البحث

عبارات مقترحة:

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

الاستغاثة بغير الله تعالى

مما ابتلي به المسلمون اليوم ما تسرب إليهم من اعتقادات باطلة، وتشبه بالوثنية، ومن ذلك: الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، وهذا يصل الكفر والعياذ بالله، ونستعرض في هذه البطاقة المراد بالاستغاثة، وما الجائز منها وما المحرم، وأدلة ذلك، وأقوال أهل العلم فيها، وأبرز الاعتراضات الواردة على المسألة.

الأهمية

الاستغاثة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله خلل في التوحيد، يفضي بصاحبه إلى الإشراك بالله، وهذا خطر عظيم، إذ الدين هو رأس مال العبد، ومع انتشار مظاهر الاستغاثة بغير الله، كالاستغاثة بالقبور، والأولياء، والأنبياء، وغير ذلك، والمسألة من أعمق مسائل التوحيد وقع فيها خلط كثير بين الطوائف المتأخرة. يقول ابن القيم: «ومن أنواع الشرك: طلبُ الحوائج من الموتى، والاستغاثةُ بهم، والتّوجُّهُ إليهم. وهذا أصلُ شرك العالم، فإنَّ الميِّتَ قد انقطع عملُه، وهو لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، فضلًا لمن استغاث به وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها. وهذا من جهله بالشَّافع والمشفوع عنده، فإنّه لا يقدر أن يشفع له عند الله إلّا بإذنه. والله لم يجعل استغاثته وسؤاله سببًا لإذنه، وإنّما السَّببُ لإذنه كمالُ التَّوحيد، فجاء هذا المشركُ بسببٍ يمنع إذنَه، وهو بمنزلة من استعان في حاجةٍ بما يمنع حصولَها! وهذه حالةُ كلِّ مشركٍ». "مدارج السالكين" (1/533).

التعريف

التعريف لغة

الاستغاثة: طلب الغوث، ومعناه: النصرة عند الشدة. انظر: "مقاييس اللغة" لابن فارس (4 /400)، "تاج العروس" للزبيدي (5 /314).

التعريف اصطلاحًا

الاستغاثة اصطلاحًا: هي بنفس المعنى اللغوي، أي: طلب الإنسان النصرة وإزالة الشدة من غيره. والمراد بها هنا: طلب النصرة وإزالة الشدة من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله. انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (1 /103).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

المعنى الاصطلاحي هو المعنى اللغوي.

الأقسام والأنواع

تنقسم الاستغاثة بغير الله إلى قسمين: 1- استغاثة جائزة: وهي الاستغاثة بالحي القادر الحاضر فيما يقدر عليه. 2- استغاثة محرمة: وهي الاستغاثة بمن لا يقدر كالأموات والغائب، أو فيما لا يقدر عليه إلا الله، كالخلق، والرزق، وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، فيطلب منه شيئًا من خصائص الله، وهذا شرك. انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (1 /104) (1 /359)، "تيسير العزيز الحميد" سليمان بن عبد الله (ص: 200)، "القول المفيد" لابن عثيمين (1 /260)، "التمهيد لشرح كتاب التوحيد" صالح آل الشيخ (ص: 178).

الفروق

الفرق بين الاستغاثة بغير الله تعالى و الدعاء

العلاقة بين الدعاء والاستغاثة علاقة عموم وخصوص، فالاستغاثة دعاء لكن دعاء مخصوص في حال الشدة وطلب النصرة، أما الدعاء فيشمل المكروب وغير المكروب. انظر: "تيسير العزيز الحميد" سليمان بن عبد الله" (ص: 175). انظر: الدعاء

الأدلة

القرآن الكريم

الاستغاثة بغير الله تعالى في القرآن الكريم
1- الدليل على جواز الاستغاثة بالحي الحاضر فيما يقدر عليه: قوله تعالى في قصة موسى: ﴿فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه﴾ [القصص: 15]، وقوله تعالى: ﴿وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر﴾ [الأنفال: 72]، فهنا أثبت الاستغاثة والنصرة فيما يقدرون عليه. 2- وأما الاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله فالدليل على شركيتها الآيات التي تنفي عن غير الله القدرة في كشف الضر، أو تتضمن النهي عن طلب غيره جل وعلا : أولاً: أن الله عز وجل نهى عن دعاء غيره فقال لنبيه الكريم : ﴿وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾[يونس: 106]. وقال عز وجل: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 5، 6] وقال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18] والآيات في هذا المعنى كثيرة. ثانيًا: أن الله عز وجل أمر بدعاءه وحده دون ما سواه فقال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾[غافر: 60] وقال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186] وقوله: ﴿أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: 62] أي: هل هناك مع الله أحد يستطيع على ذلك سواه؟! الجواب: لا، بل هو المتفرد وحده بذلك. وقوله: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾ [الأعراف: 29]. وقوله: ﴿هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 65]. وقوله: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 55-65]. ثالثًا: بين الله - عز جل - في كتابه العظيم أن من دعى غير الله - تعالى - فقد وقع بالكفر والشرك بالله عز وجل فقال تعالى : ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 117] فمن فعل ذلك فهو من الكافرين كما في الآية الكريمة. وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: 5، 6] فبين عز وجل أنه لا اظلم ممن فعل ذلك وهو دعاء غير الله. وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 20] أي: لا أشرك به في دعاء غيره من المخلوقين. رابعًا: أن الله عز وجل بين أن الخلق مهما بلغوا من المكانة عنده فهم لا يقدرون على شيء، إلا ما أقدرهم عليه، وأنهم فقراء إليه، وهم بشر مثلهم ويعتريهم ما يعتري البشر، فيأكلون ويشربون ويمرضون ويموتون. فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]. وقال تعالى عن موسى عليه السلام: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: 24]. وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: 80]. وحكي عن عيسى عليه السالم وأمه أنهما كانا يأكلان الطعام فقال: ﴿مَا الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [المائدة: 75]. وقال: ﴿قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 17] وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ ﴾ [الفرقان: 20] وقال عن نبيه محمد : ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر: 3] وقال: ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾ [الكهف: 23] وقال: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110] بل أخبر تعالى أن بعض الأنبياء قد قتله قومه فقال: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُـكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ [البقرة: 87]. فالذي نصل إليه الدعاء لا يكون إلا له، لأنه هو الرب القادر على كل شيء والمتفرد بذلك دون ما سواه من الخلق. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأعراف: 194] وقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ [الحج: 73] وقال: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ [الفرقان: 65]. خامسًا: أن الله عز وجل أخبر أن الأنبياء والرسل الكرام - عليهم الصلاة والسلام - والصالحين من عباده بل والملائكة أنهم لا يدعون غير الله عز وجل في جميع أمورهم ومختلف أحوالهم، فالواجب اتباعهم والاقتداء بهم. فقال - تعالى - عن نبيه يونس - عليه السلام - لما كان في بطن الحوت ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 87، 88] وقال: ﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 89 -90] وقال تعالى عن نبيه أيوب إذا دعاه فقال: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 83، 84] وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [غافر: 7، 8]. سادسًا: أن الكون وما فيه كله الله - تعالى - وبيده وتحت تصرفه وتدبيره إذن هو الذي يجب أن يدعي وحده لأن الملك ملكه والخلق خلقه والأمر أمره. قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾ [طه: 5، 6]. وقال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد: 4]. وقال تعالى: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: 14]. وقال تعالى: ﴿اللهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص: 4] والصمد هو الذي تصمد إليه الخلائق في طلب حاجاتها. سابعًا: أن الله - تعالى - ذكر عن أنبياءه ورسله الكرام - عليهم الصلاة والسلام - أنهم في بعض الأحيان سألوا الله - تعالى - في بعض أمورهم فلم يستجب لهم ولم يتحقق لهم مرادهم كما قال - تعالى - عن نبيه محمد ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: 56]. وقال أيضا: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: 80] وقال: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة: 113]. وقال عن إبراهيم - عليه السلام: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ [التوبة: 114]. ومعلوم أن الله - تعالى - لم يستجب لإبراهيم في هذا. وقال عن نوح: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[هود: 45-47] فكيف يدعون من دون الله - تعالى. وانظر أيضًا أي ما حصل يوم أحد لما قاتل المسلمون بقيادة رسول الله المشركين وأرادوا النصر عليهم فلم يتم ذلك مع أنهم بذلوا الأسباب قود أنزل الله عز وجل آيات كثيرة في سورة آل عمران فيها تربية وتوجيه للمسلمين بسبب ما حصل عليهم. وانظر أيضا إلى ما حصل من علي بن أبي طالب رضي الله عنه في معركة صفين حاول أن ينتصر على الطرف المقابل وبذل وسعه فلم يتم له هذا المراد. وانظر أيضًا إلى الحسين رضي الله عنه فقد قاتل دافع عن نفسه إلى أن قتل -رضي الله عنه - وهو وجمع من أهل بيته فلم يستطيع أن يدفع ن نفسه أو أهل بيته شيئًا. فأين هؤلاء الذين يدعون عليًا والحسين من دون الله - عزوجل- =-؟ لم يستطيعوا أن يدفعوا عن أنفسهم أو يردوا قدر الله السابق فيهم وعن أهل بيتهم، وهذا أمر معلوم بالعقل لا يستطيع أحد من الناس أن ينفكَّ عنه، وأمر مشاهد محسوس لا يمكن دفعه، وقد كان علي والحسين رضي الله عنهما يلجئون إلى ربهم في حالات الشدة، ويدعونه، فعلى من يزعم محبتهم أن يسلك سبيلهم ويتبع طريقتهم. وقد وصل الأمر ببعض الناس أنه في بيت الله الحرام وعند الكعبة، عندما أراد أن يقوم قال: يا علي! فسمعه بعض أهل العلم فقال له: لو كنت في بيت أحد من الناس واحتجت إلى حاجة من البيت هل تذهب إلى جار صاحب البيت أو تسأل صاحب البيت نفسه، فما كان منه إلا أن قال: أسأل صاحب البيت نفسه، فانظر بارك الله فيك أنه لم يستطع دفع ذلك بل اعترف بالحق. ولذا قال - تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: 57]. ولنضرب مثلًا آخر يعقله كل الناس على سبيل المثال: فلو أن رجل أغناه الله عز وجل وأعطاه من الأموال الشيء الكثير، وله أولاد، وكان دائمًا يقول لأولاده: إذا احتجتم إلى شيء من المال أو الطعام أو الكساء فأخبروني، فكان هؤلاء الأولاد لا يطلبون منه بل يذهبون إلى الجيران ويسألونهم، فهل فعلهم موافق للعقل أو من السفه المنافي للعقل؟ وهذا فيما يتعلق بالخلق فكيف بالله عز وجل الذي له المثل الأعلى. فعلى العبد أن يتجه إلى ربه الذي هو خالقه وسيده ومولاه في قضاء حاجاته وتفريج كرباته. انظر: " مجموع الفتاوى" لابن تيمية (1 /109-113)، "كتاب التوحيد وقرة عيون الموحدين" (ص: 84)، " التوضيح عن توحيد الخلاق" سليمان التميمي (ص: 303)، " نواقض الإيمان القولية والعملية" العبد اللطيف (ص: 147)، "البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان" لعبد الله السعد.

السنة النبوية

الاستغاثة بغير الله تعالى في السنة النبوية
روى الترمذي من حديث قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس قال: كنت خلف النبي فقال: «يا غلام أني معلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استنعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف». وإسناده جيد، قال الترمذي حديث حسن صحيح. وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي يوم بدر: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد»، فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك فخرج وهو يقول: «سيهزم الجمع ويولون الدبر». قال الحافظ في الفتح: وعند الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: ما سمعنا من منشدًا ينشد ضالة أشد مناشدة من محمد لربه يوم بدر: «اللهم إني أنشدك ما وعدتني».

الإجماع

أجمع أهل العلم على أن الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من نواقض الدين، وهي شرك بالله جلّ وعلا، قال ابن تيمية: «أما من أقر بما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع من شفاعته والتوسل به ونحو ذلك ولكن قال: لا يدعى إلا الله، وأن الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله لا تطلب إلا منه مثل غفران الذنوب، وهداية القلوب، وإنزال المطر، وإنبات النبات، ونحو ذلك: فهذا مصيب في ذلك بل هذا مما لا نزاع فيه بين المسلمين أيضًا» " مجموع الفتاوى" (1 /109). وقال: «ولو جاء إنسان إلى سرير الميت يدعوه من دون الله ويستغيث به كان هذا شركًا محرمًا بإجماع المسلمين». مجموع الفتاوى (27 /379)، ونقله عنه ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي" (ص436).

العقل

الإله الحق المتصرف في الأمور، لا يستغاث فيما لا يقدر عليه إلا هو، وصرف شيء من ذلك إلى غيره، نقص في تعظيمه وتنزيهه، وإشراك لغيره معه في ربوبيته، وهذا محال، فالمعبود الحق له القدرة التامة، لا يشركه معه غيره. فالاستغاثة بالمخلوق العاجز تشبيه له بالخالق القوي القادر، وهذا تنقص للرب جلّ وعلا، قال ابن القيم: «حقيقة الشرك هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به هذا هو التشبيه في الحقيقة. .. فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، فإن من خصائص الإلهية التفرد بملك الضر والنفع، والعطاء والمنع، وذلك يوجب تعليق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل به وحده، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق. .. ومن خصائص الإلهية: الكمال المطلق من جميع الوجوه، الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده، والتعظيم والإجلال والخشية والدعاء والرجاء والتوكل والاستعانة.. كل ذلك يجب عقلاً وشرعاً وفطرة أن يكون لله وحده، ويمنع عقلاً وشرعاً وفطرة أن يكون لغيره، فمن جعل شيئاً من ذلك لغيره فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له، ولا ند له، وذلك أقبح التشبيه وأبطله، ولشدة قبحه، وتضمنه غاية الظلم، أخبر سبحانه عباده أنه لا يغفره، مع أنه كتب على نفسه الرحمة» "الداء والدواء" (1 /314)، وانظر: " نواقض الإيمان القولية والعملية" العبد اللطيف (ص: 147).

وجه عده من النواقض

الاستغاثة بغير الله قيما لا يقدر عليه إلا الله من خصائص الله، وصرف شيء منها إشراك معه فيها. قال سليمان التميمي: «والداعي غير الله فيما لا يقدر عليه غيره سبحانه وتعالى جاعل لله نداً من خلقه فيما يستحقه تعالى من الألوهية المقتضية للرهبة والرغبة، والاستعاذة، وذلك كفر بإجماع الأمة، لأن الله سبحانه هو المستحق للعبادة لذاته، فإنه المألوه المعبود الذي تألهه القلوب بالرغبة لديه، والفزع عند الشدائد، وما سواه فهو مفتقر بالعبودية مقهور بها، فكيف يصلح أن يكون إلهاً مرغوباً مرهوباً مدعواً؟» "التوضيح عن توحيد الخلاق" (ص: 291) والاستغاثة بغير الله سماها الله شركا في آيات كثيرة، وارتكابها وقوع في هذا الشرك، قال تعالى: ﴿قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين. بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون﴾ [الأنعام: 40 -41]. ويلزم من الاستغاثة بغير الله: التنقص من الخالق، وتشبيه المخلوق به، وهذا من أعظم الشرك وأشنعه، وأيضا: قد دل الإجماع على كفر المستغيث بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله. انظر: "الداء والدواء" لابن القيم (1 /314)، " نواقض الإيمان القولية والعملية" العبد اللطيف (ص: 147).

أقوال أهل العلم

«لا يجوز لأحد أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين ولا الميتين مثل أن يقول: يا سيدي فلانا أغثني وانصرني وادفع عني أو أنا في حسبك ونحو ذلك؛ بل كل هذا من الشرك الذي حرم الله ورسوله وتحريمه مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام وهؤلاء المستغيثون بالغائبين والميتين عند قبورهم وغير قبورهم - لما كانوا من جنس عباد الأوثان - صار الشيطان يضلهم ويغويهم كما يضل عباد الأوثان ويغويهم فتتصور الشياطين في صورة ذلك المستغاث به وتخاطبهم بأشياء على سبيل المكاشفة كما تخاطب الشياطين الكهان وبعض ذلك صدق لكن لا بد أن يكون في ذلك ما هو كذب بل الكذب أغلب عليه من الصدق» أَبُو الوَفاء البَغْدادي أحمد بن عبد الحليم بن تيمية
«لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم، إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم. وهم عندي كفار بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور وإكرامها، بما نهى عنه الشرع: من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليقها، وخطاب الموتى بالحوائج ، وكتب الرقاع فيها: يا مولاى افعل بى كذا وكذا. وأخذ تربتها تبركا، وإفاضة الطيب على القبور. وشد الرحال إليها، وإلقاء الخرق على الشجر، اقتداء بمن عبد اللات والعزى. والويل عندهم لمن لم يقبل مشهد الكف، ويتمسح بآجرة مسجد الملموسة يوم الأربعاء. ولم يقل الحمالون على جنازته: الصديق أبو بكر، أو محمد وعلى، أو لم يعقد على قبر أبيه أزجاً بالجص والآجر، ولم يخرق ثيابه إلى الذيل، ولم يرق ماء الورد على القبر» ابن خُزَيْمَة إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1 /195)
«فقلب هؤلاء الأمر وعكسوا الدين وجعلوا المقصود بالزيادة الشرك بالميت، ودعاءه وسؤاله الحوائج، واستنزال البركات منه، ونحو ذلك، فصاروا مسيئين إلى أنفسهم وإلى الميت، فإنه عليه السلام لسد ذريعة الشرك نهى أصحابه في أوائل الإسلام عن زيارة القبور لكونهم حديثي عهد بالكفر» سُلَيمان بن عبد الله تقي الدين البركوي
«أَفَلَيْسَ الْعِلْمُ مُحِيطًا يَا ذَوِي الْحِجَا؟ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَأْمُرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّعَوُّذِ بِخَلْقِ اللَّهِ مِنْ شَرِّ خَلْقِهِ؟ هَلْ سَمِعْتُمْ عَالِمًا يُجِيزُ، أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي: أَعُوذُ بِالْكَعْبَةِ مِنْ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ؟ أَوْ يُجِيزُ أَنْ يَقُولَ: أَعُوذُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَوْ أَعُوذُ بِعَرَفَاتٍ وَمِنًى مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ اللَّهُ، هَذَا لَا يَقُولُهُ وَلَا يُجِيزُ الْقَوْلَ بِهِ مُسْلِمٌ يَعْرِفُ دِينَ اللَّهِ، مُحَالٌ أَنْ يَسْتَعِيذَ مُسْلِمٌ بِخَلْقِ اللَّهِ مِنْ شَرِّ خَلْقِهِ» والاستغاثة في معنى الاستعاذة. التوحيد لابن خزيمة (1 /401)
«قد تبين بما ذُكِرَ في هذا الباب وشرحه من الآيات والأحاديث وأقوال العلماء: أن دعاء الميت والغائب والحاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله والاستغاثة بغير الله في كشف الضر أو تحويله، هو الشرك الأكبر، بل هو أكبر أنواع الشرك، لأن الدعاء مخ العبادة، ولأن من خصائص الإلهية إفراد الله بسؤال ذلك، إذ معنى الإله هو الذي يعبد لأجل هذه الأمور، ولأن الداعي إنما دعوا إلهه عند انقطاع أمله مما سواه، وذلك هو خلاصة التوحيد، وهو انقطاع الأمل مما سوى الله، فمن صرف شيئًا من ذلك لغير الله، فقد ساوى بينه وبين الله، وذلك هو الشرك». "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد" (ص: 200).

اعتراضات وأجوبتها

اعترض من يرى بجواز الاستغاثة بالأموات ونحوهم فيما لا يقدر عليه إلا الله، بأنّ العباد يوم القيامة يستغيثون بآدم أبي البشر، ثمَّ بنوح، ثمَّ بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى، وينتهون إلى محمد بعد اعتذار كلِّ واحد من الأنبياء، فهذا دليلٌ على أنَّ الاستغاثة بغير الله ليست بمنكر. الجواب: نقول بموجَب الدليل، لكنه خارج محل النزاع، فإنَّ الاستغاثة بالمخلوقين الأحياء فيما يقدرون عليه لا يُنكرُها أحد، وإنَّما الكلام فيما لا يقدر عليه إلا الله، كسؤال الأموات عافية المريض، ودخول الجنة، والرزق، وغيرها. كشف الشبهات (ص: 50)، "تطهير الاعتقاد" للشوكاني (ص: 67). ومن شبهاتهم: أنّ الاستغاثة بالأموات وطلب الحوائج منهم لا يراد به أنّهم يقضون تلك الحوائج على الحقيقة بالخلق والإيجاد، بل يشفعون عند الله لقضائها، فهم أسباب. الجواب: أن هذا عين ما كان يفعله المشركون، ولم ينفعهم هذا، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]، وأيضا ما ذكر خروج عن الظاهر، فالظاهر من حال الاستغاثة أن يطلب المستغيث من المغاث نصرته، وما سموه هنا سببا ليس بسبب صحيح لا شرعا ولا عقلا. انظر: "شبهات المبتدعة في توحيد العبادة" الهذيل (1 /473).

مسائل متعلقة

من خرافات المستغيثين بغير الله: حكي عن بعضهم أنه مد رجله مرة وقال: إن سفينة خُرقت في البحر وأشرفت على الغرق فاستغاث به بعض راكبيها فمد رِجله وسد بها ذلك الخَرق، وذكروا أن ذلك المستغيث رأى عقب استغاثته رِجل الشيخ قد سدت ذلك الخرق ونجت السفينة. وسمعتُ مرة امرأة تستصرخ المتبولي وتستغيث به بِوَجْدٍ وجُؤَارٍ تستعديه على رجل آذاها (تحيله عليه) لينتقم منه. فقلت لها: لماذا لم تطلبي من الرب تعالى أن يجازيه؟ فقالت ما معناه: إن الله يمهل والمتبولي لا يمهل، واستدلت على ذلك بأن رجلاً سرق فسيخة فأحال عليه صاحبها المتبولي فما عتم أن قيأه إياها. وأمثال هذه الحكايات عنهم كثيرة جدًّا لعله لا يوجد أحد لم يسمع منها ما لم يسمعه غيره، دع ما يتداوله الكثيرون في كل بلد وكل جيل مما يعدونه متواترًا، وما المتواتر إلا نقل الكثيرين عن (المفتري) الأول الذي اختلق الحكاية أو تخيلها أو توهمها فقصها وتناقلها عنه أمثاله. "مجلة المنار" (24 /489).