القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
عن عبد الله بن عمررضي الله عنهما مرفوعاً: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه؛ يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده». زاد مسلم: قال ابن عمر: «ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله ﷺ يقول ذلك، إلا وعندي وصيتي».
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاءني رسول الله ﷺ يَعُودُنِي عام حَجَّةِ الوداع من وَجَعٍ اشْتَدَّ بي، فقلت: يا رسول الله، قد بلغ بي من الوَجَعِ ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يَرِثُنِي إلا ابنةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: فالشَّطْرُ يا رسول الله؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك إن تَذَرَ وَرَثَتَكَ أغنياء خيرٌ من أن تَذَرَهُم عالَةً يَتَكَفَّفُونَ الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرْتَ بها، حتى ما تجعل في فِيْ امرأتك. قال: قلت: يا رسول الله أُخَلَّفُ بعد أصحابي؟ قال: إنك لن تُخَلَّفُ فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازْدَدْتَ به درجة ورِفْعَةً، ولعلك أن تُخَلَّفَ حتى ينتفع بك أقوام، ويُضَرُّ بك آخرون. اللهم أَمْضِ لأصحابي هجرتهم، ولا تَرُدَّهُم على أَعْقَابِهِم، لكنِ البَائِسُ سعد بن خَوْلَةَ (يَرْثِي له رسول الله ﷺ أن مات بمكة).
عن عمرو بن خارجة رضي الله عنه: أن النبي ﷺ خطب على ناقته وأنا تحت جِرَانِها وهي تَقْصَع بِجِرَّتِها، وإن لُعابها يَسِيل بين كتفيَّ فسمعتُه يقول: «إن الله أعطى كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، ولا وصيَّةَ لِوارث، والولَد لِلْفِراش، وللعاهِرِ الحَجَر، ومن ادَّعى إلى غير أبِيهِ أو انْتمى إلى غير مَوَاليه رغبةً عنهم فعَلِيه لعنةُ الله، لا يَقْبَلُ الله منه صَرْفا ولا عَدْلا».
عن حنظلة بن حِذْيَم، أن جدَّه حَنِيفَة قال لحِذْيَم: اجمع لي بنيَّ، فإني أريد أن أُوصِي، فجَمَعهم، فقال: إنَّ أوَّل ما أوصي أنَّ ليَتِيمي هذا الذي في حَجْري مائة من الإبل، التي كنا نُسمِّيها في الجاهلية: المُطَيِّبة، فقال حِذْيَم: يا أبَتِ، إني سمعت بَنِيك يقولون: إنما نُقِرُّ بهذا عند أَبِينا، فإذا مات رجَعْنا فيه، قال: فبَيْني وبيْنكم رسول الله ﷺ، فقال حِذيم: رَضِينا، فارْتَفَعَ حذيم، وحنيفة، وحنْظَلَة معهم غُلام، وهو رَدِيف لحذيم، فلما أتوا النبي ﷺ، سلَّموا عليه، فقال النبي ﷺ: «ما رَفَعَك يا أبا حذيم؟» قال: هذا، وضرَب بيده على فَخِذ حذيم، فقال: إني خَشِيتُ أن يَفْجَأَني الكِبَر، أو الموْت، فأردتُ أن أوصي، وإني قلتُ: إن أوَّل ما أوصي أن ليتيمي هذا الذي في حَجْري مائة من الإبل، كنا نُسَمِّيها في الجاهلية: المُطَيِّبة، فغَضِب رسول الله ﷺ، حتى رأَيْنا الغضب في وجهه، وكان قاعدًا فجَثَا على ركبتيه، وقال: «لا، لا، لا الصدقة خمس، وإلا فعشر، وإلا فخمس عشرة، وإلا فعشرون، وإلا فخمس وعشرون، وإلا فثلاثون، وإلا فخمس وثلاثون، فإن كَثُرت فأربعون» ، قال: فودَّعوه ومع اليتيم عصا، وهو يَضْرب جملا، فقال النبي ﷺ: «عَظُمَت هذه هراوة يتيم» ، قال حنظلة: فَدَنا بي إلى النبي ﷺ، فقال: إنَّ لي بَنِين ذوي لِحى، ودون ذلك، وإنَّ ذا أصغرُهم، فادع الله له، فَمَسَح رأسه، وقال: «بارك الله فيك» ، أو «بورك فيه» ، قال ذَيَّالٌ: فلقد رأيتُ حنظلة، يؤتى بالإنسان الوارِم وجهه، أو بالبهيمة الوارِمة الضَّرع، فيَتْفُل على يديه، ويقول: بسم الله، ويضع يده على رأسه، ويقول على موْضِع كف رسول الله ﷺ، فَيَمْسحه عليه، وقال ذيال: فَيَذْهب الوَرَم.
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".