البحث

عبارات مقترحة:

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

أبو بكر الصديق

أبو بكر الصديق رضي الله عنه هو أفضل الصحابة على الإطلاق، وخليفة النبي ، وله من المواقف في نصرة النبي والدفاع عنه ما تواتر، وذاع وانتشر، وجاء في فضله من الآيات الشريفة والأحاديث النبوية ما يجلي قدره، ويبرز مكانته، ولذا كان محبته رضي الله عنه من الإيمان، وبغضه من الكفر والنفاق.

البطاقة الشخصية

اسمه ونسبه

أبو بكر عبد اللَّه بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيّ القرشي التميمي. وأمّه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر، ابنة عم أبيه. "الإصابة" (4/144).

مولده

ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر. "الإصابة" (4/145).

صفته

كان أبيض نحيفًا، خفيف العارضين، معروق الوجه، ناتىء الجبهة، يخضّب بالحنّاء والكَتَم. قاله ابن منده في "المعرفة" كما في "الإصابة" (4/146). معروق الوجه: قليل لحم الوجه. الكَتَم : نبات يُختضب به.

إسلامه

قال عمار بن ياسر رضي الله عنه: «رأيتُ رسولَ الله وما مَعَهُ، إلا خمسةُ أعبُدٍ، وامرأتان، وأبو بكر». أخرجه البخاري برقم (3653). قال ابن حجر: «في هذا الحديث أن أبا بكر رضي الله عنه أوَّلُ من أسلَمَ من الأحرار مُطلقًا». "فتح الباري" (11/38).

زوجاته وأولاده

1- قتيلة بنت عبد العزى، والدة أسماء وعبد الله رضي الله عنهما. 2- أم رومان بنت عامر رضي الله عنها، والدة عبد الرّحمن وعائشة رضي الله عنهما. 3- أسماء بنت عميس رضي الله عنها، والدة محمد. 4- حبيبة بنت خارجة الأنصارية رضي الله عنها، والدة أم كلثوم.

ألقابه

- عتيق: لقب عتيقًا لعتقه من النار؛ روى الترمذي عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله قال: «أبو بكر عتيق الله من النار»، فمن يومئذ سُمى عتيقًا، وقيل: لحسن وجهه وجماله، قاله الليث بن سعد وجماعة. "تهذيب الأسماء واللغات" (2/181). - الصديق: أجمعت الأئمة على تسميته صديقًا، كما حكاه النووي، قال علي بن أبى طالب رضى الله عنه: «إن الله تعالى هو الذى سمى أبا بكر على لسان رسول الله صديقًا». قال النووي: «وسبب تسميته أنه بادر إلى تصديق رسول الله ، ولازم الصدق، فلم يقع منهم هناة ولا وقفة فى حال من الأحوال». "تهذيب الأسماء واللغات" (2/181).

وفاته

كانت وفاته يوم الاثنين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة.

أخباره ومواقفه

في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

قال العلماء: صحب أبو بكر النبي عليه الصلاة والسلام من حين أسلم إلى حين توفي، لم يفارقه سفرًا ولا حضرًا، إلا فيما أذن له عليه الصلاة والسلام في الخروج فيه من حج وغزو، وشهد معه المشاهد كلها. ومن مواقفه المهمة في حياة النبي : 1- قصته ليلة الإسراء وثباته، وجوابه للكفار في ذلك: تقول عائشة رضي الله عنها: «لمَّا أُسرِي بالنبي إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتدَّ ناسٌ ممن كانُوا آمنوا به وصدَّقُوه وسعوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم! قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: أو تُصدِّقُه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إني لأُصدِّقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سمي أبو بكر الصديق». أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4407). 2- هجرته مع رسول الله : حيث كان أبو بكر رضي الله عنه مع النبي في هجرته، ولجوئه إلى الغار ثلاثة أيام. ذكره مجاهد، والأكثر عليه. "الاستيعاب" (ص473). والصاحب المقصود في قوله تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: 40] هو أبو بكر رضي الله عنه بإجماع المسلمين، فهو صاحِبُه ومؤانسُه، وثاني اثنين في الغار، إذ اشتدَّ طلبُ المشركين له ، ولم يظفر بهذا الكمال في الصحبة أحد غيرُ الصديق رضي الله عنه. 3- موقفه في غزوة بدر: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي ، وهو في قبة: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم» فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربك وهو في الدرع، فخرج وهو يقول: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ﴾ [القمر: 46]. أخرجه البخاري (2915). 4- موقفه يوم الحديبية: قال سهل بن حنيف: اتهموا أنفسكم فلقد رأيتنا يوم الحديبية - يعني الصلح الذي كان بين النبي والمشركين - ولو نرى قتالا لقاتلنا، فجاء عمر فقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار؟ قال: «بلى» قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع، ولما يحكم الله بيننا، فقال: «يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدًا» فرجع متغيظًا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: يا ابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا، فنزلت سورة الفتح. أخرجه البخاري (4844). 5- موقفه يوم وفاة النبي : «لما مات النبي ، ونزلت بالمسلمين أعظم نازلة نزلت بهم، حتى أوهنت العقول، وطيشت الألباب، فهذا ينكر موتَه، وهذا قد أقعد، وهذا قد دهش فلا يعرف من يمر عليه ومن يسلم عليه، وهؤلاء يضجون بالبكاء، وقد وقعوا في نسخة القيامة، وكأنها قيامة صغرى مأخوذة من القيامة الكبرى، وأكثر البوادي قد ارتدوا عن الدين، وذلت كماته، فقام الصديق رضي الله عنه بقلب ثابت، وفؤاد شجاع، فلم يجزع، ولم ينكل، قد جمع له بين الصبر واليقين، فأخبرهم بموت النبي وأن الله اختار له ما عنده، وقال لهم: من كان يعبد محمدًا فإنَّ مُحمدًا قد مات، ومن كان يعبدُ الله فإن الله حي لا يموت، ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 144]، فكأن الناس لم يسمعوا هذه الآية حتى تلاها الصديق، فلا تجد أحدًا إلا وهو يتلوها، ثم خطبهم، فثبَّتَهُم، وشجَّعَهُم. قال أنس: خطبنا أبو بكر رضي الله عنه، وكنا كالثعالب، فما زال يشجعنا حتى صرنا كالأسود». انظر: "منهاج السنة" لابن تيمية (8/83).

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

1- موقفه في سقيفة بني ساعدة: عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي ، أن رسول الله ، مات وأبو بكر بالسنح، فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله ، قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، فجاء أبو بكر " فكشف عن رسول الله فقبله، قال: بأبي أنت وأمي، طبت حيًّا وميتًا، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدًا، ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر: 30]، وقال: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 144]، قال: فنشج الناس يبكون، قال: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيَّأت كلامًا قد أعجبني، خشيتُ أن لا يبلغه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل، منا أمير، ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء، وأنتم الوزراء، هم أوسط العرب دارًا، وأعربهم أحسابًا، فبايِعُوا عمر، أو أبا عبيدة بن الجراح، فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا، وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله ، فأخذ عمر بيده فبايعه، وبايعه الناس. أخرجه البخاري (3668). 2- إنفاذه جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما: وقد أظهر أبو بكر رضي الله عنه في ذلك صلابة شديدة في التمسك بأمر النبي بإنفاذ جيش أسامة، وكان يقول: «والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله ، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته». "تاريخ الطبري" (4/45). 3- قتاله أهل الردة: يقول ابن تيمية «لما مات النبي ظهر من شجاعة الصديق، وبسالته، وصبره، وثباته، وسياسته، وتدبيره، وإمامته للدين، وقمعه للمرتدين، ومعونته للمؤمنين». "جامع المسائل" (8/250). ويقول رحمه الله في "منهاج السنة" (8/83-84): «وأخذ في قتال المرتدين، مع إشارتهم عليه بالتمهل والتربص، وأخذ يقاتل حتى مانعي الزكاة، فهو مع الصحابة يُعلمهم إذا جهلوا، ويُقويهم إذا ضعفوا، ويحثهم إذا فتروا، فقوى الله به علمهم ودينهم وقوتهم، حتى كان عمر - مع كمال قوته وشجاعته - يقول له: يا خليفة رسول الله تألف الناس، فيقول: علام أتألفهم؟ أعلى دين مفترى؟ أم على شعر مفتعل؟». 4- تجهيز الجيوش لفتح الشام: حيث عزم الصديق على فتح الشام فاستشار كبار الصحابة ثم استنفر أهل اليمن للجهاد، وعقد الألوية للقادة، وأرسل أربعة جيوش لبلاد الشام، وكان قادة الجيوش كلا من يزيد بن أبي سفيان، وأبي عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، واستطاعت تلك الجيوش المظفرة أن تكسر شوكة الرومان، والفرس، وفتح تلك الديار في وقت قياسي في تاريخ الحروب. انظر: "أبو بكر الصديق" للصلابي (ص361). 5- استخلافه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: روى القاسم بن محمد عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها – وهي حينئذٍ تحت أبي بكر رضي الله عنه - قالت: جاء طلحةُ حتى دخل على أبي بكر وقال: استخلفتَ على الناس عمر، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيف إذا خلا بهم، وأنت ملاقٍ ربك فسائلك عن رعيتك، فقال أبو بكر: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أبالموت تفرقوني؟ أم بالله تخوفونني؟ إذا لقيت الله فسألني قلت: استخلفتُ عليهم خير أهلك. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (9764) وأبو نعيم في "تثبيت الإمامة" (61) وهو ثابت بمجموع طرقه.

فضائله ومناقبه

أولًا: الصحبة الخاصة بينه وبين النبي من أوضح الدلائل الصحبة الخاصة بين أبي بكر رضي الله عنه وبين النبي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنت جالسًا عند النبي ، إذ أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي : «أما صاحبكم فقد غامر- أي: دخل في غمرة الخصومة -»، فسَلَّمَ، وقالَ: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيءٌ، فأسرعتُ إليه، ثم ندمت، فسألتُه أن يغفر لي، فأبى علي، فأقبلتُ إليك، فقال: «يغفر الله لك يا أبا بكر» ثلاثًا، ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثم أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النبي فسَلَّمَ، فجعل وجه النبي يتمعَّرُ، حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، مرتين، فقال النبي : (إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟) مرتين، فما أوذي بعدَها. أخرجه البخاري (3654). وتحت قول النبي : (فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟) من معاني الاختصاص بالمودّة والمحبة النبوية ما لا يخفى، فصُحبَةُ أبي بكر للنبي صحبةٌ خاصّة، خصّه النبيُّ بكمال الصحبة، فللصديق رضي الله عنه الأكملية في الصحبة في مقدارها، ونفعها، وصفتها، لا يشركه في تلك الأكملية أحد من سائر أصحابه رضي الله عنهم، أو سائر الخَلْقِ. انظر "الرياض النضرة في مناقب العشرة" (2/18-20)، و" منهاج السنة" (8/416، 421-422). ولتلك الصحبة الخاصة دلائل كثيرةأخرى: منها: تسمية الله تعالى له صاحبًا للنبي في القرآن. ومنها: ملازمته للنبي الملازمة الأكيدة في مكة، حتى قالت عائشة رضي الله عنها: «لم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار، بكرة وعشية». ومنها: وقول النبي : «إنَّ من أمَنِّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبا بكر». ومنها: قول النبي : «لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا». أخرجه البخاري (3654) ومسلم (532). وأحاديث المخالّة متواترة، انظر "منهاج السنة" (7/375، 8/425) و"الأزهار المتناثرة" رقم (99). ومنها: أمرُ النبي لأبي بكر أن يُصَلِّي بالناس مُدَّةَ مرضه. ثانيًا: إنفاقه في سبيل الله تعالى: قال الله تعالى: ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21) ﴾ [الليل: 17 – 21]. هذه الآيات مما ذكر غيرُ واحدٍ من المُفَسِّرين نزولها في أبي بكر رضي الله عنه، جاء ذلك عن عبد الله بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وقتادة. انظر: "تفسير الطبري" (24/479). وحكى ابن الجوزي الإجماع على ذلك. انظر: "زاد المسير" (9/158). قال ابن كثير: «حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك، ولا شكَّ أنه داخلٌ فيها، وأولى الأمة بعمُومها، فإن لفظها لفظ العموم، وهو قوله تعالى: ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى﴾ ولكنه مُقدَّمُ الأُمة، وسابِقُهم في جميع هذه الأوصاف، وسائرِ الأوصاف الحميدة؛ فإنه كان صدِّيقًا تقيًّا كريمًا جوادًا بذالًا لأمواله في طاعة مولاه، ونصرة رسول الله ، فكم من دراهم ودنانير بذلَها ابتغاءَ وجه ربه الكريم؟ ولم يكن لأحدٍ من الناس عنده مِنَّةٌ يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولكن كان فضلُه وإحسانُه على السادات والرؤساء من سائر القبائل، ولهذا قال له عروة بن مسعود -وهو سيد ثقيف، يوم صلح الحديبية: أما والله لولا يد لك كانت عندي لم أجزك بها لأجبتك. وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة، فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب، ورؤساء القبائل، فكيف بمن عداهم؟ ولهذا قال: ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى﴾. وفي "الصحيحين" أن رسول الله قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة: يا عبد الله، هذا خير»، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من يدعى منها ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد؟ قال: (نعم، وأرجو أن تكُونَ منهم». "تفسير ابن كثير" (8/422). وأجملَ ابنُ كثير بقوله: «فكم من دراهم ودنانير بذلَها ابتغاءَ وجه ربه الكريم؟» ما فَصَّلته الأخبارِ في وصف ما أنفقه أبو بكر رضي الله عنه. فمن تلك الأخبار المفصِّلَة ما جاء مُبيِّنًا لكمية ذلك الإنفاق، فجاء عن عائشة رضي الله عنها وعروةَ أن أبا بكر رضي الله عنه أنفق أربعين ألف درهم في سبيل الله تعالى، قالت عائشة: «أنفقَ أبو بكر رضي الله عنه على النبي أربعين ألفًا». أخرجه ابن حبان برقم (6859). وانظر "الرياض النضرة في مناقب العشرة" (2/21). قال ابن تيمية: «إنفاق أبي بكر لم يكن نفقة على النبي في طعامه وكسوته، فإن الله قد أغنى رسوله عن مال الخلق أجمعين، بل كان معونة له على إقامة الإيمان، فكان إنفاقه فيما يحبه الله ورسوله لا نفقة على نفس الرسول ، فاشترى المعذبين مثل بلال وعامر بن فهيرة وزنيرة وجماعة». "منهاج السنة" (8/551). وقال هشام بن عروة: «أخبرني أبي: أن أبا بكر أسلَم وله أربعون ألف درهم، قال عروة: فأخبرتني عائشة قالت: توفي أبو بكر ولم يترك دينارًا ولا درهمًا». أخرجه أبو داود في "الزهد" (35)، وصححه ابن حجر في "الإصابة". ومنها: ما جاء مُبيِّنًا بعضَ مصارف ذلك الإنفاق، وهو إعتاق المعذَّبينَ في الله، قال عروة: «أسلمَ أبو بكر وله أربعُون ألفًا فأنفقها في سبيل اللَّه، وأعتق سبعةً كلُّهم يُعذَّب في الله: أعتق بلالًا، وعامر بن فهيرة، وزنيرة، والنهدية وابنتها، وجارية بني المؤمل، وأم عبيس». ولما امتاز به أبو بكر رضي الله عنه في الإنفاق، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رامَ مسابقَتَهُ في ذلك يومًا، غير أنه لم يحصل ما أراده، وسبَقَه أبو بكر يومئذٍ، قال عمر رضي الله عنه: أمرَنَا رسول الله أن نتصدَّقَ، ووافق ذلك مالًا عندي، فقلتُ: اليوم أسبقُ أبا بكر، إن سبقتُه يومًا، فجئتُ بنصف مالي، فقال لي رسول الله : «ما أبقيت لأهلك؟»، قلت: مثلَه، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له: «يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟» قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا. أخرجه أبو داود (1678)، والترمذي (3675). والنصوص في إنفاق أبي بكر متواترة تواترًا معنويًّا. "منهاج السنة" (8/499، 546). ثالثًا: شجاعته عن عروة بن الزبير، قال: سألت عبد الله بن عمرو، عن أشد ما صنع المشركون برسول الله ، قال: رأيتُ عقبة بن أبي معيط، جاء إلى النبي وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، فقال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [غافر: 28]. ومواقف أبي بكر في حياة النبي وبعد وفاته، كموقفه في بدر وفي صلح الحديبية، وثباته في أحد وحنين، وإنفاذه جيش أسامة، وقتاله أهل الردة، كلها دلائل على شجاعة أبي بكر رضي الله عنه. ويقول ابن القيِّم: «وقد كان الموروث صلوات الله تعالى وسلامه عليه أشجع الناس، فكذلك وارثه وخليفته من بعده أشجع الأمَّة بالقياس، ويكفي أنَّ عمر بن الخطاب سهمٌ من كِنَانَتِه، وخالد بن الوليد سلاحٌ من أسْلِحته، والمهاجرون والأنصار أهل بيعته وشوكته، وما منهم إلا من اعترف أنه يستمدُّ من ثباتِه وشجاعته». "الفروسية" (ص469). رابعًا: علمه وكونه أعلم الصحابة وأذكاهم عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله جلس على المنبر فقال: «إن عبدًا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده، فاختار ما عنده». فبكى أبو بكر، وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فعجبنا له، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول الله عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا، وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فكان رسول الله هو المُخيَّر، وكان أبو بكر هو أعلمنا به. قال الجاحظ: «وفي معرفة أبي بكر بالذي أراد النبي بكلامه دون جميع الناس، دليلٌ على أنَّهُ المخصوص بحُسن المعرفة، وفضيلة الدراية». "العثمانية" (ص85). وانظر "الرياض النضرة في مناقب العشرة" (2/49-50). ويقول النووي في بيان دلائل أعلمية أبي بكر رضي الله عنه: «استدل أصحابنا على عظم علمه بقوله رضي الله عنه في الحديث الثابت في "الصحيحين" أنه قال: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه. واستدل الشيخ أبو إسحاق بهذا وغيره في "طبقاته" على أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه أعلم الصحابة، لأنهم كلهم وقفوا عن فهم الحكمة من المسألة إلا هو، ثم ظهر لهم بمباحثته لهم أن قوله هو الصواب، فرجعوا إليه. وروينا عن ابن عمر أنه سُئل: من كان يفتي الناس في زمن رسول الله ؟ فقال: أبو بكر، وعمر، وما أعلم غيرهما. وقد سبق قريبًا حديث أبي سعيد في "الصحيحين" قال: وكان أبو بكر أعلمَنَا». "تهذيب الأسماء واللغات" (2/190). ويقول ابن تيمية في بيان دلائل أعلمية أبي بكر رضي الله عنه، وتقرير الإجماع على ذلك: «أهل السنة يقولون ما اتفق عليه علماؤهم: إن أعلم الناس بعد رسول الله أبو بكر، ثم عمر، وقد ذكر غير واحد الإجماع على أن أبا بكر أعلم الصحابة كلهم، منهم الإمام منصور بن عبدا لجبارالسمعاني المروزي، أحد أئمة الشافعية. ودلائل ذلك كثيرة، فإنه لم يكن أحد يقضي ويخطب ويفتي بحضرة النبي إلا أبو بكر رضي الله عنه، ولم يشتبه على الناس شيء من أمر دينهم إلا فصَّلَه أبو بكر، فإنهم شكُّوا في موت النبي فبينه أبو بكر، ثم شكُّوا في مدفنه فبينه، ثم شكُّوا في قتال مانعي الزكاة، فبينه أبو بكر، وبين لهم النص في قوله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) [سورة الفتح: 27]، وبيَّن لهم: (أن عبدًا خيره الله بين الدنيا والآخرة)، ونحو ذلك، وفسر الكلالة فلم يختلفوا عليه. ومع قيامه بأمورٍ من العلم والفقه عجز عنها غيرُه حتى بيَّنَها لهم، لم يُحفَظ له قول يخالف فيه نصًّا، وهذا يدل على غاية البراعة والعلم». "منهاج السنة" (7/500-507) - بتصرُّف-. ويقول ابن كثير في تقرير أعلمية أبي بكر رضي الله عنه بالقرآن: «كان الصديق رضي الله عنه أقرأَ الصحابة، لأنه قدَّمَه إمامًا للصلاة بالصحابة، مع قوله: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله». نقله السيوطي في "تاريخ الخلفاء" (ص116). ويقول السيوطي في تقرير أعلمية أبي بكر رضي الله عنه بالسنة: «وكان - مع أعلميته بالقرآن- أعلمَهم بالسنة، كما رجع إليه الصحابة في غير موضع يبرز عليهم بنقل سنن عن النبي يحفظها هو، ويستحضرها عند الحاجة إليها، ليست عندهم، وكيف لا يكون كذلك، وقد واظب على صحبة الرسول عليه الصلاة والسلام من أول البعثة إلى الوفاة؟ وهو مع ذلك من أذكى عباد الله وأعقلهم. وإنما لم يرو عنه من الأحاديث المسندة إلا القليل لقصر مُدَّتِه، وسرعة وفاتِه بعد النبي ، وإلا فلو طالت مُدَّتُه لكثر ذلك عنه جدًا، ولم يترك الناقلون عنه حديثا إلا نقلوه عنه، ولكن كان الذين في زمانه من الصحابة لا يحتاج أحد منهم أن ينقل عنه ما قد شاركه هو في روايته، فكانوا ينقلون عنه ما ليس عندهم». "تاريخ الخلفاء" (ص117). خامسًا: دعوة أبي بكر رضي الله عنه تصف عائشة رضي الله عنها أباها بأنَّهُ كان «رجُلًا بكَّاء، لا يملك دمعَهُ حين يقرأ القرآن»، ويظهر من الراوية مجيء هذا الوصف في سياق ذكرها لشدَّة تأثير دعوة أبيها على قريش في العهد المكي، حتى قالت: «فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين». (أي: أخاف الكفار، لما يعلمُونه من رقَّةِ قُلُوب النساء والشباب أن يميلُوا إلى دين الإسلام). انظر «فتح الباري» لابن حجر (11/445). يقول الجاحظ: «وكان أبو بكر مع علمه بالناس، وحسن معرفته، ذا مال كثير، ووجه عريض، وتجارة واسعة، وكان جميلًا عتيقًا، ومَزورًا مَغشيًّا، ومُحبَّبًا أديبًا، صاحبَ ضيافات، ويعينُ في الحمالات، ويجتمعُ إلى مجلسه كبراء أهل مكة، لما يجدون عنده من طريف الحديث وغريب الشعر، حتى كان مثل عتبة وشيبة يجلسان إليه، ويُعجبان بحديثه، ثم يتخذ لهم ما يتحدثون عليه، ويطول مجلسهم به، من شراب العسل والزبيب واللبن، فكانت قريش بعد إسلام أبي بكر، وكثرة مُستجيبيه بمكة، تريدُ تنفير عتبة بن ربيعة من مجلسه وإيحاشه منه، مخافةَ أن يستميلَه بحُسن دُعائه، وتأتِّيه، ورفقه، ورقة دموعه، وشدة خشوعه، فتقول له: أما إنك ما تأتي ابن أبي قحافة إلا لطيب عسله وإلا لمَذْقَتِه، وإنما نفَّرُوه بهذا وشِبْهِه لأنه كان ذا عيال مملقا ثقيل المؤونة، خفيف ذات اليد، مع سنه، وسؤدده وحلمه ورأيه». "العثمانية" (ص26). لقد كانت رقَّةُ أبي بكر رضي الله عنه وخشوعُه، بالإضافة إلى علمِه، وتودُّدِه، وتلطُّفِه، وغير ذلك من الصفات: من مقومات التأثير في شخصيته رضي الله عنه، فكانت هذه الشخصية المحبوبة مصدر تهديد وتخويف لكفار قريش، فصاروا يخشون من أثر دعوة أبي بكر رضي الله عنه، واستعملوا معه وسائل القمع والتضييق. وإن من أعظم الدلائل على بركة دعوة أبي بكر رضي الله عنه، وعظيم نفعها: إسلام كبار الصحابة على يده، كعثمان، والزبير، وطلحة، وسعد، رضي الله عنهم. يقول ابن إسحاق: «كان أبو بكر رجلًا مألَفًا لقومه، مُحببًّا، سهلًا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها، وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلًا تاجرًا، ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر: لعلمه، وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الله وإلى الإسلام من وثق به من قومه، ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم بدعائه: عثمان، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، وطلحة». "سيرة ابن هشام" (1/250-252). وانظر "الأربعين في أصول الدين" للفخر الرازي (ص466)، و"منهاج السنة النبوية" (8/389-390).