البحث

عبارات مقترحة:

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

سفير رمضان

العربية

المؤلف عبدالرحمن بن علي الشهري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحكمة وتعليل أفعال الله -
عناصر الخطبة
  1. الإكثار من الصيام في شعبان وبعض حكم ذلك .
  2. تطهير النفس من الذنوب .
  3. الإكثار من قراءة القرآن في شعبان .
  4. وقفة مع حديث: \"يطَّلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان\" .
  5. بعض بدع الناس في ليلة النصف من شعبان .
  6. التحذير من استقبال رمضان بصيام يوم أو يومين .

اقتباس

الإيمان خير قائد, والعمل الصالح خير رائد, والإحسان إلى الناس خير عائد, وحسن الخلق خير زائد. أهل الدنيا في غفلة تمر عليهم الجنائز, والموت فيهم واعد وناجز, وهم يبنون ما لا يسكنون, ويجمعون ما لا يأكلون. لقد جاءنا ووفد علينا سفير كريم، بين...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].

إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد:

فإن من خاف الوعيد قصر عليه البعيد, ومن طال أمنه ضعف عمله.

الإيمان خير قائد, والعمل الصالح خير رائد, والإحسان إلى الناس خير عائد, وحسن الخلق خير زائد.

أهل الدنيا في غفلة تمر عليهم الجنائز, والموت فيهم واعد وناجز, وهم يبنون ما لا يسكنون, ويجمعون ما لا يأكلون.

فيا سعادة من استعان بدنياه على آخرته, ويا فوز من شمر لمرضاة ربه وعمل على طاعته: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 77].

لقد جاءنا ووفد علينا سفير كريم، بين يدي ضيف حبيب عظيم, فلنكرم سفير حبيبنا, ولنقم بحق مبعوث ضيفنا.

إنه شهر شعبان؛ رسول رمضان وسفيره ومبعوثه إلينا وبريده, فمن حق رمضان علينا: أن نصل قريبه، وأن نكرم أخاه وقرينه, وذلك بأمور يسيرة لمن همه سعة قبره وضياءه, وهدفه رحمة ربه ورضاءه.

فأول ما يكون من الإكرام لهذا الشهر الزائر الراحل: الإكثار من الصيام فيه؛ فإن حبيبكم -صلى الله عليه وسلم- كان يكثر من الصيام في شعبان, قالت عائشة -رضي الله الله عنها-: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان".

وللسائل أن يسأل: ما سبب إكثار النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصيام في شعبان؟ أي في شهرنا هذا؟

فأقول: لقد سبقك بالسؤال أسامة بن زيد -رضي الله عنه-، وأجابه حبيبك -صلى الله عليه وسلم- إذ قال أسامة: يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" -صلى الله وسلم على نبينا محمد-.

ذكر عليه الصلاة والسلام سببين اثنين لإكثار الصيام في هذا الشهر:

أولهما: أن شهر شعبان شهر يغفل الناس عنه لوقوعه بين شهرين عظيمين: شهر رجب وهو من الأشهر الحرم، وشهر رمضان وهو تاج الشهور وأفضلها.

والأوقات التي يغفل فيها الناس عن العبادة تحسن فيها الطاعات، وتعظم فيها العبادات, فالمؤمن عليه أن يزداد تشميره وحرصه على الطاعة حين أوقات الغفلة وفي أماكن الغفلة,  وما أكثرها في هذا الزمان! والله المستعان!

والسبب الثاني: هو أن شهر شعبان شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله -تعالى-, فما أجمل أن يرفع عملك إلى خالقك وأنت صائم لوجهه الكريم.

ثم إن الصيام في شعبان كالتمرين على صيام رمضان.

أما الإكرام الثاني الذي نكرم به شهرنا به، فهو: تطهير أنفسنا من جميع الذنوب, وتنقية بيوتنا من جميع المخالفات.

إن كنا نريد رحمة فاطر الأرض والسماوات, لنتب إلى الله توبة نصوحا, ولنصطلح مع خالقنا، ولنفتح صفحة جديدة بيضاء لما تبقى من حياتنا، ولنكثر من قول الله -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].

احرص على ألا يدخل عليك رمضان إلا وأنت طاهر نقي, فإن رمضان عطر، رمضان عطر ولا يُعطَّر الثوب حتى يُغسل, وهذا زمن الغسل, اغسل عنك درن الذنوب والخطايا, واستعد قبل حلول المنايا.

أما الإكرام الثالث الذي نكرم به سفير رمضان هو: الإكثار من قراءة القرآن, فقد كان سلفنا الصالح يجدّون في شهر شعبان في قراءة القرآن ويتهيؤون فيه لرمضان، قال سلمة بن كهيل -رحمه الله-: "كان يقال: شهر شعبان؛ شهر القرآء".

وقال أبو بكر البلقي -رحمه الله-: "شهر رجب شهر الزرع وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع".

وقال أيضا: "مثل شهر رجب كالريح ومثل شهر شعبان كالغيم ومثل رمضان مثل المطر، فمن لم يزرع ويغرس في رجب ويسقي في شعبان فكيف يريد الحصاد في رمضان؟!".

واختتم خطابي الأول بوقفات مهمة مع حديث عظيم, روى الطبراني وابن حيان -وهو حديث صحيح صححه جمع من أهل العلم- يقول فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يطَّلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان ويغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن", وهذا حديث رواه معاذ بن جبل -رضي الله عنه-.

الوقفة الأولى: إن الله يغفر في ليلة النصف من شعبان لكل عباده إلا المشرك؛ فلنتفقد أنفسنا, ولنفتش في بواطنها, أن نكون قد وقعنا في شيء من الشركيات ونحن لا نشعر, ولا نظن بأنفسنا خيرا, ولا يقول أحدنا: إني بريء من الشركيات، ولا يمكن أن أقع فيها فأنا أعيش في بلد التوحيد، فإن هذا غرور وجهل.

إذا كان أبو الأنبياء وإمام الحنفاء وخليل رب الأرض والسماء؛ إبراهيم -عليه السلام- يخشى على نفسه وبنيه الشرك, قال الله -تعالى-: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) [إبراهيم: 35] فماذا نقول نحن في هذا الزمن؟!

قال إبراهيم التيمي -رحمه الله-: "ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟!"، وصدق رحمه الله.

الوقفة الثانية: خطورة الشحناء والبغضاء بين الناس، وأن الله -جل في علاه- لا يغفر للمتشاحنين, والشحناء هي حقد المسلم على أخيه المسلم بغضا له لهوى في نفسه لا لغرض شرعي, فهذه الشحناء والبغضاء تمنع المغفرة، استمع بقلبك.. "تمنع المغفرة" في أكثر أوقات المغفرة والرحمة؛ كما في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر الله لكل عبد لا يشرك به شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا".

فابدأ من الآن وفتش في خبايا نفسك, هل فيها غل على مسلم، أو حقد على مؤمن، أو حسد لجار، أو قريب أو صديق أو زميل؟ وانتزعها من قلبك واحتسب الأجر عند ربك لتحظي بمغفرة ربك.

لقد وصف الله المؤمنين بأنهم يقولون: (وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا) [الحشر: 10].

قلها في نفسك -أخي-: (وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا).

واصفح لكي يصفح الله عنك، واغفر حتى يغفر الله لك.

الوقفة الثالثة: إحياء بعض الناس لليلة النصف من شعبان، وبعضهم يصليها في جماعة، ويحتفلون بها، وربما زينوا بيوتهم, وكل هذا من البدع المحدثة, ولم يفعل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام ولا التابعين لهم بإحسان.

وما ثبت في ليلة النصف من شعبان من فعل, إنما هو ما ذكرته لك, من أنه عليك أن تحقق التوحيد في نفسك وتنأى بها عن الشرك، وأن تصفح وتعفو عمن بينك وبينه عداوة, أما إحداث البدع في هذه الليلة، فإن أهلها بعيدون كل البعد عن هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-.

الوقفة الرابعة -وتنبه لها-: ألا يصوم الإنسان بعد منتصف شعبان بنية استقبال رمضان وحتى يحتاط لشهر رمضان, فهذا من التنطع والغلو, قال صلى الله عليه وسلم: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان".

هذا الحديث وما في معناه اللذين يستقبلون رمضان بالصيام بنية الاحتياط لرمضان، فهذا منهي عنه, ولا يدخل هذا النهي من صام كثيرا في شعبان إقتداء بحبيبه -صلى الله عليه وسلم-، أو صام القضاء والنذر الواجب.

بارك الله لي ولكم بالقرآن الكريم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

وأقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم واستغفروه إن ربي غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لجاهه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.

أما بعد:

فإنكم أحبتي قادمون على ما قدمتم، ومجزيون على ما أنجزتم، فاستعدوا قبل انتقالكم.

السعيد من تدبر أمره، وأخذ حذره، واستعد ليوم لا تنفع فيه عبرة.

الناس يثقون بالدنيا وهي غدارة، ويطمئنون إليها وهي مكارة، ويأنسون بها وهي غرارة.

وهل لك يا من تسمعني الآن هل لك من الدنيا إلا حفرة ضيقة تحويك، وقبر مظلم يؤويك، ثم إلى جنة أو نار.

نسأل الله أن يجعلنا جميعا من أهل الجنة، وأن يبعدنا عن النار.

(كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].

فيا من تريد غنيمة رمضان: اعمل على تحقيق شروطها من الآن.

كيف يسعد برمضان من لم يطهر نفسه من الحرام؟ كيف يفرح برمضان من هو غارق في الآثام؟

مر رجب وما أحسنت فيه

وهذا شهر شعبان المبارك

فيا من ضيع الأوقات جهلا 

بحرمتها أفق واحذر بوارك

فسوف تفارق اللذات قسرا

ويخلي الموت قسرا منك دارك

تدارك ما استطعت من الخطايا

بتوبة مخلصة واجعل مدارك

على طلب السلامة من جحيم

فخير ذوي الجرائم من تدارك

وصلوا وسلموا على رسول الله...