البحث

عبارات مقترحة:

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الحق

كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

قطيعة الرحم

حرص الإسلامُ على بناءِ مجتمعٍ مُتماسك مترابط، وعظّمَ أمرَ القطيعة وجعلها من الكبائر، وعظُمت فيها العقوبة، وقاطع الرحم على خطرٍ عظيم، لما صحَّ في ذلك من عقوبات شديدة ثبتت في كتاب الله وسنة النبي صلّى الله عليه وسلّم.

التعريف

التعريف اصطلاحًا

هَجرُ الأقاربِ، وتركُ وصلهم، وترك الإحسان إليهم، بغيرِ عذرٍ شرعيٍّ. وإذا عرفنا قطع الرحم بترك الوصل، فلا بد من بيان معنى صلة الرحم: ففعلك مع قريبك ما تُعدُّ به واصلًا غير منافر ومُقاطعٍ له، ويحصل ذلك تارة بالمال، وتارة بقضاء حاجته أو خدمته أو زيارته. وفي حق الغائب بنحو هذا، وبالمكاتبة، وإرسال السلام عليه، ونحو ذلك. انظر "إحياء علوم الدين" للغزالي (2 /359)، "روضة الطالبين" للنووي (5 /390)، " معجم لغة الفقهاء" للقلعجي(ص 335)، "تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين" للسمرقندي (ص558).

الأدلة

القرآن الكريم

قطيعة الرحم في القرآن الكريم
1- قرنَ اللهُ عزَّ وجلَّ نفسَه بالرّحم، وقد كان ذلك معهودًا عند العرب: قال تعالى : ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء : 1]، عن عبدالله بن عباس: «جاء أبو سُفيانَ بنُ حَرْبٍ إلى رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا مُحمَّدُ أنشُدُكَ اللهَ والرَّحِمَ فقد أكَلْنا العِلْهِزَ - يعني الوَبَرَ والدَّمَ - فأنزَل اللهُ : ﴿وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون: 76]. أخرجه ابن حبان (967) 2- وقرنَ الله عزَّ وجلَّ قطيعة الرحم بالإفسادِ في الأرض وفاعلها ملعون: فقال: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [ محمد: 22] 3- وجعلَ سبحانه قطيعة الرّحمِ صفةً للفاسقين: قال: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [ البقرة: 26-27].

السنة النبوية

قطيعة الرحم في السنة النبوية
1- قاطعُ الرّحمِ يقطعُه الله: عن أبي هريرة: قال رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّم: «خلقَ اللهُ عزَّ وجلَّ الخَلْقَ، فلمّا فرغَ مِنْهُ قامَتِ الرَّحِمُ ، فقال: مَهْ ! قالتْ: هذا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قال ألا تَرْضَيْنَ أنْ أَصِلَ مَنْ وصَلَكِ وأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قالتْ: بلى يا رَبِّ ! قال: فذلكَ لكَ». أخرجه البخاري (4830) وعن عائشة أم المؤمنين: قال رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّم: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ تَقُولُ مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللَّهُ ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ». أخرجه مسلم (2555) 2- عقوبة قاطع الرحم معجلة في الدنيا: عن أبي بكرة نفيع بن الحارث: قال رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّم: «ما مِن ذنبٍ أجدَرَ أنْ يُعجِّلَ اللهُ لصاحبِه العقوبةَ في الدُّنيا مع ما يدَّخِرُ له في الآخرةِ مِن البغيِ وقطيعةِ الرَّحمِ». أخرجه ابن حبّان (455). وفي رواية: «من قطيعةِ الرَّحم، والخيانةِ، والكذب». وعن أنس، قال: قال رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلَّم : "بابانِ مُعجَّلان عُقوبتهُما في الدنيا: البغي، والعُقوق". رواه الحاكم في "صحيحه" وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1120). وعنه قال: قال رسولُ الله : "ليسَ شيءٌ أُطيعَ اللهُ فيه أعجَلَ ثواباً من صِلَة الرحم، وليسَ شيءٌ أعجَلَ عقاباً من البغي، وقطيعةِ الرَّحمِ، واليمينُ الفاجرةُ تدَعُ الديارَ بلاقِعَ" أخرجه البيهقي وغيره، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (978). وقوله: "تدَعُ الديارَ بلاقِعَ"؛ البلاقع جمع بَلْقَعَ وبلْقَعةَ؛ وهي الأرض القفْرُ التي لا شيء بها؛ يُريد أن الحالف بها يفتقر ويذهبُ ما في بيته من الرزق، وقيل هو أن يفرقَ اللهُ شملَه، ويُغيِّر عليه ما أولاه من نعمة. "النهاية". وعن القاسم بن عبد الرحمن، عن النبي قال: «من قَطَعَ رحماً، أو حلَفَ على يمين فاجِرةٍ، رأى وبالَه قبل أن يموت». "صحيح الجامع الصغير" (6475). 3- لا يدخُلُ الجنّة قاطع رحم: عن جبير بن مطعم قال: قال رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّم : «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قاطِعٌ». أخرجه البخاري (5984). وهذا من نصوص الوعيد، والوعيد لا يحصل إلا بتحقق الشروط وانتفاء الموانع، كما هو مقرر عند أهل السنة. 4- لا يُقبلُ عملُ قاطعِ الرَّحِم: عن أبي هريرة: قال رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّ أعمالَ بَني آدَمَ تُعرَضُ كُلَّ خَميسٍ ليلةَ الجُمُعَة فلا يُقبَلُ عَمَلُ قاطِع رحم». أخرجه أحمد (10272). 5- واصلُ الرّحم يطيلُ الله عُمُرَه ويوسّع عليه في الرّزق: عن أنس بن مالك: قال رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ عليه رِزْقُهُ، أوْ يُنْسَأَ في أثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». أخرجه مسلم (2557).

الإجماع

أجمع علماء المسلمين على وجوب صلة الرحم، قال القاضي عياض: «ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبيرة». "شرح مسلم" للنووي: (113/16).

الأضرار والمفاسد

1- قاطع الرحم ملعون في كتاب الله: قال الله تعالى ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22-23] ، قال علي بن الحسين لولده: «يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعونًا في كتاب الله في ثلاثة مواطن». "حلية الأولياء " للأصبهاني (3 /184) 2- قاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين: قال الله تعالى: ﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [ البقرة: 26-27]. 3- قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا ولعذاب الأخرة أشد وأبقى: قال رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّم: «ما مِن ذنبٍ أجدَرَ أنْ يُعجِّلَ اللهُ لصاحبِه العقوبةَ في الدُّنيا مع ما يدَّخِرُ له في الآخرةِ مِن البغيِ وقطيعةِ الرَّحمِ». أخرجه ابن حبّان (455). 4- لا يرفع له عمل ولا يقبله الله: عن أبي هريرة: قال رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّ أعمالَ بَني آدَمَ تُعرَضُ كُلَّ خَميسٍ ليلةَ الجُمُعَة فلا يُقبَلُ عَمَلُ قاطِع رحم». أخرجه أحمد (10272) 5- سبب في المنع من دخول الجنة: عن جبير بن مطعم: قال رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّم : «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قاطِعٌ». أخرجه البخاري (5984). وقطيعة الرحم من الأمور التي تفشت في مجتمعات المسلمين لا سيما في هذه الأزمان التي طغت فيها المادة، وقل فيها التواصي والتزاور فكثير من الناس مقصرون في هذا الواجب وواقعون في معصية قطيعة الرحم، وقد حذّرنا اللهُ من ذلك أشد التحذير بقوله: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [ محمد : 22 ]، والسبب في إهمال كثير من الناس لصلة أرحامهم هو الجهل بالدين، وابتعاد الناس عن الهدي النبوي، فكلما كان الشخص عارفاً بالله كان أخشى لله، وصلة الرحم من خشية الله، وقطيعته من معصية الله، نسأل الله السلامة.

وسائل الاجتناب

للقطيعة أسباب تحمل عليها منها الجهل؛ فإنَّ الجهل بفضيلة صلة الأرحام يفوت على المرء فضيلة ذلك، وكذا الجهل بخطر القطيعة وعظمة إثم القاطع يحمل عليها. وكذلك من أسباب القطيعة: ضعف التقوى، وقلة الوازع الديني فإذا ضعفت التقوى، وَرَقَّ الدينُ لم يبال المرء بقطع ما أمر الله به أنْ يوصل، ولعل من أكثر أسباب القطيعة الكبر؛ فبعضهم يتكبر على أقاربه حينما يفيء اللهُ عليه بشيءٍ من عرض هذه الدنيا الفانية؛ فتوسوس نفس المتكبر أنَّه صاحب الحق، وأنه أولى بأنْ يزار ويؤتى إليه. ولعل كثيرًا من الناس يدفعهم إلى قطيعة الرحم الشح والبخل، فمن الناس من إذا رزقه الله مالاً أو جاهاً تجده يتهرب من أقاربه لا كبراً عليهم ، وإنما شحاً وبخلاً أنْ يبذل عليهم. ومن أسباب القطيعة الاشتغال بالدنيا واللهث وراء حطامها، فلا يجد المنهمك في جمع حطام الدنيا الوقت الكافي لصلة أقاربه. وربما كان التحاسد والتنافر سبباً في كثير من الأرحام المقطوعة. ثم إنَّ الوشاية والإصغاء إليها تكون في كثير من الأحايين سبباً في قطيعة الرحم؛ لأنَّ من الناس من دأبه وديدنه إفساد ذات البين فتجده يسعى بين الأحبة لإفساد ذات بينهم. وإذا علمنا أسباب قطيعة الرحم، فإن من الأمور التي تعين في اجتناب تلك الكبير، والبعد عن الوقوع فيها: 1 - التفكر في الآثار المترتبة على الصلة: فإن معرفة ثمرات الأشياء، واستحضار حسن عواقبها من أكبر الدواعي إلى فعلها، وتمثلها، والسعي إليها. 2 - النظر في عواقب القطيعة: وذلك بتأمل ما تجلبه القطيعة من هم، وغم، وحسرة، وندامة، ونحو ذلك، فهذا مما يعين على اجتنابها والبعد عنها. 3 - الاستعانة بالله: وذلك بسؤال التوفيق، والإعانة على صلة الأقارب. 4 - مقابلة إساءة الأقارب بالإحسان: فهذا مما يبقي على الود ويحفظ ما بين الأقارب من العهد، ويهون على الإنسان ما يلقاه من شراسة أقاربه وإساءتهم. 5 - قبول أعذارهم إذا أخطؤوا واعتذروا: ومن جميل ما يذكر في ذلك ما جرى بين يوسف عليه السلام وإخوته، فلقد فعلوا به ما فعلوا، وعندما اعتذروا - قبل عذرهم، وصفح عنهم الصفح الجميل؛ فلم يقرعهم، ولم يوبخهم، بل دعا لهم، وسأل الله لهم المغفرة لهم. 6 - الصفح عنهم ونسيان معايبهم، حتى ولو لم يعتذروا: فهذا مما يدل على كرم النفس، وعلو الهمة؛ فالعاقل اللبيب، يعفو عن أقاربه وينسى عيوبهم، ولا يذكرهم بها، ومن جميل ما يذكر في ذلك قول القائل: وحسبك من ذُلٍّ وسوء صنيعة*****مناواة ذي القربى وإن كان قاطعُ ولكن أواسيه وأنسى عيوبَه*****لتُرجِعَهُ يومًا إلي الرواجعُ ولا يستوي في الحكم عبدان: واصل*****وعبد لأرحام القرابة قاطعُ "قطيعة الرحم: المظاهر - الأسباب - سبل العلاج" ل محمد بن إبراهيم الحمد (1 /35)