البحث

عبارات مقترحة:

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه وحلمه

التواضع خلقٌ حميد، وجوهر لطيف، يستهوي القلوب، ويستثير الإعجاب والتقدير، وهو من أخصّ خصال المؤمنين المتقين، ومن كريم سجايا العاملين الصادقين، ومن شيم الصالحين المخبتين، وقد كان النبي أعظم الناس تواضعًا، لا يعتريه كِبرٌ ولا بَطَرٌ على رِفْعَة قَدْرِه وعلوِّ منزلته، يخفض جناحه للمؤمنين ولا يتعاظم عليهم، ويجلس بينهم كواحد منهم، ولا يُعْرَف مجلسه مِن مجلس أصحابه؛ لأنَّه كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويجلس بين ظهرانيهم فيجيء الغريب فلا يدري أيُّهم هو حتى يسأل عنه.

التعريف

التعريف لغة

وضع: الواو والضّاد والعين: أصلٌ واحدٌ -كما يقول ابن فارس- يدلّ على الخفض للشّيء وحطّه، ووضعته بالأرض وضعًا، ووضعت المرأة ولدها، ووضع في تجارته يوضع: خسر، والوضائع: قومٌ ينقلون من أرضٍ إلى أرضٍ يسكنون بها. " مقاييس اللغة" لابن فارس (117/6). وقال الرّاغب في مفرداته: «الوضع أعمّ من الحطّ ومنه الموضع قال تعالى: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ﴾ [النساء: 46]»، وقد يستعمل هذا في الإيجاد والخلق كما في قوله سبحانه: ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ﴾ [الرحمن: 10]، وقال في الصّحاح «ووضع الرّجل (بالضم) يوضع ضِعة وضَعة أي صار وضيعًا، ووضع منه فلان أي حطّ من درجته والتّواضع التّذلّل، والاتّضاع أن تخفض رأس البعير لتضع قدمك على عنقه فتركب» "الصحاح" للجوهري(1300/3).

التعريف اصطلاحًا

التّواضع: «استعظام ذوي الفضائل من دونه في المال والجاه، وقيل: الرّضا بمنزلة دون ما يستحقّه فضله ومنزلته». "مقاليد العلوم" للسيوطي (ص203). وقيل: «إظهار التّنزّل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه، وقيل: هو تعظيم من فوقه لفضله، وفي الرّسالة القشيريّة: التّواضع هو الاستسلام للحقّ وترك الاعتراض في الحكم». "مدارج السالكين" لابن القيم(6 /134). وعرّفه المناوي بقوله: «التواضع: تحقير النفس وإهانتها بالنسبة إلى عظمة الله، وقبول الحق بحسن الخلق. وقيل: ترك الصول، والتبرؤ من القوة والحول، قال التونسي: التواضع: تذلل القلوب لعلام الغيوب، بالتسليم لمجاري أحكام الحق» "التوقيف" للمناوي(ص111). وسئل الفضيل بن عياض عن التواضع، فقال: «يخضع للحق، وينقاد له، ويقبله ممن قاله». "شعب الإيمان" للبيهقي(510/10).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

ومما سبق ندرك أنه وإن اختلفت عبارات العلماء في تعريفهم للتواضع إلا أن كل هذه التعريفات مجتمعة تدل على أن التواضع هو: خفض النفس، وهضمها في ذات الله، ومعرفة المرء قدر نفسه، واجتناب الكبر والبطر والخيلاء، وقبول الحق، والانقياد له، فالمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن أصله اللغوي.

الأدلة

القرآن الكريم

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه وحلمه في القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٖ مِّنَ اْللَّهِ لِنتَ لَهُمْۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ اْلْقَلْبِ لَاْنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَۖ فَاْعْفُ عَنْهُمْ وَاْسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي اْلْأَمْرِۖ ﴾. [آل عمرن 159]. قال تعالى: ﴿وَاْخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اْتَّبَعَكَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ﴾ [ الشعراء: 215]. قال تعالى: ﴿ وَاْصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَاۖ﴾ [الكهف: 28 ]. قال تعالى: ﴿ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِۦٓ أَزْوَٰجٗا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاْخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِين ﴾ [الحجر: 88].

السنة النبوية

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه وحلمه في السنة النبوية
عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: أحبّوا المساكين فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في دعائه: «اللهمّ أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة». أخرجه الترمذي (2471)، وابن ماجة (4126). عن أنس رضي الله عنه أنّه مرّ على صبيان فسلّم عليهم، وقال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعله» أخرجه البخاري(6247)، ومسلم (2168). عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد» شرح السنة للبغوي (13 /248). عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذّهب، جاءني ملك إنّ حجزته لتساوي الكعبة، فقال: إنّ ربّك يقرأ عليك السّلام ويقول: إن شئت نبيّا عبدا. وإن شئت نبيّا ملكا. فنظرت إلى جبريل عليه السّلام. فأشار إليّ أن ضع نفسك، فقلت: نبيّا عبدا» أخرجه البغوي في شرح السنة (13 /348). عن الأسود، قال: سألت عائشة: ما كان النَّبيُّ يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مِهْنَةِ أهله -تعني خدمة أهله-، فإذا حضرت الصَّلاة خرج إلى الصَّلاة أخرجه البخاري (676). عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ قال: «لو دُعِيت إلى ذراع أو كُرَاع لأجبت، ولو أُهْدِي إليَّ ذراع أو كراع لقَبِلت». أخرجه البخاري (2568).

العقل

من الأدلة العقلية على تواضع النبي ، أن كل من رآه وتعامل معه أحبه، فلو كان متكبرًا ما أقبل عليه أصحابه .

قصص من حياة النبي صلى الله عليه وسلم

النبي يأكل مع العجوز واليتيم

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ جدّته مليكة دعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لطعام صنعته فأكل منه ثمّ قال: «قوموا فأصلّي لكم»، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلّى لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين ثمّ انصرف». أخرجه البخاري (727)، ومسلم (658).

لا يتميز عن أصحابه

«كان رسول الله يجلس بين ظهري أصحابه فيجيء الغريب، فلا يدري أيُّهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى رسول الله أن نجعل له مجلسًا يعرفه الغريب إذا أتاه.. .». أخرجه أبو داود (4698)، والنَّسائي (4991).

عبد الله ورسوله

عن أنس رضي الله عنه أن رجلا قال: يا محمَّد، أيا سيِّدنا وابن سيِّدنا، وخيرنا وابن خيرنا، فقال رسول الله : «يا أيُّها النَّاس، عليكم بتقواكم، ولا يستهوينَّكم الشَّيطان، أنا محمَّد بن عبد الله، أنا عبد الله ورسوله، ما أحبُّ أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلنيها الله» أخرج أحمد (12573)، والنسائي (103/9).

خدمته لأصحابه

وكان مِن تواضعه ، القيام بخدمة أصحابه، روى مسلم في صحيحه مِن حديث أبي قتادة، وفيه -في قصَّة نومهم عن صلاة الفجر-: «.. قال ودعا بالميضأة، فجعل رسول الله يصبُّ وأبو قتادة يسقيهم -أي أصحابه- فلم يَعْدُ أن رأى النَّاس ماءً في الميضأة تكابُّوا عليها. فقال رسول الله أحسنوا الْمَلَأَ كلُّكم سيَرْوى قال: ففعلوا. فجعل رسول الله يصبُّ وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول الله ، قال: ثمَّ صبَّ رسول الله ، فقال: لي اشرب. فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله. قال: إنَّ ساقي القوم آخرهم شربًا. قال: فشربت، وشرب رسول الله ، قال: فأتى النَّاس الماء جامِّين رِوَاء». أخرجه مسلم (681).

أقوال أهل العلم

«كان يُرْدِف خلفه، ويضع طعامه على الأرض، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار» أَنَس بن مالِك رواه الحاكم (7128).
«كان متواضعًا في دعوته مع الناس، فكان يمر بالصبيان فيسلم عليهم، وتأخذه بيده الأمة فتنطلق به حيث شاءت، وكان في بيته في خدمة أهله، ولم يكن ينتقم لنفسه قط، وكان يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب الشاة لأهله، ويعلف البعير، ويأكل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيء، فكان متواضعًا من غير ذلة، جوادًا من غير سرف، رقيق القلب رحيمًا بكل مسلم خافض الجناح للمؤمنين، لين الجانب لهم». ابن قَيِّم الجَوْزِيَّة مدارج السالكين(382، 329/2).
«خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لي أفٍّ قط، وما قال لشيء صنعته لم صنعته؟ ولا لشيء تركته لم تركته؟ وكان رسول الله من أحسن الناس خُلُقًا» أَنَس بن مالِك أخرجه البخاري(6038).
«إنّا والله قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر، وكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير» عُثمان بن عَفَّان أخرجه أحمد (504).
«فكان من تواضعه للناس وهم أتباع وخفض جناحه لهم وهو مطاع يمشي في الأسواق ويجلس على التراب ويمتزج بأصحابه وجلسائه فلا يتميز عنهم إلّا بإطراقه وحيائه فصار بالتواضع متميزا وبالتذلل متعززا، ولقد دخل عليه بعض الأعراب فارتاع من هيبته، فقال: «خفض عليك فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة»، وهذا من شرف أخلاقه وكريم شيمه، فهي غريزة فطر عليها وجبلة طبع بها لم تندر فتعدّ ولم تحصر فتحدّ.» المَاورْدي "السيرة والشمائل" للماوردي(ص221).