البحث

عبارات مقترحة:

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

الشرك

الشرْك بالله تعالى مِن أعظم الكبائِر على الإطلاق، وكفى أنَّه الذَّنْب الذي لا يَغفِره الله، إلاَّ لمَن تاب وأناب قبلَ أن يموت ، ومن خطورته نهى الشرع عن كل ما قد يؤدي إليه، ولو مستقبلًا، و الشرك هو جعل شريك للهِ تعالى في ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته، بصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله؛ كالدعاء، والذبح، والنذر، واﻻستغاثة، واﻻستعانة بغير الله فيما ﻻ يقدِر عليه إﻻ الله، فإذا اعتقد الإنسان أن مع الله خالقاً أو معيناً فهو مشرك.

التعريف

التعريف لغة

قال ابن فارس: «الشين والراء والكاف أصلان، أحدهما يدل على مقارنة وخلاف انفراد، والآخر يدل على امتداد واستقامة، فالأول الشركة، وهو أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما، والشّرك اسم من قولهم: أشرك به يشرك إشراكًا، ويقال: شاركت فلانًا في الشيء، إذا صرت شريكه، وأشركت فلانًا، إذا جعلته شريكًا لك». "مقاييس اللغة" لابن فارس (3 /252)، وانظر: "الصحاح" للجوهري (4 /1594)، "لسان العرب" لابن منظور (4 /2249). وقال الرّاغب: «الشّركة والمشاركة: خلط الملكين، وقيل: أن يوجد شيء لاثنين فصاعدا، عينا كان ذلك الشّيء أو معنى، يقال: شركته، وأشركته وشاركته، وتشاركوا، واشتركوا في كذا، والشّريك: المشارك، وجمعه شركاء وأشراك مثل شريف وشرفاء وأشراف، والمرأة شريكة، والنّساء شرائك، والمشرك من أشرك بالله تعالى، أي جعل له شريكا في ملكه». "المفردات" للراغب (259).

التعريف اصطلاحًا

قال المناويّ: «الشّرك إمّا أكبر، وهو إثبات الشّريك لله تعالى، أو أصغر وهو مراعاة غير الله في بعض الأمور». "التوقيف على مهمات التعريف" (ص203). وقال الشيخ السعدي: «الشرك هو أن يجعل لله نداً يدعوه كما يدعو الله، أو يخافه، أو يرجوه، أو يحبه كحب الله، أو يصرف له نوعاً من أنواع العبادة». وحكى المعلمي الاتفاق على أن الشرك هو «اتِّخاذ غير الله عزَّ وجلَّ إلهًا من دونه، أو عبادة غير الله عزَّ وجلَّ». "مجموع المعلمي" (2/3).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

المعنى الاصطلاحي يتجه إلى المعنى الأول من المعاني اللغوية؛ إلا أنه يخص بجعل الشريك مع الله.

الفروق

الفرق بين الشرك و الكفر

الكفر هو: «الجحود بالوحدانية أو النبوة، أو الشريعة، أو بثلاثتها». "المفردات" للراغب الأصفهاني (ص479). «واعلم أن الكفر اسم يقع على ضروب من الذنوب فمنها الشرك بالله». "الفروق اللغوية" للعسكري (ص228)، فالشرك يتعلق بالله من ناحية التوحيد والعمل والطاعة، بينما الكفر يتعلق بالجحود والإنكار في نواحي الإيمان والنعم الإلهية، فبينهما عموم وخصوص، فكل مشرك كافر، وليس كل كافر مشرك. انظر: الكفر

الفرق بين الشرك و الإلحاد

الإلحاد هو: «الميل، والجور، والانحراف عن الإسلام، أو الإيمان». انظر: "التفسير المنير" للزحيلي(172/9). «لما كان الشرك أن يجعل لله ندًا، والإلحاد حيودًا عن الحق وانحرافًا عن المعتقد كان الشرك وجهًا من وجوه الإلحاد، فالإلحاد أعم وأشمل من الشرك، والملحد أعظم جرمًا وإثمًا من المشرك». انظر: " مجموع الفتاوى" لابن تيمية (7/633). بتصرف. انظر: الإلحاد

الأدلة

القرآن الكريم

الشرك في القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾. [آل عمران: 64]. وقال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ﴾[النساء: 36]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً﴾[النساء: 48]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً﴾[النساء: 116]. وقال تعالى: ﴿ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾[الأنعام: 88]. وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾[المائدة: 72]. وقال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ* وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: 22 - 23]. وقال ابن القيم: «فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيًا مترتِّبًا منتقلًا من الأعلى إلى ما دونه، فنفى المِلْكَ، والشِّركةَ، والمظاهرةَ، والشَّفاعةَ التي يطلبها المشرك؛ وأثبتَ شفاعةً لا نصيب فيها لمشركٍ، وهي الشَّفاعةُ بإذنه. فكفى بهذه الآية نورًا وبرهانًا ونجاةً، وتجريدًا للتَّوحيد، وقطعًا لأصول الشِّرك وموادِّه لمن عقلها!». "مدارج السالكين" (1 /528).

السنة النبوية

الشرك في السنة النبوية
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات، قيل: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل مال اليتيم، وأكل الرّبا، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات». أخرجه البخاري (2766)، ومسلم (89). وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله قال : «أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فمَن قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، عَصَمَ مِنِّي مالَهُ، ونَفْسَهُ إلَّا بحَقِّهِ، وحِسابُهُ علَى اللَّهِ». أخرجه البخاري (2946) ومسلم (21). وعن جابر بن عبد الله أنه أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله، ما الموجبتان؟ فقال: «من مات لا يشركُ باللّه شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك باللَّه شيئًا دخل النار». أخرجه مسلم (93). وعن عبد اللَّه بن عمرو قال : قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «من لقى اللَّهَ لا يشرك به شيئًا لم تضره معه خطيئة، ومن مات وهو يشرك به لم ينفعه معه حسنة». أخرجه أحمد (15090). وعن عبادة بن الصّامت رضي الله عنه قال وكان شهد بدرًا وهو أحد النّقباء ليلة العقبة: «أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال- وحوله عصابة من أصحابه-: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك». أخرجه البخاري (18) واللفظ له، ومسلم (1709).

العقل

قد تقرر في العقول أنّ العلمَ بقبح الشرك بديهيٌّ معلومٌ بضرورة العقل، وأنَّ الرُّسلَ نبَّهوا الأمم على ما في عقولهم وفِطَرهم من قبحه، وأنّ أصحابه ليست لهم عقولٌ ولا ألبابٌ ولا أفئدةٌ، بل نفى عنهم السَّمعَ والبصرَ ــ والمرادُ: سمعُ القلب وبصرُه ــ فأخبر أنّهم صمٌّ بكمٌ عميٌ ــ وذلك وصفُ قلوبهم: لا تسمع ولا تبصر ولا تنطق ــ وشبَّههم بالأنعام التي لا عقول لَها تميِّز بها بين الحسن والقبيح والحقِّ والباطل. ولذلك اعترفوا في النّار بأنّهم لم يكونوا من أهل السَّمع والعقل، وأنّهم لو رجعوا إلى أسماعهم وعقولهم لَعلِموا حسنَ ما جاءت به الرُّسل وقبحَ مخالفتهم. قال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: 10]. وكم يقول لهم في كتابه: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾! فينبِّههم على ما في عقولهم وفِطَرهم من الحسَن والقبيح، ويحتجُّ عليهم بها، ويخبر أنّه أعطاهموها لينتفعوا بها ويميِّزوا بها بين الحسن والقبيح والحقِّ والباطل. وكم في القرآن من مثلٍ عقليٍّ وحسِّيٍّ ينبِّه به العقولَ على حسن ما أمر به، وقبح ما نهى عنه؛ فلو لم يكن في نفسه كذلك لم يكن لضرب الأمثال للعقول معنًى، ولكان إثباتُ ذلك بمجرَّد الأمر والنّهي دون ضربِ الأمثال وتبيينِ جهة القبح المشهودة بالحسِّ والعقل. والقرآن مملوءٌ بهذا لمن تدبَّره، كقوله تعالى: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الروم: 28]. يحتجُّ سبحانه عليهم بما في عقولهم من قبحِ كونِ مملوكِ أحدهم شريكًا له. فإذا كان أحدكم يستقبح أن يكون مملوكُه شريكَه، ولا يرضى بذلك، فكيف تجعلون لي من عبيدي شركاء تعبدونهم كعبادتي؟ وهذا يبيِّن أنَّ قبحَ عبادة غيره تعالى مستقِرٌّ في العقول والفِطَر، والسَّمعُ نبَّهَ العقولَ وأرشدها إلى معرفة ما أُودع فيها من قُبح ذلك. وكذلك قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَالِمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 29]. احتجَّ سبحانه على قبح الشِّرك بما تعرفه العقولُ من الفرق بين حالِ مملوكٍ يملكه أربابٌ متعاسرون سيِّئوا المَلَكة، وحالِ عبد يملكه سيِّدٌ واحدٌ قد سلِمَ كلُّه له، فهل يصحُّ في العقول استواءُ حال العبدين؟ فكذلك حالُ المشرك والموحِّد الذي قد سلِمتْ عبوديّتُه للواحد الحقِّ، لا يستويان. "مدارج السالكين" لابن القيم (1 /372-374).

أقوال أهل العلم

«فلما كان الشرك أكبر شيء منافاة للأمر الذي خلق الله له الخلق، وأمر لأجله بالأمر، كان أكبر الكبائر عند الله، وكذلك الكبر وتوابِعُه، فإن الله سبحانه خلق الخلق وأنزل الكتاب لتكون الطاعة له وحده، والشرك والكبر ينافيان ذلك، ولذلك حرم الله الجنة على أهل الشرك والكبر، ولا يدخلها من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر». ابن قَيِّم الجَوْزِيَّة "الداء والدواء" (ص 145).
«المشرك أصلًا من وضع الشّيء في غير موضعه؛ لأنّه جعل لمن أخرجه من العدم إلى الوجود مساويا فنسب النّعمة إلى غير المنعم بها، وقال أيضًا: الشّرك أبغض إلى الله من جميع المعاصي» ابن بَطَّال "فتح الباري" لابن حجر(210/12، 277)
«لا إثم أعظم من إثم الإشراك بالله، ولا عقوبة أعظم من عقوبته فى الدنيا والآخرة». "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (569/8).
ابن حَجَر العَسْقَلَاني

العقوبة

1- خسارة الدنيا والآخرة: قال تعالى: ﴿ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11]. 2- خسارة أهله مع نفسه: قال تعالى: ﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الزمر: 15]. 3- براءة الله ورسوله: قال تعالى: ﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: 3]. 4- الشرك الأكبر لا يغفره الله إذا مات صاحبه قبل التوبة: قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 48]. 5- محبط لجميع الأعمال: قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 88]، وقال أيضًا: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾) [الفرقان: 23]، وقال أيضًا: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: 65]. 6- يوجب النار لصاحبه ويحرم عليه الجنة: قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [المائدة: 72]. 7- خلود صاحبه في النار: قال تعالى: ﴿إِ نَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ [البينة: 6]. انظر: "الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله" لعبد الله الجربوع (12/1).

الأضرار والمفاسد

1- فقد الطمأنينة والأمن ، والحزن اللّازم : فالمشرك لا يتمتع بالطمأنينة التي يتمتع بها المؤمن؛ قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82]. 2-العقوبة العاجلة في الدنيا: فالمشرك قد تعجل له العقوبة في الدنيا؛ ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: 112]. 3-الاضطراب والتشتت: فالمشرك يضطرب بين المعبودات وتتشتت به الأهواء بينما الموحد يعرف من يعبد، والطريق إليه طريق واحد، قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[الأنعام: 153]. 4-القضاء على عزة النفس: فالمشرك يذل لجميع طواغيت الأرض كلها؛ لأنه يعتقد أنه لا معتصم له إلا هم، فيذل ويخضع لمن لا يسمع ولا يرى، ولا يعقل، فيعبد غير الله، ويذل له، وهذا غاية الإهانة، أما العزة الحقيقة هي التي تستمد من الإيمان بالله الواحد، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: 8]. 5-الشرك أعظم الظلم والافتراء: فمن أشرك فقد ظلم نفسه، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 48]. 6-الانحراف عن غاية الخلق: فقد خلق الله الإنس والجن للعبادة، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. [الذاريات: 56]. 7-استباحة دمه وماله وعرضه بالسّبي: عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله قال : «أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فمَن قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، عَصَمَ مِنِّي مالَهُ، ونَفْسَهُ إلَّا بحَقِّهِ، وحِسابُهُ علَى اللَّهِ.» أخرجه البخاري(2946) ومسلم(21). انظر: "تيسير الكريم الرحمن" للسعدي (ص 724).

وسائل الاجتناب

1- تعلم العقيدة الصحيحة وما يضادها من البدع والعقائد المنحرفة، فبضدها تتبين الأشياء، ومن أفضل الكتب التي تحدثت عن أنواع الشرك وصوره تفصيلاً كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ وكذلك شروحه النفيسة، والتي من أيسرها وأجمعها شرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله. 2- دعاء الله تعالى بأن يجنبك الشرك: قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾[إبراهيم: 35]. سد الذرائع المفضية إليه، كما نهينا عن الصلاة إلى القبور وبناء المساجد عليها لئلا يؤدي إلى تعظيم المقبور. 3- تجنب الألفاظ الشركية ولو لم يقصدها الإنسان، كما نهينا عن الحلف بغير الله، وعن قول عبدي وأمتي للرقيق. 4-مفارقة ما يدعو إلى التعلق من الصور والآثار ـ مرئية كانت أو سمعية أو غير ذلك ـ وهذا أحد وجوه الحكمة في تحريم التصوير. 5- سد الذرائع المفضية إلى الشرك، ومنها: - الغلو في تعظيم المخلوق، إذ الغلو في تعظيمه يؤدي إلى استشعار القلب بالخوف والرهبة منه والرجاء فيه، فيصرف إليه عندئذ شيئاً من حقوق الله تعالى. في الحديث: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله». - البناء على القبور وعن اتخاذها عيدًا، وعن اتخاذها مساجد، فقال لما ذكرت له أم سلمة رضي الله عنها: أنها رأت كنيسة بأرض الحبشة وما فيها من الصور قال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله». أخرجه البخاري (434)، ومسلم (528). - الوفاء بالنذر بالذبح لله تعالى في مكان يذبح فيه لغير الله أو يقام فيه عيد من أعياد الجاهلية. فعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: «نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة فسأل النبي فقال: هل كان فيه وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيه عيد من أعيادهم. قالوا: لا، فقال رسول الله : أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم». أخرجه أبو داود (3313). انظر: "تسهيل العقيدة الإسلامية" لابن جبرين (ص149)، "المفيد في مهمات التوحيد" عبد القادر صوفي(ص151)، "الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد" للفوزان (ص57).

مسائل متعلقة

أقسام الشرك

تنوعت عبارات أهل العلم في بيان أنواع الشرك، ولكنها لا تخرج عن المدلول الشرعي للشرك، فمن عباراتهم في بيان أنواع الشرك ما يلي: أ- أن الشرك ينقسم إلى أكبر وأصغر. "مدارج السالكين" لابن القيم (1/339)، "الدرر السنية" لابن سحمان (2/85). ب- ويقول بعضهم: إنه على ثلاثة أقسام: أكبر، وأصغر، وخفي. انظر: "أنواع التوحيد وأنواع الشرك، ضمن الجامع الفريد" لآل الشيخ (ص341). ج- والبعض يقسمه حسب أجزاء التوحيد الثلاثة. "تيسير العزيز الحميد" لسليمان بن عبد الله (ص 43). د- وبعضهم يقسمه إلى نوعين: الشرك في الربوبية، والشرك في الألوهية، ويدخل الشرك في الأسماء والصفات ضمن النوع الأول. انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (91-94 /1)، "تجريد التوحيد المفيد" للمقريزي (ص 8). هذه الأقوال ليست متباينة، بل بعضها يوافق بعضاً، فمن قسم الشرك إلى قسمين: أكبر وأصغر، نظر إلى حقيقة الشرك وأحكامه من حيث خروجه من الإسلام وعدم خروجه. والذي قسم الشرك إلى ثلاثة أنواع: الأكبر والأصغر والخفي، فإنه لم يخالف القول السابق؛ لأنه إنما أراد إظهار أهمية الشرك الخفي، وإلا فالشرك الخفي داخل تحت النوعين السابقين، فإن الشرك الخفي بعضه من الشرك الأكبر المخرج من الملة، وبعضه من الشرك الأصغر الذي هو أكبر من المعاصي - الكبائر - ولكنها لا تخرج من الملة، وإنما أراد من أبرزها كنوع ثالث بيان خفائها على كثير من الناس وكثرة وقوعها، أما الذي قسمه حسب أنواع التوحيد الثلاثة، والذي قسمه إلى نوعي الشرك في الربوبية والشرك في الألوهية فليس بينهما إلا إجمال وتفصيل، فهذه الأقوال صحيحة وشاملة. انظر: "الموسوعة العقدية" الدرر السنية (31/3).

حقيقة شرك العرب

من المتفق عليه بين المؤرخين أن العرب لم يكونوا متفقين على دين واحد، وإنما كانوا أحزابًا مختلفة وأديانًا متنوعة، ومع ذلك فلا شك أن العرب في الجاهلية كانوا مشركين في عبادة الله تعالى، وأما فيما يتعلق بربوبية الله فإن الأصل المشهور أن أكثرهم –ومنهم قريش-يقر بأصوله الكلية، كالخلق والملك والتدبير، وقد نص على هذا المعنى عدد من العلماء، من لدن الصحابة ومن جاء بعدهم. انظر : "مروج الذهب" المسعودي (2/126) "والمفصل في تاريخ العرب" جواد علي (11/5-82). فقد قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: ﴿وما يؤمن أكثرهم بالله﴾ : «من إيمانهم إذا قيل لهم من خلق السماء، ومن خلق الأرض، ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله، وهم مشركون»، وقال أيضًا: "قوله: ﴿وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون﴾ [يوسف: 106] يعني النصارى يقول: ﴿ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله﴾ ، ﴿ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله﴾ [الزخرف: 87] ولئن سألتهم من يرزقكم من السماء والأرض؟ ليقولن الله، وهم مع ذلك يشركون به، ويعبدون غيره، ويسجدون للأنداد دونه ". وقال النضر بن عربي في قوله: «﴿وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون﴾ [يوسف: 106] قال: فمن إيمانهم أن يقال لهم: من ربكم؟ فيقولون: الله. ومن يدبر السموات والأرض؟ فيقولون: الله. ومن يرسل عليهم المطر؟ فيقولون: الله. ومن ينبت الأرض؟ فيقولون: الله. ثم هم بعد ذلك مشركون، فيقولون: إن لله ولدا، ويقولون: ثالث ثلاثة». ابن أبي حاتم في "تفسيره" رقم (12037). وممن نص على ذلك : مقاتل بن سليمان حيث يقول : «ولئن سألتهم يعني كفار مكة من نزل من السماء ماء يعني المطر فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله يفعل ذلك قل الحمد لله بإقرارهم بذلك «بل» أكثرهم لا يعقلون بتوحيد ربهم وهم مقرون بأن الله- عز وجل- خلق الأشياء كلها وحده». "تفسير مقاتل بن سليمان" (3/389). ويقول يحيى بن سلام : " ﴿قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ﴿86﴾ سيقولون لله﴾ فإذا قالوا ذلك فـ ﴿قل أفلا تتقون﴾ وأنتم تقرون أن الله خالق هذه الأشياء وربها , وقد كان مشركو العرب يقرون بهذا". "تفسير يحيى بن سلام" (1/413). وأما ابن جرير فإنه كرر هذا المعنى كثيرا في تفسيره ,ويقول في موضع منه : «الله جل ثناؤه قد أخبر في كتابه عنها أنها كانت تقر بوحدانية، غير أنها كانت تشرك في عبادته ما كانت تشرك فيها، فقال جل ثناؤه: ﴿ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله﴾، وقال: ﴿قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون﴾. فالذي هو أولى بتأويل قوله: ﴿وأنتم تعلمون﴾ إذ كان ما كان عند العرب من العلم بوحدانية الله، وأنه مبدع الخلق وخالقهم ورازقهم، نظير الذي كان من ذلك عند أهل الكتابين». "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" (1/392). ويقول ابن زمنين : «﴿قل أفلا تتقون﴾ وأنتم تقرون أن الله خالق هذه الأشياء وربها، وقد كان مشركو العرب يقرون بهذا». "تفسير القرآن العزيز" (3/208). ويقول ابن عطية : «ثم عدد بعد ذلك نوعا آخر من كفرهم وذلك أنهم مع اتخاذهم آلهة كانوا يقربون بالله تعالى هو الخالق الرازق إلا أنهم قال بعضهم اتخذ الملائكة بنات». "المحرر الوجيز" (10/139). ويقول القرطبي مؤكدا المعنى السابق : «قوله تعالى : ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ عجب نبيه من إضمارهم على الشرك وإصرارهم عليه مع إقرارهم بأنه خالقهم ورازقهم ، ثم يعمد إلى حجر يعبده من غير حجة. قال الكلبي وغيره : كانت العرب إذا هوي الرجل منهم شيئا عبده من دون الله». "الجامع لأحكام القرآن" (13/35). ويقول الواحدي : «قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ﴾ الآية، السؤال والجواب جاء من ناحية واحدة، كقوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ [يونس: 34] الآية، وذلك أن الكفار لا ينكرون أن الله خالق السموات والأرض والمخلوقات، لقوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: 87]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [يونس: 31] إلى قوله: ﴿فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾، فإذا أجاب النبي عن هذا السؤال بقوله: الله، لم ينكروا هم ذلك، ويصير كأنهم قالوا ذلك " البسيط" (12/329) وانظر (18/361)، وذكره لآيات سورة يونس يدل على أنه يرى أن إقرار المشركين ليس خاصا بالخلق فقط بل يشمل الزرق والتدبير لأنه هذه الأمور مذكورة فيها. ويؤكد النيسابوري هذا المعنى فيقول : «ثم عجب أهل العجب من حال المشركين من أهل مكة وغيرهم لم يعبدوا الله مخلصين مع علمهم بأنه خالقهم ورازقهم، فكيف يصرفون عن توحيد الله؟». "غرائب القرآن" (5/395). وأما الزركشي فإنه بين أن قوله تعالى : ﴿قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون﴾سيق «سيقت للاحتجاج عليهم بما أقروا به من كونه تعالى هو رازقهم ومالك أسماعهم وأبصارهم ومدبر أمورهم بأن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي فلما كانوا مقرين بهذا كله حسن الاحتجاج به عليهم إذ فاعل هذا هو الله الذي لا إله غيره فكيف تعبدون معه غيره ولهذا قال بعده ﴿فسيقولون الله﴾ أي هم يقرون به ولا يجحدونه والمخاطبون المحتج عليهم بهذه الآية». "البرهان في علوم القرآن" (4/9). ويقول ابن الجوزي : «قوله تعالى ولئن سألتهم يعني كفار مكة وكانوا يقرون بأنه الخالق والرازق وإنما أمره أن يقول الحمد لله على إقرارهم لأن ذلك يلزمهم الحجة فيوجب عليهم بل أكثرهم لا يعقلون توحيد الله مع إقرارهم بأنه الخالق». "زاد المسير" (6/283). ويقول السويدي: «وأما غيرهما- الثنوية وبعض المجوس – من سائر فرق الكفر والشرك فقد اتفقوا على أن خالق العالم ورازقهم ومدبر أمرهم ونافعهم وضارهم ومجيرهم واحد , لا رب ولا خالق ولا رزاق ولا مدبر ولا نافع ولا ضار ولا مجير غيره , كما قال تعالى : ﴿ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون﴾وقوله : ﴿ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون﴾, وقوله : ﴿قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ** سيقولون لله قل أفلا تذكرون﴾ , وقوله : ﴿قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون﴾». "العقد الثمين" (66). ويقول الطاهر بن عاشور عند تفسيره لقوله تعالى : "الحي القيوم" : «والمقصود إثبات عموم العلم له وكمال الحياة وإبطالُ إلاهية أصنام المشركين ، لأن المشركين كانوا يعترفون بأن مدبّر الكون هو الله تعالى ، وإنّما جعلوا آلهتهم شفعاء وشركاء ومقتسمين أمور القبائل». "التحرير والتنوير" (3/19). ومع إقرار مشركي العرب بأصل الربوبية فإنهم لم يكونوا محققين له تمام التحقيق، وإنما انحرفوا في كثير من تفاصيله، فقد كان كثير منهم يتعقد أن الملائكة بنات الله، وأن بعض الأصنام تؤثر في الكون تدبره، واعتقد كثير منهم أن الله أعطى الولاية الكونية لعدد من الأصنام والكواكب، وأنكر بعضهم عددا من صفات الله أو شك فيها، وتجرأ كثير منهم على مقام الإلهة وتقولوا على الله تعالى وافتروا عليه أمورا ما أنزل الله بها من سلطان. وفي بيان هذا المعنى يقول ابن تيمية بعد أن ذكر قول المجوسية والفلاسفة: «فإن هؤلاء يثبتون أمورا محدثة بدون إحداث الله إياها، فهم مشركون في بعض الربوبية، وكثير من مشركي العرب وغيرهم قد يظن في آلهته شيئًا من نفع أو ضر، بدون أن يخلق الله ذلك». " شرح الأصفهانية" (134)، ونقله ابن أبي العز في "شرح الطحاوية" مؤيدًا له (1/38).

أحاديث عن الشرك