البحث

عبارات مقترحة:

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

هارون عليه السلام

هارون عليه السلام نبي من أنبياء الله الكرام، أخو موسى عليه السلام، كان هارون عليه السلام رجلا صالحًا فصيحًا بليغًا، وكان أفصح من أخيه موسى، كما كانَ هادئًا غير منفعلٍ في حديثه وأفعاله، أرسله الله تعالى مع أخيه موسى عليهما السلام إلى فرعون يدعوانه إلى عبادة الله تعالى وتوحيده.

اسمه ونسبه

هارون عليه السلام هو ابن عمران، وأخو موسى عليه السلام. قال تعالى: ﴿هَارُونَ أَخِي﴾ طه: 30. انظر: "موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة" (6 /3020).

معنى الاسم لغة

هارون اسمُ علمٍ أعجمي غير عربي وغير مشتق، فلا نبحث عن مادة اشتقاقه. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /280).

ذكره في القرآن الكريم

ورد ذكر هارون عليه السلام في القرآن تسعَ عشرة مرة، ومن ذلك: قال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النساء: 163]. وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [الأنبياء: 48]. وقال تعالى: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ [القصص: 34]. وقال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ * وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ﴾ [طه: 25- 37]، وقال تعالى: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ [القصص: 34]. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /272- 273).

ذكره في السنة النبوية

ورد ذكر هارون عليه السلام في السنة النبوية، ومن ذلك: منزلة هارون عليه السلام يوم القيامة في السماء الخامسة. ففي حديث المعراج روى مالك بن صعصعة رضي الله عنهما قال: قال النبي : «بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان - وذكر: يعني رجلا بين الرجلين -، فأتيت بطست من ذهب، ملئ حكمة وإيمانا، فشق من النحر إلى مراق البطن، ثم غسل البطن بماء زمزم، ثم ملئ حكمة وإيمانا، وأتيت بدابة أبيض، دون البغل وفوق الحمار: البراق، فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا، قيل: من هذا؟ قال جبريل: قيل: من معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء، فأتيت على آدم، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من ابن ونبي، فأتينا السماء الثانية، قيل من هذا؟ قال: جبريل، قيل: من معك؟ قال: محمد، قيل: أرسل إليه، قال: نعم، قيل: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء، فأتيت على عيسى، ويحيى فقالا: مرحبا بك من أخ ونبي، فأتينا السماء الثالثة، قيل: من هذا؟ قيل: جبريل، قيل: من معك؟ قيل: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء، فأتيت على يوسف، فسلمت عليه قال: مرحبا بك من أخ ونبي، فأتينا السماء الرابعة، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: من معك؟ قيل محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قيل: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على إدريس، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من أخ ونبي، فأتينا السماء الخامسة، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قيل: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتينا على هارون فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من أخ ونبي، فأتينا على السماء السادسة، قيل: من هذا؟ قيل جبريل، قيل: من معك؟ قيل: محمد، قيل: وقد أرسل إليه مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على موسى، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من أخ ونبي، فلما جاوزت بكى، فقيل: ما أبكاك: قال: يا رب هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي، فأتينا السماء السابعة، قيل من هذا؟ قيل: جبريل، قيل من معك؟ قيل: محمد، قيل: وقد أرسل إليه، مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من ابن ونبي، فرفع لي البيت المعمور، فسألت جبريل، فقال: هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم، ورفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها كأنه قلال هجر وورقها، كأنه آذان الفيول في أصلها أربعة أنهار نهران باطنان، ونهران ظاهران، فسألت جبريل، فقال: أما الباطنان: ففي الجنة، وأما الظاهران: النيل والفرات، ثم فرضت علي خمسون صلاة، فأقبلت حتى جئت موسى، فقال: ما صنعت؟ قلت: فرضت علي خمسون صلاة، قال: أنا أعلم بالناس منك، عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لا تطيق، فارجع إلى ربك، فسله، فرجعت، فسألته، فجعلها أربعين، ثم مثله، ثم ثلاثين، ثم مثله فجعل عشرين، ثم مثله فجعل عشرا، فأتيت موسى، فقال: مثله، فجعلها خمسا، فأتيت موسى فقال: ما صنعت؟ قلت: جعلها خمسا، فقال مثله، قلت: سلمت بخير، فنودي إني قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، وأجزي الحسنة عشرا». أخرجه البخاري (3207)، ومسلم (164)، واللفظ للبخاري. منزلة هارون من أخيه موسى عليهما السلام. روى سعد بن أبي وقاص: «أن رسول الله خرج إلى تبوك، واستخلف عليًّا، فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون، من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي». أخرجه البخاري (4416)، ومسلم (2404)، واللفظ للبخاري. انظر: "الأحاديث الصحيحة من أخبار وقصص الأنبياء" لإبراهيم العلي (ص 166- 167).

صفته الخُلُقيَّة

كانَ هارون عليه السلام يتمتع بشخصية هادئة، ويتصف بهدوء الأعصاب وعدم الانفعال، وكان كلامه فصيحًا بليغًا هادئًا، يستدل على ذلك من طلب موسى عليه السلام بأن يأتي أخيه هارون معه لدعوة فرعون، قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ * وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ﴾ طه: 25- 37، وقال تعالى: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ القصص: 34. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /381- 385).

قصصه

استخلاف موسى هارون عليهم السلام في بني إسرائيل عند ذهابه للقاء الله.

أمرَ الله تعالى موسى عليه السلام أن يذهب إلى جبل الطور ليأخذ كتاب الله ويتلقى أحكامه، وبما أنَّ موسى عليه السلام سيغيب عن أهله مدة فكان لا بد أن يجعلَ في قومه خليفةً عنه، وكان هارون عليه السلام وزيرَ موسى، فاستخلفه موسى في قومه لحين عودته. فأخبر موسى قومه أنه سيغيب ثلاثين ليلة، وأن هارون عليه السلام سيكون هو خليفته فيهم، وأوصاه بالإصلاح، وأن يسوس قومه بالحَق، وأنَ لا يسكت عن أصحاب الباطل. قال تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ الأعراف: 142. تولى هارون عليه السلام قيادة بني إسرائيل وتدبير شؤونهم، وذهب موسى عليه السلام إلى جبل الطور لينفذ أمر الله تعالى. انظر"القصص القرآني" صلاح الخالدي (3 /133-136).

هارون وموسى عليهما السلام وعبادة بني إسرائيل العجل.

ذهب موسى عليه السلام ليناجي الله عز وجل ويكلمه، ويتلقى كتابه على جبل الطور، وقبل أن يذهب طلب من أخيه هارون عليه السلام أن يكونَ خليفته في قومه ويرعى شؤونهم. أخبرَ الله تعالى موسى عليه السلام وهو على جبل الطور بما حدث في قومه من عبادة العجل، ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ﴾ الأعراف: 148، وسأله الله تعالى: ﴿وَمَآ أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَٰمُوسَىٰ﴾ طه: 83، أي لماذا تعجلتَ القدوم؟ وهذا الاستفهام جاء بمعنى العتاب ولا يعني أن موسى عليه السلام أخطأ عندما تَعجّل، فهوَ كانَ يُلبي أَمرَ الله تعالى، وقد ترك أخاه هارون خليفة في قومه، فلذلك قال: عجلت اليك ربي وكلي شوق لجلول الموعد ولتزداد عني رضا. لكن امتحن الله تعالى بني إسرائيل بالسامري وابتلاهم وفتنهم به، فالسامري هو من فَتنَ بني إسرائيل، وقد صَنَع لهم العجل من الحلي، فعبدوه وأضلوا عن عبادة الله، فبعدَ أن علم موسى عليه السلام بذلك حزن وتالم وحمل معه الألواح وغادر جبل الطور وعاد لقومه غاضبًا، فوجدهم عاكفين على عبادة العجل الذهبي، فزاد انفعاله وغضبه وألقى الألواح من يديه، فليس الخبر كالمعاينة. روى ابن عباس، قال: قال رسول الله : ليس الخبر كالمعاينة، إن الله عز وجل أخبر موسى بما صنع قومه في العجل، فلم يلق الألواح، فلما عاين ما صنعوا، ألقى الألواح فانكسرت». أخرجه أحمد (2447)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على المسند: «حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سريج بن النعمان، فمن رجال البخاري، وهشيم مدلس وقد رواه بالعنعنة، وقال ابن عدي: يقال: إن هذا لم يسمعه هشيم من أبي بشر، إنما سمعه من أبي عوانة عن أبي بشر، فدلسه». أقبل موسى عليه السلام إلى قومه موبخًا لائمًا مُعنِّفًا لهم، ولامهم على مخالفتهم في غيابه، ﴿فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ۚ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي ﴾ [طه: 86]، ﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ﴾ [الأعراف: 150]. فردوا عليه بأنه حصل ما لم يكن بالحسبان، أدى إلى إضلالهم، فقد حملوا معهم الزينة والحلي أثناء خروجهم من مصر، فشعروا بعد ذلك أنهم يحملون أوزارا وأثقالا من زينة القوم، وهي آثام طالما في أيديهم، فجاء السامري فقوّى شعورهم بالتخلص منها، ثم دعاهم إلى قذفها وطرحها والتخلص منها، ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ﴾ [طه: 87]. وأخبر السامري موسى عليه السلام كيفية صناعته العجل، بأنه رأى جبريل عله السلام أثناء غياب موسى فتناول قبضة من التراب من أثر قدمه وخلطه مع الحلي والزينة المصهورة التي تريد بني اسرائيل التحلص منها، وكان ماهرا في صناعة التماثيل، فصنع منها عجلا له خوار، يُسْمَع صوته عند دخول الهواء فيه وخروجه منه، قال تعالى: ﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ* أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا﴾ [طه: 88- 89]. وقد رفض هارون عليه السلام عبادة قومه العجل ونهاهم عنه، ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ﴾ طه: 90- 91، ولكن من شدة غضب موسى عليه السلام من عبادة قومه العجل ظنَّ أن خليفته هارون عليه السلام قد قصّرَ في نَهْيِهِم عنه، ﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ ۖ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ طه: 92- 93، فقد كان موسى عليه السلام على يقين بأن أخاه هارون لن يعبد العجل معهم، ولكنه كانَ يريد منه شدة الإنكار بأن يحطم لهم عجلهم، فإن لم يستطع فيغادرهم ويلحق بأخيه إلى جبل الطور. فلمّا رأى هارون انفعال موسى عليه السلام وغضبه قال له: يا ابن ام، وذكر الأم لأنها أرَقِّ وأبلغ في الحنان من الأب، واستعطف هارون أخاه موسى، وبيّن له أنه لم يسكت على عبادتهم العجل، ولكنهم استضعفوه وهاجموه وكادوا أن يقتلوه، ﴿وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ الأعراف: 150، وقال لأخيه أنّه كانَ بإمكانه أن يأخذَ من بقي من الصالحين معه ويلحق بأخيه لجبل الطور، لكنه خافَ أن تقع فُرقة بين الفريقين، ويقعُ الاقتتالُ بينهم، وقد بقيتُ خشيةَ أن لا أَخلُفَ في قومك وتلومَني على ذلك. ﴿قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ طه: 94، فلما عرف موسى عليه السلام حقيقة موقف هارون عليه السلام، دعا الله أن يغفر له تأدبًا مع الله بسبب انفعاله، ويغفر لأخيه ويدخلهم رحمته، ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ الأعراف: 151. ثم توجه موسى للسامري بعد ذلك، وسأله ما شأنه؟ ولماذا أضلهم؟ ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ طه: 95- 96، فطردهَ موسى عليه السلام من القوم وعزله، وأحرَقَ العِجل ونسفه في البحر، ﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا * إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ طه: 97- 98. وعقب القرآن الكريم على ضلالهم وجهالتهم في عبادتهم العجل ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾ طه" 89، ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ﴾ الأعراف: 148، وعقب على الذين عبدوا العجل بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ * وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ الأعراف: 152- 153. ولما عرفوا شناعة جريمتهم وعظم ظلمهم ارادوا العودة إلى الله: ﴿وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ الأعراف: 149. ولما أراد عابدوا العجل التوبة إلى الله، والتكفير عن ذنوبهم، شَدَّدَ الله عليهم الكفارة، وجعل الطريق الوحيد هو ان يقتل بعضهم بعضا، ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ البقرة: 51- 54. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (3 /133- 197)، "صحيح القصص النبوي" لعمر الأشقر (ص 109- 111)، "فبهداهم اقتده" لعثمان الخميس (ص 383- 388).

نبوته

هارون عليه السلام نبيٌ من أنبياء الله تعالى، ولما سأل موسى عليه السلام ربه عز وجل وطلب منه أن يشرك أخاه معه في دعوة فرعون ومواجهته أجاب الله طلبه، وأرسل معه أخاه هارونَ وزيرا معينا له ونبيًا، قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ * وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ﴾ [طه: 25- 37]. ولما أرسلهم الله إلى فرعون قال لهم: ﴿فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [طه: 47]. ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ [المؤمنون: 45]. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /401- 402)، "موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة" (6 /3020).

دعوته

ذَهب هارون عليه السلام وموسى إلى فرعون لدعوته لله تعالى، وطمأنهما الله بأنَّه معهما، وأمرهما الله تعالى بالقول اللين حتى يقبل دعوتهما، وقاما بمخاطبته ودعوته لله تعالى، ولكنّ فرعون استصغرَ كلامهما ورفضَ دعوتهما، فعذبه الله تعالى جزاءً على كفره وطغيانه. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (2 /389- 430).

وفاته

خلال فترة التيه توفي هارون عليه السلام، ودليل ذلك أن بني اسرائيل لما نكصوا عن الجهاد ودخول الأرض المقدسة تبرأ موسى عليه السلام إلى الله منهم، وبيّن أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه، فكان هارون حيا عند بداية التيه، ولا توجد أحاديث صحيحة مرفوعة إلى رسول الله تحدث عن وفاة هارون. انظر: "القصص القرآني" لصلاح الخالدي (3 /331).