البحث

عبارات مقترحة:

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

الأمر

كلمة (الأمر) لغةً خلاف النهي، واصطلاحًا: قول يتضمّن طلب الفعل على وجه الاستعلاء، وصيَغه الرئبسة التي تدل عليه أربع: فعل الأمر، اسم فعل أمر، المصدر النائب عن فعل الأمر: الفعل المضارع المقرون بلام الأمر، وقد يدل على الأمر غيرها بقرائن، وصيغ الأمر تدل على الوجوب، وعلى الفورية، إلا ما جاءت معه القرائن تدل على غير ذلك. وقد يخرج الأمر إلى معانٍ أخرى، منها: الاستحباب، والإباحة، والتهديد.

التعريف

التعريف لغة

الأمر في اللغة هو ضد النهي، وهو مصدر من الفعل (أَمَرَ يأمُرُ)، وبيّنه ابن فارس فقال: «والأمر الذي هو نقيض النهي قولك: افعل كذا. قال الأصمعي: يقال: لي عليك أَمْرَةٌ مطاعة، أي: لي عليك أن آمرك مرة واحدة فتطيعني. قال الكسائي: فلان يُؤَامِرُ نفْسَيه، أي: نفس تأمره بشيء ونفس تأمره بآخر. وقال: إنه لَأَمُورٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهِيٌّ عَنِ المنكر، من قوم أُمُرٍ (أي: يكثرون الأمر) ومن هذا الباب الْإِمْرَةُ والإمارة، وصاحبها أمير وَمُؤَمَّرٌ». "المقاييس" (1/137).

التعريف اصطلاحًا

عرّف أهل العلم معنى الأمر في علم أصول الفقه فقالوا: هو قول يتضمّن طلب الفعل على وجه الاستعلاء، ومن الأمثلة عليه: وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، فأقيموا وآتوا، فيها طلب إيجاد الفعل من قِبل المكلّفين. وبيان هذا التعريف ما يلي: خرج بقولنا في أول التعريف (قولٌ) الإشارة، فهي لا تسمّى أمرًا، وإن أفادت معناه. وخرج بقولنا (طلب الفعل) النهي، لأن النهي هو طلب الترك، وقوله (الفعل) يقصَد به عمل الجوارح واللسان أي القول، فيدخلان جميعًا في التعريف. وقال (على وجه الاستعلاء)، وهذا قيدٌ آخر يخرج به ما كان على وجه الدعاء أو الالتماس أو غيرهما من الدلالات المحتملة لصيغ الأمر، والفرق بين الأمر والدعاء والاتماس أن الأمر يكون موجَّهًا من الأعلى إلى الأدنى، وهذا المقصود بقوله (على وجه الاستعلاء)، وعبّر بالاستعلاء ولم يقل العلو لأن الرجل قد يكون أقل منك، ولكن يوجّه الأمر على وجه أنه أعلى منك. انظر "شرح الأصول من علم الأصول" لابن عثيمين (ص139)، وأما الدعاء فيكون من الأدنى إلى الأعلى، كقول العبد: (يا رب ارزقني)، فـكلمة (ارزقني) تدل على الدعاء وإن كانت بصيغة الأمر. وأما الالتماس فهو طلب المثل من المثل، والند من الند. انظر "غاية المأمول" (ص121).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

العلاقة بينهما بيّنة، فإن ما جاء في اللغة موافق للذي في الاصطلاح، وكلاهما نقيض النهي.

الأقسام

الأمر في اصطلاح الأصوليين هو أي صيغة لفظية تدل على الأمر في اللغة، وهي أربع: 1- فعل الأمر: كفوله تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [العنكبوت: 45] فهذا فعل أمر مبني على حذف الواو، والضمة قبلها دليل عليها. 2- اسم فعل أمر: مثل: حيَّ على الصلاة والفرق بين فعل الأمر واسم فعل الأمر: أن ما يقبل علامة الفعل فهو فعل أمر، وما لا يقبلها ولكنه يدل على الأمر فهو اسم فعل أمر، والعلامة الفارقة هي ياء المخاطبة، مثل: اضرب، يصح أن نقول للأنثى: اضربي، أما اسم الفعل فلا يقبل دخول هذه الياء عليه، ومثاله هو ما سبق: حيّ، وكذا قوله تعالى: ﴿وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا﴾ [الأحزاب: 18]. 3- المصدر النائب عن فعل الأمر: كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ [محمد: 4]، فهو مصدر ولكنه ناب عن فعل الأمر، فكأنه قال: إذا لقيتم الذين كفروا فاضربوا الرقاب. 4- الفعل المضارع المقرون بلام الأمر: كقوله تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍۢ مِّن سَعَتِهِۦ﴾ [الطلاق: 7] فهي مساوية لصيغة الأمر (أنْفِق) من حيث الطلب. انظر "الأصول من علم الأصول" لابن عثيمين (ص142).

مسائل وتنبيهات

مسألة قد يُفهَم معنى الأمر بغير صيغ الأمر الأربع، وذلك إذا دلّت عليه القرائن: أشهر هذه الصيغ صيغة الأمر حقيقةً، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَ﴾ [النحل: 90]. انظر "شرح الأصول لابن عثيمين" للشيخ سعد الشثري (ص110). ومنها أن يوصف الفعل بأنه فرض، كما قال عز وجل ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، وكما قال : «أعلمهم أن الله افترض عليهم خمسَ صلوات» البخاري (1395) مسلم (19). أو يوصف بأنه واجب، كقوله : «غسل الجمعة واجب على كل محتلم» البخاري (839) ومسلم (746). أو يُمدحَ فاعله كقوله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69]، أو يُذَمَّ تاركه، فيدل ذلك على أنه مأمور به إما على الوجوب وإما على الاستحباب. انظر " الأصول من علم الأصول" لابن عثيمين (ص143-144). مسألة على ماذا تدل صيغة الأمر عند الإطلاق؟ هل هي تقتضي وجوب المأمور به أم استحبابه؟ أجاب أهل العلم بأن صيغة الأمر عند الإطلاق تقتضي الوجوب، وقولنا: (عند الإطلاق) معناه حالَ التجرّد من القرائن، أما لو وجِدَت قرائِنُ تصرفه عن الوجوب فليس الحديث عنه، واستدلوا على كونه ينصرف إلى الوجوب بما يلي: - قوله تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]، والله جل جلاله لا يتوعّد بالعقوبة إلا على ترك واجب - قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: 36]، فإذا جاء أمر فليس فيه خيار في الفعل أو الترك، بل يتعين عليك الفعل، فيدل على أن الأمر يحمل على الوجوب. - قول النبي : «لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك» البخاري (887) مسلم (252)، فدلّ على أن الأمر معناه الوجوب؛ إذ النبي لم يأمرنا؛ فكان مستحبًّا، فلو أمرنا لصار واجبًا. مسألة وهل تقتضي الفورية، أي المبادرة بفعله على الفور، أم يجوز فعلها على التراخي؟ ذهب أكثر الشافعية والأحناف إلى أنه لا يقتضي الفورية، وذهب المالكية وبعض الشافعية والأحنافِ إلى أنه يقتضي الفورية، وهو ظاهر مذهب أحمد، واستدلوا على ذلك بما يلي: - قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: 148] - وقوله جل وعلا: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133]، وقوله: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد: 21]. - ومن الأدلة ما وقع في صلح الحديبية، أن النبي أمر الصحابة رضوان الله عليهم أن يتحلّلوا من الإحرام ويحلقوا رؤوسهم، فلم يفعلوا على الفور، وتباطؤوا في تنفيذ أمر النبي ، فغضب ، فدل ذلك على أن الأمر للفورية، لأن الأمر لو لم يكن مفيدًا للفورية لما كره ذلك. انظر "شرح الورقات" للفوزان" (ص75-76). مسألة هل للأمر معانٍ أخرى غير الوجوب؟ نعم، قد يخرج الأمر عن الوجوب إلى معانٍ أخرى بقرينة سياقية أو خارجية، وجميع هذه المعاني يكون من الأعلى للأدنى، ويحمل معنى الطلب، وقد ذكرها الجصاص، ومثّل لها بما فيه الاستغناء والاكتفاء، يقول رحمه الله: «وقول القائل (افعل) يستعمل على سبعة أوجه: على جهة إيجاب الفعل وإلزامه كقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللّه﴾ [البقرة: 189] ﴿أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ [البقرة: 43] ونحوها. وعلى الندب ، كقوله تعالى: ﴿وافعلوا الخير﴾ [الحج: 77] وقوله: ﴿وأحسنوا إن الله يحب المحسنين﴾ [البقرة: 195]. وعلى الإرشاد إلى الأوثق والأحوط لنا كقوله تعالى: ﴿وأشهدوا إذا تبايعتم﴾ [البقرة: 282]، وقوله ﴿واستشهدوا شهيدين من رجالكم﴾ [البقرة: 282] وقوله تعالى: ﴿فرهان مقبوضة﴾ [البقرة: 283] وقوله تعالى في شأن الرجعة: ﴿وأشهدوا ذوي عدل منكم﴾ [الطلاق: 2]. وعلى الإباحة كقوله تعالى: ﴿فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض﴾ [الجمعة: 10]، وقوله تعالى ﴿وإذا حللتم فاصطادوا﴾ [المائدة: 2]. وعلى التقريع والتعجيز كقوله: ﴿قل فأتوا بسورة مثله﴾ [يونس: 38] وقوله تعالى: ﴿فأتوا بعشر سور مثله مفتريات﴾ [هود: 13] وقوله تعالى: ﴿فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين﴾ [الطور: 34]. وعلى الوعيد والتهديد كقوله تعالى: ﴿اعملوا ما شئتم﴾ [فصلت: 40]. وقوله تعالى: ﴿واستفزز من استطعت منهم بصوتك﴾ [الإسراء: 64]». انظر "الفصول في الأصول" (2 /81). مسألة الأمر بعد التحريم ماذا يفيد؟ مثاله قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ﴾ [المائدة: 2] فقد جاء بعد قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: 95] ففيه ثلاثة أقوال: - قول الأحناف والمالكية: أنه يحمل على الوجوب، لأن الأمر يفيد الوجوب، ووروده بعد التحريم لا يدفعه إلا إذا كان ثمة دليل على عدم الوجوب. - قول الشافعية والحنابلة: أنه يرجع للإباحة، لأن إيراد الأمر إنما هو لدفع التحريم، وأما الوجوب فأمر زائد فلا بد له من دليل آخر. انظر "التحقيقات في شرح الورقات" لابن قاوان (ص189-190) - أنه يعود إلى ما كان عليه قبل التحريم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، انظر "المسودة" (ص17)، قال ابن كثير رحمه الله: «والصحيح الذي يثبت على السبر أنه يُرَدُّ الحكم إلى ما كان عليه قبل النهي، فإن كان واجبًا رده واجبًا، وإن كان مستحبًا فمستحب، أو مباحًا فمباح، ومن قال: إنه على الوجوب ينتقض عليه بآيات كثيرة ومن قال: إنه للإباحة يرد عليه آيات أُخَر، والذي ينتظم الأدلة كلها هذا الذي ذكرناه، كما اختاره بعض علماء الأصول، والله أعلم». "تفسير ابن كثير" (3/7).