البحث

عبارات مقترحة:

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته

الرحمة خُلق عظيم من أخلاق الإسلام، وهي رقة تقتضـي الإحسان إلى المرحوم، والله سبحانه من أسمائه الحسنى: الرحمن، يرحم من يشاء من عباده، وكان الرسول من أرحم الخلق، فقد كان رحيمًا بالطفل والمرأة والضعيف، وبلغت رحمتُه الطيرَ والحَيَوان، قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ﴾ ، فمن اتخذ الرحمة خُلقه في جميع تعاملاته فقد سعِد وغنم.

التعريف

التعريف لغة

تدور مادة (ر ح م) حول الرقّة، والعطف، قال ابن فارس: «الرّاء والحاء والميم أصل واحد، يدل على: الرقة والعطف والرأفة. يقال من ذلك: رحمه يرحمه إذا رقّ له وتعطّف عليه، والرّحم والمرحمة والرّحمة بمعنًى». "مقاييس اللغة" لابن فارس (398/3). وقال ابن منظور رحمه الله: «الرحمة: الرقة والتعطف، والرحمة في بني آدم: رقة القلب وعطفه». "لسان العرب" لابن منظور (231/12).

التعريف اصطلاحًا

قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: «الرحمة رقة تقتضـي الإحسان إلى المرحوم، وقد تستعمل تارةً في الرقة المجردة، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة نحو رحم الله فلانًا». "المفردات" للراغب(ص191). وقال الكفوي رحمه الله: «الرحمة حالة وجدانية تعرض غالبًا لمن به رقة القلب، وتكون مبدأً للانعطاف النفساني الذي هو مبدأ الإحسان». "الكليات" للكفوي (ص471). وقيل: «هي رقة في النفس تبعث على سوق الخير لمن تتعدى إليه». "التحرير والتنوير" لابن عاشور(21/26).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

فالمعنى الاصطلاحي للرحمة لا يبعد عن معناه اللغوي، إلا أنه خُص برحمة الله لعباده، ولا ينافي معنى الرحمة أن يكون في بعض التكاليف مشقة.

الأدلة

القرآن الكريم

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته في القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةٗ لِّلْعَٰلَمِينَ﴾. [الأنبياء: 107]. قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٞ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِاْلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾. [التوبة: 128]. قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٖ مِّنَ اْللَّهِ لِنتَ لَهُمْۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ اْلْقَلْبِ لَاْنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَۖ فَاْعْفُ عَنْهُمْ وَاْسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي اْلْأَمْرِۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اْللَّهِۚ إِنَّ اْللَّهَ يُحِبُّ اْلْمُتَوَكِّلِينَ﴾. [آل عمران: 159].

السنة النبوية

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته في السنة النبوية
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما ضرَب رسول الله شيئًا قط بيده، ولا امرأة ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نِيل منه شيء قطُّ، فينتَقم من صاحبه، إلا أن يُنتهك شيءٌ من محارم الله عز وجل فينتَقم لله». أخرجه مسلم (2328). عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «خدَمت النبي عشر سنين، فما قال لي: أُفٍّ، ولا: لِمَ تَصنع؟ ولا: ألاَ صَنعت». أخرجه البخاري (6038)، ومسلم (2309). عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمّي لنا نفسه أسماء. فقال: «أنا محمّد، وأحمد، والمقفّي، والحاشر، ونبيّ التّوبة، ونبيّ الرّحمة». أخرجه مسلم (2355). عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أن النبي قَالَ: «إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ». أخرجه البخاري (709)، ومسلم (470).

العقل

من الدلائل العقلية على رحمة النبي ، هو قياس الأولى، فإنه لما كانت الرحمة من خصائص الشريعة الإسلامية التي جاء بها النبي صلى الله علي وسلم، وهو يدعو إليها، فمن باب أولى اتصفافه وتحليه بها.

قصص من حياة النبي صلى الله عليه وسلم

رحمته بالأطفال

عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن عليّ على فخذه الآخر، ثمّ يضمّهما، ثمّ يقول: «اللهمّ ارحمهما فإنّي أرحمهما» أخرجه البخاري (6003).

من لا يَرحم لا يُرحم

عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قبّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحسن بن عليّ وعنده الأقرع بن حابس التّميميّ جالسا، فقال الأقرع: إنّ لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: «من لا يرحم لا يرحم». أخرجه البخاري (5997)، ومسلم (2318).

رحمته بأبنائه

عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دخلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سيف القين، وكان ظئرًا لإبراهيم عليه السّلام. فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إبراهيم فقبّله وشمّه، ثمّ دخلنا عليه بعد ذلك- وإبراهيم يجود بنفسه- فجعلت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تذرفان، فقال له عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه-: وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يا ابن عوف إنّها رحمة، ثمّ أتبعها بأخرى» ، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلّا ما يرضى ربّنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون». أخرجه البخاري (1303).

رحمته بالحيوان

عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: «أردفني رسول الله خلفه ذات يوم، فأسرَّ إليَّ حديثًا لا أحدث به أحدًا من النَّاس، وكان أحب ما استتر به رسول الله لحاجته هدفًا أو حائش نخل، قال: فدخل حائطًا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النَّبيَّ حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النَّبي فمسح ذفراه، فسكت، فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها؟ فإنه شكا إليَّ أنك تجيعه وتدئبه».

رحمته بالطير

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «كنَّا مع رسول الله في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حُمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمرةُ فجعلت تفرِش، فجاء النَّبي فقال: (من فجع هذه بولدها؟ ردُّوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرَّق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنَّه لا ينبغي أن يعذِّب بالنَّار إلَّا ربُّ النَّار». أخرجه أبو داود (2675).

رحمته بالمدعوين

عن عائشة رضي اللّه عنها زوج النَّبي أنَّها قالت للنَّبي : «هل أتى عليك يوم كان أشدَّ من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدَّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت. وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلَّا وأنا بقرن الثَّعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنَّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردُّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلَّم عليَّ، ثمَّ قال: يا محمَّد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النَّبي : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا». أخرجه البخاري (3231).

رحمته بالجمادات

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنَّ النَّبي : «كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار، أو رجل: يا رسول الله، ألا نجعل لك منبرًا؟ قال: إن شئتم. فجعلوا له منبرًا، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النَّبي فضمَّه إليه، تئنُّ أنين الصبي الذي يسكن، قال: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها». أخرجه البخاري(3584).

أقوال أهل العلم

«كان رسول الله أرحمَ النَّاسِ بالصِّبيانِ و العِيالِ» أَنَس بن مالِك "صحيح الجامع" للألباني(4797)
«وكان أرحم الخلق وأرأفهم، وأعظم الخلق نفعًا له في دينهم ودنياهم» المَقْرِيزي "إمتاع الأسماع" للمقريزي (173/11).
«رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ أرْحم النَّاس يصفى الْإِنَاء للهرة، فَمَا يرفعهُ حَتَّى تروى رَحْمَة لَهَا، وَيسمع بكاء الصَّغِير مَعَ أمه وَهُوَ فِي الصَّلَاة، فيخفف رَحْمَة لَهَا». مُحِبّ الدِّين الطَّبَرِي "خلاصة سير سيد البشر" للمحب الدين الطبري (ص85).
«وهو أرحم الخلق، وأعطفهم، وأشفقهم، وأرقهم قلبًا». ابن دحية الكَلْبي «شرح المواهب اللدنية» للزرقاني (257/4).
«زَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزِينَةِ الرَّحْمَةِ، فَكَانَ كَوْنُهُ رَحْمَةً، وَجَمِيعُ شَمَائِلِهِ وَصِفَاتِهِ رَحْمَةً عَلَى الْخَلْقِ، فَمَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ رَحْمَتِهِ فَهُوَ النَّاجِي فِي الدَّارَيْنِ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، وَالْوَاصِلُ فِيهِمَا إِلَى كُلِّ مَحْبُوبٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةٗ لِّلْعَٰلَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]» ابن طَاهِر أبو بكر بن طاهر بن مفوّز المغافري الشاطبي