البحث

عبارات مقترحة:

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

وداع رمضان

العربية

المؤلف إبراهيم بن صالح الدحيم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. الأعمال المشروعة في نهاية رمضان .
  2. من أحكام صلاة العيد .
  3. الاستمرار على فعل الخير بعد رمضان .

اقتباس

قد كنت من أول الشهر تقوم لله وتصلي، وتسجد وتقرأ، وتذكر، وغيرك لم ينفك عن التعب، فقد قام لكن لهواه، واجتهد لكن في تحصيل دنياه، أضاع ليله ونهاره حتى ذهب عنه الشهر ولا أجر، بل هو الوزر وربِّي وبئس ما فعل، وزر في رمضان؟!

ما ضاع من أيامنا هل يغرم؟

هيهات والأزمان كيف تقوَّم؟
يوم بأرواح تباع وتشترَى وأخوه ليس يُسام فيه الدّرهم

الخطبة الأولى:

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله.

بالأمس أقبل مُشرق الميلاد

شهرُ التُّقاة وموسمُ العباد

واليوم شد إلى الرحيل متاعه

قد زود الدنيا بخير الزاد

لا أوحش الرحمن منك منازلاً

ذكراك يعلو في الربى والوادي

ما أشبه الليلة بالبارحة، كنا في جمعة ماضية نعيش أول يوم من رمضان، واليوم نعيش وداعه أو ما يسبق وداعه بيوم.

مضى الشهر وودعناه وما استودعناه، ذهب شاهدًا لنا أو علينا، فليت شعري من المقبول منا فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه.

يا من وُفّق للاجتهاد بالعمل الصالح في هذا الشهر، ها قد انقضى الشهر، فهل تذكر ألمَ الجوع والعطش من فقدِ الطعام؟! أم هل أجهدك القيام؟!

لقد ذهب التعب والنصب وثبت الأجر -إن شاء الله-.

قد كنت من أول الشهر تقوم لله وتصلي، وتسجد وتقرأ، وتذكر، وغيرك لم ينفك عن التعب، فقد قام لكن لهواه، واجتهد لكن في تحصيل دنياه، أضاع ليله ونهاره حتى ذهب عنه الشهر ولا أجر، بل هو الوزر وربِّي وبئس ما فعل، وزر في رمضان؟! "كل الناس يغدو؛ فبائع نفسه: فمعتقها أو موبقها"[رواه ابن ماجه والترمذي].

ذهبت الدنيا بأتعابها، وبقيت تبعاتها.

ما ضاع من أيامنا هل يغرم؟

هيهات والأزمان كيف تقوَّم؟

يوم بأرواح تباع وتشترَى

وأخوه ليس يُسام فيه الدّرهم

أيها المسلمون: شرع الله لكم في ختام شهركم شرائع، فاعلموها لتعملوا بها ولا تضيّعوها، والأعمال بالخواتيم.

شرع للمسلم في ختام الشهر إخراج زكاة الفطر، وهي فرض واجب كما في حديث ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم-: "أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر".

شرعت زكاة الفطر في ختام الشهر، طهرة للصائم من اللغو والرفث، وكم هو النقص في صيامنا الذي يحتاج إلى إتمام، والخلل الذي يحتاج إلى تسديد.

تجب زكاة الفطر على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين، لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "فرض رسول الله –صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين"[رواه البخاري].

فمن أدركه غروب شمس ليلة العيد وهو حيٌّ مسلم وجبت عليه، ومن مات قبل الغروب أو ولد بعد الغروب لم تجب عنه.

ويستحب إخراجها عن الجنين الذي في البطن.

وتخرج من عامة طعام البلد كالبر والتمر أو الأرز؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنه-: "أمرنا رسول الله أن نؤدي زكاة رمضان صاعًا من طعام".

ومقدار زكاة الفطر صاعٌ عن كل واحدٍ، وهو ما يساوي كيلوين وأربعين غراما.

ولا تدفع إلا لمستحقيها، وهم المساكين دون بقية الأصناف الثمانية على الصحيح؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين"[رواه أبو داود وابن ماجة].

وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يعطيها الذين يقبلونها[رواه البخاري].

ويجوز أن توزّع على عدة مساكين، أو تعطى لمسكين واحد.

وجمهور أهل العلم على أنها لا تعطى إلا المسلم، لحديث ابن عمر السابق، قال شيخ الإسلام: "لا ينبغي أن تعطى الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله، فإن الله فرضها معونة على طاعته لمن يحتاج من المؤمنين، فمن لم يصلّ من أهل الحاجات لا يُعطى شيئًا، حتى يتوب ويلتزم أداء الصلاة" إلخ.

ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، وأفضل وقت إخراجها قبل الخروج لصلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخرت عنها فإنما هي صدقة من الصدقات.

وجمهور العلماء على أنه لا يعتبر في زكاة الفطر ملك النِّصاب، بل تجب على كل من ملك صاعًا فاضلاً عن قوته يوم العيد وليلته.

ولا يجوز دفع القيمة بدل الطعام؛ لأنه خلاف المنصوص عليه، قال أبو داود: سئل أحمد وأنا أسمع: يعطى دراهم؟ قال: "أخاف أن لا يجزئه؛ خلافُ سنة رسول الله".

ولا يجوز إخراج الرديء في الزكاة، فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ)[البقرة: 267].

فأخرجوها طيبة بها نفوسكم، وزكوا بها صيامكم، واجبروا النقص، وسدّدوا الخلل.

أيها المسلمون: ومما شرع في ختام الشهر: صلاة العيد والاستعداد لها، فإليك بعض أحكامها:

يحرم صيامُ يومي العيدين؛ لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: "أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر"[رواه مسلم].

وعيد الفطر يوم واحد فقط، ولذا يجوز ابتداء صيام الستّ من شوال أو القضاء من اليوم الثاني لشهر شوال.

ويستحب الخروج لصلاة العيد للرجال والنساء، بل ذهب بعض أهل العلم كشيخ الإسلام وغيره إلى وجوب الخروج لصلاة العيد؛ لحديث أم عطية -رضي الله عنها- قالت: "أمرنا رسول الله أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيَّض وذوات الخدور، فأما الحيَّض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين".

ويستحب التجمّل للعيد ولبس أحسن الثياب والطيب، فقد كان الصحابة يفعلون ذلك ويقرّهم النبي –صلى الله عليه وسلم- عليه.

أما النساء فيبتعدن عن الزينة إذا خرجن؛ لأنهن منهيات عن إظهار الزينة للرجال الأجانب، ويحرم على من أرادت الخروج أن تمسّ طيبًا، أو تتعرّض للرجال بفتنة.

ويستحبّ الاغتسال قبل الخروج لصلاة العيد، فقد صحّ في الموطأ وغيره: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى، وصحّ ذلك أيضًا عن علي -رضي الله عنه-، قال النووي -رحمه الله-: "اتفق العلماء على استحباب الاغتسال لصلاة العيد".

ويستحب أن لا يخرج في عيد الفطر للصلاة حتى يأكل تمرات، لما روى البخاري عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات.

وإنما استحب الأكل قبل الخروج مبالغة في النهي عن صوم ذلك اليوم وتحقيق الفطر فيه.

ويستحب إتيان المصلى ماشيًا إن تيسر ذلك، فقد أخرج الترمذي وصححه الألباني من قول علي: "من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيًا".

ويسن التكبير ليلة العيد ويومه إلى أن يدخل الإمام لصلاة العيد، يرفع الرجال أصواتهم بذلك، وتخفض النساء إذا كانت بحضرة أجانب، ويكون ذلك في البيت والمسجد والسوق والعمل، وكل مكان يمكن ذكر الله فيه، وهي سنة من السنن المهجورة، تطلُب من يحييها.

وصفة التكبير أن يقول: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".

"الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا".

"الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا".

وكلّها ألفاظ صحيحة ثابتة.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، لا ربّ غيره ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله ومصطفاه.

إذا الروض أمسى مجدبًا في ربيعه

ففي أيّ حين يستنير ويخصبُ؟

إذا كان الشهر قد وَدّع وأناس في غيّها لم تَرجع فمتى تكون اليقظة؟ ومتى يكون الرجوع؟ كل ما لا يثمر من الأشجار في أوان الثمار فإنه يقطع ثم يوقد في النار. ومن لم تُلِنْ قلبَه المواعظُ وتوقظه الزواجر فليعلمْ أن النار تذيب الحديدَ وقلبَ كل جبار عنيد.

ألا من لقلب في الهوى غير منتهٍ وفي الغيّ مطواع وفي الرشد مكره أشاوره في توبة فيقول: لا فإن قلت: تأتي فتنة قال: أين هي؟

ألا أيها المقصر وكلنا كذلك، ويا أيها المفرط وكلنا كذلك، أين مُقلتك الباكية؟! وأين دمعتك الجارية؟! وأين زفرتك الرائحة والغادية؟! لأي يوم أخَّرت توبتك؟! ولأي يوم ادخرت عدتك؟! إلى عام قابل وحول حائل؟! كلا، فما إليك مدة الأعمار، ولا معرفة الأقدار، فكم من مؤمِّل أمَّل بلوغَه فلم يبلغه، وكم من مدرِك له لم يختمه، وكم مُعِدٍّ لطيب عيده جُعِل في تلحيدِه، وثياب لتزيينه صارت لتكفينِه، ومتأهّب لفطرِه صار مرتهنًا في قبره، فاحمدوا الله -عباد الله- على بلوغ اختتامه، واسألوه قبول قيامه وصيامِه.

أيها المقصّر المفرّط: إن الفرصة مواتية، ولا زال في العمر بقية، فأحسن الختام، فالتوبة تَجُبُّ ما قبلها، والأعمال بالخواتيم.

فطوبى لمن غَسَل دَرَنَ الذنوب بتوبة، ورجع عن خطاياه قبل فوات الأوبة.

أيها المسلمون: أكثروا الاستغفار في ختام شهركم، قال الحسن -رضي الله عنه-: "أكثروا من الاستغفار؛ فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة".

وقال لقمان لابنه: "يا بني، عوّد لسانك الاستغفار، فإن لله ساعات لا يرد فيهن سائل".

كان بعض السلف: "إذا صلى صلاة استغفر من تقصيره فيها كما يستغفر المذنب من ذنبه".

كتب عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى الأمصار يأمرهم بختم صيام رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر، ويقول: "إن صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، والاستغفار يرفع ما تخرق من الصيام باللغو والرفث".

أيها المسلمون: ومما يجمل في ختام الشهر الإكثار من الصدقة التي بها يُطفَأ غضب الربّ عن التقصير، ويُستَدرُّ بها عفو الله وكرمه.

ابذل الصدقة في مشاريع الخير ولا تبخل: (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ)[محمد: 38].