البحث

عبارات مقترحة:

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

الشكر

الشكر هو: ظهور أثر نعمة الله على عبده ثناءً واعترافاً، وعلى قلبه شهوداً ومحبّةً وعلى جوارحه انقياداً وطاعةً. فالشّكرُ هو القيامُ بطاعته والتّقربُ إليه بأنواع محابّه ظاهراً وباطناً، وهذان الأمران هما جِماع الدّين؛ فذكره مُستلزمٌ لمعرفته، وشكره مُتضمّنٌ لطاعته، وهذان هما الغاية التي خُلق لأجلها الجنّ والإنس، والسموات والأرض، ووُضع لأجلها الثواب والعقاب، وأُنزل الكتب، وأُرسل الرسل، وهي الحق الذي به خُلقت السموات والأرض وما بينهما، وضّدها هو الباطل والعبث الذي يتعالى ويتقدّس عنه سبحانه. وقد جاءت آيات وأحاديث كثيرة تحثّ المُسلم على الشكر وتبيّن جزاء الشاكرين، ومن مظاهر الشكر وصوره: سجود الشكر، والتحدث بنعمة الشكر، وإعمال الجوارح بطاعة الله. ومما يُعين على الشكر: حسن النظر في نعم الله الحاضرة، والدّعاء، والتّفكر في نِعَم الله. وقد جعل الله عز وجل للشكر فوائد عظيمة منها: نيل محبة الله والقرب منه، وتحقيق النّجاة، ودوام النِعَم وزيادتها.

التعريف

التعريف لغة

أصل الشّكر في كلام العرب: ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان ظهورًا بيِّنًا. يُقال: شكرت الدّابة: إذا ظهر عليها أثرُ العلف. انظر "لسان العرب" لابن منظور (6 /93). أيضًا، الشكر: الثّناء على المُحسن بما أوْلاكه من المعروف. انظر "مختار الصحاح" للرازي (ص344).

التعريف اصطلاحًا

الشكر في الاصطلاح: ظهور أثر نعمة الله على عبده ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبًّة وعلى جوارحه انقيادًا وطاعةً. انظر "مدارج السالكين" لابن القيم (2 /244). وقيل: هو الثّناء على المُنعم، ومحبّته والعمل بطاعته. انظر "طريق الهجرتين" لابن القيم (ص449).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

الشكر في معناه اللغوي موافق لمعناه الاصطلاحي. يقول ابن القيم: «وأصلُ الشكر في وضع اللسان: ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان ظهورًا بيِّنًا، كذلك حقيقته في العبودية، وهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعةً» "مدارج السالكين" لابن القيم (2 /244)

الفروق

الفرق بين الشكر و الحمد

الحمدُ: يتضمن المدح والثّناء على المحمود بذكر محاسنه، سواء كان الإحسان إلى الحامد أو لم يكُن، والشّكر: لا يكون إلا على إحسان المشكور إلى الشّاكر. فمن هذا الوجه الحمدُ أعمُّ من الشّكر؛ لأنه يكون على المحاسن والإحسان. وأمّا الشّكر فإنه لا يكون إلا على الإنعام، فهو أخصُّ من الحمد من هذا الوجه، لكنه يكون بالقلب واليد واللّسان. والحمدُ إنّما يكون بالقلب واللسان، فمن هذا الوجه الشّكر أعمّ من جهة أنواعه، والحمد أعمّ من جهة أسبابه. انظر "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (11 /133-134). يقول القرطبي: «الصحيح: أنّ الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان، والشّكر ثناءٌ على المشكور بما أولى من الإحسان، وعلى هذا الحد قال علماؤنا: الحمد أعمّ من الشّكر». "تفسير القرطبي" (1 /207). وقال ابن القيم: «الشّكر أعمّ من جهة أنواعه وأسبابه، وأخصّ من جهة متعلقاته، والحمدُ أعم من جهة المتعلّقات، وأخصُّ من جهة الأسباب. ومعنى هذا: أنّ الشكر يكون بالقلبِ خضوعًا واستكانةً، وباللسان ثناءً واعترافًا، وبالجوارح طاعةً وانقيادًا. ومتعلقّه النعم دون الأوصاف الذّاتية. فلا يُقال: شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه، وهو المحمود عليها، كما هو محمود على إحسانه وعدله. والشّكر يكون على الإحسان والنعم، فكل ما يتعلق به الشّكر يتعلّق به الحمد من غير عكس. وكل ما يقع به الحمد يقع به الشّكر من غير عكس؛ فإنّ الشكر يقع بالجوارح، والحمدُ يقعُ بالقلب واللسان». "مدارج السالكين" لابن القيم (2 /246).

الفضل

الشّكرُ سبيُل رسلُ الله وأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أخصّ خلقه وأقربهم إليه، يندرجُ فيه جميع مقامات الإيمان، حتى المحبّة والرّضا والتّوكل وغيرها؛ فإنّ الشكر لا يصحُّ إلا بعد حصولها، فهو: «جامعٌ لجميع مقامات الإيمان؛ ولذلك كان أرفعها وأعلاها، فجميعُ المقامات مُندرجةٌ فيه، لا يستحقُّ صاحبه اسمه على الإطلاق إلا باستجماع المقامات له، ولهذا كان الإيمانُ نصفين: نصفٌ شكرٌ، ونصفٌ صبر، والصّبر داخلٌ في الشّكر، فرجع الإيمانُ كلّه شكراً، والشّاكرون هم أقلُّ العباد، كما قال تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13]». كما أنّ مبنى الدّينِ على قاعدتين: الذّكرُ، والشّكر. وقد جمعهما الله تعالى بقوله: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152]. وقال النبي لمعاذ رضي الله عنه: «يا مُعاذُ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّكَ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّك، فقالَ: أوصيكَ يا معاذُ لا تدَعنَّ في دُبُرَ كلِّ صلاةٍ تقولُ: اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عبادتِكَ». أخرجه أبو داود (1522). والذكرُ رأسُ الشّكر، والذّكرُ والشّكر جماعُ السعادةِ والفلاح. انظر "الوابل الصيب" لابن القيم (ص161). والشّكرُ: هو القيامُ بطاعته والتّقربُ إليه بأنواع محابّه ظاهرًا وباطنًا، وهذان الأمران هما جِماع الدّين؛ فذكره مُستلزمٌ لمعرفته، وشكره مُتضمّنٌ لطاعته، وهذان هما الغاية التي خُلق لأجلها الجنّ والإنس، والسموات والأرض، ووُضع لأجلها الثواب والعقاب، وأُنزل الكتب، وأُرسل الرسل، وهي الحق الذي به خُلقت السموات والأرض وما بينهما، وضّدها هو الباطل والعبث الذي يتعالى ويتقدّس عنه سبحانه. انظر "الفوائد" لابن القيم (ص186). والعبدُ لا يخلو قط من أن يكونَ في نعمةٍ أو بليّة؛ فإن كان في نعمةٍ ففرضها الشكر والصبر؛ فالشكر قيدها، والصبر لئلا يقع فيما يتسبب في سلبها. وقد سمّى الله تعالى نفسه شاكرًا، وشكورًا، وسمّى الشاكرين بهذين الاسمين، وهذا تشريف وتكريم لهم، وحسبك بهذا محبةً للشاكرين وفضلًا. قال تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا﴾ [الإنسان: 22] وقال: ﴿وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء: 147]. وقلة أهله في العالمين تدلُّ على أنهّم هم خواصُّه، قال تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13]. انظر "أعمال القلوب" للسبت (2 /415).

الأدلة

القرآن الكريم

الشكر في القرآن الكريم
دلّ الكتابُ على أمرِ الله جلّ وعلا لعبادِه بأن يشكرُوه تبارك وتعالى على ما أولاهم من النّعم: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة: 172]. وقال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: 17]. وقد وعدَ الله أهل الشّكر بأحسن الجزاء، قال تعالى: ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 144]. وقال تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ﴾ [القمر: 35]. ومدح الله عزّ وجل الشّاكرين، قال تعالى: ﴿نَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [لقمان: 31]. وأخبر الله عزوجل عن رضاه بشكر الشّاكرين: ﴿وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: 7].

السنة النبوية

الشكر في السنة النبوية
أثنى رسول الله على المؤمن؛ بأنّه إذا أصابته سرّاء شكر، وإذا أصابته ضرّاء صبر، يقول الرسول في الحديث الذي راوه صهيب الرومي: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له». أخرجه مسلم (2999). وقد أوصى الرسول معاذ بن جبل بالشكر فقال: «يا مُعاذُ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّكَ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّك، فقالَ: أوصيكَ يا معاذُ لا تدَعنَّ في دُبُرَ كلِّ صلاةٍ تقولُ: اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عبادتِكَ» أخرجه أبو داود (1522). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال: «الطاعمُ الشَّاكرُ بمنزلةِ الصائمِ الصابرِ» أخرجه البخاري مُعَلِّقًا بعد حديث (5460)، وأخرجه موصولاً الترمذي (2486)، وابن ماجة (1764) واللفظ لهما، وأحمد (7793).

الإجماع

الشكر واجبٌ بإجماع الأمة؛ فالإيمان نصفان: نصف شكر، ونصف صبر، وقد أمر الله به، ونهى عن ضدّه، وأثنى على أهله، ووصف به خواص خلقه، وجعله غاية خلقه وأمره، ووعد أهله بأحسن جزائه، وجعله سبباً للمزيد من فضله، وحراساً وحافظاً لنعمته، وأخبرَ أنّ أهله هم المُنتفعون بآياته، واشتقَّ لهم اسمًا من أسمائه؛ فإنه سبحانه هو الشّكور، وهو موصل الشّاكر إلى مشكوره، بل يُعيد الشاّكر مشكورًا، وهو غاية رضا الرب من عبده. انظر "الإكسير" لمجموعة من الباحثين (ص167).

العقل

يكون العبدُ إمّا شاكراً لنعمه سبحانه، وإمّا كافراً بها، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7] وقال عن نبيه سلميان عليه السلام: ﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل: 40] وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [لقمان: 12] فمن لَم يشكُر وقع في الكُفر؛ إما في الكفر الأكبر، وإمّا في كُفران النعمة، فلا يُنجي من الوقوع في هذا الضلال إلا الشّكر، فتعيّن القول بفرضيّته، ووجوبه على النّاس. انظر "أعمال القلوب" للسبت (2 /413)

حِكَم وأمثال

قالت عائشة رضي الله عنها: «ما مِن عبدٍ يشربُ الماء القراح فيدخلُ بغير أذى ويخرجُ بغير أذى، إلا وجب عليه الشّكر» "عدة الصابرين" لابن القيم(ص145) وقال مطرّف بن الشخير: «لأن أُعافى فأشكُر أحبّ إليَّ من أبتلى فأصبُر» "الزهد" لأحمد بن حنبل (ص297) وقال أيضاً: «نظرتُ ما هو خيرٌ لا شرّ فيه، فإذا هو أن يعاف العبدُ فيشكر» "الزهد" لأحمد بن حنبل (ص293) وقال يزيد بن ميسرة: «لا تضر نعمة معها شكر» "الزهد" لأحمد بن حنبل (ص462) وقال محمد بن كعب القرظي: «إنّ نوحاً عليه السلام كان إذا أكل، قال: الحمد لله، وإذا شرب قال: الحمد لله. وإذا لبس قال: الحمد لله. فسماه الله عبداً شكوراً» "الزهد" لأحمد بن حنبل (ص66_67) وقال الفضيل بن عياض: «عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلّ نعمة زالت عن قومٍ فعادت إليهم» "إحياء علوم الدين" للغزالي (4 /119)

الصور

أوّلاً: سجود الشكر: وهو سجود مخصوص لحصول نعمة. ففي حديث كعب بن مالك رضي الله عنه المشهور في توبته حين تخلّف عن رسول الله في غزوة العُسرة، قال: «فَبيْنَا أنَا جَالِسٌ علَى الحَالِ الَّتي ذَكَرَ اللَّهُ، قدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وضَاقَتْ عَلَيَّ الأرْضُ بما رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ، أوْفَى علَى جَبَلِ سَلْعٍ بأَعْلَى صَوْتِهِ: يا كَعْبُ بنَ مَالِكٍ أبْشِرْ، قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وعَرَفْتُ أنْ قدْ جَاءَ فَرَجٌ، وآذَنَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الفَجْرِ» أخرجه البخاري (4418) ثانياً: التحدث بها: عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: «التَّحدُّثُ بنعمةِ اللهِ شُكرٌ ، و تركُها كُفرٌ ، و مَن لا يشكرُ القَليلَ لا يَشكرُ الكثيرَ ، و مَن لا يشكرُ النَّاسَ لا يشكرُ اللهَ ، و الجماعةُ برَكةٌ ، و الفُرقةُ عذابٌ» أخرجه أحمد (18449) ثالثاً: إعمالُ الجوارح بطاعة الله: قال رجلٌ لأبي حازم: «ما شكرُ العينين يا أبا حازم؟ قال: إن رأيتَ بهما خيراً أعلنته، وإن رأيتَ بهما شرّاً سترته، قال: فما شُكر الأذنين؟ قال: إن سمعتَ بهما خيراً وعيته، وإن سمعتَ بهما شرّاً دفعته. قال: فما شكرُ البطن؟ قال: أن يكونَ أسفلهُ طعاماً، وأعلاهُ علماً. قال: فما شكر الفرج؟ قال: كما قال الله عز وجل ﴿إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)﴾ [المؤمنون]. قال: فما شُكر الرّجلين؟ قال: إنْ رأيت حيّاً غبطته استعملتَ بهما عمله، وإن رأيت ميتاً مقتّه كففتهما عن عمله وأنت شاكر لله عزَ وجل. فأمّا من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه؛ فمثَلُه كمثل رجل له كساء، فأخذ بطَرَفه ولم يلبسه، فلم ينفع ذلك من الحرِّ، والبرد، والثلج، والمطر» أخرجه ابن أبي الدنيا في "الشكر" (129) رابعاً: ظهور أثر النّعمة على العبد: فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله : «إنَّ اللَّهَ يُحبَّ أن يَرى أثرَ نعمتِه علَى عبدِه» أخرجه الترمذي (2819) خامساً: الرّضا والتّسليم بقضاء الله : فعن الربيع بن أن عن بعض أصحابه قال: «علامة حبّ الله: كثرة ذكره، وعلامة الدّين: الإخلاص لله. وعلامة العِلم: الخشية لله، وعلامة الشّكر: الرّضا بقضاء الله، والتّسليم لقدره» أخرجه محمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (744) سادساً: شكر النّاس : فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكرُ اللهَ» أخرجه الترمذي (1954).

وسائل الاكتساب

أوّلاً: تنمية المحبة الصّادقة لله تبارك وتعالى: فإنّ العبدَ إذا كان مُحبّاً لله، فإنّه يستعظمُ ما يصلُ إليه من الله من النعم، ويعترفُ بها، فهو مسرورٌ بذلك؛ لأنّ الله قد اختاره، وأولاه، وحرَمَ آخرين، وقد يكون ذلك أعظم في نظره من النّعمة نفسها. يقول ابن القيم: «وإنما يتأتى الشّكر لله من العبد إذا تمكّن حب الله من قلبه، وعَلِمَ حسن اختياره له، وبرّه به، ولُطفه به، وإحسانه إليه بالمُصيبة، وإنْ كرِهَ المصيبة وعبوديته في قضاء المعائب المبادرة إلى التوبة منها، والتّنصل والوقوف في مقام الاعتذار والانكسار» "الفوائد" لابن القيم (ص163-164) ثانيًا: النّظر في عظمة الله تعالى وصفات كماله: فالله عزّ وجل هو المستحق بذاته للعبادة والتّعظيم والإجلال؛ فالنّفوس العليّة الزّكية تعبده؛ لأنّه أهلٌ لأن يتعبد ويجل ويحب ويُعظم، فهو لذاته مستحقٌ للعبادة. ولا ينبغي للعبد أن يكونَ كأجير السوء، إن أُعطي أجره عمل، وإن لَم يُعطَ لم يعمل. كيف وهو يمتنُّ عليه بوافر النعم التي لا تُحصى؟! ويتفضّل عليه بأنواع الفضائل التي لا تُستقصى ؟! ثالثاً: حُسن النظر في نعمة الله الحاضرة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «انظروا إلى من هو أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقَكم ، فإنه أجدَرُ أن لا تزدَروا نعمةَ اللهِ عليكم» أخرجه الترمذي في "سننه" (2513). فالعاقل إنّما ينظرُ إلى من هو دونه، أو ينظر إلى من يُشاكله في أمر الصحبة والزواج والإنفاق والمسكن واللباس، ونحو ذلك؛ حتى يتعرف بحقٍ على نعم الله عليه، فلا يزدريها، فيؤدي به ازدراؤها إلى الكفر بها، ونسيان شكر المتفضّل عليه سبحانه، وإلا فإنه إذا تطلعّت عيناه إلى من هو أعلى منه نعمة تطلّع قلبه، وإذا تطلّع قلبه إلى نعمة من نعم الدّنيا، فلَم يطلها سخِط وتبرّم. والشّاكرُ راضٍ بالقليل، مقرٍّ بالفضل للمتفضِّل الجواد الكريم، رابضٌ، لا يترمرم. رابعاً: الدّعاء: فإذا علِمَ العبدُ أنّ النّعمَ كلها من الله وحده، نِعَم الطاعات، ونِعَم اللذات، رغبَ إليه ليُلهمه، ويوزعه شكرها، قال تعالى: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: 53] وكما أنَّ تلك النعم منه وحده سبحانه، فذكرها وشكرها لا يُنال إلا بتوفيقه. والعبدُ مفتقر مضطرٌ إلى الضراعة إلى الله عز وجل والابتهال إليه أن يدفع عنه العوارض، والأمور التي تصرفه عن القيام بحق الله في الشّكر. يقول ابن القيم: «فأنفعُ الدّعاء: طلبُ العونِ على مرضاته سبحانه، وأفضلُ المواهب إسعافُ العبد بهذا المطلوب، وجميع الأدعية المأثورة مدارها على ذها، وعلى دفع ما يضاده، وعلى تكميله، وتيسير أسبابه وقال ابن تيمية: تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال العون على مرضاته». "مدارج السالكين" لابن القيم (1 /78) خامساً: التفكّر في نِعَم الله: وهو أمرٌ جديرٌ بالعناية، ومن أعظم ما يتوصّل به إلى معرفة النّعم. فعن عبد الله بن أبي نوح قال: «قال لي رجلٌ على بعض السواحل: كم عاملته تعالى اسمه بما يكره، فعاملك بما تُحب؟ قلت: ما لا أحصي ذلك كثرةً. قال: فهل قصدتَ إليه في أمرٍ كرَبَك فخذلك؟ قلت: لا والله، ولكنه أحسن إلي، فأعانني. قال: قال: فهل سألته شيئاً قط فأعطاك؟ قلت: وهل منعني شيئاً سألته؟! ما سألته شيئاً قط إلا أعطاني، ولا استعنتُ به إلا أعانني. قال: أرأيتَ لو أنَّ ابن آدمَ فعلَ بك بعض هذه الخلال، ما كان جزاؤه عندك؟ قلت: ما كنت أقدر له على مكافأة ولا جزاء. قال: فربّك أحق وأحرى أن بذلت نفسك له في أداء شكر نعمه عليك، وهو المُحسن قديماً وحديثاً إليك، والله لشكره أيسر من مكافأة عباده، إنه تبارك وتعالى رضي بالحمد من عباده شكراً». أخرجه ابن أبي الدنيا في "الشكر" (141). فإذا لاحظ العبدُ ما هو فيه من نعمة الله، ومحض جوده، شهِدَ مع ذلك فقره إليه في كل لحظة، وعدم استغنائه عنه طرفة عين؛ فكانَ ذلكَ من أعظم أبواب الشّكر، وأسباب المزيد، وتوالي النعم عليه. انظر "أعمال القلوب" للسبت (2 /422-433).

الفوائد والمصالح

أوّلاً: المحبة لله تعالى: قال أبو سلميان الواسطي: «ذكرُ النّعمة يورث الحبّ لله» أخرجه ابن أبي الدّنيا في "الشكر" (29)؛ وذلك أنّ القلوب مجبولة على حُبّ من أحسن إليها، وبُغض من أساء إليها. ثانياً: القرب من الله تعالى: قال أبو حازم: «كلُّ نعمةٍ لا تُقرّبُ من الله فهيَ بليّة» أخرجه ابن أبي الدّنيا في "الشكر"(20) ولا يُمكن أن تُقرّبَ النّعمة من الله إلا بالشّكر عليها. ثالثاً: تحقيق النّجاة: قال أبو العالية: «إنّي لأرجو ألا يهلَكَ عبدٌ بين نعمة يَحمد الله عليها، وذنبٍ يستغفر الله منه» أخرجه ابن أبي الدنيا في "الشكر" (88). رابعاً: قوة الإيمان والانتفاع بآيات الله: «فالصبر والشكرِ سببان للانتفاع صاحبهما بالآيات، فعلى حسب صبر العبد وشكره تكون قوة إيمانه، وآيات الله إنّما ينتفعُ بها من آمنَ بالله، ولا يتمّ له الإيمان إلا بالصّبر والشّكر» "الفوائد" لابن القيم (ص191) فالصّابر الشاكر هو االمُنتفع بآيات الله. خامساً: دوام النّعمة: قال عمر بن عبد العزيز: «قيّدوا النّعمَ بالشُّكر» أخرجه ابن أبي الدّنيا في الشّكر (27) سادساً: مع الشّكر المزيد: قال علي رضي الله عنه لرجلٌ من همدان: «إنّ النّعمة موصَّلة بالشّكر، والشّكر معلّقٌ بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشّكر من العبد» رواه ابن أبي الدّنيا في "الشكر" (18).

نماذج وقصص

عن المُغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: «قَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فقِيلَ له: غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، قالَ: أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» أخرجه البخاري (4836) وأُمطِرَ أهل الكوفة مطراً، فهُدمت منه البيوت، فأعتق ابن أبي داود جاريةً له؛ شكراً لله تعالى إذ عافاه من ذلك. انظر "تاريخ ابن معين" لابن معين (4 /359_360) قال جعفر بن محمد بن علي: «فَقَد أبي بغلته، فقال: إن ردّها الله علي لأحمدنه بمحامد يرضاها، فما لب أن أُتيَ بها، بسرجها ولجامها فركبها، فلما استوى عليها، وضمَّ إليها ثيابه رفع رأسه إلى السماء، فقال: الحمد لله، لمم يزِد عليها، فقيل له في ذلك" فقال: وهل تركتُ شيئاً؟ أو أبقيتُ شيئاً؟ جعلتُ الحمد كله لله عز وجل» أخرجه ابن أبي الدنيا في "الشكر" (106) وعن مضارب بن حزن قال: «بينا أنا أسير من الليل إذا رجلٌ يُكبّر، فألحقته بعيري، قلت: من هذا المكبّر؟ قال: أبو هريرة. قلت: ما هذا التكبير؟ قال: شكراً؟ قلت: علامة؟ فقال: على أنّي منت أجيراً لبسرة بنت غزوان بعُقبة رجلي، وطعام بطني، فكان القوم إذا ركبوا سقت لهم، وإذا نزلوا خدمتهم، فزوّجنيها الله، فهي امرأتي اليوم، فأنا إذا ركِبَ القوم ركبت، وإذا نزلوا خدمت» أخرجه ابن ماجة (2445)