البحث

عبارات مقترحة:

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

عفو النبي صلى الله عليه وسلم وتسامحه

إنّ العفو والتسامح من أخلاق الإسلام العظيمة التي دعا وحثّ عليها، وله منزلة رفيعة لا يصل إليها إلا من جرّد نفسه لله، وجاهد نفسه، وكظم غيظه، يقول تعالى مخاطباً نبيه: ﴿خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ﴾. [الأعراف: 199]، وقد امتثل النبي محمد أمر ربه ف كان أجمل الناس صفحًا، يتلقى من قومه الأذى المؤلم فيعرض عن تلويمهم، أو تعنيفهم، أو مقابلتهم بمثل عملهم، ثم يعود إلى دعوتهم ونصحهم كأنما لم يلقَ منهم شيئًا.

التعريف

التعريف لغة

«العفو: مصدر عَفَا يَعْفُو عَفْوًا، فهو عافٍ وعَفُوٌّ، والعَفْوُ هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله المـحو والطمس، وعفوت عن الحق: أسقطته، كأنك محوته عن الذي عليه». انظر: "لسان العرب" لابن منظور (72/15)، "المصباح المنير" للفيومي (419/2). «فالعفو يطلق على معنيين أصليين: أحدهما: ترك الشيء. والآخر: طلبه؛ فمن المعنى الأول: عفو الله تعالى عن خلقه، وذلك تركه إياهم فلا يعاقبهم فضلًا منه، ومن المعني الثاني: قول: اعتفيت فلانًا، إذا طلبت معروفه وفضله، فهو القصد لتناول الشيء». انظر: "مقاييس اللغة" لابن فارس(56/4)، "جمهرة اللغة" لابن دريد (938/2).

التعريف اصطلاحًا

قال المناويّ: «العفو: القصد لتناول الشّيء والتّجاوز عن الذّنب». "التوقيف" للمناوي(ص243). «فالعفو: كفّ الضّرر مع القدرة عليه، وكلّ من استحقّ عقوبة فتركها فهذا التّرك عفو» "الكليات" للكفوي(ص53). وقال الراغب: «العفو هو التجافي عن الذنب». "المفردات" للراغب(ص574).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

المعنى الاصطلاحي للعفو متفق مع المعنى الأول من المعنيين اللغويين للعفو؛ وهو القصد لتناول الشيء وطلبه. وقيل: «إن العفو مأخوذ من عفت الريح الأثر إذا درسته، فكأن العافي عن الذنب يمحوه بصفحه عنه». "الأسماء والصفات" للبيهقي (1 /149).

الأدلة

القرآن الكريم

عفو النبي صلى الله عليه وسلم وتسامحه في القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٖ مِّنَ اْللَّهِ لِنتَ لَهُمْۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ اْلْقَلْبِ لَاْنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَۖ فَاْعْفُ عَنْهُمْ وَاْسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي اْلْأَمْرِۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اْللَّهِۚ إِنَّ اْللَّهَ يُحِبُّ اْلْمُتَوَكِّلِينَ﴾. [آل عمران: 159] قال تعالى: ﴿فَاْعْفُ عَنْهُمْ وَاْصْفَحْۚ إِنَّ اْللَّهَ يُحِبُّ اْلْمُحْسِنِينَ﴾. [المائدة: 13]. قال تعالى: ﴿خُذِ اْلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِاْلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ اْلْجَٰهِلِينَ ﴾. [الأعراف: 199]. قال تعالى: ﴿فَاْصْفَحِ اْلصَّفْحَ اْلْجَمِيلَ ﴾. [الحجر: 85]. قال تعالى: ﴿فَاْصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَٰمٞۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾. [الزخرف: 89].

السنة النبوية

عفو النبي صلى الله عليه وسلم وتسامحه في السنة النبوية
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى، قال الله تعالى: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾. [آل عمران: 186]، وقال: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ الآية [البقرة: 109]، فكان رسول الله يتأول في العفو عنهم ما أمر الله به». أخرجه البخاري (4566). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله عزَّ وجلَّ». أخرجه مسلم (2328). عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: «لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ فِي التَّوْرَاةِ. قَالَ أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ؛ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا». أخرجه البخاري (2125).

العقل

لما كان رسول الله قدوة للناس في أخلاقه، كان لابد أن يكون في أعلى درجات الأخلاق ومنها العفو والصفح، وهو ما كان عليه صلوات الله وسلامه عليه، ولذا لن تجد في تاريخ البشرية أناسًا أحبوا رجلًا حبًّا استولى على قلوبهم، وملك عليهم نفوسَهم، مثل حب أصحاب النبي له، وقد شهد بذلك عروة بن مسعود وقد كان من زعماء المشركين يوم صلح الحديبية، فعنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ قَالَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ... وفيه: فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَه»

قصص من حياة النبي صلى الله عليه وسلم

موقفه مع عبد الله بن أبي بن سلول

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: «أنَّ النبي ركب حمارًا، عليه إكاف، تحته قطيفة فدكية. وأردف وراءه أسامة، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج. وذاك قبل وقعة بدر. حتى مرَّ بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، فيهم عبد الله بن أبي، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم عليهم النبي ثم وقف فنزل؛ فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء، لا أحسن من هذا، إن كان ما تقول حقًّا، فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك، فمن جاءك منا فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا؛ فإنا نحب ذلك، قال: فاستبَّ المسلمون والمشركون واليهود، حتى هموا أن يتواثبوا، فلم يزل النبي يخفِّضهم، ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة. فقال: (أي سعد، ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟ يريد عبد الله بن أبي، قال كذا وكذا قال: اعف عنه يا رسول الله، واصفح، فو الله لقد أعطاك الله الذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة أن يتوِّجوه، فيعصبوه بالعصابة فلما ردَّ الله ذلك بالحقِّ الذي أعطاكه، شرق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه النبي ». أخرجه مسلم (1798).

عفوه عن الأعرابي

عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- : «أنَّه غزا مع رسول الله قِبَل نجد، فلما قفل رسول الله قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله ، وتفرق الناس يستظلون بالشجر فنزل رسول الله تحت شجرة، وعلَّق بها سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول الله يدعونا، وإذا عنده أعرابي. فقال: إن هذا اخترط عليَّ سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتًا، فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: الله. ثلاثًا، ولم يعاقبه وجلس». أخرجه البخاري(2910).

موقفه مع أهل ثقيف

فعن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي حدثته: «أنَّها قالَتْ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كانَ أشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ؟ قالَ: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ ما لَقِيتُ، وكانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أرَدْتُ، فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا». أخرجه البخاري (3231).

موقفه مع أهل مكة

«لما فتح رسول الله مكة دخل البيت، فصلى بين الساريتين، ثم وضع يديه على عضادتي الباب، فقال: لا إله إلا الله وحده ماذا تقولون، وماذا تظنون؟ قالوا: نقول خيرًا، ونظن خيرًا: أخ كريم، وابن أخ، وقد قدرت، قال: فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف : ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين﴾ [يوسف: 92]». انظر: "أخبار مكة" للأزرقي (121/2)، "تاريخ دمشق" لا بن عساكر (73/53).

أقوال أهل العلم

«لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ». المُلَّا علي القاري أخرجه الترمذي (2016).
«وَفِي هَذَا عَظِيمُ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ وَصَبْرِهِ عَلَى الْأَذَى نَفْسًا وَمَالًا، وَتَجَاوُزِهِ عَنْ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ، وَحُسْنِ تَدْبِيرِهِ لَهُمْ» القاضي عِيَاض "جمع الوسائل في شرح الشمائل" للملا علي القاري (157/2).
«وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزِيدُ مَعَ كَثْرَةِ الْأَذَى إِلَّا صبرًا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلمًا» عُمَر بن الخَطَّاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفىى" للقاضي عياض(220/1)
«بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ. لَقَدْ دَعَا نُوحٌ عَلَى قَوْمِهِ فقال: «رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً» وَلَوْ دَعَوْتَ عَلَيْنَا مِثْلَهَا لَهَلَكْنَا مِنْ عِنْدِ آخرنا، فلقد وطيء ظَهْرُكَ، وَأُدْمِيَ وَجْهُكَ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُكَ، فَأَبَيْتَ أَنْ تَقُولَ إِلَّا خَيْرًا، فَقُلْتَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ». المَاورْدي "الشفا بتعريف حقوق المصطفىى" للقاضي عياض(ص222)
«فكلما كانوا عليه من الأمر وألح، كان عنهم أعرض وأصفح، حتى قهر فعفا وقدر فغفر، وقال لهم حين ظفر بهم عام الفتح وقد اجتمعوا إليه: ما ظنكم بي؟ قالوا: ابن عم كريم فإن تعف فذاك الظن بك وإن تنتقم فقد أسأنا، فقال: بل أقول كما قال يوسف لأخوته: ﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾. [يوسف: 92 ]» عائِشَة أم المُؤْمِنِين "أعلام النبوة" للماوردي (ص221)
عائِشَة أم المُؤْمِنِين