البحث

عبارات مقترحة:

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

القياس

القياس هو المصدر الرابع من مصادر التّشريع بعد الكتاب والسّنة والإجماع، ويُقصد به: إلحاق واقعة لا نصّ على حكمها بواقعة ورد نصٌّ بحكمها في الحُكم الّذي وردَ به النّص لاشتراك الواقعتين في علّة هذا الحُكم. وقد استدلَ جمهور الأصوليين بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول على حجيّة القياس، وخالفهم في ذلك الظاهرية، والنظام، والشيعة الإمامية. ومن أنواعه القطعي والظني، كذلك ينقسم القياس إلى جلي وخفي، وباعتبارٍ ثالث إلى أولى، ومساوي، وأدنى.

التعريف

التعريف لغة

القياسُ في اللغة: مأخوذ من قاسَ يقيسُ قيساً وقياساً وقيل: مأخوذ من قاس يقوسُ قوساً ويُطلَق على معنيين: أحدهما: التّقدير، أي: معرفة قدر الشيء، يُقال: قاسَ الثوبَ بالمتر. وقاسَ الأرض بالقصبة، أي: عرفَ قدرها. وقد يُطلَق على مُقارنة أحد الشيئين بالآخر، فيُقال: قايستُ بين العمودين، أي: قارنتُ بينهما لمعرفة مقدار كلّ منهما بالنّسبة إلى الآخر. المعنى الثّاني: المُساواة بين الشّيئين، سواء أكانت حسيّة؛ مثل: قستُ هذا الكتاب بهذا الكتاب. أو معنويّة؛ مثل: فلانٌ لا يُقاسُ بفلان، أي: لا يُساويه قدراً. انظر "لسان العرب" لابن منظور (8/70)، "القاموس المُحيط"للفيروز أبادي (2/244)

التعريف اصطلاحًا

ذكَرَ عُلماءالأصول للقياسِ عدّة تعريفات، وهي على كثرتها وتنوّعها تمثّل اتجاهين: الاتجاه الأول: نظَرَ إلى أنّ للمُجتهد دخلاً في القياس، حيثُ أدرَك العلّة الجامعة بين الأصل والفرع، فأثبتَ للفرعِ حُكماً شرعيّاً لَمْ يكُن موجوداً إلحاقاً لهُ بالأصلِ المنصوصِ عليه. فعبّروا عنه بأنّه: حمل معلوم على معلوم في إثبات حكمٍ لهما أو نفيهِ عنهما بأمرٍ جامعٍ بينهما من حكمٍ أو صفة. انظر "البرهان" للجويني (2/5)، "المستصفى" للغزالي (2/236)، "تشنيف المسامع" للزركشي (2/29)، "شرح المنهاج" للأصفهاني (2/93)، "روضة النّاظر" لابن قدامة (ص321)، "شرح تنقيح الفصول" للقرافي (ص427) الاتّجاه الثّاني: نظَرَ إلى أنَّ حُكم الفرع الّذي ثبتَ بالقياس إنّما هو ثابتٌ للمقيس مِن وقت ثبوته للمقيس عليه، وإنّما تأخر ظهوره إلى وقتِ بيان المجتهد بواسطة العلّة، فعمل المُجتهد إنّما هو إظهار الحكم في الفرع بسبب اتّحاد، وليس إثبات الحكم. فعبّروا عنه بأنّه: مساواة فرع لأصل في علّة الحُكم أو زيادته عليه في المعنى المُعتبَر في الحُكم. انظر "الإحكام" للآمدي (3/167) ويمكن أن نقول في تعريف القياس: هو إلحاق واقعة لا نصّ على حكمها بواقعة ورد نصٌّ بحكمها في الحُكم الّذي وردَ به النّص؛ لاشتراك الواقعتين في علّة هذا الحُكم. انظر"أصول الفقه الإسلامي" لشلبي (ص191)، "أصول الفقه الإسلامي" للزحيلي (1 /574)

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

القياس بمعناه الأصولي مأخوذٌ من معناه اللغوي وهو التّقدير أو المساواة، وقد اختلف العلماء في كون لفظ القياس حقيقةً في المعنيين معاً، أو حقيقة في أحدهما مجازٌ في الآخر على ثلاثة آراء: الأوّل: أنّه حقيقةٌ في التّقدير، مجازٌ في المساواة؛ لأنَّ المساواة لازمة له. الثّاني: أنّهُ حقيقةٌ فيهما؛ لأنَّ اللفظ المُستعمل قد استُعمل فيهما معاً، والأصل في الاستعمال الحقيقة. الثّالث: أنّه مُشتَرَك معنوي بينهما؛ لأنَّ كلاً من الاشتراك اللفظي والمجاز خِلاف الأًصل، فالاشتراك اللفظي يحتاجُ إلى تعدد الوضع والقرينة، والمجاز مُحتاجٌ إلى القرينة عند استعمال اللّفظ في المعنى المجازي، فكانَ الاشتراك المعنوي أولى منهما، ويكونُ المطلوب منه: إمّا معرفة مقدار الشّيء، أو التّسوية في مقدار الشّيء. انظر "الإحكام" للآمدي (3/185)، "شرح العضد الإيجي" (2/204) فعلى أنّه من التقدير: إذا أخذ المُجتهد حُكم الغائب من الشّاهد، وحُكم الفرع من الأصل في العقليّات والشّرعيات، سمّوا ذلكَ قياساً؛ لتقديرهم الغائب بالشاهد والفرع بالأصل، في الحُكم والعلة وتشبيهم أحدهما بالآخر. انظر "ميزان الأصول" للسمرقندي (ص552) وعلى أنّه من التسوية: فالقياس هو مساواة المسكوت عنه للمنصوص عليه في العلّة.

الأدلة

القرآن الكريم

القياس في القرآن الكريم
استدلَّ القائلون بحجيّة القياس بقوله تعالى: ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [الحشر: 2] فالاعتبار: اختبارُ شيءٍ بغيره، وانتقالٌ من شيءٍ إلى غيره، والنّظر في شيء ليُعرَف به آخرُ من جنسه. وذلكَ متحققٌ في القياس حيثُ إنَّ فيه نقلَ الحُكم من الأصلِ إلى الفرع. انظر "الإحكام" للآمدي (4/291)، "الإبهاج" للسبكي (6/2190)، "المحصول" للرازي (2/204) وقوله تعالى: ﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [ياسين: 79]، وقوله تعالى: ﴿ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ ۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ [الروم: 28] ووجه الاستدلال بهذه الآيات على القياس: أنّ الله تعالى استدلَّ على ما أنكرهُ منكرو البعث بالقياس؛ فإنَّ الله سبحانه قاسَ إعادة المخلوقات بعد فنائها على بِدء خلقها وإنشائها أوّل مرّة؛ لإقناع الجاحدين بأنَّ من يقدرُ على بدء الخلق وإنشائه أوّل مرّة قادرٌ على أن يُعيده وهو أهون عليه، فإن كانَ هذا القياسُ في إثباتِ التّوحيد والمعاد، فثبوت القياس في السّمعيات أولى بالجواز. انظر "شرح مختصر الروضة" للطوفي (3/248_249) كما وردَ في كثيرٍ من الآيات اقتران الحُكم بعلّته، مما يُثبت أنّ أحكام الشّارع مُعللة بالمصالح ومُرتبطة بالأسباب؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 179]، وقوله في تحريم الخمر والميسر: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ [المائدة: 91]، وقوله في إباحة التيمم: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ [المائدة: 6] وغيرها من الآيات التي احتوت على تعليل نصوص الأحكام، فدلّت على أنّ الحُكم يوجد مع سببه وهذا معنى القياس حيثُ لا يوجد نصّ فيجبُ أن نقيس، وإلا كانت الأوامر كلها تعبديّة وهذا غير ثابت. انظر "أصول الفقه الإسلامي" للزحيلي (1/593)

السنة النبوية

القياس في السنة النبوية
استدلّ القائلون بحجيّة القياس بحديث الرّسول صلى الله عليه وسلّم عن ابن عبّاس: «أنَّ امرأة جاءت إلى النّبي صلى الله عليه وسلّم فقالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حتَّى ماتَتْ؛ أفَأَحُجُّ عَنْها؟ قالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْها؛ أرَأَيْتِ لو كانَ علَى أُمِّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ؛ فاللَّهُ أحَقُّ بالوَفاءِ» أخرجه البخاري (1852) وقوله صلى الله عليه وسلّم لعُمر حين سأله عن القُبلة للصائم هل تفطره؟ «أرأيتَ لو تَمضمَضتَ بماءٍ وأنتَ صائمٌ ؟ فقلتُ: لا بأسَ بذلِكَ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فَفيمَ؟» أخرجه النسائي (3036)، وأحمد (138) ففي الحديث الأول قياسُ دين الله على دينِ الخلْقِ، وفي الحديث الثّاني قياسٌ للقُبلةِ على المضمضة، فكما أنَّ المضمضة من دون ازدارد لا تُفسد الصوم، فكذلك القُبلة من غير إيلاجٍ، ولا إنزالٍ، لا تُفسد الصّوم. انظر "الإحكام" للآمدي (4/294)، "ميزان الأصول" للسمرقندي (563) كما استدلوا بما روي عن النّبي صلى الله عليه وسلّم أنّه قال لمُعاذ حين بعثه قاضياً إلى اليمن: «كيف تَقضي إذا عَرَضَ لكَ قَضاءٌ؟ قال: أَقضي بكِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، قال: فإنْ لمْ تَجِدْ في كِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ؟ قال: فبِسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: فإنْ لمْ تَجِدْ في سُنَّةِ رسولِ اللهِ ولا في كِتابِ اللهِ؟ قال: أَجتهِدُ رأْيي ولا آلُو. قال: فضَرَبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في صدْرِه، وقال: الحمدُ للهِ الَّذي وَفَّقَ رسولَ رسولِ اللهِ، لِمَا يُرضي رسولَ اللهِ» أخرجه الترمذي (1327)، وأبو داود (3592) فلو لَم يكُن القياسُ حجة موجبة للعمل بعد الكتاب والسّنة، لأنكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولما مدحه به، ولما حمد الله تعالى على توفيقه لمُعاذ بالعمل والرّأي والاجتهاد. انظر "ميزان الأصول" للسمرقندي (562)

الإجماع

اتّفق الصّحابة رضي الله عنهم على العمل بالقياس، ونُقلَ ذلك عنهم قولاً وعملاً. ودليلُ الإجماع هو المعوّل عليه عند جمهور الأصوليين كما ذكر الرّازي. انظر "المحصول" للرازي (2/215) قال ابن دقيق العيد: «عندي أنَّ المعتمد اشتهارُ العملُ بالقياسِ في أقطار الأرضِ شرقاً وغرباً، قرناً بعد قرن عند جمهور الأمة إلا عند شذوذٍ متأخرين» "البحر المحيط" للزركشي (5/25) فالعمل بالقياس مجمعٌ عليه بين الصّحابة، وكلُّ ما كان مجمعًا عليه بين الصّحابة فهو حقّ، فالعمل بالقياس حقّ، وتقرير إجماع الصّحابة من عدة وجوه: بيان أنّ بعض الصّحابة ذهب إلى العمل بالقياس والقول به، ومن ذلك: ما روي عن عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ أنّه كتب إلى موسى الأشعري في رسالته المشهورة: «اعرف الأشباه والنظائر، وقسِ الأمور برأيك». وهذا صريحٌ في مقصود. أنّه لم يوجد من أحدهم إنكارُ أصل القياس؛ لأنَّ القياس أصلٌ عظيم في الشّرع نفيًا وإثباتًا، فلو أنكرَ بعضهم لكان ذلك الإنكار أولى بالنّقلِ من اختلافهم في مسألة (الجد)، ولو نُقلَ لاشتهر ووصلَ إلينا، فلمّا لَم يصل إلينا، علمنا أنّه لَم يوجد. أنّه لما قال بالقياس بعضهم، ولم ينكره أحدٌ منهم، فقد انعقد الإجماع على صحته؛ فالدليل عليه: أنّ سكوتهم إما أن يُقال: إنّه عن الخوف أو الرضا. والأول: باطل؛ لأنا نعلم من حال الصّحابة شدّة انقيادهم للحق، كذلك فإنَّ بعضهم خالف البعض في مسائل، ولو كان هُناك خوفٌ يمنعهم من إظهار ما في قلوبهم لما وقع ذلك. فثبتَ أنَّ سكوتهم عن رضا، وذلك يوجب كون القياس حجّة، وإلا لكانوا مُجمعين على الخطأ، وهذا غير جائز. انظر "المحصول" للرازي (2 /215_220)

العقل

يدلّ العقل عل حجيّة القياس من عدة وجوه: الأوّل: القياس يُفيد ظن دفع الضّرر، فوجب جواز العمل به. فمن ظنَّ أنَّ الحُكم في الأصل مُعلل بكذا، وعَلِمَ أو ظَنّ حصول ذلك الوصف في الفرع، وَجبَ أن يحصل له الظنَّ بأنَّ حُكم الفرع مثل حكم الأصل، ومعه علم يقيني بأنَّ مُخالفة حكم الله تعالى سبب العقاب، فتولّد من ذلك الظّن وهذا العلم ترك العمل به لسبب العقاب. انظر "المحصول" للرازي (2/237)، "شرح مختصر الرّوضة" للطوفي (3/247) الثّاني: أنَّ العاقل إذا صحَّ نظره واستدلاله، أدرَك بالأمارات الحاضرة المدلولات الغائبة؛ كمن رأى جداراً مائلاً منشقّاً فإنه يحكُم بهبوطه، فإذا رأى الشّارع قد أثبتَ حُكماً في صورة من الصّور، ورأى ثَمَّ معنىً يصلح أن يكون داعياً إلى إثبات ذلك الحُكم ولم يظهر له ما يُبطله، فإنّه يغلُب على ظنّه أنَّ الحُكم ثبتَ له. انظر "الإحكام" للآمدي (4/273)، "ميزان الأصول" للسمرقندي (ص567) الثّالث: التّعبد بالقياس فيه مصلحة لا تحصُل دونه، وهي ثواب المُجتهد على اجتهاد، وإعمال فكره وبحثه في استخراج علّة الحُكم المنصوص عليه؛ لتعديته إلى محل آخر، وما كان طريقًا إلى تحصيل مصلحة المُكلّف، فالعقل لا يحيله بل يجوزه. انظر "الإحكام" للآمدي (4/273) الرّابع: أنَّ النصوص لا تفي بالأحكام؛ لأنها مُتناهية والحوادث غير مُتناهية، فلا بدَّ من طريقٍ آخر شرعي يُضاف إليه، والقياس هو المصدر التّشريعي الّذي يُساير الوقائع المتجددة، ويكشف حُكم الشّريعة فيما يقع من الحوادث، ويوفق بين التّشريع والمصالح. انظر "البحر المحيط" للزركشي (5/25)، "روضة الناظر" لابن قدامة (ص326)، "شرح مختصر الروضة" للطوفي (3 /226)

الموقف من الاحتجاج به

ذهبَ البعض إلى نفي القياسِ وإنكاره، واتّجهوا في ذلك عدّة اتجاهات اختلفوا فيها بطريقة النّفي والإنكار، لكنهم اتّحدوا في النتيجة وبعض الاستدلالات؛ فكانوا بذلك ثلاث فرق: الفريق الأوّل: من أحال التّعبد بالقياس عقلاً وشرعاً. ذهبَ إلى هذا القول النّظام، ويُعتبر أول من أنكر القياس وصرّح بذلك، كذلك قال به الشّيعة الإماميّة. واحتجّوا على ذلك بما يلي: 1. إنّ القياس يؤدي إلى التّنازع والاختلاف، والله عز وجل قد نهى عن ذلك، قال تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46] يقول الجاحظ حكايةً عن النظَّام: "إنَّ الصّحابةَ لو لزموا العملَ بما أُمروا به، ولَم يتكلّفوا ما كُفوا القولَ فيه من إعمالِ الرّأي والقياس، لَم يقع بينهم التّهارج والخِلاف، ولَم يسفكوا الدّماء، لكن لمّا عدلوا عمّا كُلّفوا وتجبروا وتآمروا، وتكلّفوا القولَ بالرّأي، جعلوا للخلافِ طريقاً، وتورّطوا فيما كان بينهم من القتلِ والقتال" "المستصفى" للغزالي (2/256) فقد جعلُ النظّام بذلك القياس سبباً من أسبابِ التّنازع والاختلاف! 2. احتجَّ النظّام أيضاً على نفيِ القياس بأنّ الشّرعَ مبناهُ على الجمع بين المتفرقات، والفرق بين المُتماثلات؛ وهو على خِلافِ قضيّة العقل، وذلك يدل أنّ القياسَ غير وارد على مذاق العقل. ومن أمثلة الفرق بين المتماثلات: أنّه أوجبَ الغسلَ من المني والحيض، ولم يوجبه من البول والمذي، وفرّقَ في حقّ الحائض بينَ قضاءِ الصّلاةِ والصّوم، وأباح النّظر إلى الأمة الحسناء دون العجوز الشّوهاء. كذلك في الجمع بين المختلفات؛ فإنّه أوجبَ جزاء الصّيد على من قتله عمداً أو خطأ، وفرّقَ في حلقِ الشّعر والتّطيب بين العمدِ والخطأ، وأوجبَ الكفارة بالظّهار والقتل واليمين والإفطار، كذلك أوجبَ القتلَ على الزّاني والكافر وتارك الصّلاة. انظر "الإحكام" للآمدي (4/274)، "شرح المنهاج" للأصفهاني (2 /106) 3. كما استدلّ بأنَّ العقولَ لا تدلُّ على وجوبِ العملِ بالظّنونِ وإنَّما يبغي النّاظرُ ذلكَ إن كانَ مِن مآخذِ السَّمعِ ثمَّ لا يقعُ الاكتفاءُ بالظَّواهرِ، فإنَّ إثباتَ القياسِ عندَ القائلين بِهِ مقطوعٌ بِه وقواطعُ السَّمعِ نصُّ الكِتابِ، أو نَصُّ السُّنةِ المتواترةِ وليسَ في إثباتِ القياسِ نصُّ كتابٍ ولا نَصُّ سُنَّةٍ متواترةٍ. انظر "البرهان" للجويني (2/12) الفريق الثّاني: من قالَ بأنَّ القياسَ جائزٌ عقلاً، لكنه لَم يرد في الشّرعِ ما يدلُّ عليه. وقال بهذا الرّأي الظّاهريّة. انظر"تشنيف المسامع" للزركشي (2 /31) وقَد عقد ابن حزمٍ باباً كاملاً في كتابه الإحكام مبيّناً فيه حجج ودلائل إبطال القياس، يقول: «وذهبَ أصحابُ أهلِ الظّاهرِ إلى إبطالِ القولِ بالقياس في الدّينِ جُملةً، وقالوا: لا يجوزُ الحكم البتّة في شيءٍ من الأشياءِ كلّها إلّا بنصِّ كلام الله تعالى، أو نصّ كلامِ النّبيِّ أو بما صحَّ عنه صلّى الله عليه وسلّم من فعلٍ أو إقرار» "الإحكام" لابن حزم (7/55) ومن الأدلّة الّتي اعتمدَ عليها في إبطالِ القياس: 1. من الكتاب: قوله تعالى: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: 38]، وقوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل: 89] يقول ابن حزم: «ولا يحلُّ القولُ بالقياسِ في الدّينِ ولا بالرّأي؛ لأنَّ أمْرَ الله تعالى عند التّنازع بالرّد إلى كتابه وإلى رسوله _صلّى الله عليه وسلّم_ قد صح، فمن ردَّ إلى قياسٍ وإلى تعليلٍ بدعيه، أو إلى رأيٍ فقد خالفَ أمرَ الله تعالى المُعلّقِ بالإيمان، ورد إلى من تعالى بالرّد إليه وفي هذا ما فيه». المحلى" لابن حزم (1/78) 2. من المعقول: يقول ابن حزم: «نسألُ من قالَ بالقياسِ: هل كلُّ قياسٍ قاسه قائسٌ حق؟ أم منه حقٌّ ومنه باطلٌ؟ فإذا قال: كل قياسٍ حق، أحالَ؛ لأنّ المقاييسَ تتعارض، ويُبطلُ بعضها بعضاً. وإن قالَ: منها حقٌّ ومنها باطل، قيل له: فعرّفنا بماذا تعرفُ القياس الصّحيح من الفاسد؟ ولا سبيلَ لهم إلى وجود ذلك أبداً، إذا لَم يوجد دليل على تصحيح الصّحيح من القياسِ من الباطلِ منه فقد بطل كلّه، وصارَ دعوى بلا بُرهان» "المحلى" لابن حزم (1/79) كما استدلَّ ابن حزم على إنكار القياس بكثرةِ النصوص واستيعابها لجميع الحوادث بالأسماء اللغوية الّتي لا تحتاجُ إلى استنباطٍ واستخراج. انظر "تشنيف المسامع" للزركشي (2/32) الفريق الثّالث: وهم من اعتبروا القياس حجّةً فقط في صورتين، وفيما عداهما ليس بحجّةٍ. وهم القاشانيّة والنّهروانيّة. انظر "المحصول" للرازي (2 /202) أمّا الصورتين الّلتين اعتبرا القياس فيهما حجّة، فهما: الصّورة الأولى: القياس بالعلّة المنصوصة أو المومأ إليها دونَ المُستنبطة؛ فإذا كَشَفَ النّص أو دليلٌ آخر على علّة الأصل كانت العلّة جامعة للحُكم في جميع مجاريها. الصّورة الثّانية: أن يكونَ الفرعُ أولى بالحُكمِ من الأصل، وهو ما يُعرف بـ (القياس الجلي)؛ كقياسِ تحريم الضّرب على تحريم التّأفيف. وقال الرّازي عن الصّورة الثّانية بأنّها: الأحكام المُعلّقة بالأسباب؛ كرجمِ ماعز لزناه، وقطع سارق رداء صفوان. فهم بذلك يقرّون بتنقيح مناط الحُكم ويعترفون به. واحتجّوا على ذلك بأنّه: إذا كانت العلّة منصوصة صارَ الحُكمُ في الفرعِ معلوماً، ولَم يَكُن مظنوناً، وحصلَ الأمنُ من الخطأ، وإن كانت مستنبطة لَم يؤمَن الخطأ. انظر "المستصفى" للغزالي (2 /286-287)

الأقسام والأنواع

يمكن تقسيم القياس إلى عدة أقسام باعتبارات عديدة: 1- باعتبار قطعيته وظنيته: القياس إمّا قطعي، وإمّا ظنّي. وذلك لأنّه إما أن تكون مقدّمات القياس بأسرها قطعيّة؛ بأن يكون الحُكم في الأصل ثابتاً بنص قاطع أو إجماع، وعُلم وجود العلّة في الأصل، وعُلِمَ أنّه علة بنصّ قاطع أو إجماع، ثمَّ عُلِمَ حصول تلك العلّة في الفرع. أو لا تكون مقدّماته بأسرها قطعيّة: بأن يكون بعض المقدّمات أو جميعها ظنّية: فإن كان بعض المقدمات ظنية: فالقياس ظني؛ وحينئذٍ: لا بدَّ وأن يُعلم الحُكم في الفرع، فمُمتنع أن يكونَ الحُكم في الفرع أقوى من الحُكم في الأصل؛ لأنه ليس فوق القطع واليقين درجة. وإن كان جميع المقدّمات ظنيّة: فالقياس ظني، وحينئذٍ إما أن يكون الفرع بالحُكم أولى من الأصل؛ كقياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف؛ تعظيماً للوالدين. أو أن يكون الفرع مساوياً للأصل في الحُكم؛ كقياس الأمة على العبد في سراية العتق؛ لاشتراكهما في تشوف الشّارع بالعتق. انظر "شرح المنهاج" للأصفهاني (2 /109- 110) 2- باعتبار علاقة حكم الفرع بحكم الأصل: قياس أولى، وقياس أدنى، وقياس مساوي. فالقياس الأولى: هو ما كانَ الفرع فيه أولى بالحُكم من الأصل؛ لقوة العلة فيه. مثل: قياس الضرب على التأفيف بجامع الإيذاء؛ فإنَّ الضّرب أولى بالتّحريم من التأفيف لشدّة الإيذاء فيه. القياس المساوي: هو ما كان الفرع فيه مساوياً للأصل في الحُكم من غير ترجيح عليه. مثل: قياس الأمة على العبد في الرّق ليثبت لهما ما ثبت للعبد من تقويم نصيب أحد الشريكين على الشّريك الآخر إذا أعتق أحدهما نصيبه ولم يرضَ الآخر بعتق نصيه. القياس الأدنى: هو ما كان الفرع فيه أقل ارتباطاً بالحُكم من الأصل. مثل: قياس التّفاح على البرّ بجامع الطّعم في كل منهما؛ ليثبت فيه حرمة التّفاضل كما ثبت في البر. 3- باعتبار الجلاء والخفاء: فالقياس الجلي: هو ما قُطعَ فيه بنفي تأثير الفارق بين الأصل والفرع. مثل: قياس الأمة على العبد؛ فإنَ الفارق بينهما هو الذكورة والأنوثة، ونحنُ نقطع بأنَّ الشارع لم يُفرق في أحكام العتق بين الذّكر والأنثى. والقياس الخفي: هو ما لم يقطع فيه بنفي تأثير الفارق بين الأصل والفرع. مثل: قياس القتل بالمثقل على القتل بالمحدد بجامع القتل العمد العدوان؛ ليثبت وجوب القصاص في المثقل، كما وجب في المحدد فإنَّ الفارق بينهما وهو كون أحدهما مثقلاً والآخر محدداً لم يقطع بإلغاء تأثيره من الشارع بل يجوز أن يكون الفارق مؤثراً، ولذلك قال أبو حنيفة: لا يجب القصاص في القتل بالمثقل. 4- أقسام القياس: فقياس العلّة : هو ما جمع فيه بين الأصل والفرع بنفس العلّة. مثل: قياس النّبيذ على الخمر بجامع الإسكار. و قياس الدّلالة : هو ما جمع فيه بين الأصل والفرع بلازم العلة؛ كقياس النبيذ على الخمر بواسطة الرّائحة المشتدة. انظر "أصول الفقه" لأبي النور (4 /35 -37)

مسائل متعلقة

القياس يجري في الشّرعيات حتى الحدود والكفارات وذلك لعموم الدّلائل الدّالة على كون القاي حجة، فإنها غير مختصة ببعض الصور دونَ بعض فيشمل الحدود والكفّارات. ولأنَّ الحُكم إنّما هو لأجل الظّن، وهو حاصل في الحدود والكفارات كما هو حاصل في غيرهما، فيكون الظّن مفيداً للحُكم في الحدود والكفّارات. مثال القياس في الكفارة: إيجاب الكفارة على القاتل العمد، قياساً على إيجاب الكفّارة على القاتل الخطأ. ومثال القياس في الحدود: إيجاب القطع على النّباش قياساً على السّارق. انظر "شرح المنهاج" للأصفهاني (2 /112) لا يجري القياس في الأسباب، ولا في العادات أما الأسباب: فإنا إذا قسنا اللواط على الزّنا في كونه سبباً للحد؛ فإما أن نقول: إن كون الزّنا سبباً للحد؛ لأجل وصف مشترك بينه وبين اللواط. وإمّا أن لا نقول ذلك. فإن كان الأول: كان السبب للحد هو الوصف المشترك، وحينئذٍ يخرج الزنا واللواط على كونهما سببين، فلا يكون الزّنا سبباً للحد؛ لأن الحد لما أُسند إلى الوصف المشترك: امتنع إسناده إلى خصوص كل منهما، فلا يكون الزّنا سبباً للحد فلا يُقاس اللواط عليه في كونه سبباً، فإنَّ شرط القياس ثبوت حكم الأصل وهو سببية الزّنا للحد، ولم يثبت حكم الأصل، فلا يُقاس اللواط عليه. وإن كان الثّاني: وهو أن لا نقول كون الزّّنا سبباً للحد؛ لأجل وصفٍ يشترك بينه وبين اللواط: امتنع قياس اللواط عليه في كونه سبباً؛ ضرورة امتناع القياس بدون جامع. وكذلك لا يجري القياس في العادات؛ كأقل الحيض وأكثره، وأقل النفاس وأكثره؛ لأن أسبابها غير معلومة، لا قطعاً ولا ظاهراً، والقياس فرع العلم بها فوجب الرّجوع فيها إلى قوله الصّادق. انظر "شرح المنهاج" للأصفهاني (2 /113)