البحث

عبارات مقترحة:

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

النصير

كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...

شهادة الجوارح

شهادة الجوارح يراد بها: شهادتها على صاحبها يوم القيامة حين ينطقها الله تعالى فتشهد عليه بما اقترفه من ذنوب، وهي ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، والحكمة منها ظهور عدل الله تعالى وظهور ظلم العبد لنفسه، وأيضًا خوف العبد في الدنيا من ذلك فيمتنع عن العصيان.

التعريف

التعريف لغة

شهادة الجوارح: مركب إضافي، فالشهادة هي: خبر صادر عن علم، قال الجوهري: «الشَهادة: خبَرٌ قاطع. تقول منه: شَهِد الرجل على كذا». "الصحاح" (2/494). وقال ابن فارس: «الشِّينُ وَالْهَاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى حُضُورٍ وَعِلْمٍ وَإِعْلَامٍ، لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ فُرُوعِهِ عَنِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. مِنْ ذَلِكَ الشَّهَادَةُ، يَجْمَعُ الْأُصُولَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنَ الْحُضُورِ، وَالْعِلْمِ، وَالْإِعْلَامِ». "مقاييس اللغة" (3/221). وقال الراغب: «الشَّهَادَةُ: قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر» "المفردات" (ص465). وأما الجوارح، فهي جمع جارحة، وهي: أعضاء الإنسان التي يكتسب بها، قال الأزهري: «قَالَ اللَّيْث: جوارِح الْإِنْسَان: عوامِل جسده من يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ، واحدتها جارحة». "تهذيب اللغة" (4/86). وقال الجوهري: «وجوارِحُ الإنسان: أعضاؤه التي يَكْتَسِبُ بها». "الصحاح" (1/358). راجع "المفردات" للراغب (ص191)، و"تاج العروس" للزبيدي (6/338).

التعريف اصطلاحًا

يمكن تعريف شهادة الجوارح اصطلاحًا بأنها: شهادة أعضاء العبد بما اقترف يوم القيامة.

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

العلاقة بين التعريفين: عموم وخصوص مطلق، فشهادة الجوارح اصطلاحًا تختص بالشهادة على العبد بما اقترف من ذنوب، وأما في اللغة فهي أعم من ذلك.

الحكم

يجب الإيمان بأن الجوارح تشهد على العبد يوم القيامة، لما ثبت بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة

الأدلة

القرآن الكريم

شهادة الجوارح في القرآن الكريم
دل القرآن على شهادة جوارح الإنسان عليه في عدد من الآيات، فمنها قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور: 24] و قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يس: 65] وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [فصلت: 19-22]. قال البقاعي: «فكأن هذه الأعضاء تقول في ذلك الحين إقامة للحجة البالغة: أيها الأكوان والحاضرون من الإنس والملائكة والجان، اعلموا أن صاحبي كان يعمل بي كذا وكذا مع الإصرار، فاستحق بذلك النار، وغضب الجبار - ثم يقذف به». "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" (17/169).

السنة النبوية

شهادة الجوارح في السنة النبوية
ورد إثبات شهادة الجوارح في أحاديث متعددة، منها حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ ، فَقَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ ؟ قَالَ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ ، يَقُولُ : يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ ؟ قَالَ : يَقُولُ : بَلَى ، قَالَ : فَيَقُولُ : فَإِنِّي لاَ أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلاَّ شَاهِدًا مِنِّي ، قَالَ : فَيَقُولُ : كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا ، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا ، قَالَ : فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ، فَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ : انْطِقِي ، قَالَ : فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ ، قَالَ : ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلاَمِ ، قَالَ فَيَقُولُ : بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا ، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ». أخرجه مسلم برقم (2969). ومنها حديث أبي هريرة الطويل وفيه: «ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ، فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ، وَبِكِتَابِكَ، وَبِرُسُلِكَ، وَصَلَّيْتُ، وَصُمْتُ، وَتَصَدَّقْتُ، وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَقُولُ: هَاهُنَا إِذًا. قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: الآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ، وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ» أخرجه مسلم برقم (2968) ومنها حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ عَظْمٍ مِنَ الْإِنْسَانِ يَتَكَلَّمُ يَوْمَ يُخْتَمُ عَلَى الْأَفْوَاهِ، فَخْذُهُ مِنَ الرِّجْلِ الشِّمَالِ» أخرجه أحمد برقم (17374) قال الماوردي: «فاحتمل أن يكون تقدم الفخذ بالكلام على سائر الأعضاء لأن لذة معاصيه يدركها بحواسه التي في الشطر الأعلى من جسده، وأقرب أعضاء الشطر الأسفل منها الفخذ، فجاز لقربه منها أن يتقدم في الشهادة عليها، وتقدمت اليسرى لأن الشهوة في ميامن الأعضاء أقوى منها في مياسرها , فلذلك تقدمت اليسرى على اليمنى لقلة شهوتها» "النكت والعيون" (5/28، 29) إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على شهادة الجوارح على العبد يوم القيامة.

الإجماع

أجمع العلماء على ثبوت شهادة الأعضاء على العبد يوم القيامة قال الأشعري: «وأجمعوا. .. على أن الله تعالى يعيدهم كما بدأهم حفاة عراة غرلًا، وأن الأجساد التي أطاعت وعصت هي التي تبعث يوم القيامة وكذلك الجلود التي كانت في الدنيا والألسنة والأيدي والأرجل هي التي تشهد عليهم يوم القيامة» "رسالة إلى أهل الثغر" (ص161)

العقل

شهادة الجوارح هي من الأمور السمعية التي لا تدرك بمجرد العقل، قال ابن عبد البر: «وأحْكامُ الآخِرَةِ لا مَدْخَلَ فِيها لِلْقِياسِ والِاجْتِهادِ ولا لِلنَّظَرِ والِاحْتِجاجِ» "التمهيد" (22/452) وقال ابن حجر: «ويقتضي الإيمان بأمور الآخرة أن ليس للعقل فيها مجال» "فتح الباري" (11/395)

الحكمة

الحكمة من شهادة الجوارح متعددة، منها: ظهور عدل الله تعالى وظهور ظلم العبد وبغيه، قال ابن هبيرة: «وتنطق جوارحه بشهادة قد علمها الله عز وجل قبل نطق الجوارح بها، وإنما يوضح الله بذلك للأنبياء والمرسلين والصالحين من عباده من شاهدي الموقف يوم القيامة عدله وجور عبده». "الإفصاح" (8/97). ومنها: خوف العبد في الدنيا من شهادة أعضائه عليه، فيتقي الله ولا يعصي.

أقوال أهل العلم

ابْنَ آدَمَ، وَاللَّهِ إِنَّ عَلَيْكَ لَشُهُودًا غير متهمة في بَدَنِكَ، فَرَاقِبْهُمْ وَاتَّقِ اللَّهَ فِي سِرِّكَ وَعَلَانِيَتِكَ، فإنه لا يخفى عليه خافية، الظلمة عِنْدَهُ ضَوْءٌ، وَالسِّرُّ عِنْدَهُ عَلَانِيَةٌ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ بِاللَّهِ حَسَنُ الظَّنِّ فَلْيَفْعَلْ ولا قوة إلا بالله. قَتَاَدة بن دعامة تفسير ابن كثير (6/32)
كَفَى حسرة يا نَفْس لو كُنت تعْلمي*****شهادة أعضائي بما كنت تجرمي ونادى منَاد الحق ها أنت شاهد*****عليك وقد ختم العظيمُ على فمي فوا خجلتي يا نفسُ في ذلك الملأ*****إذَا قِيل هذا قد أتى بمحرم فيا نفس تُوبي واتقي الله وارجعي*****وصومي وصلي واحفظ الله تسلمي وقومي على الطاعات وارعي حدودَ مَنْ*****براكَ وتوبي واتقي الله واندمي ونوحي على الذَّنبِ القديم الذي مضى*****لعلك يا نفسي لدى الله تُرحَمِي وإن كنتِ نفسي فاذكري الله واحذري*****محارمه طرا وصلي وسلمي على المصطفى الهادي الأمين وآله*****وأصحابه ما عَنَّ لي في ترنمي السَّفَّارِيني البحور الزاخرة (2/829-830)

مذاهب المخالفين

ينسب إنكار شهادة الجوارح شهادة حقيقية إلى المعتزلة، قال الرازي في تفسير قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور: 24]: «وَعِنْدَنَا الْبِنْيَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلْحَيَاةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّه تَعَالَى فِي الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ عِلْمًا وَقُدْرَةً وَكَلَامًا، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَلَا جَرَمَ ذَكَرُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَخْلُقُ فِي هَذِهِ الْجَوَارِحِ هَذَا الْكَلَامَ، وَعِنْدَهُمُ الْمُتَكَلِّمُ فَاعِلُ الْكَلَامِ، فَتَكُونُ تِلْكَ الشَّهَادَةُ مِنَ اللَّه تَعَالَى فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَضَافَهَا إِلَى الْجَوَارِحِ تَوَسُّعًا الثَّانِي: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَبْنِي هَذِهِ الْجَوَارِحَ عَلَى خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ وَيُلْجِئُهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى الْإِنْسَانِ وَتُخْبِرَ عَنْهُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى الظَّاهِرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّهَا تَفْعَلُ الشَّهَادَةَ» والقاضي عبد الجبار تارة يميل في كلامه للوجه الأول، وتارة يستظهر الثاني، فمن استظهاره للوجه الأول قوله عند الكلام عن قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يس: 65]: «وقد بينا من قبل أن هذا الكلام يفعله تعالى، فيصير بصورة أن يكون الكلام كلام اليد والرجل، وأن هذا أقرب من قول من يقول هو كلامهم» "تنزيه القرآن عن المطاعن" (ص366) ومن استظهاره للوجه الثاني، قوله: «وأما نطق الجوارح فقد دل عليه قوله تعالى: ﴿يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون﴾ وقوله: ﴿أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء﴾ وذلك يكون على وجهين: إما أن يتولى الله تعالى خلق الكلام في جوارحه فتشهد عليه، وإما أن يجعل كل عضو من أعضائه حيا بانفراده فيشهد عليه، وإن كان شيخنا أبو هاشم قد استبعد هذا الوجه ومال إلى الوجه الأول، وقال: إن الذي تقتضيه هذه الآية ليس إلا شهادة جوارحه عليه، ولو صار كل عضو من أعضائه حيا بانفراده لم يكن سمعه ولا بصره، اللهم إلا أن يقال أراد بقوله يشهد عليهم سمعهم، أي: ما كان سمعًا لهم من قبل، وذلك على الأحوال كلها عدول عن ظاهر كلام الله تعالى، فلا وجه له مع إمكان أن يجرى على ظاهره». "شرح الأصول الخمسة" (ص737).