الغفار
كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...
طُبِع الكتابُ عِدَّة طبعات؛ منها:
* الطبعة الأَمِيرية (1323هـ).
* طبعة مؤسَّسة الرسالة (1415هـ).
* طبعة مؤسَّسة الرسالة (1420هـ).
* طبعة المطبعة الميمنية (1421هـ).
* وطُبِع أيضًا في (بولاق) في ثلاثين جزءًا عام (1321هـ).
* ثم حقَّقه الشيخُ محمود محمد شاكر، وشارَكه الشيخُ المحدِّث أحمد محمد شاكر في تخريجِ أحاديث بعض الأجزاء، وعلَّق على بعضِ الأحاديث إلى الجزء الثالث عشر، وقد طبَعتْ منه دارُ (المعارف) بمصر ستة عشر مجلدًا (من سورة الفاتحة إلى سورة إبراهيم) عام (1374هـ)، وهي طبعةٌ مميَّزة؛ لِما قدَّمه الأخَوانِ فيها.
* ثم طبَعته دارُ (هجر) بمصرَ في أربعة وعشرين مجلدًا، بتحقيقِ الدكتور عبد الله التركي، وهي طبعة جيدة.
* قام الدكتورُ صلاح الخالدي بكتابةِ تهذيبٍ لـ"تفسير الطَّبَري"، وسمَّاه "تفسير الطَّبَري: تقريبٌ وتهذيب"، ويقعُ في سبعة مجلَّدات كبيرة.
كُتِبت دراساتٌ كثيرة عن "تفسير الطَّبَري"؛ ومنها:
* "أسبابُ النزول الواردة في كتاب جامع البيان للإمام ابن جَرِير الطَّبَري (ت 310هـ): جمعًا وتخريجًا ودراسة": للطالب حسن بن مُحمَّد بن علي شبالة البلوط - جامعة أم القرى (1419)، كلية أصول الدِّين، المملكة العربية السعودية. جمَع في رسالته المَرْويات في أسباب النزول، وخرَّجها، وهي رسالةٌ نافعة في بابها، لا يستغني عنها طالبُ حديثٍ ولا تفسير.
* "مُحمَّد بن جرير الطبري ومنهجُه في تفسير القرآن الكريم، وكتابة التاريخ": للدكتور عباس توفيق. وهو كتابٌ تكلَّم عن الطبري في أعظَمِ مؤلَّفَيْنِ له؛ وهما: (كتاب التفسير، وكتاب التاريخ). فبيَّن منهجَه في التفسير، وأصَّل للتأويل بِناءً على تعريف الطَّبَري، ثم شرَع في منهجه في التفسير. أما التاريخُ: فقد بيَّن بعضَ المعالم لهذا المنهجِ من خلال ذكرِ بعض الأحداث التي نقَلها.
* "منهج الإمام ابن جرير الطبري في الترجيح بين أقوال المفسِّرين": للدكتور تمَّام كمال موسى الشاعر، رسالة ماجستير، جامعة النجاح، نابلس، 2004م. قسم رسالته خمسة فصول: (مقدمة في منهج الترجيح، ثم ترجيحه تفسير القرآن بالقرآن، ثم تفسير القرآن بالسُّنة، ثم تفسير القرآن على أساس المنقول عن السلف، ثم الترجيح على أساس الرأي والاجتهاد). وهي رسالةٌ نافعة، كانت أشبَهَ بتقعيدٍ للترجيحات بقواعدَ ينتفعُ بها أيُّ مفسِّر يكتُبُ بعد الطبري.
ومِن الدِّراسات حول "تفسير الطَّبَري":
* "الآثار الواردة عن السَّلف في اليهود في تفسير الطبري: جمعًا ودارسة عقدية": ليوسف بن حمود الحوشان.
* "موقف الإمام الطبري من تعدُّد أسباب النزول في تفسيره مقارنًا ببعض التفاسير الأخرى": لفرمان إسماعيل إبراهيم.
* "تأويل النصِّ القرآني وعَلاقته بالثقافة الإسلامية: قراءة في تفسير الطبري جامع البيان": لمحسن علي حسين.
* "الطَّبَري النَّحْوي الكوفي من خلال تفسيره": لأحمد خطاب العمر.
* "التفسير بالأثر بين ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم": لحمد بن عبد الله الخضيري.
* "الإسرائيليات في تفسير الطبري: دراسة في اللغة والمصادر العِبْرية": لآمال محمد عبد الرحمن ربيع.
* "أقوال أبي عُبَيدة في تفسير الطبري، وموقفه منها": لبدر بن ناصر بدر البدر.
* "الاستدلال في التفسير: دراسة في منهج ابن جرير الطبري في الاستدلال على المعاني في التفسير": لنايف بن سعيد الزهراني.
* "الإمام ابن جرير الطبري ومنهجه في التفسير": لسعيد بن غليفص بن سعيد آل سعد القحطاني.
* "شواهد الشِّعر الجاهلي في تفسير الطبري: دراسة في القِيَم الفنية والتوظيف التفسيري": لرعد ماموك حسين عبد.
* "المَرْويات والآراء في النَّسْخِ من خلال تفسير ابن جرير الطبري: جمعًا وتخريجًا ودراسةً": لمحمد بن علي بن عبدان الغامدي.
* "محمد بن جرير الطبري ومنهجُه في تفسير القرآن الكريم وكتابة التاريخ": لعباس توفيق.
* "دراسة الطبري للمعنى من خلال تفسيره": لمحمد المالكي.
* "من الطبري إلى سيد قطب: دراساتٌ في مناهج التفسير ومذاهبه": لإبراهيم عوض.
* "دقائقُ لغة القرآن في تفسير ابن جرير الطبري": لعبد الرحمن عميرة.
* "تحقيق جانب مشكلة الربط بين الآيات والسُّوَر في تفسير الطبري": لسرحان جوهر سرحان.
* "رواة الإسرائيليَّات في تفسير ابن جرير الطبري، ومقدار مَرْوياتهم": لنايف بن سعيد الزهراني.
* "منهج الإمام ابن جرير الطبري في الترجيح بين أقوال المفسِّرين": لتمام كمال موسى الشاعر.
* "منهج الإمام ابن جرير الطبري في الترجيح": لحسين علي الحربي.
* "ترجيحات الطبري في جامع البيان من خلال تفسير العشر الأخير من القرآن: دراسة نظرية تطبيقية": لحنان بنت نور مياه سركار علي سردار.
* "مَرْويات ابن جُرَيج وأقواله في التفسير: جمع ودراسة من أول سورة الأنفال إلى نهاية سورة الحَجِّ من تفسيري الطبري وابن أبي حاتم الرازي": لسعيد حسين أحمد عابد.
* "استدراكات ابن عاشور على الطبري وابن عطية في تفسيره التحرير والتنوير": لخالد بن محمد بن صالح الشهراني.
* "أبو هريرة رضي الله عنه ومَرْوياته في تفسيرَيِ الطبري وابن أبي حاتم": لمحمد ياسين توكي ماجي.
* "رجال تفسير إمام المفسِّرين ابن جرير الطبري الذين ترجم لهم أحمد ومحمود شاكر": لعَلَوي بن عبد القادر السقَّاف.
* "الأساليب النَّحْوية في تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن: دراسة تحليلية في ضوء علم اللغة المعاصر": لياسمين خلف الشواورة.
* "المنتقى من فوائد تفسير الإمام الطبري": ليوسف بن حمود الحوشان.
* "مَرْويات وهب بن منبِّه في تفسير الطبري: دراسة نقدية": لإرشاد الحق بن الحاج عبد الله.
* "الرِّوايات الإسرائيلية في تفسير الطبري من سورة الفاتحة إلى آخر سورة الإسراء: جمعًا ودراسة": لأحمد نجيب عبد الله.
* "أقوال السلف في التفسير من خلال جامع البيان للطبري": لعبد الرحمن بن عادل المشد.
* "قصة الخَلْقِ في الإسرائيليات حسَب ورودها في تفسير الطبري": لرمزي حبيب مالك.
* "أثر التفسير في توجيه الوقف والابتداء: تفسير الطبري نموذجًا": لمنصور محمود أبو زينة.
وغيرها الكثير من الدراسات.
أبو جَعْفَرٍ مُحمَّدُ بنُ جَرِيرٍ الطَّبَريُّ.
كان مشتهِرًا بـ(الطَّبَريِّ)، وكثيرًا ما يقول المفسِّرون: (أبو جَعْفَرٍ الطَّبَريُّ).
وُلِد في (آمُل طَبَرِستان) سنةَ أربعٍ أو خَمْسٍ وعشرين ومائتين من الهجرة. انظر: "طبقات الشافعية" للسُّبْكي (3 /120).
ولم يذكُرْ علماءُ التراجم عن مولدِه غيرَ تاريخِ ولادته، ومكانِها.
تُوفِّي رحمه الله في مطلعِ القرن الرابع، سنة عَشْرٍ وثلاث مائة، وله من العُمُرِ سِتٌّ وثمانون سنة.
قال ياقوتٌ الحَمَويُّ: «وأما الخطيب فإنه قال: ولم يُؤذَنْ به أحدٌ، فاجتمَع على جنازته مَن لا يُحصي عددَهم إلا اللهُ، وصُلِّي على قبرِه عدة شهور ليلًا ونهارًا، ورثَاه خَلْقٌ كثير من أهل الدِّين والأدب». "معجم الأدباء" لياقوت الحموي (6 /2441).
كان للطَّبَريِّ عددٌ من المشايخ لا يُحصَون كثرةً؛ كما ذكر ذلك الذهبيُّ رحمه الله، ولكن مِن أهمِّ شيوخه:
1. مُحمَّد بن حُمَيد الرازي التَّميمي، أبو عبد الله (ت 248هـ)، وهو أولُ شيوخه في الرَّي، أخَذ عنه الحديثَ والتفسير.
2. عِمْران بن موسى اللَّيْثي البَصْري (ت240هـ)، وقد لَقِيه بها في أولِ دخوله العراق، وكان رحمه الله حافظًا صدوقًا، ويُعرَف بالقزَّاز.
3. أبو همَّام الوليد بن شُجَاع السَّكُوني (ت243هـ)، لَقِيه في الكوفة، وهو إمامٌ حافظ ثقة، من رجالِ "صحيح مسلم"، و"السُّنَن".
4. أحمد بن مَنِيع البَغَوي البغدادي، أبو جعفر (ت244هـ)، صاحبُ "المُسنَد"، الإمام الحافظ الثِّقة.
5. مُحمَّد بن العلاء الهَمْدانيُّ، أبو كُرَيب الكوفي (ت247هـ)، لَقِيه في الكوفة، وهو حافظُها الثِّقة المتقن، الذي روى له أصحابُ "الكتب السِّتة".
6. هنَّاد بن السَّرِي التَّميمي الكوفي (ت243هـ)، الإمام الحافظ الثقة.
7. مُحمَّد بن عبد الملك بن أبي الشوارب البَصْري الأموي (ت244هـ)، لَقِيه بها، وهو الإمامُ الحافظ الصدوق، من رجالِ الإمام مسلم، وبعضِ أهل "السُّنن".
8. مُحمَّد بن بشَّار العَبْدي البَصْري (ت252هـ)، المعروف ببُنْدار، الإمامُ الحافظ الثقة، الذي أخرَج له جماعةُ أصحاب الأمهات، لَقِيه بالبَصْرة، وأكثَرَ عنه، وهو رحمه الله من أوعيةِ الحفظ، ومشاهيرِ رواة الحديث.
9. الإمامُ الحافظ يعقوب بن إبراهيم الدَّوْرقي (ت252هـ)، صاحبُ "المُسنَد"، وهو من رجالِ "الكتب الستة".
انظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (14 /269).
حرَص طلابُ العلم على أن يَنهَلوا من العلم الغزير الذي فاض به الطَّبَريُّ رحمه الله على مدارِ ستة وثمانين عامًا.
وكان رحمه الله يعتني بطلابه؛ فيَزُورُ مريضَهم، ويساعد الفقيرَ منهم، وكان يشاور طلابَه في نوع ما يُملِي عليهم وكثرتِه؛ كما شاوَرهم في إملاءِ "التفسير" و"التاريخ"، ولمَّا رأى عَجْزَهم عن تحمُّل التطويل فيهما، أملى مختصرَهما.
وقد أحَبَّه طلابُه لطِيبِ أخلاقه، وكريمِ طباعه، ومِن أشهرهم:
1. أبو شُعَيب عبد الله بن الحسن الحرَّاني، وكان أكبَرَ من ابن جَرير، روى عنه الحديثَ خاصة، وُلِد رحمه الله سنةَ (205هـ)، وتوفي سنة (295هـ).
2. الإمام الحافظ أبو القاسم سُلَيمان بن أحمد الطَّبَراني، المتوفى سنة (360هـ).
3. الشيخ القاضي أبو بكرٍ أحمَدُ بن كامل، المتوفى سنة (350هـ).
4. الإمام أبو أحمدَ عبدُ الله بن عَدِيٍّ، المتوفى سنة (365هـ).
انظر: "سير أعلام النبلاء" (11 /166).
بذَل ابنُ جرير رحمه الله وقتَه وعمره في التأليف، حتى إنه كان يكتُبُ في اليوم الواحد ما لا يقلُّ عن أربعين ورقة؛ كما ذكَر الخطيب البغدادي، ولكن لم تصل إلينا كلُّ مؤلَّفاته، ومنها ما لم يَتِمَّ كاملًا قبل وفاته؛ ومن أشهر مؤلَّفاته:
1. تفسير "جامع البيان، عن تأويل آيِ القرآن".
2. "تاريخ الأُمَم والملوك".
3. "تهذيبُ الآثار، وتفصيلُ معاني الثابت عن رسول الله ﷺ من الأخبار".
4. "اختلاف الفقهاء".
5. "اختيار مِن أقاويل الفقهاء".
6. "أدب النفوس الجيدة والأخلاق النفيسة" (ولكنه تُوفِّي قبل اكتمال الكتاب). "تاريخ دمشق" لابن عساكر (52 /197).
7. "آداب المناسك".
8. "القراءات والتنزيل والعَدَد".
9. "اختلاف علماءِ الأمصار".
10. "الخفيف في أحكامِ شرائع الإسلام".
11. "التبصير"، وهو رسالة إلى أهل طَبَرِستان.
وله مؤلَّفاتٌ لم تتم، منها ما وصل جزءٌ منه، ومنها ما لم يصل.
وقد كان يُمضي وقته في العلم تأليفًا وتدريسًا.
انظر: "سير أعلام النبلاء" (14 /273).
* كان اعتمادُه على الرِّوايات الحديثية، والأسانيد المتصلة بينه وبين راوي الحديث، أو قائلِ القول بالتفسير.
* كان يعُدُّ سندَ الرواية براءةً له أمام القارئ في اختيار الصحيح من الضعيف؛ على مبدإِ «مَن أسنَدَك، فقد أحالَك»، وهذه قاعدةٌ اعتمدها كثيرٌ من العلماء السابقين، وكأنها شَهادةُ براءةٍ للناقل من فُحْشِ المنقول؛ فكان الطبري رحمه الله يذكر ما يراه في تفسير الآية، ثم يذكُرُ الأقوال الأسانيد؛ ومثاله: ما ذكَر في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَآ أَن رَّءَا بُرْهَٰنَ رَبِّهِۦۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ اْلسُّوٓءَ وَاْلْفَحْشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا اْلْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: 24]، فبعد أن ذكَر قوله، ساقَ الأسانيد في معانٍ لا تَلِيق بيوسفَ عليه السلام، ولا تتفق مع عِصْمة النُّبوة، ولكنه ساقها، وناقَش الأقوال بقوله: «فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصَفَ يوسفُ بمثل هذا وهو للهِ نبيٌّ؟!». "جامع البيان" (13 /85).
* كان يُبرِز الجانبَ العقدي، ويُبيِّن اعتقادَ المسلمين، وما ينبغي أن يكونوا عليه؛ كقوله: «وفي ذلك الدلالةُ الواضحة على صحةِ ما نقول؛ من أنَّ كلَّ مَن كان يَدِين بدِينٍ فله حُكْمُ أهلِ ذلك الدِّين، كانت دَيْنونتُه به قبل مجيء الإسلام أو بعده، إلا أن يكونَ مسلمًا من أهل دِيننا انتقَل إلى مِلَّةٍ غيرها، فإنه لا يُقَرُّ على ما دانَ به فانتقَل إليه، ولكن يُقتَل لِرِدَّتِه عن الإسلام، ومفارَقتِه دِينَ الحقِّ، إلا أن يَرجِعَ قبل القتل إلى الدِّين الحق». "جامع البيان" (8 /508).
* كان يذكُرُ القراءاتِ القرآنية التي تُفيده في التفسير، وكان يناقش القراءاتِ، ويُرجِّح ما ثبَت منها، ثم يُوجِّه القراءة؛ فعلى سبيل المثال في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُواْ اْلْمَلَٰٓئِكَةَ اْلَّذِينَ هُمْ عِبَٰدُ اْلرَّحْمَٰنِ إِنَٰثًاۚ أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْۚ سَتُكْتَبُ شَهَٰدَتُهُمْ وَيُسْـَٔلُونَ﴾ [الزخرف: 19]، قال رحمه الله: «وقُرِئ بفتح الألف، بمعنى: أَشَهِدوا هم ذلك فعَلِموه؟ والصوابُ من القول في ذلك عندي: أنهما قراءتانِ معروفتان، فبأيَّتِهما قرأ القارئُ فمصيبٌ». "جامع البيان" (20 /567).
* كان يعتني بالجانب النَّحْوي واللغة، ويذكُرُ أقوالَ البَصْريين والكوفيين، ويناقش الأقوالَ؛ فمثلًا في قوله تعالى: ﴿لِتَسْتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اْسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَٰنَ اْلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقْرِنِينَ﴾ [الزخرف: 13]، ذكَر الخلاف في إفراد (ظُهُورِ) وجمعِه، فقال: «فقال بعضُ نَحْويِّي البصرة: تذكيرُه يعود على ﴿مَا تَرْكَبُونَ﴾، وما هو مُذكَّر؛ كما يقال: عندي من النساء مَن يوافِقُك ويسُرُّك، وقد تُذكَّر الأنعامُ وتُؤنَّث، وقد قال في موضعٍ آخرَ: ﴿مِّمَّا فِي بُطُونِهِۦ﴾ [النحل: 66]، وقال في موضع آخرَ: ﴿بُطُونِهَا﴾ [المؤمنون: 21]، وقال بعضُ نَحْويِّي الكوفة: أضيفت الظهورُ إلى الواحدِ؛ لأن ذلك الواحدَ في معنى جمعٍ، بمنزلة الجُند والجيش». "جامع البيان" (20 /556).
* كان يستشهد بكلام الشُّعَراء في بيان لفظةٍ استخدمتها العربُ؛ فمثلًا في قوله تعالى: ﴿فَتَرَى اْلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يُسَٰرِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰٓ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٞۚ فَعَسَى اْللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِاْلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٖ مِّنْ عِندِهِۦ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيٓ أَنفُسِهِمْ نَٰدِمِينَ﴾ [المائدة: 52]، فبيَّن معنى (الدائرة) أنها الدَّوْلةُ، ثم استشهَد بكلام الأعراب، فقال: «ويعني بـ(الدائرة): الدَّوْلةَ؛ كما قال الراجزُ:
يَرُدُّ عَنْكَ القَدَرَ المَقْدُورَا | وَدَائِرَاتِ الدَّهْرِ أَنْ تَدُورَا |
يعني: أن تدُولَ للدهرِ دَوْلةٌ، فنحتاجَ إلى نُصْرتهم إيانا؛ فنحن نُواليهم لذلك». "جامع البيان" (8 /513).
* كان له اختياراتُه الفقهية؛ مما حدا به أن يكونَ صاحبَ مذهبٍ مستقلٍّ؛ ففي قوله تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّۚ وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمْلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٖۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُۥٓ أُخْرَىٰ﴾ [الطلاق: 6]، بيَّن رأيَه الفقهي في أُجْرةِ الرَّضاع؛ قال: «وإن تعاسَرَ الرجُلُ والمرأة في رَضاعِ ولدها منه، فامتنَعتْ من رَضاعه: فلا سبيلَ له عليها، وليس له إكراهُها على إرضاعه، ولكنه يَستأجر للصبيِّ مرضعةً غيرَ أمِّه البائنةِ منه». "جامع البيان" (23 /67).
* كان له اعتمادٌ واضح على أسباب النزول، ويذكُرُ الرِّوايات الواردة في سبب النزول؛ ومن ذلك: ما ورَد في سبب نزول قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَآ أَبْصَٰرُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اْللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [فصلت: 22]، قال رحمه الله: «وذُكِرَ: أن هذه الآيةَ نزلت من أجلِ نَفَرٍ تدارَؤوا بينهم في علمِ الله بما يقولونه ويَتكلَّمون سِرًّا». "جامع البيان" (20 /411).
* تعرَّضَ الطبريُّ لذِكْرِ (الإسرائيليات) في تفسيره، فكان يذكُرُ جميعَ الأقوال الواردة، سواءٌ من (الإسرائيليات) أو من غيرها، ويُرجِّح ما يراه أنسَبَ للسياق؛ ففي قوله تعالى: ﴿يَٰقَوْمِ اْدْخُلُواْ اْلْأَرْضَ اْلْمُقَدَّسَةَ اْلَّتِي كَتَبَ اْللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ﴾ [المائدة: 21]، ذكَر ما ورَد من أنها أريحاء، ومن قال: إنها الشام، ومن قال: إنها الطُّور، فاتجَه الطبريُّ إلى إعمالِ الأقوال وعدمِ إهمالها، فقال: «وأَوْلى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: هي الأرضُ المقدسة؛ كما قال نبيُّ الله موسى ﷺ؛ لأن القولَ في ذلك بأنها أرضٌ دُونَ أرض لا تُدرَك حقيقةُ صحتِه إلا بالخبر، ولا خَبَرَ بذلك يجوز قطعُ الشَّهادة به، غيرَ أنها لن تخرُجَ من أن تكونَ من الأرض التي بين الفُرَات وعريشِ مِصْرَ؛ لإجماعِ جميع أهل التأويل والسِّيَر والعلماء بالأخبار على ذلك». "جامع البيان" (8 /286).
هذا مُجمَل الكلام عن منهج الطبريِّ في تفسيره، وقد استفاضت الدراساتُ القرآنية في بيان منهجه رحمه الله.
اشتمَل على:
* علوم الشريعة المسانِدة للمفسِّر: من حديثٍ، وفقه، وعقيدة.
* وعلوم القرآن: من قراءاتٍ، وأسباب نزول، وناسخ ومنسوخ، والمكي والمدني.
قال أبو محمد الفَرْغاني: «تم مِن كتبِ محمد بن جرير كتابُ "التفسير"، الذي لو ادعى عالِمٌ أن يُصنِّفَ منه عشَرةَ كتبٍ، كلُّ كتابٍ منها يحتوي على عِلْمٍ مفرد مستقصًى: لفعَلَ». "سير أعلام النبلاء" للذهبي (14 /273).
وذكَر ابنُ حجر العسقلاني في كتابه "العجاب في بيان الأسباب" (1 /203) كتبَ التفسير الناقلةَ لتفسير السلف، التي قلَّ أن يشذَّ عنها شيءٌ، وعَدَّ منها "تفسير الطبري"، وقال عنه: «وقد أضاف الطبريُّ إلى النقل المستوعِب أشياءَ لم يشاركوه فيها؛ كاستيعاب القراءات، والإعراب، والكلام في أكثَرِ الآيات على المعاني، والتصدِّي لترجيح بعضِ الأقوال على بعض، وكلُّ مَن صنَّف بعده لم يجتمِعْ له ما اجتمَع فيه؛ لأنه في هذه الأمورِ في مرتبة متقارِبة، وغيرُه يَغلِبُ عليه فنٌّ من الفنون، فيمتاز فيه، ويُقصِّرُ في غيره».
كتب السُّنة، وكتب اللغة، والقراءات، والفقه.
ومنها ما ذكَره الطبريُّ صراحةً، ومنها ما نَهِلَ منه دُونَ ذكرِه.
يُعَدُّ "تفسير الطبري" من أجلِّ التفاسير، وأغزرِها علمًا.
وباعتبارِه حازَ قصبَ السبق في منهجه الجامعِ بين المأثور والرأي، فكلُّ مَن جاء بعده عالةٌ عليه، وناقلٌ منه، حتى مخالِفوه لم يجدوا بُدًّا من أن ينقُلوا عنه؛ فغزارةُ العلم الذي يحويه شَهِد له بها العدوُّ والصَّديق.
«قد نظرتُ فيه من أولِه إلى آخِره، وما أعلَمُ على أديم الأرض أعلَمَ من محمد بنِ جرير».
ابن خُزَيْمَة "تاريخ بغداد" (2 /551).
«كتابُ ابن جرير في التفسير لم يُصنِّفْ أحدٌ مِثْلَه».
الْخَطِيب البَغْدَادي "تاريخ بغداد" (2 /550).
«مِن أجَلِّ التفاسير، وأعظَمِها قدرًا».
ابن تَيْمِيَّة "مجموع الفتاوى" (13 /361).
«وأما التفاسيرُ التي في أيدي الناس، فأصَحُّها: "تفسير محمد بن جرير الطبري"؛ فإنه يذكُرُ مقالاتِ السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعةٌ».
ابن تَيْمِيَّة "مجموع الفتاوى" (13 /385).
«وهو أجَلُّ التفاسيرِ وأعظَمُها».
الجَلَال السُّيُوطي "الإتقان في علوم القرآن" (6 /2342).
«أجمَعَ العلماءُ المعتبَرون على أنه لم يُؤلَّفْ في التفسير مِثْلُه».
الجَلَال السُّيُوطي "الإتقان في علوم القرآن" (6 /2346).
«لو سافَر رجلٌ إلى الصين ليُحصِّل تفسيرَ ابن جرير الطبري، لم يكن هذا كثيرًا».
أَبُو حَامِد الأَسْفَرَاييني "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1 /79).