البحث

عبارات مقترحة:

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

اليوم الآخر

اليوم الآخر هو يوم القيامة، والإيمان به ركن من أركان الإيمان كما ثبت ذلك في السنة، ويكفر منكره. ويدخل في الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بجميع ما يكون بعد الموت من بعث وحساب وجنة ونار، وقد اتفقت الشرائع على إثباته، ودل عليه العقل أيضًا، ومع ذلك أنكره بعض الفلاسفة، ورد عليهم أهل الإسلام بما يدحض شبههم.

التعريف

التعريف لغة

اليوم الآخر، هو مركب من صفة وموصوف، فأما الموصوف وهو (اليوم) فهو الواحد من الأيام، ثم استعير في الأمر العظيم، قال ابن فارس: «الْيَوْمُ: الْوَاحِدُ مِنَ الْأَيَّامِ، ثُمَّ يَسْتَعِيرُونَهُ فِي الْأَمْرِ الْعَظِيمِ وَيَقُولُونَ نِعْمَ فُلَانٌ فِي الْيَوْمِ إِذَا نَزَلَ» "مقاييس اللغة" (6/159). ومقداره من طلوع الشمس إلى غروبها، وقد يراد به الوقت مطلقًا، قال الزبيدي: «(اليَوْمُ: م) مَعْرُوفٌ، مِقْدَارُهُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا، أوْ مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ الصَّادِقِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، ذَكَرَهُ ابنُ هِشَامٍ فِي شَرْحِ الكَعْبِيَّةِ، والأخِيرُ: تَعْرِيفٌ شَرْعِيٌّ عِنْد الأكْثَرِ»، ثم قال: «وقَدْ يُرادُ ﴿باليَوْمِ الوَقْتُ مُطْلَقًا، ومنْهُ الحَديثُ: " تلكَ﴾ أيَّامُ الهَرْجِ " أَي: وَقْتُهُ، ولاَ يَخْتَصُّ بالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ» "تاج العروس" (34/143). وأما الصفة وهي الآخر، فالمراد بها: خلاف الأول، فتختلف بحسب المقام، قال ابن فارس: «الْهَمْزَةُ وَالْخَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ إِلَيْهِ تَرْجِعُ فُرُوعُهُ، وَهُوَ خِلَافُ التَّقَدُّمِ» "مقاييس اللغة" (1/70). فيكون المراد باليوم الآخر لغة: اليوم الذي تقدم عليه غيره، ويختلف هذا الإطلاق بحسب السياقات والأحوال. راجع "المفردات في غريب القرآن" للراغب الأصفهاني (ص68، 69)، "لسان العرب" لابن منظور (4/12)

التعريف اصطلاحًا

اليوم الآخر: هو يوم القيامة، قال ابن الهائم: «سمّي بذلك لأنه بعد أيام الدنيا، وقيل: لأنه آخر يوم يلي ليلة» "غريب القرآن" (ص49)، وقال ابن حجر: «وأما اليوم الآخر فقيل له ذلك لأنه آخر أيام الدنيا أو آخر الأزمنة المحدودة» "فتح الباري" (1/118) وكثرت أسماء اليوم الآخر، ومنها: يوم القيامة، يوم الحسرة، يوم الزلزلة، يوم الواقعة، يوم القارعة، يوم الفصل، يوم التغابن الخ أسماء كثيرة اعتنى العلماء بجمعها. راجع "إحياء علوم الدين" للغزالي" (4/516)، "التذكرة" للقرطبي (ص544: 579)، "الحياة الآخرة" للعواجي (ص19) وكثرة أسمائه تدل على خطر شأنه، قال القرطبي: «وكل ما عظم شأنه تعددت صفاته وكثرت أسماؤه، وهذا جميع كلام العرب، ألا ترى أن السيف لما عظم عندهم موضعه وتأكد نفعه لديهم وموقعه، جمعوا له خمسمائة اسم، وله نظائر. فالقيامة لما عظم أمرها، وكثرت أهوالها، سماها الله تعالى في كتابه بأسماء عديدة، ووصفها بأوصاف كثيرة». "التذكرة" (ص544).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

العلاقة بين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي علاقة عموم وخصوص مطلق، فإن اليوم الآخر لغة أعم من اليوم الآخر اصطلاحًا، قال الراغب: «آخِر يقابل به الأوّل، وآخَر يقابل به الواحد، ويعبّر بالدار الآخرة عن النشأة الثانية، كما يعبّر بالدار الدنيا عن النشأة الأولى نحو: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ» "المفردات" (ص68 ، 69) فقدم التعريف اللغوي، ثم بيّن المراد بالدار الآخرة لكونها تحمل معنى مخصوصًا، وهو البعث بعد الموت، والنشأة الثانية.

الحكم

يجب الإيمان باليوم الآخر، وهو من أركان الإيمان فلا يتم إيمان العبد بدونه، ومن أنكره أو شك فيه فليس بمسلم. كما في حديث جبريل لما سأل النبي «قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره». أخرجه مسلم برقم (1). بل إن الإيمان باليوم الآخر هو من أصول الأديان كلها، قال ابن أبي العز عقب حديث جبريل: «فهذه الأصول التي اتفقت عليها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه، ولم يؤمن بها حقيقة الإيمان إلا أتباع الرسل». "شرح الطحاوية" (2/56). وللشوكاني كتاب "إرشاد الثقات إلى إتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات". يقول الدكتور سلطان العميري في شرحه للعقيدة الواسطية: «فأصول الأديان ثلاثة: الشرائع، والنبوات، والحساب والجزاء». "العقود الذهبية شرح الواسطية" (2/6). انظر "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (17/190). ويدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالمسألة في القبر، والبعث، والحساب، والميزان، والصراط، والجنة، والنار، قال ابن تيمية: «ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي مما يكون بعد الموت». "الواسطية" (ص19)، وراجع "فتح الباري" لابن حجر (1/52).

الأدلة

القرآن الكريم

اليوم الآخر في القرآن الكريم
وردت كلمة (اليوم الآخر) فقط دون مرادفاتها في القرآن الكريم أكثر من 25 مرة، ووردت كلمة (يوم القيامة) 70 مرة في القرآن، وهذا يدل على اعتناء القرآن بأمر اليوم الآخر، ومن هذه الآيات: قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ [البقرة: 177]. وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: 136]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [المائدة: 69]. قال الله تعالى: ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: 4-6]. وقال سبحانه: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185]. وقال سبحانه: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا * وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ [الإسراء: 13-17]. وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ * وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ﴾ [طه: 124-127]. والآيات في ذكر اليوم الآخر في القرآن كثيرة جدًّا.

السنة النبوية

اليوم الآخر في السنة النبوية
ورد الإيمان باليوم الآخر في السنة مقرونًا بالإيمان بالله جل جلاله، ومن ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». أخرجه البخاري برقم (6018). ومن ذلك أيضًا حديث رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا فِيهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ». أخرجه أبو داود برقم (2708). وكذلك حديث أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَلْبَسَنَّ حَرِيرًا وَلاَ ذَهَبًا.» أخرجه الحاكم في "مستدركه" برقم (7402). عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ، وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ، قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ» قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ»، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ». أخرجه مسلم (8). وهذا الحديث دليل ظاهر على أن الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان. وعن الحكمة من تخصيص الإيمان باليوم الآخر بالذكر يقول القرطبي: «مَن آمنَ باليومِ الآخر، استعدَّ له، واجتهَدَ في فعل ما يدفَعُ به أهوالَهُ ومكارهه، فيأتمرُ بما أُمِرَ به، وينتهي عما نُهِيَ عنه، ويتقرَّبُ إلى الله تعالى بفعلِ ما يقرِّبُ إليه، ويعلمُ أَنَّ مِن أهمِّ ما عليه ضَبطَ جوارحه التي هي رعاياه، وهو مسؤولٌ عنها جارحةً جارحةً؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مَسئُولا﴾». "المفهم" (1/229). ويقول الزرقاني: «واكتفى بهما عن الإيمان بالرسل والكتب وغيرهما، لأن الإيمان به على ما هو عليه يستلزم الإيمان بنبوءته وهو يستلزم الإيمان بجميع ما جاء به». "شرح الموطأ" (4/478).

الإجماع

أجمع المسلمون على إثبات اليوم الآخر والإيمان به، بل أجمع على ذلك أهل الأديان كما سبق، قال القاضي عياض: «من أنكر الجنة، أو النار، أو البعث، أو الحساب، أو القيامة فهو كافر بالإجماع للنص عليه، وإجماع الأمة على صحة نقله متواترا». "الشفا" (2 /290). قال ابن تيمية: «فالمسلمون: سنيهم وبدعيهم متفقون على وجوب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر». "مجموع الفتاوى" (7/357). وقال ابن حزم: «اتفق جَمِيع أهل القبْلَة على تنابذ فرقهم على القَوْل بِالبَعْثِ فِي القيمَة وعَلى تَكْفِير من أنكر ذَلِك». "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (4/66). وقال السفاريني: «قد دل على قيام الناس من الأجداث: الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة». "البحور الزاخرة" (1 /607). وراجع "عقيدة السلف وأصحاب الحديث" للصابوني (ص257)، "الإيمان" لابن منده (1/133).

العقل

اختلفت الفرق الإسلامية في دلالة العقل على إثبات اليوم الآخر، قال ابن تيمية: «وقد تنازع الناس في " العلم بالمعاد وبحسن الأفعال وقبحها " فأكثر الناس يقولون: إنه يعلم بالعقل مع السمع والقائلون بأن العقل يعلم به الحسن والقبح أكثر من القائلين بأن المعاد يعلم بالعقل قال أبو الخطاب: هو قول أكثر الفقهاء والمتكلمين ومنهم من يقول: المعاد والحسن والقبح لا يعلم إلا بمجرد الخبر وهو قول الأشعري وأصحابه ومن وافقهم من أتباع الأئمة كالقاضي أبي يعلى وأبي المعالي الجويني وأبي الوليد الباجي وغيرهم» "مجموع الفتاوى" (13/139)، وقال في "مختصر الفتاوى المصرية" (ص649) : «وَالصَّوَاب أَن مَعْرفَته بِالسَّمْعِ وَاجِبَة وَأما بِالْعقلِ فقد تعرف وَقد لَا تعرف فَلَيْسَتْ مَعْرفَته بِالْعقلِ ممتنعة وَلَا هِيَ أَيْضًا وَاجِبَة». وقال ابن القيم: «والصحيح أن العقل دل على المعاد والثواب والعقاب إجمالا وأما تفصيله فلا يعلم إلا بالسمع». "حادي الأرواح" (ص365). وراجع "الحياة الآخرة" للعواجي (ص73-80).

الحكمة

الحكمة من اليوم الآخر: مجازاة المؤمنين بأعمالهم الصالحة، ومجازاة الكفار بأعمالهم السيئة، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [سبأ: 3، 4]. وقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: 31].

أقوال أهل العلم

«مَنْ خَافَ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَشْفِ غَيْظَهُ، وَمَنْ اتَّقَى اللَّهَ لَمْ يَصْنَعْ مَا يُرِيدُ، وَلَوْلَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ كَانَ غَيْرَ مَا تَرَوْنَ». عُمَر بن الخَطَّاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح (2/256)

مذاهب المخالفين

المنكرون للبعث على أقسام: قسم أنكروا البعث الجسماني والروحاني، ومن هؤلاء: أقوام من العرب الجاهليين، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية: 24] وقسم أنكروا المعاد الجسماني وأثبتوا المعاد الروحاني، وهذا القول قال به الفلاسفة المؤلهون، ومنهم الفارابي وابن سينا. قال ابن سينا: «فإذا بطل أن يكون المعاد للبدن وحده، وبطل أن يكون للبدن والنفس جميعًا، وبطل أن يكون للنفس على سبيل التناسخ، فالمعاد إذن للنفس وحدها» "الأضحوية" (ص126). ويقول ابن أبي العز عن أعداء الدين من الفلاسفة «وَأَمَّا الْيَوْمُ الْآخِرُ، فَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ تكذيبًا به وإنكارًا له في الأعيان. وَعِنْدَهُمْ أَنَّ هَذَا الْعَالَمَ لَا يَخْرَبُ، وَلَا تَنْشَقُّ السَّمَاوَاتُ وَلَا تَنْفَطِرُ، وَلَا تَنْكَدِرُ النُّجُومُ، وَلَا تُكَوَّرُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَلَا يَقُومُ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ وَيُبْعَثُونَ إِلَى جَنَّةٍ وَنَارٍ! كُلُّ هَذَا عِنْدَهُمْ أَمْثَالٌ مَضْرُوبَةٌ لِتَفْهِيمِ الْعَوَامِّ، لَا حَقِيقَةَ لَهَا فِي الْخَارِجِ، كَمَا يَفْهَمُ مِنْهَا أَتْبَاعُ الرُّسُلِ» "شرح الطحاوية" (2/57). وقال ابن الجوزي: «وَقَدْ أنكرت الفلاسفة بعث الأجساد ورد الأرواح إِلَى الأبدان ووجود جنة ونار جسمانيين وزعموا أن تلك أمثلة ضربت لعوام الناس ليفهموا الثواب والعقاب الروحانيين» "تلبيس إبليس" (ص45). وقسم أنكروا البعث الروحاني وأثبتوا البعث الجسماني فقط، وينسب ذلك لكثير من أهل الكلام. راجع "العقود الذهبية شرح الواسطية" للعميري (2/40: 42)، "الحياة الآخرة" (80-103).