البحث

عبارات مقترحة:

التواب

التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

أكل مال اليتيم بغير حل

للأيتام مكانة خاصة في الإسلام، وذلك لأنهم فقدوا آباءهم؛ من يقوم بمصالحهم و ينفق عليهم، فعزز مكانتهم وهيأ لهم المناخ المناسب لتنشئتهم وتعويضهم عن فقدهم، وأجزل الثواب لمن قام بكفالتهم ورعايتهم، ليس على المستوى المادي فقط بل على المستوى النفسي، فحض على إظهار الحنان لهم والمسح على رؤوسهم والابتعاد عن قهرهم، وأيضا حافظ على حقوقهم الاعتبارية الأساسية كحقهم في التغذية السليمة واللعب و التربية والتعليم، وحقهم في العناية الصحية الملائمة، وغيرها من الحقوق التي يتساوى فيها الأيتام مع غيرهم من الأطفال الآخرين في المجتمع. وإن أحد الحقوق المكفولة بالإسلام هو حق اليتيم في ملكية ما مُنح له من المال سواء عن طريق الميراث أو الهبة أو التبرعات أو الوقف أو الدية، وعلى الولي احترام هذا الحق، والحذر كل الحذر من أكل مال اليتيم بالباطل، قال تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)[الْبَقَرَةِ: 188]. وهذا السياق القرآني جاء عاما، لكننا تخصصه خطابا لولي اليتيم عظة ودعوة للابتعاد عن مهلكة من مهالك الدنيا والآخرة والعياذ بالله.

التعريف

التعريف لغة

اليتيم جمعه أيتام ويتامى، واليتم كل شيء يعز نظيره فهو يتيم، يقال درة يتيمة. انظر "مختار الصحاح" للرازي (ص 140) واليتم الانفراد والهم. ويقال للصبي يتيم إذا فقد أباه قبل البلوغ، فهو يتيم حتى يبلغ الحلم ، ويقال للمرأة يتيمة ما لم تتزوج. انظر "أحكام القرآن" الجصاص (330/1). أكل: أخذ من الطعام الى نفسه، والرجل يستأكل قومًا، أي يأكل أموالهم من الإسنات. وفلان يستأكل الضعفاء أي يأخذ أموالهم؛ ويستأكل أموال الناس. واستأكله الشيء: طلب إليه أن يجعله له أكلة. وأكلت النار الحطب، وأكلتها أي أطعمتها، وكذلك كل شيء أطعمته شيئًا. انظر "لسان العرب" لابن منظور (19/11).

التعريف اصطلاحًا

أخذ الولي من مال اليتيم على غير وجه حق ومن دون مبرر شرعي أخذا جائرًا. و التصرف بوهبه أو التبرع به الى شخص آخر. أو غيرها من العمليات المالية التي قد تضر بحق اليتيم في ماله. ويكون الأخذ من مال اليتيم مشروعًا في حالة قضاء حاجات اليتيم من المأكل والمشرب واللباس وغيرها، أو استثمار المال والتجارة به بهدف تنميته وتكثيره، مع الحذر في صرف المال بغير تقتير ولا إسراف. وعندما يبلغ اليتيم ويستأنس منه الرشد، يُعاد له ماله ليتصرف به كما يشاء. لقوله تعالى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [النساء: 6]، قال ابن كثير: «أي : وكفى بالله محاسبًا وشهيدًا ورقيبًا على الأولياء في حال نظرهم للأيتام، وحال تسليمهم للأموال: هل هي كاملة موفرة، أو منقوصة مبخوسة مدخلة مروج حسابها مدلس أمورها؟ الله عالم بذلك كله.»، انظر "تفسير القرآن العظيم" (191/2).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

كمثل أكل النار لكل شيء لا تبقي ولا تذر، وكمثل الصدأ يأكل الحديد يفنيه، وُظف معنى كلمة أكل مجازيًا للدلالة على الأخذ الجائر للمال، أي أخذه بإسراف دون حساب من قبل الولي على مال اليتيم، فتجده يضم مال اليتيم إليه بدعوى العناية به والحفاظ عليه من الضياع، والخاسر هو اليتيم الضعيف الذي ينقصه العقل لصغر سنه، فلا حيلة له في الحفاظ على ماله من الضياع، ولا يستطيع التصرف به وتنميته، أو الاتجار به.

الأدلة

القرآن الكريم

أكل مال اليتيم بغير حل في القرآن الكريم
ذكر اليتيم في القرآن الكريم ثلاثة وعشرين مرة ، دلالة على اهتمام الله عز وجل بهذه الفئة الضعيفة، فقال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 220] ﴿وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ ۚ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾ [النساء: 127] ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ﴾ [البقرة: 177] وحذر الله من الإساءة الى الأيتام أو أكل حقوقهم المادية والمعنوية، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: 10] فعندما نزلت الآية الكريمة : انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه عن طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيجلس له حتى يأكله أو يفسد فيرمي به ، فاشتد عليهم فذكروا ذلك لرسول الله فأنزل الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [النساء: 220] انظر " الدر المنثور" للسيوطي (612/1). فقد أباح الله خلط طعام اليتامى بطعام الولي ولكن بالقسط وتوخي الحذر والعدل مع عدم إتخاذ خلط الطعام والمصرف ذريعة لأكل مال اليتيم. ﴿كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ﴾ [الفجر: 17]. ورد في تفسير هذه الآية: «فليس الإكرام بالغنى والاهانة بالفقر، وإنما هو بالطاعة والمعصية، ولقد كان كفار مكة لا ينتهون لذلك، بل لا يحسنون إليه مع غناهم أو لا يعطونه حقا من الميراث.» انظر "تفسير الجلالين" للسيوطي (807/1).

السنة النبوية

أكل مال اليتيم بغير حل في السنة النبوية
عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.» البخاري (2766). وعن سهل بن سعد قال أن رسول الله قال: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى.» أخرجه البخاري (4998)، قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: قال ابن بطال : «حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيقاً للنبي في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك» انظر "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" (356/18). وقال الحافظ ابن حجر : «قال شيخنا في شرح الترمذي: لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة، أو شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي ، أو منزلة النبي لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلاً لهم ومعلماً ومرشداً ، وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل ولا دنياه، ويرشده، ويعلمه، ويحسن أدبه فظهرت مناسبة ذلك.» انظر "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" (357/18) وحث الرسول على العناية باليتيم، كما ورد من حديث مالك بن الحرث رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله قال: «من ضم يتيمًا بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغنى عنه وجبت له الجنة البتة ومن أعتق امرأ مسلمًا كان فكاكه من النار يجزى بكل عضو منه عضوا منه من النار» أخرجه أحمد (19047)

الإجماع

أجمع العلماء على أن أكل مال اليتيم ظلماً لا يحل ولا يجوز وهو من أكبر الكبائر، كما أنهم اتفقوا على أن من كان وليا ليتيم، وكان غنياً لا يحل له أن يأكل من مال اليتيم شيئاً، وقالوا: «ليس له أن يأكل منه إلا ما لا قدر له ولا بال، مثل اللبن في الموضع الذي لا ثمن له فيه، والثمر يأكله من حائطه إذا دخله»، مستدلين بقوله تعالى: ﴿وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾ [النساء: 6] انظر "مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل" للحطّاب (569/8).

العقل

قال تعالى في محكم الكتاب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]. يأمر الله عز وجل بأن لا يأخذ الناس أموال بعضهم بعضا زورًا وغشًا بالباطل، وإنما يكون الأخذ والتداول المالي عن تراضٍ عن طريق التجارة أو القرض أو غيرها من وسائل التبادل المالي المشروعة، ووضع شروطًا لهذا التداول المالي، وأمر بكتابته، والإشهاد عليه، حتى تنتشر الأمانة بين الناس. والسؤال نطرحه هنا، هل هناك علاقة منفعة مادية بين اليتيم ووليه؟ تجارة مثلا؟ أو أجر يتقاضاه الولي؟ أم أنها فقط علاقة تطوعية بحتة؟ الجواب: إن الولي لا يولّى اليتيم إلا طلبًا للأجر والثواب من عند الله تعالى، لذلك فإن التبادل المالي المقصود في الآية الكريمة أعلاه لا ينطبق على علاقة الولي- اليتيم، وبالتالي فإن أخذ الولي من مال اليتيم يعتبر أكلا بالباطل، وإن الآية التالية في نفس السورة توضح العقاب لمن يأكل أموال الناس بالباطل وخصوصا أضعفهم اليتيم: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: 30].

أقوال أهل العلم

يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم كاملة موفرة وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالكم ابن كَثِير "تفسير القرآن العظيم" (ص 439)
أمر سبحانه وتعالى بالإشهاد على الأيتام عند دفع المال الى اليتيم، ولو كان المال في أيدي الأولياء بطريق الأمانة لكان لا حاجة إلى الإشهاد؛ لأن الحاجة إلى الإشهاد عند الأخذ قرضا ليأكل منه. الجصاص أحكام القرآن (2 /36)

العقوبة

قال عزّ وجلّ: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [النساء: 9] أراد الله تنبيه من ينوي أكل مال اليتيم بأن وراءه أطفالًا وأناسًا ضعفاء، ومن الذي يعيلهم إن مات عنهم أو عجز عن الانفاق عليهم لمرض أو إعاقة طارئة ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: 10] إن أكل مال اليتيم موجب للعذاب الأليم، وشبهه الله أكله كمن يأكل في بطنه سعيرا. قال القرطبي رحمه الله تعالى : «قال الجمهور : إن المراد للأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من مال اليتيم، وسمى المأكول نارًا بما يؤول إليه، وقيل: نارًا أي حرامًا؛ لأن الحرام يوجب النار فسمَّاه باسمه ﴿ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا "﴾، الصلي : التسخين بقرب النار وبمباشرتها، والسعير : الجمر المشتعل.» انظر "تفسير القرطبي" (59/5، 58)

الأضرار والمفاسد

محق البركة في مال ومعيشة آكل أموال اليتامى، لما فيه من إثم عظيم وعدم التزام بأوامر الشريعة والاقتراب من نواهيها. الإضرار بحق اليتيم في ماله عندما يكبر، مما يورث العداوة والبغضاء بين اليتيم ووليه؛ لإحساسه بالظلم وذهاب ماله على غير وجه حق. انتشار الفساد في المجتمع تبعا لآثار هذه الكبيرة، وتفشي الجرائم المترتبة على الكره بين اليتيم ووليه.

وسائل الاجتناب

يتجنب أكل مال اليتيم باتباع بعض سبل الوقاية، ومنها: صرف الولي على اليتيم بالقدر الكافي من غير تضييق أو إسراف، مع مراعاة أن يكون الصرف في المجالات الحلال، مع عدم وهب أو إقراض مال اليتيم لأحد؛ لما فيه تعطيل لاستثمار مال اليتيم بالشكل الصحيح. ويقول حسين شحاته: «الالتزام بالأولويات الإسلامية التي تخص اليتامى، أي الإنفاق على الضروريات أولاً ثم يلي ذلك الإنفاق على الحاجيات، ولا يجوز الإنفاق على الكماليات إلاّ بعد تلبية والوفاء بالضروريات والحاجيات» انظر "الضوابط الشرعية لإدارة صندوق أموال اليتامى" (ص 2). في حالة اختلاط المال مع مال اليتيم، فإنه يجب توخي الحذر في تقدير المال المصروف نسبيا بما لا يظلم مال اليتيم ولا يظلم مال الولي أيضا. حفظ مال اليتيم على الوجه الصحيح إما باستثماره استثمارا حلالا أو حفظه في الجهات الغير ربوية. نشر التوعية حول أجر كفالة الأيتام والعطف عليهم، وذلك توثيقا لعرى المسؤولية الاجتماعية تجاه هذه الفئة الضعيفة، والتوعية بخصوص إثم آكل مال اليتيم وعذابه الدنيوي والأخروي.

مسائل متعلقة

مسألة أكل الولي الفقير من مال اليتيم

اختلف العلماء في مسألة أكل الولي الفقير من مال اليتيم، وقد كان هذا الاختلاف تبعًا لاختلاف تفسير مفهوم "أكل"، فهل تعني كلمة أكل الأخذ المعقول من مال اليتيم كقرض بحيث لا يجوع ولا يعرى؟ كما قال تعالى: ﴿وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾[النساء: 6]. قال أبو جعفر: «ثم اختلف أهل التأويل في " المعروف " الذي أذن الله جل ثناؤه لولاة أموالهم أكلها به، إذا كانوا أهل فقر وحاجة إليها. فقال بعضهم: ذلك هو القرضُ يستقرضه من ماله ثم يقضيه.» قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إنّي أنـزلت مالَ الله تعالى مني بمنـزلة مال اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، فإذا أيسرت قضيت». وعن ابن عباس في قوله: ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف ، قال: «وهو القرض» وغيرهم الكثير من الذين فسروا هذا الأخذ بالمعروف على أنه قرض فقط. انظر "تفسير ابن كثير" (ص 444)، وأما التفسير الآخر فهو الأخذ من مال اليتيم باعتباره أجرة بسيطة لرعايته، وكفاية للولي عن الحاجة للناس، وجاء في هذا الاختلاف ما يلي من الآراء: قال الحنفية وابن حزم أنه لا يجوز الأكل من مال اليتيم مطلقاً، سواءً كان الولي فقيرا أ و غنيا. انظر "أحكام القرآن" للجصاص (65/2). "المحلى" لابن حزم (328/8). واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾ [النساء: 2] قال الجصاص: " وهذه الآية محكمة حاظرة لمال اليتيم على وليه في حال الغنى والفقر، انظر " أحكام القرآن للجصاص (65/2). قال بعض الحنابلة: إن الولي يستحق أن يأكل من مال اليتيم فيقتدر بقدره انظر "المبدع" لبرهان الدين بن مفلح (345/4). قال الشافعي: إن الولي يجوز له الأكل بقدر أجرته، انظر "روضة الطالبين" للنووي (190/4). قال ابن قدامة: يضمن عوض ما أكله - أي الوليّ- إذا أيسر لأنه استباحة -مال اليتيم- للحاجة فلزمه عوضه.