البحث

عبارات مقترحة:

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

عثمان بن عفان

عثمان بن عفان أمير المؤمنين رضي الله عنه، كان رضي الله عنه من كبار الصحابة وفضلائهم، وأهل السابقة منهم رضوان الله عليهم، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة من أهل الشورى الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض، بايع رسول الله بيده عنه تحت الشجرة يوم الحديبية، وقال: «هذه عن عثمان»، كان رضي الله عنه حييا ورعا ناسكا عالما، وهو صهر رسول الله على ابنتيه، تزوج رضي الله عنه رقية، وبعد وفاتها تزوج أم كلثوم رضي الله عنها أختها، فكان يلقب بـ ذو النورين لذلك، شهد رضي الله عنه المشاهد كلها مع رسول الله إلا بدرا وأحدا وبيعة الرضوان، وإنما لم يشهد رضي الله عنه بدرا لأنه كان عند زوجته رقية يطببها، وأما تخلفه رضي الله عنه عن بيعة الرضوان بالحديبية فلأن رسول الله أرسله إلى مكة يخبرهم بسبب قدوم رسول الله والمؤمنين إليهم، فاز رضي الله عنه بالجنة بأعمال عظيمة قام بها، فقد جهز جيش العسرة، واشترى بئر رومة، واشترى أرضا فزاده في المسجد توسعة له، وغير ذلك من الفضائل العظيمة الذي كانت له، ولي الخلافة بعد مقتل عمر رضي الله عنه باجتماع الناس عليه. استشهد عثمان رضي الله عنه في ذي الحجة، سنة خمس وثلاثين من الهجرة ، أقبل جماعة من أهل مصر والبصرة والكوفة ومعهم بعض أهل المدينة، فحصروه في داره، شهرا أو يزيد، وطلبوا منه أن ينزع الخلافة عن نفسه فلم يفعل، فدخلوا عليه داره فقتلوه، ودفن ليلا في حش كوكب بالبقيع، فلما دفنوه غيبوا قبره، وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا بضعة أيام، رضي الله عنه وأرضاه.

البطاقة الشخصية

اسمه ونسبه

هو الصحابي الجليل عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي. يجتمع هو ورسول الله في عبد مناف. يكنى أبا عبد الله، وأبو عمر، وقيل: أبو عمرو. قال ابن حجر: «وكان عثمان في الجاهلية يكنى أبا عمرو، فلما كان الإسلام ولد له من رقية بنت رسول الله غلام سماه عبد الله، واكتنى به، فكناه المسلمون أبا عبد الله، فبلغ عبد الله ست سنين فنقره ديك على عينيه، فمرض فمات». "الإصابة" لابن حجر (4 /377). وقال ابن عبد البر: «يكنى أبا عبد الله وأبا عمرو، كنيتان مشهورتان له، وأبو عمر، وأشهرهما». "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1037). وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، فهو ابن عمة عبد الله بن عامر، وأم أروى: البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب عمة رسول الله . انظر: "الإصابة" لابن حجر (4 /377)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /53)، "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1037- 1038)، "أسد الغابة" لابن الأثير (3 /480- 481).

مولده

ولد بعد الفيل بست سنين على الصحيح. انظر: "الإصابة" لابن حجر (4 /377)، "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1038).

صفته

الخَلقية: وكان عثمان رضي الله عنه رجلا ربعة لا بالقصير ولا بالطويل، حسن الوجه رقيق البشرة، كبير اللحية عظيمها، أسمر اللون، كثير الشعر، ضخم الكراديس وهي عظام المفصل، بعيد ما بين المنكبين، وكان يصفر لحيته، ويشد أسنانه بالذهب. قال الواقدي: «سألت عمرو بن عبد الله بن عنبسة وعروة بن خالد بن عبد الله وعبد الرحمن بن أبي الزناد عن صفة عثمان، فلم أر بينهم اختلافا...»، ثم ساق صفته المذكورة أعلاه. وقالت أم موسى: «كان عثمان من أجمل الناس». انظر: "الإصابة" لابن حجر (4 /377)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /58)، "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1042)، "أسد الغابة" لابن الأثير (3 /491). الخُلقية: شدة حيائه رضي الله عنه: قالت عائشة: «كان رسول الله مضطجعا في بيتي، كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر، فأذن له، وهو كذلك، فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله ، وسوى ثيابه، قال محمد: ولا أقول ذلك في يوم واحد، فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة». أخرجه البخاري (3695)، ومسلم (2401). وفي رواية عند مسلم: «إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته». أخرجه مسلم (2402). قراءته لكتاب الله رضي الله عنه: روى محمد بن سيرين: «أن عثمان رضي الله عنه كان يحيي الليل بركعة يقرأ القرآن فيها كله». انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /75)، "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1040). علمه رضي الله عنه: روى ابن عون عن محمد قال: «كان أعلمهم بالمناسك ابن عفان، وبعده ابن عمر». "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /60). كثرة الخير والبركة في عهد عثمان رضي الله عنه: قال محمد بن سيرين: «كثر المال في زمن عثمان حتى بيعت جارية بوزنها، وفرس بمائة ألف درهم، ونحلة بألف درهم». وقال الحسن: «سمعت عثمان يخطب وهو يقول: يا أيها الناس، ما تنقمون علي! وما من يوم إلا وأنتم تقسمون فيه خيرا. وشهدت مناديا ينادي: يا أيها الناس، اغدوا على أعطياتكم، فيغدون، ويأخذونها وافية، يا أيها الناس، اغدوا على أرزاقكم فيأخذونها وافية، حتى والله سمعته أذناي يقول: اغدوا على كسواتكم، فيأخذون الحلل، واغدوا على السمن والعسل، قال: أرزاق دارة وخير كثير، وذات بين حسن، ما على الأرض مؤمن إلا يوده وينصره ويألفه، فلو صبر الأنصار على الأثرة لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق، ولكنهم لم يصبروا، وسلوا السيف مع من سل، فصار عن الكفار مغمدا، وعلى المسلمين مسلولا إلى يوم القيامة». انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1041- 1042). وعن عبيد الله بن دارة قال: «كان عثمان رجلا تاجرا في الجاهلية والإسلام، وكان يدفع ماله قراضا». "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /60).

إسلامه

أسلم عثمان رضي الله عنه في أول الإسلام، فكان إسلامه قديمًا، قبل دخول رسول الله دار الأرقم، دعاه أبو بكر إلى الإسلام فأسلم، وكان يقول: «إني لرابع أربعة في الإسلام». انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /55)، "أسد الغابة" لابن الأثير (3 /481). ذكر ابن إسحاق: أنه لما أسلم أبو بكر وأظهر إسلامه دعا إلى الله عز وجل ورسوله ، وكان أبو بكر رجلًا مؤلفًا لقومه محببًا سهلًا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر. وكان رجال قريش يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر، لعلمه وتجاربه وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه، ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، فانطلقوا ومعهم أبو بكر حتى أتوا رسول الله ، فعرض عليهم الإسلام، وقرأ عليهم القرآن، وأنبأهم بحق الإسلام، فآمنوا، فأصبحوا مقرين بحق الإسلام. فكان هؤلاء الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، فصلوا وصدقوا. انظر: "السيرة" لابن هشام (1 /250- 252)، "الإصابة" لابن حجر (4 /377)، "أسد الغابة" لابن الأثير (3 /481).

زوجاته وأولاده

وكان لعثمان رضي الله عنه من الولد: ولد من رقية اسمه عبد الله، فبلغ ست سنين، فنقره ديك على عينيه فمرض فمات في جمادى الأولى سنة أربع من الهجرة، فصلى عليه رسول الله ، ونزل في حفرته عثمان بن عفان. عبد الله الأصغر درج، وأمه فاختة بنت غزوان بن جابر بن نسيب. وعمرو وخالد وأبان وعمر ومريم وأمهم أم عمرو بنت جندب بن عمرو بن دوس من الأزد. والوليد بن عثمان وسعيد وأم سعيد وأمهم فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن مخزوم. وعبد الملك بن عثمان درج، وأمه أم البنين بنت عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري. وعائشة بنت عثمان وأم أبان وأم عمرو وأمهن رملة بنت شيبة بن ربيعة بن قصي. ومريم بنت عثمان وأمها نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة من كلب. وأم البنين بنت عثمان، وأمها أم ولد، وهي التي كانت عند عبد الله بن يزيد بن أبي سفيان. انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /54)، "أسد الغابة" لابن الأثير (3 /482).

ألقابه

ذو النورين رضي الله عنه: قال ابن حجر: «مشهور بها، والمشهور أن ذلك لكونه تزوج ببنتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحدة بعد أخرى». "الإصابة" لابن حجر (2 /349). «وقيل للمهلب بن أبي صفرة: لم قيل لعثمان ذو النورين؟ قال: لأنه لم يعلم أن أحدا أرسل سترا على ابنتي نبي غيره». "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1039).

وفاته

قُتِل عثمان رضي الله عنه بالمدينة يوم الجمعة لثمان عشرة أو سبع عشرة خلت من ذي الحجة، سنة خمس وثلاثين من الهجرة، قاله نافع. وقال أبو عثمان النهدي: «قتل في وسط أيام التشريق». وقال ابن إسحاق: «قتل عثمان على رأس إحدى عشرة سنة، وأحد عشر شهرا، واثنين وعشرين يوما من مقتل عمر ابن الخطاب، وعلى رأس خمس وعشرين من متوفى رسول الله ». وقال الواقدي: «قتل يوم الجمعة لثمان ليال خلت من ذي الحجة يوم التروية سنة خمس وثلاثين». وكان سبب قتله أن أمراء الأمصار كانوا من أقاربه، كان بالشام كلها معاوية، وبالبصرة سعيد بن العاص، وبمصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وبخراسان عبد الله بن عامر، وكان من حج منهم يشكو من أميره، وكان عثمان لين العريكة، كثير الإحسان والحلم. "الإصابة" لابن حجر (4 /379). قال الزهري: «لما ولي عثمان عاش اثنتي عشرة سنة أميرا، يعمل ست سنين لا ينقم الناس عليه شيئا، وإنه لأحب إلى قريش من عمر بن الخطاب، لأن عمر كان شديدا عليهم، فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم، ثم توانى في أمرهم، واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر، وكتب لمروان بخمس مصر، وأعطى أقرباءه المال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها، واتخذ الأموال، واستسلف من بيت المال، وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي، فأنكر الناس عليه ذلك». "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /64). وكان عثمان يستبدل ببعض أمرائه فيرضيهم، ثم يعيده بعد، إلى أن رحل أهل مصر يشكون من ابن أبي سرح، فعزله، وكتب له كتابا بتولية محمد بن أبي بكر الصديق، فرضوا بذلك، فلما كانوا في أثناء الطريق رأوا راكبا على راحلة، فاستخبروه، فأخبرهم أنه من عند عثمان باستقرار ابن أبي سرح ومعاقبة جماعة من أعيانهم، فأخذوا الكتاب ورجعوا وواجهوه به، فحلف أنه ما كتب ولا أذن، فقالوا: سلمنا كاتبك، فخشي عليه منهم القتل، وكان كاتبه مروان بن الحكم، وهو ابن عمه، فغضبوا وحصروه في داره. انظر: "الإصابة" لابن حجر (4 /379). روى جابر بن عبد الله: «أن المصريين لما أقبلوا من مصر يريدون عثمان ونزلوا بذي خشب دعا عثمان محمد بن مسلمة فقال: اذهب إليهم، فارددهم عني، وأعطهم الرضى، وأخبرهم أني فاعل بالأمور التي طلبوا، ونازع عن كذا، بالأمور التي تكلموا فيها، فركب محمد بن مسلمة إليهم إلى ذي خشب. قال جابر: وأرسل معه عثمان خمسين راكبا من الأنصار أنا فيهم، وكان رؤساؤهم أربعة: عبد الرحمن بن عديس البلوي وسودان بن حمران المرادي وابن البياع وعمرو بن الحمق الخزاعي، لقد كان الاسم غلب حتى يقال: جيش عمرو بن الحمق، فأتاهم محمد بن مسلمة فقال: إن أمير المؤمنين يقول كذا ويقول كذا، وأخبرهم بقوله، فلم يزل بهم حتى رجعوا، فلما كانوا بالبويب رأوا جملا عليه ميسم الصدقة فأخذوه، فإذا غلام لعثمان، فأخذوا متاعه ففتشوه فوجدوا فيه قصبة من رصاص، فيها كتاب في جوف الإدراة في الماء إلى عبد الله بن سعد، أن افعل بفلان كذا وبفلان كذا من القوم الذين شرعوا في عثمان، فرجع القوم ثانية حتى نزلوا بذي خشب، فأرسل عثمان إلى محمد بن مسلمة فقال: اخرج فارددهم عني، فقال: لا أفعل، قال: فقدموا فحصروا عثمان». "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /65). قال الواقدي: «حصروه تسعة وأربعين يوما». وقال الزبير: «حصروه شهرين وعشرين يوما». وكان الذين حصروه جماعة من أهل مصر والبصرة والكوفة ومعهم بعض أهل المدينة، أرادوه على أن ينزع نفسه من الخلافة فلم يفعل. واستشار في ذلك ابن عمر، يقول ابن عمر: «قال لي عثمان وهو محصور في الدار: ما ترى فيما أشار به علي المغيرة بن الأخنس، قال: قلت: ما أشار به عليك؟ قال: إن هؤلاء القوم يريدون خلعي، فإن خلعت تركوني، وإن لم أخلع قتلوني، قال: قلت: أرأيت إن خلعت تترك مخلدا في الدنيا؟ قال: لا، قال: فهل يملكون الجنة والنار؟ قال: لا، قال: فقلت: أرأيت إن لم تخلع، هل يزيدون على قتلك؟ قال: لا، قلت: فلا أرى أن تسن هذه السنة في الإسلام، كلما سخط قوم على أميرهم خلعوه، لا تخلع قميصا قمصكه الله». "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /66). وكان رسول الله قد أعلمه بوقوع هذه الحادثة بما علّمه ربه جل وعلا. قالت عائشة: قال رسول الله : «يا عثمان، إن ولاك الله هذا الأمر يوما، فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمصك الله، فلا تخلعه، يقول: ذلك ثلاث مرات، قال النعمان: فقلت لعائشة: ما منعك أن تعلمي الناس بهذا؟ قالت: أنسيته». أخرجه الترمذي (3705)، وقال فيه: «هذا حديث حسن غريب»، وابن ماجه (112)، واللفظ له، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على سنن ابن ماجه: «حديث صحيح، وهذا سند ضعيف لضعف الفرج بن فضالة». واجتمع عند عثمان جماعة من الصحابة رضي الله عنهم يحمونه منهم، وكان معه في الدار ممن يريد الدفع عنه: عبد الله ابن عمر، وعبد الله بن سلام، وعبد الله بن الزبير، والحسن بن على، وأبو هريرة، ومحمد بن حاطب، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، ومروان بن الحكم في طائفة من الناس، منهم المغيرة بن الأخنس فيومئذ قتل المغيرة بن الأخنس. انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1045- 1046). وكان عثمان ينهاهم عن القتال، إلى أن تسوروا عليه من دار إلى دار، فدخلوا عليه فقتلوه، فعظم ذلك على أهل الخير من الصحابة وغيرهم، وانفتح باب الفتنة، فكان ما كان، والله المستعان. وجاء من طرق كثيرة شهيرة صحيحة عن أن عثمان رضي الله عنه لما حصروه انتشد الصحابة في أشياء، منها: تجهيزه جيش العسرة، ومنها مبايعة النبي عنه تحت الشجرة لما أرسله إلى مكة، ومنها شراؤه بئر رومة وغير ذلك. روى الترمذي عن ثمامة بن حزن القشيري: «شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان، فقال: ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم علي. قال: فجيء بهما فكأنهما جملان أو كأنهما حماران، قال: فأشرف عليهم عثمان، فقال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال رسول الله : من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر. قالوا: اللهم نعم. فقال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله، فقال رسول الله : من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين؟ قالوا: اللهم، نعم. قال: أنشدكم بالله وبالإسلام، هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي؟ قالوا: اللهم نعم. ثم قال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض قال: فركضه برجله وقال: اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان؟ قالوا: اللهم، نعم. قال: الله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد، ثلاثا». أخرجه الترمذي (3703)، وقال فيه: «هذا حديث حسن وقد روي من غير وجه عن عثمان». وكان رسول الله قد أعلمه هذا اليوم. قالت عائشة: «قال رسول الله في مرضه: وددت أن عندي بعض أصحابي، قلنا: يا رسول الله، ألا ندعو لك أبا بكر؟ فسكت، قلنا: ألا ندعو لك عمر؟ فسكت قلنا: ألا ندعو لك عثمان؟ قال: نعم، فجاء، فخلا به، فجعل النبي يكلمه، ووجه عثمان يتغير. قال: قيس، فحدثني أبو سهلة مولى عثمان، أن عثمان بن عفان، قال يوم الدار: إن رسول الله عهد إلي عهدا، فأنا صائر إليه. وقال علي في حديثه: وأنا صابر عليه، قال قيس: فكانوا يرونه ذلك اليوم». أخرجه الترمذي (3711)، وقال فيه: «هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن أبي خالد»، وابن ماجه (113)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على سنن ابن ماجه: «صحيح، أبو سهلة مولى عثمان لم يرو عنه غير قيس بن أبي حازم، ووثقه العجلي والحافظ في "التقريب" وذكره ابن حبان في "الثقات"، وصحح حديثه هو والترمذي والحاكم، وما قبله يشهد له». روى مسلم أبي سعيد مولى عثمان بن عفان: «أن عثمان بن عفان أعتق عشرين مملوكا، ودعا بسراويل فشدها عليه، ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام، وقال: إني رأيت رسول الله البارحة في المنام، ورأيت أبا بكر وعمر، وإنهم قالوا لي: اصبر، فإنك تفطر عندنا القابلة، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه، فقتل وهو بين يديه». أخرجه أحمد (526)، طبعة الرسالة، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على مسند أحمد: «إسناده ضعيف، يونس بن أبي يعفور - وإن خرج له مسلم - كثير الخطأ، وصفه بذلك الحافظ في " التقريب "، وضعفه ابن معين والنسائي والساجي وأحمد، وقال الدارقطني: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن عدي: هو عندي ممن يكتب حديثه، يعني للمتابعات والشواهد، وقال ابن حبان في " الضعفاء ": يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات». قال ابن عبد البر: «واختلف فيمن باشر قتله بنفسه، فقيل: محمد بن أبي بكر ضربه بمشقص. وقيل: بل حبسه محمد بن أبى بكر وأسعده غيره، كان الذي قتله سودان بن حمران. وقيل: بل ولي قتله رومان اليمامي. وقيل: بل رومان رجل من بني أسد بن خزيمة. وقيل: إن محمد بن أبي بكر أخذ بلحيته فهزها، وقال: ما أغنى عنك معاوية، وما أغنى عنك ابن أبي سرح، وما أغنى عنك ابن عامر، فقال: يا بن أخى أرسل لحيتي، فو الله إنك لتجبذ لحية كانت تعز على أبيك، وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا مني. فيقال: إنه حينئذ تركه وخرج عنه. ويقال: إنه حينئذ أشار إلى من كان معه، فطعنه أحدهم وقتلوه. والله أعلم. وأكثرهم يروي أن قطرة أو قطرات من دمه سقطت على المصحف على قوله جل وعلا: فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم». "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1045). ويقال: كان أول من دخل الدار عليه محمد بن أبي بكر، فأخذ بلحيته، فقال له: دعها يا ابن أخي، والله لقد كان أبوك يكرمها، فاستحيا وخرج، ثم دخل رومان بن سرحان، رجل أزرق قصير محدود، عداده في مراد، معه خنجر فاستقبله به، وقال: على أي دين أنت يا نعثل؟ فقال عثمان: لست بنعثل، ولكني عثمان بن عفان، وأنا على ملة إبراهيم حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين. قال: كذبت، وضربه على صدغه الأيسر، فقتله فخر، وأدخلته امرأته نائلة بينها وبين ثيابها، وكانت امرأة جسيمة، ودخل رجل من أهل مصر معه السيف مصلتا، فقال: والله لأقطعن أنفه، فعالج المرأة فكشفت عن ذراعيها، وقبضت على السيف، فقطع إبهامها، فقالت لغلام لعثمان- يقال له رباح ومعه سيف عثمان: أعني على هذا وأخرجه عني. فضربه الغلام بالسيف فقتله، وبقي عثمان رضي الله عنه يومه مطروحا إلى الليل، فحمله رجال على باب ليدفنوه، فعرض لهم ناس ليمنعوهم من دفنه، فوجدوا قبرا قد كان حفر لغيره، فدفنوه فيه، وصلى عليه جبير بن مطعم. ولما قتل دفن ليلا، وصلى عليه جبير بن مطعم، وقيل: حكيم بن حزام، وقيل: المسور ابن مخرمة، وقيل: كانوا خمسة أو ستة، وهم جبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وأبو جهم بن حذيفة، وتيار بن مكرم، وزوجتاه: نائلة، وأم البنين بنت عيينة، وقيل: لم يصل عليه أحد، منعوا من ذلك. وحضر دفنه عبد الله بن الزبير، وامرأتاه: أم البنين بنت عيينة الفزارية، ونائلة بنت الفرافصة الكلبية، فلما دلوه في القبر صاحت ابنته عائشة، فقال لها ابن الزبير: اسكتي وإلا قتلتك. فلما دفنوه قال لها: صيحي الآن ما بدا لك أن تصيحي. ودفن في حش كوكب بالبقيع، وكان عثمان قد اشتراه فوسع به البقيع، فكان أول من دفن فيه، وكوكب: رجل من الأنصار، والحش: البستان، فلما دفنوه غيبوا قبره رضي الله عنه. قال مالك: «لما قتل عثمان رضي الله عنه ألقي على المزبلة ثلاثة أيام، فلما كان من الليل أتاه اثنا عشر رجلا، فيهم حويطب بن عبد العزى، وحكيم بن حزام، وعبد الله بن الزبير، وجدي، فاحتملوه، فلما صاروا به إلى المقبرة ليدفنوه ناداهم قوم من بني مازن: والله لئن دفنتموه هنا لنخبرن الناس غدا، فاحتملوه، وكان على باب، وإن رأسه على الباب ليقول: طق طق، حتى صاروا به إلى حش كوكب، فاحتفروا له، وكانت عائشة بنت عثمان رضي الله عنهما معها مصباح في جرة، فلما أخرجوه ليدفنوه صاحت، فقال لها ابن الزبير: والله لئن لم تسكتي لأضربن الذي فيه عيناك، قال: فسكتت فدفن، قال مالك: وكان عثمان رضي الله عنه يمر بحش كوكب فيقول: إنه سيدفن هاهنا رجل صالح». "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1047- 1048). واختلف في سنه حين قتلوه، فقال ابن إسحاق: «قتل وهو ابن ثمانين سنة». وقال غيره: كان عمره أربع وثمانين سنة، وقيل: ست وثمانون سنة، قاله قتادة. وقيل: كان عمره تسعين سنة. قال ابن حجر: «وقتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وأشهر على الصحيح المشهور». "الإصابة" لابن حجر (4 /379). قال ابن إسحاق: «وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما». وقيل: كانت إحدى عشرة سنة، وأحد عشر شهرا، وأربعة عشر يوما. وقيل: ثمانية عشر يوما. انظر: "الإصابة" لابن حجر (4 /379)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /66- 79)، "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1044- 1048)، "أسد الغابة" لابن الأثير (3 /489- 491).

أخباره ومواقفه

في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

المؤاخاة بينه وبين غيره من الصحابة رضي الله عنهم: آخى رسول الله بين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف في مكة، ولما قدم المسلمون المدينة آخى رسول الله بينه وبين أوس بن ثابت أبي شداد بن أوس، ويقال: بينه وبين أبي عبادة سعد بن عثمان الزرقي. انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /55). زواجه رضي الله عنه من ابنتي الرسول وهجرته: ولما أسلم عثمان زوّجه رسول الله بابنته رقية، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية فارا بدينه، ومعه فيهما جميعا زوجته رقية بنت رسول الله ، وكان أول خارج إليها، وتابعه سائر المهاجرين إلى أرض الحبشة. ثم عاد إلى مكة وهاجر إلى المدينة، ولما قدم إليها نزل على أوس بن ثابت أخي حسان بن ثابت في بني النجار، ولهذا كان حسان يحب عثمان ويبكيه بعد قتله. وتزوج بعد رقية أم كلثوم بنت رسول الله ، فلذلك كان يلقب ذا النورين، فلما توفيت قال رسول الله : لو أن لنا ثالثة لزوجناك. انظر: "الإصابة" لابن حجر (4 /377- 378)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /55- 56)، "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /- 1038- 1039)، "أسد الغابة" لابن الأثير (3 /481- 482). جهاده رضي الله عنه في سبيل الله: ولم يشهد عثمان رضي الله عنه بدرا بنفسه، لأن زوجته رقية بنت رسول الله كانت مريضة على الموت، فأمره رسول الله أن يقيم عندها، فأقام، وتوفيت رقية في سنة اثنتين من الهجرة يوم ورد الخبر بظفر النبي والمسلمين على المشركين، وضرب له رسول الله بسهمه وأجره، فهو كمن شهدها، فهو معدود في البدريين لذلك. انظر: "الإصابة" لابن حجر (4 /378)، "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1038)، "أسد الغابة" لابن الأثير (3 /482). وأما تخلفه عن بيعة الرضوان بالحديبية فلأن رسول الله كان قد وَجّهَه إلى مكة في أمر لا يقوم به غيره ، وذلك أن قريش لما فزعت لنزول رسول الله عليهم، فأحب رسول الله أن يبعث إليهم رجلا من أصحابه، على أن يتركوا رسول الله والعمرة. ففي حديث المسور بن مخرمة ومروان عند أحمد: «وقد كان رسول الله قبل ذلك بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة، وحمله على جمل له يقال له: الثعلب، فلما دخل مكة عقرت به قريش، وأرادوا قتل خراش، فمنعهم الأحابيش، حتى أتى رسول الله ، فدعا عمر ليبعثه إلى مكة، فقال: يا رسول الله، إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بها من بني عدي أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليها، ولكن أدلك على رجل هو أعز مني عثمان بن عفان. قال: فدعاه رسول الله ، فبعثه إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وأنه جاء زائرا لهذا البيت، معظما لحرمته، فخرج عثمان حتى أتى مكة، ولقيه أبان بن سعيد بن العاص، فنزل عن دابته وحمله بين يديه، وردف خلفه، وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله ، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش، فبلغهم عن رسول الله ما أرسله به، فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت، فطف به. فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله . قال: فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله والمسلمين أن عثمان قد قتل». أخرجه أحمد (18910)، 31 /212- 216، طبعة الرسالة، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على مسند أحمد: «إسناده حسن، محمد بن إسحاق، وإن كان مدلسا وقد عنعن إلا أنه قد صرح بالتحديث في بعض فقرات هذا الحديث، فانتفت شبهة تدليسه، ثم إنه قد توبع… وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين». ولما بلغ رسول الله أن عثمان رضي الله عنه قد قُتِل، دعا رسول الله أصحابه إلى مبايعته على قتال المشركين ومناجزتهم، وعلى ألا يفروا. قال ابن القيم: «واختلط المسلمون بالمشركين في أمر الصلح، فرمى رجل من أحد الفريقين رجلا من الفريق الآخر، وكانت معركة، وتراموا بالنبل والحجارة، وصاح الفريقان كلاهما، وارتهن كل واحد من الفريقين بمن فيهم، وبلغ رسول الله أن عثمان قد قتل، فدعا إلى البيعة، فثار المسلمون إلى رسول الله وهو تحت الشجرة فبايعوه على ألا يفروا، فأخذ رسول الله بيد نفسه وقال: هذه عن عثمان». "زاد المعاد" لابن القيم (3 /259). فبايع رسول الله نفسه عن عثمان رضي الله عنه، فهو أيضا معدود في أهل الحديبية من أجل ذلك. قال أنس بن مالك: «لما أمر رسول الله ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان رسول رسول الله إلى أهل مكة قال: فبايع الناس، قال: فقال رسول الله : إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله، فضرب بإحدى يديه على الأخرى، فكانت يد رسول الله لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم». أخرجه الترمذي (3702)، وقال فيه: «هذا حديث حسن صحيح غريب». وقد ورد في الصحيح أن مِن الناس مَن أراد أن يحطّ من قدر عثمان بأنه لم يشارك في هذه الغزوات، فجادلهم ابن عباس رضي الله عنه وأفحمهم. قال عثمان بن موهب: «جاء رجل من أهل مصر حج البيت، فرأى قوما جلوسا، فقال: من هؤلاء القوم؟ فقالوا هؤلاء قريش، قال: فمن الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر، قال: يا ابن عمر، إني سائلك عن شيء فحدثني، هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد؟ قال: نعم، قال: تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد؟ قال: نعم، قال: تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم، قال: الله أكبر، قال: ابن عمر: تعال أبين لك، أما فراره يوم أحد، فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له، وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله ، وكانت مريضة، فقال له رسول الله : إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان، فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله بيده اليمنى: هذه يد عثمان، فضرب بها على يده، فقال: هذه لعثمان. فقال له ابن عمر: اذهب بها الآن معك». أخرجه البخاري (3698). استخلافه رضي الله عنه على المدينة حين خروج رسول الله إلى الغزوات. وكان رسول الله قد استخلفه على المدينة في غزوته إلى ذات الرقاع، واستخلفه أيضا على المدينة في غزوته إلى غطفان بذي أَمَرٍّ بنجد. انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /56).

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

ولي الخلافة رضي الله عنه بعد مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبويع له. بويع لعثمان بن عفان بالخلافة يوم السبت غرة المحرم سنة أربع وعشرين، بعد دفن عمر بن الخطاب بثلاثة أيام، باجتماع الناس عليه. وقال الزبير بن بكار: «بويع يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين». انظر: "الإصابة" لابن حجر (4 /379)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /63)، "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1044)، "أسد الغابة" لابن الأثير (3 /489). روى البخاري في حديث استشهاد عمر رضي الله عنه أنه عهد بالأمر إلى ستة من الصحابة، وأمرهم أن يختاروا رجلا من بينهم، فجعلوا الاختيار إلى عبد الرحمن بن عوف، حتى وقع اختيارهم على عثمان فبايعوه. ففي حديث عمرو بن ميمون: «… قال: واستأذن الرجال، فولجت داخلا لهم، فسمعنا بكاءها من الداخل، فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين استخلف، قال: ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر، أو الرهط، الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض، فسمى عليا، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعدا، وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء - كهيئة التعزية له - فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله عن عجز، ولا خيانة، وقال: أوصي الخليفة من بعدي، بالمهاجرين الأولين، أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا، ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ سورة الحشر: 9، أن يقبل من محسنهم، وأن يعفى عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا، فإنهم ردء الإسلام، وجباة المال، وغيظ العدو، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم. وأوصيه بالأعراب خيرا، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي أموالهم، ويرد على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله، وذمة رسوله أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلفوا إلا طاقتهم، فلما قبض خرجنا به، فانطلقنا نمشي، فسلم عبد الله بن عمر، قال: يستأذن عمر بن الخطاب، قالت: أدخلوه، فأدخل، فوضع هنالك مع صاحبيه، فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر، فنجعله إليه والله عليه والإسلام، لينظرن أفضلهم في نفسه؟ فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إلي والله علي أن لا آل عن أفضلكم قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن، ولئن أمرت عثمان لتسمعن، ولتطيعن، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان فبايعه، فبايع له علي، وولج أهل الدار فبايعوه». أخرجه البخاري (3700)، وجزء منه عند مسلم له شاهد (567). أحاديثه ورواياته رضي الله عنه. روى عثمان رضي الله عنه عن النبي وعن أبي بكر وعمر. وروى عنه أولاده: عمرو، وأبان، وسعيد، وابن عمه مروان بن الحكم بن أبي العاص، ومن الصحابة ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وزيد بن ثابت، وعمران بن حصين، وأبو هريرة، وغيرهم. ومن التابعين: الأحنف، وعبد الرحمن بن أبي ضمرة، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسعيد بن المسيب، وأبو وائل، وأبو عبد الرحمن السلمي، ومحمد بن الحنيفة، وآخرون. انظر: "الإصابة" لابن حجر (4 /378). روى يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه، أنه سمعه يقول: «ما رأيت أحدا من أصحاب رسول الله كان إذا حدث أتم حديثا ولا أحسن من عثمان بن عفان، إلا أنه كان رجلا يهاب الحديث». "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /57). الحج في خلافته رضي الله عنه. ولى عثمان رضي الله عنه على الحج السنة التي بويع فيها عبد الرحمن بن عوف، فحج بالناس سنة أربع وعشرين، ثم حج عثمان في خلافته كلها بالناس عشر سنين ولاء إلا السنة التي حوصر فيها، فوجه عبد الله بن عباس على الحج بالناس، وهي سنة خمس وثلاثين. انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /63).

فضائله ومناقبه

كان رضي الله عنه أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «صعد النبي إلى أحد ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله، قال: اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان». أخرجه البخاري (3686)، مسلم (2417). وقال أبو موسى رضي الله عنه: «كنت مع النبي في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي : افتح له وبشره بالجنة، ففتحت له، فإذا أبو بكر، فبشرته بما قال النبي ، فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي : افتح له وبشره بالجنة، ففتحت له فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي ، فحمد الله، ثم استفتح رجل، فقال لي: افتح له وبشره بالجنة، على بلوى تصيبه، فإذا عثمان، فأخبرته بما قال رسول الله فحمد الله، ثم قال: الله المستعان». أخرجه البخاري (3693)، ومسلم (2403). وروى سعيد بن زيد: «أن رسول الله قال: عشرة في الجنة: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان وعلي والزبير وطلحة وعبد الرحمن وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص. قال: فعد هؤلاء التسعة وسكت عن العاشر، فقال القوم: ننشدك الله يا أبا الأعور من العاشر؟ قال: نشدتموني بالله، أبو الأعور في الجنة». أخرجه الترمذي (3748)، وقال فيه: «أبو الأعور هو: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. وسمعت محمدا يقول: هو أصح من الحديث الأول»، وأبي داود (4649)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على سنن أبي داود: «حديث صحح، وهذا إسناد حسن في المتابعات من أجل عبد الرحمن بن الأخنس، فهو مقبول حيث يتابع، وقد توبع في الطريقين الذي قبله والذي بعده»، وابن ماجه (133)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على سنن ابن ماجه: «حديث صحيح، هشام بن عمار متابع، وباقي رجاله ثقات»، وأحمد (1675)، طبعة الرسالة. تجهيزه رضي الله عنه جيش العسرة، وشراؤه الجنة يوم تبوك. وأمر رسول الله الناس يوم تبوك بالصدقة، وحضّ أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله، فحملوا صدقات كثيرة، وقوّوا في سبيل الله، وأنفق عثمان رضي الله عنه فيها نفقة عظيمة، لم ينفق أحد مثلها. قال ابن هشام: «حدثني من أثق به: أن عثمان بن عفان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار، فقال رسول الله : اللهم ارض عن عثمان، فإني عنه راض». "السيرة" لابن هشام (2 /518). وقال عبد الرحمن بن خباب: «شهدت النبي وهو يحث على جيش العسرة فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله علي مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله علي ثلاث مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيت رسول الله ينزل عن المنبر وهو يقول: ما على عثمان ما عمل بعد هذه، ما على عثمان ما عمل بعد هذه». أخرجه الترمذي (3700)، وقال فيه: «هذا حديث غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث السكن بن المغيرة، وفي الباب عن عبد الرحمن بن سمرة»، وأحمد (16696)، طبعة الرسالة، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على مسند أحمد: «إسناده ضعيف لجهالة فرقد أبي طلحة، فقد انفرد بالرواية عنه الوليد ابن أبي هشام، وقال علي بن المديني: لا أعرفه، وقال ابن حجر في "التقريب": مجهول، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح غير سكن بن المغيرة: وهو القرشي الأموي، فقد أخرج له الترمذي، وهو صدوق، وغير عبد الله بن أحمد، فقد أخرج له النسائي، وهو ثقة». وقال عبد الرحمن بن سمرة: «جاء عثمان إلى النبي بألف دينار، قال الحسن بن واقع: وكان في موضع آخر من كتابي في كمه، حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره. قال عبد الرحمن: فرأيت النبي يقلبها في حجره ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين». أخرجه الترمذي (3701)، وقال فيه: «هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه»، والحاكم (4553)، وقال فيه: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي، وأحمد (20630)، طبعة الرسالة، وقال الشيخ شعيب الارناؤوط في تخريجه على مسند أحمد: «إسناده حسن، من أجل كَثِير، وهو ابن أبي كثير، مولى عبد الرحمن بن سمرة». شراؤه رضي الله عنه بئر رومة، وفوزه بالجنة بها. واشترى عثمان رضي الله عنه بئر رومة، وكانت بئرا ليهودي يبيع المسلمين ماءها، فقال رسول الله : من يشترى رومة فيجعلها للمسلمين يضرب بدلوه في دلائهم، وله بها مشرب في الجنة، فأتى عثمان اليهودي فساومه بها، فأبى أن يبيعها كلها، فاشترى نصفها باثني عشر ألف درهم، فجعله للمسلمين، فقال له عثمان رضي الله عنه: إن شئت جعلت على نصيبي قرنين، وإن شئت فلي يوم ولك يوم. قال: بل لك يوم ولي يوم. فكان إذا كان يوم عثمان استقى المسلمون ما يكفيهم يومين، فلما رأى ذلك اليهودي قال: أفسدت علي ركيتي أي بئري، فاشتر النصف الآخر، فاشتراه بثمانية آلاف درهم. انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1039- 1040). روى أبو عبد الرحمن السلمي: «أن عثمان رضي الله عنه حين حوصر أشرف عليهم، وقال: أنشدكم الله، ولا أنشد إلا أصحاب النبي ، ألستم تعلمون أن رسول الله قال: من حفر رومة فله الجنة؟ فحفرتها، ألستم تعلمون أنه قال: من جهز جيش العسرة فله الجنة؟ فجهزتهم، قال: فصدقوه بما قال وقال عمر في وقفه: لا جناح على من وليه أن يأكل وقد يليه الواقف وغيره فهو واسع لكل». أخرجه البخاري (2778). وعند الترمذي: قال ثمامة بن حزن القشيري: «شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان، فقال: ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم علي. قال: فجيء بهما فكأنهما جملان أو كأنهما حماران، قال: فأشرف عليهم عثمان، فقال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال رسول الله : من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر. قالوا: اللهم نعم. فقال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله، فقال رسول الله : من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين؟ قالوا: اللهم، نعم. قال: أنشدكم بالله وبالإسلام، هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي؟ قالوا: اللهم نعم. ثم قال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض قال: فركضه برجله وقال: اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان؟ قالوا: اللهم، نعم. قال: الله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد، ثلاثا». أخرجه الترمذي (3703)، وقال فيه: «هذا حديث حسن وقد روي من غير وجه عن عثمان». شراؤه رضي الله عنه توسعة المسجد، وفوزه الجنة بها. وقال رسول الله : من يزيد في مسجدنا، فاشترى عثمان رضي الله عنه موضع خمس سوار، فزاده في المسجد. انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1040). رفع عثمان رضي الله عنه التهمة عن نفسه ما استطاع. قال المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث لعبيد الله بن عدي بن الخيار: ما يمنعك أن تكلم عثمان لأخيه الوليد، فقد أكثر الناس فيه، فقصدت لعثمان حتى خرج إلى الصلاة، قلت: إن لي إليك حاجة، وهي نصيحة لك، قال: يا أيها المرء - قال معمر أراه قال: أعوذ بالله منك - فانصرفت، فرجعت إليهم إذ جاء رسول عثمان فأتيته، فقال: ما نصيحتك؟ فقلت: إن الله سبحانه بعث محمدا بالحق، وأنزل عليه الكتاب، وكنت ممن استجاب لله ولرسوله ، فهاجرت الهجرتين، وصحبت رسول الله ، ورأيت هديه وقد أكثر الناس في شأن الوليد، قال: أدركت رسول الله ؟ قلت: لا، ولكن خلص إلي من علمه ما يخلص إلى العذراء في سترها، قال: أما بعد، فإن الله بعث محمدا بالحق، فكنت ممن استجاب لله ولرسوله، وآمنت بما بعث به، وهاجرت الهجرتين، كما قلت، وصحبت رسول الله وبايعته، فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله عز وجل، ثم أبو بكر مثله، ثم عمر مثله، ثم استخلفت، أفليس لي من الحق مثل الذي لهم؟ قلت: بلى، قال: فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم؟ أما ما ذكرت من شأن الوليد، فسنأخذ فيه بالحق إن شاء الله، ثم دعا عليا، فأمره أن يجلده فجلده ثمانين». أخرجه البخاري (3696). أقوال رسول الله في بيان منزلته رضي الله عنه والثناء عليه. قال طلحة بن عبيد الله: قال النبي : «لكل نبي رفيق، ورفيقي، يعني في الجنة، عثمان». أخرجه الترمذي (3698)، وقال فيه: «هذا حديث غريب وليس إسناده بالقوي، وهو منقطع». وقال حسان بن عطية: قال رسول الله : «غفر الله لك يا عثمان، ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، وما أخفيت وما أبديت، وما هو كائن إلى يوم القيامة». "الشريعة" للآجري (4 /2012)، (1485). وروى أبو الأشعث الصنعاني، : «أن خطباء قامت بالشام، وفيهم رجال من أصحاب رسول الله ، فقام آخرهم رجل يقال له: مرة بن كعب، فقال: لولا حديث سمعته من رسول الله ما قمت، وذكر الفتن فقربها، فمر رجل مقنع في ثوب فقال: هذا يومئذ على الهدى، فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان. قال: فأقبلت عليه بوجهه، فقلت: هذا؟ قال: نعم». أخرجه الترمذي (3704)، وقال فيه: «هذا حديث حسن صحيح». أقوال الصحابة رضي الله عنهم في بيان منزلته رضي الله عنه والثناء عليه. قال ابن عمر رضي الله عنهما: «كنا في زمن النبي لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي لا نفاضل بينهم». أخرجه البخاري (3697). وقال ابن عمر رضي الله عنهما: «كنا نقول ورسول الله حي: أبو بكر وعمر وعثمان». فقيل: هذا في التفضيل. وقيل في الخلافة. أخرجه الترمذي (3707)، وقال فيه: «هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، يستغرب من حديث عبيد الله بن عمر». وقال ابن عمر رضي الله عنهما: «ذكر رسول الله فتنة، فقال: يقتل هذا فيها مظلوما لعثمان». أخرجه الترمذي (3708)، وقال فيه: «هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن عمر». وقال ابن مسعود حين بويع بالخلافة: «بايعنا خيرنا ولم نأل». وقال علي بن أبي طالب: «كان عثمان أوصلنا للرحم، وكان من الذين آمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين». وكذا قالت عائشة لما بلغها أنهم قتله قتلوه: «وإنه لأوصلهم للرحم، وأتقاهم للرب». وقال ابن عمر: «لقد عتبوا على عثمان أشياء، ولو فعلها عمر ما عتبوا عليه». وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «لو اجتمع الناس على قتل عثمان لرموا بالحجارة كما رمي قوم لوط». وقال حميد الطويل: «قيل لأنس بن مالك: إن حب علي وعثمان رضي الله عنهما لا يجتمعان في قلب واحد. فقال أنس رضي الله عنه: كذبوا والله، لقد اجتمع حبهما في قلوبنا». وقال ميمون بن مهران: «لما قتل عثمان قال حذيفة هكذا، وحلق بيده، يعني عقد عشرة: فتق في الإسلام فتق لا يرتقه جبل». وقال أبو قلابة: «لما بلغ ثمامة بن عدي قتل عثمان وكان أميرا على صنعاء وكانت له صحبة بكى، فطال بكاؤه، ثم قال: هذا حين أنزعت خلافة النبوة من أمة محمد، وصار ملكا وجبرية، من غلب على شيء أكله». وقال أبو صالح: «كان أبو هريرة إذا ذكر ما صنع بعثمان بكى قال: فكأني أسمعه يقول: هاه هاه، ينتحب». وقال عبد الله بن سلام: «لقد فتح الناس على أنفسهم بقتل عثمان باب فتنة لا ينغلق عنهم إلى قيام الساعة». وكان عبد الله بن سلام يقول يوم قتل عثمان: «اليوم هلكت العرب». وقال علي بن زيد بن جدعان: قال لي سعيد بن المسيب: «انظر إلى وجه هذا الرجل، فنظرت فإذا هو مسود الوجه، فقال: سله عن أمره، فقلت: حسبي أنت، حدثني، قال: إن هذا كان يسب عليا وعثمان رضي الله عنهما، فكنت أنهاه فلا ينتهي، وقلت: اللهم هذا يسب رجلين قد سبق لهما ما تعلم. اللهم إن كان يسخطك ما يقول فيهما فأرني به آية، فاسود وجهه كما ترى». "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1052). انظر: "الإصابة" لابن حجر (4 /378)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3 /63، 80- 81)، "الاستيعاب" لابن عبد البر (3 /1039، 1053).