القاهر
كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...
اختلال في العقل يمنع جريان الأقوال، والأفعال السليمة في أغلب الأحوال، وهو مُطْبِق لا تتخلَّلُه إفاقة، وغيرُ مطبق تتخلَّلُه إفاقة، فيجنُّ تارة، ويُفيقُ أخرى . ومن شواهده : ﭽﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭼالقمر :٩ .
زَوالُ العَقْلِ أَوْ فَسَادُهُ، تَقولُ: جُنَّ الرَّجُلُ فَهُوَ مَجْنُونٌ أَيْ زَالَ عَقْلُهُ أَوْ فَسَدَ، وَأَصْلُ الاجْتِنانِ: الاسْتِـتَارُ وَالاخْتِفَاءُ، يُقَالُ: جَنَّ الشَّيْءُ وَاجْتَنَّ اجْتِنَانًا أَيْ اسْتَتَرَ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الجَنِينُ لِاسْتِتَارِهِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَسُمِّيَ فَاسِدُ العَقْلِ مَجْنونًا؛ لَتَغَطِّي عَقْلِهِ وَاسْتَتَارِهِ عَنِ الإِدْراكِ.
يَتَعَرَّضُ الفُقَهاءُ لِمُصْطلَحِ (الجُنونِ) فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا: كتاب الطَّهارَةِ فِي بَابِ نَواقِض الوُضُوءِ، وكتاب الزَّكاةِ فِي بابِ شُرُوط الزَّكاةِ، وَكتابِ النِّكاحِ فِي بَابِ العُيوبِ فِي النِّكاحِ، وفِي كتابِ الجِناياتِ بابِ القِصَاصِ، وغَيْر ذَلِكَ.
جنن
اختلال في العقل يمنع جريان الأقوال، والأفعال السليمة في أغلب الأحوال، وهو مُطْبِق لا تتخلَّلُه إفاقة، وغيرُ مطبق تتخلَّلُه إفاقة، فيجنُّ تارة، ويُفيقُ أخرى.
* مقاييس اللغة : 422/1 - مختار الصحاح : 62/1 - مقاييس اللغة : 422/1 - التوقيف على مهمات التعاريف : ص131 - الكليات : ص350 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْجُنُونُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ جُنَّ الرَّجُل بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُول، فَهُوَ مَجْنُونٌ: أَيْ زَال عَقْلُهُ أَوْ فَسَدَ، أَوْ دَخَلَتْهُ الْجِنُّ، وَجَنَّ الشَّيْءَ عَلَيْهِ: سَتَرَهُ. (1)
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَقَدْ عَرَّفَهُ الْفُقَهَاءُ وَالأُْصُولِيُّونَ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا:
أَنَّهُ اخْتِلاَل الْعَقْل بِحَيْثُ يَمْنَعُ جَرَيَانَ الأَْفْعَال وَالأَْقْوَال عَلَى نَهْجِهِ إِلاَّ نَادِرًا. (2)
وَقِيل: الْجُنُونُ اخْتِلاَل الْقُوَّةِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَ الأَْشْيَاءِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ الْمُدْرِكَةِ لِلْعَوَاقِبِ بِأَنْ لاَ تَظْهَرَ آثَارُهَا، وَأَنْ تَتَعَطَّل أَفْعَالُهَا. (3)
وَعَرَّفَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ بِأَنَّهُ: اخْتِلاَل الْقُوَّةِ الَّتِي بِهَا إِدْرَاكُ الْكُلِّيَّاتِ. (4) الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الدَّهَشُ:
2 - الدَّهَشُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ دَهِشَ، يُقَال دَهِشَ الرَّجُل أَيْ تَحَيَّرَ، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ ذَهْلٍ أَوْ وَلَهٍ، وَدُهِشَ أَيْضًا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فَهُوَ مَدْهُوشٌ. (5) وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فَهُمْ يُطْلِقُونَهُ عَلَى الْمُتَحَيِّرِ وَعَلَى ذَاهِبِ الْعَقْل، وَقَدْ جَعَل الْحَنَفِيَّةُ الْمَدْهُوشَ الَّذِي ذَهَبَ عَقْلُهُ دَاخِلاً فِي الْمَجْنُونِ. (6)
ب - الْعَتَهُ:
3 - الْعَتَهُ فِي اللُّغَةِ: نُقْصَانُ الْعَقْل مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ أَوْ دَهَشٍ. (7) وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالأُْصُولِيِّينَ آفَةٌ تُوجِبُ خَلَلاً فِي الْعَقْل فَيَصِيرُ صَاحِبُهُ مُخْتَلِطَ الْكَلاَمِ، فَيُشْبِهُ بَعْضُ كَلاَمِهِ كَلاَمَ الْعُقَلاَءِ، وَبَعْضُهُ كَلاَمَ الْمَجَانِينِ، وَكَذَا سَائِرُ أُمُورِهِ. (8)
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُنُونِ وَالْعَتَهِ، أَنَّ الْمَعْتُوهَ قَلِيل الْفَهْمِ مُخْتَلِطُ الْكَلاَمِ، فَاسِدُ التَّدْبِيرِ، لَكِنْ لاَ يَضْرِبُ وَلاَ يَشْتُمُ بِخِلاَفِ الْمَجْنُونِ.
وَصَرَّحَ الأُْصُولِيُّونَ بِأَنَّ حُكْمَ الْمَعْتُوهِ حُكْمُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، إِلاَّ أَنَّ الدَّبُوسِيَّ قَال: تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِبَادَاتُ احْتِيَاطًا، وَقَال صَدْرُ الإِْسْلاَمِ: إِنَّ الْعَتَهَ نَوْعُ جُنُونٍ فَيَمْنَعُ أَدَاءَ الْحُقُوقِ جَمِيعًا (9) .
ج - السَّفَهُ:
4 - السَّفَهُ لُغَةً: نَقْصٌ فِي الْعَقْل، وَأَصْلُهُ الْخِفَّةُ وَالتَّحَرُّكُ، يُقَال: تَسَفَّهَتِ الرِّيَاحُ الثَّوْبَ: إِذَا اسْتَخَفَّتْهُ، وَحَرَّكَتْهُ، وَمِنْهُ زِمَامٌ سَفِيهٌ أَيْ خَفِيفٌ.
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: خِفَّةٌ تَبْعَثُ الإِْنْسَانَ عَلَى الْعَمَل فِي مَالِهِ بِخِلاَفِ مُقْتَضَى الْعَقْل وَالشَّرْعِ مَعَ قِيَامِ الْعَقْل حَقِيقَةً. قَال الْحَنَفِيَّةُ: فَالسَّفَهُ لاَ يُوجِبُ خَلَلاً، وَلاَ يَمْنَعُ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ (10) .
وَقِيل السَّفَهُ صِفَةٌ لاَ يَكُونُ الشَّخْصُ مَعَهَا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ كَأَنْ يَبْلُغَ مُبَذِّرًا يُضَيِّعُ الْمَال فِي غَيْرِ وَجْهِهِ الْجَائِزِ، وَأَمَّا عُرْفًا: فَهُوَ بَذَاءَةُ اللِّسَانِ وَالنُّطْقُ بِمَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ. (11)
وَفِي جَوَاهِرِ الإِْكْلِيل: السَّفِيهُ: الْبَالِغُ الْعَاقِل الَّذِي لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَال فَهُوَ خِلاَفُ الرَّشِيدِ. (12) د - السُّكْرُ:
5 - اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ السُّكْرِ:
فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: السُّكْرُ نَشْوَةٌ تُزِيل الْعَقْل، فَلاَ يَعْرِفُ السَّمَاءَ مِنَ الأَْرْضِ، وَلاَ الرَّجُل مِنَ الْمَرْأَةِ، وَصَرَّحَ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّ تَعْرِيفَ السُّكْرِ بِمَا مَرَّ إِنَّمَا هُوَ فِي السُّكْرِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ، وَأَمَّا تَعْرِيفُهُ فِي غَيْرِ وُجُوبِ الْحَدِّ فَهُوَ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ كُلِّهِمْ: اخْتِلاَطُ الْكَلاَمِ وَالْهَذَيَانُ. (13) وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا تَعْرِيفُ الشَّافِعِيِّ لِلسَّكْرَانِ: بِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَلَطَ كَلاَمُهُ الْمَنْظُومُ، وَانْكَشَفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ. (14)
وَقَال ابْنُ سُرَيْجٍ: الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى الْعَادَةِ، فَإِذَا انْتَهَى تَغَيُّرُهُ إِلَى حَالَةٍ يَقَعُ عَلَيْهِ فِيهَا عَادَةً اسْمُ السَّكْرَانِ، فَهُوَ الْمُرَادُ بِالسَّكْرَانِ، قَال الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الأَْقْرَبُ. (15)
وَقِيل: السُّكْرُ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلإِْنْسَانِ مِنِ امْتِلاَءِ دِمَاغِهِ مِنَ الأَْبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ مِنَ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ، فَيَتَعَطَّل مَعَهُ الْعَقْل الْمُمَيِّزُ بَيْنَ الأُْمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ. (16) هـ - الصَّرْعُ:
6 - الصَّرْعُ لُغَةً: عِلَّةٌ تَمْنَعُ الدِّمَاغَ مِنْ فِعْلِهِ مَنْعًا غَيْرَ تَامٍّ، فَتَتَشَنَّجُ الأَْعْضَاءُ.
أَقْسَامُ الْجُنُونِ:
7 - جَاءَ فِي كَشْفِ الأَْسْرَارِ: الْجُنُونُ يَكُونُ أَصْلِيًّا إِذَا كَانَ لِنُقْصَانٍ جُبِل عَلَيْهِ دِمَاغُهُ وَطُبِعَ عَلَيْهِ فِي أَصْل الْخِلْقَةِ فَلَمْ يَصْلُحْ لِقَبُول مَا أُعِدَّ لِقَبُولِهِ مِنَ الْعَقْل، وَهَذَا النَّوْعُ مِمَّا لاَ يُرْجَى زَوَالُهُ.
وَيَكُونُ عَارِضًا: إِذَا زَال الاِعْتِدَال الْحَاصِل لِلدِّمَاغِ خِلْقَةً إِلَى رُطُوبَةٍ مُفْرِطَةٍ، أَوْ يُبُوسَةٍ مُتَنَاهِيَةٍ، وَهَذَا النَّوْعُ مِمَّا يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْعِلاَجِ بِمَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الأَْدْوِيَةِ. (17) وَالْجُنُونُ الأَْصْلِيُّ لاَ يُفَارِقُ الْعَارِضَ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَْحْكَامِ. (18)
8 - وَيَنْقَسِمُ الْجُنُونُ أَيْضًا إِلَى مُطْبِقٍ وَغَيْرِ مُطْبِقٍ:
وَالْمُرَادُ بِالْمُطْبِقِ الْمُلاَزِمُ الْمُمْتَدُّ. وَالاِمْتِدَادُ لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ عَامٌّ بَل يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْعِبَادَاتِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْهُمَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ قَال: إِنَّ قَدْرَ الاِمْتِدَادِ الْمُسْقِطِ فِي الصَّلَوَاتِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبِصَيْرُورَتِهَا سِتًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَفِي الصَّوْمِ بِاسْتِغْرَاقِ الشَّهْرِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَفِي الزَّكَاةِ بِاسْتِغْرَاقِ الْحَوْل كُلِّهِ فِي الأَْصَحِّ، وَغَيْرُ الْمُمْتَدِّ مَا كَانَ أَقَل مِنْ ذَلِكَ.
فَالْجُنُونُ إِنْ كَانَ مُمْتَدًّا سَقَطَ مَعَهُ وُجُوبُ الْعِبَادَاتِ فَلاَ تُشْغَل بِهَا ذِمَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمْتَدٍّ وَهُوَ طَارِئٌ لَمْ يَمْنَعِ التَّكْلِيفَ وَلاَ يَنْفِي أَصْل الْوُجُوبِ؛ لأَِنَّ الْوُجُوبَ بِالذِّمَّةِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ، وَلِذَلِكَ يَرِثُ وَيَمْلِكُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمْتَدٍّ، وَكَانَ أَصْلِيًّا فَحُكْمُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حُكْمُ الْمُمْتَدِّ؛ لأَِنَّهُ نَاطَ الإِْسْقَاطَ بِالْكُل مِنَ الاِمْتِدَادِ وَالأَْصَالَةِ، وَقَال أَبُو يُوسُفَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الطَّارِئِ فَيُنَاطُ الإِْسْقَاطُ بِالاِمْتِدَادِ (19) .
أَثَرُ الْجُنُونِ فِي الأَْهْلِيَّةِ:
9 - الْجُنُونُ مِنْ عَوَارِضِ أَهْلِيَّةِ الأَْدَاءِ وَهُوَ يُزِيلُهَا مِنْ أَصْلِهَا، فَلاَ تَتَرَتَّبُ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ آثَارُهَا الشَّرْعِيَّةُ؛ لأَِنَّ أَسَاسَ أَهْلِيَّةِ الأَْدَاءِ فِي الإِْنْسَانِ التَّمْيِيزُ وَالْعَقْل، وَالْمَجْنُونُ عَدِيمُ الْعَقْل وَالتَّمْيِيزِ.
وَلاَ يُؤَثِّرُ الْجُنُونُ فِي أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ؛ لأَِنَّهَا ثَابِتَةٌ لِكُل إِنْسَانٍ، فَكُل إِنْسَانٍ أَيًّا كَانَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ؛ لأَِنَّ أَهْلِيَّتَهُ لِلْوُجُوبِ هِيَ حَيَاتُهُ الإِْنْسَانِيَّةُ.
وَمَا وَجَبَ عَلَى الْمَجْنُونِ بِمُقْتَضَى أَهْلِيَّتِهِ لِلْوُجُوبِ مِنْ وَاجِبَاتٍ مَالِيَّةٍ يُؤَدِّيهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ. فَإِذَا جَنَى عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ يُؤَاخَذُ مَالِيًّا لاَ بَدَنِيًّا، فَفِي الْقَتْل يَضْمَنُ دِيَةَ الْقَتِيل وَلاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، لِقَوْل عَلِيٍّ ﵁: " عَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ " وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ مَال الْغَيْرِ. (20) وَتَفْصِيلُهُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
أَثَرُ الْجُنُونِ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ:
أ - فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ:
10 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجُنُونَ قَلِيلاً كَانَ أَوْ كَثِيرًا نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ. (21) كَمَا صَرَّحُوا بِأَنَّ كُل مَا يُبْطِل الْوُضُوءَ يُبْطِل التَّيَمُّمَ أَيْضًا. (22)
ب - أَثَرُ الْجُنُونِ فِي سُقُوطِ الصَّلاَةِ:
11 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمَجْنُونَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِأَدَاءِ الصَّلاَةِ فِي حَال جُنُونِهِ، فَلاَ تَجِبُ الصَّلاَةُ عَلَى مَجْنُونٍ لاَ يُفِيقُ؛ لأَِنَّ أَهْلِيَّةَ الأَْدَاءِ تَفُوتُ بِزَوَال الْعَقْل. (23) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا مَرْفُوعًا: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِل (24) .
وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بَعْدَ الإِْفَاقَةِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ مَا عَدَا مُحَمَّدًا إِلَى أَنَّ مَنْ جُنَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ أَفَاقَ قَضَى الْخَمْسَ، وَإِنْ زَادَ الْجُنُونُ وَقْتَ صَلاَةٍ سَادِسَةٍ لاَ يَقْضِي؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يَدْخُل فِي التَّكْرَارِ فَسَقَطَ الْقَضَاءُ لِلْحَرَجِ، وَقَال مُحَمَّدٌ: يَسْقُطُ الْقَضَاءُ إِذَا صَارَتِ الصَّلَوَاتُ سِتًّا وَدَخَل فِي السَّابِعَةِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَحْصُل بِهِ التَّكْرَارُ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فَأَقَامَا الْوَقْتَ فِي دُخُول الصَّلَوَاتِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ مَقَامَ الصَّلاَةِ تَيْسِيرًا، فَتُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ بِالسَّاعَاتِ. (25)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْجُنُونَ إِذَا ارْتَفَعَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ أَقَل مِنْ رَكْعَةٍ سَقَطَتِ الصَّلاَتَانِ، هَذَا إِذَا كَانَ فِي وَقْتٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ. (26) وَإِنْ بَقِيَ مَا يَسَعُ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ إِلَى تَمَامِ صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَبَتِ الأَْخِيرَةُ وَسَقَطَتِ الأُْولَى، وَإِنْ بَقِيَ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ بِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ مِنَ الصَّلاَةِ الأُْخْرَى وَجَبَتِ الصَّلاَتَانِ، وَإِنِ ارْتَفَعَ فِي وَقْتٍ مُخْتَصٍّ بِصَلاَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَبَتِ الْمُخْتَصَّةُ بِالْوَقْتِ. (27)
وَقَدْ فَصَّل الشَّافِعِيَّةُ الْكَلاَمَ فَقَالُوا: الْجُنُونُ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الصَّلاَةِ وَلَهُ ثَلاَثَةُ أَحْوَالٍ:
1 - لاَ تَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ الصَّلاَةُ وَلاَ قَضَاؤُهَا إِذَا اسْتَغْرَقَ الْوَقْتَ جَمِيعًا، قَل الْجُنُونُ أَوْ كَثُرَ.
2 - أَنْ يُوجَدَ فِي أَوَّل الْوَقْتِ، وَيَخْلُوَ آخِرَهُ: فَيُنْظَرُ إِنْ بَقِيَ الْوَقْتُ قَدْرَ رَكْعَةٍ، وَامْتَدَّتِ السَّلاَمَةُ مِنَ الْجُنُونِ قَدْرَ إِمْكَانِ الطَّهَارَةِ، وَتِلْكَ الصَّلاَةُ، لَزِمَهُ فَرْضُ الْوَقْتِ.
3 - أَنْ يَخْلُوَ أَوَّل الْوَقْتِ أَوْ أَوْسَطَهُ عَنِ الْجُنُونِ ثُمَّ يَطْرَأَ، فَفِي الْقَدْرِ الْمَاضِي مِنَ الْوَقْتِ: إِنْ كَانَ قَدْرًا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلاَةَ وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ قَوْلاً: أَنَّهُ لاَ يَجِبُ إِلاَّ إِذَا أَدْرَكَ جَمِيعَ الْوَقْتِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَاضِي مِنَ الْوَقْتِ لاَ يَسَعُ تِلْكَ الصَّلاَةَ، فَلاَ يَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ. (28)
وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَلاَ يَقْضِي الْمَجْنُونُ الصَّلاَةَ إِذَا أَفَاقَ لِعَدَمِ لُزُومِهَا لَهُ، إِلاَّ أَنْ يُفِيقَ فِي وَقْتِ الصَّلاَةِ فَيَصِيرُ كَالصَّبِيِّ يَبْلُغُ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ. . . (29) الْحَدِيثَ وَلأَِنَّ مُدَّتَهُ تَطُول غَالِبًا، فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ يَشُقُّ فَعُفِيَ عَنْهُ. (30)
ج - أَثَرُ الْجُنُونِ فِي الصَّوْمِ:
12 - اتَّفَقَ الأَْئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الْجُنُونَ مُسْقِطٌ لِلصَّوْمِ إِذَا كَانَ مُطْبِقًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَمْتَدَّ إِلَى أَنْ يَسْتَغْرِقَ شَهْرَ رَمَضَانَ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَشْهَدِ الشَّهْرَ، وَهُوَ السَّبَبُ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ، وَلِذَا فَلاَ يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْمَجْنُونِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ إِذَا أَفَاقَ فِي جُزْءٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إِلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ سَوَاءٌ أَفَاقَ لَيْلاً أَمْ نَهَارًا؛ لأَِنَّهُ شَهِدَ الشَّهْرَ، إِذِ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ. . .} (31) شُهُودُ بَعْضِهِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ أَرَادَ شُهُودَ كُلِّهِ لَوَقَعَ الصَّوْمُ بَعْدَ رَمَضَانَ، وَأَنَّهُ خِلاَفُ الإِْجْمَاعِ. قَال فِي شَرْحِ كَشْفِ الأَْسْرَارِ: ذَكَرَ فِي الْكَامِل نَقْلاً عَنْ شَمْسِ الأَْئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ، إِنَّهُ إِنْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّل لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَأَصْبَحَ مَجْنُونًا، وَاسْتَوْعَبَ الْجُنُونُ بَاقِيَ الشَّهْرِ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لأَِنَّ اللَّيْل لاَ يُصَامُ فِيهِ، فَكَانَ الْجُنُونُ وَالإِْفَاقَةُ فِيهِ سَوَاءً، وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنَ الشَّهْرِ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا.
وَفَرَّقَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي حُكْمِ الْجُنُونِ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ أَصْلِيًّا وَمَا إِذَا كَانَ عَارِضًا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي الشُّرُنْبُلاَلِيَّةِ: لَيْسَ عَلَى الْمَجْنُونِ الأَْصْلِيِّ قَضَاءُ مَا مَضَى مِنَ الأَْيَّامِ قَبْل إِفَاقَتِهِ فِي الأَْصَحِّ.
وَخُلاَصَةُ الْقَوْل: أَنَّهُ إِذَا اسْتَوْعَبَ الْجُنُونُ الشَّهْرَ كُلَّهُ لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ بِلاَ خِلاَفٍ مُطْلَقًا، وَإِلاَّ فَفِيهِ الْخِلاَفُ الْمَذْكُورُ. (32)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْمَجْنُونَ لاَ يَصِحُّ صَوْمُهُ وَلَكِنْ لاَ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ فِي الْمَشْهُورِ، وَقِيل: لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا كَثُرَ مِنَ السِّنِينَ.
وَهُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ عِنْدَهُمْ وَهُوَ: أَنَّهُ إِنْ بَلَغَ مَجْنُونًا لَمْ يَقْضِ بِخِلاَفِ مَنْ بَلَغَ صَحِيحًا ثُمَّ جُنَّ. (33) وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَهُوَ قَوْل زُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ لَوْ أَفَاقَ فِي بَعْضِ شَهْرِ رَمَضَانَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى كَالصَّبِيِّ إِذَا بَلَغَ، أَوِ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ فِي خِلاَل الشَّهْرِ. (34)
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْجُنُونَ حُكْمُهُ حُكْمُ الإِْغْمَاءِ، أَيْ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ. (35)
د - أَثَرُ الْجُنُونِ فِي الْحَجِّ:
13 - الْجُنُونُ كَمَا سَبَقَ مِنْ عَوَارِضِ الأَْهْلِيَّةِ، فَالْمَجْنُونُ لاَ يَتَأَتَّى مِنْهُ أَدَاءُ أَفْعَال الْحَجِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَهُوَ مَجْنُونٌ وَلَمْ يُفِقْ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يُجْزِئْهُ، ثُمَّ الْعَقْل شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يُحْرِمَ الْوَلِيُّ عَنِ الْمَجْنُونِ، وَلَكِنْ لَوْ وَجَبَ الْحَجُّ عَلَى الْمَجْنُونِ قَبْل طُرُوَّ جُنُونِهِ صَحَّ الإِْحْجَاجُ عَنْهُ، وَأَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَشَرْطُ الصِّحَّةِ الْمُطْلَقَةِ الإِْسْلاَمُ وَلَيْسَ الْعَقْل، فَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنِ الْمَجْنُونِ. (36) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حَجٌّ) . هـ - أَثَرُ الْجُنُونِ فِي الزَّكَاةِ:
14 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَال الْمَجْنُونِ وَيُخْرِجُهَا الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ، أَخْرَجَ الْمَجْنُونُ بَعْدَ الإِْفَاقَةِ زَكَاةَ مَا مَضَى، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ، فَلْيَتَّجِرْ لَهُ، وَلاَ يَتْرُكُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ (37) وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ ﵁، وَإِنَّمَا تَأْكُلُهُ الصَّدَقَةُ بِإِخْرَاجِهَا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إِخْرَاجُهَا إِذَا كَانَتْ وَاجِبَةً؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِمَال الْيَتِيمِ؛ وَلأَِنَّ الشَّارِعَ جَعَل مِلْكَ النِّصَابِ سَبَبًا فِي الزَّكَاةِ وَالنِّصَابُ مَوْجُودٌ، وَالْخِطَابُ بِإِخْرَاجِهَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَلِيِّ. (38) وَالْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ.
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ فِيهِمْ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَجَابِرٌ ﵃، وَبِهِ قَال جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي مَال. الْمَجْنُونِ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالْعِبَادَةِ، وَالزَّكَاةُ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ، فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ كَالصَّلاَةِ وَالْحَجِّ وَلِقَوْلِهِ ﷺ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِل (39) .
وَقَال عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَالنَّخَعِيُّ.
وَحَدُّ امْتِدَادِ الْجُنُونِ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ عِنْدَهُمْ أَنْ يَسْتَغْرِقَ الْحَوْل، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ امْتِدَادَهُ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ بِأَكْثَرِ السَّنَةِ وَنِصْفِ السَّنَةِ مُلْحَقٌ بِالأَْقَل؛ لأَِنَّ كُل وَقْتِهَا الْحَوْل، إِلاَّ أَنَّهُ مَدِيدٌ جِدًّا، فَقُدِّرَ بِأَكْثَرِ الْحَوْل عَمَلاً بِالتَّيْسِيرِ وَالتَّخْفِيفِ، فَإِنَّ اعْتِبَارَ أَكْثَرِ السَّنَةِ أَيْسَرُ وَأَخَفُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ مَجْنُونًا، وَهُوَ مَالِكٌ لِنِصَابٍ فَزَال جُنُونُهُ بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْل مِنْ وَقْتِ الْبُلُوغِ وَهُوَ مُفِيقٌ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لأَِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْجُنُونِ الأَْصْلِيِّ وَالْعَارِضِ، وَلاَ تَجِبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، بَل يَسْتَأْنِفُ الْحَوْل مِنْ وَقْتِ الإِْفَاقَةِ؛ لأَِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي بَلَغَ الآْنَ عِنْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الْجُنُونُ عَارِضًا فَزَال بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، تَجِبُ الزَّكَاةُ بِالإِْجْمَاعِ؛ لأَِنَّهُ زَال قَبْل الاِمْتِدَادِ عِنْدَ الْكُل. (40)
وَيُحْكَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالأَْوْزَاعِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحَال، لَكِنَّهُ لاَ يُخْرِجُ حَتَّى يُفِيقَ. (41) وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِفَاقَةٌ) .
أَمَّا زَكَاةُ زَرْعِ الْمَجْنُونِ فَلاَ خِلاَفَ فِي وُجُوبِهَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَال مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي مَال الْمَجْنُونِ فَيَضْمَنُهَا الْوَلِيُّ وَالْوَصِيُّ لَوْ أَدَّيَاهَا مِنْ مَالِهِ. (42)
و أَثَرُ الْجُنُونِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ:
15 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجُنُونَ كَالإِْغْمَاءِ وَالنَّوْمِ، بَل هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمَا فِي فَوَاتِ الاِخْتِيَارِ وَتَبْطُل عِبَارَاتُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالنَّائِمِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ، كَالطَّلاَقِ، وَالإِْسْلاَمِ، وَالرِّدَّةِ، وَالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهَا مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ، فَبُطْلاَنُهَا بِالْجُنُونِ أَوْلَى؛ لأَِنَّ الْمَجْنُونَ عَدِيمُ الْعَقْل وَالتَّمْيِيزِ وَالأَْهْلِيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﵊: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِل (43) وَمِثْل ذَلِكَ كُل تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ. (44)
ز - أَثَرُ الْجُنُونِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ:
16 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ كُل تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ يَصْدُرُ فِي حَال الْجُنُونِ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَالْمَجْنُونُ لاَ تَصِحُّ عُقُودُهُ لِرُجْحَانِ جَانِبِ الضَّرَرِ نَظَرًا إِلَى سَفَهِهِ، وَقِلَّةِ مُبَالاَتِهِ، وَعَدَمِ قَصْدِهِ الْمَصَالِحَ. (45)
ح - أَثَرُ الْجُنُونِ فِي التَّبَرُّعَاتِ:
17 - سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةَ لاَ تَصِحُّ مِنَ الْمَجْنُونِ؛ لأَِنَّ بِالْجُنُونِ تُسْلَبُ الْوِلاَيَاتُ، وَاعْتِبَارُ الأَْقْوَال، فَلاَ تَصِحُّ هِبَتُهُ وَلاَ صَدَقَتُهُ، وَلاَ وَقْفُهُ، وَلاَ وَصِيَّتُهُ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ؛ لأَِنَّ التَّصَرُّفَاتِ يُشْتَرَطُ فِيهَا كَمَال الْعَقْل، وَالْمَجْنُونُ مَسْلُوبُ الْعَقْل أَوْ مُخْتَلُّهُ، وَعَدِيمُ التَّمْيِيزِ وَالأَْهْلِيَّةِ، وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ (46) .
ط - أَثَرُ الْجُنُونِ فِي الْوِلاَيَةِ:
18 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْجُنُونَ يُزِيل الْوِلاَيَةَ؛ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ؛ وَلأَِنَّ الْوِلاَيَةَ إِنَّمَا ثَبَتَتْ نَظَرًا لِلْمُولَى عَلَيْهِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ لاَ عَقْل لَهُ لاَ يُمْكِنُهُ النَّظَرُ، وَأَيْضًا الْمَجْنُونُ لاَ يَلِي نَفْسَهُ، فَلاَ يَلِي غَيْرَهُ بِالأَْوْلَى. (47)
ي - جُنُونُ الْقَاضِي:
19 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً، فَلاَ يَصِحُّ قَضَاءُ الْمَجْنُونِ؛ لأَِنَّ الْقَضَاءَ وِلاَيَةٌ، وَالْمَجْنُونُ لاَ وِلاَيَةَ لَهُ؛ وَلأَِنَّ بِالْجُنُونِ تُسْلَبُ الْوِلاَيَاتُ وَاعْتِبَارُ الأَْقْوَال، وَكَذَلِكَ إِذَا جُنَّ الْقَاضِي فَيَنْعَزِل وَلاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ. وَإِذَا زَال الْجُنُونُ لاَ تَعُودُ وِلاَيَتُهُ، إِلاَّ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيَّةِ تَعُودُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ تَوْلِيَتِهِ (48) .
ك - أَثَرُ الْجُنُونِ فِي الْجِنَايَاتِ:
20 - تَقَدَّمَ أَنَّ الْجُنُونَ عَارِضٌ مِنْ عَوَارِضِ الأَْهْلِيَّةِ يَطْرَأُ عَلَى الْعَقْل فَيَذْهَبُ بِهِ، وَلِذَلِكَ تَسْقُطُ فِيهِ الْمُؤَاخَذَةُ وَالْخِطَابُ لِعَدَمِ وُجُودِ الْعَقْل الَّذِي هُوَ وَسِيلَةُ فَهْمِ دَلِيل التَّكْلِيفِ.
فَالْجُنُونُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالنِّسْبَةِ لِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى حَسَبَ الْبَيَانِ السَّابِقِ، وَلاَ حَدَّ عَلَى الْمَجْنُونِ، لأَِنَّهُ إِذَا سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ فِي الْعِبَادَاتِ، وَالإِْثْمُ فِي الْمَعَاصِي فَالْحَدُّ الْمَبْنِيُّ عَلَى الدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ أَوْلَى، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِحُقُوقِ الْعِبَادِ كَالضَّمَانِ وَنَحْوِهِ فَلاَ يَسْقُطُ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ تَكْلِيفًا لَهُ، بَل هُوَ تَكْلِيفٌ لِلْوَلِيِّ بِأَدَاءِ الْحَقِّ الْمَالِيِّ الْمُسْتَحَقِّ فِي مَال الْمَجْنُونِ، فَإِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ جَرَائِمُ، أُخِذَ بِهَا مَالِيًّا لاَ بَدَنِيًّا، وَإِذَا أَتْلَفَ مَال إِنْسَانٍ وَهُوَ مَجْنُونٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِذَا قَتَل فَلاَ قِصَاصَ وَتَجِبُ دِيَةُ الْقَتِيل، كَذَلِكَ لاَ يَتِمُّ إِحْصَانُ الرَّجْمِ وَالْقَذْفِ إِلاَّ بِالْعَقْل، فَالْمَجْنُونُ لاَ يَكُونُ مُحْصَنًا لأَِنَّهُ لاَ خِطَابَ بِدُونِ الْعَقْل. (49) لاَ جِزْيَةَ عَلَى الْمَجْنُونِ:
21 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لاَ جِزْيَةَ عَلَى الْمَجْنُونِ؛ لأَِنَّ الْجِزْيَةَ شُرِعَتْ جَزَاءً عَنِ الْكُفْرِ وَحَمْلاً لِلْكَافِرِ عَلَى الإِْسْلاَمِ، فَتَجْرِي مَجْرَى الْقَتْل، فَمَنْ لاَ يُعَاقَبُ بِالْقَتْل، لاَ يُؤْخَذُ بِالْجِزْيَةِ، وَالْمَجْنُونُ لاَ يَجُوزُ قَتْلُهُ، فَلاَ جِزْيَةَ عَلَيْهِ. (50) وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (جِزْيَةٌ) .
هَل يُعْتَبَرُ الْجُنُونُ عَيْبًا فِي النِّكَاحِ؟ :
22 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي النِّكَاحِ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْجُنُونَ فِي كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ يُعْتَبَرُ عَيْبًا يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ مُطْبِقًا كَانَ أَوْ مُتَقَطِّعًا، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالآْخَرِ جُنُونًا، يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ لِفَوَاتِ الاِسْتِمْتَاعِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، ثُمَّ اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ كَوْنَ الْجُنُونِ مَوْجُودًا حِينَ عُقِدَ النِّكَاحُ، فَإِنْ حَدَثَ بَعْدَهُ فَلاَ خِيَارَ لِلزَّوْجِ إِنِ ابْتُلِيَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ، وَلَهَا الْخِيَارُ إِنِ ابْتُلِيَ الزَّوْجُ بِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الدَّاخِل عَلَى الْمَرْأَةِ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَدْ صَرَّحُوا بِاشْتِرَاطِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْجُنُونِ حَال الْعَقْدِ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ، أَمَّا الْعَالِمُ بِهِ فَلاَ خِيَارَ لَهُ. (51)
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ خِيَارَ لِلزَّوْجِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ لاَ خِيَارَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْل عَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَابْنِ زِيَادٍ، وَأَبِي قِلاَبَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالأَْوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْخَطَّابِيِّ، وَفِي الْمَبْسُوطِ، أَنَّهُ مَذْهَبُ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ﵃، وَيَرَى مُحَمَّدٌ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ؛ لأَِنَّهُ لاَ تَنْتَظِمُ بَيْنَهُمَا الْمَصَالِحُ، فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا بِخِلاَفِ الزَّوْجِ؛ لأَِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ بِالطَّلاَقِ. (52)
طُرُوءُ الْجُنُونِ عَلَى مَنْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ:
23 - سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةَ لاَ تَصِحُّ مِنَ الْمَجْنُونِ، كَمَا أَنَّ الْعُقُوبَةَ الْبَدَنِيَّةَ تَسْقُطُ عَنْهُ إِذَا ارْتَكَبَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوِ الْحَدَّ.
لَكِنْ إِذَا تَصَرَّفَ وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ أَثْنَاءَ سَرَيَانِ التَّصَرُّفِ وَمُبَاشَرَتِهِ، كَمَا هُوَ الْحَال فِي الْوَصِيَّةِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالشَّرِكَةِ مَثَلاً، أَوْ كَانَ ارْتَكَبَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، أَوِ الْحَدَّ وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ قَبْل الْقِصَاصِ، أَوْ قَبْل إِقَامَةِ الْحَدِّ، فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ، وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ حُكْمِ بَعْضِ الْمَسَائِل.
أَوَّلاً - فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ:
أ - الْوَصِيَّةُ:
24 - لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنَ الْمَجْنُونِ ابْتِدَاءً وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. أَمَّا إِذَا أَوْصَى الْعَاقِل ثُمَّ جُنَّ فَقَدْ قَال الْكَاسَانِيُّ: لَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ جَائِزٌ (أَيْ غَيْرُ لاَزِمٍ) كَالْوَكَالَةِ فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الإِْنْشَاءِ كَالْوَكَالَةِ، فَتُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ الْعَقْدِ إِلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، وَنَصَّ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ ثُمَّ جُنَّ، فَإِنْ أَطْبَقَ الْجُنُونُ حَتَّى بَلَغَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ بَطَلَتْ وَإِلاَّ فَلاَ. (53) وَظَاهِرُ كَلاَمِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَبْطُل بِجُنُونِ الْمُوصِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ. فَقَدْ قَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنَ الْمَجْنُونِ إِلاَّ حَال إِفَاقَتِهِ. (54) وَفِي قَوَاعِدِ الأَْحْكَامِ: إِذَا جُنَّ الْمُوجِبُ بَيْنَ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول بَطَل إِيجَابُهُ بِخِلاَفِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا لاَ تَبْطُل بِالْمَوْتِ فَالأَْوْلَى أَنْ لاَ تَبْطُل بِمَا دُونَهُ. (55)
وَفِي شَرْحِ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ مَنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانًا وَوَصَّى فِي إِفَاقَتِهِ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ. (56)
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوصِي.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَصِيِّ فَالأَْصْل أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً؛ لأَِنَّ الْمَجْنُونَ لاَ يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي شُؤُونِ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الأَْوْلَى. فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ، تَبَعًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي الْوَقْتِ الْمُعْتَبَرِ لِتَوَافُرِ الْعَقْل فِيهِ، وَذَلِكَ عَلَى الاِتِّجَاهَاتِ التَّالِيَةِ:
أ - يُعْتَبَرُ اشْتِرَاطُ تَوَافُرِ الْعَقْل عِنْدَ الإِْيصَاءِ مِنَ الْمُوصِي وَعِنْدَ مَوْتِهِ دُونَ اعْتِبَارِ مَا بَيْنَهُمَا حَتَّى لَوْ أَوْصَى إِلَى الْعَاقِل ثُمَّ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ فَجُنَّ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَقَبْل الْمَوْتِ ثُمَّ عَادَ فَكَانَ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي عَاقِلاً صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ الشَّرْطَ مَوْجُودٌ حَال الْعَقْدِ وَحَال الْمَوْتِ فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ لَمْ تَتَغَيَّرْ حَالُهُ؛ وَلأَِنَّ حَال الْعَقْدِ حَال الإِْيجَابِ، وَحَال الْمَوْتِ حَال التَّصَرُّفِ فَاعْتُبِرَ فِيهِمَا. وَهَذَا هُوَ الأَْصْل عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. (57)
ب - يُعْتَبَرُ اشْتِرَاطُ الْعَقْل فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ عِنْدَ الإِْيصَاءِ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى وَقْتِ الْمَوْتِ أَيِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ جُنَّ الْمُوصِي بَعْدَ الإِْيصَاءِ إِلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ؛ لأَِنَّ كُل وَقْتٍ مِنْ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ فِيهِ التَّصَرُّفَ بِأَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي فَاعْتُبِرَتِ الشُّرُوطُ فِي الْجَمِيعِ، وَبِهَذَا قَال الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَاحْتِمَالٌ لِلْحَنَابِلَةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي. (58)
ج - يُعْتَبَرُ اشْتِرَاطُ الْعَقْل عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَقَطْ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْصَى إِلَى مَجْنُونٍ فَأَفَاقَ قَبْل وَفَاةِ الْمُوصِي صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ؛ لأَِنَّ التَّصَرُّفَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَاعْتُبِرَتِ الشُّرُوطُ عِنْدَهُ كَمَا تُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الشُّهُودِ عِنْدَ الأَْدَاءِ، أَوِ الْحُكْمِ دُونَ التَّحَمُّل، وَهَذَا هُوَ الأَْصَحُّ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ شَرْحِ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ. (59)
وَإِذَا طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى الْوَصِيِّ بَعْدَ انْتِقَال الْوِصَايَةِ إِلَيْهِ بِمَوْتِ الْمُوصِي انْعَزَل عَنِ الْوِصَايَةِ فَإِذَا أَفَاقَ فَلاَ تَعُودُ الْوِصَايَةُ إِلَيْهِ إِلاَّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ كَمَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ يَنْعَزِل الْوَصِيُّ بِالْجُنُونِ وَلاَ تَعُودُ الْوِلاَيَةُ بَعْدَ الإِْفَاقَةِ إِلاَّ بِتَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ. وَفِي الْمُغْنِي وَكَشَّافِ الْقِنَاعِ: إِنْ زَالَتِ الْوِصَايَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَانْعَزَل ثُمَّ عَادَتِ الصِّفَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ لَمْ تَعُدْ وِصَايَتُهُ؛ لأَِنَّهَا زَالَتْ فَلاَ تَعُودُ إِلاَّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، قَال فِي الْكَشَّافِ: إِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ قَال الْمُوصِي مَثَلاً: إِنِ انْعَزَلْتَ لِفَقْدِ صِفَةٍ ثُمَّ عُدْتَ إِلَيْهَا فَأَنْتَ وَصِيِّي.
لَكِنْ فِي مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ وَشَرْحِهِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَقَدْ جَاءَ فِيهِ: إِنْ عَادَ الْوَصِيُّ إِلَى حَالِهِ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ عَادَ إِلَى عَمَلِهِ لِزَوَال الْمَانِعِ. (60)
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا يُفِيدُ بَقَاءَهُ إِنْ لَمْ يُعْزَل قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْخَانِيَّةِ: لَوْ جُنَّ الْوَصِيُّ مُطْبِقًا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُبَدِّلَهُ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَل حَتَّى أَفَاقَ فَهُوَ عَلَى وِصَايَتِهِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَنْعَزِل الْوَصِيُّ بِالْجُنُونِ وَيُقِيمُ الْحَاكِمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ. (61)
ب - طُرُوءُ الْجُنُونِ عَلَى الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ:
25 - يُشْتَرَطُ فِي الْوَلِيِّ أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً وَالْمَجْنُونُ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْوِلاَيَةِ؛ لأَِنَّهُ لاَ وِلاَيَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ وِلاَيَةٌ عَلَى غَيْرِهِ.
وَإِذَا طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى مَنْ لَهُ وِلاَيَةُ النِّكَاحِ، فَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ مُطْبِقًا سُلِبَتْ وِلاَيَتُهُ وَانْتَقَلَتْ لِمَنْ بَعْدَهُ، وَلاَ يُنْتَظَرُ إِفَاقَتُهُ فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ، وَإِنَّمَا يُزَوِّجُهَا مَنِ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ الْوِلاَيَةُ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ.
وَإِنْ كَانَ الْجُنُونُ غَيْرَ مُطْبِقٍ تَثْبُتُ لَهُ الْوِلاَيَةُ فِي حَال إِفَاقَتِهِ لأَِنَّهُ لاَ يَسْتَدِيمُ زَوَال عَقْلِهِ فَهُوَ كَالإِْغْمَاءِ، فَلاَ تُزَوَّجُ مُوَلِّيَتُهُ بَل تَنْتَظِرُ إِفَاقَتَهُ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ لاَ تُسْلَبُ وِلاَيَةُ الْمَجْنُونِ وَلَوْ مُطْبِقًا، وَلاَ تُزَوَّجُ ابْنَتُهُ لأَِنَّ بُرْأَهُ مَرْجُوٌّ، قَالَهُ التَّتَائِيُّ.
وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْجُنُونَ سَالِبٌ لِلْوِلاَيَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُطْبِقًا أَمْ مُنْقَطِعًا. (62)
وَلَوْ زَال الْجُنُونُ عَادَتِ الْوِلاَيَةُ لِزَوَال الْمَانِعِ، وَإِنْ زَوَّجَهَا مَنِ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ الْوِلاَيَةُ فَقَدْ قَال الشَّافِعِيَّةُ عَلَى مَا جَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: لَوْ زَوَّجَ الأَْبْعَدُ فَادَّعَى الأَْقْرَبُ أَنَّهُ زَوَّجَ بَعْدَ تَأَهُّلِهِ، قَال الْمَاوَرْدِيُّ: فَلاَ اعْتِبَارَ بِهِمَا، وَالرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى قَوْل الزَّوْجَيْنِ؛ لأَِنَّ الْعَقْدَ لَهُمَا فَلاَ يُقْبَل فِيهِ قَوْل غَيْرِهِمَا، وَجَزَمَ فِيمَا لَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ تَأَهُّل الأَْقْرَبِ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِذَلِكَ أَمْ لَمْ يَعْلَمْهُ. (63)
وَفِي الْمُهَذَّبِ قَال: إِنْ زَوَّجَهَا مَنِ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ الْوِلاَيَةُ قَبْل أَنْ يَعْلَمَ بِعَوْدَةِ وِلاَيَةِ الأَْوَّل فَفِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَكِيل إِذَا بَاعَ مَا وُكِّل فِي بَيْعِهِ قَبْل أَنْ يَعْلَمَ بِالْعَزْل. (64)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ زَوَّجَ مَنِ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ الْوِلاَيَةُ وَكَانَ الأَْقْرَبُ قَدْ صَارَ أَهْلاً بَعْدَ إِفَاقَتِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ التَّزْوِيجِ أَنَّهُ صَارَ أَهْلاً وَإِنَّمَا عَلِمَ أَنَّهُ عَادَ أَهْلاً بَعْدَ تَزْوِيجِهَا لَمْ يُعَدِ الْعَقْدُ. وَكَذَا إِنْ زَال الْمَانِعُ وَصَارَ أَهْلاً بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يُعَدِ الْعَقْدُ. (65)
ج - طُرُوءُ الْجُنُونِ عَلَى الْحَاضِنِ:
26 - يُشْتَرَطُ فِي الْحَاضِنِ الْعَقْل فَلاَ حَضَانَةَ لِمَجْنُونٍ، وَإِذَا كَانَ الْحَاضِنُ عَاقِلاً ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ زَالَتْ وِلاَيَةُ الْحَضَانَةِ وَانْتَقَلَتْ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الأَْوْلِيَاءِ. وَتَعُودُ الْحَضَانَةُ بِزَوَال الْجُنُونِ لِزَوَال الْمَانِعِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: يَعُودُ الْحَقُّ بِزَوَال مَانِعِهِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ قَبِيل عَدَدِ السَّاقِطِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ كَقَوْلِهِمْ: تَسْقُطُ الْوِلاَيَةُ بِالْجُنُونِ ثُمَّ تَعُودُ بِزَوَال ذَلِكَ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. (66)
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (حَضَانَةٌ) . د - طُرُوءُ الْجُنُونِ عَلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ:
27 - إِذَا طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ زَالَتْ وِلاَيَتُهُ، فَإِذَا زَال الْجُنُونُ وَأَفَاقَ عَادَتْ وِلاَيَتُهُ عَلَى الْوَقْفِ. (67) وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (وَقْفٌ) .
هـ - الْوَكَالَةُ:
28 - طُرُوءُ الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ عَلَى الْمُوَكِّل أَوِ الْوَكِيل يُبْطِل عَقْدَ الْوَكَالَةِ؛ لأَِنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ (غَيْرُ لاَزِمٍ) فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الإِْنْشَاءِ، وَالْوَكَالَةُ تَعْتَمِدُ الْعَقْل فِي الْمُوَكِّل وَالْوَكِيل، فَإِذَا انْتَفَى الْعَقْل انْتَفَتْ صِحَّةُ الْوَكَالَةِ لاِنْتِفَاءِ مَا تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. (68)
لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ: إِذَا كَانَتِ الْوَكَالَةُ لاَزِمَةً بِحَيْثُ لاَ يَمْلِكُ الْمُوَكِّل عَزْل الْوَكِيل كَالْعَدْل إِذَا سُلِّطَ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ، وَكَانَ التَّسْلِيطُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلاَ يَنْعَزِل الْوَكِيل بِجُنُونِ الْمُوَكِّل، وَإِنْ كَانَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا؛ لأَِنَّ الْوَكَالَةَ مَتَى كَانَتْ لاَزِمَةً بِحَيْثُ لاَ يَقْدِرُ الْمُوَكِّل عَلَى عَزْل الْوَكِيل لاَ يَكُونُ لِبَقَاءِ الْوَكَالَةِ حُكْمُ الإِْنْشَاءِ، وَكَانَ الْوَكِيل فِي هَذِهِ الْوَكَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْمُوَكِّل عَزْلَهُ، وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ثُمَّ جُنَّ الْمُمَلَّكُ فَإِنَّهُ لاَ يَبْطُل مِلْكُهُ كَمَا لَوْ مَلَكَ عَيْنًا فَكَذَا إِذَا مَلَكَ التَّصَرُّفَ.
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلاَتٌ تُنْظَرُ فِي: (وَكَالَةٌ) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا: إِذَا أَفَاقَ الْمُوَكِّل بَعْدَ جُنُونِهِ تَعُودُ الْوَكَالَةُ، وَلاَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ بِإِفَاقَةِ الْوَكِيل بَعْدَ جُنُونِهِ؛ لأَِنَّ الْجُنُونَ مُبْطِلٌ لِلأَْهْلِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَحْتَمِل الْعَوْدَ إِلاَّ عَلَى سَبِيل النُّدْرَةِ. (69)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ بِإِفَاقَةِ أَحَدِهِمَا، فَقَدْ جَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ يَنْعَزِل الْوَكِيل بِخُرُوجِ الْمُوَكِّل أَوِ الْوَكِيل عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِجُنُونٍ وَإِنْ زَال عَنْ قُرْبٍ؛ لأَِنَّهُ لَوْ قَارَنَ مَنْعَ الاِنْعِقَادِ، فَإِذَا طَرَأَ قَطَعَهُ. (70)
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَال الدُّسُوقِيُّ: لاَ يَنْعَزِل الْوَكِيل بِجُنُونِهِ أَوْ جُنُونِ مُوَكِّلِهِ، إِلاَّ أَنْ يَطُول جُنُونُ الْمُوَكِّل جِدًّا، فَيَنْظُرُ لَهُ الْحَاكِمُ.
وَفِي مِنَحِ الْجَلِيل قَال ابْنُ عَرَفَةَ نَقْلاً عَنِ الْمَازِرِيِّ: جُنُونُ الْوَكِيل لاَ يُوجِبُ عَزْلَهُ إِنْ بَرَأَ، فَكَذَا جُنُونُ الْمُوَكِّل وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ. (71)
وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلاَتٌ كَثِيرَةٌ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَكَالَةٌ) .
وَالْكَلاَمُ فِي الْوَكَالَةِ يُعْتَبَرُ مِثَالاً لِلْعُقُودِ الْجَائِزَةِ كَالشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْجَعَالَةِ، وَغَيْرِهَا، وَهِيَ تَبْطُل بِجُنُونِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَبْطُل الشَّرِكَةُ بِجُنُونِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ جُنُونًا مُطْبِقًا، فَالشَّرِكَةُ قَائِمَةٌ إِلَى أَنْ يَتِمَّ إِطْبَاقُ الْجُنُونِ فَتَنْفَسِخُ، فَإِذَا عَمِل بَعْدَ ذَلِكَ فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْعَامِل وَالْخَسَارَةُ عَلَيْهِ. (72)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمُوا عَلَى بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِجُنُونِ الْمُوَكِّل أَوِ الْوَكِيل قَالُوا: وَكَذَلِكَ كُل عَقْدٍ جَائِزٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ كَشَرِكَةٍ، وَمُضَارَبَةٍ، وَجَعَالَةٍ، يَبْطُل بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقِ مِنْ أَحَدِهِمَا. (73)
وَتُنْظَرُ التَّفْصِيلاَتُ فِي أَبْوَابِهَا.
و طُرُوءُ الْجُنُونِ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ:
أ - فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ:
29 - خِيَارُ الْمَجْلِسِ يَجْعَل الْعَقْدَ غَيْرَ لاَزِمٍ إِلَى أَنْ يَتِمَّ التَّفَرُّقُ مِنَ الْمَجْلِسِ أَوْ يَتِمَّ التَّخَايُرُ، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يَقُول بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَإِذَا طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَبْل التَّفَرُّقِ أَوِ التَّخَايُرِ، فَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ انْتِقَال الْخِيَارِ إِلَى الْوَلِيِّ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَالْمُوَكَّل عِنْدَ مَوْتِ الْوَكِيل، وَإِلَى السَّيِّدِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ، أَوِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ أَنَّ الْخِيَارَ يَسْقُطُ؛ لأَِنَّ مُفَارَقَةَ الْعَقْل لَيْسَتْ أَوْلَى مِنْ مُفَارَقَةِ الْمَكَانِ. (74)
وَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، كَمَا فِي الإِْنْصَافِ وَغَيْرِهِ، أَنَّ الْجُنُونَ الطَّارِئَ لاَ يَقْطَعُ الْخِيَارَ، وَالْمَجْنُونُ عَلَى خِيَارِهِ إِذَا أَفَاقَ مِنْ جُنُونِهِ، وَلاَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِوَلِيِّهِ؛ لأَِنَّ الرَّغْبَةَ فِي الْمَبِيعِ وَعَدَمِهِ، لاَ تُعْلَمُ إِلاَّ مِنْ جِهَتِهِ. وَقِيل: وَلِيُّهُ أَيْضًا يَلِيهِ فِي حَال جُنُونِهِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. (75)
وَيَتَوَجَّهُ كَمَا فِي مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى، أَنَّ انْتِقَال الْخِيَارِ إِلَى الْوَلِيِّ إِنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ، لِلْيَأْسِ مِنْ إِفَاقَتِهِ، قَال: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ. (76)
ب - فِي خِيَارِ الشَّرْطِ:
30 - فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إِذَا طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لاَ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ، وَيَقُومُ وَلِيُّهُ أَوِ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ، فَيَفْعَل مَا فِيهِ الْحَظُّ مِنَ الْفَسْخِ أَوِ الإِْجَازَةِ. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلنَّوَوِيِّ: إِذَا جُنَّ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَأَقَامَ الْقَاضِي قَيِّمًا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْخِيَارِ، فَفَسَخَ الْقَيِّمُ أَوْ أَجَازَ، فَأَفَاقَ الْعَاقِدُ وَادَّعَى أَنَّ الْغِبْطَةَ خِلاَفُ مَا فَعَلَهُ الْقَيِّمُ، قَال الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ: يَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ وَجَدَ الأَْمْرَ كَمَا يَقُول الْمُفِيقُ مَكَّنَهُ مِنَ الْفَسْخِ وَالإِْجَازَةِ، وَنَقَضَ فِعْل الْقَيِّمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَاهُ الْمُفِيقُ ظَاهِرًا، فَالْقَوْل قَوْل الْقَيِّمِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لأَِنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فَعَلَهُ، إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ الْمُفِيقُ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ. (77)
وَقَدْ فَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فِي طُرُوءِ الْجُنُونِ عَلَى أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، قَالُوا: إِذَا جُنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لاَ يُفِيقُ أَوْ يُفِيقُ بَعْدَ وَقْتٍ طَوِيلٍ يَضُرُّ الاِنْتِظَارُ إِلَيْهِ بِالْعَاقِدِ الآْخَرِ، فَإِنَّ السُّلْطَانَ أَوْ نَائِبَهُ يَنْظُرُ لَهُ فِي الأَْصْلَحِ مِنْ إِمْضَاءٍ أَوْ رَدٍّ.
أَمَّا إِنْ كَانَ يُفِيقُ بَعْدَ أَيَّامِ الْخِيَارِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا بِقُرْبٍ، بِحَيْثُ لاَ يَضُرُّ الصَّبْرُ إِلَيْهِ عَلَى الآْخَرِ فَإِنَّهُ تُنْتَظَرُ إِفَاقَتُهُ وَلاَ يَنْظُرُ السُّلْطَانُ.
وَلَوْ لَمْ يَنْظُرِ السُّلْطَانُ حَتَّى مَضَى يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ مِنْ أَيَّامِ الْخِيَارِ فَزَال الْجُنُونُ احْتَسَبَ مَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَلَوْ لَمْ يَنْظُرِ السُّلْطَانُ حَتَّى أَفَاقَ بَعْدَ أَمَدِ الْخِيَارِ لاَ يُسْتَأْنَفُ لَهُ أَجَلٌ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْمَبِيعُ لاَزِمٌ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ.
وَإِذَا نَظَرَ السُّلْطَانُ فِي الأَْصْلَحِ مِنَ الإِْمْضَاءِ أَوِ الرَّدِّ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ فَلاَ يُعْتَبَرُ اخْتِيَارُهُ بَل مَا نَظَرَهُ السُّلْطَانُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ. (78)
وَاعْتَبَرَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى مَا جَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ أَنَّ الْجُنُونَ الطَّارِئَ عَلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ هُوَ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي يَنْفُذُ بِهَا الْبَيْعُ إِذَا مَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ وَهُوَ عَلَى جُنُونِهِ.
وَلَوْ أَفَاقَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَقَدْ حُكِيَ عَنِ الطَّوَاوِيسِيِّ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ عَلَى خِيَارِهِ.
وَقَال الإِْسْبِيجَابِيُّ وَشَمْسُ الأَْئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الأَْصَحُّ أَنَّهُ عَلَى خِيَارِهِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْمَأْذُونِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَقَال فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الْجُنُونَ لاَ يُسْقِطُ الْخِيَارَ. (79)
طُرُوءُ الْجُنُونِ عَلَى الْمُوجِبِ قَبْل الْقَبُول:
31 - تَحَدَّثَ الْفُقَهَاءُ عَمَّا لَوْ طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى الْمُوجِبِ فِي الْعَقْدِ قَبْل قَبُول الطَّرَفِ الآْخَرِ. قَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ جُنَّ الْمُوجِبُ بَيْنَ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول بَطَل إِيجَابُهُ. (80)
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ أَوْجَبَ النِّكَاحَ ثُمَّ زَال عَقْلُهُ بِجُنُونٍ بَطَل حُكْمُ الإِْيجَابِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ بِالْقَبُول بَعْدَهُ. (81)
وَتُنْظَرُ تَفْصِيلاَتُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ.
طُرُوءُ الْجُنُونِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ أَوْ حَدٌّ:
أ - فِي الْقِصَاصِ:
32 - لاَ خِلاَفَ أَنَّ مَنْ قَتَل غَيْرَهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ (82) وَلأَِنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ.
أَمَّا مَنِ ارْتَكَبَ جَرِيمَةَ الْقَتْل وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لاَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقِصَاصُ، وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي حَال جُنُونِهِ سَوَاءٌ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ الْجِنَايَةُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ؛ لأَِنَّ رُجُوعَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ. (83)
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَهُمْ تَفْصِيلٌ آخَرُ، قَالُوا: إِنْ جُنَّ الْقَاتِل قَبْل الْقَضَاءِ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَقَبْل دَفْعِهِ لِلْوَلِيِّ سَقَطَ الْقِصَاصُ اسْتِحْسَانًا، وَانْقَلَبَ دِيَةً فِي مَالِهِ لِتَمَكُّنِ الْخَلَل فِي الْوُجُوبِ، وَإِنْ جُنَّ بَعْدَ دَفْعِهِ لأَِوْلِيَاءِ الْقَتِيل فَلَهُمْ قَتْلُهُ؛ لأَِنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مُخَاطَبًا حَال الْوُجُوبِ، وَذَلِكَ بِالْقَضَاءِ وَيَتِمُّ بِالدَّفْعِ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيل، وَهَذَا فِيمَنْ كَانَ جُنُونُهُ مُطْبِقًا، أَمَّا مَنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي إِفَاقَتِهِ. (84)
وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَال الْمَالِكِيَّةِ: فَعِنْدَ مَالِكٍ يُنْتَظَرُ إِفَاقَةُ الْمَجْنُونِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ حَال إِفَاقَتِهِ. قَال ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِنْ أَيِسَ مِنْ إِفَاقَتِهِ كَانَتِ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَلاَ يُقْتَل وَهُوَ مَجْنُونٌ، وَقَال الْمُغِيرَةُ: يُسَلَّمُ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُول إِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُلْزِمُوهُ الدِّيَةَ، وَقَال اللَّخْمِيُّ: أَرَى أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لأَِوْلِيَاءِ الْمَقْتُول فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ مِنْ مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلاَّ اتَّبَعُوهُ بِهَا.
وَلَوْ أَشْكَل عَلَى الْبَيِّنَةِ أَقَتَل فِي حَال عَقْلِهِ أَوْ جُنُونِهِ، فَقَال بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لأَِنَّهُ شَكَّ فِي الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَتَل حَال كَوْنِهِ فِي عَقْلِهِ. (85)
ب - فِي الْحُدُودِ:
33 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ - بِالنِّسْبَةِ لِحَدِّ الرِّدَّةِ - عَلَى أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ، فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَال جُنُونِهِ، بَل يُنْتَظَرُ حَتَّى يُفِيقَ وَيُسْتَتَابَ؛ لأَِنَّهُ قَدْ يَعْقِل وَيَعُودُ إِلَى الإِْسْلاَمِ؛ وَلأَِنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَل بِالإِْصْرَارِ عَلَى الرِّدَّةِ، وَالْمَجْنُونُ لاَ يُوصَفُ بِالإِْصْرَارِ وَلاَ يُمْكِنُ اسْتِتَابَتُهُ.
هَذَا وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ مَنِ ارْتَدَّ وَاسْتُتِيبَ فَلَمْ يَتُبْ ثُمَّ جُنَّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ حَال جُنُونِهِ، وَلَمْ أَعْثُرْ عَلَى مِثْل هَذَا الْحُكْمِ عِنْدَ غَيْرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ قَوَاعِدُهُمْ لاَ تَأْبَاهُ؛ لأَِنَّ الْغَايَةَ مِنِ انْتِظَارِ إِفَاقَتِهِ هِيَ الاِسْتِتَابَةُ وَقَدْ حَصَلَتْ. (86)
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ فَهُنَاكَ فَرْقٌ بَيِّنٌ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ، وَبَيْنَ مَا يَثْبُتُ بِالإِْقْرَارِ وَمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
جَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: مَنْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ جُنَّ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ احْتِيَاطًا؛ لأَِنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ عَنِ الإِْقْرَارِ، فَلَوِ اسْتُوْفِيَ مِنْهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ أَقَرَّ بِقَذْفٍ ثُمَّ جُنَّ فَإِنَّهُ يُسْتَوْفَى مِنْهُ فِي جُنُونِهِ لأَِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ بِرُجُوعِهِ. (87)
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ جُنَّ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَال جُنُونِهِ؛ لأَِنَّ رُجُوعَهُ يُقْبَل، فَيُحْتَمَل أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا رَجَعَ. (88)
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ مَنِ ارْتَكَبَ مَا يُوجِبُ حَدًّا ثُمَّ جُنَّ فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَتَّى يُفِيقَ. (89)
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي أَبْوَابِهِ مِنْ: (زِنًى، وَقَذْفٌ، وَسَرِقَةٌ. . . إِلَخْ) .
__________
(1) لسان العرب، والصحاح مادة: (جنن) .
(2) التعريفات للجرجاني مادة (جنون) .
(3) الفتاوى الأنقروية 1 / 159 ط بولاق، وكشاف اصطلاحات الفنون 1 / 380 ط 1382 هـ وابن عابدين 1 / 426.
(4) هامش الفتاوى الأنقروية نقلا عن البحر الرائق 1 / 276.
(5) القاموس ومختار الصحاح، والمصباح المنير مادة: (دهش) .
(6) ابن عابدين 2 / 426، 427 ط دار إحياء التراث العربي.
(7) المصباح المنير في المادة.
(8) كشف الأسرار 4 / 274، وابن عابدين 2 / 426، والمصباح المنير، ومختار الصحاح في المادة.
(9) ابن عابدين 2 / 426، 427 ومجلة الأحكام م (945) .
(10) ابن عابدين 2 / 423، وكشف الأسرار 4 / 369، والمصباح المنير مادة: (سفه) .
(11) القليوبي 3 / 364.
(12) جواهر الإكليل 1 / 161 ط دار المعرفة.
(13) ابن عابدين 2 / 423، وكشف الأسرار 4 / 263، ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 287.
(14) القليوبي 3 / 333، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 217.
(15) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 217، وابن عابدين 2 / 423، وكشف الأسرار 4 / 263، والقليوبي 3 / 323، 333، وروضة الطالبين 8 / 62، 63.
(16) ابن عابدين 1 / 97، والقليوبي 3 / 333.
(17) كشف الأسرار 4 / 263.
(18) كشف الأسرار 4 / 266.
(19) كشف الأسرار 4 / 263، 264 وما بعدها، وابن عابدين 1 / 516، وتيسير التحرير 2 / 261.
(20) الاختيار 5 / 28، 3 / 124، والقوانين الفقهية ص 325، وروضة الطالبين 4 / 177، وكشف الأسرار 4 / 263.
(21) ابن عابدين 1 / 97، وحاشية الدسوقي 1 / 118 ط دار المعرفة، والقوانين الفقهية ص 29، وروضة الطالبين 1 / 74، والمغني 1 / 172.
(22) ابن عابدين 1 / 169، وحاشية الدسوقي 1 / 158، وروضة الطالبين 1 / 115، والمغني 1 / 272.
(23) كشف الأسرار 4 / 264، والاختيار 1 / 135، والقوانين الفقهية ص 49، وروضة الطالبين 1 / 186 وما بعدها، والمغني 1 / 400، وكشاف القناع 1 / 223.
(24) حديث: " رفع القلم عن ثلاثة. . . . " أخرجه أبو داود (4 / 560 ط عزت عبيد الدعاس) والحاكم (2 / 59 ط دار الكتاب العربي) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم.
(25) كشف الأسرار 4 / 266، 267، وابن عابدين 1 / 512، والاختيار 1 / 77.
(26) الوقت المشترك هو آخر وقت صلاة وأول وقت صلاة تالية يصلح لأداء إحداهما كالظهر والعصر يشتركان بقدر أربع ركعات في الحضر وركعتين في السفر (الدسوقي 1 / 177) .
(27) القوانين الفقهية ص 49.
(28) روضة الطالبين 1 / 186، 188 وما بعدها.
(29) حديث: " رفع القلم عن ثلاثة. . . " سبق تخريجه (ف 11) .
(30) المغني 1 / 400، وكشاف القناع 1 / 223، 224.
(31) سورة البقرة / 185.
(32) الاختيار 1 / 135، وابن عابدين 2 / 123، 124، وكشف الأسرار 4 / 267.
(33) القوانين الفقهية ص 118.
(34) كشف الأسرار 4 / 264، وروضة الطالبين 2 / 366.
(35) المغني 3 / 99.
(36) الاختيار 1 / 140، وابن عابدين 2 / 140، 147، 239، 240، وفتح القدير 2 / 321، وحاشية الدسوقي 2 / 3، والقوانين الفقهية ص 132، والقليوبي 2 / 84، 2 / 115، 2 / 84، والجمل 2 / 375، 377، وروضة الطالبين 3 / 12، 13، والمغني 218، 219، 249، 416، وكشاف القناع 2 / 378.
(37) حديث: " من ولي يتيما له مال. . . " أخرجه الدارقطني (2 / 110 ط شركة الطباعة الفنية) والترمذي (3 / 23 ط مصطفى الحلبي) من حديث عبد الله بن عمرو وضعف الحديث الترمذي. وابن حجر في التلخيص الحبير (2 / 157 ط شركة الطباعة الفنية) .
(38) حاشية الدسوقي 1 / 445، وجواهر الإكليل 1 / 126، 127، والشرح الصغير 1 / 589، وابن رشد 1 / 251، وروضة الطالبين 2 / 149، والمغني 2 / 622، 623، ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 74، 75.
(39) حديث: " رفع القلم عن ثلاثة. . . " سبق تخريجه (ف 11) .
(40) ابن عابدين 2 / 4، والاختيار 1 / 99، وكشف الأسرار 4 / 268، 269، والمغني 2 / 622.
(41) المغني 2 / 622، 623، ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 74، 75.
(42) ابن عابدين 2 / 49، 72، 73، والاختيار 1 / 99 و 124، والشرح الصغير 1 / 621، وروضة الطالبين 2 / 293، والمغني 2 / 622، 623.
(43) الاختيار 2 / 94، والقوانين ص 232، 250، 369، والقليوبي 3 / 331، ونيل المآرب 2 / 228، والمغني 7 / 113، 114 وحديث: " رفع القلم عن ثلاثة. . . . " سبق تخريجه فقرة 11.
(44) الاختيار 2 / 95.
(45) الاختيار 2 / 95، والقوانين الفقهية ص 250، ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 128، ونيل المآرب 1 / 333.
(46) ابن عابدين 3 / 359، 1 / 512، والاختيار 3 / 124، 5 / 64، والقوانين الفقهية ص 372، 374، والقليوبي 3 / 157، ونيل المآرب 2 / 11، 28، 38، 40.
(47) ابن عابدين 2 / 295، 296، والاختيار 2 / 83، 3 / 96، والقوانين الفقهية ص 205، 312، والقليوبي 3 / 225، 226، ونيل المآرب 2 / 148، 475.
(48) ابن عابدين 4 / 304، والاختيار 2 / 83، والقوانين الفقهية ص 299، والقليوبي 2 / 299، 4 / 299، ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 312، ونيل المآرب 2 / 449.
(49) الاختيار 4 / 88، 93، 102، والقوانين ص 358، 360، 364، 366، ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 271، 277، والمغني 8 / 217، ونيل المآرب 2 / 360.
(50) الاختيار 4 / 138، والقوانين الفقهية ص 161، ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 305، والمغني 8 / 507.
(51) فتح القدير 4 / 133، 134، والقليوبي 3 / 261، والقوانين الفقهية / 261، 273، ونيل المآرب 1 / 333، 2 / 177، 178.
(52) الاختيار 3 / 115، وابن عابدين 2 / 597، وفتح القدير 4 / 133، 134.
(53) البدائع 7 / 394، وابن عابدين 5 / 415، 425.
(54) أسهل المدارك 3 / 283.
(55) قواعد الأحكام 2 / 125.
(56) شرح منتهى الإرادات 2 / 539.
(57) كشاف القناع 4 / 394، والمغني 6 / 141، وشرح منتهى الإرادات 2 / 574، وابن عابدين 5 / 449، والمهذب 1 / 470.
(58) الفواكه الدواني 2 / 328، 329 - 330، والمهذب 1 / 470، والمغني 6 / 141.
(59) مغني المحتاج 3 / 74، 76، والمهذب 1 / 470، وقليوبي 3 / 178.
(60) نهاية المحتاج 6 / 102، والمهذب 1 / 470، والمغني 6 / 141، وكشاف القناع 4 / 394، وشرح منتهى الإرادات 2 / 575.
(61) ابن عابدين 5 / 449، ومنح الجليل 4 / 689، والفواكه الدواني 2 / 329 - 330.
(62) فتح القدير 3 / 180 - 181، وابن عابدين 2 / 312، والزرقاني 3 / 181، ومنح الجليل 2 / 23، ومغني المحتاج 3 / 154، والمهذب 2 / 37، وقليوبي 3 / 225 - 226، والمغني 6 / 465، وشرح منتهى الإرادات 3 / 18.
(63) مغني المحتاج 3 / 154 - 155.
(64) المهذب 2 / 37.
(65) شرح منتهى الإرادات 3 / 19، وكشاف القناع 5 / 54.
(66) ابن عابدين 2 / 640، ومنح الجليل 2 / 458، 459، والزرقاني 4 / 272، ومغني المحتاج 3 / 456، وكشاف القناع 5 / 498 - 499.
(67) الفتاوى الهندية 3 / 426، ونهاية المحتاج 4 / 345.
(68) الهداية وشروحها 7 / 131، وابن عابدين 4 / 417، والبدائع 6 / 38، ونهاية المحتاج 5 / 55، ومغني المحتاج 2 / 231، وكشاف القناع 3 / 468، وشرح منتهى الإرادات 2 / 305، والمغني 5 / 124.
(69) الهداية وشروحها 7 / 131، وابن عابدين 4 / 417.
(70) مغني المحتاج 2 / 231.
(71) الدسوقي 3 / 396، ومنح الجليل 3 / 392.
(72) ابن عابدين 3 / 351.
(73) كشاف القناع 3 / 468، وشرح منتهى الإرادات 2 / 305، ومغني المحتاج 2 / 319.
(74) مغني المحتاج 2 / 45 - 46، والمحلي على القليوبي 2 / 192.
(75) الإنصاف 4 / 370 - 371، ومطالب أولي النهى 3 / 86، وكشاف القناع 3 / 201، وشرح منتهى الإرادات 2 / 168، والمغني 3 / 566.
(76) المغني 3 / 566، والإنصاف 4 / 371، ومطالب أولي النهى 3 / 86.
(77) المجموع شرح المهذب 9 / 196، تحقيق المطيعي، ومغني المحتاج 2 / 45 - 46، ومطالب أولي النهى 3 / 99.
(78) الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 103
(79) فتح القدير 5 / 509 - 510، والفتاوى الهندية 3 / 42 - 43.
(80) المجموع 9 / 156، تحقيق المطيعي وقواعد الأحكام 2 / 125.
(81) المغني 6 / 535.
(82) حديث: " رفع القلم عن ثلاثة. . . . " سبق تخريجه فقرة 11.
(83) أسنى المطالب 4 / 12، ومغني المحتاج 4 / 137، والمغني 7 / 665، ومنتهى الإرادات 3 / 279.
(84) ابن عابدين 5 / 342، 376.
(85) الحطاب 6 / 232، والزرقاني 8 / 322، وفتح العلي المالك 2 / 161.
(86) مغني المحتاج 4 / 137، والمغني 8 / 148، وفتح العلي المالك 2 / 161، وابن عابدين 3 / 285.
(87) مغني المحتاج 4 / 137، وتحفة المحتاج بحاشية الشرواني 7 / 585.
(88) المغني 7 / 665.
(89) فتح العلي المالك 2 / 161، والحطاب 6 / 232، والمدونة 6 / 275، والفتاوى الهندية 2 / 143.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 99/ 16
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".