البحث

عبارات مقترحة:

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

هود عليه السلام

هود عليه السلام نبيٌ من أنبياء الله الكرام، أرسله الله تعالى إلى قوم عاد، يدعوهم إلى عبادة الله تعالى، وعاد قبيلة كانت تسكن الأحقاف، وهو عليه السلام منهم، وقد تحمَّل هودٌ قومَه وصبرَ عليهم إلا أنهم أصرّوا حتى كُتب عليهم العذاب، فرأوا سحابة فظَنوا أنها مطر نافع، لكنها كانت العذاب، فجاءت بريح مدمرة شديدة، فَعَجزوا حتى أصبحوا كالرميم، وكأعجاز النخل المنقطع من مكانه .

اسمه ونسبه

يرجع نسب هود عليه السلام إلى سام بن نوح كما اتفق أهل الأنساب، وإن اختلفوا في عدد الآباء أو أسمائهم الذين هم بين هود وسام بن نوح. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 77). من هم قوم عاد؟ كانت قوم عاد بعد قوم نوح وجودا في الأرض وعيشا في الحياة، وسياق قصتهم في القرآن والترتيب في الذكر الوارد في الآيات يدل على هذا الترتيب التاريخي، ومنه أيضا قول نبيهم هود: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ سورة الأعراف: 69. وعاد من العرب البائدة، فقد قسم علماء التاريخ والأخبار والأنساب العرب إلى طبقات ثلاثة: عرب بائدة: وهم مثل أقوام عاد وثمود وجديس وجُرهُم، أطلق عليهم اسم البائدة لأن الله أبادهم، ولم يبق منهم أحدا، ولم يترك لهم أثرا. وعرب عاربة: وهم القحطانيون من أهل اليمن. وعرب مستعربة. ويقال لهم العدنانيون أو النزاريون أو المعديون من أهل الحجاز، وهم من نسل إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وهم ينتسبون إلى عدنان من نسل سيدنا إسماعيل عليه السلام، غير أن ثمة خلافا كبيرا بين النسابين في عدد الآباء بينهما. يقول الدكتور جواد علي: «اتفق الرواة وأهل الأخبار أو كادوا يتفقون على تقسيم العرب من حيث القدم إلى طبقات: عرب بائدة، وعرب عاربة، وعرب مستعربة، أو عرب عاربة وعرب متعربة وعرب مستعربة، أو عرب عاربة وعرباء وهم الخلص، والمتعربة. واتفقوا أو كادوا يتفقون على تقسيم العرب من حيث النسب إلى قسمين : قحطانية منازلهم الأولى في اليمن، وعدنانية منازلهم الأولى في الحجاز. واتفقوا أو كادوا يتفقون على أن القحطانيين هم عرب منذ خلقهم الله، وعلى هذا النحو من العربية التي نفهمها ويفقهها من يسمع هذه الكلمة، فهم الأصل والعدنانية الفرع، منهم أخذوا العربية وبلسانهم تكلم أبناء إسماعيل بعد هجرتهم إلى الحجاز، شرح الله صدر جدهم إسماعيل، فتكلم بالعربية بعد أن كان يتكلم بلغة أبيه التي كانت الآرامية أو الكلدانية أو العبرانية على بعض الأقوال. ونجد الأخباريين والمؤرخين يقسمون العرب أحيانًا إلى طبقتين: عرب عاربة وعرب مستعربة. ..، وظل الرواة يتوارثون هذا التقسيم كلما بحثوا في تاريخ العرب قبل الإسلام، وفي موضوع الأنساب. وتقسيم العرب إلى طبقات - وذلك من ناحية القدم والتقدم في العربية - هو تقسيم لا نجد له ذكرًا لا في التوراة أو الموارد اليهودية الأخرى، ولا في الموارد اليونانية أو اللاتينية أو السريانية، ويظهر أنه تقسيم عربي خالص، نشأ من الجمع بين العرب الذين ذكر أنهم بادوا قبل الإسلام، فلم تبقَ منهم غير ذكريات، وبين العرب الباقين، وهم إما من عدنان وإما من قحطان». "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" لجواد علي (1/294 فما بعدها). انظر: "قصص القرآن الكريم" فضل عباس (ص 209)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 77)، "القصص القرآني" صلاح الخالدي (ص 221- 225). نص القرآن على المكان الذي سكنه قوم عاد وهو الأحقاف. والأحقاف جمع حقف. قال ابن فارس: «هو يدل على ميل الشيء وعوجه، يقال: احقوقف الشيء إذا مال، وحاقف: مائل». "مقاييس اللغة" لابن فارس (2 /90). فالمراد بالأحقاف الكثبان الرملية الكثيفة المتحركة المائلة المعوجة، وهي الأرض الواقعة بين عُمان وحضرموت. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 77)، "القصص القرآني" صلاح الخالدي (ص 221- 225). مظاهر قوة عاد. منح الله قوم عاد قوة كبيرة، لم يمنحها لأي قوم، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾ سورة الفجر: 6- 8. فزادهم الله بسطة ومتانة وقوة في الخلق، فكانت أجسامهم قوية ضخمة، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً﴾ سورة الأعراف: 69. وبيّن أنهم إن آمنوا بالله واتبعوا نهجه زادهم قوة إلى ما هم فيه من القوة. قال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ سورة هود: 52. ومن مظاهر قوتهم المادية أنهم كانوا يبنون القصور على رؤوس الجبال، وينشئون المصانع، ويتمتعون بتقدم مادي كبير. قال تعالى: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ سورة الشعراء: 128- 131. وقادهـم هذا إلى الاستكبار في الأرض، واستعباد الآخرين، وقالوا: من أشد منا قوة؟ ونسوا قوة الله. قال تعالى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ سورة فصلت: 15. انظر: "القصص القرآني" صلاح الخالدي (ص 229- 230). والراجح أن عاد هي عاد واحدة، وإرم هي بدل من عاد أو عطف بيان له، وإرم اسم أحد أجداد عاد، وسميت قبيلة عاد باسمه وكان يقال لها: عاد إرم. يقول الدكتور فضل عباس: «اختلف المفسرون في قوله سبحانه عاداً الأولى، فذهب بعضهم إلى أن قوله سبحانه الأولى صفة جاءت للفصل والتفرقة بين قبيلتين، إحداهما عاد الأولى، والأخرى عاد الآخرة، وقد تبنى هذا الرأي ابن كثير وأبو السعود في تفسيريهما، ومن المحدثين الشيخ عبد الوهاب النجار في قصص الأنبياء - رحمهم الله تعالى - وذهب آخرون إلى أن الأولى ليست صفة كما قال الأولون، إنما هي صفة بيان فحسب، الهدف منها بيان قدم قبيلة عاد في جذور التاريخ ومن هؤلاء الشيخ ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير. وأصحاب الرأي الأول اختلفوا في عاد الثانية، فبعضهم رأى أنها ثمود وبعضم رأى غير ذلك. والذي يظهر لي وأرجحه بل أؤكده: هو الرأي الثاني، فإن قبيلة عاد واحدة، ولكنها كانت الأولى لسبقها في التاريخ، ولم يقم دليل قاطع على غير هذا، والله أعلم بما ينزل». "قصص القرآن الكريم" لفضل عباس (ص 209- 210)، وكذا انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (ص 230- 235).

معنى الاسم لغة

عاد اسمٌ عربيٌ صَريح، مُشتقٌ من العَوْد والرجوع والبدء. قال ابن فارس في مقاييس اللغة: «العود: التثنية في الأمر، قال الخليل : تثنية الأمر، عودا بعد بدء. تقول: بدأ ثم عاد». "مقاييس اللغة" لابن فارس (4 /181). وكذلك هود اسمٌ عربيٌ صَريح، مُشتقٌ من الهَوْد. قالَ ابن فارس عَن الهَود: «يدُلُ على إروادِ وسكون، يقولون التهويد : المَشي الرويد البطيء». "مقاييس اللغة" لابن فارس (6 /17). وقال ابن دريد: «واشتقاقه مِنَ السكون ولين الجانب، والتهويد : التسكين». "الاشتقاق" لابن دريد (ص 549). وأمّا الراغب الأصفهاني فقال: «الهَوَدُ فهو الرجوع برفق، ومنه التهويد: وهو مشيٌ كالدبيب، وصار الهود في التعارف التوبة». "المفردات" للراغب الأصفهاني (ص 846- 847). وهُود: جمع هائد، أي تائب، وهَوَّدَ : مَشى رويدًا. انظر" القصص القرآني صلاح الخالدي"(ص225-226)، "المعجم الوسيط" مجمع اللغة العربية (2 /998).

ذكره في القرآن الكريم

ذُكِر نبي الله هود عليه السلام في القرآن سبع مرات، وذكرت قبيلته سبعاً وعشرين مرة، في ثماني عشر سورة، وقد وردت على عدة حالات، فأحيانا تفصل قصة هود مع عاد، وأحيانا تعرض لقطات أقصر وأوجز، وأحيانا تكون لقطات سريعة خاطفة، وأحيانا تشير إشارات، أو لا يذكر إلا اسم عاد أو هود عليه السلام. في سورة الأعراف: قال تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ * أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ سورة الأعراف: 65- 72. أخبرت الآيات عن إرسال هود عليه السلام نبيا إلى قوم عاد، حيث دعاهم إلى عبادة الله وحده، ولكن الملا من قومه كذبوه واتهموه بالسفاهة، وقد رد هو على اتهامهم، وأزال شبهاتهم تجاهه، وذكرهم بنعم الله عليهم، وقد طلب قومه منه إيقاع العذاب بهم، فأخبرهم بغضب الله عليهم، وقد قطع الله دابرهم ودمرهم، وأنجى هودا ومن آمن معه. قال تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ * يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ * وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ * قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ * وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ سورة هود: 50- 60. أخبرت الآيات عن إرسال هود إلى عاد، ومطالبته لهم بإفراد الله بالعبادة، وقد أخبرهم بطلبه الأجر من الله وليس منهم، وربط لهم بين الإيمان والرخاء المادي، ولكنهم ردوا عليه بإصرارهم على دينهم الباطل، واتهامه بالسوء والجنون، فواجههم المفاصلة والبراءة منهم، وتحداهم جميعا، وأخبرهم بتوكله على الله، وأنهـم دواب نواصيهم بيد الله، وقد أدى واجبه في تبليغهم، ثم أخبرت الريات عن تدمير عاد، ونجاة هود ومن معه برحمة الله. قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ * إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ * وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ سورة الشعراء: 123- 139. سجلت الآيات دعوة هود عليه السلام لعاد، وتكذيبهم له، وعرضت بعض مظاهر التقدم المادي عندهم، كبناء القصور فوق الجبال، واتخاذ المصانع، وذكرت بطشهم وتجبرهم، وإنكار هود عليهم ذلك، ودعوته لهم إلى تقوى الله وطاعته، وشكره لانعامه عليهم، ولكنهم رفضوا دعوته وكذبوه، فأهلكهم الله وجعلهم آية للناس. قال تعالى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾ سورة فصلت: 15- 16. اختصت الآيتان للحديث عن تعذيب قوم عاد، وتخبرتا أن عادا اعتدوا بقوتهم، واستكبروا في الأرض واستعبدوا الآخرين، ونسوا قوة الله، وقد عذبهم الله بالريح الصرصر في الأيام النحسات. قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ سورة الاحقاف: 21- 25. تخبر الآيات عن مكان إقامة عاد، وهو الأحقاف، وإنذار هود لهم عذاب الله، ودعوته إلى عبادة الله، وتكذيب قومه له، وطلبهم عذاب الله، وتشير إلى قدوم العذاب عليهم في صورة عارض ممطر، ولكنه في الحقيقة ريح مدمرة، دمرت القوم الكافرين المجرمين. قال تعالى: ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ سورة الذاريات: 41- 42. تشير الآية إلى الريح العقيم التي دمرت قوم عاد فجعلتهم كالرميم. قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ * تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ سورة القمر: 18- 22. تخبر الآيات عن تكذيب عاد، وتعذيب الله لهم بالريح الصرصر، التي تركتهم هلكى كأعجاز النخل المنقعر. قال تعالى: ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ﴾ سورة الحاقة: 6- 8. تخبر الآيات عن إهلاك عاد بالريح الصرصر العاتية، التي سخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام متتابعات، فلم تبق منهم باقية. قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾ سورة الفجر: 6- 8. تخبر الآيات عن قوة عاد إرم، التي لم تشابهها قوة آخرين بالبلاد، ومع ذلك دمرها الله. انظر: "قصص القرآن الكريم" فضل عباس (ص 210- 226)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 77)، "القصص القرآني" صلاح الخالدي (1 /217- 221).

ذكره في السنة النبوية

ذُكِر سيدنا هود عليه السلام في أحاديث الرسول ومن ذلك : دعا الرسول بالرحمة لهود عليه السلام. روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : «يرحمنا الله وأخا عاد». أخرجه ابن ماجه (3852). وعن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال : قالَ رَسُولُ اللَّهِ : «رحمة الله علينا وعلى هود وعلى صالح». أخرجه أحمد في المسند (5 /122). وسيلة إهلاك عاد قوم هود. روى عبدالله بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور». أخرجه البخاري (1035)، ومسلم (900). والصبا: ريح تحمل معها الخير والبشرى، وعندما تهب في مواسم الأمطار يكون مطرها مغيثا نافعا، وهي ريح غربية غالبا، وهي ريج بشرى. والدبور: ريح تكون جافة شديدة وهي ريح شرقية غالبا ويتشاءم الناس بها. انظر: "القصص القرآني" صلاح الخالدي (ص 252). قول عاد لما رأوا العذاب. قالت عائشة، زوج النبي ، أنها قالت: كان النبي إذا عصفت الريح، قال: اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به، قالت: وإذا تخيلت السماء، تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت، سري عنه، فعرفت ذلك في وجهه، قالت عائشة: فسألته، فقال: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: ﴿فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا﴾ سورة الأحقاف: 24». أخرجه البخاري (3206)، ومسلم (899)، واللفظ لمسلم. قالت عائشة رضي الله عنها، زوج النبي قالت: ما رأيت رسول الله ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم، قالت: وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف في وجهه، قالت: يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية، فقال: يا عائشة ما يؤمني أن يكون فيه عذاب؟ عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب، فقالوا: هذا عارض ممطرنا». أخرجه البخاري (4828)، ومسلم (899)، واللفظ للبخاري. جعل الله هلاك عاد عبرة ونموذجا صارما للعقاب روى أبو سعيد رضي الله عنه، قال: «بعث علي رضي الله عنه إلى النبي بذهيبة، فقسمها بين الأربعة: الأقرع بن حابس الحنظلي، ثم المجاشعي، وعيينة بن بدر الفزاري، وزيد الطائي، ثم أحد بني نبهان، وعلقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب، فغضبت قريش والأنصار، قالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا، قال: إنما أتألفهم. فأقبل رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كث اللحية محلوق، فقال: اتق الله يا محمد، فقال: من يطع الله إذا عصيت؟ أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنوني، فسأله رجل قتله، - أحسبه خالد بن الوليد - فمنعه، فلما ولى قال: إن من ضئضئ هذا أو: في عقب هذا قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد». أخرجه البخاري (3344)، ومسلم (1064)، واللفظ للبخاري. أتألفهم: أستميل قلوبهم. صناديد: جمع صنديد وهو الرئيس. غائر العينين: المراد أن عينيه داخلتان في محاجرهما لاصقتان بقمر الحدقة، وهو ضد الجحوظ. مشرف: بارز، والوجنتان: العظمان المشرفان على الخدين. ناشز: مرتفع، ناتىء الجبين: النتوء أي أنه يرتفع على ما حوله، محلوق : وهذا سيما الخوارج، السلف كانوا يوفرون شعورهم ولا يحلقونها، وكانت طريقة الخوارج حلق جميع رؤوسهم، قيل إن الرجل هو ذو الخويصرة التميمي. من ضئضئ : المراد به النسل والعقب. يمرقون من الدين: يخرجون من طاعة الإمام. 5. وافد عاد. روى الحارث بن يزيد البكري قال: «خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله فمررت بالربذة، فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها، فقالت لي : يا عبد الله، إن لي إلى رسول الله حاجة، فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله، وإذا راية سوداء تخفق، وبلال متقلد السيف بين يدي رسول الله . فقلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهًا؟ قال: فجلست. قال: فدخل منزله- أو قال رحله- فاستأذنت عليه فأذن لي، فدخلت فسلمت. فقال: هل كان بينكم وبين بني تميم شيء؟ فقلت: نعم. قال: وكانت لنا الدَّبْرَةُ عليهم، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها ، فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب، فأذن لها فدخلت. فقلت: يا رسول الله، إن رأيت أن تجعل بيننا وبين بني تميم حاجزا فاجعل الدهناء فإنها كانت لنا، فحميت العجوز واستوفزت وقالت: يا رسول الله فإلى أين يضطر مضرك؟قال: فقلت: إنما مثلي ما قال الأول: مِعْزَاةُ حَمَلَتْ حَتْفَهَا، حملت هذه، ولا أشعر أنها كانت لي خصما، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد. قال: هيه، وما وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث منه ولكن يَسْتَطْعِمُهُ، قلت: إن عادا قحطوا فبعثوا وافدا لهم يقال له قَيْلٌ، فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر، وتغنيه جاريتان يقال لهما : الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج جبال تهامة، فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه، فمرت به سحابات سود، فنودي منها : اختر فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي منها: خذها رمادا رمددا، لا تبق من عاد أحدا، قال : فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح إلا قدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا. قال أبو وائل : وصدق، وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافدا لهم. قالوا: لا تكن كوافد عاد». أخرجه الترمذي مختصرا جدا (3274)، وأحمد في المسند بطوله (15954) واللفظ له، وقال الشيخ شعيب في تخريجه على مسند أحمد: إسناده حسن. الربذة: قرية معروفة قرب المدينة بها قبر أبي ذر الغفاري. منقطع بها : ليس معها من يرافقها في السفر. يريد أن يوجه عمرو بن العاص وجهًا: قال الحافظ في "الإصابة" كان أيام بعث رسول الله عمرو بن العاص في غزوة السلاسل. الدبرة عليهم: والقائل هو الحارث بن زيد، ويعني: الغلبة والنصر والظفر. الدهناء: موضع معروف ببلاد تميم، وكانت خصومتهم على حدود أملاكهم. معزى حملت حتفها: هذا مثل يقال لمن تسبب في أمر كان في ضرورة وهو لا يشعر. هيه: بمعنى إيه من الهمزة هاء، وايه اسم سمي به الفعل، ومعناه الأمر تقول للرجل: إيهٍ، بغير تنوين إذا استزدته من الحديث المعهود بينكما. القائل وهو أعلم بالحديث منه: الراوي عن الحارث، ومعناه أن النبي ، أعلم بقصة وافد عاد من الحارث، ولكن يستطعمه أي يذيقه طعم حديثه. رمادًا رمددًا: أي هلاكًا بالنار، والرمد بالكسر: المتناهي في الاحتراق والدقة كما يقال ليل أليل، ويوم أيوم، إذا أرادوا المبالغة. انظر: "الأحاديث الصحيحة من أخبار وقصص الأنبياء" إبراهيم العلي (ص 45- 47).

قصصه

قصة نبي الله هود عليه السلام مع قومه وإهَلاك الله قوم عاد.

بَعدَ أن كَذَّب عاد أخاهم هودًا عليه السلام، وأصرّوا على كُفرهم وعنادهم دعا هودَ الله عليهم، وطلبَ من الله أن ينصره، فاخبره الله ان العذاب قادم إليهم وعن قريب يهلكون ويندمون. قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39) قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾ سورة المؤمنون: 39- 40 فقدَّرَ الله عز وجل ان يهلكهم بالريح الصرصر العاتية، التي سَخررها الله عليهم في أيامٍ نِحسات، وكانت سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ متتابعة، وكانت هذه الريح الشديدة عليهم بعد الصيجة الذي سبقتها. وقد عَذَّب الله عاد على مرحلتين : الأولى: الصيحة، وهي صيحة أخذتهم فجأة، ولمّا أهلكهم الله بها ضَعِفوا فأصبحوا كغثاء السيل. قال تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً ۚ فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ سورة المؤمنون: 41. أي صاروا غثاء كغثاء السيل وهو ما يحمله السيل معه من النبات اليابس والقذر، لا خير فيهم ولا يعتد بهم. ثم المرحلة الثانية: وهي ريحَ صرصرٍ عاتية. وفي تفصيل ذلك أنَّ الله تعالى حبَس المطر عنهم، فأصابهم جفاف وقحط، وكانوا متلهفين بالماء، فأراهم الله سحابة ظَنوا أنها ماطرة، لكنها كانت العذاب الذي وعدهم به هود عليه السلام، ثم جاء الله بريحٍ تُسمى الدبور، وهي تحملُ معها البؤسَ والنَحس حتى تحمل معها السحاب، فَخُدعت عاد بما ظَنت أن السحاب نافعٌ لها، وكانت هذه الريح مدمرة شديدة، فَعَجزوا حتى أصبحوا كالرميم، وكأعجاز النخل المنقطع من مكانه. والعارض هو السحاب. والريح العقيم هي الدبور الشرقية، وسمي بالعقيم للمبالغة في بيان ما تحمله من دمار وهلاك، وهي بدون غيث أو مطر وبدون نفع وبشرى، وهي ريج نحسة. الريح الصرصر: الريح الباردة شديدة البرودة. والعاتية: للمبالغة والشدة في هبوبها وسرعتها واستمرارها. والحسوم المتتابعة، والحسم هو القطع وإزالة الأثر، فهي حسمت الخير وقطعته عن قوم عاد. والرميم هي العظام البالية، أي جعلت الريح كل كافر كالحطام المدروس البالي والورق المفتوت المطحون. و أعجاز النخل: هي أوائلها مما يلي الأرض، المنقعر: وقعر الشيء أسفله، وهي القلع والقطع والانقعار. قال ابن كثير: «لا يمنع من اجتماع الصيحة والريح العاتية عليهم، كما سيأتي في قصة أهل مدين أصحاب الأيكة، فإنه اجتمع عليهم أنواع من العقوبات». "قصص الأنبياء" لابن كثير (1 /126). انظر: "القصص القرآني" صلاح الخالدي (1 /248- 261).

نبوته

هود عليه السلام نبيٌ من أنبياء الله عزّ وجلّ، ودليل ذلك أنَّ الله تعالى أرسلهُ لقومه عاد، وأخبرهم أنَّهُ رسولٌ من الله. قال تعالى ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾ سورة الأعراف: 67-68. وقوله أنّهُ رسولٌ أمين، وأنَّه جاء ليدعوهم لله تعالى. قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ سورة الشعراء : 124-125.

دعوته

هود عليه السلام أَخو عاد، فهوَ واحدٌ منهم، لأنَ اللهَ عزّ وجلّ يختارُ الأنبياء من أشرف بيتٍ من بيوت أقوامهم، بعثَه الله عز وجل رسولًا إلى عاد، لِيُبَلِّغهم رسالَتَه، وَيَدعوهم إلى الله، فبدأ هود عليه السلام دعوته بالتقرب والتَحبب اليهم، وكان يدعوهم بأسلوبٍ حَسن رفيق لين، ليرقق قلوبهم للإيمان، ولأنهم قومه وعشرته، ثم نصحهم ووجههم، ثم ذَكّرَهم بنعم الله تعالى عليهم، وسننه في الأقوام الذين لم يتبعوا نهجه، وبينَ لهم أثرَ الإيمان بالله وطاعته، ورغبهم بالخير عن طريق الاستغفار والتوبة، ثم اتبع أسلوب الترهيب بعد الترغيب، إلا انه لم يفلح معهم، ولَمْ يَستجب قومُه لدعوة أخيهم هود عليه السلام، إنما كَفروا به وكذبوه وأصرّوا على كُفرهِم، واتهموه بالسفه والجنون والكذب، وتمسكوا بما كان عليه آباؤهم وأجدادهم، وأنكروا البعث، وعاندوا وكابروا. ردَّ هود عليه السلام على شُبهات قومه، وَلم يبق أمامَه إلا إعلان البراءة منهم، وتحديهم لإظهار الحق، وتبيين ضلالاتهم ومواجهَتِهم. وكان موقف هود هو الثبات والقوة، وقال لهم : كيدوني جميعًا وامكروا بي، فلن أهتم لأني توكلت على الله. فكان قوم عاد يستعجلون العذاب، وبعدما أصرّوا على كُفرهم، دعا الله عليهم وطلب أن ينصره، فاجاب الله دعوته، وارسل عليهم الريح الصرصر العاتية، وذلم بعد أن حبَس الله عنهم المطر، وأرسلَ لهم سحابًا ظنّوا أنه مطر، وأرسلَ ريحًا جافة يتشاءَم بها الناس فَعذَّبهم الله وعاقبهم على كُفرهم، وأما هود عليه السلام وقليل ممن آمن مَعه نَجاهم الله. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 78- 92)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (1 /239- 247).

دروس وعِبَر

يستفاد من قصة هود أن اتخاذ المباني الضخمة للفخر والخيلاء والزية وقهر العباد من الأمور المذمومة الموروثة عن الأمم الطاغية وانها سبب للهلاك، وأن العقول والاذهان والذكاء وما يتبع ذلك من القوة المادية وإن عظمت وبلغت مبلغا هائلا فإنها لا تنفع صاحبها إلا إذا قارنها الإيمان بالله ورسوله، وأن عاقبة الغرور وخيمة، وأن الصبر واللين في الدعوة مطلوبة، وأن الريح جند من جنود الله عذب به أقواما، وبيان أهمية التوكل على الله. انظر: "مصابيح الضياء" للسعدي (ص 18)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 92- 93).