البحث

عبارات مقترحة:

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

الصبر

الصبر: هو حبسُ النّفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن عن لطمِ الخدود، وشقِّ الثيابِ، ونحوِ ذلك. وقد جاءت الكثير من الآيات والأحاديث التي تحث على الصبر وتبين فضله، وقد ورد ذكره في القرآن في نحو تسعين موضعاً. وقد ذُكِرَ للصبر ثلاث صور وهي: الصّبر على الطاعات، والصبر عن المنهي عنه حتى لا يقع فيه، والصبر على المصائب. من الأمور التي تُعين على تحقيق الصبر: الأول: أن يتذكر الإنسان أنّ الله قد ارتضى له هذا الأمر، واختاره له، و أن يتذكر العبد أنّ الذي ابتلاه بهذا هو أرحم الرّاحمين، و أن يعلم أنّ هذه المصيبة هي دافعٌ نافع، ساقه إليه الطبيب العليم بمصلحته، الرحيم به، فليصبر على تجرعه، ولا يتقيأه بتسخطّه وشكواه، فيذهب نفعه باطلاً. كذلك فإنّ للصبر ثمراتٌ وفوائد عديدة في الدُّنيا والآخرة، منها: فوز الصّابرين بمعيّة الله سبحانه وتعالى لهم، و أنّ الله سبحانه ينصر المؤمنين على أعدائهم إذا صبروا واتقوا، وأنّ الصبر خيرٌ لهم في الدّنيا والآخرة، و أنّ الصّبر من أسباب الفلاح والفوز، وأنّ لهم المغفرة والأجر الكبير من الله، و أنّهم الرّابحون، وأنّ الله يبشرهم بالثواب على صبرهم.

التعريف

التعريف لغة

الصبر في اللغة: مأخوذٌ من الحبسِ والمنع. وقيل: أصلُ الكلمة من الشّدة والقوّة، ومنه: الصّبر للدواء المعروف؛ لشدة مرارته وكراهته. وقيل: مأخوذٌ من الجمع والضّم. انظر: "مقاييس اللغة" لابن فارس (3 /329-330)، "تاج العروس" لمرتضى الزبيدي (12 /271-273).

التعريف اصطلاحًا

الصّبر: حبسُ النّفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطمِ الخدود، وشقِّ الثيابِ، ونحوِ ذلك. انظر "عدة الصابرين" لابن القيم (ص12). وقيل: هو المقامُ مع البلاء بحسن الصّحبة، كالمقام مع العافية. انظر "الرسالة القشيرية" للقشيري (ص256). وقيل: هو الثبات مع الله، وتلقي بلائه بالرّحب والدعة. انظر "الرسالة القشيرية" للقشيري (ص256)، "مدارج السالكين" لابن القيم (2/158).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

جميع المعاني اللغوية للصبر (المنع، والشّدة، والضّم) متحققة في معناه الشرعي؛ فهو حبسٌ للنفس وفِطام لها عن مشتهياتها، ودواعيها الّتي تدعوها إلى الميل مع الشهوات، والملذّات والرّاحة، والكسل، والإخلاد إلى الأرض، وهو أيضاً مرّ المذاق. فإنّ الصبرَ لما كان فيه من الخشونة والضّيق على نفس الصّابر عوضهم الله عزّ وجل بالجنّة التي فيها البرودة والسعة بدلاً من الصّبر وضيقه، وعوضهم بالحرير لما فيه من النّعومة مقابل خشونة الصبر. انظر "حادي الأرواح" لابن القيم (1 /393)، "جامع الرسائل" لابن تيمية (1/73). كما أنّ الصّابر يجمعُ نفسه ويضمها عن الهلع والجزع. انظر "عدة الصابرين" لابن القيم (ص18)

الفروق

الفرق بين الصبر و الفرق بين الصبر، والتصبر، والاصطبار، والمُصابرة، والمرابطة:

تتفاوت هذه الألفاظ بحسب حال العبد في نفسه، وبحسب حاله مع غيره؛ فإن حَبَسَ نفسه، ومنعها عن إجابة داعي ما لا يَحسُن، إن كان ذلك خلقًا، وسجيّة، ومَلَكة، سمي: صبرًا، وإن كان بتكلّف وتمرّن، وتجرّع لمرارته، سمي: تصبُّرًا. قيل: الصّبر: ألا يفرق بين حال النّعمة وحال المِحنة، مع سكون الخاطر فيهما. والتّصبر: هو سكون مع البلاء، مع وجدان أثقال المحنة. انظر "مدارج السالكين" لابن القيم (2 /159). أمّا المصابرة: فهي مقاومة الخصم في ميدان الصّبر، فإنَّها مُفاعلة، تستدعي وقوعها بين اثنين؛ كالمشاتمة، والمُضاربة. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 200] فأمرهم بهذه الأحوال كلها، فقد يصبر العبد ولا يُصابر، وقد يصبر ولا يُرابط، وقد يصبر ويصابر، ويُرابط من غير تعبّد بالتقوى، فأخبر سبحانه أن مِلاكَ ذلك كله التقوى، وأنّ الفلاح موقوفٌ عليها. والمرابطة كما أنها لزوم الثُغر الذي يُخاف هجوم العدو منه في الظاهر، فهي لزوم ثغر القلب؛ لئلا يدخل منه الهوى والشّيطان فيزيله عن مملكته. انظر "عدة الصابرين" لابن القيم (ص31-34).

الأدلة

القرآن الكريم

الصبر في القرآن الكريم
ذكِرَ الصبر في القرآن في نحو تسعينَ موضعًا ومن هذه الآيات الّتي تحث على الصّبر: قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: 35] وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: 153] وقوله تعالى: ﴿وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46]

السنة النبوية

الصبر في السنة النبوية
وردت نصوص كثيرة في السنة النبوية تأمر بالصّبر وتحُّث عليه، منها: ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «يقولُ لِامْرَأَةٍ مِن أهْلِهِ: تَعْرِفِينَ فُلَانَةَ؟ قالَتْ: نَعَمْ، قالَ: فإنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَرَّ بهَا وهي تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقالَ: اتَّقِي اللَّهَ، واصْبِرِي، فَقالَتْ: إلَيْكَ عَنِّي، فإنَّكَ خِلْوٌ مِن مُصِيبَتِي، قالَ: فَجَاوَزَهَا ومَضَى، فَمَرَّ بهَا رَجُلٌ فَقالَ: ما قالَ لَكِ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قالَتْ: ما عَرَفْتُهُ؟ قالَ: إنَّه لَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: فَجَاءَتْ إلى بَابِهِ فَلَمْ تَجِدْ عليه بَوَّابًا، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، واللَّهِ ما عَرَفْتُكَ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أوَّلِ صَدْمَةٍ». أخرجه البخاري (7154). ومنها: ما روي في "الصحيحين" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي : «ما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ». أخرجه البخاري (1469)، ومسلم (1053). ومنها: ماروي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ». أخرجه البخاري (5641).

الإجماع

الصّبرُ واجبٌ بإجماع الأمّة؛ فهو نصف الإيمان، فإنّ الإيمان نصفان: نصفٌ صبرٌ، ونصفٌ شكر. انظر "الإكسير" لمجموعة من الباحثين (ص153).

العقل

الصبر من خاصية الإنسان، ولا يتصوّر في البهائم لنقصانها، وغلبة الشهوات عليها من غير شيء يُقابلها، ولا يتصوّر الصبر أيضاً في الملائكة لكمالها؛ فإنّ الملائكة جردوا للشوق إلى حضرة الربوبية، ولم تسلط عليهم شهوة صارفة عنها حتى يحتاج إلى مُصادمة ما يصدها عن حضرة الجلال. وأما الإنسان فإنه يخلق في ابتداء الصّبا ناقصًا مثل البهيمة، لم يخلق فيه إلا شهوة الغذاء الذي هو مُحتاجٌ إليه، ثمَّ تظهر فيه شهوة اللعب والزينة، ثمّ شهوة النكاح، وليس له قوة الصبر، فإذا تحرك العقل وقوي، ظهرت مبادئ إشراق نور الهداية عند سن التمييز، وينمو على التدرج إلى سن البلوغ، كما يبدو نور الصبح إلى أن يطلع قرص الشمس، ولكنها هدايةٌ قاصرة لا مرشدَ لها إلى مصالح الآخرة، فإذا عقد بمعرفة الشرع تلمح بما يتعلق بالآخرة وكثر سلاحه، إلا أن الطبع يقتضي ما يحب، وباعث الشرع والعقل يمنع، والحرب بينهما قائمة، ومعركة هذا القتال قلب العبد، فالصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الشهوات، فإن ثبت حتى قهر الشهوة، التحق بالصّابرين، وإن ضعف حتى غلبت الشهوة ولم يصبر على دفعها، التحق بأتباع الشياطين، وإذا ثبت أنّ الصبر عبارة ثبات باعث الدين في مقاومة الهوى، فهذه المقاومة من خاصّة الآدميين. انظر "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة (ص255).

حِكَم وأمثال

قال عمر رضي الله عنه: «وجدنا خير عيشنا بالصّبر». أخرجه أحمد في "الزهد" (ص117). وقال: «إنّ أفضلَ عيشٍ أدركناه بالصّبر، ولو أنَّ الصّبرَ كانَ من الرّجال كان كريمًا». أخرجه ابن أبي الدنيا في "الصبر" (6). قال علي رضي الله عنه: «الصّبر مطيّة لا تكبو». وقال أيضاً: «الصّبر من الإيمان بمنزلة الرّأس من الجسد، وإذا ذهبَ الرّأس ذهب الإيمان». أخرجه وكيع في "الزهد" (199). قال الحسن رضي الله عنه: «الصّبر كنزٌ من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبدٍ كريمٍ عليه». أخرجه ابن أبي الدنيا في "الصبر" (16). قال ابن القيم: «فمتى فقدتِ الصَّبرَ واليقين كنتَ كمن أرادَ السّفر في البحر في غير مركب». "الفوائد" لابن القيم (ص220).

الصور

النوع الأول: الصّبر على الطّاعات: وما أمر الله به من العبادات، وما يلحق النّفس في إقامتها من المشقّة. يقول ابن تيمية: «فإنّ العبد لا يكادُ يفعلُ المأمور به إلا بعد صبرٍ ومصابرة، ومجاهدة لعدو الظّاهر والباطن، فبحسب هذا الصبر يكون أداؤه للمأمورات وفعله للمستحبات». "قاعدة في الصبر" لابن تيمية (ص2) النوع الثاني: صبرٌ عن المنهي حتى لا يفعله: فإنَّ النفس ودواعيها وتزيين الشّيطان وقرناء السوء تأمره بالمعصية وتجرئه عليها، فبحسب قوة الصبر يكون تركه لها. قال بعض السّلف: أعمال البر يفعلها البر والفاجر ولا يقدر على ترك المعاصي لا صديق. النوع الثالث: الصبر على ما يُصيبه بغير اختياره من المصائب: وهي نوعان: نوعٌ لا اختيار للخلقِ فيه: كالأمراض وغيرها من المصائب السّماوية، فهذه يسهل الصّبرُ فيها؛ لأنّ العبد يشهد فيها قضاء الله وقدره، وأنّه لا مدخل للناس فيها، فيصبر إمّا اضطرارًا وإما اختيارًا، فإن فتح الله على قلبه باب الفكرة في فوائدها، وما في حشوها من النّعم والألطاف، انتقل من الصّبر عليها إلى الشكر لها والرّضا بها، فانقلبت حينئذٍ في حقه نعمة، وهذا يَقوَى ويَضعُف بحسب قوة محبة العبد لله وضعفها. مايحصل له بفعل النّاس في ماله أو عرضه أو نفسه، فهذا النوع يصعب الصبر عليه جدّاً؛ لأنّ النّفس تستشعر المؤذي لها، وهي تكره الغلبة، فتطلب الانتقام فلا يصبر على هذا إلا الأنبياء والصديقون. انظر "قاعدة في الصبر" لابن تيمية (ص3-4). انظر في أنواع الصبر: "رياض الصالحين" للنووي، و"القوانين الفقهية" لابن جزي (ص637).

وسائل الاكتساب

الأولى: أن يتذكر الإنسان أنّ الله قد ارتضى له هذا الأمر، واختاره له، وأنّ العبوديّة الحقّة تقتضي أن يرضى بما رضي الله عز وجل له، فلا يتبرّم، ولا يتسخّط، ولا يندب حظه، ولا يشكو ربه، ولا يجزع مما قدره الله عليه. الثّانية: أن يتذكر العبد أنّ الذي ابتلاه بهذا هو أرحم الرّاحمين، وهو أحكم الحاكمين، فهو أرحم به من نفسه، وإن كان نقص، وإن كان فقد، وإن كان عيب. الثالثة: أن يعلم أنّ هذه المصيبة هي دافعٌ نافع، ساقه إليه الطبيب العليم بمصلحته، الرحيم به، فليصبر على تجرعه، ولا يتقيأه بتسخطّه وشكواه، فيذهب نفعه باطلاً. الرابعة: التذكّر جيدًا بأنّ هذه الأمور المكروهات التي تقع إنّما هي بسبب الذنوب والتقصير، والله يقول: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30]، فيكون شغل العبد بدلاً من الجزع والتفكير في المصيبة التفكير في أسباب المعصية، وهي التي جرّها العبدُ على نفسه؛ فإنّ من حُسن العقل في ذلك أن يكون التفكير بالتقصير، ومعرفة الذنوب الّتي أوجبت له مثل هذه المصيبة، فيتدارك ذلك، ويرجع إلى الله عز وجل، وتكون هذه المصيبة سبباً لتصحيح مساره، وتقويم سلوكه، وتهذيب نفسه، وإصلاح قلبه. الخامسة: أن يشهد حقّ الله عليه في هذه المصيبة وهو الصبر، فحق الله علينا في البلية والمصيبة هو الصبر، فنحن مأمورون بأداء هذا الحق لله عز وجل، وإذا كان الله تعالى قد قدّر المصيبة وأمر بالصبر، فقد وعد على الصبر بحسن الجزاء وأحسن العطاء. السّادسة: أن يعلم الإنسانُ أنّ هذه قضيّة مقدرة ثابتة لا بدّ من وقوعها، وأنّ الله عز وجل قد كتب ما للإنسان وهو في بطن أمه أيضًا، حينما بعث إليه الملك، فأمره بأربع كلمات: يكتب أجله، ورزقه، وعمله، وشقيٌ أم سعيد، فهذه الأشياء التي تقع للإنسان لا بدّ من حصولها. فالعاقل لا يجزع من أمرٍ قد فرغ منه، فما قدرّه الله عز وجل فلا بدّ من وقوعه وتحققه، ولو اجتمع الخلق جميعاً على دفعه فلا يُمكن أن يدفعوه. السابعة: أن يتذكّر أنّ الجزَعَ كما أنّه لا يرد الفائت، فإنه يسرّ الشامت. انظر "أعمال القلوب" للسبت (2 /282-308).

الفوائد والمصالح

في الدنيا: يجعل الله لأهله الإمامة في الدّين قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24]، فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدّين. فوز الصّابرين بمعيّة الله سبحانه وتعالى لهم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153]. أنّ الله يصلي عليهم ويرحمهم ويهديهم، قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)﴾ [البقرة]. أنّ الله سبحانه ينصر المؤمنين على أعدائهم إذا صبروا واتقوا، قال تعالى: ﴿وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ [آل عمران: 120]. الصّبر على المصائب من عزم الأمور، قال تعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ اْلْأُمُورِ﴾ [الشورى: 43]. أنّ الله يحبّ الصابرين، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 146]. أنّ الصابرين هم الّذين ينتفعونَ بآيات الله، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [لقمان: 31]، وقد ذكرها الله في أربعة مواضع من القرآن كلها تدلّ على أنَّ آيات الله إنما ينتفع بها أهل الصبر والشكر. أنّ الصبر خيرٌ لهم في الدّنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ﴾ [الشورى: 126]. في الآخرة: أنّ الصّبر من أسباب الفلاح والفوز، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 200]. مُضاعفة أجور الصّابرين، قال تعالى: ﴿أولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا﴾ [القصص: 54]، قال الأوزاعي: ليس يوزن لهم ولا يُكال لهم إنّما يغرف لهم غرفًا. أنّ الملائكة تسلم عليهم في الجنة جزاء صبرهم، قال تعالى: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)﴾ [الرعد] أنّ لهم المغفرة والأجر الكبير من الله، قال تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: 11]. أنّهم الرّابحون، قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾ [العصر]. أنّ الله يبشرهم بالثواب على صبرهم، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155]. انظر "التحفة العراقية" لابن تيمية (ص156-158).

نماذج وقصص

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «اشتكى ابنٌ لأبي طلحة، قال: فمات، وأبو طلحة خارج، فلما رأت امرأته أنّه قد مات هيّأت شيئاً، ونحته في جانب البيت، فلمّا جاء أبو طلحة قال: كيف الغُلام؟ قالت: قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظنّ أبو طلحة أنّها صادقة، قال: فبات، فلمّا أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج أعلمته أن قد مات، فصلى مع النبي ثمّ أخبر النبي بما كان منهما، فقال رسول الله : لعلّ الله يبارك لكما في ليلتكما، قال رجلٌ من الأنصار: فرأيت لهما تسعة أولاد، كلهم قد قرأ القرآن». أخرجه البخاري (1301). وعن عمران القصير قال: «أصيب مطرف بن عبد الله بابنٍ له، فأتاه قوم يعزّونه، فخرجَ إليهم أحسن ما بِشراً، ثم قال: إني لأستحيي من الله أن أتضعضع لمصيبة». أخرجه ابن عساكر في "تاريخه" (58 /318). وهذه قصة ذكرها أبو محمد ابن حزم وقعت لأبيه ابن حزم، وكان وزيرًا لأحد الملوك في بلاد الأندلس، وهو المنصور بن أبي عامر، وهي قصة ثابتة، فقد قال ابنُ حزم: أخبرني هشام بن محمد عن أبيه أنه كان بين المنصور أبي عامر محمد بن أبي عامر في بعض مجالسه للعامة، فرفعت إليه رقعة استعطاف لأم رجل مسجون كان ابن عامر حنق عليه بجرم استعظمه، فلما قرأها اشتد غضبه، وقال: ذكرتني والله به وأخذ القلم يوقع وأراد أن يكتب يصلب فكتب: يطلق ورمي الكتابة إلى الوزير فأخذ أبوك القلم، وتناول رقعة، وجعل يكتب بمقتضى التوقيع إلى صاحب الشرط فقال له ابن أبي عامر: ما هذا الذي تكتب؟ قال: بإطلاق فلان فحرد وقال: من أمر بهذا؟ فناوله التوقيع فلما رآه قال: وهمت ثم خط على ما كتب وأراد أن يكتب: يصلب فكتب: يطلق، فأخذ والدك الرقعة فلما رأى التوقيع: تمادى على ما بدأ به من الأمر بإطلاقه ونظر إليه المنصور متماديًا على الكتاب، فقال: ما تكتب؟ قال: بإطلاق الرجل، فغضب غضبًا أشد من الأول، وقال: من أمر بهذا ؟ فناوله الرقعة فرأى خطه، فخط على ما كتب، وأراد أن يكتب: يُصلَب، فكتب: يُطلَق، فأخذ والدك الكتاب، فنظر ما وقع به ثم تمادى فيما كان بدأ به، فقال له: ماذا تكتب؟ قال: بإطلاق الرجل، وهذا الخطاب ثالثًا بذلك فلما رآه عجب، وقال: نعم يطلق على رغمي فمن أراد الله إطلاقه لا أقدر أنا على منيته أو كما قال. "الإمام ابن حزم" للظاهري (ص80).