البحث

عبارات مقترحة:

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

الاستحسان

الاستحسان أحد أدلة الأحكام المُختلف فيها بين الأصوليين؛ نظراً لاختلاف تعريفاتهم. إلا أنهم اتفقوا على بُطلان القول بما يستحسنه الإنسانُ ويشتهيه من غير دليل، واتفقوا على الأخذ بما كان معناه العدول عن قياس إلى قياس أقوى، وقولُ من قال: إنّه تخصيص قياسٍ بأقوى منه. وقد استدل القائلون بحجية الاستحسان بأدلة من الكتاب والسنة والعقل وعمل الصّحابة. فالاستحسان وإن لم يكُن دليلاً مستقلاً إلا أنه يكشف لنا عن طريقة بعض الأئمة في تطبيق أدلة الشّريعة وقواعدها عندما تصطدم بواقع النّاس في بعض جزئياتها، وهو من أقوى الأدلة على أنّ الفقه الإسلامي فقه واقعي.

التعريف

التعريف لغة

الاستحسان مشتق من الحسن، والحسن: ضدّ القبح ونقيضه. والاستحسان: عدّ الشيء حسنًا، تقول: استحسنت هذا الشيء: إذا رأيته من الأمور الحسنة. أو هو: طلب الأحسن للاتباع الذي هو مأمورٌ به. وهو: ما يميلُ إليه الإنسان ويهواه من الصّور والمعاني، وإن كانَ مُستقبحاً عند غيره. انظر "لسان العرب" لابن منظور (13 /114-119).

التعريف اصطلاحًا

اختلف العُلماء في تعريفه: فقال بعضهم: إنَّه دليل ينقدح في نفس المُجتهد ويعسر عليه التّعبير عنه. انظر "إرشاد الفحول" للشوكاني (2 /985). وقال الكرخي: «هو أن يعدل الإنسان عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حكم في نظائرها إلى خلافه؛ لوجهٍ أقوى يقتضي العدول عن الأول». "المحصول" للرازي (2 /461). وقال أبو الحسين: «الاستحسان ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ؛ لوجهٍ أقوى منه، وهو في حُكم الطّارئ على الأول». "المعتمد" لأبي الحسين البصري (2 /296) وعّرفه أبو زيد الدّبوسي بأنّه: ترك القياس والأخذ بما هو أوفق بالناس. انظر "المبسوط" للسرخسي (10 /145) وعرّفه السرخسي بأنّه: الدّليل الذي يكون معارضاً للقياس الظاهر الّذي تسبقُ إليه الأوهام قبل التأمل فيه، وبعد التّأمل في حكم الحادثة وأشباهها من الأصول يظهر أنَّ الدليل الذي عارضه فوقه في القوة فإنّ العمل به واجب. انظر "أصول السرخسي" للسرخسي (2 /200) وقال الإمام مالك: الاستحسان: هو العمل بأقوى الدّليلين، أو الأخذ بمصلحة جزئية في مُقابلة دليل كلّي. وعرّفه ابن رشد بقوله: هو أن يكون طرحًا لقياس يؤدي إلى غلوٍ في الحُكم ومبالغة فيه، فيعدل عنه في بعض المواضع لمعنى يؤثر في الحُكم يختص به ذلك الموضع. ومن يستعرِض هذه التّعريفات يظهر له أنّ الاستحسان: إمّا دليلٌ من الأدلّة في مُقابلة قياس الظّاهر. وإمّا ترك القياس إلى دليلٍ آخر أقوى منه، أو عدولٌ بالمسألة عن حُكم نظائرها إلى حكمٍ آخر لوجهٍ يقتضي ذلك، ويكون الدّليل المقتضي للعدول أو التّرك هو وجه الاستحسان. انظر "أصول الفقه الإسلامي" لشلبي (ص264- 265).

الأدلة

القرآن الكريم

الاستحسان في القرآن الكريم
استدلَّ القائلون بحجيّة الاستحسان بقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]. وقالوا: إن في الأخذ بالاستحسان ترك العسر إلى اليسر، وهو أصلٌ في الدين. ومن يتتبع مسائل الاستحسان في الفقه الحنفي يجدها إلا القليل منها ترجع إلى قاعدة الاستثناء من عموم الأدلة والقواعد الكليّة. فالقرآن لمّا حرّم بعض المحرّمات ، قال تعالى: ﴿إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام: 119] وبعد تقرير كثير من المشروعات يستثني أصحاب الأعذار؛ قال تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 185]. انظر "أصول الفقه الإسلامي" لشلبي (ص266)، "أصول الفقه الإسلامي" للزحيلي (2 /30).

السنة النبوية

الاستحسان في السنة النبوية
ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «فما رَأى المُسلمونَ حَسنًا؛ فهو عندَ اللهِ حَسنٌ، وما رأَوا سيِّئًا؛ فهو عندَ اللهِ سيِّئٌ». أخرجه أحمد (3600). والرّسول طبّق الاستحسان؛ فيَحرُم شجر الحرم وحشائشه، ثمَّ يستثني الأذخر؛ استجابةً لسؤال عمّه العباس الّذي بيّن له حاجة النّاس إليه وعدم استغنائهم عنه. كما ينهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ويرخص في السلم وهو نوع منه. وينهى عن مُبادلة المال المتحّد النوع إلا متساويًا يدًا بيد، ويُبيح القرض وهو نوعٌ من ربا النسيئة؛ دفعاً لحاجة النّاس وتوسعة عليهم. وينهى عن بيع الرّطب بالتّمر ويرخص في العرايا وهو نوعٌ من ربا الفضل؛ للحاجة. فالذي يُنكرُ ذلك يكون منكراً لأصلٍ من الأصول الشّرعية؛ وهو تشريع الرّخصة الّذي يقول الرّسول صلى الله عليه وسلّم في شأنها: «إنَّ اللهَ يحبُّ أنْ تؤتَى رُخصُهُ كما يحبُّ أنْ تؤتَى عزائمُهُ» أخرجه ابن حبان (354)، والطبراني (11/323).

الموقف من الاحتجاج به

الاختلاف في حجّية الاستحسان إنّما يرجعُ إلى العبارة الّتي عبّر بها عنه: فبعض ما عُرّف به الاستحسان مقبولٌ اتفاقًا، وبعضه مترددٌ بين ما هو مقبول اتفاقًا، ومنه ما هو مردود اتفاقًا. فمن صور الاتفاق على القبول: قول من قال: إن الاستحسان العدول عن قياس إلى قياس أقوى، وقولُ من قال: إنّه تخصيص قياسٍ بأقوى منه. وجعلوا من المتردد بين القبول والرد: قول من قال: إنه دليلٌ ينقدح في نفس المجتهد، ويعسُر عليه التّعبير عنه. لأنّه إن كانَ معنى قوله "ينقدح" أنّه يتحقق ثبوته فالعمل به واجبٌ عليه اتفاقًا، وإن كان بمعنى أنّه شاك؛ فهو مردود اتفاقاً؛ فلا تثبت الأحكام بمجرد الاحتمال والشّك. وجعلوا من المتردد قول من قال: إنّه العدول عن حُكم الدّليل إلى العادة لمصلحة النّاس. فقالوا: إن كانت العادة هي الثابتة في زمن النّبي صلى الله عليه وسلّم فقد ثبت بالسّنة، وإن كانت هي الثّابتة في عصر الصحابة من غير إنكار فقد ثبت بالإجماع. وأمّا غيرها، فإن كان نصًّا أو قياسًا، مما ثبتت حجيّته، فقد ثبت ذلك به، وإن كانَ شيئاً آخر مما لم تثبت حجيّته، فهو مردود قطعًا. وقد ذكرَ الباجي أنّّ الاستحسان الّذي ذهبَ إليه أصحاب مالك هو القول بأقوى الدّليلين؛ كتخصيص بيع العرايا من بيع الرّطب بالتّمر. وهذا الدّليل إن سمّوه استحساناً، فلا مشّاحة في التّسمية. وأما المردود منه اتفاقاً: فهو القول بما يستحسنه الإنسانُ ويشتهيه من غير دليل، فهو باطل، ولا أحد يقول به. قال بعض المحققين: الاستحسان كلمة يُطلقها أهلُ العلم على ضربين: أحدهما: واجبٌ بالإجماع، وهو أن يقدم الدّليل الشرعي، أو العقلي؛ لحسنه. فهذا يجبُ العمل به؛ لأنّ الحسن ما حسّنه الشرع، والقبيح ما قبّحه. و الضّرب الثّاني : أن يكونَ على مُخالفة الدّليل. مثل: أن يكونَ الشّيء محظوراً بدليل شرعي، وفي عادات النّاس إباحته، أو يكون في الشّرع دليلٌ يغلطه، وفي عادات النّاس تخفيف، فهذا يحرم قبوله، ويجب اتّباع الدّليل، وترك العادة والرّأي، سواء أكان ذلك الدّليل نصّاً أو إجماعاً أو قياساً. انظر "إرشاد الفحول" للشوكاني (2 /986- 989) أمّا ما ورد على لسان الأئمة من إنكار الشافعي للاستحسان بقوله: من استحسن فقد شرّع. فيجبُ أن يُحمَل على المعنى المتفّق على ردّه؛ كالاستحسان بمعنى: ميل الإنسان إلى ما يحبّه ويهواه؛ لأنّّ ذلك يكون قولاً في الدّين بالهوى والتشهي، وهو متفقٌ على منعه. انظر "أصول الفقه" لأبي النور (4 /159)

الأقسام والأنواع

النوع الأول: استحسان النّص وهو العدول عن حُكم القياس الظاهر إلى حُكم مُخالف له ثبت بالأثر؛ كالسلم، والإجارة. فإنّ القياس يأبى جواز هذه العقود، ولكنها جازت بالنّص. النّوع الثاني: استحسان الإجماع وهو العدول عن حُكم القياس الظّاهر إلى حُكم مُخالف له ثبت بالإجماع؛ كصحّة عقد الاستصناع الّذي ثبت بالإجماع. النّوع الثالث: استحسان الضّرورة وذلك بأن توجد ضرورة تحمل المجتهد على ترك القياس والأخذ بمقتضياتها. وقد مثّل الحنفيّة لهذا النوع بتطهير الحياض والآبار؛ فإنَّ القياس يُنافي تطهيرها، إذ لا يُمكن صب الماء على الحوض أو البئر ليتطهر، وكذا الماء الدّاخل في الحوض أو الذي ينبع من البئر يتنجس بمُلاقاة النّجس، ولكنهم تركوا العمل بموجب القياس للضرورة. النّوع الرّابع: استحسان القياس الخفي بأن يكون في المسألة وصفان يقتضيان قياسين متباينين، أحدهما ظاهر متبادر، وهو القياس الاصطلاحي، والآخر خفي يقتضي إلحاقها بأصل آخر، فيُسمى استحساناً. وقد مثّل الحنفية لهذا النوع: بسؤر سباع الطير، فإنها نجسة اللحم، وهي بالقياس على سباع البهائم نجسة السؤر، ولكن الاستحسان يحكم بطهارة سؤرها؛ ذلك أنّ سؤر سباع البهائم نجس؛ لوجود لعابها في السؤر، أما سباع الطير، فهي تشر بمناقيرها، والعظم طاهر بذاته، فلا يتصل لعابها بالماء فلا يتنجس، وللاحتياط، قالوا: إنه مكروه الاستعمال. النّوع الخامس: الاستحسان بالمصلحة التي لم تبلغ حد الضّرورة ويتحقق ذلك في كل مسألة ثبت لها حكم بنص عام شامل لها ولأمثالها أو بقاعدة مقررة ووجد أن تطبيق ذلك الحكم العام عليها يؤدي إلى مفسدة أو يفوت مصلحة؛ فإنها تستثنى ويعطى لها الحُكم الذي يحقق المصلحة. ومثاله: ما روي عن أبي يوسف من أنّه قضى بتوريث زوج المرتدة منها إذا ارتدت في مرض موتها؛ استثناءً من القاعدة العامة وهي عدم إرثه لانتهاء الزوجيّة بالردة، ووجه الاستحسان هنا هو زجر المرتدة وأمثالها، ومُعاملة لها بنقيض مقصودها من الفرار من الإرث. النّوع السادس: الاستحسان بالعُرف ومن أمثلته: قرر فقهاء الحنفية فيمن استعار دابّة فردها إلى بيت مالكها فهلكت، لم يضمن استحساناً؛ لتعارف الناس ردّ الدواب على هذه الحالة، والقياس في المال المستعار أن يرد إلى مالكه في يده؛ كالثياب وغيرها. انظر "أصول السرخسي" للسرخسي (2 /202)، "أبو حنيفة" لأبي زهرة (ص 393)، "المدخل الفقهي" للزرقا (1 /81- 87)، "أصول الفقه الإسلامي" لشلبي (ص270-278).

مسائل متعلقة

الصّحابة والاستحسان لقد طبَّق فقهاء الصّحابة مبدأ الاستثناء الذي هو الاستحسان في كثيرٍ من الوقائع، منها: حكموا بإرث المرأة الّتي طلقها زوجها في مرض موته مع أنّ الأصل انتهاء الإرث بانتهاء العلاقة الزّوجية؛ لزوال موجب الإرث وهو الزّوجية. كما قضوا بتضمين الصّناع مع أنهم مؤتمنون، والأصل في المؤتمن ألا يضمن إلا بالتّعدي أو بالتقصير في حفظ ما أتمن عليه. وحكموا بتأييد تحريم المرأة الّتي تزوجت في عدتها على من تزوجها، مع أنّ الأصل حل المعتدة للأزواج إذا انتهت عدتها، لا فرق بين شخص وآخر ممن تحلُّ لهم. وقد حكموا بمُشاركة الأخوة الأشقاء للأخوة لأم في سهمهم في الميراث في المسألة المشتركة؛ وهي ما إذا توفيت عن زوج وأم وأخوين لأم أوخوة أشقاء. مع أنّ الأصل المقرر بمقتضى الدليل أن العاصب لايرث إلا بعد استيفاء أصحاب الفروض فرائضهم. فهذه الأحكام والفتاوى صدرت منهم تطبيقًا لمبدأ الاستثناء بناءً على ما اقتضته المصلحة وهو ما يصدق عليه حد الاستحسان عند القائلين به. انظر "أصول الفقه الإسلامي" لشلبي (ص267-268). الفرق بين القياس والاستحسان والمصالح المُرسلة القياس: هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه الشرعي بأمر منصوص على حكمه؛ لاشتراكهما في علة الحُكم. فالحالة هُنا أمام واقعة ثابتة بنص أو إجماع، ثمَّ إلحاق واقعة أخرى بها في الحُكم للاشتراك في العلّة الجماعة بينهما. مثل: قياس النبيذ على الخمر في تحريم التّناول؛ لعلة الإسكار الموجود في كل منهما. وأمّا الاستحسان: فهو العدول عن حُكم دليل إلى نظيره بدليل أقوى منه؛ كالعدول عن نص عام أو قياس إلى نص خاص، أو قياس خفي لدقة علّته وبعدها عن الذّهن؛ لأنّ في ذلك مراعاة لمصلحة أودفع مفسدة؛ مثل عقد الاستصناع مع أنّ المعقود عليه معدوم حين انعقاد العقد. وأما المصلحة المرسلة: فالمدار فيها على وجود وصف مُناسب لتشريع الحُكم عنده، ولكن لم يتعرّض له الشرع بالاعتبار ولا بالإلغاء؛ أي أنه ليس هناك نص ولا إجماع ولا قياس في المسألة المجتهد فيها. وبه يتبين أنّ القياس يجري في الوقائع التي لها نظير أو مُماثل في النّص أو الإجماع. وأنّ الاستحسان يجري في مسألة لها نظير ولكنها استثنيت من حُكم لدليل يوجب ذلك. وأمّا المصلحة المُرسلة: فإنها تطبق في واقعة ليس لها نظير في الشّرع تُقاس عليه، وإنما يثبت الحُكم فيها ابتداءً. انظر "أصول الفقه الإسلامي" للزحيلي (2 /21-22). إن ثبوت الاستحسان إنّما كان بالأدلة المتفق على أنّها حجّة؛ لأنّه إما أن يثبت بالأثر؛ كالسلم، والإجارة، وعدم فساد صوم من أكل ناسياً. وإما بالإجماع؛ كالاستصناع. وإما بالضرورة؛ كطهارة الحياض والآبار بعد تنجسها. وإما بالقياس الخفي. وإما بالعُرف؛ كرد الأيمان إلى العرف. وإما بالمصلحة؛ كتضمين الأجير المشترك. انظر "كشف الأسرار" للبزدوي (2 /1125)