الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
الغدر، والتَّفْرِيطُ فِي الْعَهْدِ، وَالأمَانَةِ، ونقضهما، وتَرْكُ النُّصْحِ فِيهَما . وفي ذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : "إيَّاكم والخيانةَ؛ فإنَّها بئسَتِ البطانةُ، وإيَّاكم والظُّلمَ؛ فإنَّهُ ظلُماتٌ يومَ القيامةِ، وإيَّاكُم، والشُّحَّ؛ فإنَّما أَهْلَكَ من كانَ قبلَكُمُ الشُّحُّ حتَّى سفَكوا دماءَهُم، وقطَعوا أرحامَهُم ". الطبراني في المعجم الكبير :538. ومن أمثلته مَنْ أَخَذَ اللُّقَطَةَ بِنِيَّةِ الْخِيَانَةِ، وَالاِسْتِيلاَءِ يَكُونُ ضَامِنًا غَاصِبًا لَمْ يُبَرَّأْ مِنْ ضَمَانِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا إِلَى صَاحِبِهَا . ومن شواهده قوله تعَالَى :ﭽﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭼالأنفال :٢٧ .
مصدر " خان "، وهي الغدر والخداع، يقال: خانه في كذا، يخونه، خونا وخيانة، أي: غدر به وخدعه. وضدها: الأمانة. وأصلها: النقص، ومنه التخون، وهو: التنقص، يقال: تخونني فلان حقي، أي: تنقصني، والخيانة: نقصان الوفاء؛ لأن الخائن ينقص ما اؤتمن عليه ولا يؤديه كما كان عليه. والخيانة أيضا: التفريط في الأمانة، وترك النصح فيها. وتأتي بمعنى إخفاء الشيء وكتمانه، ومنه سمي النفاق خيانة؛ لأن المنافق أخفى كفره، ومن معانيها أيضا: نقض العهد، والضعف، والإهمال، والتضييع.
يرد مصطلح (خيانة) في مواضع كثيرة من الفقه، منها: كتاب البيع، باب: الشركة، وباب: اللقطة، وباب: الحجر، وباب: الوكالة، وفي كتاب الحدود، باب: قطع يد الخائن، وفي كتاب القضاء، باب: اليمين في الدعاوى، وغير ذلك من الأبواب. ويطلق في باب: الوديعة، ويراد به: جحود الإنسان ما اؤتمن عليه. ويطلق في الفقه في كتاب الجهاد، باب: أحكام أهل الذمة، وباب: الأمان، وباب: هدنة الكفار، ويراد به معنى أخص، وهو: الغدر والخداع، ونقض العهد في السر أو في موضع الائتمان. ويطلق أيضا في السياسة المعاصرة، ويراد به: العبث بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي والتآمر على حقوق المواطنين.
خون
الغدر، والتَّفْرِيطُ فِي الْعَهْدِ، وَالأمَانَةِ، ونقضهما، وتَرْكُ النُّصْحِ فِيهما.
* العين : (4/309)
* تهذيب اللغة : (7/237)
* المحكم والمحيط الأعظم : (5/303)
* مشارق الأنوار : (1/248)
* النهاية في غريب الحديث والأثر : (2/89)
* تاج العروس : (34/499)
* مختار الصحاح : (ص98)
* المجموع الثمين : (2/66)
* القاموس الفقهي : (ص124)
* معجم لغة الفقهاء : (ص203)
* مشارق الأنوار : (1/248)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص162)
* التعريفات الاعتقادية : (ص168)
* معجم ألفاظ العقيدة الإسلامية : (ص199)
* القول المفيد على كتاب التوحيد : (2/467)
* تسهيل العقيدة الإسلامية : (ص459) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْخِيَانَةُ وَالْخَوْنُ لُغَةً: أَنْ يُؤْتَمَنَ الإِْنْسَانُ فَلاَ يَنْصَحُ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} (1) وَنَقِيضُ الْخِيَانَةِ الأَْمَانَةُ (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْغِشُّ:
2 - الْغِشُّ لُغَةً: نَقِيضُ النُّصْحِ، وَقَدْ غَشَّهُ يَغُشُّهُ غِشًّا، تَرَكَ نُصْحَهُ وَزَيَّنَ لَهُ غَيْرَ الْمَصْلَحَةِ. وَاصْطِلاَحًا: هُوَ تَدْلِيسٌ يَرْجِعُ لِذَاتِ الْمَبِيعِ، كَتَجْعِيدِ الشَّعْرِ، وَدَقِّ الثَّوْبِ، وَالْخِيَانَةُ أَعَمُّ مِنْهُ. إِذْ هِيَ تَدْلِيسٌ يَرْجِعُ إِلَى ذَاتِ الْمَبِيعِ، أَوْ إِلَى صِفَتِهِ، كَأَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتٍ كَاذِبَةٍ، أَوْ إِلَى أَمْرٍ خَارِجٍ، كَأَنْ يَذْكُرَ ثَمَنًا عَلَى وَجْهِ الْكَذِبِ (4) .
ب - النِّفَاقُ:
3 - النِّفَاقُ: الدُّخُول فِي الإِْسْلاَمِ مِنْ وَجْهٍ وَالْخُرُوجُ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَالْخِيَانَةُ تُقَال فِي شَأْنِ الْعَهْدِ وَالأَْمَانَةِ، وَالنِّفَاقُ يُقَال فِي شَأْنِ الدِّينِ (5) .
ج - الْغَصْبُ وَالسَّرِقَةُ:
4 - فَرَّقَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ الْخَائِنِ وَالسَّارِقِ وَالْغَاصِبِ، بِأَنَّ الْخَائِنَ هُوَ الَّذِي خَانَ مَا جُعِل عَلَيْهِ أَمِينًا، وَالسَّارِقُ مَنْ أَخَذَ خِفْيَةً مِنْ مَوْضِعٍ كَانَ مَمْنُوعًا مِنَ الْوُصُول إِلَيْهِ، وَرُبَّمَا قِيل كُل سَارِقٍ خَائِنٌ دُونَ عَكْسٍ، وَالْغَاصِبُ مَنْ أَخَذَ جِهَارًا مُعْتَمِدًا عَلَى قُوَّتِهِ (6) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْخِيَانَةِ:
5 - خِيَانَةُ الأَْمَانَةِ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (7) وَلِقَوْلِهِ ﷺ: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ (8) .
وَقَدْ عَدَّ الذَّهَبِيُّ وَابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ، الْخِيَانَةَ مِنَ الْكَبَائِرِ، ثُمَّ قَال: الْخِيَانَةُ قَبِيحَةٌ فِي كُل شَيْءٍ، لَكِنَّ بَعْضَهَا أَشَدُّ وَأَقْبَحُ مِنْ بَعْضٍ، إِذْ مَنْ خَانَكَ فِي فَلْسٍ لَيْسَ كَمَنْ خَانَكَ فِي أَهْلِكَ (9) .
الْخِيَانَةُ فِي بُيُوعِ الأَْمَانَةِ:
6 - الأَْصْل فِي بُيُوعِ الأَْمَانَةِ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الثِّقَةِ وَالاِطْمِئْنَانِ فِي التَّعَامُل بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ: الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (10) . فَعَلَى الْبَائِعِ الصِّدْقُ فِي الإِْخْبَارِ عَمَّا اشْتَرَى بِهِ وَعَمَّا قَامَ بِهِ عَلَيْهِ إِنْ بَاعَ بِلَفْظِ الْقِيَامِ (11) ، لأَِنَّ الْمُشْتَرِيَ ائْتَمَنَ الْبَائِعَ فِي إِخْبَارِهِ عَنِ الثَّمَنِ الأَْوَّل مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلاَ اسْتِحْلاَفٍ، فَتَجِبُ صِيَانَةُ بُيُوعِ الأَْمَانَةِ عَنِ الْخِيَانَةِ وَعَنْ سَبَبِ الْخِيَانَةِ وَالتُّهْمَةِ، لأَِنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (12) وَقَال ﵊: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا (13) .
وَالاِحْتِرَازُ عَنِ الْخِيَانَةِ وَعَنْ شُبْهَتِهَا إِنَّمَا يَحْصُل بِبَيَانِ مَا يَجِبُ بَيَانُهُ (14) .
أَمَّا حُكْمُ الْخِيَانَةِ إِذَا ظَهَرَتْ فِي بُيُوعِ الأَْمَانَةِ فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهِ خِلاَفٌ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْعُ الأَْمَانَةِ) .
خِيَانَةُ عَامِل الْمُسَاقَاةِ:
7 - الْعَامِل أَمِينٌ وَالْقَوْل قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ هَلاَكٍ وَمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ خِيَانَةٍ (15) . فَإِنْ ثَبَتَتْ خِيَانَةُ الْعَامِل بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، أَوْ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ، ضُمَّ إِلَيْهِ مَنْ يُشْرِفُ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَتِمَّ الْعَمَل وَلاَ تُزَال يَدُهُ، لأَِنَّ الْعَمَل حَقٌّ عَلَيْهِ وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَتَعَيَّنَ سُلُوكُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَأُجْرَةُ الْمُشْرِفِ عَلَى الْعَامِل (16) .
أَمَّا إِذَا لَمْ تَثْبُتِ الْخِيَانَةُ وَلَكِنِ ارْتَابَ الْمَالِكُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُضَمُّ إِلَيْهِ مُشْرِفٌ وَأُجْرَتُهُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَالِكِ (17) . هَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيَعْتَبِرُونَ كَوْنَ الْعَامِل سَارِقًا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ سَرِقَةِ السَّعَفِ وَالثَّمَرِ قَبْل الإِْدْرَاكِ، مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي هِيَ عُذْرٌ فِي فَسْخِ الْمُسَاقَاةِ، لأَِنَّهُ يُلْزِمُ صَاحِبَ الأَْرْضِ ضَرَرًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَتَنْفَسِخُ بِهِ (18) .
وَيَقُول الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْمُسَاقَاةَ مِنَ الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ فَلَيْسَ لأَِحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فَسْخُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ دُونَ الآْخَرِ مَا لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَيْهِ، وَبِنَاءً عَلَيْهِ إِذَا كَانَ الْعَامِل لِصًّا أَوْ ظَالِمًا، لَمْ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بِذَلِكَ، وَلاَ يُقَامُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ بَل يُحْفَظُ مِنْهُ، لأَِنَّ فِسْقَهُ لاَ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَسَقَ بِغَيْرِ الْخِيَانَةِ (19) .
أَخْذُ اللُّقَطَةِ بِنِيَّةِ الْخِيَانَةِ:
8 - مَنْ أَخَذَ اللُّقَطَةَ بِنِيَّةِ الْخِيَانَةِ وَالاِسْتِيلاَءِ يَكُونُ ضَامِنًا غَاصِبًا لَمْ يُبَرَّأْ مِنْ ضَمَانِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا إِلَى صَاحِبِهَا (20) ، وَفِي بَرَاءَةِ الْمُلْتَقِطِ بِدَفْعِ اللُّقَطَةِ إِلَى الْحَاكِمِ أَوْ رَدِّهَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (لُقَطَةٌ) .
خِيَانَةُ أَهْل الصَّنَائِعِ:
9 - يُرَاعِي الْمُحْتَسِبُ أَحْوَال أَهْل الصَّنَائِعِ مِنْ حَيْثُ الأَْمَانَةُ وَالْخِيَانَةُ، فَيُقِرُّ أَهْل الثِّقَةِ وَالأَْمَانَةِ مِنْهُمْ، وَيُبْعِدُ مَنْ ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ، وَيُشْهِرُ أَمْرَهُ لِئَلاَّ يَغْتَرَّ بِهِ مَنْ لاَ يَعْرِفُهُ (21) .
وَلَمَّا لَمْ تَدْخُل الإِْحَاطَةُ بِأَفْعَال السُّوقَةِ تَحْتَ وُسْعِ الْمُحْتَسِبِ جَازَ لَهُ أَنْ يَجْعَل لأَِهْل كُل صَنْعَةٍ عَرِّيفًا مِنْ صَالِحِ أَهْلِهَا خَبِيرًا بِصِنَاعَتِهِمْ، بَصِيرًا بِغُشُوشِهِمْ وَتَدْلِيسَاتِهِمْ، مَشْهُورًا بِالثِّقَةِ وَالأَْمَانَةِ، يَكُونُ مُشْرِفًا عَلَى أَحْوَالِهِمْ وَيُطَالِعُهُ بِأَخْبَارِهِمْ وَمَا يُجْلَبُ إِلَى سُوقِهِمْ مِنَ السِّلَعِ وَالْبَضَائِعِ، وَمَا تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ مِنَ الأَْسْعَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَْسْبَابِ الَّتِي يَلْزَمُ الْمُحْتَسِبَ مَعْرِفَتُهَا (22) . فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: اسْتَعِينُوا عَلَى كُل صَنْعَةٍ بِصَالِحِ أَهْلِهَا (23) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حِسْبَةٌ) . قَطْعُ يَدِ الْخَائِنِ: (24)
10 - لاَ تُقْطَعُ يَدُ خَائِنٍ وَلاَ خَائِنَةٍ (25) . فَقَدْ رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلاَ مُنْتَهِبٍ وَلاَ مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ (26) .
قَال ابْنُ الْهُمَامِ: وَقَدْ حُكِيَ الإِْجْمَاعُ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ (27) . وَلأَِنَّ الْوَاجِبَ قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ، وَالْخَائِنُ غَيْرُ سَارِقٍ لِقُصُورٍ فِي الْحِرْزِ، لأَِنَّ الْمَال قَدْ كَانَ فِي يَدِ الْخَائِنِ وَحِرْزِهِ لاَ حِرْزِ الْمَالِكِ عَلَى الْخُلُوصِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ حِرْزَهُ وَإِنْ كَانَ حِرْزَ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ أَحْرَزَهُ بِإِيدَاعِهِ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ حِرْزٌ مَأْذُونٌ لِلأَْخْذِ فِي دُخُولِهِ (28) .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَطْعِ جَاحِدِ الْعَارِيَّةِ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ جَاحِدَ الْعَارِيَّةِ لاَ قَطْعَ عَلَيْهِ لِقَوْل رَسُول اللَّهِ ﷺ: لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلاَ مُنْتَهِبٍ وَلاَ مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ، وَلأَِنَّ الْوَاجِبَ قَطْعُ السَّارِقِ، وَالْجَاحِدُ غَيْرُ سَارِقٍ وَإِنَّمَا هُوَ خَائِنٌ فَأَشْبَهَ جَاحِدَ الْوَدِيعَةِ (29) .
وَقَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: إِنَّ جَاحِدَ الْعَارِيَّةِ عَلَيْهِ الْقَطْعُ، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِقَطْعِ يَدِهَا (30) . وَوَجْهُ دَلاَلَةِ الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ وَاضِحَةٌ، فَإِنَّهُ ﷺ رَتَّبَ الْقَطْعَ عَلَى جَحْدِ الْعَارِيَّةِ (31) .
وَقَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂: إِنَّ الْقَطْعَ كَانَ عَنْ سَرِقَةٍ صَدَرَتْ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ أَيْضًا مَشْهُورَةً بِجَحْدِ الْعَارِيَّةِ فَعَرَفَتْهَا عَائِشَةُ بِوَصْفِهَا الْمَشْهُورِ، فَالْمَعْنَى امْرَأَةٌ كَانَ وَصْفُهَا جَحْدَ الْعَارِيَّةِ فَسَرَقَتْ فَأَمَرَ بِقَطْعِهَا (32) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: أَمَّا جَاحِدُ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الأَْمَانَاتِ فَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا يَقُول بِوُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ (33) .
(ر: سَرِقَةٌ: عَارِيَّةٌ) .
خِيَانَةُ الْمُهَادِنِينَ:
11 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَشْعَرَ الإِْمَامُ خِيَانَةَ الْمُهَادَنِينَ بِأَمَارَاتٍ تَدُل عَلَيْهَا، لاَ بِمُجَرَّدِ تَوَهُّمٍ، لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ بَل يَنْبِذُ إِلَيْهِمُ الْعَهْدَ جَوَازًا، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} (34) أَيْ أَعْلِمْهُمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ حَتَّى تَصِيرَ أَنْتَ وَهُمْ سَوَاءً فِي الْعِلْمِ، فَيُعْلِمُهُمْ بِنَقْضِ عَهْدِهِمْ وُجُوبًا قَبْل الإِْغَارَةِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالِهِمْ، لِلآْيَةِ.
وَمَتَى نَقَضَ الإِْمَامُ الْهُدْنَةَ وَفِي دَارِنَا مِنْهُمْ أَحَدٌ وَجَبَ رَدُّهُمْ إِلَى مَأْمَنِهِمْ، لأَِنَّهُمْ دَخَلُوا بِأَمَانٍ فَوَجَبَ أَنْ يُرَدُّوا آمِنِينَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ حَقٌّ اسْتُوْفِيَ مِنْهُمْ كَغَيْرِهِمْ لِلْعُمُومِيَّاتِ (35) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ اسْتَشْعَرَ الإِْمَامُ أَيْ ظَنَّ خِيَانَةَ أَهْل الْحَرْبِ قَبْل الْمُدَّةِ بِظُهُورِ أَمَارَتِهَا نَبَذَ الْعَهْدَ الْوَاقِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَلَى الْمُهَادَنَةِ وَتَرَكَ الْجِهَادَ وُجُوبًا، لِئَلاَّ يُوقِعَ التَّمَادِي عَلَيْهِ فِي الْهَلَكَةِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْعَهْدُ الْمُتَيَقَّنُ بِالظَّنِّ الَّذِي ظَهَرَتْ عَلاَمَاتُهُ لِلضَّرُورَةِ.
وَإِنَّمَا يُنْذِرُهُمُ الإِْمَامُ وُجُوبًا بِأَنَّهُ لاَ عَهْدَ لَهُمْ، فَإِنْ تَحَقَّقَ خِيَانَتَهُمْ نَبَذَهُ بِلاَ إِنْذَارٍ (36) .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيُجِيزُونَ لِلإِْمَامِ نَقْضَ الصُّلْحِ بَعْدَ أَنْ صَالَحَ أَهْل الْحَرْبِ مُدَّةً، وَالنَّبْذُ إِلَيْهِمْ، إِذَا رَأَى نَقْضَ الصُّلْحِ أَنْفَعَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَسْتَشْعِرْ خِيَانَتَهُمْ لأَِنَّهُ ﵊ نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْل مَكَّةَ (37) ، وَلأَِنَّ الْمَصْلَحَةَ لَمَّا تَبَدَّلَتْ كَانَ النَّبْذُ جِهَادًا. وَإِيفَاءُ الْعَهْدِ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَلاَ بُدَّ مِنَ النَّبْذِ تَحَرُّزًا عَنِ الْغَدْرِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْعُمُومَاتِ (38) .
وَيَنْقُل ابْنُ الْهُمَامِ الإِْجْمَاعَ عَلَى أَنَّ نَبْذَ الْمُوَادَعَةِ لاَ يَتَقَيَّدُ بِخُطُورِ الْخَوْفِ، لأَِنَّ الْمُهَادَنَةَ فِي الأَْوَّل مَا صَحَّتْ، إِلاَّ لأَِنَّهَا أَنْفَعُ، فَلَمَّا تَبَدَّل الْحَال عَادَ إِلَى الْمَنْعِ (39) .
وَإِنْ بَدَءُوا بِخِيَانَةٍ قَاتَلَهُمُ الإِْمَامُ وَلَمْ يَنْبِذْ إِلَيْهِمْ إِذَا كَانَ نَقْضُ الْعَهْدِ بِاتِّفَاقِهِمْ، لأَِنَّهُمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ فَلاَ حَاجَةَ إِلَى نَقْضِهِ (40) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (هُدْنَةٌ) .
خِيَانَةُ أَهْل الذِّمَّةِ:
12 - صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ أَهْل الذِّمَّةِ إِذَا خِيفَ مِنْهُمْ الْخِيَانَةُ لَمْ يَنْبِذْ إِلَيْهِمُ الْعَهْدَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْل الْهُدْنَةِ أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ وَجَبَ لَهُمْ، وَلِهَذَا إِذَا طَلَبُوا عَقْدَ الذِّمَّةِ وَجَبَ الْعَقْدُ لَهُمْ فَلَمْ يُنْقَضْ لِخَوْفِ الْخِيَانَةِ، وَالنَّظَرُ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا لَوْ طَلَبَ الْكُفَّارُ الْهُدْنَةَ كَانَ النَّظَرُ فِيهَا إِلَى الإِْمَامِ، إِنْ رَأَى عَقْدَهَا عَقَدَ، وَإِنْ لَمْ يَرَ عَقْدَهَا لَمْ يَعْقِدْ، فَكَانَ النَّظَرُ إِلَيْهِ فِي نَقْضِهَا عِنْدَ الْخَوْفِ؛ وَلأَِنَّ أَهْل الذِّمَّةِ فِي قَبْضَةِ الإِْمَامِ وَتَحْتَ وِلاَيَتِهِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ مِنْهُمْ خِيَانَةٌ أَمْكَنَ اسْتِدْرَاكُهَا بِخِلاَفِ أَهْل الْهُدْنَةِ فَإِنَّهُمْ خَارِجُونَ عَنْ قَبْضَةِ الإِْمَامِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُمْ لَمْ يُمْكِنَ اسْتِدْرَاكُهَا فَجَازَ نَقْضُهَا بِالْخَوْفِ (41) .
خِيَانَةُ الْمُسْلِمِ أَهْل الْحَرْبِ:
13 - مَنْ دَخَل مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ بِأَمَانٍ لَمْ يَخُنْهُمْ فِي مَالِهِمْ، لأَِنَّهُمْ إِنَّمَا أَعْطَوْهُ الأَْمَانَ مَشْرُوطًا بِتَرْكِهِ خِيَانَتَهُمْ وَتَأْمِينِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي اللَّفْظِ فَهُوَ مَعْلُومٌ فِي الْمَعْنَى، وَلِذَلِكَ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ بِأَمَانٍ فَخَانَنَا كَانَ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَمْ تَحِل لَهُ خِيَانَتُهُمْ لأَِنَّهُ غَدْرٌ وَلاَ يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ (42) . وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ (43) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (أَهْل الْحَرْبِ) .
خُرُوجُ الْخَائِنِ فِي الْجَيْشِ:
14 - يُمْنَعُ الْخَائِنُ مِنَ الْخُرُوجِ فِي الْجَيْشِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَجَسَّسُ لِلْكُفَّارِ وَيُطْلِعُهُمْ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ (44) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحَيْ: (جِهَادٌ، وَتَجَسُّسٌ) .
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
15 - يَأْتِي ذِكْرُ الْخِيَانَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَْبْوَابِ الْفِقْهِيَّةِ كَالْبَيْعِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ، وَاللُّقَطَةِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوَصَايَا، وَالْحَضَانَةِ وَالشَّهَادَةِ، وَالسِّيَرِ.
__________
(1) سورة الأنفال / 58.
(2) القرطبي 7 / 395، والمفردات للراغب الأصفهاني، والصحاح والمصباح مادة: " خون ".
(3) الزرقاني 88 / 92، وروضة الطالبين 10 / 240، والعناية على الهداية 4 / 233 ط الأميرية، والبناية 5 / 556.
(4) الشرقاوي على التحرير 2 / 3 ط الحلبي.
(5) لكليات لأبي البقاء الكفوي 22 / 311، والمفردات للراغب الأصفهاني.
(6) المصباح المنير مادة: " خون ".
(7) سورة الأنفال / 27.
(8) حديث: " آية المنافق ثلاث " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 89 - ط السلفية) ومسلم (1 / 78 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(9) الزواجر 1 / 248 - 249، تفسير القرطبي 7 / 395، الكبائر للذهبي 108.
(10) بدائع الصنائع 5 / 223، وروضة الطالبين 3 / 529، والموسوعة الفقهية 9 / 50.
(11) روضة الطالبين 3 / 529.
(12) سورة الأنفال / 27.
(13) حديث: " من غشنا فليس منا " أخرجه مسلم (1 1 ? / 99 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(14) بدائع الصنائع 5 / 223.
(15) المغني لابن قدامة 5 / 409، 410 ط الرياض.
(16) مغني المحتاج 2 2 ? / 331 نشر دار إحياء التراث العربي، والمغني لابن قدامة 5 / 410، ومطالب أولي النهى 3 / 571.
(17) مغني المحتاج 2 / 331، ومطالب أولي النهى 3 / 571.
(18) تكملة فتح القدير 8 / 403 ط دار إحياء التراث العربي، والفتاوى الهندية 5 / 278.
(19) الشرح الصغير 3 / 713، وبداية المجتهد 2 / 250 ط دار المعرفة، والمغني 5 / 410.
(20) روضة الطالبين 5 / 406، والجوهرة النيرة 2 / 46 ط ملتان باكستان.
(21) الأحكام السلطانية للماوردي ص 256 نشر دار الكتب العلمية، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 303 نشر دار الكتب العلمية.
(22) نهاية الرتبة في طلب الحسبة ص 12 ط مطبعة لجنة التأليف والترجمة بالقاهرة.
(23) حديث: " استعينوا على كل صنعة بصالح أهلها ". أورده الشيزري في نهاية السنية (ص 12 مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر) ولم يعزه إلى أحد، ولم نهتد إليه في المصادر الحديثية الموجودة لدينا.
(24) الخائن هنا هو أن يؤتمن على شيء بطريق العارية أو الوديعة فيأخذه ويدعي ضياعه أو ينكر أنه كان عنده وديعة أو عارية (فتح القدير 4 / 233 الأميرية) .
(25) فتح القدير 44 / 233 ط الأميرية، والشرقاوي على التحرير 2 / 432 ط الحلبي، والملتقى 7 / 186، وكشاف القناع 6 / 129.
(26) حديث: " ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع ". أخرجه الترمذي (4 / 52 - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله، وقال: " حديث حسن صحيح ".
(27) فتح القدير 4 / 233.
(28) المغني لابن قدامة 8 / 240 ط الرياض، وفتح القدير 4 / 233 ط الأميرية.
(29) المغني لابن قدامة 88 / 241، وسبل السلام 4 / 43 ط دار الكتاب العربي، وفتح القدير 4 / 233.
(30) حديث عائشة: " أن امرأة كان تستعير المتاع " أخرجه مسلم (3 / 1316 - ط الحلبي) .
(31) المغني لابن قدامة 8 / 240، 241، وفتح القدير 4 / 233، وسبل السلام 4 / 43.
(32) فتح القدير 4 / 233.
(33) المغني 8 / 241، وانظر قليوبي وعميرة 4 / 194.
(34) سورة الأنفال / 58.
(35) أسنى المطالب 4 / 266، والمهذب 2 / 263 ط الحلبي، والمغني لابن قدامة 8 / 463، وكشاف القناع 3 / 116.
(36) حاشية الدسوقي 22 / 206 ط الحلبي، وأحكام القرآن لابن العربي 2 / 860.
(37) حديث: " نبذ الموادعة التي كانت بينه وبين أهل مكة ". ذكر قصتها البيهقي في دلائل النبوة (5 / 9 - 12 - ط دار الكتب العلمية) .
(38) فتح القدير 4 / 294 ط الأميرية، والبناية 5 / 669 - 670، وبدائع الصنائع 7 / 109 ط الجمالية، وشرح السير الكبير 5 / 1709.
(39) فتح القدير 4 / 294.
(40) البناية شرح الهداية 5 / 671، وانظر أحكام القرآن لابن العربي 2 / 860.
(41) المهذب 2 / 263 ط الحلبي، وأسنى المطالب 4 / 226، والمغني لابن قدامة 8 / 463 ط الرياض.
(42) المغني لابن قدامة 8 / 458.
(43) حديث: " المسلمون على شروطهم ". أخرجه أبو داود (4 / 20 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث أبي هريرة. وإسناده حسن.
(44) روضة الطالبين 10 / 240، والمغني 8 / 351.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 185/ 20