الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
إخراج الشيء من أن يكون منتفَعاً به منفعة مطلوبة منه عادة . مثل تكسير الزجاج .في الحديث الشريف : "إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا : قِيلَ، وقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ". البخاري :1477.
الإتْلافُ: مَصدَر أتْلَفَ، ومعناه: الإهْلاكُ والإفْسادُ والإفْناءُ. والتَّلَفُ: الهَلاكُ والعَطَبُ في كُلِّ شيءٍ، يُقال: تَلِفَ الشَّيْءُ، يَتْلَفُ، تَلَفاً، أيْ: هَلَكَ. وأصل الكلِمة يَدلُّ على زَوالِ الشَّيءِ وذَهابِهِ، يُقال: أَتْلَفَ الشَّيْءَ، يُتْلِفُهُ، إِتْلافاً: إذا أَفْناهُ وأَهْلَكَهُ.
يُطلَق مُصطلَحُ (إتْلاف) في مواطِنَ عَدِيدَة مِن كُتُب الفقه، منها: كِتاب الحجّ، باب: مَحظوراتُ الإحرامِ، وباب: جَزاءُ الصَّيد عند الكلام على قَطعِ الشَّجرِ وقتلِ الصَّيدِ. ويُطلَق في كِتاب البيوعِ، باب: الإجارة، والضَّمان، والوَدِيعَة، والعارِيَة، والغَصْبُ، وغير ذلك، ويُراد بِه: كُلُّ ما يُؤدِّي إلى ذهابِ المالِ وزوالِهِ كلِّهِ أو بَعضِهِ. ويُطلَق في كِتاب الشَّهادات، باب: الرُّجوع عن الشَّهادَةِ، وفي كتاب الحدودِ، وكِتاب الجِنايات، باب: الجِنايَة على ما دون النَّفس، ويُراد بِه: الجَرْحُ والقَطْعُ.
تلف
إفْسادُ شَيْءٍ بإهْلاكِهِ، أو بِإذْهابِ مَنفَعَتِهِ بِفِعْلِ حَيوانٍ أو غَيرِهِ.
الإِتْلافُ نَوْعانِ: 1- إتْلافٌ حَقِيقِيٌّ، ويَقَع على العَيْنِ أو على المَنْفَعَةِ. 2- إتْلافٌ مَعنَوِيٌّ، ومِن صُوَرِهِ: مَنْعُ تَسْلِيمِ العَيْنِ المُسْتَعارَةِ لِلْمُعِيرِ بعد طَلَبِها منه، أو بعد انْقِضاءِ مُدَّةِ الإِعارَةِ. والإِتْلافُ يَحصُلُ إمّا بِالمُباشَرَةِ كالْقَتْل والإِحْراقِ، وإمّا بِالتَّسَبُّبِ، ويكون بِالفِعْل في مَحَلٍّ يُفْضِي إلى تَلَفِ غَيْرِهِ عادَةً، كأن يُؤَجِّجَ ناراً في يَوْمِ رِيحٍ عاصِفٍ، فَيَتَعَدّى إلى إِتْلافِ مالِ الغَيْرِ.
الإتْلافُ: الإهْلاكُ والإفْسادُ والإفْناءُ. والتَّلَفُ: الهَلاكُ والعَطَبُ في كُلِّ شيءٍ، يُقال: تَلِفَ الشَّيْءُ، يَتْلَفُ، تَلَفاً، أيْ: هَلَكَ. وأصل الكلِمة يَدلُّ على زَوالِ الشَّيءِ وذَهابِهِ.
إخراج الشيء من أن يكون منتفَعاً به منفعة مطلوبة منه عادة.
* العين : (8/120)
* تهذيب اللغة : (14/202)
* مختار الصحاح : (ص 46)
* لسان العرب : (9/18)
* تاج العروس : (23/56)
* بدائع الصنائع : (7/164)
* التعريفات الفقهية : (ص 16)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 41)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (1/216) -
1 - جَاءَ فِي الْقَامُوسِ: تَلِفَ كَفَرِحَ: هَلَكَ، وَأَتْلَفَهُ: أَفْنَاهُ (1) .
وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ اسْتِعْمَالاَتُ الْفُقَهَاءِ. يَقُول الْكَاسَانِيُّ: إِتْلاَفُ الشَّيْءِ إِخْرَاجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ مَنْفَعَةً مَطْلُوبَةً مِنْهُ عَادَةً (2) .
2 - الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْهْلاَكُ:
قَدْ يَقَعُ الإِْهْلاَكُ وَالإِْتْلاَفُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. فَفِي مُفْرَدَاتِ الرَّاغِبِ: الْهَلاَكُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ: افْتِقَادُ الشَّيْءِ عَنْكَ وَهُوَ عِنْدَ غَيْرِكَ مَوْجُودٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} (3) وَهَلاَكُ الشَّيْءِ بِاسْتِحَالَةٍ وَفَسَادٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْل} (4) وَكَقَوْلِكَ: هَلَكَ الطَّعَامُ. وَهَلَكَ: بِمَعْنَى مَاتَ، كَقَوْلِهِ: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} (5) وَبِمَعْنَى بُطْلاَنِ الشَّيْءِ مِنَ الْعَالَمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُل شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} (6)
ب - التَّلَفُ:
وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الإِْتْلاَفِ؛ لأَِنَّهُ كَمَا يَكُونُ نَتِيجَةَ إِتْلاَفِ الْغَيْرِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ نَتِيجَةَ آفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ الْقَلْيُوبِيِّ إِدْخَال الإِْتْلاَفِ فِي عُمُومِ التَّلَفِ، إِذْ قَال: إِنَّ الْعَارِيَّةَ تُضْمَنُ إِنْ تَلِفَتْ لاَ بِاسْتِعْمَالٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَلَوْ بِإِتْلاَفِ الْمَالِكِ (7) .
ج - التَّعَدِّي:
جَاءَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: تَعَدَّى الْحَقَّ: جَاوَزَهُ، وَاعْتَدَى فُلاَنٌ عَنِ الْحَقِّ؛ أَيْ جَازَ عَنْهُ إِلَى الظُّلْمِ. وَقَدْ يَكُونُ مِنْ صُوَرِ الإِْتْلاَفِ مَا هُوَ جَوْرٌ وَاعْتِدَاءٌ (8) .
د - الإِْفْسَادُ:
جَاءَ فِي الْقَامُوسِ: أَفْسَدَهُ: أَخْرَجَهُ عَنْ صَلاَحِيَتِهِ الْمَطْلُوبَةِ. وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى يَكُونُ مُرَادِفًا لِلإِْتْلاَفِ (9) .
هـ - الْجِنَايَةُ:
يُقَال: جَنَى جِنَايَةً؛ أَيْ أَذْنَبَ ذَنْبًا يُؤَاخَذُ بِهِ. وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ فِي اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ غَلَبَتْ عَلَى الْجَرْحِ وَالْقَطْعِ. وَالصِّلَةُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ هِيَ تَحَقُّقُ الْمُؤَاخَذَةِ فِي بَعْضِ صُوَرِ الإِْتْلاَفِ، كَمَا تَتَحَقَّقُ فِي الْجِنَايَةِ.
و الإِْضْرَارُ:
إِيقَاعُ الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ، وَقَدْ يُرَادُ مِنْهُ أَيُّ نَقْصٍ يَدْخُل عَلَى الأَْعْيَانِ. وَقَدْ يَتَحَقَّقُ هَذَا فِي بَعْضِ صُوَرِ الإِْتْلاَفِ. ز - الْغَصْبُ:
وَهُوَ أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَالِكِ عَلَى سَبِيل الْمُجَاهَرَةِ، وَعَلَى وَجْهٍ يُزِيل يَدَهُ أَوْ يُقَصِّرُ يَدَهُ.
فَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الإِْتْلاَفِ وَالْغَصْبِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمَالِكِ. وَيَخْتَلِفَانِ فِي أَنَّ الْغَصْبَ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِزَوَال يَدِهِ أَوْ تَقْصِيرِ يَدِهِ. أَمَّا الإِْتْلاَفُ فَقَدْ يَتَحَقَّقُ مَعَ بَقَاءِ الْيَدِ. كَمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الآْثَارِ مِنْ حَيْثُ الْمَشْرُوعِيَّةُ وَتَرَتُّبُ الضَّمَانِ (10) .
صِفَةُ الإِْتْلاَفِ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ) :
3 - الأَْصْل فِي الإِْتْلاَفِ: الْحَظْرُ، إِذَا كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ شَرْعًا، كَإِتْلاَفِ الْمَالِكِ مَالَهُ الْمُنْتَفَعَ بِهِ شَرْعًا وَطَبْعًا.
وَقَدْ يَكُونُ الإِْتْلاَفُ وَاجِبًا إِذَا كَانَ مَأْمُورًا مِنَ الشَّارِعِ بِإِتْلاَفِهِ كَإِتْلاَفِ خِنْزِيرٍ لِمُسْلِمٍ، وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا كَإِتْلاَفِ مَا اسْتَغْنَى عَنْهُ مَالِكُهُ وَلَمْ يَجِدْ وَجْهًا لاِنْتِفَاعِهِ هُوَ أَوْ غَيْرِهِ بِهِ.
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَظْرِ حُكْمُهُ الأُْخْرَوِيُّ وَهُوَ الإِْثْمُ.
هَذَا وَلاَ تَلاَزُمَ بَيْنَ الإِْثْمِ وَالضَّمَانِ، فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ، وَقَدْ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنِ الآْخَرِ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيل الْكَلاَمِ عَنِ الضَّمَانِ فِي مَوْطِنِهِ.
أَنْوَاعُ الإِْتْلاَفِ:
4 - الإِْتْلاَفُ نَوْعَانِ؛ لأَِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَقَعَ عَلَى الْعَيْنِ أَوْ عَلَى الْمَنْفَعَةِ. وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إِتْلاَفًا لِلْكُل أَوْ لِلْجُزْءِ، سَوَاءٌ فِي الْعَيْنِ أَوِ الْمَنْفَعَةِ.
وَهَذَانِ النَّوْعَانِ الإِْتْلاَفُ فِيهِمَا حَقِيقِيٌّ.
وَقَدْ يَكُونُ الإِْتْلاَفُ مَعْنَوِيًّا، وَمِنْ ذَلِكَ مَنْعُ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ لِلْمُعِيرِ بَعْدَ طَلَبِهَا مِنْهُ، أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الإِْعَارَةِ.
يَقُول الْكَاسَانِيُّ: إِنَّ الَّذِي يُغَيِّرُ حَال الْمُسْتَعَارِ مِنَ الأَْمَانَةِ إِلَى الضَّمَانِ هُوَ الْمُغَيِّرُ لِحَال الْوَدِيعَةِ، وَهُوَ الإِْتْلاَفُ حَقِيقَةً أَوْ مَعْنًى بِالْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ، أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَبِتَرْكِ الْحِفْظِ، وَبِالْخِلاَفِ (11) ، أَيِ اسْتِعْمَال الْعَيْنِ وَالاِنْتِفَاعِ بِهَا فِي غَيْرِ مَا أَذِنَ فِيهِ صَاحِبُهَا. فَقَدِ اعْتُبِرَ هَذَا إِتْلاَفًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَمُوجِبًا لِلضَّمَانِ، كَمَا قَال الْفُقَهَاءُ: إِنَّ خَلْطَ الْوَدَائِعِ خَلْطًا يَمْنَعُ التَّمْيِيزَ بَيْنَهَا يُعْتَبَرُ إِتْلاَفًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَكَذَا بِالنِّسْبَةِ لِخَلْطِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ (12) .
الإِْتْلاَفُ الْمَشْرُوعُ وَغَيْرُ الْمَشْرُوعِ
أَوَّلاً - الإِْتْلاَفُ الْمَشْرُوعُ الْمُتَّفَقُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ:
5 - مِنْ صُوَرِ الإِْتْلاَفِ الْمَشْرُوعِ مَعَ تَرَتُّبِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الإِْجَارَةَ لاَ تَنْعَقِدُ عَلَى إِتْلاَفِ الْعَيْنِ ذَاتِهَا إِلاَّ إِذَا كَانَتِ الْمَنَافِعُ مِمَّا يَقْتَضِي اسْتِيفَاؤُهَا إِتْلاَفَ الْعَيْنِ، كَالشَّمْعَةِ لِلإِْضَاءَةِ، وَالظِّئْرِ لِلإِْرْضَاعِ، وَاسْتِئْجَارِ الشَّجَرِ لِلثَّمَرِ (13) ، عَلَى التَّفْصِيل وَالْخِلاَفِ الْمُبَيَّنِ فِي مُصْطَلَحِ إِجَارَةٍ. فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ إِتْلاَفٌ لِلْعَيْنِ بِاسْتِهْلاَكِهَا، وَهُوَ إِتْلاَفٌ مَشْرُوعٌ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ.
6 - وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا إِتْلاَفُ مَال الْغَيْرِ عَنْ طَرِيقِ أَكْلِهِ دُونَ إِذْنٍ مِنْهُ فِي حَال الْمَخْمَصَةِ، فَإِنَّهُ إِتْلاَفٌ مُرَخَّصٌ فِيهِ مِنَ الشَّارِعِ، إِلاَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، إِذِ التَّنَاوُل حَال الْمَخْمَصَةِ رُخْصَةٌ لاَ إِبَاحَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَإِذَا اسْتَوْفَاهُ ضَمِنَهُ كَمَا يَقُول الْبَزْدَوِيُّ، وَيَقُول ابْنُ رَجَبٍ: مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا لِدَفْعِ الأَْذَى عَنْ نَفْسِهِ ضَمِنَ، أَمَّا مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا لِدَفْعِ أَذَاهُ لَهُ لَمْ يَضْمَنْ.
لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ فِي غَيْرِ الأَْظْهَرِ يُسْقِطُونَ عَنْهُ الضَّمَانَ أَيْضًا؛ لأَِنَّ الدَّفْعَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَالِكِ، وَالْوَاجِبُ لاَ يُؤْخَذُ لَهُ عِوَضٌ (14) .
7 - وَمِنَ الإِْتْلاَفِ الْمَشْرُوعِ دُونَ تَرَتُّبِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ إِتْلاَفُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَوْ لِذِمِّيٍّ، لِعَدَمِ التَّقَوُّمِ، بِدَلِيل أَنَّهُ لاَ يَحِل بَيْعُهُ (15) .
8 - وَمِنْهُ أَيْضًا مَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَقَعُ فِي يَدِ أَمِيرِ الْجَيْشِ مِنْ أَمْوَال أَهْل الْحَرْبِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ نَقْلُهُ إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ يَجُوزُ لَهُ إِتْلاَفُهُ، فَيَذْبَحُ الْحَيَوَانَاتِ ثُمَّ يُحَرِّقُهَا؛ لأَِنَّ ذَبْحَهَا جَائِزٌ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَلاَ غَرَضَ أَصَحَّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَةِ الأَْعْدَاءِ. وَأَمَّا إِحْرَاقُهَا فَلِتَنْقَطِعَ مَنْفَعَةُ الْكُفَّارِ بِهَا، كَمَا يُحَرِّقُ الأَْسْلِحَةَ وَالأَْمْتِعَةَ الَّتِي يَتَعَذَّرُ نَقْلُهَا، وَمَا لاَ يَحْتَرِقُ يُدْفَنُ فِي مَوْضِعٍ لاَ يَقِفُ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ. وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يُرْجَ حُصُولُهَا لِلْمُسْلِمِينَ (16) .
9 - وَمِنْهُ إِتْلاَفُ بِنَاءِ أَهْل الْحَرْبِ وَشَجَرِهِمْ لِحَاجَةِ الْقِتَال وَالظَّفَرِ بِهِمْ، أَوْ لِعَدَمِ رَجَاءِ حُصُولِهَا لَنَا، وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ ﷺ قَطَعَ نَخْل بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَهُ. (17)
10 - وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالُوهُ فِي إِتْلاَفِ كُتُبِ السِّحْرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ. وَكَيْفِيَّةُ إِتْلاَفِهَا أَنَّهُ يُمْحَى مِنْهَا اسْمُ اللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَيُحَرَّقُ الْبَاقِي. وَلاَ بَأْسَ بِأَنْ تُلْقَى فِي مَاءٍ جَارٍ، أَوْ تُدْفَنَ كَمَا هِيَ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَكَذَا جَمِيعُ الْكُتُبِ إِذَا بَلِيَتْ وَخَرَجَتْ عَنِ الاِنْتِفَاعِ بِهَا (18) . وَنَقَل عَمِيرَةُ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَكُتُبُ الْكُفْرِ وَالسِّحْرِ وَنَحْوِهَا يَحْرُمُ بَيْعُهَا وَيَجِبُ إِتْلاَفُهَا (19) .
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ فِي دَفْعِ الصَّائِل مِنْ أَنَّ مَنْ صَالَتْ عَلَيْهِ بَهِيمَةٌ فَلَمْ تَنْدَفِعْ إِلاَّ بِالْقَتْل فَقَتَلَهَا لَمْ يَضْمَنْ لأَِنَّهُ إِتْلاَفٌ بِدَفْعٍ جَائِزٍ (20) وَتَفْصِيل ذَلِكَ وَبَيَانُ الأَْقْوَال فِيهِ مَوْضِعُهُ مُصْطَلَحُ صِيَال.
ثَانِيًا: إِتْلاَفٌ مَشْرُوعٌ، وَفِي تَرَتُّبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ خِلاَفٌ:
11 - إِتْلاَفُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عَلَى الْمُسْلِمِ لاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُتْلِفُ مُسْلِمًا أَمْ ذِمِّيًّا. أَمَّا لَوْ كَانَتِ الْخَمْرُ مَمْلُوكَةً لِذِمِّيٍّ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّةَ يَقُولُونَ بِالضَّمَانِ. وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهَا لاَ تُضْمَنُ، لاِنْتِفَاءِ تَقَوُّمِهَا كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ إِلاَّ إِذَا انْفَرَدَ الذِّمِّيُّونَ بِمَحَلَّةٍ وَلَمْ يُخَالِطْهُمْ مُسْلِمٌ فَإِنَّهَا لاَ تُرَاقُ عَلَيْهِمْ لإِِقْرَارِهِمْ عَلَيْهَا. وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ إِذَا غُصِبَتْ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَانَتْ مُحْتَرَمَةً - وَهِيَ الَّتِي عُصِرَتْ لاَ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَإِنَّمَا بِقَصْدِ التَّخْلِيل (صَيْرُورَتِهَا خَلًّا) فَإِنَّهَا لاَ تُرَاقُ أَيْضًا، وَإِنَّمَا تُرَدُّ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ لَهُ إِمْسَاكَهَا لِتَصِيرَ خَلًّا (21) .
12 - وَمَنْ أَتْلَفَ طَبْل الْغُزَاةِ وَالصَّيَّادِينَ وَالدُّفَّ الَّذِي يُبَاحُ فِي الْعُرْسِ، ضَمِنَ اتِّفَاقًا. أَمَّا لَوْ أَتْلَفَ عَلَى إِنْسَانٍ آلَةً مِنْ آلاَتِ اللَّهْوِ وَالْفَسَادِ فَإِنَّ الْجُمْهُورَ (الصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةَ وَالشَّافِعِيَّةَ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ) يَرَوْنَ عَدَمَ الضَّمَانِ؛ لأَِنَّهَا آلاَتُ لَهْوٍ وَفَسَادٍ، فَلَمْ تَكُنْ مُتَقَوِّمَةً، كَالْخَمْرِ، وَلأَِنَّهُ لاَ يَحِل بَيْعُهَا، فَلَمْ يَضْمَنْهَا كَالْمَيْتَةِ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَْصْنَامِ (22) وَقَال: بُعِثْتُ بِمَحْقِ الْقَيْنَاتِ وَالْمَعَازِفِ (23) كَمَا أَنَّ مَنْفَعَتَهَا مُحَرَّمَةٌ، وَالْمُحَرَّمُ لاَ يُقَابَل بِشَيْءٍ، مَعَ وُجُوبِ إِبْطَالِهَا عَلَى الْقَادِرِ عَلَيْهِ (24) .
وَيَرَى الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ - وَهُوَ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا غَيْرَ مَصْنُوعَةٍ؛ لأَِنَّهَا كَمَا تَصْلُحُ لِلَّهْوِ وَالْفَسَادِ فَإِنَّهَا تَصْلُحُ لِلاِنْتِفَاعِ بِهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَكَانَ مَالاً مُتَقَوِّمًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (25) . وَيُسْتَفَادُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ فِي السَّرِقَةِ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْقَوْل بِالضَّمَانِ، إِذْ قَالُوا: وَلاَ قَطْعَ فِي سَرِقَةِ آلَةِ لَهْوٍ كَطُنْبُورٍ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمُتَخَلِّفُ مِنْهُ بَعْدَ الْكَسْرِ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ حَدَّ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ (26) .
وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَنْ أَتْلَفَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَصْنُوعَةٍ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَيَقُول النَّوَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: الأَْصْنَامُ وَآلاَتُ الْمَلاَهِي لاَ يَجِبُ فِي إِبْطَالِهَا شَيْءٌ، وَالأَْصَحُّ أَنَّهَا لاَ تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ، بَل تُفْصَل لِتَعُودَ كَمَا كَانَتْ قَبْل التَّأْلِيفِ. فَإِنْ عَجَزَ الْمُنْكِرُ عَنْ رِعَايَةِ هَذَا الْحَدِّ فِي الإِْنْكَارِ لِمَنْعِ صَاحِبِ الْمُنْكَرِ، أَبْطَلَهُ كَيْفَ تَيَسَّرَ. وَعَلَّقَ الرَّمْلِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ أَحْرَقَهَا وَلَمْ يَتَعَيَّنِ الإِْحْرَاقُ وَسِيلَةً لإِِفْسَادِهَا، غَرِمَ قِيمَتَهَا مَكْسُورَةً بِالْحَدِّ الْمَشْرُوعِ، لِتَمَوُّل رُضَاضِهَا - أَيْ مَا تَبَقَّى مِنْهَا - وَاحْتِرَامِهِ (27) .
13 - وَبِالنِّسْبَةِ لآِنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّ مَنْ قَال بِجَوَازِ اقْتِنَائِهَا قَال بِالضَّمَانِ، أَمَّا مَنْ مَنَعَ اقْتِنَاءَهَا فَإِنَّهُ لاَ يُوجِبُ ضَمَانَ الصَّنْعَةِ، وَضَمِنَ مَا يُتْلِفُهُ مِنَ الْعَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: يَضْمَنُ الصَّنْعَةَ أَيْضًا (28) ، عَلَى مَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مُصْطَلَحِ (آنِيَة) .
ثَالِثًا: إِتْلاَفٌ مُخْتَلَفٌ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ:
14 - صَرَّحَتْ بَعْضُ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَكْل زَوَائِدِ الرَّهْنِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَلاَ يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنَ الدَّيْنِ وَيَكُونُ الإِْتْلاَفُ مَشْرُوعًا بِنَاءً عَلَى الإِْذْنِ (29) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ مَوْضِعُهُ (الرَّهْنُ) .
15 - وَهُنَاكَ اتِّجَاهٌ بِأَنَّ هَذَا إِتْلاَفٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِرَغْمِ الإِْذْنِ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الدُّرِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَنِ التَّهْذِيبِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ، بَل نُقِل عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ عَدَمُ الْحِل لأَِنَّهُ رِبًا. لَكِنْ قَال صَاحِبُ الدُّرِّ: إِنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ (30) .
16 - وَهُنَاكَ اتِّجَاهٌ ثَالِثٌ صَرَّحَ بِهِ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الرَّهْنِ فِي دَيْنِ الْقَرْضِ وَغَيْرِهِ، إِذْ قَالُوا: إِذَا كَانَ الرَّهْنُ بِثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ أَجْرِ دَارٍ أَوْ دَيْنٍ غَيْرِ الْقَرْضِ جَازَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْمَرْهُونِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، وَقَالُوا: إِنَّ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، وَبِهِ قَال إِسْحَاقُ. وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الرَّهْنِ مِنْ قَرْضٍ لَمْ يَجُزْ لأَِنَّهُ يَحْصُل قَرْضًا يَجُرُّ مَنْفَعَةً وَذَلِكَ حَرَامٌ (31) . وَإِذَا كَانَ الْمَرْهُونُ لَهُ مَئُونَةٌ، فَيَنْتَفِعُ بِنَمَائِهِ نَظِيرَ مَئُونَتِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمُ مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ إِلاَّ فِي رَهْنِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي صُورَةِ مَا إِذَا اشْتُرِطَ ذَلِكَ وَكَانَ بِعِوَضٍ؛ لأَِنَّ السِّلْعَةَ الْمَبِيعَةَ بَعْضُهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا يُسَمَّى مِنَ الثَّمَنِ وَبَعْضُهَا فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ. فَالْمَنْفَعَةُ لَمْ تَضِعْ عَلَى الرَّاهِنِ. وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْقَرْضِ لأَِنَّهُ يَكُونُ قَرْضًا جَرَّ نَفْعًا، وَيَمْتَنِعُ التَّطَوُّعُ بِالْمَنْفَعَةِ فِي الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ مُطْلَقًا (32) .
رَابِعًا: إِتْلاَفٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ يُوجِبُ الْجَزَاءَ حَقًّا لِلَّهِ:
17 - وَذَلِكَ فِي حَالَتَيْنِ:
1 - الصَّيْدُ فِي حَالَةِ الإِْحْرَامِ دَاخِل الْحَرَمِ أَوْ خَارِجَهُ. 2 - الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ لِلْمُحِل وَالْمُحْرِمِ. كَمَا يَلْحَقُ بِصَيْدِ الْحَرَمِ نَبَاتُهُ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
إِنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا قَتَل صَيْدًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْل مَا قَتَل مِنَ النَّعَمِ} ، وَلِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ لَمَّا صَادَ الأَْتَانَ الْوَحْشِيَّةَ وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ قَال النَّبِيُّ ﷺ لأَِصْحَابِهِ: هَل مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِل عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا (33)
18 - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الدَّلاَلَةِ كَحُكْمِ الصَّيْدِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ؛ لأَِنَّ سُؤَال النَّبِيِّ ﷺ يَدُل عَلَى تَعَلُّقِ التَّحْرِيمِ بِذَلِكَ أَيْضًا.
وَلأَِنَّهُ تَفْوِيتُ الأَْمْنِ عَلَى الصَّيْدِ، إِذْ هُوَ آمِنٌ بِتَوَحُّشِهِ وَتَوَارِيهِ، فَصَارَ كَالإِْتْلاَفِ. وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْعَامِدُ وَالنَّاسِي لأَِنَّهُ ضَمَانٌ (34) ، وَلَيْسَ عُقُوبَةً فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَمْدِيَّةُ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَيُخَالِفُونَ فِي تَرَتُّبِ الْجَزَاءِ عَلَى الدَّال؛ لأَِنَّ وُجُوبَ الْجَزَاءِ يَعْتَمِدُ الإِْتْلاَفَ، فَأَشْبَهَ غَرَامَاتِ الأَْمْوَال. يَقُول النَّوَوِيُّ: وَإِنْ أَتْلَفَ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الاِصْطِيَادُ مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ حَلاَلٍ صَيْدًا ضَمِنَهُ. وَيَقُول الْقَلْيُوبِيُّ: وَخَرَجَ بِالإِْتْلاَفِ الإِْعَانَةُ وَلَوْ عَلَى ذَبْحِهِ أَوِ الدَّلاَلَةُ عَلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ (35) . 19 - وَالْجَزَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنْ يُقَوَّمَ الصَّيْدُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قُتِل فِيهِ، أَوْ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْهُ، ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْفِدَاءِ: إِنْ شَاءَ ابْتَاعَ بِالْقِيمَةِ هَدْيًا وَذَبَحَهُ إِنْ بَلَغَتِ الْقِيمَةُ هَدْيًا، وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ.
وَيَرَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الصَّيْدِ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ، وَمَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ عِنْدَهُ، وَإِذَا وَجَبَتِ الْقِيمَةُ كَانَ قَوْلُهُ كَقَوْلِهِمَا (36) .
وَهَذَا أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، فَجَزَاءُ الصَّيْدِ عِنْدَهُ لَيْسَ عَلَى التَّخْيِيرِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَيَجِبُ الْمِثْل أَوَّلاً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالثَّوْرِيِّ، وَلأَِنَّ هَدْيَ الْمُتْعَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَهَذَا آكَدُ مِنْهُ؛ لأَِنَّهُ بِفِعْل مَحْظُورٍ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْفِدْيَةِ الْوَاجِبَةِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ الَّذِي لَهُ مِثْلٌ: يُخَيَّرُ الْمُتْلِفُ بَيْنَ ذَبْحِ مِثْلِهِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَبَيْنَ أَنْ يُقَوَّمَ دَرَاهِمَ وَيَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا لَهُمْ. وَمَا لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا. وَالْعِبْرَةُ عِنْدَهُمْ فِي تَقْدِيرِ قِيمَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَكَانِ بِمَحَل الإِْتْلاَفِ، قِيَاسًا عَلَى كُل مُتْلَفٍ مُتَقَوِّمٍ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلزَّمَانِ يَوْمَ إِرَادَةِ تَقْوِيمِهِ بِمَكَّةَ لأَِنَّهَا مَحَل ذَبْحِهِ لَوْ أُرِيدَ. وَعِنْدَ الْعُدُول إِلَى الطَّعَامِ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِسِعْرِهِ فِي مَكَّةَ، وَقِيل: الْعِبْرَةُ فِي سِعْرِهِ بِمَحَل الإِْتْلاَفِ (37) .
وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَابِلَةُ فَإِنَّ الْجَزَاءَ هُوَ مِثْل مَا قَتَل مِنَ النَّعَمِ وَلَوْ قَتَلَهُ لِمَخْمَصَةٍ، وَقَالُوا: إِنَّ الْجَزَاءَ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِقَاتِل الصَّيْدِ أَنْ يَخْتَارَ إِخْرَاجَ الْمِثْل أَوْ كَفَّارَةَ طَعَامِ مَسَاكِينَ (38) .
20 - كَمَا يُصَرِّحُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَحْرُمُ بِالْحَرَمِ وَالإِْحْرَامِ إِتْلاَفُ أَجْزَاءِ الصَّيْدِ؛ لأَِنَّ مَا ضُمِنَ جَمِيعُهُ بِالْبَدَل ضُمِنَ أَجْزَاؤُهُ كَالآْدَمِيِّ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ بِيَدِ الْمُحْرِمِ أَوْ رُفْقَتِهِ، وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَهُ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ، لَزِمَهُ الْجَزَاءُ. وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِذَلِكَ أَيْضًا (39) .
21 - وَلَوْ أَتْلَفَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ بِأَنْ ذَبَحَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ لِلْقَتْل دُونَ الأَْكْل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّهُ صَيْدُ مَضْمُونٍ بِالْجَزَاءِ، فَلَمْ يُضْمَنْ ثَانِيًا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ الأَْكْل. وَقَال عَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَضْمَنُهُ لِلأَْكْل أَيْضًا؛ لأَِنَّهُ أَكَل مِنْ صَيْدٍ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، فَيَضْمَنُهُ. وَتَفْصِيل كُل ذَلِكَ فِي مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ، وَجَزَاءِ صَيْدِ الْحَرَمِ.
22 - وَبِالنِّسْبَةِ لِنَبَاتِ الْحَرَمِ قَالُوا: إِنَّهُ يُحْظَرُ قَطْعُ الأَْخْضَرِ مِنْ حَشِيشِ الْحَرَمِ، وَمَا نَبَتَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إِنْبَاتٍ إِلاَّ الإِْذْخِرَ، اتِّفَاقًا؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ مَكَّةَ لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا. فَقَال الْعَبَّاسُ ﵁: إِلاَّ الإِْذْخِرَ؟ فَقَال: إِلاَّ الإِْذْخِرَ (40) وَقَاسُوا عَلَيْهِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلتَّدَاوِي (41) .
23 - وَقَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ غَيْرُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ الْجَزَاءَ فِي إِتْلاَفِهِ هُوَ عَلَى مَا قِيل فِي صَيْدِ الْحَرَمِ؛ لأَِنَّهُ مِثْلُهُ فِي التَّحْرِيمِ، لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي الْحَظْرِ بَيْنَ الأَْخْضَرِ وَالْيَابِسِ، كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يُرَتِّبُوا جَزَاءً عَلَى قَاطِعِ مَا حَرُمَ قَطْعُهُ؛ لأَِنَّهُ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى التَّحْرِيمِ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ خَاصٍّ. وَقَالُوا: لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ الاِسْتِغْفَارُ.
24 - وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ، فَنَبَتَ مَكَانَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ الضَّمَانُ قَوْلاً وَاحِدًا، لأَِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ عَادَةً، فَهُوَ كَسِنِّ الصَّبِيِّ إِذَا قَلَعَهَا فَنَبَتَ مَكَانَهَا مِثْلُهَا، بِخِلاَفِ غُصْنِ الشَّجَرِ (42) .
25 - وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ: لاَ يَجُوزُ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ، لأَِنَّ مَا حَرُمَ إِتْلاَفُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُرْسَل عَلَيْهِ مَا يُتْلِفُهُ، كَالصَّيْدِ. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَجُوزُ؛ لأَِنَّ الْهَدْيَ كَانَ يَدْخُل الْحَرَمَ فَيَكْثُرُ فِيهِ، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهَا كَانَتْ تُسَدُّ أَفْوَاهُهَا، وَلأَِنَّ بِهِمْ حَاجَةً إِلَى ذَلِكَ (43) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (الإِْحْرَامِ) .
مَحَل الإِْتْلاَفِ:
26 - الإِْتْلاَفُ لاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَرِدَ عَلَى آدَمِيٍّ، وَإِمَّا أَنْ يَرِدَ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ وَالْجَمَادَاتِ. فَإِنْ وَرَدَ عَلَى آدَمِيٍّ فَحُكْمُهُ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا مَوْضِعُ بَيَانِهِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ الْجِنَايَاتِ، وَإِنْ وَرَدَ عَلَى غَيْرِ آدَمِيٍّ حَيَوَانًا كَانَ أَوْ نَبَاتًا أَوْ جَمَادًا، فَإِنْ كَانَ مَالاً مُبَاحًا لَيْسَ فِيهِ مِلْكٌ لأَِحَدٍ فَلاَ يُضْمَنُ بِالإِْتْلاَفِ - مَعَ مُلاَحَظَةِ مَا قِيل بِالنِّسْبَةِ لِصَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ - وَكَذَا إِذَا كَانَ مَمْلُوكًا لِحَرْبِيٍّ فَإِنَّهُ لاَ يُضْمَنُ بِالإِْتْلاَفِ. وَإِنْ كَانَ مَالاً مُحْتَرَمًا مَمْلُوكًا وَجَبَ الضَّمَانُ لأَِنَّ الإِْتْلاَفَ اعْتِدَاءٌ وَإِضْرَارٌ. وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْل مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (44) وَقَال ﷺ لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ (45) وَقَدْ تَعَذَّرَ نَفْيُ الضَّرَرِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فَيَجِبُ نَفْيُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِالضَّمَانِ، لِيَقُومَ الضَّمَانُ مَقَامَ الْمُتْلَفِ، فَيَنْتَفِي الضَّرَرُ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ. وَلِهَذَا وَجَبَ الضَّمَانُ بِالْغَصْبِ، فَبِالإِْتْلاَفِ أَوْلَى، سَوَاءٌ وَقَعَ الإِْتْلاَفُ لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِإِخْرَاجِهِ عَنْ كَوْنِهِ صَالِحًا لِلاِنْتِفَاعِ، أَوْ مَعْنًى بِإِحْدَاثِ مَعْنًى فِيهِ يَمْنَعُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ مَعَ قِيَامِهِ فِي نَفْسِهِ حَقِيقَةً؛ لأَِنَّ كُل ذَلِكَ اعْتِدَاءٌ وَإِضْرَارٌ (46) .
طُرُقُ الإِْتْلاَفِ:
27 - الإِْتْلاَفُ إِمَّا بِالْمُبَاشَرَةِ وَإِمَّا بِالتَّسَبُّبِ. وَالتَّسَبُّبُ يَكُونُ بِالْفِعْل فِي مَحَلٍّ يُفْضِي إِلَى تَلَفِ غَيْرِهِ عَادَةً. وَكِلاَهُمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقَعُ اعْتِدَاءً وَإِضْرَارًا أَيْضًا (47) . وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ ابْنُ رَجَبٍ بِقَوْلِهِ: أَسْبَابُ الضَّمَانِ ثَلاَثَةٌ، فَذَكَرَ مِنْهَا الإِْتْلاَفَ، ثُمَّ قَال: الْمُرَادُ بِالإِْتْلاَفِ أَنْ يُبَاشِرَ الإِْتْلاَفَ بِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ، كَالْقَتْل وَالإِْحْرَاقِ، أَوْ يُنَصِّبُ سَبَبًا عُدْوَانًا فَيَحْصُل بِهِ الإِْتْلاَفُ، كَأَنْ يُؤَجِّجَ نَارًا فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ، فَيَتَعَدَّى إِلَى إِتْلاَفِ مَال الْغَيْرِ، أَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ فَطَارَ؛ لأَِنَّهُ تَسَبَّبَ إِلَى الإِْتْلاَفِ بِمَا يَقْتَضِيهِ عَادَةً، وَأَطَال فِي الْبَيَانِ وَالتَّفْرِيعِ (48) . وَالإِْتْلاَفُ بِالْمُبَاشَرَةِ هُوَ الأَْصْل، وَمُعْظَمُ صُوَرِ الإِْتْلاَفِ مِنْ أَمْثِلَتِهِ.
الإِْتْلاَفُ بِالتَّسَبُّبِ:
28 - الإِْتْلاَفُ بِالتَّسَبُّبِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ: الضَّمَانُ فِي الْمَالِيَّاتِ، وَالْجَزَاءُ فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ. وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَطْبِيقِ هَذَا الْمَبْدَأِ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ دُونَ بَعْضٍ، فَمَثَلاً: عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ: لَوْ أَنَّ إِنْسَانًا فَتَحَ قَفَصًا فِيهِ طَائِرٌ، فَطَارَ أَوْ ذَهَبَ عَقِبَ فَتْحِهِ، وَالْمُبَاشَرَةُ إِنَّمَا حَصَلَتْ مِمَّنْ لاَ يُمْكِنُ إِحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، لَزِمَهُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ نَفَّرَ الطَّائِرَ، أَوْ أَهَاجَ الدَّابَّةَ، أَوْ سَلَّطَ كَلْبًا عَلَى صَبِيٍّ فَقَتَلَهُ؛ لأَِنَّ الطَّائِرَ وَنَحْوَهُ مِنْ طَبْعِهِ النُّفُورُ، وَإِنَّمَا يَبْقَى بِالْمَانِعِ، فَإِذَا أُزِيل الْمَانِعُ ذَهَبَ بِطَبْعِهِ، فَكَانَ ضَمَانُهُ عَلَى مَنْ أَزَال الْمَانِعَ. وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ شَقَّ زِقَّ إِنْسَانٍ فِيهِ دُهْنٌ مَائِعٌ فَسَال وَهَلَكَ. أَمَّا إِنْ فَتَحَ الْقَفَصَ، وَحَل الْفَرَسَ، فَبَقِيَا وَاقِفَيْنِ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ فَنَفَّرَهُمَا فَذَهَبَا، فَالضَّمَانُ عَلَى مُنَفِّرِهِمَا؛ لأَِنَّ سَبَبَهُ أَخَصُّ، فَاخْتَصَّ بِهِ الضَّمَانُ، كَالدَّافِعِ شَخْصًا إِلَى بِئْرٍ مَعَ الْحَافِرِ لِلْبِئْرِ، فَالإِْتْلاَفُ يُنْسَبُ لِلدَّافِعِ (49) .
قَال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَضْمَنُ مَنْ حَل رِبَاطَ الْفَرَسِ، أَوْ فَتَحَ قَفَصَ الطَّائِرِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَهَاجَهُمَا حَتَّى ذَهَبَا؛ لأَِنَّ مُجَرَّدَ الْفَتْحِ لَيْسَ بِإِتْلاَفٍ مُبَاشَرَةً وَلاَ تَسَبُّبًا مُلْجِئًا؛ لأَِنَّ الطَّيْرَ مُخْتَارٌ فِي الطَّيَرَانِ فَكَانَ الطَّيَرَانُ مُضَافًا إِلَى اخْتِيَارِهِ وَالْفَتْحُ سَبَبًا غَيْرَ مُلْجِئٍ فَلاَ حُكْمَ لَهُ. بِخِلاَفِ شَقِّ الزِّقِّ؛ لأَِنَّ الْمَائِعَ سَيَّالٌ بِطَبْعِهِ بِحَيْثُ لاَ يُوجَدُ مِنْهُ الاِسْتِمْسَاكُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ إِلاَّ عَلَى نَقْضِ الْعَادَةِ، فَكَانَ الْفَتْحُ تَسَبُّبًا لِلتَّلَفِ، فَيَجِبُ الضَّمَانُ. وَكَذَا إِذَا حَل رِبَاطَ الدَّابَّةِ، أَوْ فَتَحَ بَابَ الإِْصْطَبْل (50) .
وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذِهِ الأَْمْثِلَةَ لِتَكُونَ دَلاَلَةً عَلَى اتِّجَاهَاتِ الْفُقَهَاءِ فِي تَطْبِيقِ مَبْدَإِ التَّسَبُّبِ. وَأَطَال الْفُقَهَاءُ فِي التَّفْرِيعِ وَذِكْرِ الصُّوَرِ فِي بَابَيِ الْغَصْبِ وَالضَّمَانِ.
مَا تُتْلِفُهُ الدَّوَابُّ:
29 - إِذَا أَتْلَفَتِ الدَّابَّةُ زَرْعًا لِلْغَيْرِ، وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلاً، ضَمِنَ صَاحِبُهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لأَِنَّ فِعْلَهَا مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ، وَعَلَيْهِ تَعَهُّدُهَا وَحِفْظُهَا، وَلأَِنَّ نَفْعَ أَكْلِهَا مِنَ الزَّرْعِ عَائِدٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لاَ يَضْمَنُ. لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ (51) وَلأَِنَّهَا أَفْسَدَتْ وَلَيْسَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا فَلَمْ يَلْزَمْهُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ كَانَ الإِْتْلاَفُ نَهَارًا، أَوْ أَتْلَفَتْ غَيْرَ الزَّرْعِ. وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ بِمَا رَوَى مَالِكٌ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ، فَقَضَى رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّ عَلَى أَهْل الأَْمْوَال حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَمَا أَفْسَدَتْهُ بِاللَّيْل فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمْ (52) ، وَلأَِنَّ الْعَادَةَ مِنْ أَهْل الْمَوَاشِي إِرْسَالُهَا فِي النَّهَارِ لِلرَّعْيِ وَحِفْظُهَا لَيْلاً، وَعَادَةُ أَهْل الْحَوَائِطِ (الْبَسَاتِينِ) وَالزُّرُوعِ حِفْظُهَا نَهَارًا دُونَ اللَّيْل، فَإِذَا ذَهَبَتْ لَيْلاً كَانَ التَّفْرِيطُ مِنْ أَهْلِهَا بِتَرْكِهِمْ حِفْظَهَا فِي وَقْتِ عَادَةِ الْحِفْظِ.
30 - أَمَّا إِذَا أَتْلَفَتِ الزَّرْعَ نَهَارًا، وَكَانَتْ وَحْدَهَا، فَلاَ ضَمَانَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، إِذْ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ حِفْظُ الزَّرْعِ نَهَارًا، فَكَانَ التَّفْرِيطُ مِنْ أَهْل الزَّرْعِ. وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْعَادَةِ. وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ هَذَا الْحُكْمَ بِمَا إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ لَمْ تُعْرَفْ بِالاِعْتِدَاءِ، وَإِلاَّ ضَمِنَ لِعَدَمِ حِفْظِهَا بِرَبْطِهَا رَبْطًا مُحْكَمًا.
31 - وَإِذَا أَتْلَفَتِ الدَّابَّةُ شَيْئًا غَيْرَ الزَّرْعِ، وَكَانَ مَعَهَا رَاعٍ فِيهِ كِفَايَةُ الْحِفْظِ، أَوْ مَعَهَا مَنْ لَهُ يَدٌ عَلَيْهَا وَلَمْ يَمْنَعْهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا مَا أَتْلَفَتْهُ مِنْ زَرْعٍ وَغَيْرِهِ (53) أَمَّا إِذَا كَانَتْ وَحْدَهَا فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَضْمَنُ مَالِكُهَا؛ لأَِنَّهَا لاَ تُتْلِفُ غَيْرَ الزَّرْعِ عَادَةً، وَلِحَدِيثِ الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ (54) كَمَا أَنَّهُ لَوْ جَمَحَتِ الدَّابَّةُ بِالرَّاكِبِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهَا، فَإِنَّهُ لاَ يَضْمَنُ، كَالْمُنْفَلِتَةِ؛ لأَِنَّ الرَّاكِبَ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِمُسَيِّرٍ لَهَا، فَلاَ يُضَافُ سَيْرُهَا إِلَيْهِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ ضَمَانَ إِلاَّ إِذَا كَانَتْ مِنْ شَأْنِهَا الاِعْتِدَاءُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ حَيْثُ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا. أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمُ الضَّمَانُ.
32 - مَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ خَاصٌّ بِمَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنَ الْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ، أَمَّا مَا لاَ يُمْكِنُ مَنْعُهُ، كَالْحَمَامِ وَالنَّحْل، فَإِنَّهُ لاَ ضَمَانَ فِيمَا أَتْلَفَهُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَدْخُل تَحْتَ الْيَدِ. وَقَدْ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ، مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فِي نَحْلٍ قَتَل جَمَلاً بِأَنَّهُ هَدَرٌ، لِتَقْصِيرِ صَاحِبِهِ دُونَ صَاحِبِ النَّحْل. وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ صُوَرًا كَثِيرَةً حَوْل هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (55)
33 - مُوجِبُ الإِْتْلاَفِ الضَّمَانُ وَذَلِكَ فِي إِحْدَى حَالَتَيْنِ:
1 - بِإِتْلاَفِ مَال الْغَيْرِ الْمُحْتَرَمِ شَرْعًا بِغَيْرِ إِذْنٍ مِنَ الشَّارِعِ وَمِنْ صَاحِبِهِ، وَفِي حُكْمِهِ إِتْلاَفُ الأَْمْوَال الْعَامَّةِ مِنْ غَيْرِ الْمُبَاحَاتِ.
2 - إِتْلاَفُ مَال الْغَيْرِ الْمُحْتَرَمِ شَرْعًا بِإِذْنٍ مِنَ الشَّارِعِ لِلضَّرُورَةِ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْمَال. وَقَدْ يَنْحَصِرُ مُوجِبُ الإِْتْلاَفِ فِي الإِْثْمِ فَقَطْ، كَمَا إِذَا أَتْلَفَ لِنَفْسِهِ مَالاً يَنْتَفِعُ بِهِ.
مَا يُشْتَرَطُ لِضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ:
34 - ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ شُرُوطًا هَذِهِ خُلاَصَتُهَا:
1 - أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمُتْلَفُ مَالاً، فَلاَ يَجِبُ الضَّمَانُ بِإِتْلاَفِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ.
2 - أَنْ يَكُونَ مُتَقَوِّمًا، فَلاَ يَجِبُ الضَّمَانُ بِإِتْلاَفِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُتْلِفُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لِسُقُوطِ تَقَوُّمِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ.
3 - أَنْ يَكُونَ الْمُتْلِفُ مِنْ أَهْل وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، فَلَوْ أَتْلَفَتْ بَهِيمَةٌ مَال إِنْسَانٍ فَإِنَّهُ لاَ يَجِبُ الضَّمَانُ، عَلَى التَّفْصِيل السَّابِقِ ذِكْرُهُ. وَلَوْ أَتْلَفَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ نَفْسًا أَوْ مَالاً لَزِمَ الضَّمَانُ، لِعَدَمِ تَوَقُّفِ ذَلِكَ عَلَى الْقَصْدِ، وَإِحْيَاءً لِحَقِّ الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ. وَضَمَانُ الْمَال يَكُونُ فِي مَالِهِمَا، أَمَّا ضَمَانُ النَّفْسِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ. وَنَقَل صَاحِبُ الدُّرِّ عَنِ الأَْشْبَاهِ: الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ، فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ مِنَ الْمَال لِلْحَال. وَإِذَا قَتَل فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، إِلاَّ فِي مَسَائِل مُسْتَثْنَاةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ فِيهَا: لَوْ أَتْلَفَ مَا اقْتَرَضَهُ، وَمَا أُودِعَ عِنْدَهُ بِلاَ إِذْنِ وَلِيِّهِ، وَمَا أُعِيرَ لَهُ، وَمَا بِيعَ مِنْهُ بِلاَ إِذْنٍ. وَأَطَال ابْنُ عَابِدِينَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى بَعْضِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ. (56) 4 - أَنْ يَكُونَ فِي الْوُجُوبِ فَائِدَةٌ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِإِتْلاَفِ مَال الْحَرْبِيِّ، وَلاَ عَلَى الْحَرْبِيِّ بِإِتْلاَفِ مَال الْمُسْلِمِ، فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَى مُقَاتِلِي الْبُغَاةِ إِذَا أَتْلَفُوا مَالاً لَهُمْ، وَلاَ عَلَى الْبُغَاةِ إِذَا أَتْلَفُوا فِي الْمَعْرَكَةِ أَمْوَال مُقَاتِلٍ؛ لأَِنَّهُ لاَ فَائِدَةَ فِي الْوُجُوبِ لِعَدَمِ إِمْكَانِ الْوُصُول إِلَى الضَّمَانِ، لاِنْعِدَامِ الْوِلاَيَةِ، وَلأَِنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَضْمَنُوا الأَْنْفُسَ فَالأَْمْوَال أَوْلَى (57) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي " الْبُغَاة "
35 - وَالْعِصْمَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ ضَمَانِ الْمَال؛ لأَِنَّ (58) الصَّبِيَّ مَأْخُوذٌ بِضَمَانِ الإِْتْلاَفِ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ عِصْمَةُ الْمُتْلِفِ فِي حَقِّهِ، كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الْمُتْلَفِ مَال الْغَيْرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ، حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ مَالاً ظَنَّ أَنَّهُ مِلْكُهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ، ضَمِنَ؛ لأَِنَّ الإِْتْلاَفَ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ لاَ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَى الْعِلْمِ. (59)
كَيْفِيَّةُ التَّضْمِينِ الْوَاجِبِ بِالإِْتْلاَفِ:
36 - لاَ نَعْلَمُ خِلاَفًا فِي أَنَّ الْمُتْلَفَ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا ضُمِنَ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا ضُمِنَ بِقِيمَتِهِ. كَمَا لاَ نَعْلَمُ خِلاَفًا فِي أَنَّ تَقْدِيرَ الْقِيمَةِ يُرَاعَى فِيهِ مَكَانُ الإِْتْلاَفِ.
وَأَمَّا إِذَا فُقِدَ الْمِثْلِيُّ، بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الأَْسْوَاقِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُعْدَل عَنِ الْمِثْلِيِّ إِلَى الْقِيمَةِ وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهَا. أَيُرَاعَى وَقْتُ الإِْتْلاَفِ، أَمْ وَقْتُ انْقِطَاعِهَا عَنِ الأَْسْوَاقِ، أَمْ وَقْتُ الْمُطَالَبَةِ، أَمْ وَقْتُ الأَْدَاءِ؟ فَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ يَوْمَ الْحُكْمِ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرُوا يَوْمَ الْغَصْبِ إِنْ كَانَ مَغْصُوبًا، وَيَوْمَ التَّلَفِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَغْصُوبًا، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ اعْتَبَرَ يَوْمَ انْقِطَاعِ الْمِثْل؛ لأَِنَّهُ وَقْتُ الاِنْتِقَال مِنَ الْقِيمَةِ إِلَى الْمِثْل.
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَالأَْصَحُّ عِنْدَهُمُ اعْتِبَارُ أَقْصَى مَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ مَا بَيْنَ التَّلَفِ وَالأَْدَاءِ (التَّنْفِيذِ) .
وَأَمَّا الْقِيَمِيُّ فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ قِيمَتُهُ مِنْ يَوْمِ إِتْلاَفِهِ إِلَى يَوْمِ أَدَائِهِ فَالْعِبْرَةُ بِقِيمَتِهِ، بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. أَمَّا إِذَا تَغَيَّرَتِ الْقِيمَةُ مِنْ يَوْمِ إِتْلاَفِهِ إِلَى يَوْمِ أَدَائِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلاَفِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ فِي حَالَةِ انْقِطَاعِ الْمِثْلِيِّ. (60)
الإِْكْرَاهُ عَلَى الإِْتْلاَفِ وَمَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ:
37 - لَوْ أَكْرَهَ شَخْصٌ آخَرَ إِكْرَاهًا مُلْجِئًا عَلَى إِتْلاَفِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ مَمْلُوكٍ لِغَيْرِ الْمُكْرِهِ (بِكَسْرِ الرَّاءِ) فَإِنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ إِتْلاَفٌ يُنْسَبُ إِلَى الْحَامِل عَلَى الْفِعْل لاَ إِلَى الْفَاعِل؛ لأَِنَّهُ كَالآْلَةِ (61) . وَلِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ الْمُتْلِفِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُكْرِهِ لأَِنَّهُ مَعْذُورٌ فِي ذَلِكَ الْفِعْل، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الضَّمَانُ (62) . وَالْقَوْل بِأَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ يُفْهَمُ أَيْضًا مِمَّا نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونَ الْمَالِكِيُّ عَنْ فَضْل بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ ابْنَ الْمَاجِشُونِ قَال فِي السُّلْطَانِ يَأْمُرُ رَجُلاً بِقَتْل رَجُلٍ ظُلْمًا: إِنَّ السُّلْطَانَ يُقْتَل، وَلاَ يُقْتَل الْمَأْمُورُ، إِذِ الإِْلْزَامُ بِتَضْمِينِ الْمَال دُونَ الْقَوَدِ. (63)
38 - وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِمَا كَالدِّيَةِ، لاِشْتِرَاكِهِمَا فِي الإِْثْمِ. (64) وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلاَمِ ابْنِ فَرْحُونَ - أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُكْرَهِ - بِالْفَتْحِ - اسْتِنَادًا إِلَى حَدِيثِ لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ (65) يَقُول ابْنُ فَرْحُونَ: إِنَّ مَنْ أَمَرَهُ الْوَالِي بِقَتْل رَجُلٍ ظُلْمًا، أَوْ قَطْعِهِ أَوْ جَلْدِهِ أَوْ أَخْذِ مَالِهِ أَوْ بَيْعِ مَتَاعِهِ، فَلاَ يَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إِنْ عَصَاهُ وَقَعَ بِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ ظَهْرِهِ أَوْ مَالِهِ فَإِنْ أَطَاعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَالْقَطْعُ وَالْغُرْمُ، وَغَرِمَ ثَمَنَ مَا بَاعَ. (66) وَتَفْصِيل الْكَلاَمِ فِيهِ مَوْطِنُهُ بَحْثُ (الإِْكْرَاه) .
أَثَرُ الإِْتْلاَفِ فِي تَحَقُّقِ الْقَبْضِ وَإِسْقَاطِ الأُْجْرَةِ:
39 - مِنَ الْمُقَرَّرِ شَرْعًا أَنَّ الْمَبِيعَ قَبْل قَبْضِهِ يَكُونُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَأَنَّ إِتْلاَفَ الْمُشْتَرِي لَهُ وَهُوَ فِي يَدِ الْبَائِعِ يُعْتَبَرُ قَبْضًا فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ إِتْلاَفُهُ إِلاَّ بَعْدَ إِثْبَاتِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْنَى الْقَبْضِ، فَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ.
وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ الإِْتْلاَفَ يُعْتَبَرُ قَبْضًا وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارُهُ، (67) فَقَدْ جَاءَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَلَى الْمُقْنِعِ: مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَبْضِ إِذَا تَلِفَ قَبْل قَبْضِهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ. فَإِنْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ بَطَل الْعَقْدُ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَكَانَ كَالْقَبْضِ؛ لأَِنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ (68)
40 - وَمِنْ صُوَرِ الإِْتْلاَفِ فِي الْهِبَةِ مَا نَصُّوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْقَبْضَ يَتِمُّ فِي الْهِبَةِ وَلَوْ بِإِتْلاَفِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ.
41 - وَمِنْ صُوَرِهِ فِي الْمَهْرِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَةَ الرَّشِيدَةَ إِنْ أَتْلَفَتْ صَدَاقَهَا إِتْلاَفًا يَقْتَضِي الضَّمَانَ - وَهُوَ فِي يَدِ الزَّوْجَةِ أَوْ الْوَلِيِّ - اعْتُبِرَتْ قَابِضَةً لِحَقِّهَا. أَمَّا إِتْلاَفُ غَيْرِ الرَّشِيدَةِ فَلاَ يُعْتَبَرُ قَبْضًا. وَكَذَلِكَ الإِْتْلاَفُ لِدَفْعِ الصِّيَال، فَلاَ يُعْتَبَرُ قَبْضًا. (69)
42 - وَقَال الْحَنَفِيَّةُ فِي الإِْجَارَةِ: لَوْ خَاطَ الْخَيَّاطُ ثَوْبًا بِأَجْرٍ، فَفَتَقَهُ آخَرُ قَبْل أَنْ يَقْبِضَهُ رَبُّ الثَّوْبِ، فَلاَ أَجْرَ لِلْخَيَّاطِ؛ لأَِنَّ الْخِيَاطَةَ مِمَّا لَهُ أَثَرٌ، فَلاَ أَجْرَ قَبْل التَّسْلِيمِ. وَبِالإِْتْلاَفِ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ. وَلِلْخَيَّاطِ تَضْمِينُ الْفَاتِقِ مَا نَقَصَهُ الْفَتْقُ وَأَجْرُ مِثْل الْخِيَاطَةِ، وَلاَ يَجِبُ الأَْجْرُ الْمُسَمَّى لأَِنَّهُ إِنَّمَا لَزِمَ بِالْعَقْدِ وَلاَ عَقْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَاتِقِ) فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى أَجْرِ الْمِثْل. (70)
حُدُوثُ الاِسْتِرْدَادِ بِالإِْتْلاَفِ:
43 - إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ بِفِعْل الْبَائِعِ وَهُوَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الَّذِي قَبَضَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْبَائِعِ، فَإِنَّ الْبَائِعَ يُعَدُّ مُسْتَرِدًّا لِلْمَبِيعِ، وَبَطَل الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي. وَإِذَا هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ بِفِعْل الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ قَبْل الْقَبْضِ بَطَل الْبَيْعُ بِقَدْرِ الْهَالِكِ، وَاعْتُبِرَ مُسْتَرِدًّا هَذَا الْبَعْضَ، وَسَقَطَ عَنِ الْمُشْتَرِي حِصَّةُ الْهَالِكِ مِنَ الثَّمَنِ. وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي الْبَاقِي لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ. وَإِنْ كَانَ إِتْلاَفُ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ قَبْضًا صَحِيحًا، وَبَعْدَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِرْدَادًا، وَإِنَّمَا إِهْلاَكُهُ وَإِهْلاَكُ الأَْجْنَبِيِّ سَوَاءٌ. وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ حَالٌّ غَيْرُ مَفْقُودٍ، اعْتُبِرَ ذَلِكَ الإِْهْلاَكُ مِنَ الْبَائِعِ اسْتِرْدَادًا فِي الْقَدْرِ الَّذِي أَتْلَفَهُ، وَسَقَطَ عَنِ الْمُشْتَرِي حِصَّتُهُ مِنَ الثَّمَنِ. (71) وَتَفْصِيل ذَلِكَ مَوْضِعُهُ مُصْطَلَحُ (اسْتِرْدَاد) .
الإِْتْلاَفُ بِالسِّرَايَةِ:
44 - مَا يَتْلَفُ بِالسِّرَايَةِ إِنْ كَانَ بِسَبَبٍ مَأْذُونٍ فِيهِ دُونَ جَهْلٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فَلاَ ضَمَانَ. وَعَلَى هَذَا فَلاَ ضَمَانَ عَلَى طَبِيبٍ وَبَزَّاغٍ (بَيْطَارٍ) وَحَجَّامٍ وَخَتَّانٍ، مَا دَامَ أُذِنَ لَهُمْ بِهَذَا وَلَمْ يُقَصِّرُوا، وَإِلاَّ لَزِمَ الضَّمَانُ. (72)
يَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا فَعَل الْحَجَّامُ وَالْخَتَّانُ وَالْمُتَطَبِّبُ مَا أُمِرُوا بِهِ لَمْ يَضْمَنُوا، بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونُوا ذَوِي حِذْقٍ فِي صِنَاعَتِهِمْ، فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ كَانَ فِعْلاً مُحَرَّمًا، فَيَضْمَنُ سِرَايَتَهُ. الثَّانِي: أَلاَ يَتَجَاوَزَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ. فَإِنْ كَانَ حَاذِقًا وَتَجَاوَزَ، أَوْ قَطَعَ فِي غَيْرِ مَحَل الْقَطْعِ، أَوْ فِي وَقْتٍ لاَ يَصْلُحُ فِيهِ الْقَطْعُ، وَأَشْبَاهُ هَذَا، ضَمِنَ فِيهِ كُلِّهِ؛ لأَِنَّهُ إِتْلاَفٌ لاَ يَخْتَلِفُ ضَمَانُهُ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فَأَشْبَهَ إِتْلاَفَ الْمَال. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْقَاطِعِ فِي الْقِصَاصِ، وَقَاطِعِ يَدِ السَّارِقِ. ثُمَّ قَال: وَلاَ نَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا. (73)
الإِْتْلاَفُ نَتِيجَةُ التَّصَادُمِ:
45 - وَفِي الإِْتْلاَفِ بِالتَّصَادُمِ وَالتَّجَاذُبِ تَضْمَنُ عَاقِلَةُ كُل فَارِسٍ أَوْ رَاجِلٍ دِيَةَ الآْخَرِ، إِنِ اصْطَدَمَا وَمَاتَا مِنْهُ فَوَقَعَا عَلَى الْقَفَا وَكَانَا غَيْرَ عَامِدَيْنِ. أَمَّا لَوْ وَقَعَا عَلَى الْوَجْهِ فَيُهْدَرُ دَمُهُمَا. وَلَوْ كَانَا عَامِدَيْنِ فَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ دِيَةِ الآْخَرِ.
46 - وَلَوْ تَجَاذَبَ رَجُلاَنِ حَبْلاً، فَانْقَطَعَ الْحَبْل فَسَقَطَا عَلَى الْقَفَا وَمَاتَا، أُهْدِرَ دَمُهُمَا لِمَوْتِ كُلٍّ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ. فَإِنْ وَقَعَا عَلَى الْوَجْهِ وَجَبَ دِيَةُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الآْخَرِ لِمَوْتِهِ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ. فَإِنْ تَعَاكَسَا فَدِيَةُ الْوَاقِعِ عَلَى الْوَجْهِ عَلَى عَاقِلَةِ الآْخَرِ، وَأُهْدِرَ دَمُ مَنْ وَقَعَ عَلَى الْقَفَا.
وَقَال مَالِكٌ فِي السَّفِينَتَيْنِ تَصْطَدِمَانِ، فَتَغْرَقُ إِحْدَاهُمَا بِمَا فِيهَا، فَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ؛ لأَِنَّ الرِّيحَ تَغْلِبُهُمْ، إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ النَّوَاتِيَّةُ (الْبَحَّارَةُ) أَنَّهُمْ لَوْ أَرَادُوا صَرْفَهَا لَقَدَرُوا، فَيَضْمَنُونَ. وَقَال ابْنُ شَاسٍ: وَلَوْ تَجَاذَبَا الْحَبْل، فَانْقَطَعَ فَتَلِفَا، فَكَاصْطِدَامِهِمَا، وَإِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ، ضَمِنَ. وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِنْ تَصَادَمَ نَفْسَانِ يَمْشِيَانِ، فَمَاتَا، فَعَلَى عَاقِلَةِ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الآْخَرِ. وَإِنْ كَانَتَا امْرَأَتَيْنِ حُبْلَيَيْنِ فَهُمَا كَالرَّجُلَيْنِ. فَإِنْ أَسْقَطَتْ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَنِينًا فَعَلَى كُل وَاحِدَةٍ نِصْفُ ضَمَانِ جَنِينِهَا وَنِصْفُ ضَمَانِ جَنِينِ صَاحِبَتِهَا. (74)
إِتْلاَفُ بَعْضِ الْمَنْقُول لِسَلاَمَةِ السَّفِينَةِ:
47 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ مَلاَّحَ السَّفِينَةِ إِنْ كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْمَحْمُول حَاضِرًا مَعَهُ، عَلَى التَّفْصِيل الْمُبَيَّنِ فِي مُصْطَلَحِ (إِجَارَةٌ)
أَمَّا إِنْ خِيفَ عَلَى السَّفِينَةِ الْغَرَقُ، فَأَلْقَى بَعْضُ الرُّكَّابِ مَتَاعَهُ، أَوْ شَيْئًا مِنْهُ، لِتَسْلَمَ السَّفِينَةُ مِنَ الْغَرَقِ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ؛ لأَِنَّهُ أَتْلَفَ مَتَاعَ نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ لِصَلاَحِهِ وَصَلاَحِ غَيْرِهِ. وَإِنْ أَلْقَى مَتَاعَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ضَمِنَهُ وَحْدَهُ كَأَكْل مُضْطَرٍّ طَعَامَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنِ اتَّفَقُوا عَلَى إِلْقَاءِ الأَْمْتِعَةِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا لِحِفْظِ الأَْنْفُسِ فَقَطْ فَالْغُرْمُ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ.
أَمَّا إِذَا قَصَدُوا حِفْظَ الأَْمْتِعَةِ فَقَطْ، بِأَنْ كَانَتِ السَّفِينَةُ فِي مَوْضِعٍ لاَ تَغْرَقُ فِيهِ الأَْنْفُسُ، فَالْغُرْمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الأَْمْوَال.
وَإِنْ قَصَدُوا حِفْظَ الأَْنْفُسِ وَالأَْمْوَال مَعًا فَالْغُرْمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِهِمَا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ فِي حَال طَرْحِ الأَْمْتِعَةِ مِنَ السَّفِينَةِ عِنْدَ خَوْفِ غَرَقِهَا يُوَزَّعُ مَا طُرِحَ عَلَى مَال التِّجَارَةِ فَقَطْ.
48 - وَلاَ سَبِيل لِطَرْحِ الآْدَمِيِّ لإِِنْقَاذِ السَّفِينَةِ مِنَ الْغَرَقِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، إِذْ الإِْجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِمَاتَةُ أَحَدٍ مِنْ الآْدَمِيِّينَ لِنَجَاةِ غَيْرِهِ. وَيَنْقُل الدُّسُوقِيُّ عَنِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ بِالْقُرْعَةِ. (75)
49 - وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ تَلَفٍ فِي الأَْنْفُسِ وَالأَْمْوَال نَتِيجَةَ الْعَجْزِ عَنْ إِنْقَاذِهِ فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ وَلاَ قَوَدَ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عَدَمُ التَّحَكُّمِ فِي السَّفِينَةِ لِلرِّيَاحِ الشَّدِيدَةِ.
الظَّاهِرُ مِنْ تَتَبُّعِ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ فِي ضَمَانِ الإِْتْلاَفِ النَّاشِئِ عَنِ التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ، سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ لِلأَْبِ أَوِ الْوَصِيِّ أَوِ الْمُعَلِّمِ أَوِ الزَّوْجِ، التَّفْصِيل بَيْنَ مُجَاوَزَةِ الْفِعْل الْمُعْتَادِ وَعَدَمِ مُجَاوَزَتِهِ.
فَالضَّمَانُ مُتَّفَقٌ عَلَى وُجُوبِهِ فِي حَال مُجَاوَزَةِ الْفِعْل الْمُعْتَادِ، بَل بَعْضُ الْمَذَاهِبِ يَجْعَل فِيهِ الْقِصَاصَ أَوِ الدِّيَةَ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْفِعْل فِي التَّأْدِيبِ مُعْتَادًا فَفِيهِ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، مُجْمَلُهُ: الْقَوْل بِالضَّمَانِ؛ لأَِنَّ الْجَوَازَ لاَ يُنَافِي الضَّمَانَ.
وَالْقَوْل الآْخَرُ لَهُمْ - وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالأَْصَحُّ فِي الْجُمْلَةِ - أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ؛ لأَِنَّهُ مَأْذُونٌ بِهِ شَرْعًا وَعَادَةً، وَلَوْ أَوْجَبَ فِيهِ الضَّمَانَ لَوَقَعَ حَرَجٌ عَلَى النَّاسِ فِي تَأْدِيبِ مَنْ يُوَكَّل إِلَيْهِمْ تَأْدِيبُهُ (76) وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِل تَفْصِيلٌ مَوْطِنُهُ مُصْطَلَحُ (تَأْدِيب) .
إِتْلاَفُ الأَْجِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ لِمَا فِي يَدِهِ:
50 - الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَانَةٌ، فَلَوْ هَلَكَتْ دُونَ تَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ أَوْ مُخَالَفَةٍ لِلْمَأْذُونِ فِيهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِلاَّ ضَمِنَ. وَالأَْجِيرُ الْخَاصُّ أَمِينٌ، فَلاَ يَضْمَنُ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي أَوِ التَّفْرِيطِ أَوِ الْمُخَالَفَةِ، وَالأَْجِيرُ الْمُشْتَرَكُ اخْتَارَ الْفُقَهَاءُ الْقَوْل بِتَضْمِينِهِ إِلاَّ فِيمَا لاَ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ عَلَى التَّفْصِيل الْمُبَيَّنِ فِي مُصْطَلَحِ (الإِْجَارَة) .
إِتْلاَفُ الْمَغْصُوبِ:
51 - يَدُ الْغَاصِبِ يَدُ ضَمَانٍ اتِّفَاقًا، وَيَلْزَمُهُ رَدُّ مَا اغْتَصَبَهُ بِعَيْنِهِ إِنْ كَانَ قَائِمًا، مِثْلِيًّا كَانَ أَوْ قِيَمِيًّا. فَإِنْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ بِنَفْسِهِ ضَمِنَهُ، وَوَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهِ إِنْ كَانَ قِيمِيًّا، وَمِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا (77) ، عَلَى التَّفْصِيل السَّابِقِ فِي كَيْفِيَّةِ تَضْمِينِ الْمُتْلَفَاتِ.
52 - وَإِذَا أَتْلَفَ الْمَغْصُوبَ شَخْصٌ آخَرُ وَهُوَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ وَتَضْمِينِ الْمُتْلِفِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الأَْصْل تَضْمِينُ الْمُتْلِفِ، إِلاَّ إِنْ كَانَ الإِْتْلاَفُ لِمَصْلَحَةِ الْغَاصِبِ، كَأَنْ قَال لَهُ: اذْبَحْ هَذِهِ الشَّاةَ لِي، أَوْ أَفْهَمَهُ أَنَّ الْمُتْلَفَ مِلْكٌ لَهُ. (78)
إِتْلاَفُ اللُّقَطَةِ وَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ:
53 - الْعَيْنُ الْمُلْتَقَطَةُ وَالْمُودَعَةُ وَالْمُعَارَةُ الأَْصْل فِيهَا أَنْ تَكُونَ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ وَالْوَدِيعِ وَالْمُسْتَعِيرِ. وَالأَْصْل أَنَّ الأَْمِينَ لاَ يَضْمَنُ إِلاَّ بِالاِعْتِدَاءِ أَوِ الإِْهْمَال لِقَوْلِهِ ﷺ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِل ضَمَانٌ، وَلاَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِل ضَمَانٌ (79) وَلأَِنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إِلَى ذَلِكَ، فَلَوْ ضَمَّنَّاهُمْ لاَمْتَنَعَ النَّاسُ عَنْهُ. وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنْ حَدَثَ مِنْهُ اعْتِدَاءٌ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إِتْلاَفٌ ضَمِنَ. أَمَّا التَّلَفُ الَّذِي يَقَعُ دُونَ اعْتِدَاءٍ وَلاَ إِهْمَالٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فَإِنَّهُ لاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ.
لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: إِنَّ الأَْصْل فِي الْعَارِيَّةِ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ، فَلَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ مَأْذُونٍ فِيهِ ضَمِنَهَا وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ (80) وَقَالُوا: الأَْصَحُّ أَنَّهُ لاَ يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ مِنَ الثِّيَابِ أَوْ يَنْسَحِقُ بِالاِسْتِعْمَال. وَقِيل بِالضَّمَانِ فِيهِمَا. وَقِيل: يَضْمَنُ الْمُنْمَحِقَ - أَيِ الْبَالِيَ - دُونَ الْمُنْسَحِقِ - أَيِ التَّالِفِ بَعْضُ أَجْزَائِهِ -. (81)
54 - وَيَنْبَغِي أَنْ يُلاَحَظَ أَنَّ عَارِيَّةَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ يَكُونُ قَرْضًا فِي الْحَقِيقَةِ، إِذْ لاَ يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهَا إِلاَّ بِاسْتِهْلاَكِ أَعْيَانِهَا وَإِتْلاَفِهَا. وَمَا دَامَتْ فِي حَقِيقَتِهَا قَرْضًا فَإِنَّهُ يَجِبُ رَدُّ مِثْلِهَا، أَوْ قِيمَتِهَا إِنِ انْعَدَمَ الْمِثْل (82) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ وَبَيَانُ الْمَذَاهِبِ فِيهِ فِي مَوَاضِعِهِ مِنَ اللُّقَطَة الْوَدِيعَة وَالْعَارِيَّة.
__________
(1) القاموس المحيط (تلف)
(2) البدائع 7 / 164 ط الأولى
(3) سورة الحاقة / 29
(4) سورة البقرة / 205
(5) سورة النساء / 176
(6) سورة القصص / 88
(7) حاشية القليوبي على منهاج الطالبين 3 / 20 ط الحلبي
(8) لسان العرب (عدو)
(9) القاموس المحيط (فسد)
(10) فتح القدير 7 / 361 وما بعدها ط الأميرية
(11) البدائع 6 / 217
(12) البدائع 7 / 165 - 166، والمغني والشرح الكبير 5 / 445 طبع المنار 1347 هـ، وحاشية الدسوقي 3 / 420، 436 ط عيسى الحلبي، وشرح الروض 2 / 238 ط الميمنية، والشروانى على التحفة 7 / 123 ط الميمنية.
(13) البدائع 4 / 175، والهداية 3 / 241، والفتاوى الهندية 4 / 454، وحاشية الدسوقي 4 / 16، 20، وبداية المجتهد 2 / 245، 419، والشرح الصغير 4 / 31، والمهذب 1 / 394 - 395، ونهاية المحتاج 5 / 292، والمغني 5 / 404 طبع مكتبة القاهرة، 6 / 74، 133 طبع المنار 1347
(14) البدائع 7 / 168، وكشف الأسرار 4 / 1519 - 1521، وحاشية ابن عابدين 5 / 92 والفروق للقرافي 1 / 196، الفرق 32، ومغني المحتاج 4 / 308، والقواعد الفقهية لابن رجب ص 286 ضمن القاعدة 127
(15) البدائع 7 / 167، والشرح الكبير مع المغني 5 / 378
(16) الفتح 4 / 308، والبحر الرائق 5 / 90، وابن عابدين 3 / 230، وبداية المجتهد 1 / 396، والوجبز 2 / 291، وحاشية القليوبي 4 / 220، والأحكام السلطانية لأبي يعلي 27 - 34، والقواعد الفقهية لابن رجب ص 206 القاعدة 90
(17) حاشية القليوبي 4 / 220 وحديث: " قطع نخل بني النضير وحرقه " رواه الشيخان عن عبد الله بن عمر وغيره بألفاظ متقاربة. (فتح الباري 8 / 510 ط عبد الرحمن محمد، وصحيح مسلم 3 / 1365 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي) .
(18) حاشية ابن عابدين 5 / 271
(19) حاشية عميرة على شرح منهاج الطالبين 2 / 158
(20) حاشية ابن عابدين 5 / 382، ومواهب الجليل 6 / 323، وحاشية القليوبي 2 / 211، والمهذب 2 / 225، والإقناع 4 / 290
(21) البدائع 7 / 167، وحاشية ابن عابدين 5 / 182، وتبيين الحقائق 5 / 234، والحطاب 5 / 280، والشرح الصغير 4 / 474، وحاشية القليوبي على منهاج الطالبين 3 / 30 - 35، الشرح الكبير مع المغني 5 / 376، ونهاية المحتاج 5 / 165
(22) حديث " إن الله حرم بيع الخمر. . . " رواه الشيخان وغيرهما عن جابر بن عبد الله ﵄ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقولا عام الفتح بمكة: " إن الله ورسوله حرم. . . " الحديث، وفيه زيادة (جامع الأصول 1 / 447، 448)
(23) رواه أحمد والحارث ابن أبي أسامة بلفظ " وأمرني أن أمحو المزامير والمعازف ورواه بنحوه الطيالسي (مسند أحمد 5 / 257، 268 ط الميمنية، وكف الرعاع مع الزواجر 1 / 9 ط المطبعة الأزهرية. وتفسيرالقرطبي 14 / 53)
(24) البدائع 7 / 167 - 168 وابن عابدين 5 / 146، ونهاية المحتاج 5 / 166 - 167، والمغني مع الشرح الكبير 5 / 445 - 446
(25) البدائع 7 / 167
(26) الشرح الصغير 4 / 474، والحطاب 7 / 307
(27) نهاية المحتاج 5 / 166، 167، وحاشية القليوبي 3 / 30 - 35
(28) الحطاب 128، ونهاية المحتاج 1 / 91، والمغني مع الشرح 1 / 64
(29) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 336، ونهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي 4 / 273 - 274، والأم 7 / 117 مطبعة الكليات الأزهرية
(30) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 336
(31) المغني 4 / 288 طبع مكتبة القاهرة.
(32) الشرح الصغير وحاشية الصاوي 3 / 325
(33) رواه الشيخان وفيه زيادة (تلخيص الحبير 2 / 277ط الفنية المتحدة)
(34) الهداية 1 / 169، 176، ومنهاج الطالبين وحاشية القليوبي 2 / 139، 144، والمهذب 1 / 211، والتاج والإكليل 3 / 171، والفواكه الدواني 1 / 435، والشرح الكبير مع المغني 3 / 317، 320.
(35) القليوبي 2 / 139، 144، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 1 / 170 - 171
(36) الهداية 1 / 169، 176
(37) منهاج الطالبين وحاشية القليوبي 2 / 139، 144 وانظر التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 1 / 170 - 171
(38) التاج والإكليل 3 / 170 - 171، والمغني 3 / 289
(39) الفواكه الدواني 1 / 435
(40) حديث: " إن الله تعالى حرم مكة. . . " روي بعدة روايات، منها ما رواه البخاري عن ابن عباس بلفظ: " إن الله حرم مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف " وقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخز لضاغتنا وقبورنا، فقال: " إلا الإذخز "
(41) المغني 3 / 392
(42) الهداية 1 / 175، وجواهر الإكليل 1 / 198، والمهذب 1 / 288، 290، والمغني 3 / 364 - 366
(43) المغني 3 / 366، 367
(44) سورة البقرة / 194
(45) حديث: " لا ضرر ولا ضرار "، رواه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس، ورواه غيرهما، وهو صحيح بطرقه (فيض القدير6 / 431 - 432)
(46) البدائع 7 / 164، 165، 168
(47) المرجع السابق.
(48) القواعد لابن رجب ص 204 القاعدة 89 ص 285 القاعدة 127
(49) لبدائع 7 / 165، 166، 168، وحاشية ابن عابدين 3 / 44 ط بولاق 1299، والشرح الصغير3 / 587، 1 / 341، والمغني والشرح الكبير 5 / 444، 450، والقواعد لابن رجب ص 204 القاعدة 89
(50) البدائع 7 / 166، والمهذب 1 / 374، 375، وحاشية القليوبي على منهاج الطالبين 4 / 145
(51) حديث " العجماء جرحها جبار " رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن عن أبي هريرة، وفيه زيادة. (فيض القدير 4 / 376)
(52) حديث: " أن ناقة للبراء دخلت. . . " رواه مالك باختلاف يسير عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة مرسلا، ورواه عبد الرزاق. (شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 4 / 36، 37 ط الاستقامة بالقاهرة 1379 هـ)
(53) الدر المختار بحاشية ابن عابدين 3 / 440، 5 / 534، والشرح الصغير 4 / 507 - 509، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 6 / 323، ونهاية المحتاج 8 / 39، والمغني والشرح الكبير 10 / 356.
(54) حديث " العجماء جرحها جبار " سبق تخريجه.
(55) المراجع السابقة.
(56) البدائع 7 / 168، وحاشية ابن عابدين 5 / 125، 126 والشرح الصغير 4 / 400، 405، ونهاية المحتاج 7 / 364 - 365، والمغني مع الشرح الكبير 9 / 568.
(57) البدائع 7 / 168، والتاج والاكليل 6 / 279، ونهاية المحتاج 7 / 385، والمغني مع الشرح الكبير 10 / 61.
(58) عبارة البدائع: " إلا أن " وهو تحريف وصوابه ما بينا.
(59) البدائع 7 / 168، والقواعد الفقهية لابن رجب ص 217 القاعدة 95، ص 206، 207 القاعدة 90.
(60) حاشية القليوبي 30 / 3 - 35، والشرح الصغير 3 / 591، والمغني 5 / 421 - 422 - 376 - 377، والبدائع 7 / 151، 168، وشرح المنهاج وحاشية القليويى 2 / 144.
(61) حاشية ابن عابدين 5 / 90، والتوضيح والتلويح 3 / 232، وحاشية القليوبي 4 / 211.
(62) القواعد لابن رجب ص 204 القاعدة 89، والشرواني على التحفة لابن حجر الهيتمي 9 / 182 - 183
(63) التبصرة 2 / 173 بهامش فتح العلي المالك ط مصطفى الحلبي.
(64) القواعد لابن رجب ص 204 / 89.
(65) حديث: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " رواه أحمد، والحاكم عن عمران والحكم بن عمرو الغفاري. قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح. (فيض القدير 6 / 432) .
(66) التبصرة بهامش فتح العلي المالك 2 / 172 - 173.
(67) البدائع 5 / 238، وتبيين الحقائق 4 / 16، 35، 64 والشرح الصغير 3 / 203، والقليوبي 2 / 211، والشرح الكبير مع المغني 4 / 116، ط م المنار، وفتح القدير 5 / 109 ط الأولى، والقليوبي على منهاج الطالبين 2 / 112، 212.
(68) الشرح الكبير مع المغني 4 / 116.
(69) القليوبي على منهاج الطالبين 3 / 112، 276.
(70) ابن عابدين 5 / 10.
(71) البدائع 5 / 239، 283، وابن عابدين 4 / 172 ط 1299، والفتاوى الهندية 4 / 499، 505 وانظر في الموضوع حاشية الدسوقي 3 / 113، 131 ط عيسى الحلبي 4 / 28، والشرح الصغير 4 / 47، ونهاية المحتاج 4 / 80، 5 / 267، 270، وحاشية القليوبي 3 / 70، 73، 78، والمغني مع الشرح الكبير 4 / 58، وكشاف القناع 4 / 27، ط أنصار السنة.
(72) حاشية ابن عابدين 5 / 58 ط 1299، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 6 / 320، والشرح الصغير 4 / 505، ونهاية المحتاج 7 / 291، والقليوبي وعميرة 4 / 110، والمغني مع الشرح الكبير 6 / 120.
(73) المغني مع الشرح الكبير 6 / 120.
(74) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 483 ط عام 1299 هـ، والبدائع 4 / 210 - 212 والتاج والإكليل 6 / 243، والشرح الصغير وحاشية الصاوي 4 / 45، ونهاية المحتاج 7 / 343، وحاشية القليوبي على منهاج الطالبين 4 / 150 - 151 والمغني مع الشرح الكبير 10 / 359 - 360.
(75) حاشية ابن عابدين 5 / 172 ط عام 1272 هـ وحاشية الدسوقي 4 / 27، والتاج والإكليل 6 / 243، ونهاية المحتاج 7 / 79، والمغني مع الشرح الكبير 10 / 363، والجمل على المنهج 5 / 90.
(76) حاشية ابن عابدين 5 / 363، وجواهر الإكليل 2 / 296 ط الحلبي، والتبصرة لابن فرحون بهامش فتح العلي المالك 2 / 349 ط الحلبي، وحاشية عميرة على المنهاج 3 / 306، والمغني 8 / 327 نشر بالرياض.
(77) حاشية ابن عابدين 5 / 126، وبلغة السالك 2 / 197، 201، ونهاية المحتاج 5 / 161، 165، والمغني والشرح الكبير 5 / 421.
(78) البدائع 7 / 165، والدسوقي 3 / 448، والجمل على شرح المهاج 3 / 475، والمغني 5 / 249 وكشف المخدرات 596.
(79) حديث: " ليس على المستعير. . . " رواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفي إسناده ضعيفان (تلخيص الحبير 3 / 97 ط الفنية المتحدة) .
(80) حديث: " على اليد ما أخذت. . . " رواه أحمد وأصحاب السنن والحاكم من حديث الحسن عن سمرة، وفي سماع الحسن منه خلاف، وزاد فيه أكثرهم ثم نسي الحسن فقال: هو أمين لا ضمان عليه. قال الترمذي: حديث حسن (فيض القدير 4 / 321 ط الأولى مصطفى محمد)
(81) حاشية القليوبي على منهاج الطالبين 3 / 20.
(82) فتح القدير 4 / 423، 7 - 8، 103.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 216/ 1
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".