البحث

عبارات مقترحة:

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

الصراط

من أهوال اليوم الآخر: الورود على الصراط المضروب على ظهر جهنم، وقد تواترت الأحاديث بإثباته، وأيضًا ثبت في وصفه أنه أدق من الشعرة وأحدُّ من السيف، فأما الكافر فيهوي في النار وأما المؤمن فيجوزه كلٌّ بقدر عمله، فمنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كمر الطير حتى يمر الرجل زحفًا، وقد أجمع أهل السنة على الإيمان بالصراط وأنه حق، وآمنوا بصفته على ظاهرها كما ثبت في السنة، وأجابوا عن شبه المخالفين في ذلك.

التعريف

التعريف لغة

الصراط لغة : هو الطريق، وفيه لغات: الأولى: إبدال الصاد سينًا، قال الأزهري نقلًا عن الفراء: «وَهِي بالصَّاد لُغَة قُريش الأوَّلين الَّتِي جَاءَ بهَا الكِتَابُ؛ قَالَ: وعامّة العَرَب تَجْعَلُها سِيناً» "تهذيب اللغة" (12/232) الثانية: إشمام الصاد زايًا وبها قرأ حمزة من رواية خلف. انظر "النشر" لابن الجزري (1/272) الثالثة: نطقها بالزاي الخالصة، حكاه الأصمعي، لكن تعقبه في ذلك بعضهم قال ابن سيده نقلًا عن الفارسي: «فَأَما مَا حَكَاهُ الْأَصْمَعِي من قِرَاءَة بَعضهم الزِراط بالزاي المُخلَصة فخطأ إِنَّمَا سمع بِهِ المضارعة فتوهمها زاياً» "المخصص" (3/306) وخصه بعضهم بالطريق السهل، قال العسكري: «الفرق بين الصراط والطريق والسبيل أن الصراط هو الطريق السهل» "الفروق اللغوية" (1/298) وعن سبب التسمية يقول ابن منظور: «وَقِيلَ: إِنما قِيلَ لِلطَّرِيقِ الْوَاضِحِ سِرَاطٌ لأَنه كأَنه يَسْتَرِطُ المارّة لكثرة سلوكهم لاحِبَه» "لسان العرب" (7/314)، وقال الراغب: «أصله من: سَرَطْتُ الطعامَ وزردته: ابتلعته، فقيل: سِرَاطٌ، تصوّرا أنه يبتلعُهُ سالكُه، أو يبتلعُ سالكَه» "المفردات" (ص407) راجع "القاموس المحيط" للفيروزآبادي (ص675)، "الصحاح" للجوهري (3/1139)، "تاج العروس" للزبيدي (19/437)

التعريف اصطلاحًا

الصراط اصطلاحًا: جسر ممدود على ظهر جهنم يمر عليه الناس كلهم. قال النووي: «وهو جسر على متن جهنم يمر عليه الناس كلهم فالمؤمنون ينجون على حسب حالهم أي منازلهم والآخرون يسقطون فيها» "شرح صحيح مسلم" (3/20) وقال السفاريني: «اتفقت الكلمة على إثبات الصراط في الجملة، لكن أهل الحق يثبتونه على ظاهره من كونه جسرًا ممدودًا على متن جهنم أحد من السيف وأدق من الشعر». "لوامع الأنوار البهية" (2/192). وقال الشطي في "مختصره" (ص135): «قال العلماء: الصراط أدقُّ من الشعرة، وأحدُّ من السيف، وأحمى من الجمرة». وعرفه ابن بلبان بقوله: «هو جِسْرٌ ممدودٌ على جَهَنَّمَ دَحِضٌ مَزَلَّةٌ، أَحَدُّ مِنَ السّيفِ وأدَقُّ من الشَّعْرِ وأَحَرُّ من الجَمْرِ، عليه خَطَاطِيفُ تأخُذُ الأَقدامَ، وعبورُهُ بِحَسَبِ الأَعمال، فَمُشَاةً ورُكْبانًا وزحافًا، يَمُرُّ عليه المُسْلِمُ والكافِرُ». "مختصر الإفادات" (ص506). وعرفه بعض العلماء بأنه «قنطرة جهنم بين الجنة والنار». انظر "اللآلئ البهية " (ص140). وهو تعريف لا يخلو من إشكال، وبينه غالب العواجي بقوله: «وقد مشى على هذا التعريف بعض العلماء ، وفي هذا التعريف إشكال يبدوفي قولهم : "بين الجنة والنار"، فإن المفهوم من الأحاديث أن الصراط منصوب على متن جهنم وتكون جهنم تحته ، ولهذا يسقط فيها من يسقط أثناء عبورهم الى الجنة ، فإذا كان الصراط بين الجنة والنار ، فكيف يتصور سقوط من يسقط فيه أو خطف الكلاليب له أثناء سيره إلى الجنة، وقد تجاوز النار ، فتعريفه بأنه بين الجنة والنار تعریف مشكل، إلا أن يراد به أنه يبتدئ من أول النار ويستمر عليها إلى أن يصل إلى الجنة». "الحياة الآخرة" (ص1146 ، 1147). والتوجيه الذي ذكره متوجه، والبينية لا تستلزم الاتصال؛ يدلك على هذا أن السفاريني عرفه بأنه جسر ممدود على متن جهنم في "شرح السفارينية" كما سبق، وعرفه أيضا بأنه «قنطرة جهنَّم بين الجنّةِ والنّارِ» في "البحور الزاخرة في علوم الآخرة" (2/869)، ويظهر ذلك بجلاء في تعبير ابن تيمية بالتعبيرين في موضع واحد، قال: «والصراط منصوب على متن جهنم - وهو الجسر الذي بين الجنة والنار - يمر الناس عليه على قدر أعمالهم» "مجموع الفتاوى" (3/146) فيظهر من هذا أن الإشكال في ظاهر العبارة فقط. راجع "شرح الطحاوية" لابن أبي العز الحنفي (2/236)، "فتح الباري" لابن حجر (11/446)، "الواسطية" لابن تيمية (ص20)

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

الصراط بالمعنى الاصطلاحي أخص من الصراط بالمعنى اللغوي، فبينهما عموم وخصوص مطلق، قال ابن تيمية: «الصِّرَاطُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: هُوَ الطَّرِيقُ يُقَالُ هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ وَيُقَالُ هُوَ الطَّرِيقُ الْمَحْدُودُ بِجَانِبَيْنِ الَّذِي لَا يَخْرُجُ عَنْهُ، وَمِنْهُ الصِّرَاطُ الْمَنْصُوبُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَهُوَ الْجِسْرُ الَّذِي يَعْبُرُ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِذَا عَبَرَ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ سَقَطُوا فِي جَهَنَّمَ، وَيُقَالُ فِيهِ: مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ وَالِاعْتِدَالِ الَّذِي يُوجِبُ سُرْعَةَ الْعُبُورِ عَلَيْهِ» "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (3/178)

الحكم

يجب الإيمان بالصراط، وأنه حق، هذا معتقد أهل السنة، قال ابن ناجي التنوخي: «الإيمان بالصراط واجب عند أهل السنة وهو جسر ممدود على متن جهنم أرق من الشعر وأحد من السيف يرده الأولون والآخرون كذا فسره النبي ». "شرح رسالة القيرواني" (1/51). والإيمان بالصراط يدخل ضمن الإيمان باليوم الآخر، يقول الشيخ عبد الرحمن البراك: «ومما يجب الإيمان به ويدخل في الإيمان باليوم الآخر: الصراط، وهو: جسر منصوب على متن جهنم بين الجنة والنار». "توضيح مقاصد الواسطية" (ص181). والإيمان بالصراط يدخل في الإيمان بالرسل أيضًا، قال ابن رجب: «والإيمان بالرُّسُل يلزمُ منهُ الإيمانُ بجميع ما أخبرُوا به من المَلائكةِ، والأنبياء، والكتابِ، والبعثِ، والقدرِ، وغير ذلك من تفاصيل ما أخبروا به مِنْ صفات الله تعالى وصفات اليوم الآخر، كالميزانِ والصراطِ ، والجنَّةِ، والنَّار». "جامع العلوم والحكم" (1/105). راجع "لوامع الأنوار" للسفاريني (2/292 وما بعدها)، "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" للقرطبي (ص758).

الأدلة

القرآن الكريم

الصراط في القرآن الكريم
لم يرد إثبات الصراط صريحًا في القرآن، لكن هناك آيات تشير إليه، منها قوله تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: 23]. قال البغوي: «قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا سِيقُوا إِلَى النَّارِ حُبِسُوا عِنْدَ الصِّرَاطِ لِأَنَّ السُّؤَالَ عِنْدَ الصِّرَاطِ، فَقِيلَ: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ». "تفسير البغوي" (4/29). ومنها قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: 71]. قال ابن أبي العز: «اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِالْوُرُودِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ (2) - مَا هُوَ؟ وَالْأَظْهَرُ وَالْأَقْوَى أَنَّهُ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ». "شرح الطحاوية" (2/238). وقال ابن تيمية: «وأما الورود المذكور في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ فقد فسره النبي في الحديث الصحيح رواه مسلم في صحيحه عن جابر: ﴿بأنه المرور على الصراط﴾ والصراط هو الجسر؛ فلا بد من المرور عليه لكل من يدخل الجنة من كان صغيرا في الدنيا ومن لم يكن». "مجموع الفتاوى" (4/279). وقال الطوفي: «يعني النار يمر الناس على الصراط وهو كالجسر مقنطر عليها؛ فالمتقي ناج، وغيره هاو فيها». "الإشارات الإلهية" (ص424). راجع "الحياة الآخرة" للعواجي (ص1148-1151).

السنة النبوية

الصراط في السنة النبوية
تواترت الأحاديث الدالة على إثبات الصراط تواترًا معنويًا، قال ابن تيمية: «فأحاديث الشفاعة والصراط والميزان والرؤية وفضائل الصحابة ونحو ذلك متواتر عند أهل العلم وهي متواترة المعنى وإن لم يتواتر لفظ بعينه». "مجموع الفتاوى" (18/69) ومن هذه الأحاديث: حديث أبي هريرة وفيه: «فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ، وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو» أخرجه البخاري برقم (806)، ومسلم برقم (182) وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله يقول: «إِنَّ الصِّرَاطَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فَالْأَنْبِيَاءُ يَقُولُونَ عَلَيْهِ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَالنَّاسُ كَلَمْعِ الْبَرْقِ، وَكَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَكَأَجَاوِدِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالرِّكَابِ، وَشَدًّا عَلَى الْأَقْدَامِ، فَنَاجٍ مُسْلِمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَطْرُوحٌ فِيهَا، وَلَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ». أخرجه البيهقي في "البعث والنشور" برقم(459). وحديث أبي سعيد وفيه: «يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، عَلَيْهِ حَسَكٌ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ، ثُمَّ يَسْتَجِيزُ النَّاسُ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَجْدُوحٌ بِهِ، ثُمَّ نَاجٍ وَمُحْتَبَسٌ بِهِ فَمَنْكُوسٌ فِيهَا». أخرجه ابن ماجه برقم (4280)، أخرجه أحمد برقم (11081). وحديث حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما، وفيه: «وترسل الأمانة والرحم، فتقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالًا، فيمر أولكم كالبرق " قال: قلت: بأبي أنت وأمي أي شيء كمر البرق؟ قال: "ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وشد الرجال، تجري بهم أعمالهم ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفًا"، قال: «وفي حافتي الصراط كلاليب مُعلَّقَةٌ مأمورةٌ بأخذ من امرت به، فمخدوش ناج، ومكدوس في النار». أخرجه مسلم برقم (195).

الإجماع

أجمع أهل السنة على أن الصراط حق للأحاديث المتواترة في ذلك، قال الأشعري: «أجمعوا على أن الصراط (جسر) ممدود على جهنم يجوز عليه العباد بقدر أعمالهم، وأنهم يتفاوتون في السرعة والإبطاء على قدر ذلك». "رسالة إلى أهل الثغر" (ص163). وقال السفاريني: «اتفقت الكلمة على إثبات الصراط في الجملة». "لوامع الأنوار البهية" (2/192). راجع "عقيدة السلف وأصحاب الحديث" للصابوني (ص258)، "العقيدة الواسطية" لابن تيمية (ص20)

العقل

ليس إثبات الصراط مما يدل عليه العقل، فهو من الغيبيات التي لا تعلم إلا بخبر من الوحي، قال ابن تيمية: «إن مسائل ما بعد الموت ونحو ذلك، الأشعري وأتباعه ومن وافقهم من أهل المذاهب الأربعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية يسمونها السمعيات بخلاف باب الصفات والقدر وذلك بناء على أصلين. أحدهما: أن هذه لا تعلم إلا بالسمع. والثاني: أن ما قبلها يعلم بالعقل». "شرح الأصفهانية" لابن تيمية (ص212). ويقول ابن القيم: «فالمعلومات ثلاثة أقسام: أحدها: ما يعلم بالعقل، والثاني: ما يعلم بالسمع، والثالث: ما يعلم بالعقل والسمع». "مختصر الصواعق المرسلة" (1/274).

الحكمة

معلوم أن الله تعالى حكيم لا يفعل شيئًا إلا لحكمة، قد تدركها عقولنا وقد تقصر عن إدراكها، وقد سبق أنه ليس للعقل مجال في إثبات الصراط، إلا أنه لا بأس من تلمس حكمة الله تعالى فيه، فمن ذلك أن الحكمة من الورود على الصراط قد تكون: زيادة حسرة الكافرين حين يرون فوز المؤمنين ونجاتهم بعد اشتراكهم معهم في ورود الصراط، ومن ذلك أيضا معرفة المؤمنين لعظيم فضل الله عليهم إذ أنجاهم من النار. انظر "الحياة الآخرة" للعواجي (ص1187).

أقوال أهل العلم

«قد سمعتَ رَحِمك الله بِهَذَا الطَّرِيق الْحَرج والمسلك الشاق والقنطرة المضطربة الَّتِي لَا تثبت عَلَيْهَا الْأَقْدَام وَلَا تجوزها الأوهام إِلَّا قدم ثبتَتْ على التَّقْوَى وَوهم جَازَ فِي الملكوت الْأَعْلَى. ولعلك تظن أَن هَذَا الطَّرِيق من طرق الدُّنْيَا الصعبة وسبلها الوعرة، بل هُوَ أحد من السَّيْف وأدق من الشعرة، فَمَا ظَنك بك وَقد حملت عَلَيْهِ وكلفت الْمُرُور بِهِ ومهواه جَهَنَّم تَحْتك، وَقد مَلأ زفيرها أُذُنك، ومنظرها الهائل قَلْبك وعينك، وَأَرَدْت الْمُرُور فَلم تقدر، والنهوض فَلم تستطع، واضطرب بك اضطرابًا، والتهب ذَلِك السعير تَحْتك التهابًا، وَلم تَجِد إِلَى النجَاة سَبِيلا وَلَا إِلَى الْخَلَاص بَابًا، وَلَا ينْهض بك إِلَّا سعيك الَّذِي سعيت، وَلَا جرى بك إِلَّا عَمَلك الَّذِي عملت، ومركوبك الَّذِي فِي الدُّنْيَا ركبت، فلتتخير الْآن أَي المراكب تركبها، وَأي الْأَبْوَاب تدْخلهَا، وَأي الطّرق تَأْخُذ فِيهَا وتسلكها، وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم.» ابن الخَرَّاط "العاقبة في ذكر الموت" (ص314)

مذاهب المخالفين

نسب كثير من العلماء إلى المعتزلة إنكار الصراط، قال ابن حجر الهيتمي: «وأما إنكار الصراط والميزان ونحوهما مما تقول المعتزلة قبحهم الله تعالى بإنكاره، فإنه لا كفر به». "الإعلام بقواطع الإسلام" (ص155)، وقال التنوخي: «واختلف المعتزلة في اثبات الصراط ونفيه وأكثرهم على نفيه» "شرح رسالة القيرواني" (1/51) وانظر "التسعينية" لابن تيمية (3/900)، "الإرشاد" للجويني (ص294). لكن هذه النسبة ليست دقيقة على إطلاقها، حيث يقول شيخ المعتزلة القاضي عبد الجبار: «ومن جملة ما يجب الإيمان به واعتقاده: الصراط ثم يقول: وقد حكى في الكتاب عن كثير من مشايخنا أن الصراط إنما هو الأدلة الدالة على الطاعات التي من تمسك بها نجا وأفضى إلى الجنة، والأدلة الدالة على المعاصي التي من ركبها هلك واستحق من الله تعالى النار، وذلك مما لا وجه له لأن فيه حملا لكلام الله تعالى على ما ليس يقتضيه ظاهره، وقد كررنا القول في أن كلام الله تعالى مهما أمكن حمله على حقيقته فذلك هو الواجب دون أن يصرف عنه إلى المجاز، وعلى أنا لا نعرف من الأصحاب من ذكر ذلك إلا شيئًا يحكى عن عباد». "شرح الأصول الخمسة" (ص738)، وانظر "فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة" للقاضي عبد الجبار (ص172) لكن المعتزلة خالفوا في صفة الصراط، وأنكروا أن يكون أدق من الشعرة وأحد من السيف، قال القاضي عبد الجبار: «فلسنا نقول في الصراط ما يقوله الحشوية من أن ذلك أدق من الشعر وأحد من السيف، وأن المكلفين يكلفون اجتيازه والمرور به، فمن اجتازه فهو من أهل الجنة، ومن لم يمكنه ذلك فهو من أهل النار؛ فإن تلك الدار ليست هي بدار تكليف، حتى يصح إيلام المؤمن وتكليفه المرور على ما هذا سبيله في الدقة والحدة». "شرح الأصول الخمسة" (ص737)، وانظر "فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة" للقاضي عبد الجبار (ص172، 171). وقد أجاب علماء أهل السنة عن إنكار المعتزلة ومن وافقهم صفة الصراط، يقول السفاريني: «ورَدَّ هَذا الإمامُ القُرْطُبِيُّ، وغَيْرُهُ مِن أئِمَّةِ الآثارِ، وقَدْ أخْرَجَ مُسْلِمٌ تِلْكَ الزِّيادَةَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ أبِي سَعِيدٍ بَلاغًا، ولَيْسَتْ مِمّا لِلرَّأْيِ والِاجْتِهادِ فِيهِ مَجالٌ فَهِيَ مَرْفُوعَةٌ، وقَدْ مَرَّ مِنَ الأخْبارِ ما يُوجِبُ الإيمانَ بِذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ القادِرَ عَلى إمْساكِ الطَّيْرِ فِي الهَواءِ قادِرٌ عَلى أنْ يُمْسِكَ عَلَيْهِ المُؤْمِنَ ويُجْرِيَهُ ويُمْشِيَه». "لوامع الأنوار" للسفاريني (2/194)، وانظر "التذكرة" للقرطبي (ص758). وحُكِي عن الإباضية أنهم أنكروا الصِّرَاط. انظر "الحياة الآخرة" للعواجي (ص1196). لكن الصحيح من مذهبهم أنَّهم يُثبِتُونه صِراطًا مَعنويًا لا حِسِّيًا، كما قال أبو محمد السالمي في "قصيدته": وقوله الصراط فهو الحق لا. .. جسر كما بعضهم تأوَّلا "مشارق أنوار العقول" (2/125) للسالمي، وانظر المصدر نفسه (2/128: 130) فالظاهر أن المعتزلة أثبتوه حسيًا لكن خالفوا في صفته، والإباضية أنكروه حسيًا وأثبتوه معنويًا، وكلاهما خلاف مذهب أهل السنة، والله أعلم.