَدُّ السَّلاَمِ مِنَ الْمُصَلِّي فَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ - كَمَا فِي الْهِدَايَةِ - أَنْ لاَ يَرُدَّ السَّلاَمَ بِلِسَانِهِ؛ لأَِنَّهُ كَلاَمٌ، وَلاَ بِيَدِهِ؛ لأَِنَّهُ سَلاَمٌ مَعْنًى، حَتَّى لَوْ صَافَحَ بِنِيَّةِ التَّسْلِيمِ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ رَدَّ الْمُصَلِّي السَّلاَمَ بِالإِْشَارَةِ مَكْرُوهٌ وَبِالْمُصَافَحَةِ مُفْسِدٌ. ثُمَّ إِنَّ الْمُصَلِّيَ لاَ يَلْزَمُهُ رَدُّ السَّلاَمِ لَفْظًا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلاَةِ، بَل يَرُدُّ فِي نَفْسِهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ يَرُدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ، إِلاَّ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ قَال: تَأْوِيلُهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ فِي الصَّلاَةِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَرُدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لاَ يَرُدُّ، لاَ قَبْل الْفَرَاغِ وَلاَ بَعْدَهُ فِي نَفْسِهِ.
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ لاَ يَرُدُّ السَّلاَمَ بِاللَّفْظِ، فَإِنْ رَدَّ عَمْدًا أَوْ جَهْلاً بَطَل. وَرَدُّهُ بِاللَّفْظِ سَهْوًا يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ، بَل يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ السَّلاَمَ بِالإِْشَارَةِ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ رَدَّ الْمُصَلِّي السَّلاَمَ بِالْكَلاَمِ عَمْدًا يُبْطِل الصَّلاَةَ.
وَرَدُّ الْمُصَلِّي السَّلاَمَ بِالإِْشَارَةِ مَشْرُوعٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَأَمَّا ابْتِدَاءُ الْمُصَلِّي السَّلاَمَ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ بِالإِْشَارَةِ بِيَدٍ أَوْ رَأْسٍ فَيَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَطْ، وَلاَ يَلْزَمُهُ السُّجُودُ لِذَلِكَ (33) .
ج - السَّلاَمُ عَلَى الْمُنْشَغِل بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالتَّلْبِيَةِ وَالأَْكْل، وَعَلَى قَاضِي الْحَاجَةِ وَعَلَى مَنْ فِي الْحَمَّامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
17 - الأَْوْلَى تَرْكُ السَّلاَمِ عَلَى الْمُنْشَغِل بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَإِنْ سَلَّمَ كَفَاهُ الرَّدُّ بِالإِْشَارَةِ، وَإِنْ رَدَّ بِاللَّفْظِ اسْتَأْنَفَ الاِسْتِعَاذَةَ ثُمَّ يَقْرَأُ، وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ لَفْظًا.
وَأَمَّا السَّلاَمُ عَلَى الْمُنْشَغِل بِالذِّكْرِ مِنْ دُعَاءٍ وَتَدَبُّرٍ فَهُوَ كَالسَّلاَمِ عَلَى الْمُنْشَغِل بِالْقِرَاءَةِ، وَالأَْظْهَرُ كَمَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ إِنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا بِالدُّعَاءِ مُجْمِعَ الْقَلْبِ عَلَيْهِ فَالسَّلاَمُ عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ، لِلْمَشَقَّةِ الَّتِي تَلْحَقُهُ مِنَ الرَّدِّ، وَاَلَّتِي تَقْطَعُهُ عَنِ الاِسْتِغْرَاقِ بِالدُّعَاءِ، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنَ الْمَشَقَّةِ الَّتِي تَلْحَقُ الآْكِل إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَدَّ فِي حَال أَكْلِهِ، وَأَمَّا الْمُلَبِّي فِي الإِْحْرَامِ فَيُكْرَهُ السَّلاَمُ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَلَّمَ رَدَّ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ.
وَأَمَّا السَّلاَمُ فِي حَال خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ فَيُكْرَهُ الاِبْتِدَاءُ بِهِ لأَِنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالإِْنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ، فَإِنْ سَلَّمَ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ، وَقِيل: إِنْ كَانَ الإِْنْصَاتُ وَاجِبًا لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ سُنَّةً رَدَّ عَلَيْهِ، وَلاَ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى كُل وَجْهٍ.
وَلاَ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ كَانَ مُنْشَغِلاً بِالأَْكْل وَاللُّقْمَةُ فِي فَمِهِ، فَإِنْ سَلَّمَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْجَوَابَ، أَمَّا إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبَلْعِ أَوْ قَبْل وَضْعِ اللُّقْمَةِ فِي فَمِهِ فَلاَ يَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ وَيَجِبُ الْجَوَابُ، وَيُسَلِّمُ فِي حَال الْبَيْعِ وَسَائِرِ الْمُعَامَلاَتِ وَيَجِبُ الْجَوَابُ.
وَأَمَّا السَّلاَمُ عَلَى قَاضِي الْحَاجَةِ وَنَحْوِهِ كَالْمُجَامِعِ وَعَلَى مَنْ فِي الْحَمَّامِ وَالنَّائِمِ وَالْغَائِبِ خَلْفَ جِدَارٍ، فَحُكْمُهُ الْكَرَاهَةُ. وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْجَوَابَ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄. أَنَّ رَجُلاً مَرَّ وَرَسُول اللَّهِﷺ - يَبُول، فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ (34) .
وَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ - ﵁ - أَنَّ رَجُلاً مَرَّ وَرَسُول اللَّهِ ﷺ - يَبُول، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَال النَّبِيُّ - ﷺ - إِذَا رَأَيْتَنِي عَلَى مِثْل هَذِهِ الْحَال فَلاَ تُسَلِّمْ عَلَيَّ. فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ أَرُدَّ عَلَيْكَ (35) .
وَأَمَّا حُكْمُ الرَّدِّ مِنْهُمْ فَهُوَ الْكَرَاهَةُ مِنْ قَاضِي الْحَاجَةِ وَالْمُجَامِعِ، وَأَمَّا مَنْ فِي الْحَمَّامِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الرَّدُّ، كَمَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ (36) .
أَحْكَامٌ أُخْرَى لِلسَّلاَمِ:
السَّلاَمُ عَلَى الصَّبِيِّ:
18 - السَّلاَمُ عَلَى الصَّبِيِّ أَفْضَل مِنْ تَرْكِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ مَشْرُوعٌ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَذَكَرَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الآْدَابِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهُ جَائِزٌ لِتَأْدِيبِهِمْ، وَهُوَ مَعْنَى كَلاَمِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ عُيُونِ الْمَسَائِل وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، لِمَا وَرَدَ عَنْ أَنَسٍ ﵁ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَال: كَانَ النَّبِيُّ - ﷺ - يَفْعَلُهُ (37) .
وَأَمَّا جَوَابُ السَّلاَمِ مِنَ الصَّبِيِّ فَغَيْرُ وَاجِبٍ؛ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ، كَمَا ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَيَسْقُطُ رَدُّ السَّلاَمِ بِرَدِّهِ عَنِ الْبَاقِينَ إِنْ كَانَ عَاقِلاً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّهُ مِنْ أَهْل الْفَرْضِ فِي الْجُمْلَةِ، بِدَلِيل حِل ذَبِيحَتِهِ مَعَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِيهَا فَرْضٌ عِنْدَهُمْ.
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ أَيْضًا الأَُجْهُورِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّاشِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، قِيَاسًا عَلَى أَذَانِهِ لِلرِّجَال. وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ سُقُوطِ فَرْضِ رَدِّ السَّلاَمِ عَنِ الْجَمَاعَةِ بِرَدِّ الصَّبِيِّ، وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ تَوَقَّفَ فِي الاِكْتِفَاءِ بِرَدِّ الصَّبِيِّ عَنِ الْجَمَاعَةِ صَاحِبُ الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، حَيْثُ قَال: وَلَنَا فِيهِ وَقْفَةٌ؛ لأَِنَّ الرَّدَّ فَرْضٌ عَلَى الْبَالِغِينَ، وَرَدُّ الصَّبِيِّ غَيْرُ فَرْضٍ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَكْفِي عَنِ الْفَرْضِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ؟ فَلَعَل الأَْظْهَرَ عَدَمُ الاِكْتِفَاءِ بِرَدِّهِ عَنِ الْبَالِغِينَ.
ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَجْهَيْنِ فِي رَدِّ السَّلاَمِ مِنَ الْبَالِغِ عَلَى سَلاَمِ الصَّبِيِّ، بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إِسْلاَمِهِ - أَيْ الصَّبِيِّ - وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ وُجُوبَ الرَّدِّ (38) .
السَّلاَمُ عَلَى النِّسَاءِ:
19 - سَلاَمُ الْمَرْأَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ يُسَنُّ كَسَلاَمِ الرَّجُل عَلَى الرَّجُل، وَرَدُّ السَّلاَمِ مِنَ الْمَرْأَةِ عَلَى مِثْلِهَا كَالرَّدِّ مِنَ الرَّجُل عَلَى سَلاَمِ الرَّجُل.
وَأَمَّا سَلاَمُ الرَّجُل عَلَى الْمَرْأَةِ؛ فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً أَوْ مِنَ الْمَحَارِمِ فَسَلاَمُهُ عَلَيْهَا سُنَّةٌ، وَرَدُّ السَّلاَمِ مِنْهَا عَلَيْهِ وَاجِبٌ، بَل يُسَنُّ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّجُل عَلَى أَهْل بَيْتِهِ وَمَحَارِمِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ أَجْنَبِيَّةً فَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا أَوِ امْرَأَةً لاَ تُشْتَهَى فَالسَّلاَمُ عَلَيْهَا سُنَّةٌ، وَرَدُّ السَّلاَمِ مِنْهَا عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهَا لَفْظًا وَاجِبٌ. وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ شَابَّةً يُخْشَى الاِفْتِتَانُ بِهَا، أَوْ يُخْشَى افْتِتَانُهَا هِيَ أَيْضًا بِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهَا فَالسَّلاَمُ عَلَيْهَا وَجَوَابُ السَّلاَمِ مِنْهَا حُكْمُهُ الْكَرَاهَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الرَّجُل يَرُدُّ عَلَى سَلاَمِ الْمَرْأَةِ فِي نَفْسِهِ إِنْ سَلَّمَتْ هِيَ عَلَيْهِ، وَتَرُدُّ هِيَ أَيْضًا فِي نَفْسِهَا إِنْ سَلَّمَ هُوَ عَلَيْهَا، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِحُرْمَةِ رَدِّهَا عَلَيْهِ.
وَأَمَّا سَلاَمُ الرَّجُل عَلَى جَمَاعَةِ النِّسَاءِ فَجَائِزٌ، وَكَذَا سَلاَمُ الرِّجَال عَلَى الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ. وَمِمَّا يَدُل عَلَى جَوَازِ سَلاَمِ الرَّجُل عَلَى جَمَاعَةِ النِّسَاءِ مَا رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ ﵂ قَالَتْ: مَرَّ عَلَيْنَا رَسُول اللَّهِ - ﷺ - فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا (39) .
وَمِمَّا يَدُل عَلَى جَوَازِ السَّلاَمِ عَلَى الْمَرْأَةِ الْعَجُوزِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَهْل بْنِ سَعْدٍ ﵁ قَال: كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تُرْسِل إِلَيَّ بِضَاعَةَ نَخْلٍ بِالْمَدِينَةِ فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُول السَّلْقِ فَتَطْرَحُهُ فِي قِدْرٍ، وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا وَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إِلَيْنَا (40) ، وَمَعْنَى تُكَرْكِرُ؛ أَيْ: تَطْحَنُ (41) .
السَّلاَمُ عَلَى الْفُسَّاقِ وَأَرْبَابِ الْمَعَاصِي:
20 - ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ السَّلاَمَ عَلَى الْفَاسِقِ الْمُجَاهِرِ بِفِسْقِهِ مَكْرُوهٌ وَإِلاَّ فَلاَ، وَمِثْل الْفَاسِقِ فِي هَذَا لاَعِبُ الْقِمَارِ وَشَارِبُ الْخَمْرِ وَمُطَيِّرُ الْحَمَامِ وَالْمُغَنِّي وَالْمُغْتَابُ حَال تَلَبُّسِهِمْ بِذَلِكَ، نُقِل عَنْ فُصُول الْعَلاَّمِيِّ أَنَّهُ لاَ يُسَلِّمُ، وَيُسَلِّمُ عَلَى قَوْمٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَعَلَى مَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ نَاوِيًا أَنْ يُشْغِلَهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكُرِهَ عِنْدَهُمَا تَحْقِيرًا لَهُمَا (42) .
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلاَمِ عَلَى أَهْل الأَْهْوَاءِ مَكْرُوهٌ، كَابْتِدَائِهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (43) .
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ فِي اسْتِحْبَابِ السَّلاَمِ عَلَى الْفُسَّاقِ وَفِي وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ إِذَا سَلَّمَا. وَذَكَرَ فِي الأَْذْكَارِ أَنَّ الْمُبْتَدِعَ وَمَنِ اقْتَرَفَ ذَنْبًا عَظِيمًا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لاَ يُسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَلاَ يُرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ.
مُحْتَجًّا بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ هُوَ وَرَفِيقَانِ لَهُ فَقَال: وَنَهَى رَسُول اللَّهِ - ﷺ - عَنْ كَلاَمِنَا. قَال: وَكُنْتُ آتِي رَسُول اللَّهِ - ﷺ - فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَأَقُول: هَل حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ أَمْ لاَ؟ (44) وَبِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الأَْدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَال: (لاَ تُسَلِّمُوا عَلَى شُرَّابِ الْخَمْرِ) (45) .
قَال النَّوَوِيُّ: فَإِنِ اضْطُرَّ إِلَى السَّلاَمِ عَلَى الظَّلَمَةِ، بِأَنْ دَخَل عَلَيْهِمْ وَخَافَ تَرَتُّبَ مَفْسَدَةٍ فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَوْ غَيْرِهِمَا إِنْ لَمْ يُسَلِّمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَذَكَرَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ يُسَلِّمُ وَيَنْوِي أَنَّ السَّلاَمَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَكُونُ الْمَعْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ رَقِيبٌ (46) .
وَذَكَرَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الآْدَابِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِكُل مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ يَلْعَبُ النَّرْدَ أَوِ الشِّطْرَنْجَ، وَكَذَا مُجَالَسَتُهُ لإِِظْهَارِهِ الْمَعْصِيَةَ، وَقَال أَحْمَدُ فِيمَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ: مَا هُوَ أَهْلٌ أَنْ يُسَلَّمَ عَلَيْهِ، كَمَا لاَ يُسَلَّمُ عَلَى الْمُتَلَبِّسِينَ بِالْمَعَاصِي، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ إِنْ سَلَّمُوا إِلاَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ انْزِجَارُهُمْ بِتَرْكِ الرَّدِّ.
قَال أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لأَِحْمَدَ: أَمُرُّ بِالْقَوْمِ يَتَقَاذَفُونَ، أُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ؟ قَال: هَؤُلاَءِ قَوْمٌ سُفَهَاءُ، وَالسَّلاَمُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، قُلْتُ لأَِحْمَدَ: أُسَلِّمُ عَلَى الْمُخَنَّثِ؟ قَال: لاَ أَدْرِي، السَّلاَمُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ جَل (47) .
وَأَمَّا رَدُّ السَّلاَمِ عَلَى الْفَاسِقِ أَوِ الْمُبْتَدِعِ فَلاَ يَجِبُ زَجْرًا لَهُمَا كَمَا فِي رُوحِ الْمَعَانِي (48) . السَّلاَمُ عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ:
21 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ السَّلاَمَ عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِمْ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الذِّمِّيِّ إِنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ حَاجَةٌ؛ لأَِنَّ السَّلاَمَ حِينَئِذٍ لأَِجْل الْحَاجَةِ لاَ لِتَعْظِيمِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُول: السَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (49) . وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا إِلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَسَائِرِ فِرَقِ الضَّلاَل بِالسَّلاَمِ مَكْرُوهٌ؛ لأَِنَّ السَّلاَمَ تَحِيَّةٌ وَالْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (50) .
وَيَحْرُمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بُدَاءَةُ الذِّمِّيِّ بِالسَّلاَمِ، وَلَهُ أَنْ يُحَيِّيَهُ بِغَيْرِ السَّلاَمِ بِأَنْ يَقُول: هَدَاكَ اللَّهُ، أَوْ: أَنْعَمَ اللَّهُ صَبَاحَكَ، إِنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ حَاجَةٌ، وَإِلاَّ فَلاَ يَبْتَدِئُهُ بِشَيْءٍ مِنَ الإِْكْرَامِ أَصْلاً؛ لأَِنَّ ذَلِكَ بَسْطٌ لَهُ وَإِينَاسٌ وَإِظْهَارُ وُدٍّ (51) . وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُومَنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (52) .
وَقَال النَّوَوِيُّ فِي الأَْذْكَارِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَهْل الذِّمَّةِ، فَقَطَعَ الأَْكْثَرُونَ بِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلاَمِ، وَقَال آخَرُونَ: لَيْسَ هُوَ بِحَرَامٍ بَل هُوَ مَكْرُوهٌ.
حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا؛ أَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ بِالسَّلاَمِ، وَلَكِنْ يَقْتَصِرُ الْمُسَلِّمُ عَلَى قَوْلِهِ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ، وَلاَ يَذْكُرُهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، إِلاَّ أَنَّ النَّوَوِيَّ وَصَفَ هَذَا الْوَجْهَ بِأَنَّهُ شَاذٌّ.
وَبُدَاءَةُ أَهْل الذِّمَّةِ بِالسَّلاَمِ لاَ تَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ نُحَيِّيَهُمْ بِتَحِيَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ السَّلاَمِ. قَال أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لأَِبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَكْرَهُ أَنْ يَقُول الرَّجُل لِلذِّمِّيِّ كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ أَوْ: كَيْفَ حَالُكَ؟ أَوْ: كَيْفَ أَنْتَ؟ أَوْ نَحْوَ هَذَا؟ قَال: نَعَمْ، هَذَا عِنْدِي أَكْثَرُ مِنَ السَّلاَمِ.
وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ قَال لِلذِّمِّيِّ: أَطَال اللَّهُ بَقَاءَكَ، جَازَ، إِنْ نَوَى أَنَّهُ يُطِيلُهُ لِيُسْلِمَ أَوْ لِيُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ لأَِنَّهُ دُعَاءٌ بِالإِْسْلاَمِ، وَإِلاَّ فَلاَ يَجُوزُ (53) .
وَدَلِيل كَرَاهَةِ الْبُدَاءَةِ بِالسَّلاَمِ قَوْل رَسُول اللَّهِ - ﷺ - لاَ تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلاَ النَّصَارَى بِالسَّلاَمِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ (54) .
وَالاِسْتِقَالَةُ أَنْ يَقُول لَهُ: رُدَّ سَلاَمِي الَّذِي سَلَّمْتُهُ عَلَيْكَ؛ لأَِنِّي لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ كَافِرٌ مَا سَلَّمْتُ عَلَيْكَ. وَيُسْتَحَبُّ لَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ سَلَّمَ عَلَى مَنْ يَظُنُّهُ مُسْلِمًا فَبَانَ ذِمِّيًّا أَنْ يَسْتَقِيلَهُ بِأَنْ يَقُول لَهُ: رُدَّ سَلاَمِي الَّذِي سَلَّمْتُهُ عَلَيْكَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقِيل: إِنَّهُ كَافِرٌ، فَقَال: رُدَّ عَلَيَّ مَا سَلَّمْتُ عَلَيْكَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَال أَكْثَرَ اللَّهُ مَالَكَ وَوَلَدَكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَال: أَكْثَرُ لِلْجِزْيَةِ) . وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَسْتَقِيلُهُ.
وَإِذَا كَتَبَ إِلَى الذِّمِّيِّ كِتَابًا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِ: السَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، اقْتِدَاءً بِرَسُول اللَّهِ - ﷺ - فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى ذَلِكَ حِينَ كَتَبَ إِلَى هِرَقْل مَلِكِ الرُّومِ.
وَإِذَا مَرَّ وَاحِدٌ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ مُسْلِمُونَ - وَلَوْ وَاحِدًا - وَكُفَّارٌ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَيَقْصِدَ الْمُسْلِمِينَ أَوِ الْمُسْلِمَ. لِمَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ﵄. أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَْوْثَانِ وَالْيَهُودِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ ﷺ (55) .
رَدُّ السَّلاَمِ عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ:
22 - وَأَمَّا رَدُّ السَّلاَمِ عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَلاَ يَجِبُ إِلاَّ إِذَا تَحَقَّقَ الْمُسْلِمُ مِنْ لَفْظِ السَّلاَمِ مِنَ الذِّمِّيِّ، وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَيَقْتَصِرُ فِي الرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِ: وَعَلَيْكُمْ، بِالْوَاوِ وَالْجَمْعِ، أَوْ: وَعَلَيْكَ، بِالْوَاوِ دُونَ الْجَمْعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِكَثْرَةِ الأَْخْبَارِ فِي ذَلِكَ (56) .
فَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ - ﷺ - إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْل الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ (57) وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - ﵄ - أَنَّ رَسُول اللَّهِ - ﷺ - قَال: إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُول أَحَدُهُمْ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقُل: وَعَلَيْكَ (58) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَقُول فِي الرَّدِّ: عَلَيْكَ، بِغَيْرِ وَاوٍ بِالإِْفْرَادِ أَوِ الْجَمْعِ (59) . لِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ - ﷺ - إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ يَقُول أَحَدُهُمُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقُل: عَلَيْكَ (60) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ قَال: عَلَيْكُمْ. بِالْجَمْعِ وَبِغَيْرِ وَاوٍ.
وَنَقَل النَّفْرَاوِيُّ عَنِ الأَُجْهُورِيُّ قَوْلَهُ: إِنْ تَحَقَّقَ الْمُسْلِمُ أَنَّ الذِّمِّيَّ نَطَقَ بِالسَّلاَمِ بِفَتْحِ السِّينِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِ؛ لاِحْتِمَال أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الدُّعَاءَ.
مَنْ يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ:
23 - يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيل عَلَى الْكَثِيرِ، وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ.
لِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيل عَلَى الْكَثِيرِ (61) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ زِيَادَةُ: الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ (62) وَهَذَا الْمَذْكُورُ هُوَ السُّنَّةُ، فَلَوْ خَالَفُوا فَسَلَّمَ الْمَاشِي عَلَى الرَّاكِبِ، أَوِ الْجَالِسُ عَلَيْهِمَا لَمْ يُكْرَهْ، وَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا لاَ يُكْرَهُ ابْتِدَاءُ الْكَثِيرِينَ بِالسَّلاَمِ عَلَى الْقَلِيل، وَالْكَبِيرِ عَلَى الصَّغِيرِ، وَيَكُونُ هَذَا تَرْكًا لِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ سَلاَمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا فِيمَا إِذَا تَلاَقَى الاِثْنَانِ فِي طَرِيقٍ، أَمَّا إِذَا وَرَدَ عَلَى قُعُودٍ أَوْ قَاعِدٍ، فَإِنَّ الْوَارِدَ يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ عَلَى كُل حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَانَ كَبِيرًا، قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا.
وَإِذَا لَقِيَ رَجُلٌ جَمَاعَةً فَأَرَادَ أَنْ يَخُصَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ بِالسَّلاَمِ كُرِهَ؛ لأَِنَّ الْقَصْدَ مِنَ السَّلاَمِ الْمُؤَانَسَةُ وَالأُْلْفَةُ، وَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ إِيحَاشٌ لِلْبَاقِينَ، وَرُبَّمَا صَارَ سَبَبًا لِلْعَدَاوَةِ، وَإِذَا مَشَى فِي السُّوقِ أَوِ الشَّوَارِعِ الْمَطْرُوقَةِ كَثِيرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ فِيهِ الْمُتَلاَقُونَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ السَّلاَمَ هُنَا إِنَّمَا يَكُونُ لِبَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ. قَال: لأَِنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَى كُل مَنْ لَقِيَ لَتَشَاغَل بِهِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَلَخَرَجَ بِهِ عَنْ الْعُرْفِ.
اسْتِحْبَابُ السَّلاَمِ عِنْدَ دُخُول بَيْتٍ أَوْ مَسْجِدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ:
24 - يُسْتَحَبُّ إِذَا دَخَل بَيْتَهُ أَنْ يُسَلِّمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ وَلْيَقُل: السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ (63) . وَكَذَا إِذَا دَخَل مَسْجِدًا، أَوْ بَيْتًا لِغَيْرِهِ فِيهِ أَحَدٌ، يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ وَأَنْ يَقُول: السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْل الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ (64) . السَّلاَمُ عِنْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ:
25 - إِذَا كَانَ جَالِسًا مَعَ قَوْمٍ ثُمَّ قَامَ لِيُفَارِقَهُمْ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى مَجْلِسٍ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ، ثُمَّ إِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتْ الأُْولَى بِأَحَقَّ مِنَ الآْخِرَةِ (65)
إِلْقَاءُ السَّلاَمِ عَلَى مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ السَّلاَمَ:
26 - قَال النَّوَوِيُّ: إِذَا مَرَّ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ لاَ يَرُدُّ عَلَيْهِ، إِمَّا لِتَكَبُّرٍ الْمَمْرُورِ عَلَيْهِ وَإِمَّا لإِِهْمَالِهِ الْمَارَّ أَوِ السَّلاَمَ، وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُسَلِّمَ وَلاَ يَتْرُكَهُ لِهَذَا الظَّنِّ، فَإِنَّ السَّلاَمَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَاَلَّذِي أُمِرَ بِهِ الْمَارُّ أَنْ يُسَلِّمَ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِأَنْ يُحَصِّل الرَّدَّ، مَعَ أَنَّ الْمَمْرُورَ عَلَيْهِ قَدْ يُخْطِئُ الظَّنُّ فِيهِ وَيَرُدُّ.
ثُمَّ قَال النَّوَوِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَى إِنْسَانٍ وَأَسْمَعَهُ سَلاَمَهُ وَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الرَّدُّ بِشُرُوطِهِ فَلَمْ يَرُدَّ، أَنْ يُحَلِّلَهُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُول: أَبْرَأْتُهُ مِنْ حَقِّي فِي رَدِّ السَّلاَمِ، أَوْ: جَعَلْتُهُ فِي حِلٍّ مِنْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَيَلْفِظُ بِهَذَا، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ هَذَا الآْدَمِيِّ.
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَى إِنْسَانٍ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقُول لَهُ بِعِبَارَةٍ لَطِيفَةٍ: رَدُّ السَّلاَمِ وَاجِبٌ، فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ لِيَسْقُطَ عَنْكَ فَرْضُ الرَّدِّ (66) .
السَّلاَمُ عِنْدَ زِيَارَةِ الْمَوْتَى:
أ - السَّلاَمُ عِنْدَ زِيَارَةِ النَّبِيِّ - ﷺ - وَصَاحِبَيْهِ:
27 - يُنْدَبُ لِكُل حَاجٍّ زِيَارَةُ النَّبِيِّ - ﷺ - بِالْمَدِينَةِ، فَإِنَّ زِيَارَتَهُ - ﷺ - مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَأَهَمِّهَا وَأَرْبَحِ الْمَسَاعِي وَأَفْضَل الطِّلْبَاتِ، وَانْظُرْ بَحْثَ (زِيَارَة) .
وَإِذَا أَتَى الزَّائِرُ الْمَسْجِدَ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ الْكَرِيمَ، فَاسْتَقْبَلَهُ وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ عَلَى نَحْوِ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ مِنْ جِدَارِ الْقَبْرِ وَسَلَّمَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُول: (السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُول اللَّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا خِيرَةَ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ اللَّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَأَصْحَابِكَ وَأَهْل بَيْتِكَ وَعَلَى النَّبِيِّينَ وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ بَلَّغْتَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّيْتَ الأَْمَانَةَ وَنَصَحْتَ الأُْمَّةَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أَفْضَل مَا جَزَى رَسُولاً عَنْ أُمَّتِهِ) وَلاَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ قَدْ أَوْصَاهُ أَحَدٌ بِالسَّلاَمِ عَلَى رَسُول اللَّهِ - ﷺ - قَال: " السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُول اللَّهِ مِنْ فُلاَنِ ابْنِ فُلاَنٍ. ثُمَّ يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ إِلَى جِهَةِ يَمِينِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ﵁ وَيَقُول: " السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُول اللَّهِ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا صِدِّيقَ رَسُول اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّكَ جَاهَدْتَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، جَزَاكَ اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ خَيْرًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَأَرْضَاكَ وَجَعَل الْجَنَّةَ مُتَقَلَّبَكَ وَمَثْوَاكَ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ كُل الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ ".
ثُمَّ يَتَأَخَّرُ ذِرَاعًا لِلسَّلاَمِ عَلَى عُمَرَ ﵁ وَيَقُول: " السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا صَاحِبَ رَسُول اللَّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ الْفَارُوقَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ جَاهَدْتَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، جَزَاكَ اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ خَيْرًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَأَرْضَاكَ وَجَعَل الْجَنَّةَ مُتَقَلَّبُكَ وَمَثْوَاكَ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ كُلالصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ " ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَوْقِفِهِ الأَْوَّل قُبَالَةَ وَجْهِ رَسُول اللَّهِ - ﷺ (67) .
السَّلاَمُ عِنْدَ زِيَارَةِ الْقُبُورِ:
28 - قَال الْقُرْطُبِيُّ: زِيَارَةُ الْقُبُورِ مِنْ أَعْظَمِ الدَّوَاءِ لِلْقَلْبِ الْقَاسِي؛ لأَِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ وَالآْخِرَةَ. وَذَلِكَ يَحْمِل عَلَى قِصَرِ الأَْمَل وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَتَرْكِ الرَّغْبَةِ فِيهَا (68) . وَتَذْكُرُ كُتُبُ السُّنَّةِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ - كَانَ يَزُورُ الْقُبُورَ وَيُسَلِّمُ عَلَى سَاكِنِيهَا، وَيُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ ذَلِكَ.
فَعَنْ بُرَيْدَةَ - ﵁ - قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ - ﷺ - يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ، فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُول: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْل الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاَحِقُونَ، وَأَسْأَل اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ (69) . وَعَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّهِ - ﷺ - كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتَهَا مِنْ رَسُول اللَّهِ - ﷺ - يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْل إِلَى الْبَقِيعِ فَيَقُول: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَِهْل بَقِيعِ الْغَرْقَدِ (70) .
قَوْل: " عَلَيْهِ السَّلَامُ " عِنْدَ ذِكْرِ نَبِيٍّ أَوْ رَجُلٍ مِنَ الصَّالِحِينَ:
29 - السَّلاَمُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ فِي الْغَيْبَةِ مَقْصُورٌ عَلَى الأَْنْبِيَاءِ وَالْمَلاَئِكَةِ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ، مِثْل قَوْلِكَ: نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ تَأَسِّيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} (71) وَقَوْلِهِ: {سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} (72) وَقَوْلِهِ: {سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} (73) وَقَوْلِهِ: {سَلاَمٌ عَلَى إِل يَاسِينَ} (74) نَعَمْ يَجُوزُ السَّلاَمُ عَلَى آلِهِمْ وَأَصْحَابِهِمْ تَبَعًا لَهُمْ دُونَ اسْتِقْلاَلٍ. 30 - وَأَمَّا السَّلاَمُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ اسْتِقْلاَلاً فَمَنَعَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَال بِأَنَّ السَّلاَمَ هُوَ فِي مَعْنَى الصَّلاَةِ فَلاَ يُسْتَعْمَل فِي الْغَائِبِ، فَلاَ يُفْرَدُ بِهِ غَيْرُ الأَْنْبِيَاءِ، فَلاَ يُقَال: أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلاَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الأَْحْيَاءُ وَالأَْمْوَاتُ، وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَيُخَاطَبُ بِهِ فَيُقَال: سَلاَمٌ عَلَيْكَ أَوْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ أَوِ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَوْ عَلَيْكُمْ.
وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ بِأَنَّ السَّلاَمَ يُشْرَعُ فِي حَقِّ كُل مُؤْمِنٍ مِنْ حَيٍّ وَمَيِّتٍ وَغَائِبٍ وَحَاضِرٍ، وَهُوَ تَحِيَّةُ أَهْل الإِْسْلاَمِ، بِخِلاَفِ الصَّلاَةِ فَإِنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الرَّسُول - ﷺ وَآلِهِ - وَلِهَذَا يَقُول الْمُصَلِّي: السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَلاَ يَقُول: الصَّلاَةُ عَلَيْنَا (75) .
السَّلاَمُ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنَ الصَّلاَةِ:
31 - الْخُرُوجُ مِنَ الصَّلاَةِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالسَّلاَمِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّ السَّلاَمَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ عِنْدَهُمْ - لِقَوْلِهِ - ﷺ - مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ (76) . أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَالسَّلاَمُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ رُكْنًا بَل هُوَ وَاجِبٌ، لأَِنَّ الرَّسُول - ﷺ - لَمْ يُعَلِّمْهُ الْمُسِيءَ صَلاَتَهُ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لأََمَرَ بِهِ؛ إِذْ لاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ. فَالْخُرُوجُ مِنَ الصَّلاَةِ عِنْدَهُمْ يَكُونُ بِالسَّلاَمِ، وَيَكُونُ بِغَيْرِهِ مِنْ كُل عَمَلٍ أَوْ قَوْلٍ مُنَافٍ لِلصَّلاَةِ. وَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى سَلاَمٍ (77) . وَتَفْصِيلُهُ فِي (تَسْلِيم) .
هَذَا وَالسَّلاَمُ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنْ صَلاَةِ الْجِنَازَةِ يَكُونُ بَعْدَ آخِرِ تَكْبِيرَةٍ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي (صَلاَة الْجِنَازَةِ (1))
__________
(1) سورة الأنعام / 127.
(2) اللسان والصحاح والمصباح مادة (سلم) .
(3) سورة النساء / 86، وتفسير القرطبي 5 / 297 ط الأولى
(4) سورة النور / 61، وتفسير القرطبي 12 / 318 ط الأولى، روح المعاني 18 / 222 ط المنيرية.
(5) سورة الرعد / 23 - 24.
(6) لسان العرب والمصباح مادة (سلم) .
(7) حديث: " التحيات لله ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 311 - ط السلفية) ومسلم (1 / 301 - ط الحلبي) من حديث ابن مسعود.
(8) اللسان والمصباح مادة (حيا) ، تفسير القرطبي 5 / 297 - 298 ط الأولى.
(9) المصباح واللسان وتاج العروس مادة (قبل) .
(10) المصباح مادة (صفح) ، وابن عابدين 5 / 242 المصرية، الفواكه الدواني 2 / 424 ط حلب، حاشية القليوبي 3 / 213 ط حلب.
(11) حديث: أن النبي ﷺ عانق أبا ذر أخرجه أبو داود (5 / 389 - 390 تحقيق عزت عبيد دعاس) وأعله ابن مفلح بجهالة الراوي عن أبي ذر، كذا في الآداب الشرعية (2 / 275 - ط المنار) .
(12) المصباح مادة (عنق) ، ابن عابدين 2 / 282 - 283، 5 / 244 ط المصرية، الفواكه الدواني 2 / 425 ط حلب، حاشية عميرة 2 / 58 ط حلب، حاشية القليوبي 3 / 213 ط حلب، الآداب الشرعية لابن مفلح 2 / 270، 272 ط الرياض.
(13) سورة الرعد / 24.
(14) حديث: " لا تقل عليك السلام ". أخرجه أبو داود (4 / 344 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث جابر بن سليم، وأخرجه كذلك الترمذي (5 / 72 - ط الحلبي) وقال: / " حديث صحيح ".
(15) حاشية العدوي على الرسالة 2 / 435 ط المعرفة، القرطبي 5 / 300 - 301 ط الأولى، الأذكار للنووي 390 ط الأولى، والفتوحات الربانية شرح الأذكار 5 / 322 والحديث: " السلام عليكم دار قوم مؤمنين " أخرجه مسلم (1 / 218 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(16) روح المعاني 5 / 99 ط المنيرية.
(17) سورة النساء / 86 - وانظر روح المعاني 5 / 99 ط المنيرية، القرطبي 5 / 299 ط الأولى، العدوي على الرسالة 2 / 435 ط المعرفة، الأذكار للنووي / 391 - 392 ط الأولى.
(18) حديث: " ليس منا من تشبه بغيرنا ". أخرجه الترمذي (5 / 56 - 57 ط الحلبي) .
(19) الفواكه الدواني 2 / 422 - 423 ط حلب، الأذكار للنووي / 393 - 394 ط الأولى.
(20) الأذكار للنووي / 396 ط الأولى ودليل الفالحين 5 / 310، والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 419.
(21) حديث: " هذا جبريل يقرأ عليك السلام ". أخرجه البخاري (الفتح 11 / 38 ط. السلفية) ومسلم (4 / 1895 - ط الحلبي) من حديث عائشة.
(22) روح المعاني 5 / 100 - 101 ط المنيرية - القرطبي 5 / 300 - 301 ط. الأولى، التفسير الكبير للرازي 10 / 213، 215 ط. الأولى، الأذكار للنووي / 395 - 396 ط. الأولى.
(23) حديث: " حق المسلم ". أخرجه مسلم (4 / 1705 - ط الحلبي) .
(24) سورة النور / 61.
(25) سورة النساء / 86.
(26) حديث: " أي الإسلام خير ". أخرجه البخاري (الفتح 11 / 21 - ط السلفية) ومسلم (1 / 65 - ط الحلبي) .
(27) حديث: " خلق الله آدم ". أخرجه البخاري (الفتح 11 / 3 - ط السلفية) ومسلم (4 / 2183 - 2184 ط السلفية) .
(28) حديث البراء: " أمرنا رسول الله ﷺ بسبع ". أخرجه البخاري (الفتح 11 / 18 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1635 - ط الحلبي) .
(29) حديث: " يجزئ عن الجماعة ". أخرجه أبو داود (5 / 387 - 388 تحقيق عزت عبيد دعاس) وذكر المنذري تضعيف أحد رواته في مختصر السنن (8 / 78 - نشر دار المعرفة) إلا أن له شواهد تقويه ذكر بعضها الزيلعي في نصب الراية.
(30) فتح القدير 5 / 469 ط. الأميرية، مراقي الفلاح 105، حاشية ابن عابدين 1 / 260، حاشية العدوي على الرسالة 2 / 434 - 436 - ط المعرفة، حاشية القليوبي 4 / 215 - 216، الأذكار للنووي / 394 - 395 ط. الأولى، رياض الصالحين / 343 - 344 ط. دار الكتاب العربي، الآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 374.
(31) ابن عابدين 1 / 260 ط. بولاق، جواهر الإكليل 1 / 36 - 37. ط المعرفة تحفة المحتاج 9 / 227 - 228 ط، دار صادر، المغني 2 / 60 - 61 ط. الرياض.
(32) جواهر الإكليل 1 / 251 ط. المعرفة، المغني 2 / 60 - 61 ط. الرياض كشاف القناع 1 / 241.
(33) الهداية وفتح القدير 1 / 173، 291 - 292 ط. الأميرية، ابن عابدين 1 / 414 ط. المصرية، جواهر الإكليل 1 / 63 ط. المعرفة، تحفة المحتاج 9 / 228 ط. دار صادر. المغني 2 / 60 - 61 ط. الرياض، كشاف القناع 1 / 399.
(34) حديث ابن عمر: أن رجلا مر ورسول الله ﷺ يبول. . . أخرجه مسلم (1 / 281 - ط الحلبي) .
(35) حديث جابر: أن رجلا مر على النبي ﷺ وهو يبول. . . أخرجه ابن ماجه (1 / 126 - ط الحلبي) وحسن إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 102 - ط دار الحنان) .
(36) فتح القدير 1 / 173 ط. الأميرية، ابن عابدين 1 / 411 - 415 ط. المصرية جواهر الإكليل 1 / 37، 251 ط. المعرفة، الزرقاني 3 / 109 ط. الفكر. الخرشي 3 / 110 ط. بولاق، تحفة المحتاج 9 / 227 - 228 ط. دار صادر. الروضة 10 / 232 ط. المكتب الإسلامي، حاشية الجمل على المنهج 5 / 188 - 189 ط. التراث، الأذكار / 401 - 402 ط. الأولى. المغني 1 / 167 ط. الرياض.
(37) حديث أنس أنه مر على صبيان فسلم عليهم. أخرجه البخاري (الفتح 11 / 32 - ط السلفية) .
(38) ابن عابدين 5 / 265 ط. المصرية، الفواكه الدواني 2 / 422 ط. الثانية القرطبي 5 / 302 ط. الأولى، الروضة 10 / 229 ط. المكتب الإسلامي، نهاية المحتاج 8 / 47 ط. المكتبة الإسلامية، تحفة المحتاج 9 / 223 ط. دار صادر، الأذكار / 396 - 397 ط. الأولى، الآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 380 ط. المنار.
(39) حديث أسماء بنت يزيد: مر علينا النبي ﷺ في نسوة. أخرجه أبو داود (5 / 383 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والترمذي (5 / 58 - ط الحلبي) ، واللفظ لأبي داود، وحسنه الترمذي.
(40) حديث سهل بن سعد: كانت لنا عجوز. أخرجه البخاري (الفتح 11 / 33 - ط السلفية) .
(41) ابن عابدين 5 / 236 ط المصرية، روح المعاني 5 / 99 ط. المنيرية، القرطبي 5 / 302 ط. الأولى، الفواكه الدواني 2 / 422 ط. الثالثة، شرح الزرقاني 3 / 110 ط دار الفكر، روضة الطالبين 10 / 229 - 230 ط. المكتب الإسلامي، الأذكار للنووي / 402 - 403 ط. الأولى، تحفة المحتاج 9 / 223 ط دار صادر، التفسير الكبير للرازي 10 / 214 - 215 ط الأولى - الآداب الشرعية 1 / 374 - 375 ط الأولى.
(42) ابن عابدين 1 / 414 - 5 / 267 ط. المصرية. الفواكه الدواني 2 / 426 ط. الثالثة.
(43) حاشية العدوي على شرح الرسالة 2 / 438، والفواكه الدواني 2 / 426.
(44) حديث قصة كعب بن مالك. أخرجه البخاري (الفتح 3 / 115 - ط السلفية) ومسلم (4 / 2124 - ط. الحلبي) .
(45) قول عبد الله بن عمرو: لا تسلموا على شراب الخمر. أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص 263 - ط السلفية) .
(46) روضة الطالبين 10 / 230 ط. المكتب الإسلامي، الأذكار / 407 ط. الأولى الأدب المفرد بشرحه 2 / 472 ط. السلفية.
(47) الآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 389 ط. الأولى.
(48) روح المعاني 5 / 101 ط المنيرية.
(49) ابن عابدين 5 / 264 - 265 ط. المصرية، الاختيار 4 / 165 ط. المعرفة روح المعاني 5 / 100 ط. المنيرية.
(50) الفواكه الدواني 2 / 425 - 426 ط. الثالثة، حاشية العدوي على الخرشي 3 / 110 ط بولاق، القرطبي 5 / 303 ط الأولى.
(51) نهاية المحتاج 8 / 49 ط. المكتبة الإسلامية، تحفة المحتاج 9 / 226 ط. دار صادر، روضة الطالبين 10 / 230 - 231 ط. المكتب الإسلامي.
(52) سورة المجادلة / 22.
(53) الاختيار 4 / 165 ط. المعرفة، الأذكار ص / 404 - 406 ط. الأولى. المغني 8 / 536 ط. الرياض، كشاف القناع 3 / 129 ط،. النصر، الكافي 4 / 359 ط الثانية.
(54) حديث: " لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام ". أخرجه مسلم (4 / 1707 ط. الحلبي) .
(55) ابن عابدين 5 / 264 - 265 ط المصرية، الفواكه الدواني 2 / 425 - 426 ط الثالثة - نهاية المحتاج 8 / 49 ط. المكتبة الإسلامية، تحفة المحتاج 9 / 226 ط. دار صادر، الأذكار / 405 - 406 ط. الأولى، روضة الطالبين 10 / 231 ط. المغني 8 / 536 ط. الرياض.
(56) الاختيار 4 / 165 ط. المعرفة، الفواكه الدواني 2 / 425 - ذ42 ط. الثالثة، نهاية المحتاج 8 / 49 ط. المكتبة الإسلامية، كشاف القناع 3 / 130 ط. النصر.
(57) " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم " أخرجه البخاري (الفتح 11 / 42 ط. السلفية) ومسلم (4 / 1705 ط. الحلبي) .
(58) حديث: " إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم. . . ". أخرجه البخاري (11 / 42 ط. السلفية) .
(59) رياض الصالحين / 349 ط. دار الكتاب العربي، صحيح مسلم بشرح النووي 14 / 144 ط. الأولى، الأذكار / 404، 405 ط الأولى.
(60) حديث: " إن اليهود إذا سلموا عليكم ". أخرجه مسلم (4 / 1706 ط. الحلبي) .
(61) يسلم الراكب على الماشي. أخرجه البخاري (الفتح 11 / 15 - ط. السلفية) .
(62) رواية: " الصغير على الكبير " أخرجه البخاري (الفتح 11 / 14 - ط. السلفية) .
(63) قال الإمام مالك في الموطأ (2 / 962 - ط. الحلبي) . أنه بلغه: إذا دخل البيت غير المسكون يقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
(64) استدل على ذلك بقوله تعالى:} فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة { (النور / 61) .
(65) حديث: " إذا انتهى أحدكم إلى مجلس ". أخرجه الترمذي (5 / 62 - 63 - ط. الحلبي) وقال: " حديث حسن ".
(66) روح المعاني 5 / 102 ط. المنيرية - تفسير القرطبي 5 / 301 - 302 ط. الأولى، التفسير الكبير للرازي 10 / 213 - ط. الأولى، الأذكار / 408 - 412 ط. الأولى.
(67) فتح القدير 2 / 337 ط - الأميرية، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي 2 / 71 - 72 ط. المعرفة، حاشية القليوبي 2 / 126 - ط. الحلبي، الأذكار / 333 - 334 - ط. الأولى، المغني 3 / 558 ط. الرياض، كشاف القناع 2 / 515 - 517 ط. النصر.
(68) تفسير القرطبي 20 / 170 - ط. الأولى.
(69) حديث بريدة: كان رسول الله ﷺ يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر. أخرجه مسلم (1 / 669 - ط. الحلبي) وانظر النسائي 4 / 94 ط. التجارية، ابن ماجه: 1547 وزاد بعد قوله للاحقون " أنتم لنا فرط، ونحن لكم تبع " ونيل الأوطار 4 / 166 - ط. الجيل، رياض الصالحين / 260 - ط. دار الكتاب العربي، الأذكار / 282 - ط. الأولى.
(70) حديث عائشة: أن رسول الله ﷺ كلما كان ليلتها. أخرجه مسلم (1 / 669 - ط. الحلبي) .
(71) سورة الصافات / 79.
(72) سورة الصافات / 109.
(73) سورة الصافات / 120.
(74) سورة الصافات / 130.
(75) الأذكار / 210 - ط. الأولى، القول البديع للسخاوي / 57 ط. الثالثة، جلاء الأفهام لابن القيم / 345 ط. الأولى.
(76) حديث: " مفتاح الصلاة الطهور. . . . ". أخرجه الترمذي (1 / 9 - ط. الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله، وإسناده حسن.
(77) ابن عابدين 1 / 314 - 315 ط. المصرية، فتح القدير 1 / 225 - 226 ط. الأولى، الاختيار 1 / 54 ط. الثالثة، تبيين الحقائق 1 / 125 - 126 ط. الأولى بولاق، الفتاوى الهندية 1 / 76 - 77 ط. الثانية بولاق، جواهر الإكليل 1 / 48 - 49 ط. المعرفة، حاشية الدسوقي 1 / 240 - 241 ط الفكر، حاشية العدوي على الرسالة 1 / 245 - 247 ط المعرفة، شرح الزرقاني 1 / 202 ط. الفكر، الخرشي 1 / 273 - 274 ط. بولاق. حاشية القليوبي 1 / 169 - 170 ط حلب، الروضة 1 / 267 - 269 ط. المكتب الإسلامي، المهذب للشيرازي 2 / 87 ط. الثانية - نهاية المحتاج 1 / 514 - 515 ط. المكتبة الإسلامية، المجموع 3 / 473 - 484 ط. السلفية، كشاف القناع 1 / 361 ط. النصر، الإنصاف 2 / 82 - 83 ط. الثانية، المغني 1 / 551 - 552 ط. الرياض.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 155/ 25
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".