البحث

عبارات مقترحة:

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

الاستصحاب

الاستصحاب أحد أدلة الأحكام الّتي يُعْمَل بها إن لم يوجد الحُكم في الكتاب أو السنة أو القياس، ويُقصد به: الحُكم بثبوت الشّيء في الزّمان الثاني بناءً على ثبوته في الزّمان الأوّل. وقد اختلف الأصوليون في حجيّة القياس؛ فمنهم من ذهبَ إلى أنّه حجة، ومنهم من قال: ليس بحجّة، ومنهم جعله حجة على المجتهد فيما بينه وبين الله عز وجل، ومنهم من ذهب إلى أنه يصلُح للدفع لا للرفع، ومنهم من قال أنّه يجوز للترجيح لا غير. واستدلَّ القائلون بحجيته بنصوصٍ من الكتاب والسّنة والإجماع والعقل.

التعريف

التعريف لغة

الاستصحاب لغةً: الصاد والحاء والباء أصل واحد يدل على مُقارنة شيء ومُقاربته. والسين والتاء تدلّان على الطّلب. ومن ذلك قولهم: استصحبَ الرّجل، أي: دعاهُ إلى الصّحبة ولازمه. قيل: استصحبتُ الحال: إذا تمسّكت بما كانَ ثابتاً، كأنّك جعلت تلك الحالة مُصاحبة غير مُفارقة. انظر "لسان العرب" لابن منظور (1 /250)، "المصباح المنير" للفيومي (1 /95)، "مقاييس اللغة" لابن فارس (3 /335).

التعريف اصطلاحًا

الاستصحاب: هو بقاء الأمر، والحال، والاستقبال على ما كانَ عليه في الماضي. فالأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يقوم الدليل على خِلاف ذلك. انظر "تقريب الوصول" لابن جزي (ص 391)، "إرشاد الفحول" للشوكاني" (2 /974). أو هو: الحُكم بثبوت الشّيء في الزّمان الثاني بناءً على ثبوته في الزّمان الأوّل. انظر "شرح المنهاج" للأصفهاني (2 /172).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

تعريف الاستصحاب في اصطلاح الأصوليين موافق لما جاء في اللغة، فهو مأخوذ من المُصاحبة: وهو بقاء ذلك الأمر ما لم يوجد ما يغيّره. انظر "إرشاد الفحول" للشوكاني (2 /974) فالاستصحاب: استفعال الصّحبة، وهي استدامة إثبات ما كان ثابتاً، أو نفي ما كان منفيّاً.

الأدلة

القرآن الكريم

الاستصحاب في القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ﴾ [الأعراف: 24] فقد دلّت الآية على أنَّ الأرض جعلها الله تعالى متاعاً ومستقراً إلا ما استثناهُ الدّليل الشرعي. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: 87] فقد دلّت الآية على أنَّ الأصل في الطّيبات الّتي خلقها الله تعالى الحل والإباحة، فيجوز للمُسلم الأخذ والتّمتع بتلك الطّيبات، إلا ما استثناه الدليل من التحريم والحظر، وذلك مثل: الخنزير، والميتة، والنجاسات. وقال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: 30] فقد دلّت الآية الكريمة على أنَّ الإنسان يخلق بالفطرة، أي يخلق بالإسلام والإيمان والصلاح والطهارة والاستقامة، ثمَّ تشوبه شوائب الزمان والمكان، فيبقى على فطرته ودينه إذا أخلص الاعتقاد وأحسن الأعمال، أو يزيغ عنها إذا اتّبع هواه وشهواته. انظر "تعليم علم الأصول" للخادمي (ص 282) ولذلك جاءت القاعدة الاستصحابية المعروفة: الأصل في الإنسان البراءة. والأصل براءة الذّمة؛ فالإنسان بريء من التّجريم والتجريح والتفسيق حتى تثبت إدانته بدليلٍ معتبرٍ ومقبول.

السنة النبوية

الاستصحاب في السنة النبوية
ما أخرجه البخاري في صحيحه (137) أنَّهُ شَكَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرَّجُلُ الذي يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّه يَجِدُ الشَّيْءَ في الصَّلَاةِ؟ فَقالَ: لا يَنْفَتِلْ - أوْ لا يَنْصَرِفْ - حتَّى يَسْمع صَوْتًا أوْ يَجِدَ رِيحًا. ففي الحديث حُكم استدامة الوضوء عند الاشتباه، فالأصل استدامةالوضوء إلى أن يقوم الدّليل بانتقاضه.

الإجماع

أجمع العلماء واتفق المجتهدون عل حجيّة الاستصحاب وأحقيّته وأهميّته في عمليّة الاجتهاد والاستنباط، وقد تمثّل ذلك في تصريحاتهم، وتنصيصاتهم الأصوليّة الجليّة أوّلاً، وفي تطبيقاتهم وفروعهم الفقهية الكثيرة ثانياً؛ كبقاء الوضوء والحدث والزّوجية والملك، مع وجود الشّك في رافعها. والّتي أفادت في مُجملها أهميّة ذلك الاستصحاب ومكانته في دين الله تعالى وشرعه وأحكامه. انظر "تعليم علم الأصول" للخادمي (ص 281)، "أصول الفقه الإسلام" للزحيلي (2 /170)

العقل

إنَّ ما ثبتَ في الزّمان الأول من وجود أمرٍ أو عدمه، ولم يظهر زواله لا قطعاً ولا ظَنّاً، فإنه يلزم بالضرورة والبداهة أن يحصل الظّن ببقائه كما كان، والعمل بالظّن واجب، وإن لَم نقُل به لكان يلزمُ منه ثلاثة أمور باطلة: أحدها: ألا تثبت أحكام الشريعة الثابتة في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم بالنّسبة إلينا؛ لجواز النسخ، فإنه إذا لم يحصُل الظن من الاستصحاب، يكونُ بقاؤها مساوياً لجواز نسخها، وحينئذٍ لا يُمكن الجزم بثبوتها، وإلا لزم التّرجيح من غير مرجح، فبه يظهر أنَّ ثبوت تلك الأحكام في زماننا هو اعتقادُ استمرارها على ما كانت عليه، وهذا هو الاستصحاب. وبعبارة أخرى: لو لَم يكُن الاستصحاب حجة، لما جزمنا بالشّرائع مع احتمال طروء الناسخ لها، لكن التالي باطل، فبطل المقدم وثبت نقيضه. ثانيها: ألا تتقرر معجزة أصلاً؛ لأنّ المعجزة أمر خارق للعادة متوقف على استمرار العادة، فإنّه لو لم يتوقف على استمرارها، لجاز تغيرها، فلا تكون المعجزة خارقة للعادة، واستمرار العادة متوقف على أنّ الأصل بقاء ما كان على ما كان، فإنّه لا معنى للعادة إلا إن تكرر وقوع الشيء على وجه مخصوص يقتضي اعتقاد أنه لو وقع لم يقع إلا على وجه ذلك. ثالثها: أن يكونَ الشّك في الطلاق كالشّك في النّكاح؛ لاشتراكهما في عدم حصول الظّن بما مضى، وحينئذٍ فيلزم أن يُباح الوطء فيهما، أو يحرم فيهما، وهو باطل اتفاقاً، بل يُباح الوطء للشاك في الطّلاق دونَ الشّاك في النكاح. انظر "مختصر ابن الحاجب" (ص 217).

الموقف من الاحتجاج به

اختلف الأصوليون هلى الاستصحاب حجّة عند عدم الدّليل أم لا، وكانت آراؤهم على النّحو التّالي: الرّأي الأول: أنّه حجة. وبه قالت الحنابلة، والمالكيّة، وأكثر الشّافعيّة، والظّاهريّة، سواء كان في النّفي أو الإثبات. الرّأي الثّاني : أنّه ليس بحجّة. وإليه ذهبَ أكثرُ الحنفيّة، والمُتكلّمين. قالو: لأنَّ الثبوت في الزّمان الأول يفتقر إلى الدّليل، فكذلك في الزّمان الثّاني؛ لأنّه يجوز أن يكون، ويجوز أن لا يكون. الرّأي الثالث: أنّه حجّة على المُجتهد فيما بينه وبين الله عزّ وجل؛ فإنّه لم يُكلَّف إلا ما يدخُل تحت مقدوره، فإذا لم يجد دليلاً سواه، جازله التّمسك به. ولا يكون حجّة على الخصم عند المُناظرة، فإنّّ المُجتهدين إذا تناظروا، لم ينفع قوله: لم أجد دليلاً على هذا؛ لأنَّ الاستصحاب لا يكون إلا عند عدم الدّليل. الرّأي الرّابع: أنّه يصلُح حجّة للدفع لا للرفع. وإليه ذهب أكثر الحنفيّة. ويعبّرون عن هذا بأنَّ استصحاب الحال صالحٌ لإبقاء ما كان على ما كان، إحالةً على عدم الدّليل، لا لإثبات أمرٍ لم يكُن. الرّأي الخامس: أنّه يجوز به التّرجيح لا غير. نقله أبو إسحاق عن الشافعي، وقال: إنه الذي يصحُّ عنه، لا أنه يحتجُّ به. الرّأي السّادس: أنَّ المستصحِب إن لم يكُن غرضه سوى نفي ما نفاه، صحّ ذلك، وإن كان غرضه إثبات خلاف قول خصمه، من وجهٍ يُمكن استصحاب الحال في نفي ما أثبته فلا. حكاه أبو منصور البغدادي عن بعض الشّافعيّة. انظر "إرشاد الفحول" للشوكاني (975- 976)

الأقسام والأنواع

للاستصحاب خمسة أنواع، وهي: النّوع الأوّل: استصحاب العدم الأصلي، وهو الّذي عرف العقل نفيه بالبقاء على العدم الأصلي؛ كنفي وجوب صلاة سادسة، وصوم شوال. فالعقل يدلُّ على انتفاء وجوب ذلك لا لتصريح الشّارع، لكن لأنّه لا مثبت للوجوب فبقي على النّفي الأصلي لعدم ورود السمع به. النّوع الثّاني: استصحاب العموم إلى أن يرِد مُخصص، واستصحاب النّص إلى أن يرد النّسخ، وهو دليلٌ على دوام الحثكم ما لم يرد النسخ، كما دلّ العقل على البراءة الأصليّة بشرط أن لا يرِد سمع مغير. النّوع الثّالث: استصحاب حُكم دلَّ الشّرع على ثبوته ودوامه؛ كالمُلك عند جريان فعل الملك. وكشغل الذّمة عند جريان إتلاف أو إلزام. فإنّ هذا وإنْ لَم يكُن حكماً أصليّاً فهو شرعي دلَّ الشرع على ثبوته ودوامه جميعاً، ولولا دلالات الشّرع على دوامه إلى حصول براءة الذّمة لما جاز استصحابه. فالاستصحاب ليس بحجّة إلا فيما دلَّ الدّليل على ثبوته ودوامه بشرط عدم المغير، كما دلَّعلى البراءة العقليّة وعلى الشّغل السّمعي، وعلى الملك الشّرعي. النّوع الرّابع: استصحاب حال الإجماع في محل الخِلاف. ومثاله: من قال إنَّ المتيمم إذا رأى الماء في خلال الصّلاة مضى في الصّلاة؛ لأنَّ الإجماع منعقدٌ على صحّة صلاته ودوامها وطريان وجود الماء كطريان هبوب الريح وطلوع الفجر وسائر الحوادث، فنحن نستصحب دوام الصّلاة حتّى يدل الدّليل على أنَّ رؤية الماء قاطعة. فهذا ليس بحجة عند كافة المحققين، وذهب الصيرفي والمزني وأبو ثور إلى صحته وهو مذهب داود. النّوع الخامس: الاستصحاب المقلوب: وهو استصحاب الحال في الماضي؛ كما إذا وقع البحث في أنّ هذا المكيال مثلاً كانَ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ فيقول القائل: نعم؛ إذ الأصل موافقة الماضي للحال. انظر "الإبهاج" للسبكي (6 /2608- 2612)