العالم
كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...
لم يُطبَعْ سِوى طبعةِ دار الكتب العِلمية في ستة مجلدات، وقد راجَعه وعلَّق عليه: السيد عبد المقصود بن عبد الرحيم.
كُتِبت بعضُ الدراسات الجامعية في "تفسير الماوَرْدي"، ولكن ما زال الكتابُ في حاجةٍ إلى دراساتٍ وخدمة أكثر؛ ومِن الدراسات التي اعتنت به أو كتَبتْ حوله:
1. حقَّقه في رسالةٍ علمية الأستاذُ الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشايع، من أول الكتاب إلى آخر سورة المائدة، بإشراف الدكتور عبد الله بن إبراهيم الوُهَيبي، عام 1400هـ، غيرَ أنه لم يَجِدْ دارًا تطبعه.
2. منهج الماوَرْدي في تفسيره "النُّكَت والعيون": لبدر محمد حسن سميط، جامعة أم القرى، رسالة ماجستير، 1407هـ-1986م.
3. منهج الإمام أبي الحسن الماوَرْدي في تفسيره "النُّكَت والعيون": لعبد الله كاخيل، جامعة الأزهر، رسالة ماجستير، 1998م.
4. منهج الماوَرْدي في تفسيره "النُّكَت والعيون": لسالم مفتاح علي مبارك، رسالة دكتوراه، جامعة الفاتح، ليبيا، 2010م.
أبو الحَسَنِ عليُّ بن مُحمَّد بن حَبِيبٍ البَصْريُّ البَغْداديُّ.
الماوَرْديُّ.
و(الماوَرْديُّ): نسبة إلى بيعِ ماء الوَرْدِ أو صُنْعِه، وكانت هذه صنعةَ أبيه، فاشتهَر بها، وهي نسبةٌ اشتهَر بها كثيرٌ من العلماء في ذلك الزمان. انظر: "الإكمال" لابن ماكولا (1 /477).
وُلِد في البَصْرة سنةَ أربع وستين وثلاثمائة هجرية.
تُوفِّي سنة خمسين وأربعمائة، ودُفِن من الغدِ في مقبرة (باب حرب)، وكان قد بلَغ (86) سنة، وصلَّى عليه الخطيبُ البَغْدادي إمامًا. "تاريخ بغداد" (12 /102).
* أخَذ الفقهَ عن أبي القاسم الصَّيْمري. انظر: "طبقات الشافعية" لابن الصلاح (2 /363).
* أبو حامدٍ الأسفَرَاييني المتوفى سنة (406هـ).
* الحسن بن عليٍّ الجِيلي.
* عبد الواحد بن الحسين الصَّيْمري.
* مُحمَّد بن عدي بن زحر المِنْقَري.
* مُحمَّد بن المُعلَّى الأزدي.
* عبد الله بن مُحمَّد البخاري.
* جعفر بن مُحمَّد بن الفضل البَغْدادي، المعروف بابن المارستاني.
ينظر: "طبقات الشافعية" للسبكي (3 /303)، "لسان الميزان" (4 /260)، "طبقات المفسِّرين" للداوودي (1 /424).
كان له من التلاميذِ العددُ الكثير؛ ومنهم - على سبيل التمثيل لا الحصر -:
* أبو منصور مُحمَّد بن أبي الحسن عليِّ بن منصور بن عبد الملك بن إبراهيم القَزْويني، المعروف بابن القراء (510هـ).
* أبو بكرٍ أحمدُ بن عليِّ بن ثابتٍ الخطيب البَغْدادي، صاحبُ "تاريخ بغداد".
* أبو الفضل أحمد بن الحسين بن خَيْرون البغدادي، المتوفى سنة (488هـ).
* مُحمَّد بن أحمد بن عبد الباقي الرَّبَعيُّ المَوْصلي، المتوفى سنة (494هـ).
* أبو الفضل عبدُ الملك بن إبراهيم بن أحمد الهَمْداني الفَرَضي، المتوفى سنة (489هـ).
* ابن كادش، أبو العِزِّ أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله.
ألَّف الكثيرَ من الكتب، «وقيل: إنه لم يُظهِرْ شيئًا من تصانيفِه في حياته، وجمَعها في موضعٍ، فلما دنَتْ وفاتُه، قال لمن يثقُ به: الكتبُ التي في المكان الفلاني كلُّها تصنيفي، وإنما لم أُظهِرْها؛ لأني لم أجد نيةً خالصة لله تعالى لم يشُبْها كَدَرٌ، فإن عاينتُ الموتَ ووقعتُ في النَّزع، فاجعَلْ يدَك في يدي، فإن قبضتُ عليها وعصرتُها، فاعلَمْ أنه لم يُقبَلْ مني شيءٌ منها، فاعمِدْ إلى الكتب وألقِها في دِجْلةَ ليلًا، وإن بسطتُ يدي ولم أقبِضْ على يدك، فاعلَمْ أنها قُبِلتْ، وأني قد ظَفِرْتُ بما كنت أرجوه من النيةِ الخالصة.
قال ذلك الشخصُ: فلما قارَب الموتَ، وضعتُ يدي في يده، فبسَطها، ولم يَقبِضْ على يدي؛ فعَلِمْتُ أنها علامة القَبول، فأظهرتُ كتبَه بعده». انظر: "طبقات السبكي" (3 /303)، "طبقات الداوودي" (1 /424).
ومن مؤلَّفاته:
* "الحاوي الكبير"، وهو شرحٌ لمختصَر الإمام المُزَني.
* "الإقناع" في الفقه الشافعي، بسَط فيه الفقهَ في أربعة آلاف ورقة؛ كما قال هو عنه، ذكَر ذلك ابن كثير في "البداية والنهاية" (6 /85)، وهو غير مطبوع.
* "الأحكام السلطانية"، وهو كتاب قيِّم، يعالج كثيرًا من القضايا المهمة؛ كنظام المُلك، والوِزارة، ونظام الاقتصاد، والسياسة، والقضاء، وغيرِها من الجوانب التي لا يستغني عنها الحُكَّامُ والسلاطين.
* "قانون الوِزارة".
* "أدب الدِّين والدنيا".
* "سياسة المُلك".
* "أعلام النُّبوة"، غير مطبوع.
* "تسهيل النَّظَر وتعجيل الظَّفَر".
* "نصيحة الملوك".
* "الأمثال والحِكَم".
* "كتاب في النحو"، غير مطبوع.
* "النُّكَت والعيون".
وصنَّف في أصول الفقه، والأدب، وانتفَع الناس به.
هذا التفسيرُ ذو صِبْغةٍ متميِّزة عمن سبَقوه في ذلك العصر (القرن الخامس)، وهو أشبَهُ ما يكون قد خلَط بين التفسير التحليليِّ والتفسير الموضوعيِّ، وفيه نقولاتٌ أثَرية كثيرة؛ فهو - باعتبارٍ ما - تفسيرٌ أثريٌّ.
ولم يتناول الماوَرْديُّ كلَّ كَلِمِ القرآن؛ وإنما أخَذ ما فيه إبهامٌ ووضَّحه.
وقد بيَّن الماوَرْديُّ منهجَه في مقدمة "تفسيره"؛ قال رحمه الله: «جعلتُ كتابي هذا مقصورًا على تأويلِ ما خَفِيَ علمُه، وتفسيرِ ما غمُضَ تصوُّرُه وفهمُه، وجعلتُه جامعًا بين أقاويلِ السَّلف والخلَف، وموضِّحًا عن المؤتلِف والمختلِف، وذاكرًا ما سنَح به الخاطرُ من معنًى يحتمل، عبَّرت عنه بأنه محتمل؛ ليتميزَ ما قيل مما قلتُه، ويُعلَم ما استُخرِج مما استخرَجتُه.
وعدَلْتُ عما ظهَر معناه من فحواه اكتفاءً بفهمِ قارِيهِ، وتصوُّر تالِيهِ؛ ليكون أقرَبَ مأخذًا، وأسهَلَ مطلبًا.
وقدَّمتُ لتفسيره فصولًا، تكون لعملِه أصولًا، يُستوضح منها ما اشتبَه تأويلُه، وخَفِيَ دليلُه.
وأنا أستمدُّ اللهَ حُسْنَ معونتِه، وأسأله الصلاةَ على مُحمَّدٍ وآلِه وصحابته». "النكت والعيون" (1 /21).
وقد قدَّم للتفسير بمقدمة تتضمن علومَ القرآن: ذكَر فيها أسماءَ القرآن، وتكلَّم في الإعجاز، والأحرف السبعة، وشرح أثرَ ابن عباس رضي الله عنهما: «أن القرآنَ على أربعةِ أوجه»، وبيَّن أهمية الشِّعر والإعراب بالنسبة للمفسِّر، ثم شرَع في التفسير؛ يبحث عن النِّكات الخفيَّة التي ذكَرها أهلُ العلم واختلفوا فيها، وهنا نُجمِل بعضَ النقاط في منهجه في التفسير:
1. يذكُرُ الآيةَ أولًا، فإن كان الكلام على الآية جملةً ذكَر تأويلَها، مع عزوِ كلِّ قول قيَّده إلى قائله، إلا إن خَفِيَ عليه فيذكُرُه مجرَّدًا، وإن كان له قولٌ قيَّده آخِرًا بعد احتمال، فقال: «قوله عز وجل: ﴿بِسْمِ اْللَّهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ﴾: أجمَعوا أنها من القرآنِ في سورة النمل، وإنما اختلَفوا في إثباتها في فاتحةِ الكتاب، وفي أول كلِّ سورة؛ فأثبَتها الشافعيُّ في طائفةٍ، ونفاها أبو حنيفةَ في آخِرين». (1 /47). ثم ذكَر بعد ذلك اختلافَ أهل اللغة في معنى (الباء) ومتعلَّقِها، ثم اشتقاقِ (الاسم)، مع ذكرِ الشواهد على ذلك، وهكذا إلى أن استوفى جميعَ القرآن، وربما كان في الكلمة المختلَف في تأويلها ثمانيةُ أقوال أو أكثر، فيذكُرُها ويُسهِب ويُطنِب، ويأتي بما يسُرُّ ويُطرِب.
2. يحكي الأقوالَ إذا ورَدتْ عن إمامٍ متبوع، حتى وإن كان بعضها ضعيفًا؛ ومن أمثلة ذلك: قوله في تفسير (البسملة): «(الباء): بهاؤُه وبرَكتُه، وبِرُّه وبصيرته، و(السِّين): سناؤُه وسموُّه وسيادته، و(الميم): مجدُه ومملكته ومَنُّه؛ وهذا قول الكَلْبي.
والثاني: أن (الباء): بريءٌ من الأولاد، و(السِّين): سميعُ الأصوات، و(الميم): مجيبُ الدعوات؛ وهذا قولُ سليمانَ بن يسار.
والثالث: أن (الباء): بارئ الخَلق، و(السِّين): ساتر العيوب، و(الميم): المنَّان؛ وهذا قول أبي روق». ثم عقَّب على هذه الأقوالِ مضعِّفًا لها: «ولو أن هذا الاستنباطَ يُحكَى عمَّن يُقتدى به في علم التفسير، لَرُغِبَ عن ذكرِه؛ لخروجه عما اختَص اللهُ تعالى به من أسمائه، لكن قاله متبوعٌ، فذكَرتُه مع بُعْدِه حاكيًا، لا محقِّقًا؛ ليكونَ الكتاب جامعًا لِما قيل». (1 /49).
ولعلَّ هذا ما يُفسِّر إيرادَه بعضَ الأقوال الضعيفة دون تعقُّبٍ لها؛ كما ورَد في قصة (يحيى) عليه السلام؛ فمثلًا في قوله تعالى: ﴿وَحَصُورٗا﴾ [آل عمران: 39]، قال: «فيه ثلاثةُ أقاويلَ:
أحدها: أنه كان عِنَّينًا لا ماءَ له؛ وهذا قول ابنِ مسعود، وابن عباس، والضَّحاك.
والثاني: أنه كان لا يأتي النساءَ؛ وهو قول قتادةَ، والحسن.
والثالث: أنه لم يكُنْ له ما يأتي به النساءَ؛ لأنه كان معه مثلُ الهُدْبةِ؛ وهو قولُ سعيدِ بن المسيَّب». (1 /391).
3. يهتم كثيرًا باللغة؛ كالاشتقاق، والفروق، والمترادِفات، والشواهد، ويعزو أكثرَ هذه المسائل إلى الزَّجاج، والمفضَّل، والفرَّاء، والأخفَش، والخليل بن أحمد، وسِيبَوَيه، وأبي عمرو بن العلاء، والكِسائي، ومُؤرِّج بن عمرو السَّدُوسي، وقُطْرب، وابن قتيبة، وأبي عُبَيدة، والرُّمَّاني، والمُبرِّد، وثعلب، وغيرهم.
4. كثيرًا ما يَعرِض للمسائل الفقهية، ويذكُرُ الأقوال معزوَّةً إلى أصحابها من غيرِ مناقشةٍ أو ترجيح، إلا ما ندَر، وهو قليل جدًّا، وأكثَرُ الأقوال التي يعزوها في المسائل الفقهية لغير الأئمة الأربعة؛ فعَزْوُهُ - في الغالب - يكون إلى الصحابةِ؛ كابنِ عباس، وابن مسعود، وعليٍّ، وابنِ عُمَرَ، والخلفاء الأربعة، وغيرهم، وإلى التابعين؛ كسعيدِ بن المسيَّب، وابن جُبَير، والحسَنِ، ومجاهد، وعِكْرمة، وقتادةَ، وغيرهم.
5. لم يستوعِبِ الماوَرْديُّ جميعَ القراءات المتواترة؛ بل ولا أكثَرَها، ولكنه عرَض لكثير من القراءات المتواترة وغير المتواترة، مما له ارتباطٌ بمعنى الآية؛ فمثلًا في قوله تعالى: ﴿وَاْللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ [آل عمران: 36]، قال: «قرأ ابنُ عامر وأبو بكر عن عاصم: بضمِّ التاء، فيكون ذلك راجعًا إلى اعتذارها بأن اللهَ أعلَمُ بما وضَعْتُ، وقرأ الباقون: بجزمِ التاء، فيكون ذلك جوابًا من الله تعالى لها بأنه أعلَمُ بما وضَعَتْ منها». (1 /387).
وكذلك وجَّه قراءةَ: ﴿كَفَلَهَا﴾ بعد أن ذكَر أوجه القراءة، فقال: «وقرأ الباقون: ﴿كَفَلَهَا﴾ بالتخفيف؛ ومعنى ذلك: أنه أخَذ كفالتَها إليه، ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا اْلْمِحْرَابَ﴾ [آل عمران: 37]، وهو معروف، وأصلُه: أنه أكرَمُ موضعٍ في المجلس». (1 /388).
6. ينقُلُ كثيرًا من التفسيراتِ الإشارية، ثم يُنبِّه على ضعفِها؛ ومن أمثلة ذلك: قوله في تفسير قوله تعالى: «﴿إِذْ هُمَا فِي اْلْغَارِ﴾ [التوبة: 40]: وذهَب بعضُ المتعمِّقة في غوامضِ المعاني إلى أن قوله تعالى: ﴿إِذْ هُمَا فِي اْلْغَارِ﴾؛ أي: في غَيْرةٍ على ما كانوا يرَونه من ظهورِ الكفر، فغارَ على دِين ربِّه؛ وهو خلافُ ما عليه الجمهور».
ويَنعَت أصحابَ هذا النوع من التفسير بنعوتٍ مختلفة؛ مثل: «وذكَر بعضُ الخاطريِّين»، «وذكَر بعض المتصوِّفة»، «أصحاب الخواطر»، «بعض مَن يتعاطى غوامضَ المعاني»، «مَن راعى معانيَ الحروف».
7. ذكَر العلماءُ الشواهدَ الشِّعرية لطلبِ معنَى كلمةٍ أو آية، أو استئناسًا به على كثرةِ استعماله عند العرب أو قِلَّتِه، لا على صحته، والماوَرْديُّ قد أفاض في هذا، وأورد شواهدَ كثيرةً، بعضُها في الفروق، وبعضها في بيانِ معنًى غامض.
8. يُستفاد من "تفسيره" في رَدِّ شبهات النصارى وأذنابهم من المستشرِقين، ممن يتَّهِمون القرآنَ بأن فيه كلماتٍ زائدةً لا معنَى لوجودها، فكان يُبيِّن وجهَ الإعجاز بوجود هذه اللفظة في هذا المكان؛ كقوله عن لفظة: ﴿كَهْلٗا﴾: «فإن قيل: فما المعنى في الإخبار بكلامه: ﴿كَهْلٗا﴾ وذلك لا يُستنكر؟ ففيه قولان:
أحدهما: أنه يُكلِّمهم ﴿كَهْلٗا﴾ بالوحيِ الذي يأتيه من الله تعالى.
والثاني: أنه يتكلم صغيرًا في المهدِ كلامَ الكهلِ في السنِّ». (1 /394).
وكذلك يُستفاد منه في ردِّ شبهات الرافضة؛ حيث ناقَشهم في مواطنَ كثيرة.
9. في ذكرِه لأسباب النزول لا يقتصِرُ على ذكرِ سببٍ واحد للآية؛ بل يذكُرُ كلَّ ما قيل مما عَلِمَه في سبب النزول، وربما ذكَر الآيةَ وحكى فيها أوجهًا هي سببُ النزول، غيرَ أنه لا يُصرِّح بذكرِ سبب النزول؛ بل يقول: فيها ثلاثة أوجه، أو أقاويل، أو نحو ذلك، ويَعرِض أحيانًا لأولِ ما نزَل في شأنٍ خاصٍّ؛ كقوله في تفسير آية: ﴿إِنَّ اْلْمُسْلِمِينَ وَاْلْمُسْلِمَٰتِ﴾ [الأحزاب: 35]، قال: «قال قتادةُ: وكانت هذه الآيةُ أولَ آيةٍ نزلت في النساء، فذُكِرْنَ بخيرٍ». (3 /325).
وقال في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ اْلنِّسَآءَ كَرْهٗاۖ﴾ [النساء: 19]، قال الماوَرْديُّ: «وسببُ ذلك: أن أهلَ المدينة في الجاهلية كانوا إذا مات أحدُهم عن زوجةٍ، كان ابنُه وقريبه أَوْلى بها من غيره، ومنها بنفسها، فإن شاء نكَحها كأبيه بالصَّداق الأول، وإن شاء زوَّجها وملَك صداقها، وإن شاء عضَلها عن النكاح حتى تموتَ، فيَرِثها، أو تفتدي منه نفسَها بصداقها، إلى أن تُوفِّيَ أبو قيسِ بن الأسلَتِ عن زوجته كُبَيشة بنت مَعْنِ بن عاصم، فأراد ابنُه أن يَتزوَّجها، فجاءت إلى النبيِّ ﷺ، فقالت: يا نبيَّ الله، لا أنا وَرِثْتُ زوجي، ولا أنا تُرِكْتُ فأُنكَحَ؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ». (1 /465-466).
10. مالَ الماوَرْديُّ في "تفسيره" إلى قولِ المعتزلة أحيانًا، ووافَقهم بشكل جليٍّ في بعض المسائل؛ كمسألة القدر؛ قال ابنُ حجر في "لسان الميزان": «ولا ينبغي أن يُطلَق عليه اسمُ الاعتزال.. والمسائلُ التي وافَق فيها المعتزلةَ معروفةٌ.. ومسائلُ أُخَر توجد في "تفسيره" وغيره؛ منها: أنه قال في تفسير سورة (الأعراف): «لا يشاء عبادةَ الأوثان..»، وافَق اجتهادُه فيها مقالاتِ المعتزلة.
وقد أشار إلى بعضها الإمامُ أبو عمرِو بنُ الصلاح». (6 /25).
وقد بحَث الدكتورُ عبد العزيز الحربي عقيدةَ الماوَرْدي من خلال "تفسيره"، وتوصَّل إلى أن «الماوَرْدي لا ينبغي أن يُطلَق عليه اسمُ الاعتزال؛ كما قال ذلك ابنُ حجر، وموافَقتُه لهؤلاء حينًا وأولئك حينًا آخَرَ: دليلٌ على عدم تعصُّبه، وقد أدى اجتهادُه إلى موافقة المعتزلة في القَدَر والاستواء وبعض المسائل، ووافَق أهلَ السُّنة في القرآن والصفات وغيرهما، ولا أستطيع الجزمَ فيما عدا ذلك، وهو مأجورٌ إن شاء الله تعالى أجرًا واحدًا على اجتهاده، مغفورٌ له على خطئه». "سبع ورقات وثمانية أبحاث" (ص214).
اشتمَل كتابُه على عددٍ من العلوم الشرعية التي لا غِنَى للمفسِّر عنها؛ مثل: علم اللُّغة (وكان اعتناؤه به واضحًا جليًّا)، والاشتقاق، وعلم القراءات وتوجيهها، إضافةً إلى علم الحديث، وأسباب النزول، والفقه في آيات الأحكام.
فالكتابُ غنيٌّ بالعلوم الشرعية التي لا يستغني عنها طالبُ علم.
كان الماوَرْديُّ يستقي في "تفسيره" من مصادرَ كثيرة جدًّا؛ في التفسير، والفقه، واللُّغة، والأدب، وغيرها، وربما كان من مصادرِه بعضُ تفاسير الشِّيعة، وبعضُ التفسيرات الإشارية؛ ليكون الكتابُ جامعًا لكلِّ ما قيل.
* ففي القراءات: اعتمَد على كتب القراءات المعروفة؛ ككتاب "القراءات" لابن خالَوَيْهِ، وكتاب "الحُجَّة" للفارسي، و"المحتسَب" لابن جِنِّي، وكتب القَيْسيِّ، والدانيِّ، وأمثالهم.
* وفي التفسير بالمأثور: اعتمَد على "جامع البيان" للطَّبَري، وهو من أهمِّ مصادره؛ فتَراه ينقُلُ ما أجمَلَه الطبريُّ، ويُوجِزه، ويَحذِف إسنادَه، ويتصرف في بعض العبارات حذفًا وبيانًا، ويترك بعضَ ما لا يراه، وربما نقَل الأقوال بحروفها، وهو في ذلك ما بين مصرِّح وغير مصرِّح، فإن صرَّح قال: «وهو قول أبي جعفر الطَّبَري»، أو كلامًا هذا معناه.
كما قد ينقُلُ من "تفسير مُقاتِل بن حيَّان"، وغيره.
* وفي الأدب: استمَدَّ مادَّتَه من كتبٍ كثيرة ومتنوِّعة.
* وفي الفقه: يذكُرُ نصوصَ الصحابة، والتابعين، والأئمة المتقدِّمين، ومع قلة ذكرِه للأئمة الأربعة في "تفسيره"، فإن للشافعيِّ رحمه الله حظًّا وافرًا أكثَرَ من الجميع، وأكثَرُ الأئمة الأربعة ورودًا في تفسيره: الإمامُ الشافعي، فأبو حنيفة، فمالكٌ، وأما أحمَدُ فلا تجد له ذكرًا.
* وفي اللغة: كان يأخذ من قُطْرُب، والأخفش، والكِسائي، والفرَّاء.
يُعَد "تفسيرُ الماوَرْديِّ" من أهمِّ كتب التفسير، وقد اهتم به كثيرٌ ممَّن تأخَّر عنه؛ كابن الجَوْزي في تفسيره "زاد المَسير"، والقُرْطُبي في "الجامع لأحكام القرآن"، وغيرهما.
ومِن المزايا التي امتاز بها هذا التفسيرُ:
* إيرادُه الاحتمالاتِ المرادةَ بالآية؛ يقول الدكتور عبد العزيز الحربي: «أما إيرادُه لبعض ما تحتمِلُه الآية من وجهٍ أو أكثرَ، إضافةً إلى ما يذكُرُه عن المتقدِّمين: فكثيرٌ، وأكثَرُ منه تعرُّضُه للفروق اللُّغَوية، وبيانُ معنى كلِّ كلمة، والفرق بينها وبين الكلمة الأخرى التي قد يُظَنُّ أنها تُساوي أختَها في المعنى، وهذا الجانب عُنِيَ به الماوَرْديُّ أيَّما عناية، وأَوْلاه قدرًا كبيرًا من "تفسيره"؛ ولعلَّ السببَ في ذلك: هو تنبيهُ القارئ إلى أن كلًّا من الكلمتين له معنى الكلمة الأخرى، وربما كان له حُكْمٌ مُبايِن للحكم الذي ينبني على الكلمة الأخرى، وهو في هذا المضمارِ أحسَبُه الفريدَ في بابه، ولم أجد تفسيرًا اهتم بهذا الجانبِ اهتمامًا كاهتمام الماوَرْديِّ على توسُّطِ حجمه، ومقداره...». "سبع ورقات وثمانية أبحاث" (ص223).
«وتُوفِّيَ في هذه السنةِ أقضى القضاةِ أبو الحسَنِ عليُّ بن مُحمَّد بن حبيبٍ الماوَرْديُّ».
الكَتَّاني "ذيل تاريخ مولد العلماء ووفَيَاتهم" (ص205).
«كان رَجُلًا جليلًا، عظيمَ القَدْرِ، متقدِّمًا عند السلطان، أحدَ الأئمة، له التصانيفُ الحِسان في كلِّ فنٍّ من العلوم».
ابن خيرون "طبقات الفقهاء الشافعية" لابن الصلاح (2 /637).