البحث

عبارات مقترحة:

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

شرب الخمر وكل مسكر

عندما خلق الله الإنسان ميزه بالعقل وجعل له القدرة على التفكير والإدراك والشعور، وبني على هذه الميزة بأن كان للإنسان دور التكليف والقيادة. قال الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الروم: 8]. ولا يجوز للإنسان تغييب أو اتلاف ما وهبه الله من الميزات، من اتلاف الجسد والعقل، لأن في ذلك إفساد لرسالة التكليف الموهبة له دون غيره من المخلوقات، وقد حرم الله تعالى ذلك بقوله: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195] وقوله: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء:29]. ومن هذا بدأ تحريم كل ما يؤذي الى اهلاك العقل والجسد الإنساني من سموم ومسكرات.

التعريف

التعريف لغة

الخاء والميم والراء أصل واحد يدل على صفة التغطية، والمخالطة في ستر. معجم مقاييس اللغة لابن فارس (2 /164) يقال خمرت الإناء تخميرا أي: غطيته وسترته، ومنه خمار المرأة أي: غطاء رأسها. انظر مختار الصحاح للرازي (ص79)، وأيضا الصباح المنير للفيومي (1/182). وقال ابن منظور: خَامَرَ الشيء: قاربه وخالطه، والتَّخْمِيْرُ: التغطية، يقال: خمَّرَ وجْهَهُ وخمَرَ الشيء يَخْمُرُهُ خمرًا وأخْمَرَهَ: ستره، والخَمْرُ: ما أسكره من عصير العنب. انظر" لسان العرب" لابن منظور (2 /254، 255).

التعريف اصطلاحًا

كل مادة خام أو مصنعة تغيب العقل وعمله، وتعمل على تنبيهه أو تسكين الألم، أو تغير الحالة الطبيعية التي يعمل بها العقل والجسم، وتؤدي في حالة تعاطيها الى التعود عليها لدرجة الإدمان والتعلق، وقد تدخل في بعض الصناعات الطبية كتصنيع مسكنات الألم ومخدر العمليات الجراحية، ويكون استخدامها مشروعا في هذه الحالة. وتتعد المسكرات في أنواعها ومنها: المسكرات السائلة: كالخمر والنبيذ ونحوه وهو: اسم للنيء من ماء العنب بعد ما غلى، واشتد، وقذف بالزبد، وسكن عن الغليان ، وصار صافيًا. انظر " بدائع الصنائع" للكاساني (5/112) أو غير العنب نحو الحنطة والشعير والتمر والزبيب. والعديد من العصارات السائلة التي تستخرج من النباتات المخدرة. المسكرات الجامدة الصلبة: كأوراق النباتات كالقات والأفيون والقنب الهندي والكوكايين والحشيش والميرجوانا وغيرها من النباتات، وقد تستخرج منها مواد كالبودرة أو القطع المصنعة الصغيرة.

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

لا يختلف المعنى اللغوي عن المعنى الاصطلاحي في كلمة (خمر) بل يعبر عنه ببلاغة تامة، فتسمية الخمر خمرا، جاءت لإنها تخمِّر العقل، أي تغطيه وتستره، أو لإنها تخالط العقل، أو لأنها تركت فختمرت واختمارها تغير رائحتها. انظر "مختار الصحاح" للرازي (ص 79). وفي ذلك تشبيه بين الحجاب الذي تغطي به المرأة رأسها والحجاب الذي يغطي العقل عن عمله ألا وهو الخمر.

الأدلة

القرآن الكريم

شرب الخمر وكل مسكر في القرآن الكريم
تدرج حكم شرب الخمر لإن عوام الناس كانوا معتادين على شربه، فالخمر ونحوه يسبب الإدمان ويصعب الإقلاع عنه فجأه في فترة قصيرة، وقد كان هذا التدرج بمثابة العلاج من السقم، لكنه سقم سميّ، يفتك بالأجساد والعقول، وكباقي الكبائر مثل الزنا، لم يأتي تحريم المسكر دفعة واحدة بل جاء بالتدريج ليكون تغييرا مقبولا على حياة المسلمين حديثي العهد بالإسلام. «عن عمرَ بنِ الخطَّابِ لمَّا نزل تحريمُ الخمرِ قال: اللَّهمَّ بيِّنْ لنا في الخمرِ بيانًا شفاءً. ، فنزلت الآية: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: 219] فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللَّهمَّ بيِّنْ لنا في الخمرِ بيانًا شفاءً.فنزلت الآيةُ في النساء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ [النساء: 43] فكان منادي رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، إذا أُقيمت الصَّلاةُ يُنادي: ألا لا يقربَنَّ الصَّلاةَ سكرانُ، فدُعِي عمرُ فقُرِئت عليه، فقال : اللَّهمَّ بيِّنْ لنا في الخمرِ بيانًا شفاء، فنزلت الآية التي في المائدة فدعي عمر فقرئت عليه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: 90، 91] فلما بلغ "فهل أنتم منتهون" قال: انتهينا انتهينا.» انظر مسند "أحمد بن حنبل" مسند العشرة المبشرين بالجنة (358).

السنة النبوية

شرب الخمر وكل مسكر في السنة النبوية
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول الله مناديا ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة.» رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب، لم يشربها في الآخرة». رواه مسلم (2003). وكان شرط الإيمان أن لا يكون المؤمن يتعاطى المسكرات : عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة، يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها و هو مؤمن.» رواه البخاري (2475).

الإجماع

انعقد الإجماع على تحريم شرب الخمر. انظر " المغني" لابن قدامة (494، 493/12).

العقل

لم يحرم الله عز وجل شيئا إلا فيه ضرر على الإنسان أو الطبيعة، سواء كان هذا الضرر ظاهرا للعيان أم مخفيا لحكمة، وقد كان الضرر الناجم من تعاطي الخمر والمسكرات كالمخدرات واضحا جليا من خلال الأبحاث العلمية التي أقامها العلماء القدماء والحديثين، ويتجلى ذلك بمعاينة الأمراض الفتاكة التي تنتشر بين متعاطين هذه السموم ومنها الجلطات القلبية والتهابات المعدة الحادة، وتليف الكبد، والتهاب البنكرياس، وفقر الدم، ومرض القلب الكحولي، والذبحة الصدرية، والسبات وفقد الوعي الكامل، وتثبيط الجهاز العصبي ومنع عمله بالشكل الصحيح، واختفاء القدرة على التفكير المنطقي والتركيز، وغيرها من الأمراض الخطيرة على الصحة. وإن الله عز وجل أمر بحفظ النفس، وجعلها من الضرورات الخمس التي يجب حمايتها من الضرر، فكيف يبيح ما يضرها ويسقمها من رجس السموم!

أقوال أهل العلم

وإيَّاكَ شُرْبًا للخُمورِ فإنَّها*****تُسَوِّدُ وَجْهَ العبدِ في اليومِ معْ غَدِ ألا إنَّ شُرْبَ الخمرِ ذَنْبٌ مُعَظَّمٌ*****يُزيلُ صِفاتِ الآدَمِيِّ الْمُسَدَّدِ فيُلْحَقُ بالأنعامِ بلْ هوَ دُونَها*****يُخَلِّطُ في أفعالِهِ غيرَ مُهْتَدِ ويَسْخَرُ مِنهُ كلُّ رَاءٍ لسُوءِ ما*****يُعايِنُ مِنْ تَخليطِهِ والتَّبَدُّدِ يُزيلُ الْحَيَا عنهُ ويَذْهَبُ بالْغِنَا*****ويُوقِعُ في الْفَحْشَا وقَتْلِ الْمُعَرْبِدِ وكلُّ صِفاتِ الذمِّ فيها تَجَمَّعَتْ*****كذا سُمِّيَتْ أُمَّ الفُجورِ فأَسْنِدِ فَكَمْ آيَةٍ تُنْبِي بتحريمِها لِمَنْ*****تَدَبَّرَ آياتِ الكتابِ الْمُمَجَّدِ ولقدْ لَعَنَ الْمُختارُ في الخمْرِ تِسعةً*****رَوَاهُ أبو دَاوُدَ عنْ خيرِ مُرْشِدِ وأَقْسَمَ ربُّ العَرْشِ أنْ لَيُعَذِّبَنْ*****عليها رَوَاهُ أحمدٌ عنْ مُحَمَّدِ وما قدْ أَتَى في حَظْرِها بالغٌ إذا*****تَأَمَّلْتَهُ حَدَّ التَّوَاتُرِ فاهْتَدِ وأَجْمَعْ على تحريمِها كلُّ مُسْلِمٍ*****فكَفِّرَ مُبيحَنْهَا وفي النارِ خَلِّدِ وإِدْمَانُها إحدى الكبائرِ فاجْتَنِبْ*****لعلَّكَ تَحْظَى بالفلاحِ وتَهْتَدِي ويَحْرُمُ منها النَّزْرُ مِثلُ كَثيرِها*****ولَيْسَتْ دواءً بلْ هيَ الدَّاءُ فابْعِدِ فما جَعَلَ اللَّهُ العظيمُ دَوَاءَنا*****بما هوَ مَحظورٌ بِمِلَّةِ أَحْمَدِ المَرْداوي "الألفية في الآداب الشرعية" (ص61).
واهْجُرِ الخَمْرَةَ إن كُنْتَ فتىًكيفَ يسعَى لجُنُونٍ من عَقَلْ
ابن الوَرْدي "لامية ابن الوردي" البيت (9).

العقوبة

عندما تنتفي الشبهة وتثبت كبيرة الشرب بالبينة على الشارب بشاهدين أو بالإقرار يجب الحد عليه، ويكون الحد بالجلد أربعون جلدة أو ثمانون جلدة، وقد اختلف الفقهاء في عدد الجلدات، فروي عن أنس بن مالك: «أن النبي أُتي برجل قد شرب الخمر. فجلده بجريدتين، نحو أربعين. قال: وفعله أبو بكر. فلما كان عمر استشار الناس. فقال عبد الرحمن: أخف الحدود ثمانين. فأمر به عمر» مسلم (1706). وقيل إن الزيادة التي قام بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءت من باب التعزير. انظر "المغني" لابن قدامة (449/12). وذهب أبو حنيفة ومالك الى وجوب حد الجلد على شارب الخمر 80 جلدة، انظر "المبسـوط" للسرخسـي (30/24)، و "الكــافي فــي فقــه أهــل المدينــة المــالكي" للقرطبــي (1079، 1078/2). أما الشافعي فذهب الى أن حد الشرب هو أربعون جلدة، ويجوز أن يزيد الإمام في عدد الجلدات الى ثمانين جلدة تعزيرا. انظر " روضة الطالبين" للنووي (171، 172/10). وفي حالة الإصرار على ذنب شرب الخمر وعدم التوبة منه ، فإنه لا شك بعقوبة الآخرة فإنها تنتظر المصّر على المعصية حقا ووعدا من الله عز وجل.

الأضرار والمفاسد

أوَّلُها: إذا شربها يصير بمنزلة المجنون، ويصيرُ مَضحكةً للصبيان، ومذمومًا عند العقلاء. ثانِيها: أنها مذهبة للعقل متلفة للمال. ثالثُها: أن شربها سبب للعداوة بين الاخوان والاصدقاء. رابِعُها: أن شربها يمنع من ذكر الله ومن الصلاة. يقول ابن القيم: «وحرَّم الله سبحانه السُّكر لسببين ذكرهما في كتابه، وهما: إيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، والصدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة. وذلك يتضمَّن حصولَ المفسدة الناشئة من النُّفوس بواسطة زوال العقل، وانتفاءَ المصلحة التي لا تتمُّ إلَّا بالعقل؛ فإيقاع العداوة من الأوَّل، والصدُّ عن ذكر الله من الثاني». "مدارج السالكين" (4/232). خامِسُها: أن شربها يحمل على الزنا، وعلى طلاق امرأته وهو لا يدري. سادِسُها: أنها مفتاح كل شر، لأنه إذ شرب الخمر سهل عليه جميع المعاصي. سابِعُها: أن شُربَها يؤذي الحفظة الكرام بالرائحة الكريهة. ثامِنُها: أن شاربها أوجب على نفسه ثمانين جلدة، فإن لم يضرب في الدنيا ضرب في الآخرة بسياط من نار على رؤوس الأشهاد، والناس ينظرون إليه والآباء والأصدقاء. تاسِعُها: أنه أغلق باب السماء على نفسه، فلا ترفع حسناتُه ولا دعاؤه أربعين يومًا. عاشِرُها: أنه مخاطر بنفسه لأنه يخاف عليه أن ينزع الايمان منه عند موته. "تنبيه الغافلين" للسمرقندي (ص148-149)، وانظر: "فتح الرحمن شرح نصيحة الإخوان" للقناوي (ص85).

وسائل الاجتناب

الابتعاد عن رفقاء السوء ودروب الرذيلة، لما للرفقة السيئة من تأثير نفسي جاذب للفرد يتمثل في الوسوسات الإنسية التي تسهل فعل المحرمات وتبسط أمرها. الحذر من ارتياد الأماكن التي تتعامل مع الخمر والمسكرات كبعض الفنادق وبيوت الملاهي والفجور، خصوصا إن كان المسلم يعيش في بلاد غير المسلمين والتي يستباح فيها الحرام بكثرة. في حال وقوع المسلم بهذه الكبيرة، يجب أن يرجع الى ذوي الاختصاص لعلاجه وإعادة تأهيله من الإدمان الناجم عن السموم التي دخلت جسده. تثقيف أفراد المجتمع بشأن الأضرار الصحية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن شرب الخمر والمسكرات.

مسائل متعلقة

نجاسة الخمر

أجمع علماء المذاهب الأربعة على نجاسة الخمر، واستدلوا بأن الله تعالى سماه رجسا في القرآن الكريم، لقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ﴾ [المائدة: 90]. والرجس: هو النجس، انظر "لسان العرب" لابن منظور (95/6). وقوله تعالى: ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ [الإنسان: 21]. وذهب جمهور المالكية والشافعية الى أن كل مسكر نجس من مائع مغيب للعقل مع شدة وفرح، سواء أكان خمرا من ماء العنب أم من غيره كالنبيذ ونحوه فهو يوجب الحد. انظر "الذخيرة" للقرافي، (3/402) و"لغة السالك" (18/1) للصاوي، و"نهاية المحتاج" للرملي (1/235). أما المسكرات الأخرى كالأفيون والحشيش ونحوها فقد اختلفوا في نجاستها؛ وذلك تبعا لاختلاف علة النجاسة عند كل منهم.

مراحل تحريم الخمر

كانت الخمر مباحةً في صدر الإسلام، يحل تناولها لكل أحد كسائر المباحات، ولما حرمها الله تعالى سلب منها جميع المنافع. يقول البغوي رحمه الله تعالى في "تفسيره": «وجملة القول في تحريم الخمر على ما قال المفسرون أن الله أنزل في الخمر أربع آيات نزلت بمكة، وهي: ﴿وَمِن ثَمَرَٰتِ اْلنَّخِيلِ وَاْلْأَعْنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرٗا وَرِزْقًا حَسَنًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوْمٖ يَعْقِلُونَ﴾[النحل: 67] ‌فكان ‌المسلمون ‌يشربونها، وهي لهم حلال يومئذ. ثم نزلت في مسألة عمر ومعاذ بن جبل: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْخَمْرِ وَاْلْمَيْسِرِۖ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٞ كَبِيرٞ﴾ فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله : "إن الله قد تقدم في تحريم الخمر" فتركها قوم لقوله: ﴿إِثْمٞ كَبِيرٞ﴾، وشربها قوم لقوله: ﴿وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ﴾ إلى أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعامًا، فدعا ناسًا من أصحاب النبي ، وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا، وحضرت صلاة المغرب فقدموا بعضهم ليصلي بهم فقرأ "قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون" هكذا إلى آخر السورة بحذف "لا" فأنزل الله تعالى: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقْرَبُواْ اْلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء: 43] فحرم السكر في أوقات الصلاة، فلما نزلت هذه الآية تركها قوم، وقالوا لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة، وتركها قوم في أوقات الصلاة وشربوها في غير حين الصلاة، حتى كان الرجل يشرب بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال عنه السكر، ويشرب بعد صلاة الصبح فيصحوا إذا جاء وقت الظهر، واتخذ عتبان بن مالك صنيعًا، ودعا رجالا من المسلمين فيهم سعد بن أبي وقاص، وكان قد شوى لهم رأس بعير، فأكلوا منه وشربوا الخمر حتى أخذت منهم، ثم إنهم افتخروا عند ذلك وانتسبوا وتناشدوا الأشعار، فأنشد سعد قصيدة فيها هجاء للأنصار، وفخر لقومه فأخذ رجل من الأنصار لحي البعير، فضرب به رأس سعد فشجَّهُ موضحة، فانطلق سعد إلى رسول الله وشكا إليه الأنصاري فقال عمر: اللهم بين لنا رأيك في الخمر بيانًا شافيًا، فأنزل الله تعالى تحريم الخمر في سورة المائدة: إلى قوله ﴿فهل أنتم منتهون﴾. وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام فقال عمر رضي الله عنه: انتهينا يا رب». "تفسير البغوي" (1 /249-250).

المواد الدعوية