البحث

عبارات مقترحة:

العلي

كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...

الوهاب

كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

المصلحة المرسلة

اتّفق الأصوليون على أنّ الأحكام إنما شرعت لتحقيق مصالح العباد، لكنهم اختلفوا في اعتبار المصالح المرسلة كدليل من أدلة الأحكام. والجميع متفق على اعتبار المصلحة، إلا أنّ الخلاف وقع في تسمية العمل بهذا الأصل والالتفات إلى تحقيقه فيما لم يرِد باعتباره أو إلغائه دليلٌ خاص مصلحة مرسلة، فبعضهم يُسمي ذلك مصلحة مُرسلة، وبعضهم يُسمي ذلك قياساً، أو عموماً، أو اجتهاداً، أو عملاً بمقاصد الشّريعة.

التعريف

التعريف لغة

المصلحة في اللّغة: من الفعل صلح، وتدلُّ على خِلاف الفساد، والمصلحة خلاف المفسدة، يُقال في الأمرِ مصلحة: أي: خير. وهي ما يترتب على الفعل مما يبعث على الصّلاح. فهي كالمنفعة وزناً وعمى، فهي مصدر بمعنى الصلاح؛ كالمنفعة بمعنى النّفع. ومنه سمي ما يتعاطاه الإنسان من الأعمال الباعثة على نفعه مصلحة؛ تسميةً للسبب باسم المُسبب مجازاً. انظر "مقاييس اللغة" لابن فارس (3 /303)، "لسان العرب" لابن منظور (2 /516).

التعريف اصطلاحًا

يقول الغزالي في تعريف المصلحة: «أمّا المصلحة فهي عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مضرّة، ولسنا نعني به ذلك، فإنَّ جلب المنفعة ودفع المضرّة مقاصد الخلق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم. لكنا نعني بالمصلحة المُحافظة على مقصود الشّارع» "المستصفى" للغزالي (1 /416). وعرّفها الطّوفي بأنها: جلب منفعة أو دفع ضر. انظر "شرح مختصر الروضة" للطوفي (3 /204). وعرّفها ابن عاشور بأنها: وصفٌ للفعل يصلح به الصلاح؛ أي النّفع منه دائماً وغالباً. انظر "مقاصد الشريعة" لابن عاشور (ص71). أمّا المصالح المرسلة فهي: ما لَم يشهد الشّرع لاعتباره ولا لإلغائه بدليل خاص. انظر "معالم أصول الفقه" للجيزاني (236)

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

يوافق المعنى اللغوي للمصلحة المعنى الاصطلاحي؛ فتعريفات المصلحة لغةّ واصطلاحاً تُفيد في مجموعها أنّ المصلحة تُطلَق بإطلاقين: الأول: مجازي؛ وهو السّبب الموصل إلى النّفع. والثّاني: حقيقي؛ وهو نفس المسبب الذي يترتب على الفعل من خير ومنفعة، ويُعبر عنه باللذة، والنفع، والخير، والحسنة على نهج الإطلاق اللغوي. وقد غلب في القرآن استعمال الحسنات في المصالح، والسيئات في المفاسد، قال تعالى: ﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا﴾ [الأنعام: 160] وهذه المنفعة المترتبة على الفعل لا يُنظَر إليها في التّشريع باعتبار أنها لذة موافقة لهوى النّفوس محصلة لرغباتها الماديّة؛ لأنّ الرغبات مُختلفة، والأهواء مُتنازعة، والتشريع لا يخضع لهوى النّفوس؛ لما في ذلك من الفساد البيّن. انظر "أصول الفقه الإسلامي" لشلبي (ص283)

الأدلة

القرآن الكريم

المصلحة المرسلة في القرآن الكريم
ثبت بالاستقراء وبالنّصوص أنَّ الشّريعة الإسلاميّة قد اشتملت أحكامها على مصالح النّاس، فقد قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107] وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 57] وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185] فإنّه إن لم يؤخذ بالمصلحة في كل موضعٍ تحققت ما دامت من جنس المصالح الشّرعية كان المُكلّف في حرج وضيق. انظر "أصول الفقه" لأبي زهرة (ص282).

السنة النبوية

المصلحة المرسلة في السنة النبوية
ما رواه أبو سعيدٍ الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لا ضَررَ ولا ضِرارَ» أخرجه ابن ماجة (1909) فالحديث يدل على أن أحكام الشرع روعي فيها الأخذ بمصالح النّاس، واعتبار جنس المصالح في جُملة الأحكام يوجب ظن اعتبار هذه المصلحة في تعليل الأحكام. انظر "أصول الفقه الإسلامي" للزحيلي (2 /43)

العقل

إنّ العمل بالمصالح المُرسلة مما لا يتم الواجب إلا به، فيكونُ واجبًا. وذلكَ أنَّ المُحافظة على مقاصد الشّريعة الخمسة ثبت بالاستقراء اعتبارها ووجوبها، وهذه المُحافظة إنما تتم بالأخذ بالمصلحة المُرسلة وبناء الأحكام عليها. انظر "معالم أصول الفقه" للجيزاني (ص240) كما أنّ النصوص لم تستوعب جميع المصالح تفصيلاً؛ فهي متجددة بتجدد الزّمان وتختلف باختلاف البيئات. فلو وقف التّشريع عند المصالح التي قامت عليها أدلّة معيّنة وأغلقنا بابها على ذلك لضاعت مصالح كثيرة على النّاس وهو خلاف المقصود من التشريع، ومُنافٍ لعمومها وكونها رحمة للعالمين. فكان لا محالة بقاء بابها مفتوحًا لكل جديد منها. انظر "أصول الفقه الإسلامي" لشلبي (ص291)

الموقف من الاحتجاج به

جلب المصالح ودرء المفاسد أصلٌ متفقٌ عليه بين العُلماء، لكنهم اختلفوا في المصالح المُرسلة ؛ فمَن رأى أنّها من باب جلب المصالح ودرء المفاسد اعتبرها دليلاً واحتجَّ بها، ومَن رأى أنّها ليست من هذا الباب ورأى أنها من باب وضع الشّرع بالرّأي وإثبات الأحكام بالعقل والهوى، قال: إنّه ليست من الأدلّة الشّرعيّة ولا يجوز الاحتجاج بها ولا الالتفات إليها. انظر "معالم أصول الفقه" للجيزاني (ص237) وقد انقسم الأصوليون في حجية المصالح المرسلة إلى ثلاثة مذاهب: المذهب الأوّل: أنّها حجّة يجب العمل بها في محلّها وتُبنى عليها الأحكام. المذهب الثّاني: أنّها ليست حجّة فلا يجوز العمل بها مُطلقًا، وأصحابُ هذا الرّأي فريقان: فريقٌ نفى حجيّة القياس ووقف عند النّصوص وهم الظّاهريّة ومَن سلَك مسلكهم. وفريقُ يعترف بالقياس ولكنه يمنع العمل بالمصلحة إلا إذا وجد المُجتهد لها أصلاً معيّناً. المذهب الثّالث: التفصيل بين نوع ونوع؛ فإن كانت ضرورية قطعيّة كليّة، صحَّ العملُ بها وإلا فهي مردودة وليست بحجة. وقد ذهب الغزالي إلى هذا القول. وقصدَ من كونها ضرورية: أن تكون راجعة إلى حفظ أمر من الضّرورات الخمس الّتي جاءت الشّريعة بالمُحافظة عليها وهي الدّين والنفس والعقل والمال والنّسل ومن كونها قطعيّة : أن يجزم العقل بتحقيق هذه المصلحة من إباحة الفعل أو تحريمه. ومن كونها كليّة : أن تكون فائدتها عائدة على جميع المُسلمين. انظر: "أصول الفقه الإسلامي" لشلبي (ص289) يقول الشّنقيطي: «فالحاصل أنّ الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتعلقون بالمصالح المُرسلة الّتي لَم يدل دَليل على إلغائها، ولَم تُعارضها مفسدة راجحة أو مساوية، وأنّ جميع المذاهب يتعلّق أهلها بالمصالح المُرسلة، وإن زعموا التّباعد منها، ومن تتبع وقائع الصّحابة وفروع المذاهب علم صحّة ذلك. ولكن التّحقيق أنّ العمل بالمصلحة المرسلة أمرٌ يجبُ فيه التّحفظ وغاية الحذر، حتى يتحقق صحة المصلحة وعدم مُعارضتها لمصلحة أرجح منها، أو مفسدة أرجح منها أو مساوية لها، وعدم تأديتها إلى مفسدة ثانية» "مذكرة في أصول الفقه" للشنقيطي (ص170) وبذلك يتبيّن أنَّ الخِلاف في الاحتجاج بالمصلحة المُرسلة خلاف لفظي؛ لأنَّ الجميع متفق على أنَّ تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها أصل شرعي ثابت، إلا أنّ الخلاف وقع في تسمية العمل بهذا الأصل والالتفات إلى تحقيقه فيما لم يرِد باعتباره أو إلغائه دليلٌ خاص مصلحة مرسلة. فبعضهم يُسمي ذلك مصلحة مُرسلة، وبعضهم يُسمي ذلك قياساً، أو عموماً، أو اجتهاداً، أو عملاً بمقاصد الشّريعة. انظر: "معالم أصول الفقه" للجيزاني (ص238)

الأقسام والأنواع

أوّلاً: تنقسم المصالح المُرسلة باعتبار الأصل الّذي تعود عليه بالحفظ إلى: مصلحة تعود إلى حفظ الدّين مصلحة تعود إلى حفظ النّفس مصلحة تعود إلى حفظ العقل مصلحة تعود إلى حفظ النسل مصلحة تعود إلى حفظ المال وهذه الأمور الخمسة تسمّى: بالضرورات الخمس، و بمقاصد الشّريعة؛ وهي الأمور الّتي عُرف من الشّارع الالتفات إليها في جميع أحكامه، ويستحيل أن يفوّتها في شيء من أحكامه، بل جميع التكاليف الشّرعيّة تدور حولها بالحفظ والصّيانة. والدّليل على ذلك: هو الاستقراء التّام الحاصل بتتبع نصوص الكتاب والسنة وقرائن الأحوال وتفاريق الأمارات. انظر "معالم أصول الفقه" للجيزاني (ص236) ثانياً: تنقسم المصالح المُرسلة باعتبار قوّتها إلى ثلاثة أقسام: المصلحة الضّرورية، وتسمى درء المفاسد ؛ وهي ما كانت المصلحة فيها في محل الضّرورة؛ بحيث يترتب على تفويت هذه المصلحة تفويت شيء من الضروريات أو كلها، وهذه أعلى المصالح؛ وذلك كتحريم القتل، ووجوب القصاص. المصلحة الحاجيّة: وتُسمى جلب المصالح ؛ وهي ما كانت المصلحة فيها في محل الحاجة لا الضّرورة فيحصل بتحقيق هذه المصلحة التسهيل وتحصيل المنافع، ولا يترتب على فواتها فوات شيء من الضروريات؛ كالإجارة والمُساقاة. المصلحة التّحسينية، وتسمى التتميمات ؛ وهي ما ليس ضروريّاً ولا حاجيّاً، ولكنها من باب الجري على مكارم الأخلاق واتّباع أحسن المناهج؛ كتحريم النجاسات.

مسائل متعلقة

استدلَّ القائلون بحجية المصالح المُرسلة بأنّ الصحابة سلكوا هذا المسلك وعملوا يالمصالح المُرسلة، ومن ذلك: أنّ الصحابة جمعوا القرآن في مصاحف، ولَم يكُن ذلك في عهد النّبي صلى الله عليه وسلّم، وما دفعهم إلى هذا إلا المصلحة، وهي حفظ القرآن من الضّياع، وذهاب تواتره بموت حفاظه من الصّحابة. كما قرر الخُلفاء الرّاشدون تضمين الصّناع، مع أنَ الأصل أن أيديهم على الأمانة، ولكن وجد أنهم لو لم يضمنوا لاستهانوا ولم يقوموا بحق المُحافظة على ما تحت أيديهم من أموال النّاس، وقد صرّح علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأنَّ الأساس في التّضمين كان المصلحة. وكان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يُشاطر الولاة الذين يتهمهم أموالهم؛ لاختلاط أموالهم الخاصّة بأموالهم الّتي استفادوها بسُلطان الولاية؛ لأن رأى في لك صلاح الولاة، ومنعهم من استغلال سلطان الولاية لجمع المال، وجر المغانم من غير حل؛ فالمصلحة العامة التي دفعته إلى ذلك لوم يكُن فيها ظلم لأنه كان يتعرف أموالهم قبل الولاية، وبعد الولاية يتعرف هذه الأموال، فإن لم يبدو سبباً معقولاً سائغاً يُشاطرهم تلك المُشاطرة العادلة في ذاتها الواقية للظلم في المُستقبل. ولقد أراق عمر بن الخطاب رضي الله عنه اللبن المغشوش بالماء؛ تأديباً للغشاشين، وذلك من باب المصلحة لكيلا يغشوا النّاس من بعد. وقد قرّر الصحابة قتل الجماعة بالواحد إذا اشتركوا في قتله؛ لأنَ المصلحة تقتضي ذلك، ووجهها أنَّ القتيل معصوم الدّم، وقد قتل عمداً، فإهدار دمه داعٍ إلى منع أصل القصاص؛ لأنه يكفي أن يذهب الدّم هدراً بإشراك اثنين في قتله إذا قُلنا إن الجماعة لا تقتل بالواحد، فكل من يُريد أن ينجو من القصاص يشرك غيره معه، فينجوان معاً، ويذهب دم القتيل، فكانت المصلحة داعية إلى قتل الجماعة بالواحد. انظر "أصول الفقه" لأبي زهرة (ص280-281). ضوابط الأخذ بالمصالح المُرسلة: أوّلاً: ألا تكون المصلحة مصادة لنصّ أو إجماع. ثانياً: أن تعود على مقاصد الشّريعة بالحفظ والصّيانة. ثالثاً: ألا تكون المصلحة في الأحكام الّتي لا تتغير؛ كوجوب الواجبات، وتحريم المحرّمات، والحدود، والمقدرات الشّرعية، ويدخل في ذلك الأحكام المنصوص عليها، والمُجمع عليها، وما لا يجوز فيه الاجتهاد. رابعاً: ألا تُعارضها مصلحة أرجح منها أو مساوية لها، وألا يستلزم من العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها. انظر "معالم أصول الفقه" للجيزاني (ص239)