البحث

عبارات مقترحة:

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

التواب

التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

يوسف عليه السلام

يوسف عليه السلام نبيٌ من أنبياء الله عزّ وجلّ الكرام، وهو ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، كان يوسف عليه السلام حَسن الخَلقِ والخُلق، وأحبه أبوه يعقوب عليه السلام حبًا شديدًا، لِحسن أخلاقه وكرمه، وكان صابرًا على ما ابتلي به عفيفًا كريمًا، ذُكرت قصة يوسف عليه السلام في سورة كاملة، وسمي باسمه.

اسمه ونسبه

يوسف عليه السلام هو ا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ابن آزر، فهو أحد أبناء يعقوب الاثني عشر، الذين لم يذكر الله عز وجل إلا اسم واحد منهم، وهو يوسف. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /73).

معنى الاسم لغة

يوسف : اسمُ علمٍ أعجمي، وهو ليسَ عربيًا ولا مُشتقًا، فلا يُبْحَث عن مادة اشتقاقه، ولا عن معناه في العربية. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /73).

ذكره في القرآن الكريم

ورد ذكر يوسف عليه السلام في القرآن سبعًا وعشرين مرة، في المواضع التالية: خمس وعشرين مرة في سورة يوسف. ابتدأت السورة بذكر رؤيا رآه يوسف عليه السلام وهو صغير، ثم تابعت بذكر مرحلة المحن والابتلاءات التي مر بها، فكانت محنته أولا وهو يواجه كيد وتآمر إخوته عليه، حيث وضعوه في البئر، وكان محنته ثانيا أثناء إقامته في قصر عزيز مصر، عبداً رقيقاً، وتوجه امرأة العزيز إليه بالمراودة والإغراء، والدعوة الصريحة إلى الفاحشة، وكان محنته ثالثا في إدخاله السجن بضع سنين ظلماً، حيث سجنوه بعدما ثبتت لهم براءته، ثم انتقلت إلى مرحلة التمكين والإنعام، بإخراجه من السجن، وإكرام الملك له، وتوليه أمور مصر وخزائن الأرض في السنوات الخمس عشر القادمة، وجعله عزيز مصر، ثم مشاهد من تعامله مع إخوانه، وهجرة جميع أفراد أسرته من الأرض المقدسة إلى مصر، ثم اختتمت السورة بذكر تأويل رؤياه في عالم الواقع. ومن هذه الآيات قول الله تعالى وهو يقص لنا محنته في السجن: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ * وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِ نَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ * وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ * وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ * وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ سورة يوسف: 35- 57. ومرة في سورة الأنعام ضمن مجموعة من الأنبياء. قال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ سورة الأنعام: 84. ومرة في سورة غافر في قصة مؤمن آل فرعون، حيث ذكر قومه بيوسف الذي حكمهم فترة من الزمن حتى انتظروا موته. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾ سورة غافر : 34. انظر: "قصص القرآن الكريم" لفضل عباس (ص 379- 450)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /74- 88).

ذكره في السنة النبوية

ورد ذكر اسم يوسف عليه السلام في السنة النبوية، ومن ذلك: يوسف عليه السلام كريم من سلالة مباركة عريقة في الكرم. روى ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي قال: «الكريم ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام». أخرجه البخاري (3390). وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: «قيل يا رسول الله: من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم. فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فيوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله. قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألون؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا». أخرجه البخاري (3353)، ومسلم (2378). يوسف عليه السلام خيار وهو ابن الأخيار. روى علي بن رباح قال: «استأذن رجل على عمر رضي الله عنه، فقال: استأذنوا لابن الأخيار، فقال عمر رضي الله عنه: ائذنوا له. فلما دخل قال له عمر: من أنت؟ قال: أنا فلان، ابن فلان، ابن فلان، قال: فجعل يعد رجالا من أشراف الجاهلية فقال له عمر: " أنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم؟ قال: لا. قال: ذاك ابن الأخيار، وأنت ابن الأشرار، إنما تعد علي رجال أهل النار». أخرجه الحاكم (3326)، وقال فيه: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وعلي بن رباح تابعي كبير»، ووافقه الذهبي. مقام يوسف عليه السلام في السماء السابعة. روى أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما، أن نبي الله حدثهم عن ليلة أسري به: «... ثم صعد بي إلى السماء الثالثة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح… الحديث». أخرجه البخاري (3887)، ومسلم (162)، واللفظ للبخاري. شاهد يوسف عليه السلام الذي تكلم. روى ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : «لما كانت الليلة التي أسري بي فيها، أتت عليّ رائحة طيبة، فقلت: يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها. قال: قلت: وما شأنها؟ قال: بينا هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم، إذ سقطت المدرى من يديها، فقالت: بسم الله. فقالت لها ابنة فرعون: أبي؟ قالت: لا، ولكن ربي ورب أبيك الله. قالت: أخبره بذلك قالت: نعم. فأخبرته فدعاها، فقال: يا فلانة، وإن لك ربا غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله. فأمر ببقرة من نحاس فأحميت، ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها، قالت له: إن لي إليك حاجة. قال: وما حاجتك؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد، وتدفننا. قال: ذلك لك علينا من الحق. قال: فأمر بأولادها فألقوا بين يديها، واحدا واحدا، إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع، كأنها تقاعست من أجله، قال: يا أمه، اقتحمي، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فاقتحمت، قال: قال ابن عباس: تكلم أربعة صغار: عيسى ابن مريم عليه السلام، وصاحب جريج، وشاهد يوسف، وابن ماشطة ابنة فرعون». أخرجه أحمد (2821)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على المسند: «إسناده حسن، فقد سمع حماد بن سلمة من عطاء بن السائب قبل الاختلاط عند جمع من الأئمة، وأبو عمر الضرير: اسمه حفص بن عمر البصري روى له أبو داود، وهو صدوق، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح». قول النبي إنكن صواحب يوسف. روت عائشة رضي الله عنها، قالت: «لما مرض النبي مرضه الذي مات فيه أتاه بلال يوذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر فليصل، قلت: إن أبا بكر رجل أسيف إن يقم مقامك يبكي، فلا يقدر على القراءة، فقال: مروا أبا بكر فليصل، فقلت: مثله، فقال في الثالثة أو الرابعة: إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل، فصلى وخرج النبي يهادى بين رجلين كأني أنظر إليه يخط برجليه الأرض، فلما رآه أبو بكر ذهب يتأخر، فأشار إليه أن صل، فتأخر أبو بكر رضي الله عنه، وقعد النبي إلى جنبه، وأبو بكر يسمع الناس التكبير». أخرجه البخاري (712)، ومسلم (418)، واللفظ للبخاري. فراسة العزيز في يوسف عليه السلام. قال عبد الله رضي الله عنه: «إن أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرس في يوسف، فقال لامرأته: أكرمي مثواه، والمرأة التي رأت موسى عليه السلام، فقالت لأبيها: يا أبت استأجره، وأبو بكر حين استخلف عمر رضي الله عنهما». أخرجه الحاكم (4509)، وقال فيه: «فرضي الله عن ابن مسعود، لقد أحسن في الجمع بينهم بهذا الإسناد صحيح»، وعلق الذهبي عليه في التلخيص بأنه صحيح. شدة السنين التي مرت على يوسف عليه السلام. روى أبي هريرة رضي الله عنه: «أن النبي كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة، يقول: اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف». أخرجه البخاري (1006)، ومسلم (675)، واللفظ للبخاري. قال مسروق: «كنا عند عبد الله فقال: إن النبي لما رأى من الناس إدبارا، قال: اللهم سبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنة حصت كل شيء، حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف، وينظر أحدهم إلى السماء، فيرى الدخان من الجوع، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمد، إنك تأمر بطاعة الله، وبصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، قال الله تعالى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ الدخان: 10 إلى قوله ﴿إِنَّكُمْ عَائِدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى، إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾ الدخان: 16. فالبطشة: يوم بدر، وقد مضت الدخان والبطشة واللزام وآية الروم». أخرجه البخاري (1007)، ومسلم (2798)، واللفظ للبخاري. انظر: "الأحاديث الصحيحة من أخبار وقصص الأنبياء" لإبراهيم العلي (ص 106- 114).

صفته الخَلْقِية

كانَ يوسف عليه السلام من أنبه إخوته وأذكاهم وأجملهم، فكان جميلَ الخَلقِ والخُلق، وقد خلقه الله في أبهى صورة، حتى قالت عنه النساء عندما رأينَهُ ﴿ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ [ يوسف : 31]. وفي حديث المعراج رأى رسول الله يوسف عليه السلام في السماء الثالثة، وقال أنّه قد أُعطي نصفَ الحُسن. روى أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله قال: «… فإذا أنا بيوسف ، إذا هو قد أعطي شطر الحسن… الحديث». أخرجه البخاري (3887)، ومسلم (162)، واللفظ للبخاري. وفي لفظ أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله قال: «أُعطي يوسف شطر الحُسن». أخرجه أحمد (14050)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على المسند: «إسناده صحيح على شرط مسلم». وفي لفظ الحاكم: قال رسول الله : «أعطي يوسف وأمه شطر الحسن». أخرجه الحاكم (4082)، وقال فيه: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي.

صفته الخُلُقيَّة

ذَكر الله تعالى في قصة يوسف عليه السلام الكثير من الصفات التي اتصف بها، ومن ذلك: الصبر، تَعرضَ يوسف عليه السلام للعديد من المِحَن ومنها كيد إخوته منه، ومحاولة امرأة العزيز من الإيقاع به، وإدخاله السجن ظلمًا، ولكن كان سيدنا يوسف عليه السلام شديد الصبر على المصائب. حتى امتدح رسول الله ثصره، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول اللَّه قال: «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِ﴾ سورة البقرة: 260، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي». أخرجه البخاري (3372)، ومسلم (151). العلم والحكمة، آتى الله يوسف عليه السلام العلم والحكمة، قال تعالى ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ سورة يوسف : 22. العفو عند المقدرة والتسامح، فقد سامحَ يوسف عليه السلام إخوته بالرغم مما فعلوه به في صِغره، ومحاولتهم لقتله، لأنه عفوٌ كَريم. الكرم، وهو من سلالة عريقة في الكرم. روى ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي قال: «الكريم ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام». أخرجه البخاري (3390). وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: «قيل يا رسول الله: من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم. فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فيوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله. قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألون؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا». أخرجه البخاري (3353)، ومسلم (2378). يوسف عليه السلام من الخيار، وهو ابن الأخيار. روى علي بن رباح قال: «استأذن رجل على عمر رضي الله عنه، فقال: استأذنوا لابن الأخيار، فقال عمر رضي الله عنه: ائذنوا له. فلما دخل قال له عمر: من أنت؟ قال: أنا فلان، ابن فلان، ابن فلان، قال: فجعل يعد رجالا من أشراف الجاهلية فقال له عمر: " أنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم؟ قال: لا. قال: ذاك ابن الأخيار، وأنت ابن الأشرار، إنما تعد علي رجال أهل النار». أخرجه الحاكم (3326)، وقال فيه: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وعلي بن رباح تابعي كبير»، ووافقه الذهبي. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /89).

قصصه

قصة يوسف عليه السلام في الصغر وتآمر إخوته عليه.

رأى يوسف عليه السلام في رؤيته أحدَ عَشر كوكبًا والشمس والقمر له ساجدين، وهي رؤية عجيبة، فأخبر والده بها، وطلب منه والده ألّا يُخبر إخوته حتى لا يكيدوا له، وعلم يعقوب عليه السلام أنّ الله يعدّ لابنه يوسف لأمر عظيم. قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ سورة يوسف: 4- 6. كانَ إخوة يوسف حاقدين من حُب والدهم لأخيهم يوسف عليه السلام، فيوسف كانَ نموذجًا للطفل الحَسن، فجلسوا يبحثون في مسألة بخصوص أخيهم، إما قتله أو طرحه أرضًا، فقرروا إلقائه في قعرٍ بئر مظلم، وذهبوا إلى أبيهم يعقوب عليه السلام وطلبوا منه أن يخرج يوسف عليه السلام ليلعب معهم، واستسلم يعقوب لهم مُكرهًا، وأخذوا أخاهم. قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ سورة يوسف: 7- 14. وبعد خروجهم مع يوسف عليه السلام نفذ الإخوة مؤامرتهم، واختاروا بئرًا بعيدًا ووضعوا يوسف عليه السلام فيه، وقد أدرك يوسف عليه السلام عناية الله وهو في البئر، وفتح الله عليه بصيصًا من الأمل والفرج والنور، وأوحى إليه أنه سيخبرهم بفعلتهم هذا وهم على غير ميعاد، ثم جاء الإخوة عشية يبكون، وكذبوا على أبيهم بأنَّ ذئبِا قد أكل يوسف عليه السلام، وجاءوا إليه بدمٍ كذبٍ على قميصه، وما كانَ من يعقوب عليه السلام إلا أن يصبِرَ على مصيبته، فأمضى عمره وهو مع أبنائه المتآمرين، وكله حزنٌ على فقدان يوسف عليه السلام. قال تعالى: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ سورة يوسف: 15- 18. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /89- 104)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 184- 192).

قصة يوسف عليه السلام وهو عبد رقيق في مصر.

ذهب الأخوة الى أبيهم يعقوب وتركوا يوسف في غيابت الجب وكانت على طريق القوافل بين الشام ومصر، فجاءت ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ﴾ قافلة وكان لها طليعة متقدمة ترد الماء، وتهيئ مكان النزول، فأرسلوا واردهم، فلما رأى يوسف الدلو نازلاً تعلق به يريد التخلص مما هو فيه، فلما خرج من البئر ورآه الوارد تفاجأ بهذا الغلام الخارج من البئر واستبشر به، ثم اتفقوا فيما على أخذه معهم إلى مصر لبيعه واقتسام ثمنه، ثم باعوه عبدا رقيقا بثمن بخس. قال تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ﴾ سورة يوسف: 19- 20. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /105- 110)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 192- 193).

قصة يوسف عليه السلام في بيت عزيز مصر وإغراء امرأة العزيز ومراودتها له.

كان الذي اشترى يوسف عليه السلام من أهل القافلة عزيز مصر فقدم به على امرأته، وتوسم به خيرا، ووصاها بأن تكرمه، وقد مكن الله ليوسف وهيأ له أن يعيش في بيت مسؤول كبير فيها، فقد رتب الله له مستقبلا واعد له مهمة. قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ سورة يوسف: 21. ومضت السنوات ويوسف عليه السلام في بيت العزيز، حتى صار شابا جلدا قويا، وحتى بلغ أشده، ونضجت شخصيته، واستقام كيانه، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ سورة يوسف: 22. فابتلي بمحنة عجيبة، فقد راودته امراة العزيز عن نفسه، وهيأت المكان، فغلقت الأبواب، ودعته إليها دعوة صريحة جريئة جاهرة، وقالت: ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ أي هلم وأقبل وتعال، لكن يوسف ترفع عنها وأبى، وقال ﴿مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾، ولجأ إلى الله واستعان واستعصم به، وقد كان الله عند حسن ظنه فأعانه وأعاذه وحفظه وعصمه، فتوجه نحو الباب ليخرج وينجو من مكرها، ولكن الباب مغلق، فقد سبق أن أغلقت هي الأبواب حتى لا يهرب معشوقها، وحتى لا يفاجئها أحد، وكانت تلاحقه إلى الباب لتمسك به وتعيده، فلم يبق أمامها إلا أن جذبته من قميصه وهو أمامها، فمزقته من الخلف، وهكذا وصلا الباب، وهنا كانت المفاجأة لها، أن جاء زوجها في غير ميعاد، فوجدهما على هذا الحال، فما كان منها إلا أن اتهمت يوسف، واقترحت له عقوبة مناسبة، فما كان من يوسف إلا أن قال الحقيقة ودافع عن نفسه، ووقع العزيز في الحيرة، فاستشار حكما من أهلها، فكان الشاهد حكيما فطنا أخبرهم أن ينظروا إلى قميص يوسف من أين تم تمزيقه يتبين لكم الحقيقة، فلما راى العزيز ذلك علم بالامر، وخشي أن يذيع الخبر أو تتأثر منزلته أو وظيفته، فنصح يوسف بأن ينسى التي حصل ولامراته بأن تستغفر، واغلق الموضوع. ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ سورة يوسف: 23- 29. بقي يوسف عليه السلام في بيت العزيز، وانتشرت القصة، فتناقلها الرجال والنساء والخدم إلى باقي قصور الأمراء والمسؤولين، ثم انتقلت إلى بيوت المدينة وشوارعها، وصارت حديث الناس فيها، وصارت ألسنة نساء المدينة تتناقل الحكاية، وقد استنكرت نسوة المدينة مراودة امرأة العزيز لفتاها عن نفسه، واستنكرت تدني نظرة المرأة بحيث نزلت إلى فتاها خادمها، ولهذا هي في ضلال مبين. ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ سورة يوسف: 30. علمت امرأة العزيز ما يقال عنها وعن فتاها يوسف، فلم ترعو ولم تتراجع ولم تنكر، وإنما قامت بمكر جديد، أرادت أن تبرز نسوة المدينة مراودتها لفتاها، وأن تبين لهن صواب حبها له، وأنها لم تضل ولم تخطئ عندما أحبته وعشقته، دعتهن إلى حفلة في بيتها، فيها ما فيها من اللهو والمرح، والمآكل والمشارب، هيأت لهن الفرش والمساند والبسط، وهكذا انهمكن النسوة في الأكل والملذات، وانشغلن باستعمال السكاكين في التقشير والتقطيع، وفجأة أمرت المرأة فتاها يوسف بالخروج عليهن، ففوجئن به، وبهرتهن طلعته، وسحرهن جماله، ودهشن منه وله، ونسين أنفسهن وقطعن أيديهن بسكاكينهن، وهن لا يشعرن بألم الجراح أو نزف الدماء، ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ سورة يوسف: 31. فانتصرت امرأة العزيز عليهن، وعبرت عن زهوها وانتصارها ﴿فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ سورة يوسف: 32 بدون تحرج أو حياء، وأخبرت النساء بأن يوسف إن أصر على موقفه المترفع ليس أمامه إلا طريقان لا ثالث لهما: ﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ سورة يوسف: 32. التجأ يوسف يطلب من الله صرف كيدهن عنه، فاستجاب الله له، واخرجه من هذا الجو الموبوء فحشا، وانقذه عفيفا طاهرا سالما، ثم إن كان البديل هو السجن فليكن: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ﴾ سورة يوسف: 33- 35. انظر: "قصص القرآن الكريم" لفضل عباس (ص 379- 417)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /110- 138)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 194- 213).

قصة يوسف عليه السلام في السجن وخروجه منها

دَخل يوسف عليه السلام السجن مظلومًا بالرغم من براءته وعفته وطهارته، فبعد محاولة امرأة العزيز فتنة يوسف عليه السلام وإغراءه والوقوع في الفاحشة، قامت بتخييره بين الفاحشة والسجن، واختار يوسف عليه السلام السجن على أن لا يقع في معصية لله تعالى. ﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ﴾ سورة يوسف: 32- 35. وقَدْ مرَّ يوسف عليه السلام بمحن ومصائب كثيرة، بدايةً من كيد إخوته له، ومحنة الاسترقاق في بيت عزيز مَصر، ومحنة مراودة امرأة العزيز، والكثير من المصائب، فأعانه الله تعالى على الانتصار عليها. وكان مع يوسف عليه السلام في السجن سجينان آخران، وقد ارتاحا له، ورأى كلٌ منهما رؤيا فقصوها على يوسف عليه السلام، وفسَّر يوسف عليه السلام لهما الرؤيا بعد أن قدّم نَفسه وقدَّم عقيدته لَهما، وقد صُلب أحدهما وأُفرج عن الآخر وعاد لخدمة المَلك. ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾ سورة يوسف: 36- 41. ورأى المَلِكُ رؤيا أزعجته، فطلب ممن حوله أن يفسروها، وأخبر الرجل الذي يخدم الملك عن يوسف عليه السلام وكيف فسرَ رؤياه، فطلب منه لقائه، وفسَّر يوسف عليه السلام رؤيا المَلك، وأُعجب بتفسيره، واشترطَ يوسف عليه السلام أن تُعادَ مُحاكمته من جديد، وأعيدت محاكمته، واعترفت امرأة العزيز والنساء ببراءة يوسف عليه السلام، ثمَّ خرج يوسف عليه السلام من السجن. قال تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ * وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ سورة يوسف: 43- 53. انظر: "قصص القرآن الكريم" لفضل عباس (ص 417- 428)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /138- 176)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 213- 231).

يوسف عليه السلام عزيزًا لمصر

بعد أن خرج يوسف عليه السلام من السجن كلّمه الملك، وتأكد منه أنه أهل للتكريم والتفضيل، فقد أعجبه كلامه وعلمه وتاويله وتفسيره للامور، واخبره بانه في مقام امين واطمئنان، وانه ممكن من الحرية والمسؤولية، فحينئذ طلب منه يوسف أن يكونَ عزيزًا لمصر ومسؤولًا معه على ادارة الخزائن والاقتصاد، ووافق الملك على ذلك، ليُقدم خدمة للناس، وليحسن إدارة أمور البلاد الاقتصادية والمالية، فكانَ يوسف هو الحاكم الفعلي في مصر، كان صاحبَ الكلمة والتصرف، ومكَّن الله يوسف تمكينين، الأول استقراره في بيتِ العزيز، والثاني أنّه أصبح عَزيزَ مَصر. واستطاع المصريون بحكم يوسف تنشيط الزراعة وإنهاء الفقر والجوع الذي أصابهم، فكان يوسف عليه السلام قد أدار البلاد في سنوات الخصب والرخاء السبعة، ثم اقبلت سنوات القحط والجدب السبعة وهو عزيز مصر، فقام بخطته في الإنقاذ. قال تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ سورة يوسف: 54- 57. انظر: "قصص القرآن الكريم" لفضل عباس (ص 428- 432)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /176- 185)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 231- 233).

قصة يوسف عليه السلام مع إخوته

كان القحط في سنوات المجاعة السبعة قد أصاب البلاد المجاورة لمصر، فقَدِمَ إخوة يوسف عليه السلام من فلسطين إلى مصر، وطلبوا منه الطعام، فلما رآهم عرِفَهم، ولكن هم لم يعرفوه، ولكن يوسف تعاملَ معهم بأخلاق النبوة، وعرَف يوسف أن لهم أخٌ صغيرٌ وأرادَ رؤيته، فأعطاهم الحبوب مقابل إحضار أخيهم، وحتى يضمن يوسف عودتهم أغراهم، فأعاد معهم بضاعتهم ضمن ما حملهم من الحبوب. ﴿وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ * وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ * فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ * قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ * وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ سورة يوسف: 58- 62. ولما عاد الأخوة إلى أبيهم خافوا ألا يوافق أبوهم على إحضار أخاهم معهم ليوسف، لأنه لا يأتمنهم، فطلبوا من أبيهم إحضارَه، لكنَ يعقوب خافَ أن يأمنهم عليه كما أمنهم على يوسف ففقده، ثم بعدَ أن أروه الحبوب وافق على أن يأخذوه بشرط الأيمان الموثقة المغلظة، ونصحهم بأن يدخلوا في أبواب متفرقة. قال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ * قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ * وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ سورة يوسف: 63- 68. فلما دخل الإخوة مصر أحسن يوسف عليه السلام استقبالهم، ثم أخذ يوسف أخاه الصغير لوحده، وأخبره بأنَّه أخوه، وأخبره بما فعل به إخوته من قبل. قال تعالى: ﴿وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ سورة يوسف: 69. ثم قام سيدنا يوسف بوضع السقاية في رحل أخيه الصغير دون أن يعلم أَحد، فتهيأ الإخوة للعودة وحملوا جمالهم احمالها، ثم فَقَدَ غلمان العزيز السقاية، فلحقوا بإخوة العزيز ليبحثوا عنها، وفوجئ إخوة العزيز باتهامهم، وحلفوا اليمين أنهم لم يسرقوا، فاوعز يوسف فلمانه ليشالوهم ﴿فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ﴾ فاتفقوا على ان يعاقبوا السارق على شريعتهم في عقوبة السرقة، ﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ ففتشهم يوسف عليه السلام، فوجد الإخوة أن يوسف عليه السلام وجد السقاية في رحل الأخ الصغير، فلم يعرفوا ماذا يقولوا للعزيز فاتَّهموا أخًا لَه سابق بأنَّه أيضا سَرقَ من قَبل، وهم يعنون يوسف نفسه، ففوجئ باتهمامهم يوسف، لكن طظم غيظه واسرها في نفسه، تذكر الاخوة عهودهم ومواثيقهم لابيهم، فحاولوا مع عزيز مصر كل المحاولة واسترحموه واستعطفوه، وعرضوا عليه أن يطلق سراحه وياخذ مكانه اخر، ولكن يوسف رفض، وأصر على أخذ من وجدَ عندَهُ السقاية وهو الأخ الصغير، فرحلوا وتشاوروا فيما بينَهُم، فكان من رأي أخيهم الكبير أن يبقى هو في أرض مصر لا يغادرها، حتى يأتيه الإذن من أبيه أو الحكم والفرج من الله فيما هم فيه من هذا الكرب، وأشار على إخوته التسعةٌ أن يعودوا إلى أبيهم ويخبروه بما حصل. قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ * قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ * قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ * قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ * فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾ سورة يوسف: 71- 81. فلما عاد الإخوة أخبروا أباهم بسرقة أخيهم، وأشهدوا على أنفسهم أنه ما كان بتفريط منهم، فلما علم يعقوب بما حصل حزن وضعف بصره، فشكا بثه وحزنه لله. قال تعالى: ﴿ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ سورة يوسف: 81- 86. أعلن يعقوب عليه السلام لهم يقينه بوجود يوسف وأخيه، وصارحهم بالبحث عن يوسف وملأهم أملا باللقاء به. قال تعالى: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ سورة يوسف: 87. فعادَ الإخوة إلى مصر يبحثون عن يوسف وأخوه، فحزن يوسف عليه السلام على حالهم وحزنهم، فقال لهم ليذكرهم بنفسه: هل تعلمون ما فعلتم بيوسف وأخيه وأنتم جاهلون؟ ثم دققوا بملامح يوسف، فعرفوا أنه أخيهم، وصفحَ عنهم يوسف بعد اعترافهم بخطئهم. قال تعالى: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ * قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ سورة يوسف: 88- 92. ثم أمر يوسف بأن يأخذ إخوته قميصه ويلقونه لأبيهم حتى يعود نظره أقوى، وحدثت معجزة بأن عادَ نظره بقوة، وسامح يعقوب عليه السلام أبناءه بعد أن اعتذروا له. قال تعالى: ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ * وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ سورة يوسف: 93- 98. وأتى يعقوب وأبناءه من فلسطين إلى مصر بطلب من يوسف عليه السلام القدوم عليه، وفرح يعقوب للقاء يوسف وأخيه عليهم السلام، وأكرم يوسف أباه وأمه، فرفعهما وأجلسهما على عرش الملك وكرسي الوزارة، بينما وقف إخوته أمامه، وخرّ الجميع ساجدين له، وأخبرَ يوسف أباه عن كل ما حصل له من حكمة الله، واستقرَ هو وعائلته في مصر، ودعا الله يوسف عليه السلام وشكره وحمده. قال تعالى: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ * وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ * وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ سورة يوسف: 99- 104. انظر: "قصص القرآن الكريم" لفضل عباس (ص 432- 447)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /185- 245)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 233- 247).

نبوته

يوسف عليه السلام نبيٌ من أنبياء الله عزّ وجلّ، والراجح أنه هو النبي الوحيد بين إخوته. قال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ سورة الأنعام 84. وقال تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ سورة يوسف : 22، وأجمع العلماء على أنَّ الحكمة والعلم هي نبوة في حق يوسف عليه السلام. انظر: "تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء" لابن خمير (ص 44)، "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /251).

دعوته

دعا يوسف عليه السلام المصريين إلى عبادة الله وتوحيده، ولم يستجب مع يوسف عليه السلام إلا قليلٌ منهم. ولم يتجاوبوا معه. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾ سورة غافر: 34، وسكتوا عنه لأنه كانَ في منصبٍ عالٍ، وانتظروا وفاته بفارغ الصبر ليعودوا لكفرهم.

توجيه مواقف مشكلة

الموقف الأول: وردتَ شبهة حول نبي الله يوسف عليه السلام ، واتخذها البَعض أداةً للطعن في عصمته، لكن وُجِب الردُّ عليها، فقالوا أنَّ يوسف عليه السلام همَّ بامرأة العزيز وهمّت به. ولكن يجب التأكيد على أنَّ يوسف عليه السلام كانَ نبيًا قبل المراودة والهمّ، وذلك لأنه لو لم تثبت نبوته قبل ذلك لم تهتم الأمة بذكر همّه. قال تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [ يوسف : 22]، وهنا قال العلماء: إن الحكمة والعلم هي النبوة، ثم قال بعد العلم والحكم: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ [ يوسف: 23]. فأما همَّ الأول فيجب أن نعلم أن الهمَّ لغة هو الإرادة لا غير، فإذا سُمِّي الفعلُ همًّا فهو مجاز من باب تسمية الشيء باسم شيءٍ قاربَه، فالهمّ الحقيقي مكانه القلب، وهو غير محسوس، فقد همَّ في باطنه، فأخبرَ أنَّه همَّ ولم يفعل، فيوسف عليه السلام بريءٌ مِن هذه الشبهات، والإجماع منعقد على عصمة بواطن الأنبياء من كل خاطر وقع فيه النهي. أما تفسير هذا الهمّ، ففي ذلك عدة أقوال: فمنهم من قال -وليته لم يقل-: همّ بحكم البشرية بفعل ما طلب منه، مع الغفلة عن ارتكاب النهي، ثم امتنع لما ذكره الله تعالى الإيمان وتحريم المعصية وشؤمها والوعيد عليها وهو البرهان الأعظم، فصرف عنه السوء والفحشاء. ومنهم من قال: إن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، وأن الهمّ لم يقع منه أصلًا، وترتيبه أن يكون: ولقد همت به، ويقفون عندها، وتبدأ الجملة: لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، ويكون البرهان هنا النبوة والعصمة. ومنهم من قال: كاد أن يهم لولا العصمة السابقة فيكون الهم هنا مجازًا. ومنهم من قال: أن يوسف عليه السلام حدث منه همّ، همّ بالخاطر النفسي، أي: خطر في قلبه أن يقع منه ما تريد هي من الفاحشة، لكن هذا الهمّ لم يكن عزمًا، وهو مما لا يؤاخذ الله عليه، قالوا: وهذا شيء جبلي طبيعي في الإنسان، فالإنسان الطبيعي تأتيه امرأة جميلة وتراوده فيميل إليها بطبعه، إلا أنه يوقفه عن ذلك موانع، فالهمّ البشري الطبيعي موجود في كل إنسان، وهذا الخاطر صرفه التقوى والدين والإيمان الذي في قلب يوسف صلوات الله وسلامه عليه، وفي هذا القول ما يدل على عظمة يوسف حيث استطاع أن يكبح جماح الشهوة في هذا الظرف العصيب. والأظهر القول الأخير من هذه الأقوال، وهو قول ذهب إليه كثير من المحققين، وهو قول يتفق مع منطق الأشياء، وهو معضود بالخبر والآية، والله أعلم. انظر: "قصص القرآن الكريم" لفضل عباس (ص 391- 392)، "تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء" لابن خمير (ص 44- 49)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 197- 199). الموقف الثاني: لماذا امتنع يوسف من الخروج من السجن؟ ألم تكن فرصة خروجه من السجن مواتية، لما قال الملك: «ائتوني به، ولماذا لم يجب نداءه: وهو ما أفاده الرسول في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، قال: ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم جاءني الرسول أجبت، ثم قرأ ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ قال ورحمة الله على لوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد، إذ قال: ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ فما بعث الله من بعده نبيا إلا في ذروة من قومه». أخرجه الترمذي (3116)، وقال فيه: «وهذا حديث حسن». قال أهل العلم: أولاً: أراد ألا يخرج إلا وساحته مبرأة؛ لأنه خشي أنه إذا خرج من السجن قبل أن تبرأ ساحته أن يقول الناس: إنما خرج من السجن لأنه فسر الرؤيا، لا لأنه بريء. ثانياً: خشي أن يبقى شيء في قلب الملك عليه بعد أن يخرج، ثم تأتي بطانة السوء إلى الملك وتقول : هذا الذي وقع له مع امرأة العزيز كيت وكيت. ثالثاً: حتى يعرف جميع الناس أنه بريء، ويكبر في عيونهم، فيكون ذلك أدعى لقبول دعوته صلوات الله وسلامه عليه. رابعاً: هو يعلم علم اليقين أن الله مظهر أمره ، وأن العاقبة للتقوى، وأنه سيخرج من السجن إن عاجلاً أو آجلاً، فأراد ألا يخرج إلا على عزة وكرامة صلوات الله وسلامه عليه. أما هل يفهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: في قول رسول اللَّه : «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِ﴾ سورة البقرة: 260، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي». أخرجه البخاري (3372)، ومسلم (151): ب أن يوسف عليه السلام أكمل من محمد صبراً؟ قال أهل العلم: يحتمل أمرين: الأمر الأول: أن النبي إنما قاله على سبيل التواضع، وليس يوسف أكمل صبراً من محمد ، وإنما قال ذلك ليرفع من قدر يوسف، لا لينزل من قدر نفسه. الأمر الثاني: أن النبي قصد ذلك، وهو أن النبي يخرج من السجن، وأن يوسف صلوات الله وسلامه عليه أخذ بالحزم، وأن النبي سيأخذ بالجائز؛ لأنه قد يُنسى، فلو رجع الرجل إلى الملك وقال الرجل: يوسف يقول لا أخرج حتى تظهر براءتي، لقال: اتركوه في السجن، المهم أنه بين لنا الرؤيا وعرفنا ماذا نصنع، وينسي يوسف كما نُسي أول مرة. انظر: "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 230- 231).

دروس وعِبَر

يستفاد من قصة يوسف عليه السلام: أن هذه القصة من أحسن القصص وأوضحها، وفيها من أصول تعبير الرؤيا المناسبة. وأن التعبير علم مهم. ما فيها من الأدلة على نبوة محمد عليه السلام، حيث أخبر بقصة مفصلة من قصص الاولين. وأن العبد عليه أن يتقي أسباب الشر وكتمان ما تخشى مضرته في قول يعقوب ليوسف: ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ ﴾. وأن الإنسان ينصح غيره بما يكره على وجه الصدق له ﴿ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ﴾. أن نعمة الله على العبد لابد وأن يصل إلى من حوله من أقاربه وأهله ﴿ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ ﴾. أن النعم الكبيرة الدينية والدنيوية لا بد أن يتقدمها أسباب ووسائل إليها. أن العدل مطلوب في جميع الأمور صغيرًا أو كبيرًا. الحذر من شؤم الذنوب واستتباع الذنب الذنب. العبرة للعبد في حال كمال النهاية لا بنقص البداية. بيان ما منّ الله على يوسف من العلم والحلم والأخلاق الكاملة والعفو والبر بوالديه وإحسانه إلى عموم الخلق. أن بعض الشر أهون من بعض. أن ارتكاب أخف الضررين أولى من ارتكاب أعظمهما، ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ﴾. الحذر من الخلوة بالنساء الأجنبيات. من دخل الإيمان قلبه استنار بمعرفة ربه ونور الإيمان به ﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾. أن من ابتلي بمحل فيه فتنة وأسباب معصية أن يفر منها ويرهب غاية ما يمكنه، ﴿ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ ﴾. أن القرائن يعمل بها عند الاشتباه في الدعاوى. بيان ما عليه يوسف من الجمال ظاهرًا وباطنًا. أن يوسف اختار السجن على المعصية. أن العبد عليه أن يلتجئ إلى الله ويحتمي به. أن من وقع بمكروه لا بأس أن يستعين بمن له قدرة على تخليصه بفعله أو الإخبار بحاله. أن على المعلم والداعي إلى الله الإخلاص التام في دعوته. أنه لا يلام العبد في رفع التهمة عن نفسه بل ذلك مطلوب. فضيلة العلم. أنه لا بأس أن يخبر الإنسان بما فيه من الصفات الكاملة. بيان مشروعية الضيافة. وغيرها من الفوائد الكثيرة، حتى ذكر العلامة ابن القيم أن في قصة ‌يوسف عليه السلام من الفوائد والعبر والحكم ما يزيد على ألف فائدة "الجواب الكافي" (ص 487)، وقال نحوه في "شفاء العليل" (ص 224). انظر: "مصابيح الضياء" للسعدي (ص 61- 75)، و"إتحاف الإلف بالفوائد الألف من قصة يوسف عليه السلام" لمحمد موسى نصر.