البحث

عبارات مقترحة:

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

أكل الربا

الربا ذنب عظيم وهو كبيرة الكبائر ومن السبع الموبقات المهلكات، قال الله تعالى في محكم الكتاب: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾[ البقرة: 275]، وحذر من عاقبته السيئة ونهايته المؤلمة، فالربا حرام كله، كثيره وقليله، بجميع أشكاله وأنواعه، وصوره ومسمياته، ولم يأذن الله في كتابه العزيز بحرب أحد إلا أهل الربا، فالناظر على مستوى الأفراد والدول يجد مدى الخراب والدمار الذي خلفه التعامل بالربا من الإفلاس والكساد والركود، والعجز عن تسديد الديون، وشلل في الاقتصاد، وارتفاع مستوى البطالة، وانهيار الكثير من الشركات والمؤسسات، وجعل الأموال الطائلة تتركز في أيدي قلة من الناس، فأصبح ناتج الكدح اليومي يصب في خانة تسديد الربا، ولعل هذا شيء من صور الحرب التي توعد الله بها المتعاملين بالربا فقال جل وعلا: ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:279].

التعريف

التعريف لغة

«مصدر قولهم: ربا يربو، إذا زاد، وهو مأخوذ من مادّة (ر ب و) الّتي تدلّ على الزّيادة والنّماء والعلوّ». مقاييس اللغة" لابن فارس (484/2). وقال الخليل: «ربا الجرح والأرض والمال وكل شيء يربو ربوا، إذا زاد، وربا المال يربو في الربا، أي يزداد وصاحبه مربٍ». "كتاب العين" للفراهيدي (94/2).

التعريف اصطلاحًا

قال الرّاغب: «الرّبا في الشّرع خصّ بالزّيادة على وجه دون وجه». "المفردات" للراغب الأصفهاني (187)، "البصائر" للفيروزبادي (3 /34). وقال الجرجانيّ: «الرِّبا شرعًا هو فضل خال عن عوض شرط لأحد العاقدين». "التعريفات" للجرجاني (ص114). وقال التّهانويّ: «الرّبا في الشّرع هو عبارة عن عقد فاسد، وإن لم تكن فيه زيادة لأنّ بيع الدّرهم بالدّرهم نسيئة ربا وإن لم تتحقّق فيه زيادة. وقال أيضًا: وقيل: هو فضل ماليّ بلا عوض في معاوضة مال بمال شرط لأحد المتعاقدين». "كشاف اصطلاحات الفنون" للتّهانويّ (593).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

المعنى الاصطلاحي للربا مشتق من المعنى اللغوي له، الذي يدل على الزيادة والنماء.

الأدلة

القرآن الكريم

أكل الربا في القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ [البقرة: 275-276]. وقال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279)﴾ [البقرة: 278-279]. وقال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران: 130-132]. وقال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ ‌لَا ‌تَأْكُلُوٓاْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِاْلْبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمْۚ﴾ [النساء: 29]. وقال تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً﴾ [النساء: 160-161]. وقال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) ﴾ [الروم: 37-39].

السنة النبوية

أكل الربا في السنة النبوية
عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «لعنَ رسولُ اللَّهِ آكلَ الرِّبا وموكلَهُ وشاهديْهِ وَكاتبَه». سنن الترمذي (1206). عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: «أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتمر، فقال: ما هذا التّمر من تمرنا» فقال الرّجل: يا رسول الله! بعنا تمرنا صاعين بصاع من هذا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا الرّبا. فردّوه. ثمّ بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا». أخرجه مسلم (1594). عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات، قيل: يا رسول الله وما هنّ؟ قال: «الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل مال اليتيم. وأكل الرّبا، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات». أخرجه البخاري (2766)، ومسلم (89). وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال: «إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب اللَّه». أخرجه الطبراني وصححه الألباني في "الترغيب والترهيب" (1859). وعن أبي سعيد الخدري عن النبي : «الآخذ والمعطي سواء في الربا». أخرجه الدارقطني والحاكم وصححه الألباني في " الإرواء" (1339) وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي قال: «ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قُلة». أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني في "الترغيب" (1863). وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي قال: «ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب اللَّه». أخرجه أحمد وحسنه الألباني "الترغيب" (1860). وعن أبي هريرة عن النبي : «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا». أخرجه أبو داود والحاكم و حسنه الألباني في "الصحيحة" (2326). وقد جاءت أحاديث في التشديد في الربا، وتغليظ حرمته على حرمة الزنا، فمن ذلك ما رواه الطبراني من حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه عن النبي : «إن أبواب ‌الربا اثنان وسبعون حوبًا، أدناه كالذي يأتي أمه في الإِسلام». صححه الألباني في "الترغيب" (1858). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: «أهون ‌الربا كالذي ينكح أمه، وإن أربى ‌الربا استطالة المرء في عرض أخيه». أخرجه أبو الشيخ في "التوبيخ" وصححه الألباني في "الصحيحة" (1433) وعن عبد اللَّه بن حنظلة عن النبي قال: «درهم ربًا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند اللَّه من ستة وثلاثين زنية». أخرجه أحمد والطبراني وصححه الألباني في "الصحيحة" (1033). وعن البراء رضي الله عنه عن النبي قال: «الربا اثنان وسبعون بابًا، أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه». أخرجه الطبراني في "الأوسط" وصححه الألباني في "الصحيحة" (1871). وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي : «الربا ثلاثة وسبعون بابًا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم». أخرجه الحاكم وصححه الألباني في " الصحيحة" (1871). وعن أبي هريرة عن النبي : «الربا سبعون حوبًا أيسرها أن ينكح الرجل أمه». أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني في " المشكاة" (2826).

الإجماع

قال ابن حزم: «اتفقوا أن الربا حرام.» انظر: "مراتب الإجماع " (ص89). و قال النووي: «أجمع المسلمون على تحريم الربا وعلى أنه من الكبائر، وقيل: إنه كان محرمًا في جميع الشرائع، وممن حكاه الماوردي». "المجموع شرح المهذب" للنووي (391/9).

العقل

«وحرم الربا لأنه متضمن للظلم، فإنه فضل بلا مقابل له». "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (341/20).

أقوال أهل العلم

«آكل الرّبا يبعث يوم القيامة مجنونًا يخنق»، «من كان مقيمًا على الرّبا لا ينزع منه فحقّ على إمام المسلمين أن يستتيبه فإن نزع وإلّا ضرب عنقه». ابن عبَّاس تفسير ابن كثير (1 /331).
«إنّ آكل الرّبا يبعث يوم القيامة مجنونًا، وذلك علَم - أي: علامة - لأكلة الرِّبا يعرفهم به أهل الموقف». ابن حَجَر الهَيْتَمي "الزواجر عن اقتراف الكبائر" للهيتمي(300/1).
«فإياكم وما خالط هذه البيوع من الربا، فإن الله قد أوسع الحلال وأطابه، فلا تلجئنكم إلى معصيته فاقة» المَرْداوي "تفسير ابن كثير" (ص717).
«إذا ظهر الزّنا والرّبا في قرية أذن بهلاكها». "الفوائد" لابن القيم (226).
«من حاربه الله ورسوله كيف يتصور له فلاح؟!» "الزواجر عن اقتراف الكبائر" للهيتمي (375/1).
وإيَّاكَ إيَّاكَ الرِّبَا فَلَدِرْهَمٌ*****أشَدُّ عِقابًا مِنْ زِناكَ بنُهَّدِ وتُمْحَقُ أموالُ الرِّباءِ وإنْ نَمَتْ*****ويَرْبُو قليلُ الْحِلِّ في صِدْقِ مَوْعِدِ وآكِلُهُ مَعْ مُوكِلٍ معَ كاتِبٍ*****فقدْ جاءَ فيهِ لَعْنُهم معَ شُهَّدِ "الألفية في الآداب الشرعية" (ص82).

العقوبة

آكل الربا عدو لله ورسوله محارب من الله ورسوله، لقوله عز وجل: ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 279]. آكل الربا وموكله وشاهداه مطرودون من رحمة الله تعالى، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «لعنَ رسولُ اللَّهِ آكلَ الرِّبا وموكلَهُ وشاهديْهِ وَكاتبَه». سنن الترمذي (1206). الربا يفسد المال على صاحبه ويمحقه فيذهب بكل أمواله، قال تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ [البقرة: 276]. ومآل المرابي الى النار في حال عدم توبته والعياذ بالله. آكل الربا يقوم يوم القيامة كالذي يتخبطه الشيطان من المس، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ]، قال ابن كثير: «أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له؛ وذلك أنَّه يقوم قيامًا منكرًا». انظر "تفسير ابن كثير"(708/1).

الأضرار والمفاسد

إن هذه الكبيرة قد شاعت وذاعت في حياة المسلمين، ولم يحدث في تاريخ الأمة أن كانت قاعدة اقتصادها مبنية على الربا، بحيث لا ينجو منه إلا أفراد على وجل، تُظَن بهم الظُّنُون، وإنما كان المرابون أفرادًا قلائل يحاربهم أهل الخير من الأمة، أو يحاربهم الإمام حتى يعودوا إلى الدين، فأمست الأمة اليوم والخطب جليل، والنبأ عظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون. إن الربا يحدث الفساد في الأرض، ويزيل النعم، وهو سبب لحرب الله ورسوله ، وسبب لمحق البركة من الأموال والأرزاق، وسبب لجلب لعنة الله، ومن أسباب تسليط الذل على الأمة، وسبب لحلول عذاب الله، وهو من أسباب غلاء الأسعار، والبطالة، وقطع روابط الناس، وسبب لعداوتهم، ويمكن تفصيل ذلك في ما يأتي: أولًا: الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوضٍ؛ لأن من يبيع الدرهم بدرهمين نقدًا كان أو نسيئةً، فيحصل له زيادة درهمٍ من غير عوضٍ، ومال الإنسان متعلق حاجته، وله حرمةٌ عظيمةٌ عند الله، لقول رسول الله : «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه». أخرجه مسلم (1218). انظر: "مفاتيح الغيب" للرازي(74/7). ثانيًا: الإفلاس والكساد والركود، والعجز عن تسديد الديون، وشلل في الاقتصاد، وارتفاع مستوى البطالة، وانهيار الكثير من الشركات والمؤسسات، وجعل الأموال الطائلة تتركز في أيدي قلة من الناس. انظر: "العلة الاقتصادية لتحريم ربا النسيئة والفضل" للساعاتي (ص48). ثالثًا: الرّبا جريمة اجتماعيّة إذا تفشّت في مجتمع من المجتمعات دمّرته وقوّضت بنيانه، لأنه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض؛ وذاك أن الربا إذا حرم طابت النفوس بقـرض الدرهم، واسترجاع مثله، ولو حل الربا لكانت حاجة المحتاج تحمله على أخذ الدرهم بدرهمين، فيفضي ذلك إلى انقطاع المواساة والمعروف والإحسان. رابعًا: يقتل مشاعر الشفقة في الإنسان، فإنَّ المرابي لا يتردد في تجريد المدين من أمواله، لذا اعتبره الإسلام منكرًا اقتصاديًا غليظ الإثم؛ لأنَّه يتنافى مع تعاليمه التي تحض على التعاون. خامسًا: الربا يسبب العداوة والبغضاء بين الأفراد، ويوجِد الشحناء، ويوجب التقاطع والفتنة. سادسًا: الإسلام يرمي في تحريمه إلى تحقيق المساواة بين أفراد الأمة، ليكتفي الثري برأس ماله، ويسْلم للفقير جهده، وكدحه، وتعبه، وشقاؤه، فلا يمتص الثري جهد كده، ويضيفه إلى ثرائه، فتتسرَّب الأموال من الأيدي الفقيرة والعاملة إلى صناديق أفراد محدودين، فتتضخم ثرواتهم، وتعظم كنوزهم على حساب هؤلاء الفقراء الكادحين، فهو طريق لكسب مالٍ غير مشروع، فيسبب العداوات، ويثير الخصومات، ويحل بالمجتمع الكوارث والمصائب. سابعًا: الربا يجر الناس إلى أن يدخلوا في مغامرات ليس باستطاعتهم تحمل نتائجها، قد تأتي على حياة المرابي. وأضرار الربا لا تحصى، ويكفي أن نعلم أنَّ الله تعالى لا يحرم، ولا ينهى إلاَّ عن كلِّ ما فيه ضرر ومفسدة خالصة، أو ما ضرره ومفسدته أكثر من نفعه وفائدته، فنسأل الله تعالى العصمة. "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" للبسام (369/4)، تعليق مشهور حسن على "الكبائر" للذهبي (ص146).

وسائل الاجتناب

معرفة عظيم حرمة الربا وتغليظ عقوبته: قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾. [البقرة: 278-279]. عدم التساهل في الاستدانة، وفسح المجال لتراكم الديون. سؤال أهل العلم عن المعاملات التجارية وحكمها قبل الإقبال عليها والتعامل معها. إيجاد بدائل شرعية مثل الإقراض الحسن لئلا يلجأ الناس إلى الربا، وتشجيع المصارف التي تعمل بمقتضى الشريعة الإسلامية، والتمكين لإقامتها في كل بلد إسلامي؛ لتغطي حاجة المسلمين، كيلا يعيش المسلم في تناقض بين واقعه ومقتضيات عقيدته». انظر: "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" للبسام (4 /371-374). الحث على الإحسان والمعروف بين الناس وبيان فضل إقراضهم وإنظار معسرهم: في الحديث: «من أنظر مُعسِرًا فله كلَّ يومٍ مثلِه صدقةٌ ثمَّ سمِعتُه يقولُ من أنظر مُعسِرًا فله كلَّ يومٍ مثلَيْه صدقةٌ فقلتُ يا رسولَ اللهِ سمِعتُك تقولُ من أنظَر معسِرًا فله كلَّ يومٍ مثلَه صدقةٌ ثمَّ سمِعتُك تقولُ من أنظَر معسِرًا فله كلَّ يومٍ مثلَيْه صدقةٌ ثمَّ سمِعتُك تقولُ من أنظَر معسِرًا فله كلَّ يومٍ مثلَيْه صدقةٌ قال كلَّ يومٍ مثلِه صدقةٌ قبل أن يحُلَّ الدَّيْنُ فإذا حلَّ فأنظَره فله مثلَيْه صدقةٌ». أخرجه ابن ماجه (2418)، وقال : «كانَ تاجِرٌ يُدايِنُ النَّاسَ، فإذا رَأَى مُعْسِرًا قالَ لِفِتْيانِهِ: تَجاوَزُوا عنْه، لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَتَجاوَزَ عَنَّا، فَتَجاوَزَ اللَّهُ عنْه». أخرجه البخاري (2078).

مسائل متعلقة

أنواع الربا

أولًا: ربا النسيئة: هو الربا الذي كان موجودًا قبل الإسلام، من «نسأ الشيء ينسؤه نسًا وأنسأه: أخره، والاسم النسيئة والنسيء، ونسأ الشيء: باعه بتأخيرٍ، فتقول: نسأته البيع وأنسأته، وبعته بنسأةٍ، وبعته بنسيئةٍ، أي: بأخرةٍ». "لسان العرب"، لابن منظور(166/1). وربا النساء، هو البيع بشرط أجلٍ، ولو قصيرٌ في أحد العوضين، ومن ثم فربا النسيئة مأخوذ من النسأ، وهو التأخير، وهو نوعان: الأول: قلب الدين على المعسر، وهذا هو ربا الجاهلية، فيكون للرجل على الرجل مالٌ مؤجلٌ فإذا ما حل موعد قضاء الدين، قال له صاحب الدين: إما أن تقضي، وإما أن تربي فإن قضاه وإلا زاد الدائن في الأجل، وزاد في الدين مقابل التأجيل، فيتضاعف الدين في ذمة المدين. الثاني: ما كان في بيع جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما، كبيع الذهب بالذهب أو بالفضة، أو الفضة بالذهب مؤجلًا أو بدون تقابض في مجلس العقد. ثانيًا: ربا الفضل: يكون بالتفاضل في الجنس الواحد من أموال الربا إذا بيع بعضه ببعضٍ، كبيع درهمٍ بدرهمين نقدًا أو بيع صاع قمحٍ بصاعين من القمح، ونحو ذلك. ويسمى ربا الفضل لفضل أحد العوضين على الآخر، وإطلاق التفاضل على الفضل، إنما هو من باب المجاز، فإن الفضل في أحد الجانبين دون الآخر. ويسمى ربا النقد في مقابلة ربا النسيئة: ويسمى الربا الخفي، قال ابن القيم: «الربا نوعان: جليٌ وخفيٌ؛ فالجلي حرم؛ لما فيه من الضرر العظيم، والخفي حرم؛ لأنه ذريعةٌ إلى الجلي، فتحريم الأول قصدًا، وتحريم الثاني؛ لأنه وسيلةٌ، فأما الجلي، فربا النسيئة، وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية». "إعلام الموقعين" لابن القيم (103/2). انظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" وزارة الأوقاف الكويتية (168/9).