البحث

عبارات مقترحة:

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

المحبة

المحبّة هي إحدى أعمال القلوب؛ ويُقصد بها: ميل القلب إلى المحبوب، وذلك يقتضي إيثاره، وتقديمه على كلّ شيء. وقد ورَدَ ذِكْرُ المحبّة في القرآن الكريم والسّنة النبوية الشريفة في مواضع عديدة، ولها فضلٌ عظيم وأجرٌ كبير، وقد ضرَب لنا الصحابة والصالحين خير مثال على محبّة الله ورسوله.

التعريف

التعريف لغة

يدورُ أصلُ المحبّة في اللغة على ستّة معانٍ، هي: الأول: الصفاء والبياض. الثاني: العلوّ والظهور. الثّالث: اللزوم والثّبات. الرّابع: اللب. الخامس: الحفظ والإمساك. انظر"مقاييس اللغة" لابن فارس (2 /26)، "لسان العرب" لابن منظور (3 /7)، "الصحاح" للجوهري (1 /106)، "تهذيب اللغة" للأزهري (4 /8)

التعريف اصطلاحًا

يقول ابن القيم: «لا تحدُّ المحبة بحدٍّ أوضح منها؛ فالحدود لا تزيدها إلا خفاءً وجفاءً، فحدها وجودها ولا توصف المحبّة بوصفٍ أظهر من المحبّة» "مدارج السالكين" لابن القيم (3 /10) وقد عرض ابن القيم للمحبة نحو ثلاثين تعريفاً، أجمع ما قيل فيها ما قاله أبو بكر الكتاني: «جرَت مسألة في المحبّة بمكة أعزها الله أيام الموسم، فتكلّم الشيوخ فيها، وكان الجُنيد أصغرهم سِنّاً، فقالوا: هات ما عِندَك يا عراقي، فأطرق رأسه، ودمعت عيناه، ثم قال: عبدٌ ذاهبٌ عن نفسه، متصلٌ بذكر ربّه، قائمٌ بأداء حقوقه، ناظرٌ إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوار هيبته، وصفا شُربُه من كأس وُدّه، وانكشف له الجبار من أستار غيبه، فإذا تكلّم فبالله، وإن نطَقَ فعن الله، وإن تحرّك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله فبكى الشيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد، جبرك الله يا تاج العارفين» "مدارج السالكين" لابن القيم (3 /17) وقال النووي: «أصلُ المحبّة: الميل إلى ما يُوافق المُحب، ثمّ الميل قد يكون لما يستلذّه الإنسان ويستحسنه؛ كحسن الصورة والصوت والطعام ونحوها، وقد يستلذّه بعقله للمعاني الباطنة؛ كمحبة الصّالحين، وأهل الفضل مطلقاً، وقد يكون لإحسانه إليه، ودفع المضار والمكاره عنه» "شرح صحيح مسلم" للنووي (2/14) والحاصل أنّ حقيقة المحبة: ميل القلب إلى المحبوب، وذلك يقتضي إيثاره، وتقديمه على كلّ شيء، وذلك يزيد وينقص. انظر "أعمال القلوب" للسبت (2 /8)

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

تتضمن المعاني اللغوية الخمسة للمحبة جُملة من أوصاف المحبة ومقتضياتها، يقول ابن القيم «ولا ريبَ أنّ هذه الخمسة من لوازم المحبة؛ فإنها صفاء المودة، وهَيجان إرادات القلب للمحبوب، وعلوّها وظهورها عليه، وثبوت إرادة القلب للمحبوب، ولزومها لزوماً لا تُفارقه، ولإعطاء المحب محبوبه وهو لبّه، وأشرف ما عنده، وهو قلبه، ولاجتماع عزماته وإراداته وهمومه على محبوبه» "مدارج السالكين" لابن القيم (3 /10)

الفضل

«المحبّة لله تعالى هي الغاية القصوى من المقامات، فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرةٌ من ثمارها، وتابعٌ من توابعها؛ كالشوق، والأنس، والرّضى، ولا قبل المحبّة مقام إلا وهو من مُقدّماتها؛ كالتوبة والصبر والزّهد وغيرها» "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة (ص322) ومحبّة العبدِ لربّه وخالقه عزّ وجل تمثّل أحد شقي العبادة؛ لأنّ اسم العبادة يتناول غاية الحب مع غاية الذّل، وهذا هو حقيقة الدّين الّذي يدينُ النّاسُ به لربّ العالمين، فهذا الدين أو هذه العبادة لا بدَّ فيها من حب، ولا بدّ فيها من خضوع، بخلاف طاعتهم للملوك؛ فإنها تكون خضوعاً ظاهراً فقط. انظر "جامع المسائل" لابن تيمية المجموعة الرابعة (ص40) ومحبّة الله من أعظم الفروض، وليست هي من قبيل المُستحبّات الّتي يتزوّد بها العبد، ويتقرّب بها إلى ربّه ومولاه دون أن يُحاسب، أو يُؤاخذ على تقصيره وتفريطه فيها، بل إنّها من أعظم الواجبات، ومِن أَجلِّ قواعد الدّين وأكبر أصوله، بل هي أصلٌ لكل عملٍ من أعمال الدّين والإيمان؛ فإنّ كلّ حركة في الوجود إنَّما تصدرُ عن محبّةٍ محمودةٍ أو مذمومة؛ فجميع الأعمال الإيمانية الدّينية لا تصدرُ إلا عن المحبة المحمودة، وأصلُ المحبة المحمودة هي محبة الله عزّ وجل؛ إذ العمل الصّادر عن محبةٍ مذمومة عند الله لا يكون عملاً صالحاً» انظر "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (10 /48_49)

الأدلة

القرآن الكريم

المحبة في القرآن الكريم
تكرر ذكرُ المحبّة في كتاب الله، وجاء في صورٍ متعددة، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195] وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 146] وأخبر سبحانه وتعالى عن محبّة عباده المؤمنين له سبحانه، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ [البقرة: 165]، وقال تعالى: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: 54]

السنة النبوية

المحبة في السنة النبوية
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «مَتَى السَّاعَةُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ما أعْدَدْتَ لَهَا قالَ: ما أعْدَدْتُ لَهَا مِن كَثِيرِ صَلَاةٍ ولَا صَوْمٍ ولَا صَدَقَةٍ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، قالَ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ». أخرجه البخاري (6171) وعن أبي هريرة رضي الله عنه «أَنَّ رَجُلًا زارَ أخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فأرْصَدَ اللَّهُ له، علَى مَدْرَجَتِهِ، مَلَكًا فَلَمَّا أتَى عليه، قالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ: أُرِيدُ أخًا لي في هذِه القَرْيَةِ، قالَ: هلْ لكَ عليه مِن نِعْمَةٍ تَرُبُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ: فإنِّي رَسولُ اللهِ إلَيْكَ، بأنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّكَ كما أحْبَبْتَهُ فِيهِ» أخرجه مسلم (2576) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول قال: «مِنْ أشَدِّ أُمَّتي لي حُبًّا، ناسٌ يَكونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بأَهْلِهِ ومالِهِ» أخرجه مسلم (2832)

الإجماع

يقول ابن قدامة: «واعلم أنّ الأمّة مجمعةً على أنّ الحبَّ لله ولرسوله فرض» "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة (ص322)

أقوال أهل العلم

«مَن عرَفَ ربّه أحبه، ومَن أحبَّ غير الله تعالى، لا من حيث نسبته إلى الله، فذلك لجهله وقصوره عن معرفته؛ فأمّا حب الرّسول صلى الله عليه وسلّم، فذلك لا يكون إلّا عن حُب الله تعالى، وكذلك حبُّ العُلماء والأتقياء؛ لأنّ محبوبَ المحبوبِ محبوب، بل إنّ ما يفعل المحبوب محبوب، ورسول المحبوب محبوب، وكلّ ذلك يرجعُ إلى حبِّ الأصل، ولا محبوب في الحقيقة عند ذوي البصائر إلا الله تعالى، ولا مُستحقَّ للمحبّة سواه» الحسن البَصْري "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة (ص323)
«ومتى رأيتَ القلبَ قد ترحّل عن حبّ الله، والاستعداد للقائه، وحلَّ فيه حبُّ المخلوق، والرّضا بالحياة الدّنيا، والطّمأنينة بها، فاعلم أنّهُ قد خُسِفَ به» ابن القَيم "بدائع الفوائد" لابن القيم (3 /1200)
«محبّة الله وسيلة إلى أن يُعامله العبد مُعاملة المُحب لحبيبه في المُبادرة لطاعته، والمُسارعة إلى كلّ ما يُرضيه، واجتناب كلّ ما يُسخطه، والتحرز من أسباب سخطه، والاحتياط لأسباب رضاه». العز بن عبد السلام "شجرة المعارف والأحوال" للعز بن عبد السلام (ص45_46)

وسائل الاكتساب

الأسباب الجالبة للمحبة عشرة وهي: أحدها: قراءة القرآن بالتّدبر والتفهم لمعانيه وما أُريد به؛ كتدبّر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه؛ ليتفهم مُراد صاحبه منه. الثّاني: التّقرب إلى الله بالنّوافل بعد الفرائض؛ فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة. الثالث: دوام ذكره على كلّ حال، باللسان والقلب، والعمل والحال، فنصيبه من المحبّة على قدر نصيبه من هذا الذّكر. الرّابع: إيثار محابّه على محابِّك عند غلبات الهوى، والتَّسنم إلى محابّه، وإن صعُب المرتقى. الخامس: مُطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومُشاهدتها ومعرفتها، وتقلّبه في رياض هذه المعرفة وميادينها؛ فمن عرَف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبّه لا محالة. السّادس: مشاهدة برِّه وإحسانه وآلائه، ونعمه الباطنة والظّاهرة؛ فإنها داعية إلى محبّته. السابع: انكسار القلب بكليّته بين يديه. الثامن: الخَلوة به وقت النّزول الإلهي؛ لمُناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتّأدب بأدب العبوديّة بين يديه، ثمّ ختمُ ذلك بالاستغفار والتّوبة. التّاسع: مُجالسة الصّادقين، والتقاطُ أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي أطايب الثّمر، ولا تتكلّم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلمت أنّ فيه مزيداً لحالك، ومنفعةً لغيرك. العاشر: مُباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عزّ وجل. انظر "الإكسير" لمجموعة من الباحثين (220_222). يقول الشيخ عماد الدين الواسطي رحمه الله تعالى مبينًا سبيل محبة الله تعالى، ومشيرًا إلى العوائق التي تحول دون تحقيقها: «فصلٌ في بيان مَنشَأ المعرفة والمحبَّة لله عز وجل، من أين تنشأ؟ ومن ماذا تنشأ؟ أصل المعرفة: الإيمان بالله عز وجل وبرسوله ، وإنما ينشأ الإيمان من معرفة الرسول بمعرفة سيرته، وسنته، وغزواته، ومعجزاته، وآياته، وكراماته، فبذلك يعلم شأن النبوة، وتلوح أدلتها وبراهينها في القلوب. ومتى علم شأن النبوة، ورسخت معالمها ودلائلها في القلوب: كانت كرسيًّا لعلم التوحيد، وطريقًا إلى معرفة الربّ العظيم المرسل الباعث، لأن النبوة آيات الله عز وجل وبيناته ودلالاته لمن اتسع فهمه وصفا من الكدر، وطلب استخراج ذلك منه. وإنما حجب أكثر من حجب عن حقائق التوحيد، وإن كانوا عالمين بالسنة وتفاصيلها، لأنهم يطلبون من السنة معرفة الأحكام وهممم قاصرة عن طلب السنة لمعرفة حقائق الإيمان، ولو طلبوه - مع المشيئة - لأدركوه، فهمهم منصرفة إلى محبة الدنيا، ومناصبها، والرفعة فيها، قد سرحت قلوبهم في أكناف الدنيا، وانصرفت عن أكناف الآخرة، وحجبت عن شهود المعرفة وذوق المحبة، ولم يتجاوزوا صورة الشريعة وظواهر الأحكام إلى حقائق أسرارها ومدلولاتها من المعارف الإلهية، فلم يشرق في قلوبهم شيء من أنوار الصفات ولا معارف الأفعال». "مدخل أهل الفقه واللِّسَان إلى ميدان المحبّة والعرفان" للواسطي (ص49).

الفوائد والمصالح

لمحبّة الله فوائد وثمرات عديدة، منها: أوّلاً: أنّها تبلغنا الدّرجات العُلى عند الله تبارك وتعالى : ولا بدَّ فيها من العمل والاتّباع، فلا تكفي دعوى المحبّة. ثانياً: أنّها تقود إلى طاعة الله عزّ وجل : وذلك أنّ القلب يكون مأسوراً لمن أحب، فلا يجد بدّاً من طاعته والانقياد إليه؛ فإذا غُرست شجرة المحبّة في القلب، وسُقيت بماء المعرفة والإخلاص، وصُدّقت بمُتابعة الحَبيب، أثمرت أنواع العبادات، وآتت أُكلها كل حينِ بإذن ربها. انظر "مدارج السالكين" لابن القيم (3 /9) ثالثاً: أنّ ذلك يُسهّل عليه الأمور الشّاقة : فالمحبّة كلّما تمكنت في القلب، ورسخت فيه كان أذى المحبّ في رضا محبوبه مستحلى غير مسخوط، والمحبّون يفتخرون عند أحبابهم بذلك. رابعاً: أنّها تورث الشّوق إلى لقاء الله عزّ وجل : والفرح بالوصول إلى المحبوب يكون على حسب قوّة المحبة وضعفها. خامساً: أنّها صلاحُ ما بينه وبين الخلق : كما قال بعضهم: «ما أقبل عبدٌ بقلبه إلى الله عزّ وجل إلا أقبلَ الله بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم» أخرجه أحمد في "الزهد" (232) سادساً: أنّها تورث نعيم القلب وسرور النّفس : فكلما كانت المحبة أكمل، وإدراك المحبوب أتم، والقرب منه أوفر، كانت الحلاوة اللذة والسرور والنّعيم أقوى. انظر "إغاثة اللهفان" لابن القيم (2 /931_932) سابعاً: تحقيق الحب في الله والبغض في الله : فيوالي أولياء الله، ويُعادي أعداءه؛ فإنّ أصل الموالاة المحبة، كما أنّ أصل المعاداة البغض، والمحب من حبه لحبيبه يحب كل ما يحبه، ويواليهم، وينصرهم، كما يبغض أعداءه، ويتبرأ منهم. انظر "جامع الرسائل" لابن تيمية (2 /384)

نماذج وقصص

قال الفضيل بن عياض في مرضه الذي مات فيه: «ارحمني بحبي إياك، فليس شيء أحبَّ إليَّ منك». أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (8 /109) وكان يقول: «كفى بالله محبّاً، وبالقرآن مؤنساً، وبالموت واعظاً، وكفى بخشية الله علماً، وبالاغترار جهلاً» أخرجه البيهقي في "الشعب" (449) ويقول آخر: «إنّه ليمرُّ بي أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيشٍ طيب» "الوابل الصيب" لابن القيم (ص111)