الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
أداء الفريضة التي رُخِّص فيها للمسافر بشروط، كأن يصليها في وقتها قصراً فقط، أو قصراً، وجمعاً على هيئة مخصوصة . ومن أمثلته القصر وهو أن يصلي الظهر، والعصر، والعشاء فقط في أوقاتها ركعتين ركعتين ركعتين . أما القصر مع الجمع، فيصلي الظهر مع العصر ركعتين ركعتين في وقت إحداهما، ويصلي المغرب ثلاث ركعات مع العشاء ركعتين في وقت إحداهما، ولا قصر، ولا جمع في صلاة الفجر . ومن شواهده قوله تَعَالَى : ﱫﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﱪ النساء :101، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ ." البخاري :1111.
يَرِد مُصْطلَح (صَلاة الـمُسافِرِ) في الفقهِ في كِتابِ الصَّلاةِ، باب: صَلاة أَهْلِ الأَعْذارِ، وباب: الجَمْع بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ، وباب: القَصْر في السَّفَرِ، وفي باب: صَلاة الخَوْفِ.
الصَّلاةُ التي تُؤَدَّى في السَّفَرِ على صِفَةٍ خاصَّةٍ.
الـمُسافِرُ مِنْ أَهْلِ الأَعْذارِ، فَيُشْرَعُ لَهُ أَداءُ الصَّلاةِ على صِفَةٍ خاصَّةٍ، وذلك بِقَصْرِ الصَّلاةِ الرُّباعِيَّةِ، كالظُّهْرِ والعَصْرِ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعاتٍ إلى رَكْعَتَيْنِ، وأيضاً الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ، وبَيْنَ المَغْرِبِ والعِشاءِ في وَقْتٍ واحِدٍ، والـمُرادُ بِالسَّفَرِ: خُروجُ الإِنْسانِ مِنْ وَطَنِهِ قاصِداً مَكاناً يَسْتَغْرِقُ السَّيْرُ إلَيْهِ مَسافَةً مُقَدَّرَةً، ويَبْدَأُ السَّفَرُ بِخُروجِ المُسافِرِ مِنْ عامِرِ بَلَدِهِ.
أداء الفريضة التي رُخِّص فيها للمسافر بشروط، كأن يصليها في وقتها قصراً فقط، أو قصراً، وجمعاً على هيئة مخصوصة.
* أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء : (ص 35)
* الكليات : (ص 809)
* حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح : (ص 274)
* شرح مختصر خليل للخرشي : (2/56)
* نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : (2/246)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (2/272)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 276) -
التَّعْرِيفُ:
1 - السَّفَرُ لُغَةً: قَطْعُ الْمَسَافَةِ، وَخِلاَفُ الْحَضَرِ (أَيِ الإِْقَامَةِ) ، وَالْجَمْعُ: أَسْفَارٌ، وَرَجُلٌ سَفْرٌ، وَقَوْمٌ سَفْرٌ: ذَوُو سَفْرٍ (1) .
وَالْفُقَهَاءُ يَقْصِدُونَ بِالسَّفَرِ: السَّفَرَ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الأَْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَهُوَ: أَنْ يَخْرُجَ الإِْنْسَانُ مِنْ وَطَنِهِ قَاصِدًا مَكَانًا يَسْتَغْرِقُ الْمَسِيرُ إِلَيْهِ مَسَافَةً مُقَدَّرَةً عِنْدَهُمْ، عَلَى اخْتِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهَا.
وَالْمُرَادُ بِالْقَصْدِ: الإِْرَادَةُ الْمُقَارِنَةُ لِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ، فَلَوْ طَافَ الإِْنْسَانُ جَمِيعَ الْعَالَمِ بِلاَ قَصْدِ الْوُصُول إِلَى مَكَانٍ مُعَيَّنٍ فَلاَ يَصِيرُ مُسَافِرًا.
وَلَوْ أَنَّهُ قَصَدَ السَّفَرَ، وَلَمْ يَقْتَرِنْ قَصْدُهُ بِالْخُرُوجِ فِعْلاً فَلاَ يَصِيرُ مُسَافِرًا كَذَلِكَ؛ لأَِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ تَغْيِيرِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ هُوَ السَّفَرُ الَّذِي اجْتَمَعَ فِيهِ الْقَصْدُ وَالْفِعْل (2) . خَصَائِصُ السَّفَرِ:
2 - يَخْتَصُّ السَّفَرُ بِأَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَتَتَغَيَّرُ بِوُجُودِهِ، وَمِنْ أَهَمِّهَا: قَصْرُ الصَّلاَةِ الرُّبَاعِيَّةِ، وَإِبَاحَةُ الْفِطْرِ لِلصَّائِمِ، وَامْتِدَادُ مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَحُرْمَةُ السَّفَرِ عَلَى الْحُرَّةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَوِلاَيَةُ الأَْبْعَدِ.
وَيَقْتَصِرُ هَذَا الْبَحْثُ عَلَى مَا يَتَّصِل بِالسَّفَرِ مِنْ حَيْثُ قَصْرُ الصَّلاَةِ. أَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِغَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ كَثِيرٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (سَفَر، صَوْم، الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، أَوْقَاتُ الصَّلاَةِ، نِكَاح، وَوِلاَيَة) .
تَقْسِيمُ الْوَطَنِ:
يَنْقَسِمُ الْوَطَنُ إِلَى: وَطَنٍ أَصْلِيٍّ، وَوَطَنِ إِقَامَةٍ، وَوَطَنِ سُكْنَى.
الْوَطَنُ الأَْصْلِيُّ:
3 - هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَسْتَقِرُّ فِيهِ الإِْنْسَانُ بِأَهْلِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَوْطِنَ وِلاَدَتِهِ أَمْ بَلْدَةً أُخْرَى، اتَّخَذَهَا دَارًا وَتَوَطَّنَ بِهَا مَعَ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَلاَ يَقْصِدُ الاِرْتِحَال عَنْهَا، بَل التَّعَيُّشُ بِهَا.وَيَأْخُذُ حُكْمَ الْوَطَنِ: الْمَكَانُ الَّذِي تَأَهَّل بِهِ، أَيْ تَزَوَّجَ بِهِ، وَلاَ يَحْتَاجُ الْوَطَنُ الأَْصْلِيُّ إِلَى نِيَّةِ الإِْقَامَةِ. لَكِنَ الْمَالِكِيَّةُ يَشْتَرِطُونَ: أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مَدْخُولاً بِهَا غَيْرَ نَاشِزٍ.
وَمِمَّا تَقَدَّمَ يَتَبَيَّنُ: أَنَّ الْوَطَنَ الأَْصْلِيَّ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ أَغْلَبِ الْفُقَهَاءِ بِالإِْقَامَةِ الدَّائِمَةِ عَلَى نِيَّةِ التَّأْبِيدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَكَانِ وِلاَدَتِهِ أَمْ فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ مَكَانُ الزَّوْجَةِ (3) .
4 - وَالْوَطَنُ الأَْصْلِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، وَذَلِكَ مِثْل أَنْ يَكُونَ لَهُ أَهْلٌ وَدَارٌ فِي بَلْدَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ نِيَّةِ أَهْلِهِ الْخُرُوجُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ يَنْتَقِل مِنْ أَهْلٍ إِلَى أَهْلٍ فِي السَّنَةِ، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا مِنْ بَلْدَةٍ فِيهَا أَهْلُهُ، وَدَخَل بَلْدَةً أُخْرَى فِيهَا أَهْلُهُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الإِْقَامَةِ (4) .
مَا يُنْتَقَضُ بِهِ الْوَطَنُ الأَْصْلِيُّ:
5 - الْوَطَنُ الأَْصْلِيُّ يُنْتَقَضُ بِمِثْلِهِ لاَ غَيْرُ، وَهُوَ أَنْ يَتَوَطَّنَ الإِْنْسَانُ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَيَنْقُل الأَْهْل إِلَيْهَا مِنْ بَلْدَتِهِ مُضْرِبًا عَنِ الْوَطَنِ الأَْوَّل، وَرَافِضًا سُكْنَاهُ، فَإِنَّ الْوَطَنَ الأَْوَّل يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ، حَتَّى لَوْ دَخَل فِيهِ مُسَافِرًا لاَ تَصِيرُ صَلاَتُهُ أَرْبَعًا.
وَالأَْصْل فِيهِ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَالْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ - ﵃ - كَانُوا مِنْ أَهْل مَكَّةَ، وَكَانَ لَهُمْ بِهَا أَوْطَانٌ أَصْلِيَّةٌ، ثُمَّ لَمَّا هَاجَرُوا وَتَوَطَّنُوا بِالْمَدِينَةِ، وَجَعَلُوهَا دَارًا لأَِنْفُسِهِمُ انْتَقَضَ وَطَنُهُمُ الأَْصْلِيُّ بِمَكَّةَ، حَتَّى كَانُوا إِذَا أَتَوْا مَكَّةَ يُصَلُّونَ صَلاَةَ الْمُسَافِرِينَ.
وَلِذَلِكَ قَال النَّبِيُّ ﷺ حِينَ صَلَّى بِهِمْ: أَتِمُّوا يَا أَهْل مَكَّةَ صَلاَتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ (5) .
وَلاَ يُنْتَقَضُ الْوَطَنُ الأَْصْلِيُّ بِوَطَنِ الإِْقَامَةِ، وَلاَ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأَِنَّهُمَا دُونَهُ، وَالشَّيْءُ لاَ يُنْسَخُ بِمَا هُوَ دُونَهُ، وَكَذَا لاَ يُنْتَقَضُ بِنِيَّةِ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ وَطَنِهِ حَتَّى يَصِيرَ مُقِيمًا بِالْعَوْدَةِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الإِْقَامَةِ.
وَطَنُ الإِْقَامَةِ:
6 - هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقْصِدُ الإِْنْسَانُ أَنْ يُقِيمَ بِهِ مُدَّةً قَاطِعَةً لِحُكْمِ السَّفَرِ فَأَكْثَرَ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ ذَلِكَ،
مَعَ اخْتِلاَفٍ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ فِي مِقْدَارِ هَذِهِ الْمُدَّةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهَا. أَمَّا شَرَائِطُهُ: فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَيْنِ:
الرِّوَايَةَ الأُْولَى: إِنَّمَا يَصِيرُ الْوَطَنُ وَطَنَ إِقَامَةٍ بِشَرِيطَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَفَرٌ.
وَالثَّانِيَةَ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ وَطَنِهِ الأَْصْلِيِّ وَبَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعِ (الَّذِي تَوَطَّنَ فِيهِ بِنِيَّةِ إِقَامَةِ هَذِهِ الْمُدَّةِ) مَسَافَةُ الْقَصْرِ.
وَبِدُونِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ لاَ يَصِيرُ وَطَنَ إِقَامَةٍ، وَإِنْ نَوَى الإِْقَامَةَ مُدَّةً قَاطِعَةً لِلسَّفَرِ فِي مَكَان صَالِحٍ لِلإِْقَامَةِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُل الْمُقِيمَ لَوْ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ إِلَى قَرْيَةٍ لاَ لِقَصْدِ السَّفَرِ، وَنَوَى أَنْ يَتَوَطَّنَ بِهَا الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ فَلاَ تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إِقَامَةٍ لَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ؛ لاِنْعِدَامِ تَقَدُّمِ السَّفَرِ. وَكَذَا إِذَا قَصَدَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ، وَخَرَجَ حَتَّى وَصَل إِلَى قَرْيَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَطَنِهِ الأَْصْلِيِّ أَقَل مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ لاَ تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إِقَامَةٍ لَهُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ - وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - أَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا مِنْ غَيْرِ هَاتَيْنِ الشَّرِيطَتَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَالْمَالِكِيَّةُ يَشْتَرِطُونَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ إِنْ كَانَتْنِيَّةُ الإِْقَامَةِ فِي ابْتِدَاءِ السَّيْرِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي أَثْنَائِهِ فَلاَ تُشْتَرَطُ الْمَسَافَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (6) .
مَا يُنْتَقَضُ بِهِ وَطَنُ الإِْقَامَةِ:
7 - وَطَنُ الإِْقَامَةِ يُنْتَقَضُ بِالْوَطَنِ الأَْصْلِيِّ؛ لأَِنَّهُ فَوْقَهُ، وَبِوَطَنِ الإِْقَامَةِ؛ لأَِنَّهُ مِثْلُهُ وَالشَّيْءُ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ بِمِثْلِهِ، وَيُنْتَقَضَ بِالسَّفَرِ - أَيْضًا - لأَِنَّ تَوَطُّنَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَيْسَ لِلْقَرَارِ، وَلَكِنْ لِحَاجَةٍ، فَإِذَا سَافَرَ مِنْهُ يُسْتَدَل بِهِ عَلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ، فَصَارَ مُعْرِضًا عَنِ التَّوَطُّنِ بِهِ، فَصَارَ نَاقِضًا لَهُ، وَلاَ يُنْتَقَضُ وَطَنُ الإِْقَامَةِ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأَِنَّهُ دُونَهُ فَلاَ يَنْسَخُهُ.
وَطَنُ السُّكْنَى:
8 - هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقْصِدُ الإِْنْسَانُ الْمَقَامَ بِهِ أَقَل مِنَ الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلسَّفَرِ.
وَشَرْطُهُ: نِيَّةُ عَدَمِ الإِْقَامَةِ الْمُدَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلسَّفَرِ، وَلِذَلِكَ يُعْتَبَرُ مُسَافِرًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَإِنْ طَال مَقَامُهُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصَّلاَةَ (7) ، وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - ﵁ - أَنَّهُ أَقَامَ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى نَيْسَابُورَ شَهْرَيْنِ وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ (8) .
إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
مَا يُنْتَقَضُ بِهِ وَطَنُ السُّكْنَى:
9 - وَطَنُ السُّكْنَى يُنْتَقَضُ بِالْوَطَنِ الأَْصْلِيِّ وَبِوَطَنِ الإِْقَامَةِ؛ لأَِنَّهُمَا فَوْقَهُ، وَيُنْتَقَضُ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لأَِنَّهُ مِثْلُهُ، وَيُنْتَقَضُ بِالسَّفَرِ؛ لأَِنَّ تَوَطُّنَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَيْسَ لِلْقَرَارِ، وَلَكِنْ لِحَاجَةٍ، فَإِذَا سَافَرَ مِنْهُ يُسْتَدَل بِهِ عَلَى انْقِضَاءِ حَاجَتِهِ، فَصَارَ مُعْرِضًا عَنِ التَّوَطُّنِ بِهِ، فَصَارَ نَاقِضًا لَهُ.
هَذَا، وَالْفَقِيهُ الْجَلِيل أَبُو أَحْمَدَ الْعِيَاضِيُّ قَسَّمَ الْوَطَنَ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدِهِمَا: وَطَنِ قَرَارٍ وَالآْخَرِ: مُسْتَعَارٍ.
صَيْرُورَةُ الْمُقِيمِ مُسَافِرًا وَشَرَائِطُهَا:
10 - يَصِيرُ الْمُقِيمُ مُسَافِرًا إِذَا تَحَقَّقَتِ الشَّرَائِطُ الآْتِيَةُ:
الشَّرِيطَةُ الأُْولَى: الْخُرُوجُ مِنَ الْمَقَامِ، أَيْ مَوْطِنِ إِقَامَتِهِ، وَهُوَ أَنْ يُجَاوِزَ عُمْرَانَ بَلْدَتِهِ وَيُفَارِقَ بُيُوتَهَا، وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ مَا يُعَدُّ مِنْهُ عُرْفًا كَالأَْبْنِيَةِ الْمُتَّصِلَةِ، وَالْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ، وَالْمَزَارِعِ، وَالأَْسْوَارِ، وَذَلِكَ عَلَى تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَلاَ بُدَّ مِنَ اقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالْفِعْل؛ لأَِنَّ السَّفَرَ الشَّرْعِيَّ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةِ السَّفَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلاَ تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ إِلاَّ إِذَا كَانَتْ مُقَارِنَةً لِلْفِعْل، وَهُوَ الْخُرُوجُ؛ لأَِنَّ مُجَرَّدَ قَصْدِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ اقْتِرَانٍ بِالْفِعْل يُسَمَّى عَزْمًا، وَلاَ يُسَمَّى نِيَّةً، وَفِعْل السَّفَرِ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمِصْرِ، فَمَا لَمْ يَخْرُجْ لاَ يَتَحَقَّقُ قِرَانُ النِّيَّةِ بِالْفِعْل، فَلاَ يَصِيرُ مُسَافِرًا.
الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ: نِيَّةُ مَسَافَةِ السَّفَرِ، فَلِكَيْ يَصِيرَ الْمُقِيمُ مُسَافِرًا لاَ بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ سَيْرَ مَسَافَةِ السَّفَرِ الشَّرْعِيِّ؛ لأَِنَّ السَّيْرَ قَدْ يَكُونُ سَفَرًا وَقَدْ لاَ يَكُونُ، فَالإِْنْسَانُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ مَوْطِنِ إِقَامَتِهِ إِلَى مَوْضِعٍ لإِِصْلاَحِ ضَيْعَةٍ، ثُمَّ تَبْدُو لَهُ حَاجَةٌ أُخْرَى إِلَى الْمُجَاوَزَةِ عَنْهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ، ثُمَّ يَتَجَاوَزُ ذَلِكَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ، وَهَكَذَا إِلَى أَنْ يَقْطَعَ مَسَافَةً بَعِيدَةً أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ، وَلِذَلِكَ لاَ بُدَّ مِنْ نِيَّةِ مُدَّةِ السَّفَرِ لِلتَّمْيِيزِ.
وَعَلَى هَذَا قَالُوا: أَمِيرٌ خَرَجَ مَعَ جَيْشِهِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ يُدْرِكُهُمْ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَلاَةَ الْمُقِيمِ فِي الذَّهَابِ، وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ طَافَ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِقَصْدٍ إِلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ فَلاَ يُعَدُّ مُسَافِرًا، وَلاَ يَتَرَخَّصُ (9) .
تَحْدِيدُ أَقَل مَسَافَةِ السَّفَرِ بِالأَْيَّامِ:
11 - أَقَل هَذِهِ الْمَسَافَةِ مُقَدَّرٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي التَّقْدِيرِ (10) .
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَاللَّيْثُ وَالأَْوْزَاعِيُّ: إِلَى أَنَّ أَقَل مُدَّةِ السَّفَرِ مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ بِلاَ لَيْلَةٍ، أَوْ مَسِيرَةُ لَيْلَتَيْنِ مُعْتَدِلَتَيْنِ بِلاَ يَوْمٍ، أَوْ مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
وَذَلِكَ؛ لأَِنَّهُمْ قَدَّرُوا السَّفَرَ بِالأَْمْيَال، وَاعْتَبَرُوا ذَلِكَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلاً، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، وَتُقَدَّرُ بِسَيْرِ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: يَا أَهْل مَكَّةَ: لاَ تَقْصُرُوا الصَّلاَةَ فِي أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ (11) وَلأَِنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَهَا، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ، وَأَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، مِثْل هَذَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ عَنْ تَوْقِيفٍ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ، وَقَال الأَْثْرَمُ: قِيل لأَِبِي عَبْدِ اللَّهِ: فِي كَمْ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ؟ قَال: فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، قِيل لَهُ: مَسِيرَةُ يَوْمٍ تَامٍّ؟ قَال: لاَ، أَرْبَعَةُ بُرُدٍ: سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا: مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ. وَقَدْ قَدَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ عُسْفَانَ إِلَى مَكَّةَ مُسْتَدِلًّا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ (12) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَقَل مَسَافَةِ السَّفَرِ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - ﵁ - أَنَّهُ سُئِل عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَال: جَعَل رَسُول اللَّهِ ﷺ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ (13) ، فَقَدْ جَعَل النَّبِيُّ ﷺ لِكُل مُسَافِرٍ أَنْ يَمْسَحَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا، وَلَنْ يُتَصَوَّرَ أَنْ يَمْسَحَ الْمُسَافِرُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا، وَمُدَّةُ السَّفَرِ أَقَل مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ. وَكَذَلِكَ قَال النَّبِيُّ ﷺ: لاَ يَحِل لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ (14) ، فَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْمُدَّةُ مُقَدَّرَةً بِالثَّلاَثِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ الثَّلاَثِ مَعْنًى. وَقَدِ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلاَفِ (15) .
وَالْعِبْرَةُ بِالسَّيْرِ هُوَ السَّيْرُ الْوَسَطُ، وَهُوَ سَيْرُ الإِْبِل الْمُثْقَلَةِ بِالأَْحْمَال، وَمَشْيُ الأَْقْدَامِ عَلَى مَا يُعْتَادُ مِنْ ذَلِكَ، مَعَ مَا يَتَخَلَّلُهُ مِنْ نُزُولٍ وَاسْتِرَاحَةٍ وَأَكْلٍ وَصَلاَةٍ.
وَيُحْتَرَزُ بِالسَّيْرِ الْوَسَطِ عَنِ السَّيْرِ الأَْسْرَعِ، كَسَيْرِ الْفَرَسِ وَالْبَرِيدِ، وَعَنِ السَّيْرِ الأَْبْطَأِ، كَسَيْرِ الْبَقَرِ يَجُرُّ الْعَجَلَةَ، فَاعْتُبِرَ الْوَسَطُ؛ لأَِنَّهُ الْغَالِبُ.
وَالسَّيْرُ فِي الْبَحْرِ يُرَاعَى فِيهِ اعْتِدَال الرِّيَاحِ؛ لأَِنَّهُ هُوَ الْوَسَطُ، وَهُوَ أَلاَّ تَكُونَ الرِّيَاحُ غَالِبَةً وَلاَ سَاكِنَةً، وَيُعْتَبَرُ فِي الْجَبَل مَا يَلِيقُ بِهِ، فَيُنْظَرُ كَمْ يَسِيرُ فِي مِثْل هَذَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَيُجْعَل أَصْلاً، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ فَيُرْجَعُ إِلَيْهِمْ عِنْدَ الاِشْتِبَاهِ (16) .
سُلُوكُ أَحَدِ طَرِيقَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِغَايَةٍ وَاحِدَةٍ:
12 - إِذَا كَانَ لِمَكَانٍ وَاحِدٍ طَرِيقَانِ مُخْتَلِفَانِ، أَحَدُهُمَا يَقْطَعُهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَالآْخَرُ يُمْكِنُ أَنْ يَصِل إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَقَدْ قَال أَبُو حَنِيفَةَ: يَقْصُرُ لَوْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الأَْقْرَبَ؛ لأَِنَّهُ يُعْتَبَرُ مُسَافِرًا، هَكَذَا ذَكَرَ الْكَاسَانِيُّ فِي الْبَدَائِعِ، وَجَاءَ فِي الْعِنَايَةِ: إِذَا كَانَ لِمَوْضِعٍ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا فِي الْمَاءِ يُقْطَعُ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا إِذَا كَانَتِ الرِّيحُ مُتَوَسِّطَةً، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي الْبَرِّ يُقْطَعُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَلاَ يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا بِالآْخَرِ، فَإِنْ ذَهَبَ إِلَى طَرِيقِ الْمَاءِ قَصَرَ، وَإِنْ ذَهَبَ إِلَى طَرِيقِ الْبَرِّ أَتَمَّ، وَلَوِ انْعَكَسَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ (17) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَقْصُرُ عَادِلٌ عَنْ طَرِيقٍ قَصِيرٍ، وَهُوَ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إِلَى طَرِيقٍ طَوِيلٍ فِيهِ الْمَسَافَةُ بِدُونِ عُذْرٍ، بَل لِمُجَرَّدِ قَصْدِ الْقَصْرِ، أَوْ لاَ قَصْدَ لَهُ، فَإِنْ عَدَل لِعُذْرٍ أَوْ لأَِمْرٍ، وَلَوْ مُبَاحًا فِيمَا يَظْهَرُ قَصَرَ (18) .
وَبِمِثْل ذَلِكَ يَقُول الشَّافِعِيَّةُ (19) .
وَالْحَنَابِلَةُ يُجِيزُونَ الْقَصْرَ لِمَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الأَْبْعَدَ مَعَ وُجُودِ الأَْقْرَبِ، وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ (20) .
الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ لِوَسَائِل السَّفَرِ الْحَدِيثَةِ:
13 - مَعْلُومٌ مِمَّا سَبَقَ: أَنَّ الْفُقَهَاءَ حَدَّدُوا أَقَل الْمَسَافَةِ الَّتِي تُشْتَرَطُ لِقَصْرِ الصَّلاَةِ، وَأَنَّهُمُ اعْتَبَرُوا السَّيْرَ الْوَسَطَ (مَشْيَ الأَْقْدَامِ وَسَيْرَ الإِْبِل) هُوَ الأَْسَاسُ فِي التَّقْدِيرِ، وَالْمَقْصُودُ - هُنَا - هُوَ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ إِذَا اسْتُعْمِلَتْ وَسَائِل السَّفَرِ الْحَدِيثَةِ كَالْقِطَارِ وَالطَّائِرَةِ، حَيْثُ الرَّاحَةُ وَقِصَرُ الْمُدَّةِ.
وَقَدْ تَحَدَّثَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ: فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - كَمَا يَتَّضِحُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ - أَنَّ الْمُسَافِرَ لَوْ قَطَعَ مَسَافَةَ السَّفَرِ الْمُحَدَّدَةَ فِي زَمَنٍ أَقَل؛ لاِسْتِعْمَالِهِ وَسَائِل أَسْرَعَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ؛ لأَِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَافَرَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ.
فَقَدْ قَال الدُّسُوقِيُّ: مَنْ كَانَ يَقْطَعُ الْمَسَافَةَ بِسَفَرِهِ قَصَرَ، وَلَوْ كَانَ يَقْطَعُهَا فِي لَحْظَةٍ بِطَيَرَانٍ وَنَحْوِهِ.
وَقَال النَّوَوِيُّ: يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ، وَلَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ فِي سَاعَةٍ. وَقَال الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ، لَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ فِي بَعْضِ يَوْمٍ كَمَا لَوْ قَطَعَهَا عَلَى فَرَسٍ جَوَادٍ.
وَقَال الْبُهُوتِيُّ: يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ الرُّبَاعِيَّةَ إِلَى رَكْعَتَيْنِ إِجْمَاعًا، وَلَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لأَِنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُسَافِرُ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ (مَسَافَةُ الْقَصْرِ) . (21)
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّقْل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَنَقَل الْكَاسَانِيُّ فِي بَدَائِعِهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَوْ سَارَ إِلَى مَوْضِعٍ فِي يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَأَنَّهُ بِسَيْرِ الإِْبِل، وَالْمَشْيِ الْمُعْتَادِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ، اعْتِبَارًا لِلسَّيْرِ الْمُعْتَادِ.
وَهَذَا الْقَوْل يُوَافِقُ الْمَذَاهِبَ السَّابِقَةَ؛ لأَِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ.
لَكِنِ الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: اعْتَبَرَ أَنَّ الْعِلَّةَ لِقَصْرِ الصَّلاَةِ فِي السَّفَرِ هِيَ الْمَشَقَّةُ الَّتِي تَلْحَقُ بِالْمُسَافِرِ، وَلِذَلِكَ يُذْكَرُ: أَنَّ الْمُسَافِرَ لَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ فِي سَاعَةٍ فَإِنَّهُ لاَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ، وَإِنْ كَانَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ مَسَافَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِسَيْرِ الإِْبِل؛ لاِنْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ، وَهِيَ الْعِلَّةُ (22) .
الْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الأَْصْل دُونَ التَّبَعِ:
14 - الْمُعْتَبَرُ فِي نِيَّةِ السَّفَرِ الشَّرْعِيِّ نِيَّةُ الأَْصْل دُونَ التَّابِعِ، فَمَنْ كَانَ سَفَرُهُ تَابِعًا لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا بِنِيَّةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَذَلِكَ كَالزَّوْجَةِ التَّابِعَةِ لِزَوْجِهَا؛ فَإِنَّهَا تَصِيرُ مُسَافِرَةً بِنِيَّةِ زَوْجِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ لَزِمَهُ طَاعَةُ غَيْرِهِ كَالسُّلْطَانِ وَأَمِيرِ الْجَيْشِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا بِنِيَّةِ مَنْ لَزِمَتْهُ طَاعَتُهُ؛ لأَِنَّ حُكْمَ التَّبَعِ حُكْمُ الأَْصْل.
أَمَّا الْغَرِيمُ الَّذِي يُلاَزِمُهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ مَلِيئًا، فَالنِّيَّةُ لَهُ؛ لأَِنَّهُ يُمْكِنُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ، وَالْخُرُوجُ مِنْ يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ مُفْلِسًا، فَالنِّيَّةُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ يَدِهِ، فَكَانَ تَابِعًا لَهُ. هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (23) .
وَيَقُول الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ تَبِعَتِ الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا، أَوِ الْجُنْدِيُّ قَائِدَهُ فِي السَّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَقْصِدَهُ فَلاَ قَصْرَ لَهُمْ؛ لأَِنَّ الشَّرْطَ - وَهُوَ قَصْدُ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ - لَمْ يَتَحَقَّقْ، وَهَذَا قَبْل بُلُوغِهِمْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، فَإِنْ قَطَعُوهَا قَصُرُوا.
فَلَوْ نَوَتِ الزَّوْجَةُ دُونَ زَوْجِهَا، أَوِ الْجُنْدِيُّ دُونَ قَائِدِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، أَوْ جَهِلاَ الْحَال قَصَرَ الْجُنْدِيُّ غَيْرُ الْمُثْبَتِ فِي الدِّيوَانِ، دُونَ الزَّوْجَةِ؛ لأَِنَّ الْجُنْدِيَّ حِينَئِذٍ لَيْسَ تَحْتَ يَدِ الأَْمِيرِ وَقَهْرِهِ، بِخِلاَفِ الزَّوْجَةِ، فَنِيَّتُهَا كَالْعَدَمِ. أَمَّا الْجُنْدِيُّ الْمُثْبَتُ فِي الدِّيوَانِ فَلاَ يَقْصُرُ؛ لأَِنَّهُ تَحْتَ يَدِ الأَْمِيرِ، وَمِثْلُهُ الْجَيْشُ، إِذْ لَوْ قِيل: بِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ يَدِ الأَْمِيرِ وَقَهْرِهِ كَالآْحَادِ لَعَظُمَ الْفَسَادُ (24) .
أَحْكَامُ الْقَصْرِ:
مَشْرُوعِيَّةُ الْقَصْرِ:
15 - الْقَصْرُ مَعْنَاهُ: أَنْ تَصِيرَ الصَّلاَةُ الرُّبَاعِيَّةُ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، سَوَاءٌ فِي حَالَةِ الْخَوْفِ، أَوْ فِي حَالَةِ الأَْمْنِ. وَقَدْ شُرِعَ الْقَصْرُ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَمَشْرُوعِيَّةُ الْقَصْرِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ.
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَْرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (25) .
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا وَرَدَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَال: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ. قَال: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ فَقَال: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ (26) .
وَقَال ابْنُ عُمَرَ - ﵄ -: صَحِبْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَكَانَ لاَ يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ (27) . وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَْحَادِيثِ وَالآْثَارِ. فَالآْيَةُ الْكَرِيمَةُ دَلَّتْ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقَصْرِ فِي حَالَةِ الْخَوْفِ، وَدَلَّتِ الأَْحَادِيثُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي حَالَتَيِ الْخَوْفِ وَالأَْمْنِ. وَقَدْ أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقَصْرِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلْقَصْرِ:
16 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ الْقَصْرَ جَائِزٌ تَخْفِيفًا عَلَى الْمُسَافِرِ؛ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ غَالِبًا، وَاسْتَدَلُّوا بِالآْيَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَْرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (28) فَقَدْ عَلَّقَ الْقَصْرَ عَلَى الْخَوْفِ؛ لأَِنَّ غَالِبَ أَسْفَارِ النَّبِيِّ ﷺ لَمْ تَخْل مِنْهُ. وَنَفْيُ الْجُنَاحِ فِي الآْيَةِ يَدُل عَلَى جَوَازِ الْقَصْرِ، لاَ عَلَى وُجُوبِهِ.
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ السَّابِقِ: " صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ (29) ".
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ مِنْ ذَوَاتِ الأَْرْبَعِ رَكْعَتَانِ لاَ غَيْرُ، فَلَيْسَ لِلْمُسَافِرِ عِنْدَهُمْ أَنْ يُتِمَّ الصَّلاَةَ أَرْبَعًا؛ لِقَوْل عَائِشَةَ - ﵂ -: " فُرِضَتِ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ (30) . وَلاَ يُعْلَمُ ذَلِكَ إِلاَّ تَوْقِيفًا (31) ، وَقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ - ﵄ -: إِنَّ اللَّهَ ﷿ فَرَضَ الصَّلاَةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ ﷺ عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ وَعَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعًا، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً (32) .
وَالرَّاجِحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْقَصْرَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنَ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلاَةَ، بَل الْمَنْقُول عَنْهُ الْقَصْرُ فِي كُل أَسْفَارِهِ، وَمَا كَانَ هَذَا شَأْنُهُ فَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ.
وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخْرَى فِي الْمَذْهَبِ فَقِيل: إِنَّهُ فَرْضٌ، وَقِيل: إِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَقِيل: إِنَّهُ مُبَاحٌ (33) .
هَل الأَْصْل الْقَصْرُ أَوِ الإِْتْمَامُ؟
17 - قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الأَْصْل هُوَ الإِْتْمَامُ وَأَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ: " صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ ".
إِلاَّ أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْقَصْرَ أَفْضَل مِنَ الإِْتْمَامِ، إِذَا بَلَغَ السَّفَرُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، اقْتِدَاءً بِرَسُول اللَّهِ ﷺ؛ وَخُرُوجًا مِنْ خِلاَفِ مَنْ أَوْجَبَهُ، كَأَبِي حَنِيفَةَ، إِلاَّ الْمَلاَّحَ الَّذِي يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ بِأَهْلِهِ، وَمَنْ لاَ يَزَال مُسَافِرًا بِلاَ وَطَنٍ، فَالإِْتْمَامُ لَهُمَا أَفْضَل خُرُوجًا مِنْ خِلاَفِ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمَا، كَالإِْمَامِ أَحْمَدَ. وَمُقَابِل الْمَشْهُورِ: إِنَّ الإِْتْمَامَ أَفْضَل مُطْلَقًا، لأَِنَّهُ الأَْصْل، وَالأَْكْثَرُ عَمَلاً، أَمَّا إِذَا لَمْ يَبْلُغِ السَّفَرُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَالإِْتْمَامُ أَفْضَل لأَِنَّهُ الأَْصْل.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: الْقَصْرُ أَفْضَل مِنَ الإِْتْمَامِ نَصًّا، لِمُدَاوَمَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَالْخُلَفَاءِ عَلَيْهِ. لَكِنْ إِنْ أَتَمَّ مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ لَمْ يُكْرَهْ (34) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْقَصْرُ هُوَ الأَْصْل فِي الصَّلاَةِ؛ إِذِ الصَّلاَةُ فِي الأَْصْل فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ، فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ جَمِيعًا، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، ثُمَّ زِيدَتْ رَكْعَتَانِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ. وَأُقِرَّتِ الرَّكْعَتَانِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ كَمَا كَانَتَا فِي الأَْصْل، فَالرَّكْعَتَانِ مِنْ ذَوَاتِ الأَْرْبَعِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لَيْسَتَا قَصْرًا حَقِيقَةً، بَل هُوَ تَمَامُ فَرْضِ الْمُسَافِرِ، وَالإِْكْمَال لَيْسَ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ، بَل هُوَ إِسَاءَةٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ. وَالْقَصْرُ عَزِيمَةٌ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - ﵁ - أَنَّهُ قَال: مَا سَافَرَ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِلاَّ الْمَغْرِبَ (35) وَلَوْ كَانَ الْقَصْرُ رُخْصَةً وَالإِْكْمَال هُوَ الْعَزِيمَةَ لَمَا تَرَكَ الْعَزِيمَةَ إِلاَّ أَحْيَانًا؛ إِذِ الْعَزِيمَةُ أَفْضَل، وَكَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ لاَ يَخْتَارُ مِنَ الأَْعْمَال إِلاَّ أَفْضَلَهَا، وَكَانَ لاَ يَتْرُكُ الأَْفْضَل إِلاَّ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ تَعْلِيمًا لِلرُّخْصَةِ فِي حَقِّ الأُْمَّةِ، وَلَقَدْ قَصَرَ النَّبِيُّ ﷺ وَقَال لأَِهْل مَكَّةَ: أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ (36) فَلَوْ جَازَ الأَْرْبَعُ لَمَا اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ (37) .
شَرَائِطُ الْقَصْرِ:
يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ الصَّلاَةَ الرُّبَاعِيَّةَ إِلَى رَكْعَتَيْنِ إِذَا تَوَفَّرَتِ الشَّرَائِطُ الآْتِيَةُ:
الأُْولَى: نِيَّةُ السَّفَرِ:
18 - وَهِيَ شَرِيطَةٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَبَقَ.
وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا: نِيَّةُ الأَْصْل دُونَ التَّابِعِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ، وَأَنْ تَكُونَ مِنْ بَالِغٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلِذَلِكَ لَوْ خَرَجَ الصَّبِيُّ قَاصِدًا السَّفَرَ وَسَارَ مَسَافَةً حَتَّى بَقِيَ إِلَى مَقْصِدِهِ أَقَل مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ فَبَلَغَ حِينَذَاكَ، فَإِنَّهُ لاَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ، بَل يُصَلِّي أَرْبَعًا؛ لأَِنَّ قَصْدَهُ السَّفَرَ لَمْ يَصِحَّ ابْتِدَاءً، وَحِينَ بَلَغَ لَمْ يَبْقَ إِلَى مَقْصِدِهِ مُدَّةُ السَّفَرِ فَلاَ يَصِيرُ مُسَافِرًا عِنْدَهُمْ (38) .
وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي السَّفَرِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ: أَلاَّ يَكُونَ لِمَعْصِيَةٍ، فَلاَ يَقْصُرُ عَاصٍ بِسَفَرِهِ، كَآبِقٍ وَقَاطِعِ طَرِيقٍ؛ لأَِنَّ الرُّخْصَ لاَ يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْمَعَاصِي؛ وَجَوَازُ الرُّخْصِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ إِعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ.
فَإِنْ قَصَرَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لاَ يُعِيدُ الصَّلاَةَ عَلَى الأَْصْوَبِ، وَإِنْ أَثِمَ بِعِصْيَانِهِ.
وَمَنْ أَنْشَأَ السَّفَرَ عَاصِيًا بِهِ، ثُمَّ تَابَ فِي أَثْنَائِهِ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يَقْصُرُ إِنْ كَانَ مَا بَقِيَ مِنْ سَفَرٍ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، وَلَوْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا ثُمَّ قَصَدَ بِسَفَرِهِ الْمَعْصِيَةَ قَبْل تَمَامِ سَفَرِهِ، انْقَطَعَ التَّرَخُّصُ، فَلاَ يَقْصُرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ الْقَوْل الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ - إِلَى أَنَّهُ يَقْصُرُ (39) . وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مُبَاحًا، بَل أَجَازُوا الْقَصْرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ - أَيْضًا -، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِي الْمِقْدَارِ الْمَفْرُوضِ عَلَى الْمُسَافِرِ مِنَ الصَّلاَةِ سَفَرُ الطَّاعَةِ مِنَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ، وَسَفَرُ الْمُبَاحِ كَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهِ، وَسَفَرُ الْمَعْصِيَةِ كَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْبَغْيِ؛ لأَِنَّ الدَّلاَئِل الَّتِي وَرَدَتْ لاَ تُوجِبُ الْفَصْل بَيْنَ مُسَافِرٍ وَمُسَافِرٍ. وَمِنْ هَذِهِ الدَّلاَئِل قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ. . .} (40) ، وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} (41) وَقَوْل عَلِيٍّ - ﵁ -: جَعَل رَسُول اللَّهِ ﷺ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ (42) مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ سَفَرٍ وَسَفَرٍ، فَوَجَبَ الْعَمَل بِعُمُومِ النُّصُوصِ وَإِطْلاَقِهَا (43) .
الثَّانِيَةُ: مَسَافَةُ السَّفَرِ:
19 - وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ الإِْنْسَانُ مَسِيرَةَ مَسَافَةِ السَّفَرِ الْمُقَدَّرَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ طَافَ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَسِيرَةِ الْمَسَافَةِ الْمُحَدَّدَةِ لاَ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ مُسَافِرًا، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ.
الثَّالِثَةُ: الْخُرُوجُ مِنْ عِمْرَانِ بَلْدَتِهِ:
20 - فَالْقَصْرُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ أَنْ يُجَاوِزَ الْمُسَافِرُ مَحَل إِقَامَتِهِ، وَمَا يَتْبَعُهُ عَلَى التَّفْصِيل الَّذِي سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
لَكِنْ هَل يُشْتَرَطُ الْخُرُوجُ لِلسَّفَرِ قَبْل مُضِيِّ وَقْتٍ يَسَعُ الإِْتْمَامَ؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:
يَقُول الْكَاسَانِيُّ الْحَنَفِيُّ: وَسَوَاءٌ خَرَجَ فِي أَوَّل الْوَقْتِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ، حَتَّى لَوْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يَتَّسِعُ لأَِدَاءِ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ فِي ظَاهِرِ قَوْل أَصْحَابِنَا. وَقَال إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ: إِنَّمَا يَقْصُرُ إِذَا خَرَجَ قَبْل الزَّوَال، فَأَمَّا إِذَا خَرَجَ بَعْدَ الزَّوَال فَإِنَّهُ يُكْمِل الظُّهْرَ وَيَقْصُرُ الْعَصْرَ. وَالْكَلاَمُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّلاَةَ هَل تَجِبُ فِي أَوَّل الْوَقْتِ أَوْ فِي آخِرِهِ؟
فَعِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ تَجِبُ فِي أَوَّل الْوَقْتِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي جُزْءٍ مِنَ الْوَقْتِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا التَّعْيِينُ إِلَى الْمُصَلِّي مِنْ حَيْثُ الْفِعْل، حَتَّى إِنَّهُ إِذَا شَرَعَ فِي أَوَّل الْوَقْتِ تَجِبُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ إِذَا شَرَعَ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ. وَثَمَّةَ أَصْلٌآخَرُ، وَهُوَ مِقْدَارُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، فَقَال الْكَرْخِيُّ وَأَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ بِمِقْدَارِ التَّحْرِيمَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ الأَْدَاءَ يَتَغَيَّرُ وَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ فَقَطْ، وَقَال زُفَرُ وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ: لاَ يَجِبُ إِلاَّ إِذَا بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُؤَدِّي فِيهِ الْفَرْضَ. وَعَلَى ذَلِكَ الْقَوْل فَلاَ يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ إِلاَّ إِذَا بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الأَْدَاءُ (44) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: تُقْصَرُ الصَّلاَةُ الَّتِي يُسَافَرُ فِي وَقْتِهَا وَلَوِ الضَّرُورِيِّ، فَيَقْصُرُ الظُّهْرَيْنِ قَبْل الْغُرُوبِ بِثَلاَثِ رَكَعَاتٍ فَأَكْثَرَ وَلَوْ أَخَّرَهُمَا عَمْدًا، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ بِمِقْدَارِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ رَكْعَةٍ صَلَّى الْعَصْرَ فَقَطْ سَفَرِيَّةً (45) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ أَقَل مِنْ قَدْرِ الصَّلاَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مُؤَدٍّ لِجَمِيعِ الصَّلاَةِ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مُؤَدٍّ لِمَا فَعَل فِي الْوَقْتِ قَاضٍ لِمَا فَعَل بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ (46) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ دَخَل عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلاَةِ فِي الْحَضَرِ، ثُمَّ سَافَرَ، لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ؛ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ تَامَّةً بِدُخُول وَقْتِهَا (47) . الرَّابِعَةُ: اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الْقَصْرِ عِنْدَ كُل صَلاَةٍ:
21 - يُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ نِيَّتُهُ فِي التَّحْرِيمَةِ، وَمِثْل نِيَّةِ الْقَصْرِ مَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَثَلاً رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يَنْوِ تَرَخُّصًا، كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَمِثْل النِّيَّةِ - أَيْضًا - مَا لَوْ قَال: أُؤَدِّي صَلاَةَ السَّفَرِ، كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، فَلَوْ لَمْ يَنْوِ مَا ذُكِرَ، بِأَنْ نَوَى الإِْتْمَامَ أَوْ أَطْلَقَ أَتَمَّ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَإِنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ تَجْعَل فَرْضَ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ، وَهَذَا يَكْفِي.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: تَكْفِي نِيَّةُ الْقَصْرِ فِي أَوَّل صَلاَةٍ يَقْصُرُهَا فِي السَّفَرِ، وَلاَ يَلْزَمُ تَجْدِيدُهَا فِيمَا بَعْدَهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَقِيل: إِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْقَصْرِ عِنْدَ كُل صَلاَةٍ وَلَوْ حُكْمًا (48) .
وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ التَّحَرُّزَ عَمَّا يُنَافِي نِيَّةَ الْقَصْرِ فِي دَوَامِ الصَّلاَةِ، وَذَلِكَ مِثْل نِيَّةِ الإِْتْمَامِ، فَلَوْ نَوَى الإِْتْمَامَ بَعْدَ نِيَّةِ الْقَصْرِ أَتَمَّ، وَلَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَقْصُرُ أَمْ يُتِمُّ؟ أَتَمَّ. أَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لاَ؟ أَتَمَّ. وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الْحَال أَنَّهُ نَوَاهُ، لأَِنَّهُ أَدَّى جُزْءًا مِنْ صَلاَتِهِ حَال التَّرَدُّدِ عَلَى التَّمَامِ، وَلَوْ قَامَ الْقَاصِرُ لِثَالِثَةٍ عَمْدًا بِلاَ مُوجِبٍ لإِِتْمَامٍ، كَنِيَّتِهِ أَوْ نِيَّةِ إِقَامَةٍ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ (49) .
وَنَحْوُهُمُ الْحَنَابِلَةُ: فَعِنْدَهُمْ: إِنْ عَزَمَ الْمُسَافِرُ فِي صَلاَتِهِ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ بِهِ الإِْتْمَامُ مِنَ الإِْقَامَةِ وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ تَغْلِيبًا لِكَوْنِهِ الأَْصْل، أَوْ تَابَ مِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فِي الصَّلاَةِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا سَفَرِيَّةً لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، وَلاَ تَنْفَعُهُ نِيَّةُ الْقَصْرِ، وَكَمَنْ نَوَى خَلْفَ مُقِيمٍ عَالِمًا بِأَنَّ إِمَامَهُ مُقِيمٌ، وَأَنَّهُ لاَ يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ، فَلَمْ تَنْعَقِدْ (50) .
وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ - أَيْضًا -: الْعِلْمَ بِجَوَازِ الْقَصْرِ، فَلَوْ قَصَرَ جَاهِلاً بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ؛ لِتَلاَعُبِهِ (51) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لَوِ اخْتَارَ الأَْرْبَعَ لاَ يَقَعُ الْكُل فَرْضًا، بَل الْمَفْرُوضُ رَكْعَتَانِ، وَالشَّطْرُ الثَّانِي: يَقَعُ تَطَوُّعًا، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ؛ لأَِنَّهَا الْقَعْدَةُ الأَْخِيرَةُ فِي حَقِّهِ، وَإِذَا أَتَمَّ سَاهِيًا صَحَّتْ صَلاَتُهُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا وَجَلَسَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ صَحَّتْ صَلاَتُهُ وَأَسَاءَ لِتَأْخِيرِهِ السَّلاَمَ عَنْ مَكَانِهِ (52) .
وَيَقُول الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ نَوَى الْمُسَافِرُ الإِْقَامَةَ الْقَاطِعَةَ لِحُكْمِ السَّفَرِ، وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا سَفَرِيَّةً شَفَعَ بِأُخْرَى نَدْبًا إِنْ عَقَدَ رَكْعَةً وَجَعَلَهَا نَافِلَةً، وَلاَ تُجْزِئُ حَضَرِيَّةٌ إِنْ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا؛ لِعَدَمِ دُخُولِهِ عَلَيْهَا وَلاَ تُجْزِئُ سَفَرِيَّةٌ؛ لِتَغَيُّرِ نِيَّتِهِ فِي أَثْنَائِهَا (53) .
الْمَكَانُ الَّذِي يَبْدَأُ مِنْهُ الْقَصْرُ:
22 - قَال الْفُقَهَاءُ: يَبْدَأُ الْمُسَافِرُ الْقَصْرَ إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْمِصْرِ، فَحِينَئِذٍ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. وَأَصْلُهُ مَا رَوَى أَنَسٌ - ﵁ - قَال: صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ (54) ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - ﵁ -: أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مِنَ الْبَصْرَةِ يُرِيدُ الْكُوفَةَ صَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا ثُمَّ نَظَرَ إِلَى خُصٍّ أَمَامَهُ وَقَال: لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ.
وَالْمُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْبُيُوتِ مِنَ الْجَانِبِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْجَوَانِبِ بُيُوتٌ. وَيَدْخُل فِي بُيُوتِ الْمِصْرِ الْمَبَانِي الْمُحِيطَةُ بِهِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَقْصُرْ فِي سَفَرِهِ إِلاَّ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَدِينَةِ (55) . وَالْقَرْيَتَانِ الْمُتَدَانِيَتَانِ الْمُتَّصِل بِنَاءُ إِحْدَاهُمَا بِالأُْخْرَى، أَوِ الَّتِي يَرْتَفِقُ أَهْل إِحْدَاهُمَا بِالأُْخْرَى فَهُمَا كَالْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ، وَإِلاَّ فَلِكُل قَرْيَةٍ حُكْمُ نَفْسِهَا يَقْصُرُ إِذَا جَاوَزَ بُيُوتَهَا وَالأَْبْنِيَةَ الَّتِي فِي طَرَفِهَا.
وَسَاكِنُ الْخِيَامِ يَقْصُرُ إِذَا فَارَقَ خِيَامَ قَوْمِهِ وَمَرَافِقَهَا، كَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ، وَالْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْبَلَدِ، وَلَوْ حُكْمًا لاَ يَقْصُرُ إِلاَّ إِذَا فَارَقَهَا إِنْ سَافَرَ مِنْ نَاحِيَتِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِ نَاحِيَتِهَا، وَكَانَ مُحَاذِيًا لَهَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَيَقْصُرُ سُكَّانُ الْقُصُورِ وَالْبَسَاتِينِ وَأَهْل الْعِزَبِ إِذَا فَارَقُوا مَا نُسِبُوا إِلَيْهِ بِمَا يُعَدُّ مُفَارَقَةً عُرْفًا.
وَالْبَلْدَةُ الَّتِي لَهَا سُوَرٌ، لاَ يَقْصُرُ إِلاَّ إِذَا جَاوَزَهُ وَإِنْ تَعَدَّدَ، كَمَا قَال الشَّافِعِيَّةُ.
وَقَالُوا أَيْضًا: يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ عَرْضِ الْوَادِي إِنْ سَافَرَ فِي عَرْضِهِ، وَالْهُبُوطُ إِنْ كَانَ فِي رَبْوَةٍ، وَالصُّعُودُ إِنْ كَانَ فِي وَهْدَةٍ. وَهَذَا إِنْ سَافَرَ فِي الْبَرِّ، وَيُعْتَبَرُ فِي سَفَرِ الْبَحْرِ الْمُتَّصِل سَاحِلُهُ بِالْبَلَدِ جَرْيُ السَّفِينَةِ أَوِ الزَّوْرَقِ، فَيَقْصُرُ بِمُجَرَّدِ تَحَرُّكِهَا، أَمَّا إِذَا كَانَ الْبَحْرُ بَعِيدًا عَنِ الْمَدِينَةِ فَالْعِبْرَةُ بِمُجَاوَزَةِ سُوَرِ الْمَدِينَةِ (56) . الصَّلَوَاتُ الَّتِي تُقْصَرُ، وَمِقْدَارُ الْقَصْرِ:
23 - الصَّلَوَاتُ الَّتِي تُقْصَرُ هِيَ: الصَّلاَةُ الرُّبَاعِيَّةُ، وَهِيَ: الظُّهْرُ، وَالْعَصْرُ، وَالْعِشَاءُ إِجْمَاعًا، وَلاَ قَصْرَ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - ﵂ -: فَرَضَ صَلاَةَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. فَلَمَّا أَقَامَ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ زِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ وَتُرِكَتْ صَلاَةُ الْفَجْرِ لِطُول الْقِرَاءَةِ وَصَلاَةُ الْمَغْرِبِ لأَِنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ (57) وَلأَِنَّ الْقَصْرَ هُوَ: سُقُوطُ شَطْرِ الصَّلاَةِ، وَبَعْدَ سُقُوطِ الشَّطْرِ مِنَ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ لاَ يَبْقَى نِصْفٌ مَشْرُوعٌ، بِخِلاَفِ الصَّلاَةِ الرُّبَاعِيَّةِ فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي تُقْصَرُ، وَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ.
وَمِقْدَارُ الْقَصْرِ: أَنْ تَصِيرَ الرُّبَاعِيَّةُ رَكْعَتَيْنِ لاَ غَيْرُ.
وَلاَ قَصْرَ فِي السُّنَنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَلاَ قَصْرَ فِي الْمَنْذُورَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (58) .
اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ، وَعَكْسُهُ:
24 - يَقُول الْحَنَفِيَّةُ: يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ فِي الْوَقْتِ، وَيَنْقَلِبُ فَرْضُ الْمُسَافِرِ أَرْبَعًا عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ لأَِنَّهُ لَمَّا اقْتَدَى بِهِ صَارَ تَبَعًا لَهُ؛ لأَِنَّ مُتَابَعَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّمَا جُعِل الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ (59) وَأَدَاءُ الصَّلاَةِ فِي الْوَقْتِ مِمَّا يَحْتَمِل التَّغْيِيرَ، وَهُوَ التَّبَعِيَّةُ، فَيَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا، فَصَارَ صَلاَةُ الْمُقْتَدِي مِثْل صَلاَةِ الإِْمَامِ، فَصَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ.
وَلاَ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ خَارِجَ الْوَقْتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّ الصَّلاَةَ خَارِجَ الْوَقْتِ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ خَلَفٌ عَنِ الأَْدَاءِ، وَالأَْدَاءُ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَلاَ يَتَغَيَّرُ الْقَضَاءُ بِالاِقْتِدَاءِ بِالْمُقِيمِ، فَبَقِيَتْ صَلاَتُهُ رَكْعَتَيْنِ وَصَارَتِ الْقَعْدَةُ الأُْولَى لِلتَّشَهُّدِ فَرْضًا فِي حَقِّهِ، وَهِيَ نَفْلٌ فِي حَقِّ الإِْمَامِ فَيَكُونُ هَذَا اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّل فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ، وَكَمَا لاَ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّل فِي جَمِيعِ الصَّلاَةِ، فَلاَ يَجُوزُ فِي رُكْنٍ مِنْهَا.
وَلَوْ أَنَّ مُقِيمًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ، فَلَمَّا قَامَ إِلَى الثَّالِثَةِ جَاءَ مُسَافِرٌ وَاقْتَدَى بِهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لاَ يَصِحُّ؛ لِمَا سَبَقَ بَيَانُهُ مِنْ أَنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ تَقَرَّرَ رَكْعَتَيْنِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَهِيَ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ فِي الأَْخِيرَتَيْنِ، فَيَكُونُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّل فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ.
وَأَمَّا اقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ فَيَصِحُّ فِي الْوَقْتِ وَخَارِجَ الْوَقْتِ؛ لأَِنَّ صَلاَةَ الْمُسَافِرِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَاحِدَةٌ، وَالْقَعْدَةُ فَرْضٌ فِي حَقِّهِ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي، وَاقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّل بِالْمُفْتَرِضِ جَائِزٌ فِي كُل الصَّلاَةِ فَكَذَا فِي بَعْضِهَا، وَإِذَا سَلَّمَ الإِْمَامُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ لاَ يُسَلِّمُ الْمُقِيمُ؛ لأَِنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَطْرُ الصَّلاَةِ، فَلَوْ سَلَّمَ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ، وَلَكِنَّهُ يَقُومُ وَيُتِمُّهَا أَرْبَعًا؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أَتِمُّوا يَا أَهْل مَكَّةَ صَلاَتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ (60) ، وَيَقُول الإِْمَامُ الْمُسَافِرُ ذَلِكَ لِلْمُقِيمِينَ اقْتِدَاءً بِالرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَامُ (61) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيَلْزَمُهُ الإِْتْمَامُ وَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ؛ لِمُتَابَعَةِ الإِْمَامِ، وَهَذَا إِذَا أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً، وَاخْتُلِفَ فِي الإِْعَادَةِ، لِمُخَالَفَةِ سُنَّةِ الْقَصْرِ.
وَيَجُوزُ - أَيْضًا - اقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيُسَلِّمُ الْمُسَافِرُ، وَيُتِمُّ الْمُقِيمُ (62) .
وَيَجُوزُ كَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ، وَيَلْزَمُهُ الإِْتْمَامُ. كَمَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ، وَفَرَضَا الإِْتْمَامَ (63) .
وَذَهَبَ طَاوُسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَتَمِيمٌ بْنُ حَذْلَمٍ: إِلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إِنْ أَدْرَكَ مَعَ الإِْمَامِ الْمُقِيمِ رَكْعَتَيْنِ أَجْزَأَتَا عَنْهُ.
وَذَهَبَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةَ: إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ أَتَمَّ، وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَقَل مِنْ رَكْعَةٍ قَصَرَ (64) .
قَضَاءُ فَائِتَةِ السَّفَرِ فِي الْحَضَرِ وَعَكْسِهِ:
25 - قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَدِيمِ: مَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةٌ فِي السَّفَرِ قَضَاهَا فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةٌ فِي الْحَضَرِ قَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا؛ لأَِنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الأَْدَاءِ.
وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ آخِرُ الْوَقْتِ؛ لأَِنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الأَْدَاءِ فِي الْوَقْتِ.
وَقَال زُفَرُ: إِذَا سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ صَلاَةَ السَّفَرِ يَقْضِيَ صَلاَةَ السَّفَرِ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَهُ صَلَّى صَلاَةَ الْمُقِيمِ (65) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ - وَهُوَ الأَْصَحُّ - إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ؛ لأَِنَّهُ تَخْفِيفٌ تَعَلَّقَ بِعُذْرٍ فَزَال بِزَوَال الْعُذْرِ. وَإِنْ فَاتَتْهُ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ فَفِيهِ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: لاَ يَقْصُرُ؛ لأَِنَّهَا صَلاَةٌ رُدَّتْ مِنْ أَرْبَعٍ إِلَى رَكْعَتَيْنِ، فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا الْوَقْتُ. وَالثَّانِي: لَهُ أَنْ يَقْصُرَ - وَهُوَ الأَْصَحُّ - لأَِنَّهُ تَخْفِيفٌ تَعَلَّقَ بِعُذْرٍ، وَالْعُذْرُ بَاقٍ، فَكَانَ التَّخْفِيفُ بَاقِيًا. وَإِنْ فَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ صَلاَةٌ، فَأَرَادَ قَضَاءَهَا فِي السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ؛ لأَِنَّهُ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ صَلاَةٌ تَامَّةٌ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ، وَقَال الْمُزَنِيُّ: لَهُ أَنْ يَقْصُرَ (66) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا نَسِيَ صَلاَةَ حَضَرٍ فَذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ، أَوْ نَسِيَ صَلاَةَ سَفَرٍ فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ صَلَّى فِي الْحَالَتَيْنِ صَلاَةَ حَضَرٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالأَْثْرَمِ؛ لأَِنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ فَيَبْطُل بِزَوَالِهِ.
زَوَال حَالَةِ السَّفَرِ:
26 - الْمُسَافِرُ إِذَا صَحَّ سَفَرُهُ يَظَل عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ، وَلاَ يَتَغَيَّرُ هَذَا الْحُكْمُ إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ الإِْقَامَةَ، أَوْ يَدْخُل وَطَنَهُ، وَحِينَئِذٍ تَزُول حَالَةُ السَّفَرِ، وَيُصْبِحُ مُقِيمًا تَنْطَبِقُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُقِيمِ. وَلِلإِْقَامَةِ شَرَائِطُ هِيَ:
الأُْولَى: نِيَّةُ الإِْقَامَةِ وَمُدَّتُهَا الْمُعْتَبَرَةُ:
27 - نِيَّةُ الإِْقَامَةِ أَمْرٌ لاَ بُدَّ مِنْهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، حَتَّى لَوْ دَخَل مِصْرًا وَمَكَثَ فِيهِ شَهْرًا أَوْ أَكْثَر لاِنْتِظَارِ قَافِلَةٍ، أَوْ لِحَاجَةٍ أُخْرَى يَقُول: أَخْرُجُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا، وَلَمْ يَنْوِ الإِْقَامَةَ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِيرُ مُقِيمًا، وَذَلِكَ لإِِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - ﵃ - فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - ﵁ - أَنَّهُ: أَقَامَ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى نَيْسَابُورَ شَهْرَيْنِ وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ -: أَنَّهُ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ شَهْرًا وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ.
وَعَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّهُ أَقَامَ بِخَوَارِزْمَ سَنَتَيْنِ وَكَانَ يَقْصُرُ.
وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - ﵁ - أَنَّهُ قَال: غَزَوْتُ مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَشَهِدْتُ مَعَهُ الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، لاَ يُصَلِّي إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ، وَيَقُول: يَا أَهْل الْبَلَدِ: صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ (67) .
أَمَّا مُدَّةُ الإِْقَامَةِ الْمُعْتَبَرَةِ: فَأَقَلُّهَا خَمْسَةَ عَشْرَةَ يَوْمًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ ﵃ - أَنَّهُمَا قَالاَ: إِذَا دَخَلْتَ بَلْدَةً وَأَنْتَ مُسَافِرٌ وَفِي عَزْمِكَ أَنْ تُقِيمَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْمِل الصَّلاَةَ، وَإِنْ كُنْتَ لاَ تَدْرِي مَتَى تَظْعَنُ فَاقْصُرْ.
قَال الْكَاسَانِيُّ: وَهَذَا بَابٌ لاَ يُوصَل إِلَيْهِ بِالاِجْتِهَادِ؛ لأَِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقَادِيرِ، وَلاَ يُظَنُّ بِهِمَا التَّكَلُّمُ جُزَافًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا قَالاَهُ سَمَاعًا مِنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ (68) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ بُدَّ مِنَ النِّيَّةِ، وَأَقَل مُدَّةِ الإِْقَامَةِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ صِحَاحٍ مَعَ وُجُوبِ عِشْرِينَ صَلاَةً فِي مُدَّةِ الإِْقَامَةِ، وَلاَ يُحْتَسَبُ مِنَ الأَْيَّامِ يَوْمُ الدُّخُول إِنْ دَخَل بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلاَ يَوْمُ الْخُرُوجِ إِنْ خَرَجَ فِي أَثْنَائِهِ.
وَلاَ بُدَّ مِنَ اجْتِمَاعِ الأَْمْرَيْنِ: الأَْرْبَعَةِ الأَْيَّامِ وَالْعِشْرِينَ صَلاَةً.
وَاعْتَبَرَ سَحْنُونٌ: الْعِشْرِينَ صَلاَةً فَقَطْ، ثُمَّ إِنَّ نِيَّةَ الإِْقَامَةِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي ابْتِدَاءِ السَّيْرِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي أَثْنَائِهِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي ابْتِدَاءِ السَّيْرِ، وَكَانَتِ الْمَسَافَةُ بَيْنَ النِّيَّةِ وَبَيْنَ مَحَل الإِْقَامَةِ مَسَافَةَ قَصْرٍ، قَصَرَ الصَّلاَةَ حَتَّى يَدْخُل مَحَل الإِْقَامَةِ بِالْفِعْل، وَإِلاَّ أَتَمَّ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ، أَمَّا إِنْ كَانَتِ النِّيَّةُ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ حَتَّى يَدْخُل مَحَل الإِْقَامَةِ بِالْفِعْل، وَلَوْ كَانَتِ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ نِيَّةِ الإِْقَامَةِ نِيَّةُ الْعَسْكَرِ بِمَحَل خَوْفٍ، فَإِنَّهَا لاَ تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ.
وَإِذَا أَقَامَ بِمَحَلٍّ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ دُونَ أَنْ يَنْوِيَ الإِْقَامَةَ بِهِ، فَإِنَّ إِقَامَتَهُ بِهِ لاَ تَمْنَعُ الْقَصْرَ وَلَوْ أَقَامَ مُدَّةً طَوِيلَةً إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ سَيُقِيمُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فِي مَكَان عَادَةً، فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الإِْقَامَةَ؛ لأَِنَّ الْعِلْمَ بِالإِْقَامَةِ كَالنِّيَّةِ، بِخِلاَفِ الشَّكِّ فَإِنَّهُ لاَ يَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ (69) .
وَيَقُول الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْمُسْتَقِل، وَلَوْ مُحَارِبًا إِقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ تَامَّةً بِلَيَالِيِهَا، أَوْ نَوَى الإِْقَامَةَ وَأَطْلَقَ بِمَوْضِعِ عَيْنِهِ، انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ سَوَاءٌ أَكَانَ مَقْصِدَهُ أَمْ فِي طَرِيقِهِ، أَوْ نَوَى بِمَوْضِعٍ وَصَل إِلَيْهِ إِقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِالنِّيَّةِ مَعَ مُكْثِهِ.
وَلَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بِلاَ نِيَّةٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِتَمَامِهَا؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْقَصْرَ بِشَرْطِ الضَّرْبِ فِي الأَْرْضِ، وَالْمُقِيمُ وَالْعَازِمُ عَلَى الإِْقَامَةِ غَيْرُ ضَارِبٍ فِي الأَْرْضِ. وَالسُّنَّةُ بَيَّنَتْ أَنَّ مَا دُونَ الأَْرْبَعِ لاَ يَقْطَعُ السَّفَرَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلاَثًا (70) ، وَكَانَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الإِْقَامَةَ بِمَكَّةَ وَمُسَاكَنَةُ الْكُفَّارِ، فَالتَّرَخُّصُ فِي الثَّلاَثِ يَدُل عَلَى بَقَاءِ حُكْمِ السَّفَرِ، بِخِلاَفِ الأَْرْبَعَةِ، وَأَلْحَقَ بِإِقَامَةِ الأَْرْبَعَةِ: نِيَّةَ إِقَامَتِهَا.
وَلاَ يُحْسَبُ مِنَ الأَْرْبَعَةِ يَوْمَا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ إِذَا دَخَل نَهَارًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَالثَّانِي يُحْسَبَانِ بِالتَّلْفِيقِ، فَلَوْ دَخَل زَوَال السَّبْتِ لِيَخْرُجَ زَوَال الأَْرْبِعَاءِ أَتَمَّ، وَقَبْلَهُ قَصَرَ، فَإِنْ دَخَل لَيْلاً لَمْ تُحْسَبْ بَقِيَّةُ اللَّيْلَةِ وَيُحْسَبُ الْغَدُ.
وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الرُّخْصَةَ لاَ تَتَعَلَّقُ بِعَدَدِ الأَْيَّامِ بَل بِعَدَدِ الصَّلَوَاتِ، فَيَتَرَخَّصُ بِإِقَامَةِ مُدَّةٍ يُصَلِّي فِيهَا إِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلاَةً مَكْتُوبَةً؛ لأَِنَّهُ الْمُحَقَّقُ مِنْ فِعْلِهِ ﷺ حِينَ نَزَل بِالأَْبْطُحِ.
وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ بِنِيَّةِ أَنْ يَرْحَل إِذَا حَصَلَتْ حَاجَةٌ يَتَوَقَّعُهَا كُل وَقْتٍ، أَوْ حَبَسَهُ الرِّيحُ بِمَوْضِعٍ فِي الْبَحْرِ قَصَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا غَيْرَ يَوْمَيِ الدُّخُول وَالْخُرُوجِ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَقَامَهَا بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ لِحَرْبِ هَوَازِنَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ (71) . وَقِيل: يَقْصُرُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمَيِ الدُّخُول وَالْخُرُوجِ، وَفِي قَوْلٍ: يَقْصُرُ أَبَدًا؛ لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ زَادَتْ حَاجَةُ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الثَّمَانِيَةِ عَشَرَ لَقَصَرَ فِي الزَّائِدِ.
وَلَوْ عَلِمَ الْمُسَافِرُ بَقَاءَ حَاجَتِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً فَلاَ قَصْرَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لأَِنَّهُ سَاكِنٌ مُطْمَئِنٌّ بَعِيدٌ عَنْ هَيْئَةِ الْمُسَافِرِينَ (72) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لَوْ نَوَى إِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلاَةً أَتَمَّ لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - ﵃ - أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدِمَ مَكَّةَ صَبِيحَةَ رَابِعَةِ ذِي الْحِجَّةِ فَأَقَامَ بِهَا الرَّابِعَ وَالْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَالسَّابِعَ، وَصَلَّى الصُّبْحَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مِنًى، وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ فِي هَذِهِ الأَْيَّامِ، وَقَدْ عَزَمَ عَلَى إِقَامَتِهَا (73) . وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ إِقَامَةً مُطْلَقَةً بِأَنْ لَمْ يَحُدَّهَا بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ فِي بَلْدَةٍ أَتَمَّ؛ لِزَوَال السَّفَرِ الْمُبِيحِ لِلْقَصْرِ بِنِيَّةِ الإِْقَامَةِ، وَلَوْ شَكَّ فِي نِيَّتِهِ، هَل نَوَى إِقَامَةَ مَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ أَوْ لاَ؟ أَتَمَّ؛ لأَِنَّهُ الأَْصْل.
وَإِنْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ يَرْجُو نَجَاحَهَا أَوْ جِهَادِ عَدُوٍّ بِلاَ نِيَّةِ إِقَامَةٍ تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ، وَلاَ يَعْلَمُ قَضَاءَ الْحَاجَةِ قَبْل الْمُدَّةِ وَلَوْ ظَنًّا، أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا، أَوْ حَبَسَهُ مَطَرٌ قَصَرَ أَبَدًا؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ: أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلاَةَ (74) .
فَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا لاَ تَنْقَضِي فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَزِمَهُ الإِْتْمَامُ، كَمَا لَوْ نَوَى إِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ. وَإِنْ نَوَى إِقَامَةً بِشَرْطٍ، كَأَنْ يَقُول: إِنْ لَقِيتُ فُلاَنًا فِي هَذَا الْبَلَدِ أَقَمْتُ فِيهِ وَإِلاَّ فَلاَ، فَإِنْ لَمْ يَلْقَهُ فِي الْبَلَدِ فَلَهُ حُكْمُ السَّفَرِ؛ لِعَدَمِ الشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ الإِْقَامَةَ عَلَيْهِ؛ وَإِنْ لَقِيَهُ بِهِ صَارَ مُقِيمًا؛ لاِسْتِصْحَابِهِ حُكْمَ نِيَّةِ الإِْقَامَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فَسَخَ نِيَّتَهُ الأُْولَى لِلإِْقَامَةِ قَبْل لِقَائِهِ أَوْ حَال لِقَائِهِ، وَإِنْ فَسَخَ النِّيَّةَ بَعْدَ لِقَائِهِ فَهُوَ كَمُسَافِرٍ نَوَى الإِْقَامَةَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ فِي مَوْضِعِ إِقَامَتِهِ؛ لأَِنَّهُ مَحَلٌّ ثَبَتَ لَهُ فِيهِ حُكْمُ الإِْقَامَةِ، فَأَشْبَهَ وَطَنَهُ (75) .
الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ - اتِّحَادُ مَكَانِ الْمُدَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ لِلإِْقَامَةِ:
28 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي يُقِيمُهَا الْمُسَافِرُ وَيَصِيرُ بِهَا مُقِيمًا، يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تُقْضَى فِي مَكَان وَاحِدٍ أَوْ مَا يُشْبِهُ الْمَكَانَ الْوَاحِدَ؛ لأَِنَّ الإِْقَامَةَ قَرَارٌ وَالاِنْتِقَال يُضَادُّهُ.
فَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الإِْقَامَةَ الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ فِي مَوْضِعَيْنِ، فَإِنْ كَانَا مِصْرًا وَاحِدًا أَوْ قَرْيَةً وَاحِدَةً صَارَ مُقِيمًا؛ لأَِنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَا مِصْرَيْنِ نَحْوَ مَكَّةَ وَمِنًى، أَوِ الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ، أَوْ إِنْ كَانَا قَرْيَتَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِصْرًا وَالآْخَرُ قَرْيَةً فَلاَ يَصِيرُ مُقِيمًا، وَلاَ تَزُول حَالَةُ السَّفَرِ؛ لأَِنَّهُمَا مَكَانَانِ مُتَبَايِنَانِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. فَإِنْ نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِاللَّيَالِيِ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ وَيَخْرُجُ بِالنَّهَارِ إِلَى الْمَوْضِعِ الآْخَرِ، فَإِنْ دَخَل أَوَّلاً الْمَوْضِعَ الَّذِي نَوَى الْمَقَامَ فِيهِ بِاللَّيْل يَصِيرُ مُقِيمًا، ثُمَّ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَوْضِعِ الآْخَرِ لاَ يَصِيرُ مُسَافِرًا؛ لأَِنَّ مَوْضِعَ إِقَامَةِ الرَّجُل حَيْثُ يَبِيتُ فِيهِ.
الشَّرِيطَةُ الثَّالِثَةُ - صَلاَحِيَةُ الْمَكَانِ لِلإِْقَامَةِ:
29 - يَقُول الْحَنَفِيَّةُ: لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ الْمُسَافِرُ صَالِحًا لِلإِْقَامَةِ، وَالْمَكَانُ الصَّالِحُ لِلإِْقَامَةِ: هُوَ مَوْضِعُ اللُّبْثِ وَالْقَرَارِ فِي الْعَادَةِ، نَحْوَ الأَْمْصَارِ وَالْقُرَى، وَأَمَّا الْمَفَازَةُ وَالْجَزِيرَةُ وَالسَّفِينَةُ فَلَيْسَتْ مَوْضِعَ الإِْقَامَةِ، حَتَّى لَوْ نَوَى الإِْقَامَةَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لاَ يَصِيرُ مُقِيمًا، كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الأَْعْرَابِ وَالأَْكْرَادِ وَالتُّرْكُمَانِ إِذَا نَزَلُوابِخِيَامِهِمْ فِي مَوْضِعٍ، وَنَوَوْا الإِْقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا صَارُوا مُقِيمِينَ، وَعَلَى هَذَا: إِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الإِْقَامَةَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَصِيرُ مُقِيمًا كَمَا فِي الْقَرْيَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُمْ لاَ يَصِيرُونَ بِذَلِكَ مُقِيمِينَ. وَالْحَاصِل أَنَّ هُنَاكَ قَوْلاً وَاحِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ: لاَ يَصِيرُ مُقِيمًا فِي الْمَفَازَةِ وَلَوْ كَانَ ثَمَّةَ قَوْمٌ وَطَنُوا ذَلِكَ الْمَكَانَ بِالْخِيَامِ وَالْفَسَاطِيطِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ. وَالصَّحِيحُ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ؛ لأَِنَّ مَوْضِعَ الإِْقَامَةِ مَوْضِعُ الْقَرَارِ، وَالْمَفَازَةُ لَيْسَتْ مَوْضِعَ الْقَرَارِ فِي الأَْصْل فَكَانَتِ النِّيَّةُ لَغْوًا.
وَلَوْ حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ مَدِينَةً مِنْ مَدَائِنِ أَهْل الْحَرْبِ، وَوَطَّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى إِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الإِْقَامَةِ وَيَقْصُرُونَ، وَكَذَا إِذَا نَزَلُوا الْمَدِينَةَ وَحَاصَرُوا أَهْلَهَا فِي الْحِصْنِ. وَقَال أَبُو يُوسُفَ: إِنْ كَانُوا فِي الأَْخْبِيَةِ وَالْفَسَاطِيطِ خَارِجَ الْبَلْدَةِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا فِي الأَْبْنِيَةِ صَحَّتْ نِيَّتُهُمْ. وَقَال زُفَرُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا: إِنْ كَانَتِ الشَّوْكَةُ وَالْغَلَبَةُ لِلْمُسْلِمِينَ صَحَّتْ نِيَّتُهُمْ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَدُوِّ لَمْ تَصِحَّ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَلاَ يَشْتَرِطُونَ أَنْ يَكُونَ الْمَكَانُ صَالِحًا لِلإِْقَامَةِ، فَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الإِْقَامَةَ فِي مَكَانٍ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ صَالِحٍلِلإِْقَامَةِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَامْتَنَعَ الْقَصْرُ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَوْلاَنِ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَكَانِ صَالِحًا لِلإِْقَامَةِ (76) .
حُكْمُ التَّبَعِيَّةِ فِي الإِْقَامَةِ وَالْعِبْرَةُ لِنِيَّةِ الْمَتْبُوعِ فِيهَا:
30 - يَقُول الْحَنَفِيَّةُ: الْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الأَْصْل فِي الإِْقَامَةِ، وَيَصِيرُ التَّبَعُ مُقِيمًا بِإِقَامَةِ الأَْصْل كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْجَيْشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا يَصِيرُ التَّبَعُ مُقِيمًا بِإِقَامَةِ الأَْصْل، وَتَنْقَلِبُ صَلاَتُهُ أَرْبَعًا إِذَا عَلِمَ التَّبَعُ بِنِيَّةِ إِقَامَةِ الأَْصْل. فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلاَ، حَتَّى إِذَا صَلَّى التَّبَعُ صَلاَةَ الْمُسَافِرِينَ قَبْل الْعِلْمِ بِنِيَّةِ إِقَامَةِ الأَْصْل، فَإِنَّ صَلاَتَهُ جَائِزَةٌ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَتُهَا. وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ فِي حَالَةِ السَّفَرِ، وَتَفْصِيل الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ.
وَالإِْقَامَةُ كَالسَّفَرِ فِي التَّبَعِيَّةِ.
دُخُول الْوَطَنِ:
31 - إِذَا دَخَل الْمُسَافِرُ وَطَنَهُ زَال حُكْمُ السَّفَرِ، وَتَغَيَّرَ فَرْضُهُ بِصَيْرُورَتِهِ مُقِيمًا، وَسَوَاءٌ دَخَل وَطَنَهُ لِلإِْقَامَةِ، أَوْ لِلاِجْتِيَازِ، أَوْ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ، أَوْ أَلْجَأَتْهُ الرِّيحُ إِلَى دُخُولِهِ؛ لأَِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ يَخْرُجُ مُسَافِرًا إِلَى الْغَزَوَاتِ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلاَ يُجَدِّدُ نِيَّةَ الإِْقَامَةِ؛ لأَِنَّ وَطَنَهُ مُتَعَيِّنٌ لِلإِْقَامَةِ فَلاَ حَاجَةَ إِلَى التَّعْيِينِ بِالنِّيَّةِ.
وَدُخُول الْوَطَنِ الَّذِي يَنْتَهِي بِهِ حُكْمُ السَّفَرِ هُوَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ الْقَصْرَ، فَإِذَا قَرُبَ مِنْ بَلَدِهِ فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَهُوَ مُسَافِرٌ مَا لَمْ يَدْخُل، وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّ عَلِيًّا - ﵁ - حِينَ قَدِمَ الْكُوفَةَ مِنَ الْبَصْرَةِ صَلَّى صَلاَةَ السَّفَرِ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى أَبْيَاتِ الْكُوفَةِ.
وَرُوِيَ - أَيْضًا - أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - ﵄ - قَال لِمُسَافِرٍ: صَل رَكْعَتَيْنِ مَا لَمْ تَدْخُل مَنْزِلَكَ. وَإِذَا دَخَل وَطَنَهُ فِي الْوَقْتِ وَجَبَ الإِْتْمَامُ.
الْعَزْمُ عَلَى الْعَوْدَةِ إِلَى الْوَطَنِ:
32 - إِذَا عَزَمَ الْمُسَافِرُ عَلَى الْعَوْدَةِ إِلَى وَطَنِهِ قَبْل أَنْ يَسِيرَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مُقِيمًا مِنْ حِينِ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدَةِ وَيُصَلِّي تَمَامًا؛ لأَِنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْعَوْدَةِ إِلَى الْوَطَنِ قَصْدُ تَرْكِ السَّفَرِ بِمَنْزِلَةِ نِيَّةِ الإِْقَامَةِ، وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ مَعَ ذَلِكَ: أَنْ يَنْوِيَ وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ، أَمَّا لَوْ نَوَى وَهُوَ سَائِرٌ فَلاَ يَقْصُرُ حَتَّى يَدْخُل وَطَنَهُ (77) . وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمَكَانِ الَّذِي عَزَمَ فِيهِ عَلَى الْعَوْدَةِ وَبَيْنَ الْوَطَنِ مُدَّةُ سَفَرِ قَصْرٍ، فَلاَ يَصِيرُ مُقِيمًا؛ لأَِنَّهُ بِالْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدِ قَصَدَ تَرْكَ السَّفَرِ إِلَى جِهَةٍ، وَقَصْدُ السَّفَرِ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى، فَلَمْ يُكْمِل الْعَزْمَ عَلَى الْعَوْدِ إِلَى السَّفَرِ لِوُقُوعِ التَّعَارُضِ، فَبَقِيَ مُسَافِرًا كَمَا كَانَ إِلَى أَنْ يَدْخُل وَطَنَهُ (78) .
جَمْعُ الصَّلاَةِ:
33 - الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ: هُوَ أَنْ يَجْمَعَ الْمُصَلِّي بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا، جَمْعُ تَقْدِيمٍ أَوْ جَمْعُ تَأْخِيرٍ. وَالصَّلاَةُ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْجَمْعُ هِيَ: الظُّهْرُ مَعَ الْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبُ مَعَ الْعِشَاءِ.
وَالْجَمْعُ بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ. إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مُسَوِّغَاتِ الْجَمْعِ: فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِعَرَفَةَ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ، فَمُسَوِّغُ الْجَمْعِ عِنْدَهُمْ هُوَ الْحَجُّ فَقَطْ، وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَهُمُ الْجَمْعُ لأَِيِّ عُذْرٍ آخَرَ، كَالسَّفَرِ وَالْمَطَرِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لِلْجَمْعِ سِتَّةُ أَسْبَابٍ: السَّفَرُ، وَالْمَطَرُ، وَالْوَحْل مَعَ الظُّلْمَةِ، وَالْمَرَضُ، وَبِعَرَفَةَ، وَمُزْدَلِفَةَ.
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ: عَدَمَ إِدْرَاكِ الْعَدُوِّ.
وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ كَذَلِكَ: الرِّيحَ الشَّدِيدَةَ.
عَلَى أَنَّ هُنَاكَ بَعْدَ ذَلِكَ شَرَائِطَ بِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ الْمُسَوِّغَاتِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْمَذَاهِبِ مَعَ تَفْصِيلٍ كَثِيرٍ، وَذَلِكَ مِثْل مَنِ اشْتَرَطَ فِي السَّفَرِ ضَرْبًا مُعَيَّنًا، كَقَوْل مَالِكٍ: لاَ يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ إِلاَّ أَنْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَمِنْهُمْ مَنَ اشْتَرَطَ سَفَرَ الْقُرْبَةِ كَالْحَجِّ وَالْغَزْوِ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ الْجَمْعَ بِسَبَبِ الْمَطَرِ نَهَارًا وَأَجَازَهُ لَيْلاً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ بِسَبَبِ الْمَطَرِ لَيْلاً وَنَهَارًا. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (جَمْعُ الصَّلَوَاتِ) .
__________
(1) لسان العرب ومختار الصحاح.
(2) الهداية وشروحها فتح القدير والعناية 1 / 392 ط. المطبعة الكبرى بمصر سنة 1325 هـ، والشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه (1 / 362. مصطفى محمد) ومغني المحتاج 1 / 264، وكشاف القناع 1 / 326.
(3) ابن عابدين 1 / 555، 556، والبدائع 1 / 102، 104، والشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي 1 / 362، 364، ومغني المحتاج 1 / 262، وكشاف القناع 1 / 327، 335.
(4) المراجع السابقة.
(5) حديث: " أتموا يا أهل مكة صلاتكم ". أخرجه الطحاوي (شرح معاني الآثار 1 / 417 نشر مطبعة الأنوار المحمدية) من حديث عمران بن حصين بلفظ: " يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخراوين فإنا قوم سفر ". وأخرجه أبو داود (2 / 23 - 24) بهذا المعنى، وصححه الترمذي (2 / 430 ط الحلبي) وتعقبه (مختصر سنن أبي داود 2 / 61) بما يشير إلى تضعيفه.
(6) البدائع 1 / 103، 104، الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 362، 364.
(7) حديث: " أنه ﷺ أقام بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة. . . ". أخرجه أبو داود (2 / 72 تحقيق عزت عبيد دعاس) والبيهقي (3 / 152 - ط. دائرة المعارف العثمانية) من حديث جابر بن عبد الله. وأعله أبو داود بكونه روي مرسلا، وأما البيهقي فقال: " لا أراه محفوظا ".
(8) الاختيار لتعليل المختار 1 / 11 طبعة دار الشعب بالقاهرة سنة 1386 هـ البدائع 1 / 103، 104.
(9) البدائع 1 / 94، 95، وفتح القدير 1 / 393 والمراجع السابقة.
(10) البدائع 1 / 93، وبداية المجتهد 1 / 162.
(11) حديث: " يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد ". أخرجه الدارقطني (1 / 387 ط دار المحاسن) من حديث ابن عباس، وضعف إسناده ابن حجر في التلخيص (2 / 46 ط شركة الطباعة الفنية) .
(12) الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 591، ومغني المحتاج 1 / 264، وكشاف القناع 1 / 325.
(13) حديث: " جعل رسول الله ﷺ ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم ". أخرجه مسلم (1 / 232 - ط. الحلبي) .
(14) حديث: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر. . . ". أخرجه مسلم (2 / 975 - ط. الحلبي) من حديث ابن عمر.
(15) البدائع 1 / 93، 94، والمهذب 1 / 102.
(16) المراجع السابقة.
(17) بدائع الصنائع 1 / 94، والعناية شرح الهداية، بهامش فتح القدير 1 / 394.
(18) الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 362.
(19) مغني المحتاج 1 / 265.
(20) كشاف القناع 1 / 330.
(21) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 358، ومغني المحتاج 1 / 264، وكشاف القناع 1 / 325.
(22) بدائع الصنائع 1 / 392، وما بعدها وفتح القدير 2 / 5 نشر دار إحياء التراث.
(23) البدائع 1 / 94، وكشاف القناع 1 / 325.
(24) مغني المحتاج 1 / 265.
(25) سورة النساء / 101.
(26) حديث عمر بن الخطاب: " صدقة تصدق الله بها عليكم. . . ". أخرجه مسلم (1 / 478 - ط. الحلبي) .
(27) حديث ابن عمر: " صحبت النبي ﷺ فكان لا يزيد في السفر على ركعتين ". أخرجه البخاري (الفتح2 / 577 - ط. السلفية) ومسلم (1 / 480 - ط. الحلبي) واللفظ للبخاري.
(28) سورة النساء / 101، وانظر المهذب 1 / 101 وكشاف القناع 1 / 324.
(29) حديث: " صدقة. . . " تقدم تخريجه ف13.
(30) حديث عائشة ﵂: " فرضت. . . . . ". أخرجه البخاري (الفتح1 / 464 - ط. السلفية) ومسلم (1 / 478 - ط. الحلبي) واللفظ لمسلم.
(31) الاختيار لتعليل المختار 1 / 198 طبع مطابع الشعب بالقاهرة سنة 1386 هـ وفتح القدير 1 / 395.
(32) قول ابن عباس - ﵄ -: " إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم. . ". أخرجه مسلم (1 / 479 - ط. الحلبي) .
(33) بداية المجتهد 1 / 161، والشرح الكبير للدردير 1 / 358.
(34) بداية المجتهد 1 / 161، 162، والشرح الكبير 1 / 358، ومغني المحتاج 1 / 268، وكشاف القناع 1 / 328.
(35) حديث عمران بن حصين: " ما سافر رسول الله ﷺ إلا صلى ركعتين إلا المغرب " يأتي مطولا في الفقرة (24) دون قوله: " المغرب ".
(36) حديث: " أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ". تقدم تخريجه ف4.
(37) البدائع 1 / 91.
(38) البدائع 1 / 93، 94، 103، وفتح القدير 1 / 302.
(39) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 1 / 358، والمهذب 1 / 102، ومغني المحتاج 1 / 266، وكشاف القناع 1 / 324، 237.
(40) سورة البقرة / 184.
(41) سورة البقرة / 139.
(42) حديث " جعل رسول الله ﷺ. . . ". تقدم تخريجه ف11.
(43) البدائع 1 / 93، والاختيار لتعليل المختار 1 / 111.
(44) البدائع 1 / 95.
(45) الشرح الكبير 1 / 360.
(46) المجموع 4 / 368.
(47) كشاف القناع 1 / 328.
(48) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1 / 367، والمهذب 1 / 103، وكشاف القناع 1 / 329.
(49) مغني المحتاج 1 / 267، 268.
(50) كشاف القناع 1 / 329.
(51) مغني المحتاج 1 / 68.
(52) بدائع الصنائع 1 / 92، 93.
(53) الشرح الكبير 1 / 364، 365.
(54) حديث أنس: " صليت الظهر مع رسول الله ﷺ بالمدينة أربعا ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 569 - ط. السلفية) ومسلم (1 / 480 - ط. الحلبي) واللفظ لمسلم.
(55) الهداية وشروحها 1 / 396، 397.
(56) فتح القدير 1 / 396، 397، ومغني المحتاج 1 / 264.
(57) حديث عائشة ﵂: " فرض صلاة السفر والحضر ركعتين ركعتين ". أخرجه ابن خزيمة (1 / 157 ط. المكتب الإسلامي) وأشار إلى انقطاع في سنده.
(58) البدائع 1 / 92، 93، والشرح الكبير 1 / 360، ومغني المحتاج 1 / 260، وكشاف القناع 1 / 325.
(59) حديث: " إنما جعل الإمام ليؤتم به ". أخرجه مسلم (1 / 309، 310 ط. الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(60) حديث: " أتموا يا أهل مكة. . ". تقدم تخريجه ف4.
(61) بدائع الصنائع 1 / 93، 101.
(62) الشرح الكبير 1 / 365، 366.
(63) مغني المحتاج 1 / 268، وكشاف القناع 1 / 328.
(64) المغني لابن قدامة 2 / 284.
(65) فتح القدير 1 / 405، والدسوقي على الشرح الكبير 1 / 360.
(66) المهذب 1 / 103، 104.
(67) حديث عمران بن حصين: " غزوت مع رسول الله ﷺ. . . ". أخرجه أبو داود (2 / 23 - 24 - ط. عزت عبيد دعاس) وأورده المنذري في مختصر السنن (2 / 61، نشر دار المعرفة) وقال: في إسناده علي بن زيد بن جوعان، وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة، وقال بعضهم: هو حديث لا تقوم به حجة، لكثرة اضطرابه.
(68) البدائع 1 / 97، 98.
(69) الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 364.
(70) أخرجه البخاري (الفتح 7 / 266 - 267 ط. السلفية) ، ومسلم (2 / 985، ط. الحلبي) من حديث العلاء بن الحضرمي واللفظ لمسلم.
(71) أخرجه الطحاوي (شرح معاني الآثار 1 / 417 نشر مطبعة الأنوار المحمدية) من حديث عمران بن الحصين، وصححه الترمذي (2 / 430 ط. الحلبي) وأشار المنذري إلى تضعيفه.
(72) مغني المحتاج 1 / 262.
(73) حديث جابر وابن عباس " أن النبي ﷺ قدم مكة ". حديث ابن عباس أخرجه البخاري (الفتح2 / 565 - ط. السلفية) وحديث جابر أخرجه مسلم (2 / 883 - ط. الحلبي) وفيها قدوم النبي ﷺ رابعة ذي الحجة.
(74) حديث: " أنه ﷺ أقام بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة ". أخرجه أبو داود (2 / 27 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والبيهقي (3 / 152 - ط. دائرة المعارف العثمانية) من حديث جابر بن عبد الله وأعله أبو داود بكونه روي مرسلا وأما البيهقي فقال: لا أراه محفوظا.
(75) كشاف القناع 1 / 330.
(76) البدائع 1 / 98، والشرح الكبير 1 / 360، ومغني المحتاج 1 / 362، وهداية الطالب: 174، والإنصاف 2 / 330.
(77) البدائع 1 / 103، حاشية الدسوقي 1 / 361، والمهذب 1 / 53.، وهداية الراغب: 106، ومغني المحتاج 1 / 262.
(78) بدائع الصنائع 1 / 126، 127، والشرح الكبير 1 / 268، ومغني المحتاج 1 / 269، وكشاف القناع 1 / 116.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 266/ 27
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".